فن الكتابة فى الصفحة البيضاء - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191097 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2653 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 658 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 937 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1091 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 853 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 836 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 920 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92811 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأمومة والطفل

ملتقى الأمومة والطفل يختص بكل ما يفيد الطفل وبتوعية الام وتثقيفها صحياً وتعليمياً ودينياً

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 29-12-2021, 10:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات: (1) {واحذَرْهُم أن يَفتِنُوكَ}..الابتزازُ التَربَوِيُّ وعِلاجُه مِنَ القرآن


أسماء محمد لبيب



أولُ المَمنُوعاتِ العَشْر معنا كان:
((أبدًا ما عَصَيتُ اللهَ لأرضِيَك..))
وقد قلنا في مقالةِ القواعِدِ الثامِنةِ بعنوانِ [[قوانينُ الأسرةِ]]، أن مرجعتَينا
عندَ اتِخاذِ القرارتِ الأُسَريةِ والتَربَوِيةِ، هو حُكمُ الله..

ومَعلومٌ أن الأهواءَ لن تترُكَ المُسلِمَ في سلامٍ مع قوانينِ ربِهِ دونَ مُنازَعَةٍ خارجيةٍ وداخليةٍ، وإلباسٍ للحقٍ بالهوَى، ومُمارسَةٍ للحِيَلِ النفسيةِ لتزيينِ الهوَى على أنهُ مُرادُ اللهِ، وتَسوِيغٍ الرضوخِ والاستسلام..
فربما قاوَمَتِ الأمُ في البدايةِ لغَلَبَةِ خَيرِ نفسِها على شَرِها، لكن فِتنَةُ الأولادِ شديدةٌ، فما يلبث أن تَجِدَ الأمُ نفسَها وقد رَضَخَتْ وخَضَعَت لمُرادِ أبنائِها في النهايةِ بسيفِ الإلحاحِ.... وكما في المَثَلِ الشَعبِي: "الزَن على الودان أمَرّ مِن السِحر"..!
واليومَ نُعطِيكِ كبسولةَ رُقْيَةٍ تُبطِلُ هذا السحرَ بعونِ الله، وتعينُكِ على الصمودِ أمامَه حين يَهجِم على قلبِكِ الذِي يقتاتُ على فَرحَةِ عُيونِ أبنائِكِ ومَحبَتِهم إياكِ..
فإياكِ أن تَسْتَسْلِمِي لابتِزَازِهِمْ وتُخَالِفِي ربَكِ لتَكسِبِي وُدَّهُمْ وتُبْهِجِي قَلوبَهُم..
فلَنْ يَنفَعَكِ يَومَ القِيامَةِ منهم إلَّا طاعَتُك للهِ فيهم { {لن تنفعَكُم أرحامُكم ولا أولادُكم.. يومَ القِيامةِ يَفصِلُ بينَكم} }.. " «وَكُلُّكُمْ رَاعٍ.. وَكُلُّكُمْ مَسؤُولٌ.» ."
{وَأَنِ ٱحْكُم بَیْنَهُم بِمَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاۤءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن یَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَاۤ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَیْكَ} ...
يقولُ ابنُ القَيِّم..:
((والصبيُّ وإن لَم يَكن مُكلَّفًا، فوليُّه مُكلَّفٌ.. لا يَحِلُ له تَمكينُه من المُحَرَّمِ؛ فإنه يَعتادُه، ويَعْسُرُ فِطامُهُ عَنهُ))..
وقال الغزالِيُّ: ((الصَّبِيُّ أمانةٌ عند والدَيهِ، وقلبُهُ الطاهِرُ جوهرةٌ خاليةٌ من كل نَقشٍ وصُورة، وهو قابِلٌ لكلِ نَقشٍ، ومائِلٌ إلى كل ما يُمالُ به إليه، فإن عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَهُ =نَشَأَ عليه، فَسَعِدَ في الدنيا والآخرِةِ أبواه وكُلُ مُعَلِمٍ لَهُ ومُؤَدِّبٍ،// وإن عُوِّدَ الشَرَّ وأُهمِلَ إهمالَ البهائِمِ =شَقِيَ وهَلَكَ، وكان الوِزرُ في رقبةِ القَيِّمِ عليهِ والوالِي لَه))
انتهى كلامُهما..
و"الصبيُ" تُطلَقُ على المَولودِ في المَهدِ وحتى يَبلُغَ الحُلُمَ..
واقرأوا إن شِتئم:{كيف نُكَلِّمُ مَن كانَ في المَهدِ ((صَبِيًّا))..}..
ويُؤَيِّدُ كلامَهما قِصَصٌ من السُّنةِ...
أشهَرُها: لَومُ النبيِ ﷺ على الحَسَنِ والحُسينِ في عُمُرِ سَبعِ سنواتٍ الأكلَ مِن تَمرِ الصدقةِ، وإخراجُه ﷺ للتمْرةِ من فَمِ أحدِهِما مباشَرة،ً والنَظَرُ إلى الآخَرِ نظرَةً لَومٍ ونَهيٍ في مَرةٍ أُخرَى حتى ألقاها الصغيرُ من فَمِه، مع تلقينِهما في كلِ مَرَّةٍ السبَبَ وراءَ ذلكَ وحُرمَتَه..

===فإن تَحَجَّجَ أبناؤكِ لفعلِ المُنكراتِ بِكونِهم صغار، فقُصِّي عليهم تلك القَصَصَ.. وأخبريهم أنهم لو اعتادوا على ذلكَ سيكبُرُ معهم إلى سِنِ التكليفِ وحينَها سيُحاسَبُون، ومَن شَبَّ على شيئٍ شابَ عليهِ ومَن عاشَ على شيئ ماتَ عليه، فلابُدَّ من التَعَوُّدِ منذُ الصِغَر..
===فإن هَدَّدوكِ، بفِعلِ المُنكَراتِ سِرًا وتَركِ الواجباتِ بَعيدًا عن رَقابتِكِ، وقالوا "إن لم نحصُلْ على كذا أو نشاهِدْ كذا أمامَكِ يا أمي فسنفعلُها مِن ورائِكِ في السِر"،
ويُلِحُّونَ عَليكِ مِرارًا وتَخشَينَ أنْ يُنَفَذوا تهديدَهم..
فيا طيبة:
هَوِّنِي على نَفسِكِ، فاللهُ أرحمُ بِكِ مِن هذا.. فليس عليكِ من حِسابِهِم مِن شيءٍ إن حَدَثَ ذلكَ وفَعَلُوهُ خارجَ رَقَابَتِكِ ومسؤُولِيتِكِ ورُغم توجيهاتِك: { {ما عليكَ مِن حِسابِهم مِن شيءٍ وما مِن حِسابِكَ عليهِم مِن شَيئ} }..{ {كلُ امرِءٍ بِما كِسَبَ رَهِينٌ} }..
وليكُن حِوارُكِ معَهم حينَها كالتالٍي وبِكل ثباتٍ وثِقَةٍ بالله قولي:
-أنتم هكذا لاتهددونِي أنا بل تهددون أنفسَكُم، فرِفقًا بأنفسكم يا أولاد..
-فحين يقول لي أحدُكُم "ألقينِي في النارِ بدلًا مِن القَفْزِ فيها بنَفسِي مِن ورائِكِ سرًا"، فَمن يُهَدِد؟!.. { {إِن يُهلِكُونَ إلا أنفسَهم وما يَشعُرُون} }..!
-أنا لن أُسألَ عن عدمِ هَيمنتِي على سلوكِكم في السرِ فذاكَ بيدِ الرقيبِ الشهيدِ وحدَه: { {وما أرسلناك عليهم حفيظا} }..
-فلا ذنب عليّ لو فَعلتُم الخطأَ سِرًا بذريعةِ مَنعِي إياهُ عَنكُم علنًا: { {أنْ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزرَ أُخرَى وأنْ لَيسَ للإنسانِ إلا ما سَعَى} }..
-فالأمرُ يَصُبُّ مباشرةً في صحيفةِ المخطيء عمومًا لا صحيفتِي، طالما لم أُفَرِّطْ في واجبي: {ومَن يَكسِبْ إثمًا فإنما يَكسِبُهُ على نفسِه}..
-والواجبُ الذي سأُسأَلُ عنهُ هو التسهيلاتُ التي قدمتُها لكم لفِعلِ المُنكَراتِ وتركِ الواجِبات، وعدمُ مَنعِي إياكُم مع استطاعتِي: { {إلا تفعلُوهُ تَكُنْ فِتنَةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ} }
-فاللهُ يختبرُ طاعتِنا لهُ في ما وَهبَنا: { {إنا مُرسِلُو الناقَةِ فتنةً لهم فارتقبهم واصطبر} }..
-ومِن ذلكَ أزواجُنا وأولادُنا..: {إنما أموالُكُم وأولادُكم فِتنَة}..
-ومن يَفتِنَّا منهُم عَن مُرادِ اللهِ يكونُ عدوًا لنا تَجِبُ مُقاوَمَتُه: { {إن مِن أزواجِكم وأولادِكم عدوًا لكم فاحذَرُوهُم} }..
-وبقدر تفريطِي فقط في أمانةِ تربيتِكم، بقَدرِ ما سأحمِلُ في صحيفَتِي { {وَلَيَحْمِلُنَّ أثقالَهم وأثقالًا مَعَ أثقالِهِم} }، { {وَمَنْ يَعمَلْ مِثقالَ ذَرةٍ شَرًا يَرَه} }..
-بالتالِي، مَعِي كاملُ الحَقِ أن أصونَ صحِيفَتِي عن كلِ ذلك، فلا أحدَ يستحقُ أن أُهدِيَهُ ذرةً من حسناتي أو أحمِلَ عنهُ ذرةً مِن سيئاتِهِ، لأنَ الجَميعَ -حتى الوالدانِ الكريمانِ أحنُّ البَشَرِ علينا- سيهرُبون مِنا يَومَ القيامَةِ :{يومَ يَفِرُّ المَرءُ مِن أخيهِ وأمِهِ وأبيهِ وصاحبَتِهِ وبَنِيه}..
-ولن يضمنَ بقاءَنا أحِبةً يومُها إلا "تقواناَ" في الدنيا: {الأخِلاءُ يَومَئِذٍ بعضُهم لبَعضٍ عدوٌ إلا المتقين}..

هذا بالنسبةِ لي.
==والواجِبُ عليكم أنتم الذِي ستُسأَلون عنه حِينَ تَبلُغُونَ الحُلُمَ وتحتاجُون التَعودَ عليهِ مِنذ الصغر هو:
-عدمُ ارتكابُكم لأيِّ مَعلُومٍ بالضرورةِ شَرعًا أنه مُنكَرٌ لا يُرضِي الله/ أو تفريطُكم في واجبٍ شَرعِيٍّ أو أخلاقِي/ بالذاتِ سِرًا: {يستَخْفُونَ مِنَ الناسِ ولا يَستَخفُونَ مِنَ اللهِ وهُو مَعَهُم}.. {أَتَخْشَونَهُم.. فَالله أحق أن تّخشَوهُ إن كنتم مؤمنين}..
-فالله يختبِرُنا بالخَلَواتِ لأنها مَعقِدُ الإيمانِ برقابةِ اللهِ حَقًا: {لَيَبلُوَنَّكُمُ اللهُ بشيئٍ مِنَ الصيدِ تَنالُهُ أيديكُم ورماحُكم لِيَعلَمَ اللهُ مَن يَخافُهُ بالغَيب}..
-وَبِقَدرِ تفريطِ المرءِ في حُرُمات اللهِ سِرًا، بقَدرِ تفريطِه في حسناتِه يوم القيامة، بمجيئه يومَئذٍ ضمنَ أصحابِ الصالِحاتِ الضخمة كالجبالِ، والتي يجعلُها اللهُ هباءً منثورًا.. مَن هُم أولئِكَ يا رسولَ الله؟ =" «أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» "..

-وما دُمتُم في مسؤوليَّتِي ورعايتِي وقِوامَتِي الماليةِ والتربويةِ وغيرِها، فهذا هو القانونُ والنظامُ المُتَبَعُ لأجل نجاتِنا جميعًا من سُوءِ العواقِبِ.. {فأعِينونِي بقُوةٍ أجعَلْ بينكم وبينهم رّدمًا}..
-ثم حينَ يَرزُقُكم اللهُ بأموالِكُم الخاصةِ بعيدًا عن وِصايَتِي وتُصبِحونَ مسؤولينَ فيها عَنِ السؤال المُنتظَرِ لِكلِ عَبدٍ: "عن مالِهِ: مِن أين اكتسبَهُ وفِيمَ أنفقَه"،/ وعن أفعالِكُم كامِلَةً =فافعلوا حينَها ما شِئتُم واستطعتُم حَملَهُ في صحيفتِكم: { {فَمن أبصَرَ فلنفسِهِ.. ومَن عَمِيَ فعلَيها.. وما أنا عليكم بحفيظ} }..
{فليَحذَرِ الذِين يُخالِفُونَ عن أمرِه أن تُصيبَهم فِتنةٌ أو يصيبَهم عذابٌ أليم}
{وبَشِّرِ المُخبِتِين}...
انتهَى نموذجُ الحوارِ والذِي -(في تلك الفترةِ وإلَى أن تَختَفِيَ تلكَ الظاهرَةُ مِن بيتِكُم بحولِ اللهِ وقوتِهِ)- ستحتاجينَ مَعه:

