تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 11 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 784 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 131 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 30 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 94 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #101  
قديم 09-03-2022, 09:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (101)
صــ526 إلى صــ 530


إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب .

قوله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض) في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها: أن قريشا قالوا لليهود: ما الذي جاءكم به موسى ؟ قالوا: عصاه ويده البيضاء . وقالوا للنصارى: ما الذي جاءكم به عيسى؟ قالوا كان يبرئ الأكمه والأبرص ، ويحيي الموتى . فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وقالوا: ادع ربك يجعل لنا الصفا ذهبا ، فنزلت هذه الآية ، رواه ابن جبير عن ابن عباس .

والثاني: أن أهل مكة سألوه أن يأتيهم بآية ، فنزلت هذه الآية ، رواه أبو صالح عن ابن عباس .

والثالث: أنه لما نزل قوله تعالى: وإلهكم إله واحد [ البقرة: 163 ] . قالت قريش: قد سوى بين آلهتنا ، ائتنا بآية ، فنزلت هذه الآية ، قاله أبو الضحى ، واسمه: مسلم بن صبيح ، فأما تفسير الآية فقد سبق .
[ ص: 527 ] الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار .

قوله تعالى: الذين يذكرون الله قياما وقعودا في هذا الذكر ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه الذكر في الصلاة ، يصلي قائما ، فإن لم يستطع ، فقاعدا ، فإن لم يستطع ، فعلى جنب ، هذا قول علي ، وابن مسعود ، وابن عباس ، وقتادة .

والثاني: أنه الذكر في الصلاة وغيرها ، وهو قول طائفة من المفسرين .

والثالث: أنه الخوف ، فالمعنى: يخافون الله قياما في تصرفهم ، وقعودا في دعتهم ، وعلى جنوبهم في منامهم .

قوله تعالى: (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) قال ابن فارس: التفكر: تردد القلب في الشيء . قال ابن عباس: ركعتان مقتصدتان في تفكر ، خير من قيام ليلة ، والقلب ساه .

قوله تعالى: (ربنا) قال الزجاج: معناه: يقولون: (ربنا ما خلقت هذا باطلا) ، أي: خلقته دليلا عليك ، وعلى صدق ما أتت به أنبياؤك . ومعنى (سبحانك): براءة لك من السوء ، وتنزيها لك أن تكون خلقتهما باطلا ، (فقنا عذاب النار) ، فقد صدقنا أن لك جنة ونارا .
ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار

[ ص: 528 ] قوله تعالى: (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) قال الزجاج: المخزى في اللغة: المذل المحقور بأمر قد لزمه وبحجة . يقال: أخزيته: أي: ألزمته حجة أذللته معها . وفيمن يتعلق به هذا الخزي قولان .

أحدهما: أنه يتعلق بمن يدخلها مخلدا ، قاله أنس بن مالك ، وسعيد بن المسيب ، وابن جبير ، وقتادة ، وابن جريج ، ومقاتل .

والثاني: أنه يتعلق بكل داخل إليها ، وهذا المعنى مروي عن جابر بن عبد الله ، واختاره ابن جرير الطبري ، وأبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى: (وما للظالمين من أنصار) قال ابن عباس: وما للمشركين من مانع يمنعهم عذاب الله تعالى .
ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار .

قوله تعالى: (ربنا إننا سمعنا مناديا) في المنادي قولان .

أحدهما: أنه النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس ، وابن جريج ، وابن زيد ، ومقاتل .

والثاني: أنه القرآن ، قاله محمد بن كعب القرظي ، واختاره ابن جرير الطبري .

قوله تعالى: (ينادي للإيمان) فيه قولان .

أحدها: أن معناه ينادي إلى الإيمان ، ومثله: الذي هدانا لهذا [ الأعراف: 43 ] ، بأن ربك أوحى لها [ الزلزلة: 5 ] ، [يريد: هدانا إلى هذا ، وأوحى إليها ] قاله الفراء .

والثاني: بأنه مقدم ومؤخر: والمعنى: سمعنا مناديا للإيمان ينادي: قاله أبو عبيدة .

[ ص: 529 ] قوله تعالى: (وكفر عنا سيئاتنا) قال مقاتل: امح عنا خطايانا . وقال غيره: غطها عنا ، وقيل: إنما جمع بين غفران الذنوب ، وتكفير السيئات ، لأن الغفران بمجرد الفضل ، والتكفير بفعل الخير (وتوفنا مع الأبرار) قرأ نافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي "الأبرار" و"الأشرار" و"ذات قرار" وما كان مثله بين الفتح والكسر ، وقرأ ابن كثير ، وعاصم ، بالفتح ، ومعنى: "مع الأبرار" فيهم ، قال ابن عباس: وهم الأنبياء والصالحون .
ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد .

قوله تعالى: (ربنا وآتنا ما وعدتنا) قال ابن عباس: يعنون: الجنة (على رسلك) أي: على ألسنتهم . فإن قيل: ما وجه هذه المسألة والله لا يخلف الميعاد؟ فعنه ثلاثة أجوبة .

أحدها: أنه خرج مخرج المسألة ، ومعناه: الخبر ، تقديره: فآمنا ، فاغفر لنا لتؤتينا ما وعدتنا .

والثاني: أنه سؤال له ، أن يجعلهم ممن آتاه ما وعده ، لا أنهم استحقوا ذلك ، إذ لو كانوا قد قطعوا أنهم من الأبرار ، لكانت تزكية لأنفسهم .

والثالث: أنه سؤال لتعجيل ما وعدهم من النصر على الأعداء ، لأنه وعدهم نصرا غير مؤقت ، فرغبوا في تعجيله ، ذكر هذه الأجوبة ابن جرير ، وقال: أولى الأقوال بالصواب ، أن هذه صفة المهاجرين ، رغبوا في تعجيل النصر على أعدائهم . فكأنهم قالوا: لا صبر لنا على حلمك عن الأعداء ، فعجل خزيهم ، وظفرنا بهم .
فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم [ ص: 530 ] وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب .

قوله تعالى: (فاستجاب لهم ربهم) روي عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله ، لا أسمع ذكر النساء في الهجرة بشيء؟ فنزلت هذه الآية . واستجاب: بمعنى أجاب . والمعنى: أجابهم بأن قال لهم: إني لا أضيع عمل عامل منكم ، ذكرا كان أم أنثى .

وفي معنى قوله تعالى: (بعضكم من بعض) ثلاثة أقوال .

أحدها: بعضكم من بعض في الدين ، والنصرة والموالاة .

والثاني: حكم جميعكم في الثواب واحد ، لأن الذكور من الإناث ، والإناث من الذكور . والثالث: كلكم من آدم وحواء .

قوله تعالى: (فالذين هاجروا) أي: تركوا الأوطان والأهل والعشائر (وأخرجوا من ديارهم) يعني: المؤمنين الذين أخرجوا من مكة بأذى المشركين ، فهاجروا ، (وقاتلوا المشركين وقتلوا) . قرأ ابن كثير ، وابن عامر: "وقاتلوا وقتلوا" مشددة التاء . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وعاصم : "وقاتلوا وقتلوا" خفيفة . وقرأ حمزة ، والكسائي: "وقتلوا وقاتلوا" . قال أبو علي: تقديم "قتلوا" جائز ، لأن المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولا في المعنى ، مؤخرا في اللفظ .

قوله تعالى: (ثوابا من عند الله) قال الزجاج: هو مصدر مؤكد لما قبله ، لأن معنى: [ ص: 531 ] (لأدخلنهم جنات): لأثيبنهم .









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #102  
قديم 09-03-2022, 09:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
سُورَةُ آَلِ عِمْرَانَ
الحلقة (102)
صــ531 إلى صــ 534


لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد .

قوله تعالى: (لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد) اختلفوا فيمن نزلت على قولين .

أحدهما: أنها نزلت في اليهود ، ثم في ذلك قولان .

أحدهما: أن اليهود كانوا يضربون في الأرض ، فيصيبون الأموال ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس .

والثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم ، أراد أن يستسلف من بعضهم شعيرا ، فأبى إلا على رهن ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أعطاني لأوفيته ، إني لأمين في السماء أمين في الأرض" فنزلت ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .

والقول الثاني: أنها نزلت في مشركي العرب كانوا في رخاء ، فقال بعض المؤمنين: قد أهلكنا الجهد ، وأعداء الله فيما ترون ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول مقاتل . قال [ ص: 532 ] قتادة: والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والمراد غيره . وقال غيره: إنما خاطبه تأديبا ، وتحذيرا ، وإن كان لا يغتر . وفي معنى "تقلبهم" ثلاثة أقوال .

أحدها: تصرفهم في التجارات ، قاله ابن عباس ، والفراء ، وابن قتيبة ، والزجاج .

والثاني: تقلب ليلهم ونهارهم ، وما يجري عليهم من النعم ، قاله عكرمة ، ومقاتل .

والثالث: تقلبهم غير مأخوذين بذنوبهم ، ذكره بعض المفسرين . قال الزجاج: ذلك الكسب والربح متاع قليل . وقال ابن عباس: منفعة يسيرة في الدنيا . والمهاد: الفراش .
لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من عند الله وما عند الله خير للأبرار .

قوله تعالى: (لكن الذين اتقوا ربهم) قرأ أبو جعفر : "لكن" بالتشديد هاهنا ، وفي (الزمر) قال مقاتل: وحدوا . قال ابن عباس: "النزل" الثواب . قال ابن فارس: "النزل": ما يهيأ للنزيل ، والنزيل: الضيف .
وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب .

قوله تعالى: (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في النجاشي ، لأنه لما مات صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال قائل: يصلي على هذا العلج النصراني ، وهو في أرضه؟! فنزلت هذه الآية ، هذا قول جابر بن عبد الله ، وابن عباس ، وأنس . وقال الحسن ، وقتادة: فيه وفي أصحابه .

[ ص: 533 ] . والثاني: أنها نزلت في مؤمني أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد .

والثالث: في عبد الله بن سلام ، وأصحابه ، قاله ابن جريج ، وابن زيد ، ومقاتل .

والرابع: في أربعين من أهل نجران ، وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم كانوا على دين عيسى ، فآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، قاله عطاء .

قوله تعالى: (وما أنزل إليكم) يعني: القرآن ، (وما أنزل إليهم) يعني: كتابهم .

والخاشع: الذليل . (لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا) أي: عرضا من الدنيا كما فعل رؤساء اليهود ، وقد سلف بيان سرعة الحساب .
يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون .

قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا) قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: نزلت في انتظار الصلاة بعد الصلاة ، وليس يومئذ غزو يرابط . وفي الذي أمروا بالصبر عليه خمسة أقوال .

أحدها: البلاء والجهاد ، قاله ابن عباس .

[ ص: 534 ] الثاني: الدين ، قاله الحسن ، والقرظي ، والزجاج .

والثالث: المصائب ، روي عن الحسن أيضا . والرابع: الفرائض ، قاله سعيد بن جبير .

والخامس: طاعة الله ، قاله قتادة . وفي الذي أمروا بمصابرته قولان .

أحدهما: العدو ، قاله ابن عباس ، والجمهور .

والثاني: الوعد الذي وعدهم الله: قاله عطاء ، والقرظي . وفيما أمروا بالمرابطة عليه قولان .

أحدهما: الجهاد للأعداء ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة في آخرين . قال ابن قتيبة: وأصل المرابطة والرباط: أن يربط هؤلاء خيولهم ، وهؤلاء خيولهم في الثغر ، كل يعد لصاحبه .

والثاني: أنه الصلاة ، أمروا بالمرابطة عليها ، قاله أبو سلمة بن عبد الرحمن ، وقد ذكرنا في (البقرة) معنى "لعل" ومعنى "الفلاح" .

تم - بعون الله تبارك وتعالى - الجزء الأول من كتاب "زاد المسير في علم التفسير" ويليه الجزء الثاني ، وأوله: تفسير سورة (النساء)


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #103  
قديم 09-03-2022, 09:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (103)
صــ1 إلى صــ 5

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

4 - سُورَةُ النِّسَاءِ

يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا

اختلفوا في نزولها على قولين:

أحدهما: أنها مكية ، رواه عطية عن ابن عباس ، وهو قول الحسن ، ومجاهد ، وجابر بن زيد ، وقتادة .

والثاني: أنها مدنية ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وهو قول مقاتل . وقيل: إنها مدنية إلا آية نزلت بمكة في عثمان بن طلحة حين أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منه مفاتيح الكعبة، فيسلمها إلى العباس ، وهي قوله: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ذكره الماوردي .

قوله تعالى: اتقوا ربكم فيه قولان:

أحدهما: أنه بمعنى: الطاعة ، قاله ابن عباس . والثاني: بمعنى: الخشية . قاله مقاتل . .

والنفس الواحدة: آدم ، وزوجها حواء ، و"من" في قوله: وخلق منها للتبعيض في قول الجمهور . وقال ابن بحر : منها ، أي: من جنسها .

واختلفوا أي وقت خلقت له ، على قولين:

[ ص: 2 ] أحدهما: أنها خلقت بعد دخوله الجنة ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس .

والثاني: قبل دخوله الجنة ، قاله كعب الأحبار ، ووهب ، وابن إسحاق .

قال ابن عباس : لما خلق الله آدم ، ألقى عليه النوم ، فخلق حواء من ضلع من أضلاعه اليسرى ، فلم تؤذه بشيء ، ولو وجد الأذى ما عطف عليها أبدا ، فلما استيقظ; قيل: يا آدم ما هذه؟ قال: حواء .

قوله تعالى: وبث منهما قال الفراء: بث: نشر ، ومن العرب من يقول: أبث الله الخلق ، ويقولون: بثثتك ما في نفسي ، وأبثثتك .

قوله تعالى: الذي تساءلون به قرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، والبرجمي ، عن أبي بكر ، عن عاصم . واليزيدي ، وشجاع ، والجعفي ، وعبد الوارث ، عن أبي عمرو: ( تساءلون) بالتشديد . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وكثير من أصحاب أبي عمرو عنه بالتخفيف .

قال الزجاج : الأصل: تتساءلون ، فمن قرأ بالتشديد . أدغم التاء في السين ، لقرب مكان هذه من هذه ، ومن قرأ بالتخفيف ، حذف التاء الثانية لاجتماع التاءين .

وفي معنى "تساءلون به" ثلاثة أقوال .

أحدها: تتعاطفون به ، قاله ابن عباس . والثاني: تتعاقدون ، وتتعاهدون به . قاله الضحاك ، والربيع .

[ ص: 3 ] والثالث: تطلبون حقوقكم به ، قاله الزجاج .

فأما قوله: "والأرحام" فالجمهور على نصب الميم على معنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها ، وفسرها على هذا ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، والسدي ، وابن زيد . وقرأ الحسن ، وقتادة ، والأعمش ، وحمزة بخفض الميم على معنى: تساءلون به وبالأرحام ، وفسرها على هذا الحسن ، وعطاء ، والنخعي .

وقال الزجاج : الخفض في "الأرحام" خطأ في العربية لا يجوز إلا في اضطرار الشعر ، وخطأ في الدين; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحلفوا بآبائكم" وذهب إلى نحو هذا الفراء ، وقال ابن الأنباري: إنما أراد حمزة الخبر عن الأمر القديم الذي جرت عادتهم به ، فالمعنى: الذي كنتم تساءلون به وبالأرحام في الجاهلية . قال أبو علي: من جر عطف على الضمير المجرور بالباء ، وهو ضعيف في القياس ، قليل في الاستعمال ، فترك الأخذ به أحسن .

فأما الرقيب ، فقال: ابن عباس ، ومجاهد: الرقيب الحافظ . وقال الخطابي: هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء ، وهو في نعوت الآدميين الموكل بحفظ [ ص: 4 ] الشيء ، المترصد له ، المتحرز عن الغفلة فيه ، يقال منه: رقبت الشيء أرقبه رقبة .
وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا

قوله تعالى: وآتوا اليتامى أموالهم سبب نزولها: أن رجلا من غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم ، فلما بلغ ، طلب ماله فمنعه ، فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت ، قاله سعيد بن جبير . والخطاب بقوله: "وآتوا" للأولياء والأوصياء . قال الزجاج : وإنما سموا يتامى بعد البلوغ ، بالاسم الذي كان لهم ، وقد كان يقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يتيم أبي طالب .