1-الاستعانةَ باللهِ على الصبرِ على جِدالهِم بالتِي هي أحسن، وعلى الثباتِ أمامَ إلحاحِهم وما يُسَبِبُهُ من إنهاكٍ نَفسِيٍّ، فأكثِرِي من الحوقَلَةِ والصلاةِ على النبيِّ ﷺ والاستغفار..
2-الاجتهادَ مُجَددًا في تقويةِ صِلَتِهم باللهِ على أساسٍ مَتينٍ مِنَ العَقِيدَةِ الصحيحةِ وأركانِ الإيمانِ السِتة، لأنهم مَفاتيحُ تأسيسِ التَقوَى ومُراقَبَةِ اللهِ ومعرفةِ قَدرِه وقَدْرِ الآخِرَةِ وحقيقةِ الدنيا والعُبودِيةِ و ما إلى ذلك..
3-صلةً قويةً بابنكِ أركانُها الحُبُ والثِقَةُ والاحترامُ والتقديرُ والتفاهمُ والصدقُ والعُدل.
4-قدرًا كافيًا لديكِ مِن الإصرارِ والصلابَةِ في الحَق، مُقابِلًا لقوتِهم في الإلحاحِ والعِناد، فلا َيِفلّ الحديدَ إلا الحديدُ، وصاحَبُ الحقِ أقوَى، فاثبُتِي..
5-الإلمامَ بالدليلِ الصحيحِ -شرعًا وعَقلًا وحِسًا- على نكارَةِ هذا الفِعلِ مِنهم، حتى يَتَيقنوا أنكِ لا تتكلمينَ بهوًى كما بينَّا في القواعِدِ السابقةِ، فمن أهمِ العقائدِ التي ينبغِي أن تكونَ تأسسَت فيهم: أن مَصادِرَ أفعالِنا وقناعاتِنا نأخُذُها مِن القرآنِ والسُنة.
6-الاجتهادَ في التعامُلِ مع هذا الأمرِ أحيانًا بشيءٍ من رُوحِ الدُعابة، وفي ذاتِ الوقتِ بحزمٍ وثَباتٍ على المبدأ، فاللينُ والرفقُ والمُمازَحَةُ واللطفُ مِن أعظمِ طُرُقِ التأثيرِ في النفوس.. { {ولو كنتَ فَظًا غليظَ القلبِ لانفضُّوا مِن حولِكَ} }..
7-مع مشاركتِهم تدبرِ أحوالِ وعواقبِ أهلِ التفريطِ، اتعاظًا بهم: {قل سيروا في الأرضِ فانظروا كيف كان عاقبةُ المُجرمين}..
8-والتذكيرِ دومًا عند وجودِ بوادرَ رَغبَةٍ في التفَلُّتِ مِن أحكامِ الله، بالآيتين الكريمتين: {فلعلَّكَ تارِكٌ بَعضَ مَا يُوحَى إليْكَ وَضائِقٌ بهِ صَدرُكَ}؟... { {كِتابٌ أُنزِلَ إلَيكَ فلا يَكُنْ فِي صَدرِكَ حَرَجٌ مِنهُ} }..
9-وتذكيرِهم بقولِ إسماعيلَ لأبيهِ إبراهيم {يا أبتِ افعَلْ مَا تُؤمَرُ ستَجِدُنِي إن شاءَ اللهُ مِنَ (((الصابِرِين)))}، فطاعتُهُم في الأصل للهِ وليست للوالدين.. فليكونوا من الصابرين عليها كإسماعِيل..
10-وأولًا وآخِرًا.. كوني القدوةُ فيما تأمرينَهم بِه: {كَبُرَ مَقتًا عندَ اللهِ أن تقولوا ما لا تفعلون}
وكما بدأنا بابنِ القيمِ نَختِمُ بِه..
قال: "مِن رحمةِ الأبِ بولدِه أن يُكرِهَهُ علي التأدُّبِ بالعلمِ والعَمل.. فإن أهملَ ولدَهُ كان لقِلةِ رحمتِه بِه -وإن ظنَّ أنه يرحمُه و يُرَفِّهُهُ ويُرِيحُه!.. فهذهِ رحمةٌ مقرونةٌ بجهلٍ".. انتهى كلامه..
فاصبري وصابري ورابِطي، وأبشِرُكِ عن تجربة:
سيلينون بين يديكِ بإذن اللهِ ولو بعدَ حِينٍ {فَإِنۡ أَسۡلَمُوا۟ فَقَدِ ٱهۡتَدَوا.. وَّإِن تَوَلَّوۡا۟ فَإِنَّمَا عَلَیۡكَ ٱلۡبَلَـٰغُۗ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ}
فإن كان قَلقُكِ مِن تَعَلُّقِهم أكثرَ بالأمورِ الممنوعةِ بحُجةِ أن الممنوعَ مَرغوبٌ؟ أو مِن كونهم لازالوا يرتكبونَ الخطأَ بحِجةِ عدمِ وجودِ سيئاتَ لهم بعد؟
فالجوابُ في المقالةِ القادمةِ بإذن الله.
أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها








__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 29-12-2021, 10:42 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات 1 (تابع): {فأكلا مِنها}.. والمَمنوعُ مَرغُوبٌ..!


أسماء محمد لبيب


بَعدَ مَقالَتنا السابقةِ تتساءلُ بعضُ الأمهاتِ: أليسَ الممنوعُ مرغوبًا؟ ألن يضاعِفَ المَنعُ مِن رَغبَةِ أبنائِي في الشَيئِ الممنوع؟
وربما يجعلُ ذلكَ السؤالَ منطقيًا ومُعتَبَرًا، سؤالٌ آخرُ مشابهُ لَه، ألا وهو: ألم تكُن الجَنةُ كلُها حلالًا هنيئًا لآدمَ وزوجِه، بخاصَّةٍ الأطعمةُ مِن كل مَا لذَّ وطاب، ورغم ذلك مالَتْ نفسُهما للشجَرةِ المَمنُوعَةِ عنهما التي نهاهُما ربهما عن الاقتراب منها.... فأكَلَا مِنها؟

وهذا المنطقُ بالفعل هو الذي يَجعلُ بعضَ الأمهاتِ يَقُلنَ أنهُ لَيسَ صوابًا مَنعُ الاختلاطِ عن أبنائنا مُبَكّرًا بين البنينَ والبناتِ منهم، ولا تقييدُ حريتِهم عن صحبةِ من يحبون أو مطالعة ما شاؤوا من المرئياتِ والمُدخَلاتِ المتنوعة، مِن انترنتْ وتلفازٍ وأماكنَ ترفيهٍ وفنونٍ شتَّى وثقافاتٍ مختلفٌ ألوانُها، بحُجَّةِ أن هناك قاعدةً معروفةً ولابدَ مِن وضعِها في الاعتبارِ، ألا وهي أن الممنوعَ مَرغوبٌ.. فبدلًا من مَنعِ ابنهِنَّ مِن فِعلِ الشيئِ الممنوعِ أو الاقترابِ مِنهُ، يَسمَحنَ لَهُ بهِ أمامَهُن وتحتَ رَقابتِهِن كيلا يحصلَ عليه من ورائهن، لأننا شِئنا أم أبَينا هو لن يتركَه إن منعناه! -حَسْبَ كلامِهِنَّ!
ونقولُ لهذه الطيبة.. الممنوعُ مَرغُوبٌ قاعِدةٌ أَجَل... وبالفعلِ تزدادُ الرغبةُ والافتقادُ للشيءِ حينَ نُحرَمُ مِنهُ، لكِنها -كقاعدةٍ- مَوجودةٌ كَي تدفعَنا لمقاومةِ ذلكَ "المَمنوعِ المرغوب"، وعدمِ الحصولِ عليهِ إلا وهُوَ "غيرُ مَمنوعٍ"... أي: في حلالِ الله ووُفقَ حُدودِه، بل عدمُ الاقترابِ منهُ أصلًا لأنه مَن حامَ حولَ الحِمَى يوشِكُ أن يقَعَ فيه، وقد قالَ اللهُ لآدمَ وحواء: {لا تَقْرَبَا}، فلما اقتربا أكلا. تمامًا كما لو أن القاعدةَ بها جُملةٌ محذوفةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بها تقدِيرُها: الممنوعُ مَرغوبٌ فانتبِه ولا تنساقْ وراءَ رغبتِكَ فِيهِ، أيْ: لا تَقرَبا فتأكُلا...!
بينما ليست تلكَ القاعدةُ -قاعدةُ "الممنوعُ مَرغوبٌ"- موجودةً لكي تقنعَنا بـممارسةِ أبنائنا لهذا المَمنوعِ في العَلَن تَجَنُّبًا لممارستِه في السرِ بسببِ حَظرِه!، فنجعلُ أولادنا يباشرون "الممنوعَ" ويعتادونَ عليه تحتَ إشرافِنا، بذريعةِ عدمِ إلجائِهِم لفِعلِهِ في الخفاءِ خلفَ ظهُورِنا! حين يحدثُ هذا، فأي فَرقٍ سيكونُ في تعريفِ الفعلِ المَمنوعِ في الحالتينِ، سوى أنَّ هذا فُعِلَ سِرًا وبدونِ إشرافِنا، وهذا فُعِلَ عَلَنًا وتحتَ إشرافِنا؟؟! هل ينفي هذا عنهُ أنه لازالَ مَمنُوعًا ولا يُرضِي الله؟ هل يَعفي هذا مِن الخطأِ مَن أتاحَ ذلكَ المَمنوع؟ هل ذلك يَمنَعُ الضَرَرَ المُترتِبَ على الاقترابِ مِنه؟
إطلاقا....
الممنوعُ يَظلُ خَطأً، سواءٌ كان سِرًا أم علانيةً، وتظلُ لهُ عَواقِبُهُ الضارةُ على حياةِ الإنسانِ في الدنيا والآخِرة، سواءٌ ارتُكِبَ أمامَ الأهلِ أم مِنْ خَلفِهِم... بل إن ارتكابَهِ بمباركة الأهلِ أولياءِ أمورِ الأبناءِ وتحتَ سمعِهم وبصَرِهِم، بأريحيةٍ دونَ أي غضاضة يجعله أشدَّ ضررًا، لأن ذلك يُمِيتُ الإحساسَ داخل الابنِ بكونِهِ خَطئًا، فيَجعَلُ احتماليةَ إفاقةِ الأبناءِ مِنهُ يومًا ما وتصحيحِ المسار: شِبهَ مُستَحِيلَةٍ... بعكسِ الاضطرارِ لمباشرةِ الممنوعاتِ في السرِ بسببِ نَهيِ الأهلِ عنها....

قَطعًا...!
فكما قلنا فيالتربية?__ref=search"> الصوباتِ التربويةِ وفي المقالةِ السابقة:

أبعدِي ولدَكِ عن الفِتَنِ بشكلٍ عامٍ ما استطعتِ إلى ذلكَ سبيلًا، وعنِ الصحبَةِ السيئةِ بشكلٍ خاصٍّ -سواءٌ أشخاصٌ أو مرئياتٌ أو كتبٌ أو أماكنُ أو كلُ ما ينطبِقُ عليهِ وصفُ المُصاحَبَةِ لأولادِك- لأن الجليسَ الصالحَ كحامِلِ المِسكِ، وجليسُ السوءِ كنافِخِ الكِيرِ.. ودينُنا أمَرَنا أن نَختارَالجليسَ الصالِح، وحذَّرَنا مِن مُصاحَبةِ جليسِ السوء، مِن بابِ الوِقايةِ والحِفظِ لدينِنا وعاقِبَتِنا..
وبالتأكيد أولادنا أولى بذلك..

أي نعم لن نَضَعَ أبناءَنا في بيئةٍ مُعَقَّمةٍ ومدينةٍ فاضلةٍ مائةٌ بالمائة! -لأن البيئةَ مهما فَعلْنا مَليئةٌ بالمُدخَلاتِ المُنكَرةِ والفِتنِ على أشكالِها ظاهرةً وباطنة ونُرَبِّي أبناءَنا دومًا على التشمِيرِ والتَرَبُصِ لها والحَذرِ مِنها لتلافِيها، وعلى التوبةِ إذا وقَعوا في أيٍّ مِنها، وعلى التقوَى في السرِ والعلنِ للوقايةِ مِنها، فحِواراتُ الفِتَنِ إذًا ليسَت بعيدةً عن مسارِهم الحياتِيِّ فلسنا فِي بروجٍ مُشَيِّدَة.. لكن أن أضعَ وَلدِي بنفسِي في بيئةِ فِتنٍ، وأقولُ له "قاوِم"! "امتَنِع"..! "إياكَ أن تقترِب"!، وكل هذا وهو أصلًا لازالَ في طَورِ النموِ الانفعاليِّ والنفسِيِّ والإيمانِيِّ فلَم يَنضِجْ بعدُ ويَبلُغْ أشدَّهُ ورُشدَهُ وامتلاكَهُ لزِمامِ نفسِه...؟!
النبي ﷺ أمرنا أصلا ألا نتمنى لقاءَ العدوِ، قال: «لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ..وَاِسْأَلُوا اللهَ الْعَافِيَةِ»(رواه مسلم)
قال المناوِيُّ في شَرحِ الحديثِ: "لا نَتَمَنَّى لقاءَ العَدُوِ، لِما في ذلكَ مِن صورةِ الوُثوقِ بالقُوةِ، وقِلةِ الاكتراثِ به، وهذا مُخالِفٌ للاحتياطِ" –بتصرف
وليس ذلك إلا لأن الثباتَ أمامَ الفِتَنِ شديدٌ حتى على أقوى الأقوياءِ إيمانًا وبُنيانًا، فكيفَ لعاقلٍ أن يطلُبَ الفتنةَ بنفسِهِ ويسعَى لها سَعيَها أو مجرد حتى يفتحَ لها البابَ استسلامًا لها وينتظرُ قدومَها على أبنائِه، بزَعمِ أن منَعَها يَجعَلُ نفوسَ أبنائِه تَتُوقُ وتميلُ لها أكثر!؟

إن هذا أشبهُ بِمَن يقولُ: "سأعطي ابني بَعضًا مِن المُخَدِّراتِ حتى لا يَضطَرَّ للتَخَفِّي بتَجَرُّعِها سِرًا دُونَ إشرافِي"!..
صَدَمَكُم المِثالُ....؟!
وهل فَتْحُ بابِ المُدخَلاتِ على مِصراعَيهِ أمامَ حواسِّ أبنائِنا وقلوبهم، أقَلُ فَتكًا بالعَقلِ والفِطرَة والقِيَمِ، من المُخَدِرات....؟!
ألم نَعلَم تحذيرَ النبي صلى الله عليه وسلم مِن مُجَرَّدِ مُوارَبَةِ البابِ بإرادتِنا الحُرةِ ولو شِبرًا حتى، قال: «ويْلَكَ ! لا تفتحْه، فإنَّك إنْ تَفْتَحْه تَلِجْهُ»(جامع الترمذي) فكيفَ بمناعةِ مَن هُم أضعفُ وأصغرُ وأقلُ رُشدًا ومقاومةً مِنا أمامَ الفِتَنِ والشهواتِ: فلذاتُ أكبادِنا؟
ثم إنه ﷺ أمَرَ الرجالَ بسَترِ العوَراتِ وغضِ البَصَرِ، وأمرَ النساءَ بالحجابِ وسَترِ زينتِهِم وغَضِ البَصَر، كلُ ذلكَ من بابِ الوقايةِ والاحتياطِ مِن فِتنةِ "المَمنوعِ"، لأن الوقايةَ مِنَ المَمنوعِ خَيرٌ من علاجِ آثارِ الوقوعِ فيه..... بلا شك..!