[ ص: 5 ] قوله: ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب قرأ ابن محيصن: "تبدلوا" بتاء واحدة . ثم في معنى الكلام قولان .

أحدهما: أنه إبدال حقيقة ، ثم فيه قولان .

أحدهما: أنه أخذ الجيد ، وإعطاء الرديء مكانه ، قاله سعيد بن المسيب ، والضحاك ، والنخعي ، والزهري ، والسدي . قال السدي: كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ، ويجعل مكانها المهزولة ، ويأخذ الدراهم الجياد ، ويطرح مكانها الزيوف .

والثاني: أنه الربح على اليتيم ، واليتيم غر لا علم له ، قاله عطاء .

والقول الثاني: أنه ليس بإبدال حقيقة ، وإنما هو أخذه مستهلكا ، ثم فيه قولان .

أحدهما: أنهم كانوا لا يورثون النساء والصغار ، وإنما يأخذ الميراث الأكابر من الرجال ، فنصيب الرجل من الميراث طيب ، وما أخذه من حق اليتيم خبيث ، هذا قول ابن زيد .

والثاني: أنه أكل مال اليتيم بدلا من أكل أموالهم ، قاله الزجاج .

و"إلى" بمعنى: "مع" والحوب: الإثم . وقرأ الحسن ، وقتادة ، والنخعي ، بفتح الحاء .

قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: حوب بالضم ، وتميم يقولونه بالفتح .

قال ابن الأنباري: وقال الفراء: المضموم الاسم ، والمفتوح المصدر . قال ابن قتيبة: وفيه ثلاث لغات: حوب ، وحوب ، وحاب .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #104  
قديم 09-03-2022, 09:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (104)
صــ6 إلى صــ 10

وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا

[ ص: 6 ] قوله تعالى: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى اختلفوا في تنزيلها ، وتأويلها على ستة أقوال .

أحدها: أن القوم كانوا يتزوجون عددا كثيرا من النساء في الجاهلية ، ولا يتحرجون من ترك العدل بينهن ، وكانوا يتحرجون في شأن اليتامى ، فقيل لهم: بهذه الآية: احذروا من ترك العدل بين النساء ، كما تحذرون من تركه في اليتامى ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل .

والثاني: أن أولياء اليتامى كانوا يتزوجون النساء بأموال اليتامى ، فلما كثر النساء ، مالوا على أموال اليتامى ، فقصروا على الأربع حفظا لأموال اليتامى .

وهذا المعنى مروي عن ابن عباس أيضا ، وعكرمة .

والثالث: أن معناها: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا في صدقات اليتامى إذا نكحتموهن ، فانكحوا سواهن من الغرائب اللواتي أحل الله لكم ، وهذا المعنى مروي عن عائشة .

[ ص: 7 ] والرابع: أن معناها: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا في نكاحهن ، وحذرتم سوء الصحبة لهن ، وقلة الرغبة فيهن ، فانكحوا غيرهن ، وهذا المعنى مروي عن عائشة أيضا ، والحسن .

والخامس: أنهم كانوا يتحرجون من ولاية اليتامى ، فأمروا بالتحرج من الزنى أيضا ، وندبوا إلى النكاح الحلال ، وهذا المعنى مروي عن مجاهد .

والسادس: أنهم تحرجوا من نكاح اليتامى ، كما تحرجوا من أموالهم ، فرخص الله لهم بهذه الآية ، وقصرهم على عدد يمكن العدل فيه ، فكأنه قال: وإن خفتم يا أولياء اليتامى أن لا تعدلوا فيهن ، فانكحوهن ، ولا تزيدوا على أربع لتعدلوا ، فإن خفتم أن لا تعدلوا فيهن ، فواحدة ، وهذا المعنى مروي عن الحسن .

قال ابن قتيبة: ومعنى قوله: وإن خفتم ، أي: [فإن] علمتم أنكم لا تعدلون ، [بين اليتامى] يقال: أقسط الرجل: إذا عدل ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "المقسطون في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة" ويقال: قسط الرجل: إذا جار ومنه قول الله" وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وفي معنى العدل في اليتامى قولان .

أحدهما: في نكاح اليتامى ، والثاني: في أموالهم .

قوله تعالى: فانكحوا ما طاب لكم أي: ما حل لكم .

قال ابن جرير: وأراد بقوله: "ما طاب لكم" ، الفعل دون أعيان النساء ، ولذلك قال: "ما" ولم يقل: "من" واختلفوا: هل النكاح من اليتامى ، أو من غيرهن؟ على قولين قد سبقا .

قوله تعالى: مثنى وثلاث ورباع

[ ص: 8 ] قال الزجاج : هو بدل من "ما طاب لكم" ومعناه: اثنتين اثنتين ، وثلاثا ثلاثا ، وأربعا أربعا ، وإنما خاطب الله العرب بأفصح اللغات ، وليس من شأن البليغ أن يعبر في العدد عن التسعة باثنتين ، وثلاث ، وأربع ، لأن التسعة قد وضعت لهذا العدد ، فيكون عيا في الكلام .

وقال ابن الأنباري: هذه الواو معناها التفرق ، وليست جامعة ، فالمعنى: فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى ، وانكحوا ثلاث في غير الحال الأولى ، وانكحوا رباع في غير الحالين .

وقال القاضي أبو يعلى: الواو هاهنا: لإباحة أي الأعداد شاء ، لا للجمع ، وهذا العدد إنما هو للأحرار ، لا للعبيد ، وهو قول أبي حنيفة والشافعي .

وقال مالك: هم كالأحرار . ويدل على قولنا: أنه قال: فانكحوا ، فهذا منصرف إلى من يملك النكاح ، والعبد لا يملك ذلك بنفسه ، وقال في سياقها فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ، والعبد لا ملك له ، فلا يباح له الجمع إلا بين اثنتين .

[ ص: 9 ] قوله تعالى: فإن خفتم فيه قولان . . أحدهما: علمتم ، والثاني: خشيتم .

قوله تعالى: ألا تعدلوا قال القاضي أبو يعلى: أراد العدل في القسم بينهن .

قوله تعالى: فواحدة أي: فانكحوا واحدة ، وقرأ الحسن ، والأعمش ، وحميد: " فواحدة " بالرفع ، المعنى ، فواحدة تقنع .

قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانكم يعني: السراري . قال ابن قتيبة: معنى الآية: فكما تخافون أن لا تعدلوا بين اليتامى إذا كفلتموهم ، فخافوا [أيضا] أن لا تعدلوا بين النساء إذا نكحتموهن ، فقصرهم على أربع ، ليقدروا على العدل ، ثم قال: فإن خفتم أن لا تعدلوا بين هؤلاء الأربع ، فانكحوا واحدة ، واقتصروا على ملك اليمين .

قوله تعالى: ذلك أدنى أي: أقرب . وفي معنى "تعولوا" ثلاثة أقوال .

أحدهما: تميلوا ، قاله ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء ، وإبراهيم ، وقتادة ، والسدي ، ومقاتل ، والفراء ، وقال أبو مالك ، وأبو عبيد: تجوروا .

قال ابن قتيبة ، والزجاج: تجوروا وتميلوا بمعنى واحد . واحتكم رجلان من العرب إلى رجل ، فحكم لأحدهما ، فقال: المحكوم عليه: إنك والله تعول علي ، أي: تميل وتجور .

[ ص: 10 ] والثاني: تضلوا ، قاله مجاهد ، والثالث: تكثر عيالكم ، قال ابن زيد ، ورواه أبو سليمان الدمشقي في "تفسيره" عن الشافعي ، ورده الزجاج : فقال: جميع أهل اللغة يقولون: هذا القول خطأ ، لأن الواحدة يعولها ، وإباحة ملك اليمين أزيد في العيال من أربع .
وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا

قوله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة اختلفوا فيمن خوطب بهذا على قولين .

أحدهما: أنهم الأزواج ، وهو قول الجمهور ، واحتجوا بأن الخطاب للناكحين قد تقدم ، وهذا معطوف عليه ، وقال مقاتل: كان الرجل يتزوج بلا مهر ، فيقول: أرثك وترثيني ، فتقول المرأة: نعم ، فنزلت هذه الآية . والثاني: أنه متوجه إلى الأولياء ثم فيه قولان . .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #105  
قديم 09-03-2022, 09:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (105)
صــ11 إلى صــ 15

وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا

قوله تعالى: وآتوا النساء صدقاتهن نحلة اختلفوا فيمن خوطب بهذا على قولين .