ويأتي سؤالٌ: هل بتلكَ التنبيهاتِ النبويةِ قد عَقَّمَ النبيُ ﷺ المُجتَمَعَ مثلًا؟
إطلاقًا..
إنما هي مجردُ إجراءاتٍ وِقائيةٍ لن تمنعَ الفِتَنَ تمامًا، لكنها تُقَلِّلُ مِن شِدَتِها وعدَدِها وانتشارِها بلا شك وهذا هو مَعنَى الوِقاية من المشكلة.. مع تأكيدِه ﷺ دائمًا على الثباتِ والمقاومةِ ومُجاهَدَةِ النفس عند الفِتَنِ، فكما في بقيةِ حديثِ لقاءِ العَدُوِّ «فإذا لقِيتُموهُ فاثبُتُوا» وهذا هو معنى العلاجُ إذا وَقَعَتِ المشكلة...

خِتامًا...
لا أضعُ ابنِي في بيئةِ فِتَنٍ وأقولُ: فرصةٌ كي يتعلمَ ويُصبِحَ مِن ذَوِي الخِبرَةِ وراجِعي مقالةَ الصوباتِ التربويةِ في القواعد،
لكن أُعَلِمُه كيف يُقاوِمُ إذا دَفَعَتْهُ أقدارُ اللهِ للتواجُدِ في بيئةِ الفِتَن.. ولا يستويان قطعا...حتى إذا اشتدَّ عُودُه وَوُضِعَ في بيئةِ الفتنِ بقدَرِ اللهِ وطبيعةِ الحياةِ لا بإرادَتِي أنا: يكون قادرًا على المقاومةِ والاستمساكِ بالصلاح بحول اللهِ وقوتِه.. وواجب عليَّ قطعا ما استَطَعْتُ، انتِشاُلُهُ مِن أيِّ بيئةِ فِتنٍ يَقَعُ فيها..

يتبقى سؤال: ماذا لو قال لي ولدي "لازلتُ صغيرًا يا أمي وليس لي سيئاتُ بعدُ!" فيرتكب الخطأ بتلك الحجة..
فماذا أفعلُ....؟ والجواب في المقالةِ القادمةِ بإذن الله..


أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها















__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 07-01-2022, 11:23 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات1 (تابع): لازلتُ صغيرًا وليس لي سيئاتُ بعدُ


أسماء محمد لبيب



مَاذَا أَفعَلُ لَو قالَ لي ولدي: "لازلتُ صغيرًا أُمي! وليسَ لِي سيئاتُ بَعدُ!" ويَرتَكِبُ الخطأَ بتلكَ الحُجة..؟ أنا أهددُه بمثلِ ذلكَ ليَرتَدِع.. فأقولُ: "لو كذَبتَ ستدخلُ النارَ فِي الآخرة.. أو إن لم تسمعْ كلامي فاللهُ سيعاقِبُك ويَغضَبُ عليكَ في الدنيا.. أو اللهُ لا يحبُكَ لأنكَ فعلتَ كذا..".. ابنتي تضرب إخوتَها وتأخُذُ أغراضَهم مُطمَئِنَّةً أن اللهَ يحبُها مهما أخطأَتْ ولن يحاسِبَها لأنها طفلة.. كيف أجعلُهم يَتَوقفون عن الخطأِ إن لم يكنْ ثَمةَ تَرهيبٌ هكذا بالعقابِ الإلَهيِّ لهم بَعد؟

والجوابُ: لا يجوزُ حبيبتي أن نُخبِرَ الأطفالَ دون التكليفِ، أيًّا مِن ذلكَ إن أخطأوا..

أولًا: لأن هذا كذِبٌ صَرِيحٌ، إذ أن اللهَ قد رفعَ عنهم القلمَ بالفعلِ قبلَ البلوغِ، فلا حسابَ ولا نارَ ولا مؤاخّذّةَ لِمَن هم لازلُوا في طَورِ النُمُو العَقلِيِّ والنفسِيِّ والمَعرِفيِّ.. ليس هناك سِوى حسناتُ أعمالِهم فقط تُكتَبُ لهم مِن ربٍ شكورٍ رحيم، تشجيعًا لهم..

ثانيًا: لأن كلامَكِ هذا يَغرِسُ في قلوبِهم الرقيقةِ شُعُورًا سَلبيًا تجاه الرحمن، في مرحلةٍ نحنُ فيها أحوَجُ ما نكونُ لغَرسِ مَحَبةِ اللهِ لهم، ومحبتِهم إياهُ بالمُقابِلِ مَحبةً تَرسُخُ لآخِرِ العُمُر.. وحتى لو كان ابنُكِ بالغَ الحُلُمِ، فلا يجوزُ كذلك إخبارُه بتلكَ الجُمَلِ، لأن هذا يُعتَبَرُ تأليًا على اللهِ، أي: افتراضُ إرادةٍ مُعينةٍ للهِ في أَمرٍ ليسَ لنا فِيهِ من اللهِ بُرهان.. وقد يُعَرضِكِ أنتِ إلى حبوطِ عملِكِ ودخولِ النارِ والعياذُ بالله، «قال رجلٌ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ تَعالَى قالَ: مَن ذا الذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ!، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ» (رواه مسلم) وفي رواية: «أن الله قال لذلك الحالِفِ: أكنتَ بي عالماً؟!، أو كنتَ على ما في يَدي قادرًا؟! وقال: اذهبوا به إلى النار»(أخرجه أبو داود)، بالإضافةِ إلَى كَونِهِ مُيئسًا للعبدِ مِن رحمةِ ربِهِ لِما في الكلامِ مِن حَسْمٍ قاطِعٍ للأمل..

فاحذري حبيبتي.. فالنيةُ الصالحةُ لا تصلِحُ العملَ الفاسِد.. وهو إفسادٌ مِن حيثُ تريدين إصلاحًا.. وبالنسبةِ لسؤالِك، فأجيبُكِ في خمسةِ محاورَ على هيئةِ حوارٍ معَ ولدِك:

أولًا بُني: قد جعلَ اللهُ الطفولةَ مرحلةَ تمرينٍ طويلٍ يَسبِقُ التكليفَ، لأن الإنسانَ يحتاجُ لفترةٍ ممتدةٍ تتسعُ للتجربةِ والخطأِ واختبارِ تفاعلاتهِ مع الحياةِ وفَهْمِ أحوالِها المُختلفَةِ والتَعَرضِ للتقويمِ المستمرِّ لمعارِفِهِ وسلوكياتِه، كي يَرسُخَ في طبائِعِه وطريقَتِه في الحياةِ تَراكُمِيًا: الميلُ للخيرِ والبُعدُ عن الشرِ.. حتى إذا بلغَ الحُلُمَ، كان مُتَمَرِّسًا كفايةً ومُؤَهَّلًا لأداءِ رسالتِه العظيمةِ التي أُعِدَّ لها طوالَ طفولتِهِ وسيبدأُ حسابُه عليها الآن.. لهذا احتاجَ لطولِ مَرحلةِ الطفولةِ ولرفعِ القلمِ عنه فيها..
لا ليتمادَى في الخطأِ قائلًا قولَ اليهودِ والنصارَى: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة:18]، بعكسِ بقيةِ المخلوقات: يكبرونَ وينتقلونَ بسرعةٍ من طَورِ الطفولةِ إلى طورِ النُضجِ والبلوغ، لأن ليس لهم رسالةُ إبلاغٍ للحقٍ وتَعميرٍ للحياةِ بهِ كبَنِي آدَم، بل خُلِقُوا لغرضٍ آخر: أن يكونوا مُسَخَّرِينَ لهذا الإنسانِ في غذائِهِ وركوبِهِ ومعاشِهِ الذِين يستعينُ بهم على رسالتِه تلك، فلذلك يَكبُرون سريعًا...
فهذا الفرقُ العَظِيمُ يَجعلُنا نَجتَنِبُ إهمالَ التَجَهُّزِ لرسالتِنا تلكَ.. خوفًا من إفسادِنا الأرضَ حين نبلُغَ، ومِن عِقابِ اللهِ على ذلكَ حينَها..
ربنا قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}[الشمس:9]، والتَزكِيةُ تحتاجُ لفترةِ تَدريبٍ مُكثَّفٍ، حتى إذا بَلَغَ الصغيرُ باستقامَةِ العُودِ دَهرًا طَوِيلًا، لم يُعْوَجَّ وينحَرِفْ، وسَهُلُ عليهِ تفادِي الأخطاءِ عندَ التكليفِ بإذنِ اللهِ، لأنَ الخطأَ يومئذٍ ما عادَ مرفوعٌ عنهُ القَلَم، بل قد يُضاعِفُ اللهُ عليهِ العُقوبةَ أحيانًا حسبَ الأحوالِ الشرعية.. وَصَدَقَ القائِلُ: "ويَنشَأَ ناشِيءُ الفِتيانِ علَى ما عَوَّدَاه عليه أبواه"...


ثانيًا: كيفَ تقولُ هذا وأنتَ تريدُ مكانًا معَ طائفةِ "شابٍ نشأَ في طاعةِ اللهِ" ضمنَ السبعةِ الذينَ سيُظِلُّهم عرشُ الرحمنِ يومَ تدنُو الشمسُ من الرؤوس؟ فما طاعةُ اللهِ إلا فِعلُ أوامرِه واجتنابُ نواهِيه!؟ وما النشأةُ فيها إلا بالمواظبةِ والتدرُّبِ على ذلكَ بكلِ طاقتِنا؟

ثالثًا: أمَرَنا نبيُّنا ﷺ أن نُمَرّنَ الأطفالَ على الصلاةِ عندَ سَبعِ سنينَ، وأنَّ مَن يرفُضُها نَضرِبُه عِندَ عَشْرِ سنين ليَزدِجِرَ ويُقَوَّمَ.. وكذلكَ قالَ التابِعُونَ أن آباءَهم مِن الصحابةِ كانوا يَضرِبونَهم على العَهدِ والأيمانِ وهم صِغار، أي يُؤَدِبُونَهم بالضربِ لو رأَوا منهم تَساهُلاً في الحَلِفِ باللهِ والعُهود، ولم يَمنَعْهُمُ النبيَّ ﷺ مِن ذلكَ بَل وَضَعَ ضوابِطَ شرعيةً للضربِ.. أليسَ ذُو العَشرِ سنواتٍ بُنَيَّ -وأصغرُ مِنهُ- لَم يَبلُغُوا الحُلُمَ بَعدُ؟ فلِماذَا يُعاقَبُون؟ الجوابُ: نَعَم، الصغيرُ غيرُ مُكَلَّفٍ، لكنهُ يُضرَبُ تأدِيبًا ورَدعًا عن الخطأِ، لأننا لو سلَّمناهُ للبُلوغِ وهو تاركٌ للصلاة أو مُستَهِينٌ بأوامرِ الله، سيستمرُ غالبًا على تلكَ الاستهانةِ بها وبغيرِها ويصيرُ مِن أهلِ الانحرافِ عن الصراطِ المستقيمِ والعياذُ بالله.. فهل ضربُه على ذلكَ قبلَ التكليفِ وتقوِيمُ اعوجاجِهِ وهو لازالَ عُودًا أخضَرَ لَينًا، أهوَنُ؟ أم ألمُ النارِ في الآخِرَةِ إذا ماتَ على ذلكَ في البلوغِ؟ وليسَ كُلُ التأديبِ ضَربًا فقط بالطبع.. ولكن لماذَا تُعَرِّضُ نفسَكَ لأيٍّ منها بُنَيَّ وتُحزِنُنِي وتُحزِنُ نفسَك؟
أنا مطلوبٌ مِني أمامَ اللهِ، تَعليمُكُمُ الحقَّ وتَطوِيعُكم عليهِ حتى البلوغ، وعند ارتكابِ الخطأِ فواجِبِي تحذيرُكم منه وتأديبُكم عليهِ وردعُكم عنه بكلِ وسيلةٍ شرعيةٍ محمودةٍ ومُعتَبَرَةٍ كما فعلَ الصحابةُ تلاميذ النبي ﷺ، إلى أن أطمَئنَّ أنكم ارتدَعتُم، أو أني قد بلَغْتُ مِنَ الوُسعِ أقصاهُ أمامَ رَبِي وإن لم تَرتَدِعُوا... أيُهما أقربُ..

رابعًا: ليست كُلِ أخطاءِ الطفولَةِ بلا حسابٍ ولا عقوبة.. بمعنى: لو أنكَ سرَقْتَ شيئًا مِن أخيكَ مثلًا والعياذُ بالله وتَعلَمُ خَطأَ هذا، فأجَلَ! لن تَكتُبَها الملائكةُ في صحيفتِكَ بَعدُ، وليسَ مِن حقِّ القاضِي كذلكَ أن يَقطَعَ يَدَكَ كعقوبةٍ جِنائِيةٍ بحَدٍّ مِن حُدُودِ اللهِ، لأنكَ لستَ مَسؤُولًا بعد مسؤوليةً جِنائِيةً، لكن معّ ذلكَ فمِن حَقِّي كَوَلِيِّ أمرِكَ أن أعاقِبَكَ عقوبةً تأديبيةً رادعةً طالما تَخَطَّيْتَ السبعَ سنوات، بخاصةٍ لو كان الأمرُ مُتصلًا بحقوقِ الآخرين، كالضربِ مثلًا وشهادةِ الزورِ وخيانةِ السرِ والسبِ والغِيبةِ والسخريةِ من الآخرينَ وترويعِهم وإخفاءِ أغراضِهم وعدمِ احترامِهِم، لن أتركَكَ تفعلُها وأقفُ مُتَفَرِّجَةً، تمامًا كما لن أتركَكَ لو رأيتُك تُؤذِي نفسَكَ.. ولا يعنِي هذا أن أتركَكَ تُخطِيءَ إن كنتَ أقلَّ مِن سَبعِ سنوات.. فللوالدينِ تأديبُ أولادِهما وعقابُهما عند الحاجةِ طالما يعقِلونَ العقابَ ويَردَعُهُم..