أحدهما: أنهم الأزواج ، وهو قول الجمهور ، واحتجوا بأن الخطاب للناكحين قد تقدم ، وهذا معطوف عليه ، وقال مقاتل: كان الرجل يتزوج بلا مهر ، فيقول: أرثك وترثيني ، فتقول المرأة: نعم ، فنزلت هذه الآية . والثاني: أنه متوجه إلى الأولياء ثم فيه قولان . .

[ ص: 11 ] أحدهما: أن الرجل كان إذا زوج أيمة جاز صداقها دونها ، فنهوا بهذه الآية ، هذا قول أبي صالح ، واختاره الفراء ، وابن قتيبة .

والثاني: أن الرجل كان يعطي الرجل أخته ويأخذ أخته مكانها من غير مهر ، فنهوا عن هذا بهذه الآية ، رواه أبو سليمان التيمي عن بعض أشياخه .

قال ابن قتيبة: والصدقات: المهور ، وأحدها: صدقة . وفي قوله: "نحلة" أربعة أقوال .

أحدها: أنها بمعنى: الفريضة ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، وابن جريج ، وابن زيد ، ومقاتل . والثاني: أنها الهبة والعطية ، قاله الفراء .

قال ابن الأنباري: كانت العرب في الجاهلية لا تعطي النساء شيئا من مهورهن ، فلما فرض الله لهن المهر ، كان نحلة من الله ، أي: هبة للنساء ، فرضا على الرجال .

وقال الزجاج : هو هبة من الله للنساء . قال القاضي أبو يعلى: وقيل: إنما سمي المهر نحلة ، لأن الزوج لا يملك بدله شيئا ، لأن البضع بعد النكاح في ملك المرأة ، ألا ترى أنها لو وطئت بشبهة ، كان المهر لها دون الزوج ، وإنما الذي يستحقه الزوج الاستباحة ، لا الملك .

وأنها العطية بطيب نفس ، فكأنه قال: لا تعطوهن مهورهن وأنتم كارهون ، قاله أبو عبيدة .

والرابع: أن معنى "النحلة" الديانة ، فتقديره: وآتوهن صدقاتهن ديانة ، يقال: فلان ينتحل كذا ، أي: يدين به ، ذكره الزجاج عن بعض العلماء .

[ ص: 12 ] قوله تعالى: فإن طبن لكم يعني: النساء المنكوحات . وفي "لكم" قولان .

أحدهما: أنه يعني: الأزواج .

والثاني: الأولياء . و"الهاء" في "منه" كناية عن الصداق ، قال الزجاج : و"منه" هاهنا: للجنس ، كقوله فاجتنبوا الرجس من الأوثان معناه: فاجتنبوا الرجس الذي هو وثن ، فكأنه قال: كلوا الشيء الذي هو مهر ، فيجوز أن يسأل الرجل المهر كله . و"نفسا": منصوب على التمييز .

فالمعنى: فإن طابت أنفسهن لكم بذلك ، فكلوه هنيئا مريئا ، وفي الهنيء ثلاثة أقوال . أحدها: أنه ما تؤمن عاقبته . والثاني: ما أعقب نفعا وشفاء .

والثالث: أنه الذي لا ينغصه شيء . وأما "المريء" فيقال: مرئ الطعام: إذا انهضم ، وحمدت عاقبته .
ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا

قوله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم المراد بالسفهاء خمسة أقوال .

أحدها: أنهم النساء ، قاله ابن عمر .

والثاني: النساء والصبيان ، قاله سعيد بن جبير ، وقتادة ، والضحاك ، ومقاتل ، والفراء ، وابن قتيبة . وعن الحسن ، ومجاهد كالقولين .

والثالث: الأولاد ، قاله أبو مالك . وهذه الأقوال الثلاثة مروية عن ابن عباس ، وروي عن الحسن ، قال: هم الأولاد الصغار .

والرابع: اليتامى ، قاله عكرمة ، وسعيد بن جبير في رواية .

قال الزجاج : ومعنى الآية: ولا تؤتوا السفهاء أموالهم ، بدليل قوله وارزقوهم فيها [ ص: 13 ] وإنما قال: "أموالكم" ذكرا للجنس الذي جعله الله أموالا للناس . وقال غيره: أضافها إلى الولاة ، لأنهم قوامها .

والخامس: أن القول على إطلاقه ، والمراد به كل سفيه يستحق الحجر عليه ، ذكره ابن جرير ، وأبو سليمان الدمشقي ، وغيرهما ، وهو ظاهر الآية .

وفي قوله أموالكم قولان . أحدهما: أنه أموال اليتامى . والثاني: أموال السفهاء .

قوله تعالى: التي جعل الله لكم قياما قرأ الحسن: " اللاتي جعل الله لكم قواما" . وقرأ ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو عمرو: "قياما" بالياء مع الألف هاهنا ، وقرأ نافع ، وابن عامر: "قيما" بغير ألف .

قال ابن قتيبة: قياما وقواما بمنزلة واحدة ، تقول: هذا قوام أمرك وقيامه ، أي: ما يقوم به [أمرك] . وذكر أبو علي الفارسي أن "قواما" و"قياما" و"قيما" ، بمعنى: القوام الذي يقيم الشأن ، قال: وليس قول من قال: "القيم" هاهنا: جمع: "قيمة" بشيء .

قوله تعالى: وارزقوهم فيها أي: منها . وفي "القول المعروف" ثلاثة أقوال .

أحدها: العدة الحسنة ، قال ابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، ومقاتل .

[ ص: 14 ] والثاني: الرد الجميل ، قاله الضحاك . والثالث: الدعاء ، كقولك: عافاك الله ، قاله ابن زيد .
وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا

قوله تعالى: وابتلوا اليتامى سبب نزولها: أن رجلا ، يقال له: رفاعة ، مات وترك ولدا صغيرا ، يقال له: ثابت ، فوليه عمه ، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: إن ابن أخي يتيم في حجري ، فما يحل لي من ماله؟ ومتى أدفع إليه ماله؟ فنزلت هذه الآية ، ذكر نحوه مقاتل . والابتلاء: الاختبار . وبماذا يختبرون؟ فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنهم يختبرون في عقولهم ، قاله ابن عباس ، والسدي ، وسفيان ، ومقاتل . والثاني: يختبرون في عقولهم ودينهم ، قاله الحسن ، وقتادة . وعن مجاهد كالقولين .

والثالث: في عقولهم ودينهم ، وحفظهم أموالهم ، ذكره الثعلبي . قال القاضي أبو يعلى: وهذا الابتلاء قبل البلوغ .

قوله تعالى: حتى إذا بلغوا النكاح قال ابن قتيبة: أي: بلغوا أن ينكحوا النساء فإن آنستم أي: علمتم ، وتبينتم . وأصل: أنست: أبصرت . وفي الرشد أربعة أقوال .

أحدها: الصلاح في الدين ، وحفظ المال ، قاله ابن عباس ، والحسن .

[ ص: 15 ] والثاني: الصلاح في العقل ، وحفظ المال ، روي عن ابن عباس والسدي .

والثالث: أنه العقل ، قاله مجاهد ، والنخعي . والرابع: العقل ، والصلاح في الدين ، روي عن السدي .

فصل

واعلم أن الله تعالى علق رفع الحجر عن اليتامى بأمرين; بالبلوغ والرشد ، وأمر الأولياء باختبارهم ، فإذا استبانوا رشدهم ، وجب عليهم تسليم أموالهم إليهم .

والبلوغ يكون بأحد خمسة أشياء ، ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء; الاحتلام ، واستكمال خمس عشرة سنة ، والإنبات ، وشيئان يختصان بالنساء الحيض والحمل .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #106  
قديم 09-03-2022, 09:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (106)
صــ16 إلى صــ 20

قوله تعالى: ولا تأكلوها إسرافا خطاب للأولياء ، قال ابن عباس : لا تأكلوها بغير حق . و"بدارا": تبادرون أكل المال قبل بلوغ الصبي ومن كان غنيا فليستعفف بماله عن مال اليتيم . وفي الأكل بالمعروف أربعة أقوال .