خامِسًا بُنَي: إن ربَنا الكريمَ الطيبَ المُحسِنَ الرحيمَ قد جَعلَ لَكَ على الطاعاتِ والخيراتِ حسناتٍ تُسَجَّلُ فِي صحيفَتِكَ وأنتَ بَعدُ لازِلتَ طِفلًا لا تَعقِلُ كثيرًا مِنها.. ألا يَستَحِقُّ منكَ أن تَترُكَ الأعمالَ السيئةَ والشَرَّ الذِي لا يُحبُهُ ونَفَّرَكَ مِنْهُ؟
قال تعالى: {وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} [الحجرات:7]، فجديرٌ بِنا ذلكَ بُنَيّ، شُكرًا للِه الكريمِ وتَحَبُّبًا وتَعَبُّدًا لهُ بِكلِ جميلٍ، فخيرُه ليلَ نهارَ إلينا نازِلٌ، أفيكونُ شَرُّنا ليلَ نهارَ إليهِ صاعِدٌ..؟ هل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسانِ بُنَيّ؟

وهكذا أيتُها الكريمةُ، تَحُلِّينَ المُعضِلَةَ، وتتجنَّبِينَ التألِّي على اللهِ والكذِبَ، ويفهَمُ ولدُكِ أنه إن لم يَكُن هناكَ عِقابٌ إلهيٌّ فهناكَ عقابٌ بَشَرِيٌّ أباحَهُ اللهُ لرَدعِ الأطفالِ دونَ البلوغِ لتعويدِهم الخيرَ وتَرْكَ الشَرِ، وكَفِّ أذاهم عن الناسِ وأنفسِهم.. مع العِلمِ -وكما قال الدكتورُ عبدُ القادِرِ عُودَه في كتابِهِ "التشريعُ الجنائيُّ الإسلاميُّ مُقارَنًا بالقانونِ الوَضعِيِّ"- أنه: "لم تُحَددِ الشريعةُ نوعَ العقوباتِ التأديبيةِ التي يُمكنُ توقيعُها على الصِبيان، وتركتْ لولِيِّ الأمرِ تحديدَها على الوَجهِ الذِي يترَاءَى له، ومِنَ المُسَلَّمِ بهِ لَدَى الفقهاءِ أن التوبيخَ والضربَ مِن العقوباتِ التأديبيةِ.. وتركُ تحديدِ العُقوباتِ التأديبيةِ لولِيِّ الأمرِ يُمَكِّنُ مِن اختيارِ العقوبةِ المُلائِمَةِ للصَّبِيِّ في كلِ زمانٍ ومكانٍ، فيجوزُ لولِيِّ الأمرِ أن يُعاقِبَ بالضربِ أو التوبيخِ، إلى غَيرِ ذلكَ من الوسائلِ التي تؤدِي إلى تأديبِ الصبيِّ وتهذيبِه" انتهّى كلامُه باختصارٍ يَسِير..

فسُبُلُ العِقابِ والتأديبِ مُتَنَوِّعَةٌ مُتَدَرِّجَةٌ ولها ضوابطُ وشروطٌ وموانعُ نُفَصِّلُها لاحقًا بإذن الله.. وبعدَما أنهينا مُتَعَلِّقاتِ المَمنوعِ الأولَ مِن الممنوعاتِ العَشرِ "أبدًا ما عَصَيتُ اللهَ لأُرضِيَكَ"، ننتقلُ للممنوعِ الثانِي: "أبدًا ما دَعَوتُ عليكَ"..
في المقالةِ القادمةِ بإذنِ الله.

أسماء محمد لبيب
أمةالله-عفا الله عنها




















__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 07-01-2022, 11:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات3: أبدًا ما شتمتُك.. "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان"


أسماء محمد لبيب




سألتني إحدى الأمهاتِ قائلةً:
- أنا أشتمُ ابني كثيرًا.. ولا أستطيعُ التوقفَ.. هلا أنقذتِني بحل...؟!
وتساءلْتُ..

كيف تريدين أن يكونَ ولدُكِ مهذبًا ولا يشتُمُ ولا يَفحُشُ في القولِ، وأنتِ غالِبُ أسلوبِكِ معه هو الشتْمُ والتهكُمُ والتحقيرُ والنَبزُ بالألقاب؟
نسمعُ أمهاتٍ تقولُ لولدِها غَضبًا: يا تَيْس ألا تنظر أمامك! يا غَبِي كسرت الكوب! أين الورقةُ يا كلب؟ هل ستسمَعُ الكلامَ أم ستشلُني كعادتك يا عملي الأسوَد! ألديكَ مخٌ مثلَنا أم أن تحتَ فروة الخروفِ هذِهِ قَديدٌ مُنتَهي الصلاحية! مالكَ تُشبِهُ البقرةَ العَرجاءَ في مِشيتِك! لماذا تتباطأُ يا بارد لعنكَ اللهُ!..
أيُعقَلُ أن هذه أمٌ وهذا فَلذَةُ كبِدِها؟
تلعنه وتسبه وتدعو عليه لأنه مثلًا تباطأ عنها...؟
ألم تعلم أن أم الدرداء سمعت الخليفة عبد الملك بن مروان يوما يلعن خادمه حين تباطأ عليه بعدما ناداه، فوعظته وحذرته قائلة له: أن أبا الدرداء أخبرها أن النبي ﷺ قال: " «لاَ يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» "..؟
فكيف لو كان لعانًا...؟ وكيف لو كان الملعونُ ابنًا من صلبِه وليس خادمًا....؟
أنَسِيَتِ أن سِبابَ المسلمِ فُسوق؟
أما علمتِ أن أطفالَ المسلمين ليسوا كلابًا ولا حميرَ ولا أبقارَ ولا حيواناتٍ، فالشرعُ نهى عن السِبابِ بأسماءِ الحيواناتِ وألفاظ التحقيرِ وكلِ فُحشٍ مِن القَول؟
أما علمتِ أن للمسلمِ حُرمةً وأنها بذلكَ تنتهِكُها، وقد قال الله:
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} ،
وقال رسوله ﷺ: " «كلُ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ: دمُه، ومالُه، وعِرضُه» "؟
وأحيانا نجد أمهات يشتمن من باب المزاح. كأن تقول لابنها مثلا: رأيتَ الحِمارَ الذي يقودُ تلكَ السيارة؟!.. رأيتَ البهائمَ التي تذِيعُ النشرة؟

==ألم تعلمي أن اليهودَ تطاولوا على النبيِ ﷺ في الكلامِ وقالُوا "السَّامُ عليكَ" بدلًا من "السلامُ عليك" -(والسام تعني الموت، فيَظهر كلامُهم وكأنما سقطَتْ منهم اللامُ من السرعةِ فقط، بينما هم لخبثِهم يقصدون المواربةَ بالدعاءِ عليهِ والاستهزاءَ به ﷺ..
ألم تعلمي أنهم فعلوا ذلك ولم يَرُدَّ عليهم بفُحشٍ مُقابِل، واكتفَى برَدِّ الدعاءِ عليهم بالمِثلِ فأدَّبَهم بشرفٍ ومروءةٍ ﷺ فقال "وعليكم".. فقط..
ولم ينتهوا...
كرروها.. فغضبتْ عائشةُ وأجابتْهم: "بل السامُ عليكم وغَضَبُ اللهِ!، إخوانَ القرَدَةِ والخنازِير!، أتُحَيُّونَ رسولَ اللهِ ﷺ بما لم يُحَيِّهِ به اللهُ!؟"
فنهاها ﷺ ووصفَ ما فعلَتْه بأنَّهُ فُحشٌ مِن القول!
مع أن مِن حقِ المُسلمِ أن يَرُدَّ السِبابَ بالمِثلِ لو تَعَجَّلَ تحصيلَ حقِهِ في الدنيا قبل الآخرة، لكن دون تجاوزٍ للحدِ أو الضوابطِ الشرعيةِ...
ومع ذلك، لم يرضَ ﷺ بذلك لنفسه..

قال لها:
"مَه..! إن اللهَ لا يُحِبُّ الفُحشَ ولا التفحشَ.. قالوا قولًا فرددناهُ عليهم.. فلمْ يَضُرُّنا شيءٌ، ولَزمَهُم إلَى يومِ القيامة"...

فتأملي كيف أن السِبابَ واللعنَ بأسماءِ الحيواناتِ ولو كان دِفاعًا عنه ﷺ ضدَ أعداءِ اللهِ اليهودِ، فُحشٌ فِي القول لا يحبه ﷺ..!

ثم نأتي نحن فنشتمُ أبناءَنا ليلَ نهارَ دون عذرٍ شرعيٍ مقبولٍ، أو نشتم مزاحًا، ونراه أمرًا عادِيا، ولا نرى له وَزنًا لا في يومَ الحسابِ ولا في الدنيا في نفسيتِهم وسلوكهم ومسارِ حياتِهم...؟

=وموقفٌ نبويٌ آخرُ حينَ دخلَ عليه ﷺ رجلٌ معروفٌ بفُحشِ قولِه، فلم يستقبلْهُ النبيُ ﷺ بفُحشٍ مِن القولِ ابتداءً، إنما ألانَ له الكلامَ.. مع أن الرجلَ لا يستحقُ الكلامَ اللينَ، بل قد قال عنه ﷺ قبل أن يأذنَ له في الدخول: "بئسَ أخو العشيرة!".. وقال عنه بعد خروجِهِ مِن عِندِه: "إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ -أوْ ودَعَهُ النَّاسُ- اتِّقَاءَ فُحْشِهِ.. وفي رواية: اتِّقَاءَ شَرِّهِ"..
فتعجبتْ عائشةُ! فسألتْه، فقالَ لها ﷺ كلمة تُكتَبُ بماءِ الذهبِ:
"يا عائشةُ! متى عهدتِني فَحَّاشًا؟"...
أيْ: متى علمْتِ عنِي أني سأقابلُ فُحشَهُ المعروفُ بِه، بفُحشٍ في القولِ مقابِلٍ؟

=فالنبيُ ﷺ يعلمُنا أن الفُحشَ والبذاءةَ والسِبابَ من مسلمٍ لمسلٍم كله مذمومٌ وليس من أخلاق المسلمين، لا ابتداءً ولا تعقيبًا..
=بل ويعملنا حتى أن نتفادَى سماعَ فُحشِ الفحَّاشين ونقطعَ عليه طريقَ الانطلاق، بالمدارةِ في الكلامِ دونَ مُداهنَةٍ في دينِ الله، إغلاقًا لحِمَمِهِم البركانيةِ القبيحةِ كيلا تتأججَ وتُسممَ الآذانَ والأبدانَ..
فيعملُنا ﷺ كيف نتجنَبُ القبائحَ بألسنتِنا، وآذانِنا كذلك..!
ثم نأتِي نحن ونَقرَعُ آذانَ أبنائِنا ليلَ ليلَ نهارَ بالسِبابِ والنَبْزِ دونَ أيةِ غضاضة؟
----

وكما رأينا، الكلامُ هنا يتقاربُ مع كلامِنا حولَ الدعاءِ على أبنائِنا في المقالاتِ السابقة، من حيثُ النهيِ عنهما وأن الإكثارِ من كليهما يَنسِفُ شعورَ الأبناءِ بالأمان..
لكن "السَبُ" يتمايزُ عن "الدعاءِ عليهم"، بفوارقَ مُخيفةٌ، فهو ليس فقط ساحِقٌ للأمانِ النفسِيِّ والترابطِ الأسريِّ بقسوةٍ لما فيه مِن إهانةٍ وتحقيرٍ يجلبانِ شعورًا بالدونيةِ ويورِثانِ نَدَباتٍ نفسيةٍ عميقةِ الأثَرِ في شخصيتِهم وسلوكِهم، إنما كذلكَ يلحَقُ فاعلَه مِن الإثمِ والمَذَمَّاتِ ما يُشَيِّبُ..

ولكي ندركَ خطورةَ الأمرِ، نبدأُ أولًا بتعريفِه..
ففي الحديث: "ليس المؤمنُ بالطعانِ ولا اللعانِ ولا الفاحش ولا البذيء.."

فما الفرقُ بين اللَّعّانِ والطعَانِ والسبَّابِ والفاحِشِ والبَذِيء؟
الطعَانُ هو الَّذي يَقَعُ في النَّاسِ ويَعيبُهم في أعْراضِهم ويَغتابُهم..
اللعانُ هو الذِي يُكثِرَ لعْنَ النَّاسِ وسَبَّهم والدُّعاءَ عليهم بالطَّرْدِ مِن رحْمةِ اللهِ..
والسبُّ هو الشتمُ والإهانةُ بكلامٍ جارحٍ..
والفاحشُ هو الشتامُ للناسِ، المتجاوزُ للحدِّ في السبِّ بمبالغةٍ وشناعَةٍ وقُبحٍ عظيمٍ..
والبَذِيءُ هو الذي كلامُه قبيحٌ وفاحِشٌ وإن كان صِدقا.. يُعبرُ عن الأمورِ المُستَقبَحَةِ بالعباراتِ الصريحةِ.. يتلفَّظُ بالكلامِ الذي يَقبُحُ ذِكرُه ويُستحيَى منه..*1

هي إذًا ألفاظٌ ذاتُ معانٍ متقاربةٍ تشملُ السوءَ في القولِ أو الفِعل..

فكيف حَذَّرَ الإسلامُ منها؟ وما عواقبُها التي تُشَيِّبُ...؟

-قال تعالى: {ولا تنابزوا بالألقابِ بئسَ الاسمُ الفسوقُ بعد الإيمان}
-وقال النبي ﷺ: سباب المسلم ((فسوق))..
والفسوق: هو الخروجُ عن طاعةِ الله ورسولِه ﷺ، وهو في عُرفِ الشرعِ ((أشدُّ)) من مجرد العصيان، كما في شرحِ الحديثِ في الدُرَرِ السَّنِية*4

-والسِبابُ من الأعمالِ التي تؤدي إلى إفلاسِ العبدِ يومَ القيامة؛ فقد قال النبيُ ﷺ:
"أتدرون ما المُفلِسُ؟ قالوا: المفلسُ فينا من لا دِرهمَ له ولا مَتاع، فقال: إن المُفلِسَ من أُمتي يأتي يوم القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتِي قد شتَم هذا، وقَذفَ هذا، وأكل مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، وضربَ هذا، فيُعطَى هذا من حسناتِه، وهذا مِن حسناتِه، فإن فَنِيَتْ حسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليه، أُخِذَ مِن خطاياهم فطُرِحَتْ عليه، ثم طُرِحَ في النار))..
فمن أسباب الإفلاسِ "الشتمُ"*2

-وقال عبدُ الله بن مسعود: (ألأَمُ خُلُقِ المؤمنِ الفُحشُ)
-ورأى أبو الدرداءِ امرأةً سليطةَ اللسانِ، فقال: لو كانت خرساءَ، كان خيرًا لها...
-وفي الشرعِ، فإن تشبيهَ المسلمِ لأخيهِ بالكلبِ والحمارِ يستحقُ به المرءُ التأديبَ والتعزيرَ عند الجمهورِ: المالكيةِ والشافعيةِ والحنابلةِ ومتأخرِي الحنفية*3..
- فكيف بمن جمعّ كثرةَ السبِ مع الدعاءِ على الناسِ ليلَ نهار....؟
ومعنى اللعنُ كما ذكرنا في التعريفات: السبُ والدعاءُ بسوءٍ على الآخرين، ويُطلَقُ أحيانًا على الدعاءِ عليهم فقط أو السب والشتم فقط..
فإن الإكثارَ منه يورِثُ الإثمَ والنارَ، كما قال ﷺ في حديثِ النساءِ من أنهن أكثرُ أهلِ النار، فلما سُئِلَ لماذا، قال ﷺ: "تُكثِرنَ اللعنَ وتكفُرنَ العشيرَ"؟...
ولا شك أن كثرةَ اللعنِ تكونُ بسببِ التغافلِ عن جوانبِ الخيرِ في الشخصِ الذي نشكو منه، مما يورثُ كفرانَ نِعَمِهِ وفضلِه وبالتالي كثرةَ لعنِه..
-لذلك قال ﷺ أن اللعانين لا يكونون شهداءَ ولا شفعاءَ يومَ القيامة، لأننا لو تأملنا لوجدنا أن اللعانينَ انفعاليون، يَميلُون مع انفعالاتِهم حيثُ دارَت، فيُخِلُّونَ بالعدلِ والإنصافِ حتمًا، فيكف يشهدون يوم القيامة بالحق أو يشفعون بالرحمة..؟
وقال كذلك: (لا ينبغي لصدِّيقٍ أن يكونَ لعَّانًا)..
ففي هذه الأحاديثِ يجعلً النبيُّ ﷺ اللعنَ يتنافَى مَعَ مقامِ النبوةِ ورُتبةِ الشهادةِ والصدِّيقِيَّةِ..
فلماذا يَصعُبُ على هؤلاءِ الامتناعُ عن كل ذلك رغم عدم جهلهم بعواقبه في الدنيا والآخرة؟ وما العلاجُ...؟
هذا ما سنعرِفُه في المقالةِ القادمةِ بإذنِ الله..

**هوامش:
1*https://www.dorar.net/hadith/sharh/35492
2*https://www.alukah.net/sharia/0/137781/#ixzz7Bfi0YaNt
3*https://www.islamweb.com/ar/fatwa/231685
4*https://www.dorar.net/hadith/sharh/1412


--
أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها














__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 19-02-2022, 05:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات3 (تابع): "يا عائشةُ! متى عَهِدتِنِي فَحَّاشًا؟!".. السبب والعلاج.


أسماء محمد لبيب




وقفنا عند سؤال:
لماذا يَصعُبُ على اللعانين الشتامين، الامتناعُ عن ذلك رغم عدم جهلهم بعواقبه في الدنيا والآخرة؟ وما العلاجُ....؟

-قال العلامة ابن حبان:
"الحياءُ هو الحائلُ بين المرءِ وبين المزجوراتِ كلها -أي الأمور التي يجب ان ينزجِر َعنها... فبقوةِ الحياءِ= يَضعُفُ ارتكابُه إياها... وبضَعفِ الحياءِ= تَقوَى مُباشَرَتُه إياها...*1

إذًا البداية -كما قلنا في مقالاتِ الدعاءِ على أبنائنا- :
ليستْ في اللسان..
إنما في القلب، محِلِّ الإيمان، والحياءُ شعبةٌ من الإيمان..

وكلما تشرَّبَ قلبُكِ أن الأبناءَ نعمةٌ، وأمانةٌ، ووجودَهم له غايةٌ تُخلِصِينَ فيها لرب العالمين بلا حظوظِ نَفسٍ أو مآربَ دنيويةٍ، بل فقط تربينَهم لله،
= كلما استحيَيتِ من انطلاقِ لسانِكِ بسوءٍ وامتنعتِ عن إهانتِهم وتحقيرِهم..
جاء في الدرر السنيةِ بموسوعةِ الأخلاق، أن مالكًا روى عن يحيَى بن سعيد،ٍ أن عيسَى بنَ مريمَ لقِيَ خِنزِيرًا في طريقٍ فقال له: "انفُذْ بسلام"... فقيل له: "تقول هذا لخِنزِير!!؟"...
فقال عيسى عليه السلام: (((إني أخاف أن أُعوِّد لساني المنطق السوء))).
سبحان الله القائل: { {لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِیهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ} }..
فالذي يُسَهِّلُ على الأمِ لَعنَ أبنائِها هو تَعَوُّدُ لسانِها أصلاً على الشتمِ عمومًا في الحياة..
تشتُم الجوَّ، تشتمُ الحذاءَ، تشتمُ العثراتِ، تشتمُ الملابسَ، تشتمُ الهاتفَ، تشتمُ الناس..
أي شيئٍ يُضايقُها تشتُمُه.. بل إن منهنّ اليومَ من تتبادلُ السِبابَ مع صديقاتِها تبسُّطًا وتَعبيًرا عن ذوبانِ الحدود بينهما!
فالعلاجُ يبدأُ مِن القلب..
قناعاتُه الأُخرويةُ وأعمالُه لأجلِها، مِن تَقوَى وخَشية وحياءٍ..
فالإناءُ يَنضَحُ بما فيه..
تُريدينَ مَعرفةَ كيفَ تُنَفِّرينَ أبناءَكِ مِنكِ وتجعلينَهم يتحاشُون أماكنَ تواجُدِكِ ويبتهجون بغيابِكِ ويُمَرِّرون كلامَكِ باستخفافٍ ويُلِينُون الكلامَ معكِ فقط من بابِ المُداراةِ لأجلِ التخلُصِ فقط من توتراتِ وعواقبِ التواصلِ معك؟
أكثري مِن لَعنِهم وسبِهم والتحقيرِ والتهكم..
قال القاسِمِي: إياكَ وما يُستَقبَحُ مِن الكلام؛ فإنه يُنَفِّر عنكَ الكرام*2
وقال تعالى { {وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِیظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّوا۟ مِنۡ حَوۡلِكَ} }
وقال رسوله ﷺ كما قلنا سابقًا في حديثِ بئسَ أخو العَشيرةِ:
(( «إنَّ شرِّ الناسِ مَنزلةً عند اللهِ يومَ القيامةِ، من تُرِكَ اتقاءَ فُحشِه أو شَرِّه» ))..
تحبين أن تكوني مكانَ ذلك الرجلِ الذي ذمَّه النبيُ ﷺ وحذر المؤمنين من فُحشِ لسانِه والعياذُ بالله....؟
وكما أن من آثارِ السِبابِ على نفوسِ الأبناءِ، نفورَهم مِنكِ وانفضاضَهم عنكِ،
فمن آثارِه كذلكَ فقدانُ قيمتِكِ كقدوةٍ لهم في الصلاحِ والإصلاحِ،
وضياعُ هيبةِ ومصداقيةِ توجيهاتِك،
وانسحاقُ نفوسِهم تحتَ الشعورِ بالدونيةِ والهوانِ والاكتئابِ والوَحشَةِ،
واهتزازُ قوتِهم النفسيةِ وتَضاعُفُ هشاشتِهم..
فكلما ابتعدتِ عن تلك القاذوراتِ واستنكرتِها أمامَ أولادِك،
كلما تشبَّعوا بنكارتِها وشناعتِها وقبِلوا مِنكِ تقويمَكِ لهم فيها،
بالإضافةِ إلى صيانتُكِ لكرامتِهم ونفسيتِهم،
فينشأون -بفضلِ إعفافِ لسانِكِ عنهم- على العِزةِ والحياءِ والقوةِ النفسيةِ والأمانِ..
وكلما استهنتِ بها وعودتِهم عليها،
كلما صَعُبَ عليكِ نَهيهُهم عنها، سواءٌ كان معكِ أو مع الآخرين وزوجاتِهم وأبنائِهم مستقبلا..
فما العلاج؟
في استحضارِ الآتي دومًا:
-أن سبابَ المسلمِ فسوق، وأن مِن عواقِبهِ الإفلاسَ يومَ القيامةِ وربما النارُ، (إلى آخر عواقب السبِ واللعنِ التي ذكرناها) ..
-وأنه مُنقِصٌ لأخلاقِنا وميزانِنا نحن، فكما قال ﷺ: "ما مِن شيءٍ أثقلٌ في الميزانِ مِن حُسْنِ الخُلُقِ"..
-وأن الله يَبغَضُ الفاحشَ البذِيء..
-و{ {لا يُحِبُ اللهُ الجهرَ بالسوءِ من القولِ إلا من ظُلِم} }
-وأن السِبابَ يَزِيدُ المسافةَ بيننا وبين النبي ﷺ ويؤثرُ على درجةِ مَحبَتِه لنا، ففي الحديث: "إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسِنُكم أخلاقًا"..
-وأن سبَ أبنائِنا فيه انتهاكٌ لحرمتِهم..
-وأن المسلمَ مَن سلِمَ المسلمون من لسانِه ويده..
-وأن سيءَ القَولِ يتحاشاهُ الناسُ، خوفًا من شرِّ لسانِه، وهو بذلك شر الناس منزلةً يوم القيامةِ..
-وأن الفُحشَ في القولِ ليسَ من صِفاتِ كاملِ الإيمانِ فهو من مُنقِصاتِ الإيمان.
-وأن اللهَ حَرَّمَ على نفسِهِ الظلمَ وحَرَّمَه علينا..
-وأن الظلمَ ظلماتٌ يومَ القيامة..
-وأن كلَكُم راعٍ وكلَكم مسؤولٌ..
بجانبِ استحضارِ القواعدِ الستةِ التي فصَّلناها في المقالةِ السابقةِ في "علاجِ الدعاءِ عليهم" -يمكنكم الرجوعُ إليها مَنعًا للتكرار- والتي كان من أهمِّها:
-فاطمةٌ بِضعَةٌ مِني يُؤذِيني ما يؤذيها..
-أمسِكْ عليكَ لسانَك..
-إني اشتَرَطتُّ على ربي: "فأيُّ المسلِمين لَعَنْتُه أو سَبَبْتُه فاجْعَلْه له زَكاةً وأجْرًا.."
-أو ولدٌ صالحٌ يدعُو له.. فالسِبابُ إضرارٌ بالباقياتِ الصالحاتِ التي أفنينا أعمارَنا في زراعتِها..
ومِن المُعِينات:
-عدمُ مخالطةِ اللَّعّانينَ الشتَّامِين، فكما في الحديث: "المَرْءُ على دِينِ خَليلِه، فَلْينظُرْ أحَدُكم مَن يُخالِلْ"...
-والتعوذُ باللهِ من نَزغِ الشيطانِ وتحريشِه بيننا في الأقوال، كما قال تعالى: ﴿ {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} ﴾
-وإغراءُ النفسِ بالعواقِبِ الطيبةِ كلِها للمجاهدة في إعفاف اللسان، بخاصةٍ عاقبةُ ((نقاءِ السُمعَةِ في الدنيا من كلِ سوء))، والتي أبرزَتْ جمالَها الجملةُ المنقوشةُ بالذهبِ المَذكورةُ في المقالةِ السابقةِ على لسانِ طيبِ الذِكرِ ﷺ حين قال في حديث "بئس أخو العشيرة":
"يا عائشةُ! متى عَهَدتِنِي فَحَّاشًا؟"..
وقالت مثلَها نسوةُ المدينةِ من قبلُ عن يوسُفَ عفيفِ السريرةِ والجوارحٍ: { {حاشَ للهِ ما عَلِمْنا عليهِ مِن سُوء} }..
فتلك غنيمةٌ مَرجُوَّةٌ وثمَرَةٌ طيبةٌ مأمُولةٌ، يَهنأُ قاطفُوها بَعدَ طولِ مجاهدةٍ ولابُد..
فطوبَى لأهلِ السُمعَةِ الزكيةِ والسيرةِ الحسَنَةِ وطابَ جهادُهم،
الذين يشهَدُ لهم من حولَهم بالعفةِ قولًا وعملًا، ويجعلُ اللهُ لهم لِسانَ صدِقٍ عليًا..
فنقول للسائلةِ وأمثالِها ختامًا وإجمالًا بعد تفصيل..
يا أعانكِ الله.....
قد أشفقتُ على ولَدِك.. ومؤكدٌ أنكِ تشفقين عليه أكثر مني كذلك..
وقد عرفتِ آثارَ السبِ.. وعرفتِ مَواطِنَ الخللِ وطُرُقَ العلاج..
فابدئي..
فلن يُسعِدَكِ أبدًا يومَ القيامةِ إيقافُكِ لتَقرَئِي بنفسكِ كلَ عريضةَ الشتائمِ التي قَرَعتِ بها على مسامعِه حين يُقال: ((اقرأ كتابَك))...
مَشهدٌ مُخجِلٌ جدًا لا ريب، أمامَ الخَلقِ كلهم وخالقِهم والعياذُ بالله..
ناهيكِ عن عتابِ اللهِ يومَها ومجازاتِه لمَن أسرفَ وتجاوزَ في حَقِّ عبادِه لاسيَّما الضعفاءِ منهم...
وليس هناك مجالٌ لكلمةِ "لا أستطيعُ أن أتوقف"..
فأين الوصيةُ النبويةُ ((استَعِن باللهِ ولا تَعجَزْ))..؟
=والأخرى: (( «إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، و إنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ، و من يتحرَّ الخيرَ يُعطَهْ، و من يتَّقِ الشرَّ يُوَقَّه» ))*3..؟
= أولاد المسلمين ليسوا حيواناتٍ ولا حَميرَ ولا بهائِمَ يا أخية..
= أولادُ المسلمين تاجُ الأمةِ وكنوزُها ولآلئُها المكنونةُ المُنتَظَرَة..
= ابنُكِ المسلمُ ليسَ كائنًا مُهانًا لا كرامةَ له..
= بل هو حاملٌ لثُلُثِ القرآنِ والسبعِ المثانِي وأمِ القُرآنِ... فيكف يُهان...؟
=بل قال النبيُ ﷺ: "إن مِن إجلالِ اللهِ إكرامَ حاملِ القرآنِ"
= أي أنه جوهرة وحَجَرٌ كريمٌ مُعزَّزٌ ومُكَرَّمٌ في بيتِ والدِيه،
=لا لوحةُ أهدافٍ -نُسدِّدُ إليها ضرباتِنا وطلقاتِ ألسنتِنا..
=ابنُكِ المسلمُ هو "عملُكِ الصالحُ الممتدُ بعدَ انقطاعِ عملِكِ من الدنيا/ والدعوةُ الحُلوةُ التي ستؤنِسُ قبرَكِ/ والاستغفارُ الذِي سيرفعُكِ في الجنةِ بإذن الله كما في الحديث:
"إنَّ الرَّجلَ لتُرفَعُ درجتُه في الجنةِ فيقولُ : أنَّى لِي هذا؟ فيقالُ: ((باستغفارِ ولدِكَ لكَ)).."
جعلكِ اللهُ ممن قالَ فيهم { {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ القَولِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَٰطِ الحَمِيدِ} }
وقال عنهم الناس {حاشَ لله ما علمنا عليه من سوء}..
وأعاذكِ ممن قال عنهم: "وهل يَكُبُّ النَّاسَ على مَناخِرِهم في جَهنَّمَ إلَّا حَصائدُ ألسِنتِهم"..؟
أو انفضَّ عنه أحبابُه والناسُ، اتقاءَ شَرِّه..
وإلى اللقاءِ مع الممنوعِ الرابعِ "أبدًا ما شمتُّ فيك".. في المقالة القادمة بإذن الله..
**هوامش:
1* - و2* : الدرر السنية موسوعة الأخلاق:
https://dorar.net/akhlaq/2603/%D8%A3...A7%D8%A1%D8%A9