أحدها: أنه الأخذ على وجه القرض ، وهذا مروي عن عمر ، وابن عباس ، وابن جبير ، وأبي العالية ، وعبيدة ، وأبي وائل ، ومجاهد ، ومقاتل .

والثاني: الأكل بمقدار الحاجة من غير إسراف ، وهذا مروي عن ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، وعطاء ، والنخعي ، وقتادة ، والسدي .

والثالث: أنه الأخذ بقدر الأجرة إذا عمل لليتيم عملا ، روي عن ابن عباس ، وعائشة ، وهي رواية أبي طالب ، وابن منصور ، عن أحمد رضي الله عنه .

والرابع: أنه الأخذ عند الضرورة ، فإن أيسر قضاه ، وإن لم يوسر ، فهو في حل ، وهذا قول الشعبي .

[ ص: 17 ] فصل

واختلف العلماء هل هذه الآية محكمة أو منسوخة؟ على قولين .

أحدهما: محكمة ، وهو قول عمر ، وابن عباس ، والحسن ، والشعبي ، وأبي العالية ، ومجاهد ، وابن جبير ، والنخعي ، وقتادة في آخرين . وحكمها عندهم أن الغني ليس له أن يأكل من مال اليتيم شيئا ، فأما الفقير الذي لا يجد ما يكفيه ، وتشغله رعاية مال اليتيم عن تحصيل الكفاية ، فله أن يأخذ قدر كفايته بالمعروف من غير إسراف .

وهل عليه الضمان إذا أيسر؟ فيه قولان . لهم .

أحدهما: أنه لا ضمان عليه ، بل يكون كالأجرة له على عمله ، وهو قول الحسن ، والشعبي ، والنخعي ، وقتادة ، وأحمد بن حنبل .

والثاني: إذا أيسر وجب عليه القضاء ، روي عن عمر وغيره ، وعن ابن عباس أيضا كالقولين .

والقول الثاني: أنها منسوخة بقوله لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النساء: 29] وهذا مروي عن ابن عباس ، ولا يصح .

قوله تعالى: فأشهدوا عليهم قال القاضي أبو يعلى: هذا على طريق الاحتياط لليتيم ، والولي ، وليس بواجب ، فأما اليتيم ، فإنه إذا كانت عليه بينة ، كان أبعد من أن يدعي عدم القبض ، وأما الولي ، فإن تظهر أمانته ، ويسقط عنه اليمين عند إنكار اليتيم للدفع ، وفي "الحسيب" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه الشهيد ، قاله ابن عباس ، والسدي ، ومقاتل .

والثاني: أنه الكافي ، من قولك: أحسبني هذا الشيء [أي: كفاني ، والله حسيبي وحسيبك ، أي:كافينا ، أي: يكون حكما بيننا كافيا . [ ص: 18 ] قال الشاعر:


ونقفي وليد الحي إن كان جائعا ونحسبه إن كان ليس بجائع


أي: نعطيه ما يكفيه حتى يقول: حسبي] قاله ابن قتيبة والخطابي .

والثالث: أنه المحاسب ، فيكون في مذهب جليس ، وأكيل ، وشريب ، حكاه ابن قتيبة والخطابي .
للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا

قوله تعالى: للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون سبب نزولها: أن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك ثلاث بنات وامرأة ، فقام رجلان من بني عمه ، يقال لهما: قتادة ، وعرفطة فأخذا ماله ، ولم يعطيا امرأته ، ولا بناته شيئا ، فجاءت امرأته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت له ذلك ، وشكت الفقر ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس . وقال قتادة: كانوا لا يورثون النساء ، فنزلت هذه الآية .

والمراد بالرجال: الذكور ، وبالنساء: الإناث ، صغارا كانوا أو كبارا .

[ ص: 19 ] و"النصيب": الحظ من الشيء ، وهو مجمل في هذه الآية ، ومقداره معلوم من موضع آخر ، وذلك مثل قوله: وآتوا حقه يوم حصاده [الأنعام: 141] وقوله: خذ من أموالهم صدقة [التوبة: 103] والمفروض: الذي فرضه الله ، وهو آكد من الواجب .
وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا

قوله تعالى: وإذا حضر القسمة أولو القربى في هذه القسمة قولان .

أحدهما: قسمة الميراث بعد موت الموروث ، فعلى هذا يكون الخطاب للوارثين ، وبهذا قال الأكثرون ، منهم ابن عباس ، والحسن ، والزهري .

والثاني: أنها وصية الميت قبل موته ، فيكون مأمورا بأن يعين لمن لا يرثه شيئا ، روي عن ابن عباس ، وابن زيد . قال المفسرون: والمراد بأولي القربى: الذين لا يرثون ، "فارزقوهم منه" أي: أعطوهم منه ، وقيل: أطعموهم ، وهذا على الاستحباب عند الأكثرين ، وذهب قوم إلى أنه واجب في المال ، فإن كان الورثة كبارا ، تولوا إعطاءهم ، وإن كانوا صغارا ، تولى ذلك عنهم ولي مالهم ، فروي عن عبيدة أنه قسم مال أيتام ، فأمر بشاة ، فاشتريت من مالهم ، وبطعام فصنع ، وقال: لولا هذه الآية لأحببت أن يكون من مالي وكذلك فعل محمد بن سيرين في أيتام وليهم ، وكذلك روي عن مجاهد: أن ما تضمنته هذه الآية واجب .

وفي "القول المعروف" أربعة أقوال .

أحدها: أن يقول: لهم الولي حين يعطيهم: خذ بارك الله فيك ، رواه سالم الأفطس ، عن ابن جبير . [ ص: 20 ] والثاني: أن يقول: الولي: إنه مال يتامى ، ومالي فيه شيء ، رواه أبو بشر عن ابن جبير . وفي رواية أخرى عن ابن جبير ، قال: إن كان الميت أوصى لهم بشيء أنفذت لهم وصيتهم ، وإن كان الورثة كبارا رضخوا لهم ، وإن كانوا صغارا ، قال وليهم: إني لست أملك هذا المال ، إنما هو للصغار ، فذلك القول المعروف .

والثالث: أنه العدة الحسنة ، وهو أن يقول: لهم أولياء الورثة: إن هؤلاء الورثة صغار ، فإذا بلغوا ، أمرناهم أن يعرفوا حقكم ، رواه عطاء بن دينار ، عن ابن جبير .

والرابع: أنهم يعطون من المال ، ويقال لهم عند قسمة الأرضين والرقيق: بورك فيكم ، وهذا القول المعروف . قال الحسن والنخعي: أدركنا الناس يفعلون هذا .

فصل

اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #107  
قديم 09-03-2022, 09:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (107)
صــ21 إلى صــ 25




أحدهما: أنها محكمة ، وهو قول أبي موسى الأشعري ، وابن عباس [ ص: 21 ] والحسن ، وأبي العالية ، والشعبي ، وعطاء بن أبي رباح ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والنخعي ، والزهري ، وقد ذكرنا أن ما تضمنته من الأمر مستحب عند الأكثرين ، وواجب عند بعضهم .

والقول الثاني: أنها منسوخة نسخها قوله: "يوصيكم الله في أولادكم" رواه مجاهد عن ابن عباس ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة في آخرين .
وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا

[ ص: 22 ] قوله تعالى: وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا اختلفوا في المخاطب بهذه الآية على ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه خطاب للحاضرين عند الموصي ، وفي معنى الآية: على هذا القول قولان . . أحدهما: وليخش الذين يحضرون موصيا في ماله أن يأمروه بتفريقه فيمن لا يرثه ، فيفرقه ، ويترك ورثته ، كما لو كانوا هم الموصين لسرهم أن يحثهم من حضرهم على حفظ الأموال للأولاد ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، والحسن ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل .

والثاني: على الضد من هذا القول ، وهو أنه نهي لحاضري الموصي أي: يمنعوه من الوصية لأقاربه ، وأن يأمروه بالاقتصار على ولده ، وهذا قول مقسم ، وسليمان التيمي في آخرين .

والقول الثاني: أنه خطاب لأولياء اليتامى متعلق بقوله: ولا تأكلوها إسرافا وبدارا فمعنى الكلام: أحسنوا فيمن وليتم من اليتامى ، كما تحبون أن يحسن ولاة أولادكم بعدكم ، وهذا المعنى مروي عن ابن عباس ، وابن السائب .

والثالث: أنه خطاب للأوصياء أمروا بأداء الوصية على ما رسم الموصي ، وأن تكون الوجوه التي عينها مرعية بالمحافظة كرعي الذرية الضعاف من غير تبديل ، ثم نسخ ذلك بقوله: فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه [البقرة: 182] فأمر الوصي بهذه الآية إذا وجد ميلا عن الحق أن يستعمل قضية الشرع ، ويصلح بين الورثة ، ذكره شيخنا علي بن عبيد الله ، وغيره ، في "الناسخ والمنسوخ" فعلى هذا تكون الآية منسوخة ، وعلى ما قبله تكون محكمة .

[ ص: 23 ] و"الضعاف": جمع ضعيف ، وهم الأولاد الصغار . وقرأ حمزة: "ضعافا" بإمالة العين .

قال أبو علي: ووجهها: أن ما كان على "فعال" وكان أوله حرفا مستعليا مكسورا ، نحو ضعاف ، وقفاف ، وخفاف; حسنت فيه الإمالة ، لأنه قد يصعد بالحرف المستعلي ، ثم يحدر بالكسر ، فيستحب أن لا يصعد بالتفخيم بعد التصوب بالكسر ، فيجعل الصوت على طريقة واحدة ، وكذلك قرأ حمزة: خافوا عليهم بإمالة الخاء ، والإمالة هاهنا: حسنة ، وإن كانت "الخاء" حرفا مستعليا ، لأنه يطلب الكسرة التي في "خفت" فينحو نحوها بالإمالة . والقول السديد: الصواب .
إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا

قوله تعالى: إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما في سبب نزولها قولان .

أحدهما ، أن رجلا من غطفان ، يقال له: مرثد بن زيد ، ولي مال ابن أخيه ، فأكله ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل بن حيان .

والثاني: أن حنظلة بن الشمردل ولي يتيما ، فأكل ماله ، فنزلت هذه الآية ، ذكره بعض المفسرين . وإنما خص الأكل بالذكر ، لأنه معظم المقصود ، وقيل: عبر به عن الأخذ .

قال سعيد بن جبير: ومعنى الظلم: أن يأخذه بغير حق . وأما ذكر "البطون" فللتوكيد ، كما تقول: نظرت بعيني ، وسمعت بأذني . وفي المراد بأكلهم النار قولان .

أحدهما: أنهم سيأكلون يوم القيامة نارا ، فسمي الأكل بما يؤول إليه أمرهم ، كقوله: أعصر خمرا [يوسف: 36] قال السدي: يبعث آكل مال اليتيم ظلما ، ولهب [ ص: 24 ] النار يخرج من فيه ، ومن مسامعه ، وأذنيه ، وأنفه ، وعينيه ، يعرفه من رآه يأكل مال اليتيم .

والثاني: أنه مثل . معناه: يأكلون ما يصيرون به إلى النار ، كقوله: ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه [آل عمران: 143] أي: رأيتم أسبابه .

قوله تعالى: وسيصلون سعيرا قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، "وسيصلون" بفتح الياء ، وقرأ الحسن ، وابن عامر ، بضم الياء ، ووافقهما ابن مقسم ، إلا أنه شدد . والمعنى: سيحرقون بالنار ، ويشوون . والسعير: النار المستعرة ، واستعار النار: توقدها .

فصل

وقد توهم قوم لا علم لهم بالتفسير وفقهه ، أن هذه الآية منسوخة ، لأنهم سمعوا أنها لما نزلت ، تحرج القوم عن مخالطة اليتامى ، فنزل قوله: وإن تخالطوهم فإخوانكم [البقرة: 220] وهذا غلط ، وإنما ارتفع عنهم الحرج بشرط قصد الإصلاح ، لا على إباحة الظلم .
يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين

[ ص: 25 ] آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما


قوله تعالى: يوصيكم الله في أولادكم في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها: أن جابر بن عبد الله مرض فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: كيف أصنع في مالي يا رسول الله ، فنزلت هذه الآية ، رواه البخاري ومسلم .

والثاني: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بابنتين لها ، فقالت: يا رسول قتل أبو هاتين معك يوم أحد ، وقد استفاء عمهما مالهما ، فنزلت ، روي عن جابر بن عبد الله أيضا .

والثالث: أن عبد الرحمن أخا حسان بن ثابت مات ، وترك امرأة ، وخمس بنات ، فأخذ ورثته ماله ، ولم يعطوا امرأته ، ولا بناته شيئا ، فجاءت امرأته ، تشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، هذا قول السدي ،

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #108  
قديم 09-03-2022, 09:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (108)
صــ26 إلى صــ 30




قال الزجاج : ومعنى يوصيكم: يفرض عليكم ، لأن الوصية منه فرض ، وقال غيره: إنما ذكره بلفظ الوصية لأمرين .

أحدهما: أن الوصية تزيد على الأمر ، فكانت آكد .

والثاني: أن في الوصية حقا للموصي ، فدل على تأكيد الحال بإضافته إلى حقه . وقرأ الحسن ، وابن أبي عبلة: "يوصيكم" بالتشديد .

قوله تعالى: للذكر مثل حظ الأنثيين يعني: ، للابن من الميراث مثل حظ الأنثيين ، ثم ذكر نصيب الإناث من الأول ، فقال: فإن كن يعني: البنات (نساء فوق اثنتين وفي قوله: "فوق" قولان .

أحدهما: أنها زائدة ، كقوله فاضربوا فوق الأعناق [الأنفال: 13]

والثاني: أنهم بمعنى: الزيادة ، قال القاضي أبو يعلى: إنما نص على ما فوق الاثنتين ، والواحدة ولم ينص على الاثنتين لأنه لما جعل لكل واحدة مع الذكر الثلث ، كان لها مع الأنثى الثلث أولى .

قوله تعالى: وإن كانت واحدة قرأ الجمهور بالنصب ، وقرأ نافع بالرفع ، على معنى: وإن وقعت ، أو وجدت واحدة .

قوله تعالى: ولأبويه قال الزجاج : أبواه تثنية أب وأبة ، والأصل في الأم أن يقال لها: أبة ، ولكن استغنى عنها بأم ، والكناية في قوله "لأبويه" عن الميت وإن لم يجر له ذكر .

وقوله تعالى: فلأمه الثلث أي: إذا لم يخلف غير أبوين ، فثلث ماله لأمه ، والباقي للأب ، وإنما خص الأم بالذكر ، لأنه لو اقتصر على قوله: وورثه أبواه ظن الظان أن المال يكون بينهما نصفين ، فلما خصها بالثلث ، دل على التفضيل .

[ ص: 27 ] وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر "فلأمه" و في بطون أمهاتكم [الزمر: 6] و في أمها [القصص: 59] وفي أم الكتاب [الزخرف: 4] بالرفع . وقرأ حمزة ، والكسائي كل ذلك بالكسر إذا وصلا ، وحجتهما: أنهما أتبعا الهمزة ما قبلها ، من ياء أو كسرة .

قوله تعالى: فإن كان له إخوة أي: مع الأبوين ، فإنهم يحجبون الأم عن الثلث ، فيردونها إلى السدس ، واتفقوا على أنهم إذا كانوا ثلاثة إخوة ، حجبوا ، فإن كانا أخوين ، فهل يحجبانها؟ فيه قولان .

أحدهما: يحجبانها عن الثلث ، قاله عمر ، وعثمان ، وعلي ، وزيد ، والجمهور .

والثاني: لا يحجبها إلا ثلاثة ، قاله ابن عباس ، واحتج بقوله: إخوة . والأخوة: اسم جمع ، واختلفوا في أقل الجمع ، فقال: الجمهور: أقله ثلاثة ، وقال قوم: اثنان ، والأول: أصح . وإنما حجب العلماء الأم بأخوين لدليل اتفقوا عليه ، وقد يسمى الاثنان بالجمع ، قال الزجاج : جميع أهل اللغة يقولون: [ ص: 28 ] إن الأخوين جماعة ، وحكى سيبويه أن العرب تقول: وضعا رحالهما ، يريدون: رحلي راحلتيهما .