3*حديث: ((إنما العلمُ بالتَّعلُّمِ، و إنما الحِلمُ بالتَّحلُّمِ، و من يتحرَّ الخيرَ يُعطَهْ، و من يتَّقِ الشرَّ يُوَقَّه))..
الراوي: أبو الدرداء وأبو هريرة | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع الصفحة أو الرقم : 2328 | خلاصة حكم المحدث : حسن
https://dorar.net/hadith/search?q=%D...e=&rawi%5B%5D=

--


أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها














__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 19-02-2022, 05:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات 4: أبدا ما شمتُ فيك.. "لا تُظهِر الشماتةَ لأخيك"


أسماء محمد لبيب




أحيانا نجد بعض الأمهات، حين يسقُط ولدَها أو يصطدمُ بشيئ مؤلمٍ أو تنكسرُ لعبتَه، تقول له أمُه: "أحسن ! أنتَ تستأهل وتستحق ما حدث لك! هذا بسبب غضبي عليك ! أو هذا بسبب عصيانك أمري!"..

تشمَتُ في ولدِها بوضوح.

بينما -وكما قلنا في المقالات السابقة- عينُ الأمومةِ هو استشعارُ الأمِ أن ما يؤذِي ولدَها يؤذيها كذلك كما قال النبي ﷺ عن فاطمتِهِ: "إنما فاطمةٌ بِضعَةٌ مِني يؤذيني ما يُؤذِيها" فالطبيعيُّ هنا، أن لا تغلبَ روحُ الثأرِ بداخلِها على فطرةِ الأمومة لكن ما يحدثُ هو العكسُ.
فما الأسبابُ؟

قبل تفصيلِ الأسباب، فمن الإنصاف أن نُفَرِّقَ هنا بين نوعين من الأمهات:
النوعُ الأول:
تُظهِرُ الشماتةَ رُغمًا عنها لفرحتِها أن ولدَها سيتعلُم درسًا لن ينساه فيتأدب ويَرشُد، لكن قلبُها عامِرٌ بحبِ ابنِها ولو آذاه غيرُها معها أو تدخَّلَ بشفاعةٍ سيئةٍ عنه ستغضبُ لولدِها وتدافعُ عنه..

والنوعُ الثاني:
تُظهِرُ الشماتةَ عمدًا وبداخلِها غِلٌّ حقيقي على الولد، وتفرحُ كلما تألمّ أكثر حتى إنها تأتِي بآخرين يضاعِفون عليه الإيلامَ النفسيَ، لا لتأديبِه وردعه وإنما للشماتةِ به أكثر وإذلالِه وكسرِه.

كلتاهما، قد يكون ولدُها صعبُ المِراسِ حقا وعنيدًا ويثيرُ غضبَها بسهولةٍ وتَعجَزُ عن تقويمِه أو تستعجلُ الثمرةَ
لكن الفرقُ بينهما:
أن الأم الثانيةَ تتركُ الغضبَ للنفسِ يَتَملَّكُ قلبَها ويتعاظَمُ حتى يغلبَ الأمومةَ ويصلَ للتشفي، فالتربيةُ بالنسبةِ لها تصبحُ معركةً بين فيلٍ ونملةٍ ويجبُ أن تنتصِرَ فيها على ولدِها كي لا تضيعَ هيبةَ الفِيل ! وأحيانًا يَفلِتُ الولدُ من شماتتِها فيه لكونِه بريئًا مثلًا من الخطأِ الذي تُعَنِّفُه عليه، فتشعرُ حينَها بانكسارِ هيبتِها أمامَه، فتتربصُ له عند أقربِ عثْرةٍ كي لا يظنَ أنه غلبَها فيتمادَى ظنًا منها أن هذا الذي سيَردَعُه فيصبحُ التشفي والشماتةُ ديدنَها، ويَغِيبُ استحضارُ منهجِ الرسولِ ﷺ عند الغضب والنوايا التربوية ومع الوقتِ تتحولُ لعلاقةِ عداءٍ كاملٍ، يخفُتُ فيها الوُدُ واللطفُ والتراحمُ، ويطغى فيها الحقدُ والتربُصُ والمَقتُ والقَسوةُ وتتبخرُ مَقاصِدُ التربيةِ ويَنفَرِطُ العِقدُ
فلماذا نتركُ أنفسنَا حتى نصلَ لتلك الهاوية؟

لذلك نقول:
إن كنتِ من النوعِ الأول
-فلا تُظهِري الشماتةَ في ولدِكِ مهما كانتْ نواياكِ طيبةً، لأنه لن يفهمَ سِوَى أنكِ تشمَتين فيه، وسيقتدي بكِ في تعاملاتِه مع الآخرين.
-وجاهدي لذلك نيتَكِ دومًا أن غايتَكِ الكُبرى هي مصلحتُه بعيدًا عن حظِّ نفسِكِ.. تَذكَّرِي دومًا: {ليسَ لكَ مِنَ الأمرِ شَيئٌ}، لئلا تتحولي مع الوقتِ للنوع الثاني...

وإن كنتِ من النوعِ الثاني
-فآن الأوانُ حبيبتي لوقفةٍ حاسمةٍ مع نفسِكِ لتأديبِها قبلَ الآخرين، فماذا بَقِيَ من الأمومةِ إن تركتِ نفسَكِ لمشاعرِ الحِقدِ تجاهَ ولدِكِ، والمَقتِ والرغبةِ في الانتقامِ مِنه...؟

حين يحزَنُ ولدُكِ أو يُؤذَى ويتألمُ، أنتِ أمٌ مُشفِقَةٌ، لا عَدُوٌ مُتَشَفِّي، بأيِّ مبررٍ كان...
فعادةً، الذي يفرحُ بآلامِنا، هم الأعداءُ، كما قال هارونُ لأخيه مُوسَى عليهما السلام: {فلا تُشمِتْ بيا الأعداءَ} ..

فأصلُ الشماتةِ: فَرَحُ عَدُوٍّ بِبَلِيَّةٍ تُصِيبُ مَنْ يُعَادِيه..*1
بل هي من شِيَمِ ألدِّ أعداءِ المُؤمِنِ: المنافق..! قال تعالى: {وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا} ..!
فكيف يُعقَلُ هذا مِن أمٍ تجاهَ ولدِها؟ُ

وقال الشَّوكانيُّ: ((استعاذَ ﷺ مِن شَمَاتَةِ الأعداءِ وأمرَ بالاستعاذةِ منها؛ لعِظَمِ موقِعِها وشدَّة تأثيرِها في الأنفُسِ البَشريَّةِ ونُفُورِ طباعِ العِبادِ عنها، وقد يتسبَّبُ عن ذلكَ: تَعاظُمُ العداوةِ المُفْضِيةِ إلى استحلالِ ما حرَّمهُ اللهُ..))--
يقصد أنك بذلك تفتنين ولدك عن طاعة الله..
وحتى لو كان ما تعرَّضَ له مِن ألمٍ أو مشكلةٍ هو بسببِ عدمِ استماعِه لنصحِكِ وتحذيراتِك، فلا مُبررَ للشماتةِ ناهيكِ عن إظهارِها..
إنما دروسٌ وعِبَر..
وربما عتابٌ إن أردتِ..
ولكنِ الأفضلُ تأجيلُ العتابِ قليلًا ريثما تواسيه أولا، ثم يكونُ عتابًا تربويًا تعليميًا لاستخلاصِ العِبَرِ وتقويمِ السلوك، لا صورةً من الشماتةِ والثأر
(أنت مجروحٌ الآن يا ولدِي.. هذا ليسَ وقتَ العتابِ)
تلك جملةٌ أعجبتني في مقالةٍ لأحدِ التربويين الأفاضلَ
فنربتُ أولًا ونحنًو ونرحمُ بلهفةٍ وقلقٍ ونطيِّبُ الخاطرَ ونُرَبتُ على القلبِ ونَرقِي بأيدينا مَوضِعَ الألَمِ، سواءٌ في الأبدانِ أو الوجدانِ
حتى لو كان الألمُ بسببِ خطئِه وعِنادِه
ثم نعاتبُ إن أردنا، لتبيينِ الخطأِ لئلا يتكررَ
ومن ذلك:
-أن نبينَ له أن ما حدثَ هو بسبب العنادِ وصمِّ الآذانِ عن النصح
-وأن الواجبَ فيما بعد عصيانُ هواه وإعمالُ عقلِه في الحقِ، واتباعُه بعدما يتبين بوضوح..
-وإن لم يقتنع أحيانًا لقلةِ خبرتِه، فالوالجبُ عليه طاعةُ والديه ثقةً في أنهما أحرصُ الناسِ عليه، ماداما يتقيانِ اللهَ فيهِ وهو يعلمُ، ومادام الأمرُ فيه ضَررٌ أو تفويتُ مصلحةٍ متحققة..
-وأنه ليسَ عَجبًا أن نُخطِيءَ لكنَّ العيبَ أن نتمادَى في الخطأِ ونُكَررَه بعدما تعلمنا الدرسَ..
لكن هذا لا يمنعُ أننا أحيانًا قد نجعلُ ولدَنا يتعلمُ خطأَه ويُصحِحُهُ بينما جُرحُه لازالَ موجودًا، إذا كان الموقفُ لا يَحتَمِلُ التأجيلَ أو الانتظارَ..
كما حدثَ مع المسلمين في مَوقعةِ أُحُد، حينَ أثخنَتْهُمْ مُصيبتُها جِراحًا وآلامًا جَسديةٍ ونفسيةٍ عميقة، وكان ذلك بسببِ خطأِ طائفةٍ مِنهم بتركِهم جبلِ الرُماةِ فانكشفَ ظَهرُ المسلمين للعدوِ ووقعَ ما وَقع...
ولم يمنعْ ذلكَ النبيَ المربي الرؤوفَ الرحيمَ ﷺ، مِن أن يأمُرَهم وجراحُهم لم تندمِلْ بعدُ، بالذهابِ إلى مِنطقةِ حمراءِ الأسد، لملاقاةِ الكفارِ من جديد وترميمِ الخطأِ... وانتظروا هناك ثلاثةَ أيامٍ جَبُنَ فيهنَّ عدوُهم عن ملاقاتِهم، فعادُوا للمدينةِ مَرفوعِي الرأسِ مِن جديد..
الشاهد:
نُوازِنُ أمورَنا بين هذا وذاك حين يستدعِي الأمرُ استثناءً حسبَ المواقف.. لكنِ الأصلُ هو المَرحَمةُ واللينُ والرأفةُ.. وأن لا شماتةَ مطلقًا في المُؤمنين.. تمامًا كالدعاءِ عليهم وسبِهم...
وهذا التوازنُ مطلوبٌ لئلا نصنعَ طفلًا مدللًا بدرجةٍ مُفرِطَةٍ، مُفتِقرًا للقوةِ النفسيةِ المطلوبةِ، غارقًا في الهشاشةَ النفسيةَ..
فلا ينكسِرُ حين تعصفُ به المعاملاتِ الإنسانيةِ المختلفةِ فيما بعد..
وهذا يشملُ البنتَ والولدَ على حدٍ سواء..
وبالتالي كذلك، إذا رأيتِ أحدَهم يشمَتُ بأخيه فعلميه:
-أن هذا حرام..
-وأن الشماتةَ لا تكونُ إلا في منافقٍ أو عدوٍ للهِ مُحارِبٍ لشرعِهِ وفِطرتِه، لا بين المؤمنين...
وأن الله قال: {إنما المؤمنون إخوة}.. و{رحماءُ بينهم}
ونبيه ﷺ قال: "لا تُظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك"..*2
وقال أيضا: إن أفضل المسلمين، من سلم المسلمون من لسانه ويده
وقال أحدُ أكثم بن صيفي، الصحابيُ الجليلُ وحكيمُ العربِ المُفَوَّهُ: (ليس مِن الكرم أن يَشْمَت الرَّجل بصاحبه إذا زلَّت به النَّعل، أو نزل به أمرٌ)*1
أعلمُ أننا أحيانًا كثيرةً يكونُ بداخلنا بركانٌ يغلي ولا يُطفِيءُ ثورتَه إلا بإفحامِهم بشدةٍ لا تخلُو مِن شماتَةٍ وقسوة...
لكن:
-حين نتذكرُ تلك النصوص الشرعية،
-وأننا بذلك نربيهم على الشماتةِ بالآخرين فننقلُ الخطأَ بأيدينا لأجيالٍ متتاليةٍ ونَحملُ أثقالًا مع أثقالنا،
-وأن الهدفَ الجليلَ مِن وراءِ بناءِ علاقةٍ متينةٍ معهم أهمُ مِن إفراغِنا لشحناتِ غَضبٍ عابرة،
===فباستحضارِ كلِ ذلك، نتمكنُ من كبحِ غضبِنا، مُحتسبين الأجرَ من الله...
وإلى اللقاء في المقالة القادمة بإذن الله، مع الممنوع الخامس: ((أبدا ما فضحتك))..