قوله تعالى: من بعد وصية أي: هذه السهام إنما تقسم بعد الوصية والدين . وقرأ ابن كثير ، وابن عامر ، وأبو بكر ، عن عاصم "يوصى بها" بفتح الصاد في الحرفين . وقرأ نافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي: "يوصي" فيهما بالكسر ، وقرأ حفص ، عن عاصم الأولى بالكسر ، والثانية بالفتح .

واعلم أن الدين مؤخر في اللفظ ، مقدم في المعنى ، لأن الدين حق عليه ، والوصية حق له ، وهما جميعا مقدمان على حق الورثة إذا كانت الوصية في ثلث المال ، و"أو" لا توجب الترتيب ، إنما تدل على أن أحدهما إن كان ، فالميراث بعده ، وكذلك إن كانا .

[ ص: 29 ] قوله تعالى: آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فيه قولان .

أحدهما: أنه النفع في الآخرة ثم فيه قولان .

أحدهما: أن الوالد إذا كان أرفع درجة من ولده ، رفع إليه ولده ، وكذلك الولد ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس .

والثاني: أنه شفاعة بعضهم في بعض ، رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .

والقول الثاني أنه النفع في الدنيا ، قاله مجاهد . ثم في معناه: قولان .

أحدهما: أن المعنى: لا تدرون هل موت الآباء أقرب ، فينتفع الأبناء بأموالهم ، أو موت الأبناء ، فينتفع الآباء بأموالهم؟ قاله ابن بحر .

والثاني: أن المعنى: أن الآباء والأبناء يتفاوتون في النفع ، حتى لا يدري أيهم أقرب نفعا ، لأن الأولاد ينتفعون في صغرهم بالآباء ، والآباء ينتفعون في كبرهم بالأبناء ، ذكره القاضي أبو يعلى .

وقال الزجاج : معنى الكلام: أن الله قد فرض الفرائض على ما هو عنده حكمة . ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيهم أنفع لكم ، فتضعون الأموال على غير حكمة . إن الله كان عليما بما يصلح خلقه ، حكيما فيما فرض .

وفي معنى "كان" ثلاثة أقوال .

أحدها: أن معناها: كان عليما بالأشياء قبل خلقها ، حكيما فيما يقدر تدبيره منها ، قاله الحسن .

والثاني: أن معناها: لم يزل . قال سيبويه: كأن القوم شاهدوا علما وحكمة ، [ ص: 30 ] فقيل: لهم: إن الله كان كذلك ، أي: لم يزل على ما شاهدتم ، ليس ذلك بحادث .

والثالث: أن لفظة "كان" في الخبر عن الله عز وجل يتساوى ماضيها ومستقبلها ، لأن الأشياء عنده على حال واحدة ، ذكر هذه الأقوال . الزجاج .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #109  
قديم 09-03-2022, 09:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (109)
صــ31 إلى صــ 35

ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن من بعد وصية يوصين بها أو دين ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بها أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصية من الله والله عليم حليم

قوله تعالى: وإن كان رجل يورث كلالة قرأ الحسن: "يورث" بفتح الواو ، وكسر الراء مع التشديد . وفي الكلالة أربعة أقوال .

أحدها: أنها ما دون الوالد والولد ، قاله أبو بكر الصديق . وقال عمر ابن الخطاب: أتى على حين وأنا لا أعرف ما الكلالة ، فإذا هو: من لم يكن له والدا ولا ولدا ، وهذا قول علي ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، [ ص: 31 ] والحسن ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والزهري ، وقتادة ، والفراء ، وذكر الزجاج عن أهل اللغة ، أن "الكلالة": من قولهم: تكلله النسب ، أي: لم يكن الذي يرثه ابنه ، ولا أباه . قال: والكلالة سوى الوالد والولد ، وإنما هو كالإكليل على الرأس . وذكر ابن قتيبة عن أبي عبيدة أنه مصدر تكلله النسب: إذا أحاط به . والابن والأب: طرفان للرجل ، فإذا مات ، ولم يخلفهما ، فقد مات عن ذهاب طرفيه ، فسمي ذهاب الطرفين: كلالة [وكأنها اسم للمصيبة في تكلل النسب مأخوذ منه; نحو هذا قولهم: وجهت الشيء" أخذت وجهه ، وثغرت الرجل: كسرت ثغره]

والثاني: أن الكلالة: من لا ولد له ، رواه ابن عباس ، عن عمر بن الخطاب ، وهو قول طاوس .

والثالث: أن الكلالة: ما عدا الوالد ، قاله الحكم .

والرابع: أن الكلالة: بنو العم الأباعد ، ذكره ابن فارس ، عن ابن الأعرابي .

واختلفوا على ما يقع اسم الكلالة على ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه اسم للحي الوارث ، وهذا مذهب أبي بكر الصديق ، وعامة [ ص: 32 ] العلماء الذين قالوا: إن الكلالة من دون الوالد والولد ، فإنهم قالوا: الكلالة: اسم للورثة إذا لم يكن فيهم ولد ولا والد ، قال بعض الأعراب: مالي كثير ، ويرثني كلالة متراخ نسبهم .

والثاني: أنه اسم للميت ، قاله ابن عباس ، والسدي ، وأبو عبيدة في جماعة . قال القاضي أبو يعلى: الكلالة: اسم للميت ، ولحاله ، وصفته ، ولذلك انتصب .

والثالث: أنه اسم للميت والحي ، قاله ابن زيد .

وفيما أخذت منه الكلالة قولان .

أحدهما: أنه اسم مأخوذ من الإحاطة ، ومنه الإكليل ، لإحاطته بالرأس .

والثاني: أنه مأخوذ من الكلال ، وهو التعب ، كأنه يصل إلى الميراث من بعد وإعياء . قال الأعشى :
فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من حفى حتى تزور محمدا
[ ص: 33 ] قوله: وله أخ أو أخت يعني: من الأم بإجماعهم .

قوله تعالى: فهم شركاء في الثلث قال قتادة: ذكرهم وأنثاهم فيه سواء .

قوله تعالى: غير مضار قال الزجاج : غير منصوب على الحال ، والمعنى: يوصي بها غير مضار ، يعني: للورثة .
تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم

قوله تعالى: تلك حدود الله قال ابن عباس : يريد ما حد الله من فرائضه في الميراث ومن يطع الله ورسوله في شأن المواريث يدخله جنات قرأ ابن عامر ، ونافع: "ندخله" بالنون في الحرفين جميعا ، والباقون بالياء فيهما .
ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين

قوله تعالى: ومن يعص الله فلم يرض بقسمه (يدخله نارا فإن قيل: كيف قطع للعاصي بالخلود؟ فالجواب: أنه إذا رد حكم الله ، وكفر به ، كان كافرا مخلدا في النار .
واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا

قوله تعالى: واللاتي يأتين الفاحشة قال الزجاج : "التي" تجمع اللاتي واللواتي .

قال الشاعر: [ ص: 34 ]


من اللواتي والتي واللاتي زعمن أني كبرت لداتي


وتجمع اللاتي بإثبات التاء وحذفها .

قال الشاعر:


من اللاتي لم يحججن يبغين حسبة ولكن ليقتلن البريء المغفلا


والفاحشة: الزنى في قول الجماعة . وفي قوله: فاستشهدوا عليهن قولان .

أحدهما: أنه خطاب للأزواج .

والثاني: خطاب للحكام ، فالمعنى: اسمعوا شهادة أربعة منكم ، ذكرهما الماوردي . قال عمر بن الخطاب: إنما جعل الله عز وجل الشهور أربعة سترا ستركم به دون فواحشكم . ومعنى "منكم": من المسلمين .

قوله تعالى: فأمسكوهن في البيوت قال ابن عباس : كانت المرأة إذا زنت ، حبست في البيت حتى تموت ، فجعل الله لهن سبيلا ، وهو الجلد ، أو الرجم .
واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما

قوله تعالى: واللذان قرأ ابن كثير: "واللذان" بتشديد النون ، و"هذان" في (طه) و(الحج) و"هاتين" في (القصص): إحدى ابنتي هاتين و"فذانك" [ ص: 35 ] كله بتشديد النون . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، بتخفيف ذلك كله ، وشدد أبو عمرو "فذانك" وحدها .

وقوله: واللذان: يعني: الزانيين . وهل هو عام ، أم لا؟ فيه قولان .