هوامش:
1*الدرر السنية

https://dorar.net/akhlaq/2293/%D8%A7...A7%D8%AA%D8%A9

2*عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك‏"‏‏.‏ ‏(‏‏(‏رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن‏)‏‏)‏










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 07-02-2023, 10:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات5:
أبًدا ما فضَحتُك.. "لو ستَرتَه بردائِك لكانَ خيرًا لك"



أسماء محمد لبيب




قالت لي:
((إلى الآن أتذكرُ شكوى أقاربى من أبنائِهم ونحن صغار.. لا أنسى أبدًا قصةَ فلانة عن ابنِها الذي كان يشربُ السجائرَ في الثانوية، وفلانة التي كان ابنها يهرب من الدروس.. وغيرها من الفضائحَ التي لا يعلمُ أصحابُها إلى الآن أني أعرفُها عنهم، وما عرفتُها سوى من حَكايا أمهاتِهم..
وكم تخيلتُ مرارةَ ذلك لو حدثَ لي، فالمرءُ حينَها يَشعُرُ وكأنَّ وظهرَه مكشوف))..

وغيرُها قالت:
((أذكرُ إحدى الأمهاتِ وهي تتحدثُ عن أولادِها الذين في الابتدائيةِ والإعداديةِ، بانتشاءٍ وزهوٍ وكأنها تحكِي طُرفَةً ومَفخَرَةً: "ضربَهم أبوهم أمسُ بشماعةِ الملابس ليستذكِروا دروسَهم.."

وأخريات تقول أمام الناس:
((ابنتي تضعُ أصبعَها في أنفها! أو ابني يسرِقُ من إخوتِه طعامَهم لشدةِ شراهتِه! أو ابنتي تجلسُ كثيرًا أمامَ المِرآةِ لتتزينَ قبل مَجِيءِ صويحباتِها للبيتِ، وكأن عريسًا قادِمٌ! أو ابني ينامُ عن صلاةِ الفجرِ هربًا من البرد..))

هكذا يتحاكَى بعضُ الآباءِ بمعايِبِ أبنائِهم علنًا، وربما وأبناؤُهم حاضرون -وهذا أشدُ إيلامًا..
يفعلونها تنفيسًا للغضبِ أو الثرثرةِ أو الضحِك، ولا يكترثون بوقعِ ذلك في نفوسِ أبنائهم، وموقعِه من الشرعِ حين يتمُ بدون مُبرِرٍ مُعتَبَرٍ أو مصلحةٍ راجحةٍ ثابتةٍ شرعًا..

=قال ابنُ المبارَكِ: "كان الرَّجلُ إذا رأى مِن أخيه ما يَكره، أمره في سِتْرٍ، ونهاه في سِتْر، فيُؤجَرُ في سِتْرِه، ويُؤجَرُ في نهِيه... فأمَّا اليومَ، فإذا رأى أحدٌ مِن أحدٍ ما يَكرَه، استغضَبَ أخاه وهَتَكَ سِتْرَه"*
=وقال ابنُ عِياض: "المؤمنُ يَسْتُرُ ويَنصَحُ، والفاجرُ يَهتِكُ ويُعيِّر"*1..
=وعن أحد السلف: "مَن ذَكَرَ عَوراتِ المؤمنين، فقد هتَكَ سِتْرَ اللهِ المَرخَىَّ على عبادِه"*2..

==وأظلمُهُن، من لا تَذكُرُ إلا سوءاتِ ولدِها، فتنشرُ فضائحَه وتَكتُمُ خيرَه...
وأعيذها مما قاله ابن القيم في ذلك: "من النَّاس مَن طبعه طبعُ خنزير: يمرُّ بالطَّيِّبات فلا يلوي عليها، فإذا قام الإنسان عن رجيعه ((قَمَّهُ))/ أي: انكفأ عليه ليأكله"*3

واعتبر العلماءُ كلامَ الأمِ مع الآخرينَ عن وَلَدِها بما يكرَهُ أن يقالَ عنه، وبدونِ مُسَوِّغٍ شرعيٍ -كطلبِ مشورةٍ أو دعمٍ/ أو تقديمِ عِبرةٍ أو تحذير/ ونحو ذلك: (((غِيبةً محرمةً))).. فكأنكِ تأكلين لحمَ مَيتَةَ أبنائِكِ والعياذُ بالله..

==وأظلمُ منهما، مَن فضَحَت أمرًا قد اطَّلَعَت عليه بالتجسسِ على ولدِها..
ونقصد: التجسسَ غيرَ المشروع، فلو هناكَ قرينةٌ أو ضررٌ راجحٌ يدفعُ الآباءَ للتجسسِ على الأبناءِ لإنقاذِهم من شرورِ أنفسِهم، فلا حرج..
وسِوى ذلك: فمُحَرَّمٌ وهتكٌ للسترِ الذي بينهم وبين ربِهم..
فهؤلاء لهم حُرمَةٌ وحقوقٌ وليسوا مِلكيةً خاصةً بنا..

وما الآيةُ التي فيها: { {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}} [الحجارات:12]، إلا لتعليمِنا سدَ منافذِ الفضائح...
فالغيبةُ: نشرٌ للكلامِ المكروه عن الشخص، والذي ربما يكونُ غيرَ مَعلومٍ للمستمعِ، فتقعُ الفضيحةُ..
والتجسسُ: هَتكٌ للسِترِ المَرخِيِّ، وجِسرٌ لعبورِ الفضائح..
قال مُجاهدٌ عن {وَلا تَجَسَّسُوا}: "خذوا ما ظهرَ لكم، ودعُوا ما سَتَر الله"*4

وقال النبيُ ﷺ:
"يا معشرَ من آمن بلسانه، ولم يَدخلِ الإيمانُ قلبَه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عَورَاتهم، فإنَّه من اتَّبع عَوراتهم يتَّبعِ اللهُ عَوْرتَه، ومن يتَّبعِ اللهُ عَوْرتَه يفضحْهُ في بيتِه.."*5

وعلى الناحيةِ الأخرى:
**أعرفُ أُمًا ظلَ ولدُها يُعانِي من التبولِ الليليِّ حتى بعدَ البلوغِ بفترة، ولم يعرفْ بالأمرَ أيٌ من أهلِهم، ولا حتى إخوتُه الذين معه في بيتٍ واحد!
هي ووالدُه فقط..!
حتى استجابَ اللهُ دعاءَهم وعافاه.. ولازال سرًا لا يعرفُه أحد..!

**وأعرف أمًا ارتكبَ ولدُها منكراتٍ يندَى لها الجبين، ثم تابَ اللهُ عليه بعد سنواتٍ من بذلِ الأسبابِ والدعوات.. فأحبتْ أن تنقلَ للأمهاتِ قصتَها ليتعلموا العلاجَ، لكنها آثرَتْ ألا تكشِفَ اسمَها لئلا تفضحَ ولدَها -رغمَ رفعِه الحرج عنها بالفعلِ لأجلِ أن معرفةَ الناسِ بهويتِهما سيكونُ أبلغَ في الأثرِ وأوسعَ في التفاعُل!- لكنها كأمٍ عاشت على سِترِ ولدِها، ما كانت لِتُنهِي تلك المسيرةَ المشرفةَ بفضحٍ له بعدما تاب، حتى لو كان من وراءِ ذلك مصلحةٌ متحققةٌ، فألأولَى مِن المصلحةِ: دفعُ الضرر.. وإن تعارضَتْ مصلحتانِ نقبلُ بأقلِهما ضررًا..
فربما ابنُها غيرُ مُعارِضٍ الآن، لكن فيما بعدُ قد يندمُ ويتمنى لو كانت أمُه تريثَتْ..

بل أحيانًا أجِدُ ولدِي حين يُخطِيء وألومُه ثم نتصالحُ، يقولُ: "هل ستخبرين أبي وتفضحينني؟"! وبدهشةٍ أحاولُ كلَ مرةٍ إفهامَه أن إعلامَ والدَه ليس بفضحيةٍ فهو شريكي في تربيتِهم ويجبُ أن يطّلعَ على تطوراتِها التي غابت عنه لئلا يفوتَه شيءٌ من حُسنِ تقويمهم.. ومهما حاولتُ إقناعَ ولدِي يَظَلُّ مهمومًا لشعورِه بالصغارِ بعدما اكتشفَ قُبحَ خطئِه، ويتخيلُ معرفةَ والدِه بزلتِهِ مُجددًا أو كونًه لازالَ بهذه التفاهةِ ونحو ذلك= فيتألمُ..
فمجرد إدراكُه أن هناك شخصًا سيعرفُ= يؤلمُه، حتى لو كان الشخصُ أباه الذي يحبه ويحرصُ عليه ويُؤَمِّنُه من العقاب/ وحتى لو كان الأمرَ لا علاقةَ له بالفضحيةِ..
حتى صِرتُ أحيانًا أستجيبُ لطلبِه في أمورٍ بسيطةٍ ومكرَرَةٍ ولا مشكلةَ في كتمِها عن والدِهم، من بابِ طمأنتِهِ وجبرِ خاطرِه وإقناعِه بهدفي حقًا من هذا الأمرِ حينَ أفعلُه..

الشاهدُ من كل ذلك:
التأكيدُ على أن شعورَ الفضيحةِ مَريرٌ.. لا يطيقُه أحد..
وهو من أشدِ إهاناتِ الآخرة...
ومعافاةُ المرء منه يومَئذٍ هو من أعظمِ البشرياتِ، حين يُرخِي اللهُ كنفَهُ وسِترَه على عبدِه ليُعَرِّفَهُ وحدَه بذنوبِهِ التي سيغفرُها له بعدما سترَها عليه في الدنيا..
ولذلك كان النبيُ ﷺ يقول صُبحًا ومَساءً: "اللهم استر عوراتي.."..
وحثَّنا على السِترِ وبشرَنا بمضاعفةِ أجرِه قائلًا: "مَن سترَ مسلمًا سترَه اللهُ يومَ القيامة.."*6
والسَترُ: هو "سَترُ سوءةِ المُسلمِ الحسيةِ والمعنويةِ وعيوبِه، بعدَمِ إظهارِهم ولا اغتيابِه،/ والذَّبُّ عنه، والسَترُ عليه إن وقعَ في معصية، بشرط أن لا يُعلنَها ويَجهَرَ بها فلا يكونُ معروفًا بالفسادِ.. فالمعروفُ باستقامتِه إذا زَلَّ، نُوصِح وسُتِر"*7

بل حثتِ الشريعةُ على السَترِ حتى في الكبائر..
بل نهت عن هتكِ المرءِ سِترَ نفسِه، وحثتْهُ على التوبةِ من المعصيةِ سِرًا وعدمِ فضحِ نفسِه، وتوعدتِ المجاهرين:
==مثلا:
قصةُ ماعز.. الذي ذهبَ للصِّدِيق ثم للفاروقِ ليعترفَ على نفسِه بالزِنا، فنصحاه بالتوبةِ منها وعدمِ إخبارِ أحد.. فلم يفعل! وذهبَ للنبيِ ﷺ وأخبرَه.. فأعرضَ عنه ﷺ ثلاثَ مراتٍ.. والرجلُ يُصِرُّ عليهِ ﷺ! حتى أرسلَ ﷺ لأهلِ الرجلِ يسألُهم: هل به مَرض أو جنون!؟ فلما تبينَ أنه صحيحٌ= لم يكن مَفَرًّا من إقامةِ الحد.. فَرُجِمَ حتى الموتِ، لأنه كان ثيِّبًا..
وسببُ كلِ ذلك:
رجلٌ اسمُه هَزَّال.. هو من نصحَ ماعزَ، بإخبارِ معصيتِه لهم..
فقال له ﷺ: ((يا هَزَّال.. لو سَتَرتَه بردائِكَ لكان خيرًا لك))..*8
أي: لو ستَرتَهُ بأن أمَرتَهُ بالتَّوبةِ، وكتمانِ خطيئتِه..
والرِّداءُ: على سبيلِ المبالغة، بمعنى: "لو لم تجد طريقةً لسَتْرِه إلَّا بسَترِهِ بردائِكَ عن أعينِ الشهود، لكان أفضلَ ممَّا فعلتَ..*11

==ومثلُها:
قصةُ شُرَحْبِيل بن السِّمْط..
كان على جيشٍ، فقال لهم: "إنَّكم نزلتم أرضًا كثيرة النِّساء والشَّراب -أي: الخمر- فمن أصاب منكم حَدًّا فليأتِنا فنطهِّره".. فأتاه ناسٌ..!
فبلغ ذلك الفاروقَ... فكتبَ إليهِ: "لا أمَّ لك! أنت الذي يأمرُ النَّاسَ أن يهتِكوا سِتْرَ اللهِ الذي سَتَرَهُم به!!؟"*9

==وفي المجاهرين بفضائحهم قال ﷺ:
"كلُّ أمَّتي معافى إلا المجَاهرين، ومن المجَاهرة: أن يعمل الرَّجل باللَّيل عملًا، ثمَّ يصبح وقد سَتَرَه اللهُ عليه، فيقولُ: ((يا فلان، عمِلتُ البارحةَ كذا وكذا...))!.. وقد باتَ يَسْتُرُه ربُّه، ويُصبِحُ يَكشِفُ سِتْرَ اللهِ عنه"*10

فكلُ ذلك يؤكدُ خطورةَ الاستهانةِ بإبرازِ الفضائحِ والسوءاتِ، فإنه:
*يُجَرِّيءُ المَفضوحَ على العنادِ والخطأِ أكثرَ، ويُيَئسُهُ من تزكيةِ نفسِه، فيؤجِلُ توبتَه، ويُعانُ شيطانُهُ عليه..
*ويُجَرِّيءُ الناسَ على الخطأِ، لظهورِ المجتمعِ كمجتمعٍ أكثريتُه فاسدون..
*ويفتنُ الذين يتخذونَهُ قدوةً لهم ولأبنائِهم.. ويُنفِّرُهم مِنه..
*ويُوغِرُ الصدورَ ويؤلِمُها ويتركُ ندباتٍ تَعوقُ النموَّ النفسِيَّ السليمَ، ويُفسِدُ العلاقاتِ الأسرية..
*ويُجَرِّيءُ الآخرينَ على انتهاكِ حرمةِ ولدِكِ واغتيابِه والاستهزاءِ به..