أحدهما: أنه عام في الأبكار والثيب من الرجال والنساء ، قاله الحسن ، وعطاء .

والثاني: أنه خاص في البكرين إذا زنيا ، قاله أبو صالح ، والسدي ، وابن زيد ، وسفيان . قال القاضي أبو يعلى: والأول أصح ، لأن هذا تخصيص بغير دلالة .

قوله تعالى: يأتيانها يعني: الفاحشة . قوله: فآذوهما فيه قولان .

أحدهما: أنه الأذى بالكلام ، والتعيير ، رواه أبو صالح عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، والسدي ، والضحاك ، ومقاتل .

والثاني: أنه التعيير ، والضرب بالنعال ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس . فإن تابا من الفاحشة وأصلحا العمل فأعرضوا عن أذاهما . وهذا كله كان قبل الحد .

فصل

كان حد الزانيين ، فيما تقدم ، الأذى لهما ، والحبس للمرأة خاصة ، فنسخ الحكمان جميعا ، واختلفوا بماذا وقع نسخهما ، فقال: قوم: بحديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ، الثيب بالثيب جلد مائة ، ورجم بالحجارة ، والبكر بالبكر جلد مائة ، ونفي سنة وهذا على قول من يرى نسخ القرآن بالسنة .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #110  
قديم 09-03-2022, 09:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد



تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الثانى
سُورَةُ النِّسَاءِ
الحلقة (110)
صــ36 إلى صــ 40

وقال قوم: نسخ بقوله: " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" [النور: 2] قالوا: وكان قوله: "واللذان يأتيانها" للبكرين ، فنسخ حكمهما بالجلد ، ونسخ حكم الثيب من النساء بالرجم .

وقال قوم: يحتمل أن يكون النسخ وقع بقرآن ، ثم رفع رسمه ، وبقي حكمه ، لأن في حديث عبادة "قد جعل الله لهن سبيلا" والظاهر: أنه جعل بوحي لم تستقر تلاوته . قال القاضي أبو يعلى: وهذا وجه صحيح ، يخرج على قول من لم ينسخ القرآن بالسنة . قال: ويمتنع أن يقع النسخ بحديث عبادة ، لأنه من أخبار الآحاد ، والنسخ لا يجوز بذلك .
إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما

قوله تعالى: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة قال الحسن: إنما التوبة التي يقبلها الله ، فأما "السوء" ، فهو المعاصي ، سمي سوء لسوء عاقبته . [ ص: 37 ] قوله تعالى: بجهالة قال مجاهد: كل عاص فهو جاهل حين معصيته . وقال الحسن ، وعطاء ، وقتادة ، والسدي في آخرين: إنما سموا جهالا لمعاصيهم ، لا أنهم غير مميزين .

وقال الزجاج : ليس معنى الآية: أنهم يجهلون أنه سوء ، لأن المسلم لو أتى ما يجهله ، كان كمن لم يوقع سوء ، وإنما يحتمل أمران .

أحدهما: أنهم عملوه ، وهم يجهلون المكروه فيه .

والثاني: أنهم أقدموا على بصيرة وعلم بأن عاقبته مكروهة ، وآثروا العاجل على الآجل ، فسموا جهالا ، لإيثارهم القليل على الراحة الكثيرة ، والعاقبة الدائمة .

وفي "القريب" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه التوبة في الصحة ، رواه أبو صالح ، عن ابن عباس ، وبه قال السدي ، وابن السائب .

والثاني: أنه التوبة قبل معاينة ملك الموت ، رواه ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، وبه قال أبو مجلز .

والثالث: أنه التوبة قبل الموت ، وبه قال ابن زيد في آخرين .
[ ص: 38 ] وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما

قوله تعالى: وليست التوبة للذين يعملون السيئات في السيئات ثلاثة أقوال .

أحدها: الشرك ، قاله ابن عباس ، وعكرمة .

والثاني: أنها النفاق ، قاله أبو العالية ، وسعيد بن جبير .

والثالث: أنها سيئات المسلمين ، قاله سفيان الثوري ، واحتج بقوله ولا الذين يموتون وهم كفار .

قوله تعالى: حتى إذا حضر أحدهم الموت في الحضور قولان .

أحدهما: أنه السوق ، قاله ابن عمر .

والثاني: أنه معاينة الملائكة لقبض الروح ، قاله أبو سليمان الدمشقي . وقد روى علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس أنه قال: أنزل الله تعالى بعد هذه الآية: إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية [النساء: 116] . فحرم المغفرة على من مات مشركا ، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته [فلم يؤيسهم من المغفرة] . فعلى هذا تكون منسوخة في حق المؤمنين .
يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا

قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها سبب [ ص: 39 ] نزولها: أن الرجل كان إذا مات ، كان أولياؤه أحق بامرأته ، إن شاؤوا زوجوها ، وإن شاؤوا لم يزوجوها ، فنزلت هذه الآية . قاله ابن عباس . وقال في رواية أخرى: كانوا في أول الإسلام إذا مات الرجل ، قام أقرب الناس منه ، فيلقي على امرأته ثوبا ، فيرث نكاحها . وقال مجاهد: كان إذا توفي الرجل ، فابنه الأكبر أحق بامرأته ، فينكحها إن شاء ، أو ينكحها من شاء ، وقال أبو أمامة بن سهل ابن حنيف: لم توفي أبو قيس بن الأسلت أراد ابنه أن يتزوج امرأته من بعده ، وكان ذلك لهم في الجاهلية ، فنزلت هذه الآية . قال عكرمة: واسم هذه المرأة: كبيشة بنت معن بن عاصم ، وكان هذا في العرب . وقال أبو مجلز: كانت الأنصار تفعله . وقال ابن زيد: كان هذا في أهل المدينة . وقال السدي: إنما كان ذلك للأولياء ما لم تسبق المرأة ، فتذهب إلى أهلها ، فإن ذهبت ، فهي أحق بنفسها .

وفي معنى قوله: أن ترثوا النساء كرها قولان .

أحدهما: أن ترثوا نكاح النساء ، وهذا قول الجمهور .

والثاني: أن ترثوا أموالهن كرها . روى ابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال: كان يلقي حميم الميت على الجارية ثوبا ، فإن كانت جميلة تزوجها ، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت ، فيرثها .

[ ص: 40 ] 2 - واختلف القراء في فتح كاف "الكره" وضمتها في أربعة مواضع: هاهنا ، وفي "التوبة" وفي "الأحقاف" في موضعين ، فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو بفتح الكاف فيهن ، وضمهن حمزة . وقرأ عاصم ، وابن عامر بالفتح في "النساء" و"التوبة" ، وبالضم في "الأحقاف" . وهما لغتان ، قد ذكرناهما في "البقرة" .

وفيمن خوطب بقوله: "ولا تعضلوهن" ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه خطاب للأزواج ، ثم في العضل الذي نهى عنه ثلاثة أقوال .

أحدها: أن الرجل كان يكره صحبة امرأته ، ولها عليه مهر ، فيحبسها ، ويضربها لتفتدي ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي .

والثاني: أن الرجل كان ينكح المرأة الشريفة ، فلعلها لا توافقه ، فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه ، ويشهد على ذلك ، فإذا خطبت ، فأرضته ، أذن لها ، وإلا عضلها قاله ابن زيد .

والثالث: أنهم كانوا بعد الطلاق يعضلون ، كما كانت الجاهلية تفعل ، فنهوا عن ذلك ، روي عن ابن زيد أيضا . وقد ذكرنا في "البقرة" أن الرجل كان يطلق المرأة ، ثم يراجعها ، ثم يطلقها كذلك أبدا إلى غير غاية يقصد إضرارها ، حتى نزلت الطلاق مرتان [البقرة: 229] .

والقول الثاني: أنه خطاب للأولياء ، ثم في ما نهوا عنه ثلاثة أقوال .

أحدها: أن الرجل كان في الجاهلية إذا كانت له قرابة قريبة ، ألقى عليها ثوبه ، فلم تتزوج أبدا غيره إلا بإذنه ، قاله ابن عباس .

والثاني: أن اليتيمة كانت تكون عند الرجل فيحبسها حتى تموت ، أو تتزوج بابنه ، قاله مجاهد .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 274.33 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 268.23 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (2.23%)]