لذلك ننصحُ حتى الأمهاتِ اللاتي يَطلُبنَ استشارةً، سواءٌ سرًا في رسالةٍ أو علنًا في تعليقٍ مثلا، أن يَصِغنَ السؤالَ بصيغةٍ حمَّالةِ أوجُه:
فبدلًا من قولِ: ((ابني يكذِبُ/ أو يشتمُنا/ أو لا يغُض بصرَه/ أو يسمَعُ الأغاني... فماذا أفعل؟))
==الأستَرُ والأفضلُ تقولُ: ((لو أمٌ يفعلُ ولدُها كذا، فماذا تفعل؟))
إلا بالطبع ما كان في أمورٍ يسيرةٍ لا تَرقَى لأن تكونَ فضيحةً ولا تُسببُ حرجًا للأبناء.. والأولَى السَترُ على كل حال..

فلْنُعِدَّ العُدَّةَ مِن الآنِ للثمرةِ المَرجوةِ التي ذكرناها في بدايةِ سلسلةِ الممنوعات:
أن تقولِي يومًا لولدِكِ بكلِ فَخرٍ ولله الحمد: "أبدًا ما فضحتُك"....
أو تقولي: "منذ تُبتُ وأنبتُ إلى الله في ذلك بحمد الله: أبدًا ما فضحتُك"..

وإلى اللقاءِ مع الممنوعِ السادس: "أبدًا ما ربيتُكَ لمنفعتِي الخاصة"..
في المقالةِ القادمةِ بإذن الله..

الهوامش:
1* جامع العلوم والحكم*لابن رجب (1/225)..
الدرر السنية موسوعة الأخلاق:
https://dorar.net/akhlaq/611/%D8%A3%...B3%D8%AA%D8%B1


2* عبيد الله بن عبد الكريم الجِيْلِي*((التوبيخ والتنبيه)) لأبي الشيخ الأصبهاني (1/101) .32)./الدرر السنية.)
3* ابن القيم/ نقلا عن الدرر السنية.
4* الطبري/ نقلا عن الدرر السنية.

5*"يا مَعْشَرَ مَن آمن بلسانِه ولم يَدْخُلِ الإيمانُ قلبَه ، لا تغتابوا المسلمينَ ، ولا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِم ، فإنه مَن تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيه المسلمِ ، تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه ، ومَن تَتَبَّعَ اللهُ عَوْرَتَه ، يَفْضَحْهُ ولو في جوفِ بيتِه".. الراوي : أبو برزة الأسلمي والبراء بن عازب | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع.. الصفحة أو الرقم : 7984 | خلاصة حكم المحدث : صحيح


6* الْمُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، مَن كانَ في حاجَةِ أخِيهِ كانَ اللَّهُ في حاجَتِهِ، ومَن فَرَّجَ عن مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عنْه بها كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيامَةِ، ومَن سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ. الراوي : عبدالله بن عمر | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم الصفحة أو الرقم : 2580 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

7*بالجمع بين جملة من تعريفات الستر اصطلاحا، مع اختصارها في فقرة واحدة/ من موسوعة الأخلاق الدرر السنية:
https://dorar.net/akhlaq/602/%D9%85%...A7%D8%AD%D8%A7

8* حديث قصة ماعز:
- عن هزَّالٍ أنَّه أمر ماعزًا الأسلميَّ أن يأتيَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيُخبِرَه بحدثِه ، فأتاه ماعزٌ فأخبره بحدثِه فأعرض عنه مِرارًا وهو يُردِّدُ ذلك على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، فبعث إلى قومِه فقال : أبه جِنَّةٌ ؟ فقالوا : لا ، فسأل عنه : أثيِّبٌ أم بِكرٌ ؟ قالوا : ثيِّبٌ ، فأمر به فرُجِم ، ثمَّ قال : يا هزَّالُ لو سترتَه بردائِك كان خيرًا لك الراوي : هزال بن يزيد الأسلمي | المحدث : ابن عبدالبر | المصدر : التمهيد | الصفحة أو الرقم : 23/125 | خلاصة حكم المحدث : صحيح
https://dorar.net/hadith/sharh/150118

9*قصة شرحبيل: ((مصنَّف عبد الرزاق الصنعاني)) (5/197) (9371)، و((الزهد)) لهناد بن السري (2/646)/ نقلا عن الدرر السنية موسوعة الأخلاق: https://dorar.net/akhlaq/611/%D8%A3%...B3%D8%AA%D8%B1

10* 1 - كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ المُجاهَرَةِ أنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وقدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَيَقُولَ: يا فُلانُ، عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عنْه الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري الصفحة أو الرقم : 6069 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

11*شرح "ردائك": موسوعة الأخلاق الدرر السنية: ستْره بأن يأمره بالتَّوبة، وكتمان خطيئته، وإنَّما ذكر فيه الرِّداء على وجه المبالغة، بمعنى أنَّه لو لم تجد السَّبيل إلى سِتْره إلَّا بأن تَسْتُره بردائك ممَّن يشهد عليه، لكان أفضل ممَّا أتاه dorar.net/akhlaq/609/ثانيا:-الترغيب-في-الستر-في-السنة-النبوية https://dorar.net/akhlaq/609/%D8%AB%...88%D9%8A%D8%A9
--


أسماءمحمدلبيب
أمةالله-عفا الله عنها



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 07-02-2023, 10:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات6:

أبدا ما ربيتُك لأجل منفعتي الخاصة: {لا نُرِيدُ مِنكُم جَزاءً وَلا شُكُورًا}



أسماء محمد لبيب

فهدفنا اليوم هو فطامُ النفس ومنعُها من التطلع لأي شكر أو جزاء أو مصلحة تعوق تخليصِ نيتنا لله في التربية، من خلال تفعيلِ الممنوعِ الشاملِ المذكور في قوله تعالى:{لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا}
التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
تكلمنا في الممنوعِ الثاني والثالثِ عن بعضِ دوافعِ دعاءِ الأم على ولدِها، وكان من أبرزِها: سيطرةُ رغبتِها في الثأرِ لنفسها، على أمومتِها تجاه ولدها.
ومن أقوى أسبابِ انجرارِ الأمِّ لذلك أحيانًا: تربيتُهم لأجلِ المنفعةِ الدنيويةِ الخاصة، التي حين يخفقون في تلبيتِها يَسقُطُون من نظرنا، ويقعون في مَرمَى طلقاتِنا وربما بصورِ غَضَبٍ وغِلٍّ تتعارضُ مع الأمومةِ مَضرِبِ المَثَلِ في المرحمةِ الكونية..
وقد يسألُ سائلٌ: ألم يمدحِ اللهُ عبادَ الرحمنِ قائلًا: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74]؟ والجواب: نعم.. لكنِ المقصودُ وفقَ سياقِ الآيات: ((قرةُ عينٍ وسرورٌ وأُنسٌ بصلاحِهم..))، لا كما يظن الناسُ: ((قرة عينٍ بشأنِهم الدنيوي..))..
وتأملوا ختامَ دعائِهم في آخرِ الآية: {واجعلنا للمتقين إمامًا}..
قال السعدي في تفسير [قرةَ أعين]: ((وإذا تأمَّلنا حالَهم وصفاتِهم عرفنا مِن هِمَمِهم وعلوِّ مرتبتِهم أنهم لا تَقَرُّ أعينُهم حتى يَروا أولادَهم مطيعين لربِهم عالمين عاملين.. وكما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم فإنه ((دعاء لأنفسِهم)) لأن نفعَه يعودُ عليهم، بل يعود إلى نفعِ عمومِ المسلمين))-بتصرف

وسؤالُنا اليوم: كيف يمكنُنا تحقيقُ القاعدةِ التي ذكرناها في مقالةِ "النية من التربية"..: {ني نذرتُ ((لك)) ما في بطني}..؟
كيف نحققُ الإخلاصَ للهِ في الإنجاب؟

والإجابةُ بأمرين: تكسيرُ موانعِ الإخلاص// وتكثيرُ دوافعِ الإخلاص.
واليومَ نناقشُ: ((تكسيرُ موانعِ الإخلاص))...
المانعُ الأولُ: طاعتُنا وإرضاؤُنا لأولادِنا على حسابِ الشرع..
(وفصلناه في مقالاتِ الممنوع الأولِ بعنوان [[أبدا ما عصيتُ الله لأرضيك": {واحذرهم أن يفتنوك}..]]... وملخصه: "فتنةُ الميلِ إلى رغباتِ الأبناءِ على حسابِ رضا الله..)

أما المانع الثاني فهو لبُ حديثِنا اليوم: ((لهاثُنا وراءَ حظوظِ أنفسِنا من الإنجاب..))
فتنعقدُ نياتُنا من الإنجاب على نوايا تخدُم حظَّ النفس، سواءٌ بما يخالفُ الشرعَ أو لا يخالفُه.

1 فمنا من تنجبُ لأجل منفعةٍ خاصة بما لا يخالفُ الشرع: (كأن أنجبُ لأتمتعَ ببراءةِ الأطفالِ وجمالِهم، ومشاعرِ الأمومةِ مثلا، وإعانتِي في الكِبَر)..
2 ومنا من يفعلُ ذلك بما يخالفُ الشرع: (كأن أُنجِبَ لأتباهَى بأبنائي أمامَ الناسِ، أو أغيظَ فلانةً العقيمَ مثلا)..

فالأُولى مباحةٌ شرعًا، لكننا لا نؤجَرُ عليها..
لكِنِ الثانيةُ معصيةٌ نُؤزَرُ عليها..
كحالِ الوليدِ بنِ المغيرةِ.. قال الله عنه: {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا، وَبَنِينَ شُهُودًا، وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا}[المدثر:12-14]
شُهودًا أي لا يفارقونه أبدًا لا سفر ولا إقامة، يتقوَّى بهم ويُرهِبُ بهم أعداءَه...
أي: سَخَّرَهُم لمنفعتِه الخاصة...
{ثمَّ يَطمعُ أن أزيد}..! فلا يَكتفِي، نتيجةً لتضخمِ قيمةِ "منفعتِه الخاصةِ وحظِّ نفسِه"..
حتى إذا جاء الإسلامُ، استعملَهم في محاربةِ الدين.. فذَمَّهُ اللهُ كما لم يَذُمَّ أحدًا..
نعم.. قد تقودُ عبوديةُ المنفعةِ الخاصةِ إلى هاويةِ الاستغناءِ، كما قال الله: {أنْ رآهُ استغنَى}..

تتعجبون؟
أما تَذكُرون العربَ في الجاهلية كيف يَسوَدُّ وجهُ أحدِهم إذا بُشِّرَ بالأنثى، فلماذا؟
مِن الأسبابِ: أنه سيضطرُ للإنفاقِ عليها لأنها لا تعملُ ولا تساعدُه في مهامِّ الرجال.. وتضخَمَتْ لديهم قيمةُ المنفعةِ الخاصةِ وحظِّ النفسِ مِن الذريةِ، إلى مرحلةِ "وأدِ البنات"...

رأيتم حين تختلُ النيةُ وتطغَى المصالحُ الضيقةُ على سموِّ الغايات، كيفَ قد تنتهي بنا الطريقُ إن أمِنَّا الفتنةَ ولم نحاسِبْ أنفسَنا ونُصححِ المسارَ؟

ولذلك، صِرنا نرى أمًا تَضرِبُ ولدَها وتعنفه لعدمِ حصولِه على الدرجةِ النهائيةِ مثلَ أقرانِه، أو لرفضِهِ الذهابَ لبطولةٍ رياضيةٍ مشهودة، وتَضَعُ قوانينَ صارمةً لإشباعِ منافعِها مِن إنجابِه، مهما أهلكَهُ ذلك..
ويُضاعِفُ من بشاعة فِعلِها، حينَ يَظهَرُ التغافلُ واللينُ فقط عندَ حقوقِ الله..

وأُمًا أخرَى، لا تختالُ بالذريةِ لكنَّها قد تُعَنِّفُ ولدَها لرفضِه مساعدتِها في ترتيبِ البيتِ، بينما لو رفضَ القيامَ لصلاةِ الفجر مثلا تقولُ "لا عليكَ اجمعْها مع الظهر"!.. أو لو غَشَّ في الامتحان فلا تبالي..

وسمعنا عمن قتلوا أولادَهم أو تسببوا لهم في عاهاتٍ مستديمة، في مثل ذلك..


لذلك، أنذرَنا اللهُ من طغيانِ باعِثِ المنفعةِ الخاصةِ مِن الذرية وغيرها، لأنه يُلهِي عن الغايةِ الأسمَى: {إني نذرتُ لكُ ما في بطني}، حين قال: {ألهاكمُ التكاثُرُ* حتى زُرتُم المقابر}.. والآيةُ ليست خاصةً فقط بالتكاثر والتفاخر بالأولاد.. فكلُها منظومةٌ واحدةٌ مترابطةٌ: {للهِ ربِّ العالمين..}

وقد تقولُ إحداكُن:
فما المشكلةُ أن أبتغِي بالإنجابِ منفعةً خاصةً ولا أخالفُ الشرعَ في نيتِي، فأفقدُ فقط الأجرَ ولا آثمُ بالوِزر؟

والجواب:
رغم أنه لا حرج على من لم يقصدْ إلا قضاءَ شهوتِه وحاجتِه والتمتعَ بالمباح، ما دام الأمرُ لا يخالفُ الشرعَ، فلا يأثمُ بمجردِ فعله وكذلك ليس له أجرٌ بمجردِ فِعلِه،

إلا أننا نحذِّرُ من التساهُلِ في حظِّ النفسِ هذا لعدةِ أسباب:

أولًا: لأنه بوابةٌ للتحولِ للجانبِ الذي فيه وِزر.. والشريعةُ علمتْنا أنَّ سدَّ الذرائعِ بوابةٌ النجاة.. والدنيا دارُ امتحان.. والأولادُ فتنة: {إنَّما أموالُكم وأولادُكم فتنةٌ}.. فلابد أن نُمتَحَنَ في الإخلاص.. لذلك قال الله في ختام الآية: {واللهُ عندَه أجرٌ عظيم..}.. ثم أعقبَها بالآيةِ: {فاتقوا اللهَ ما استطعتُم واسمَعُوا وأطِيعُوا}..
ورُبَّ نيةٍ أورثَتْ شِركًا والعِياذُ بالله، قال اللهُ في الحديثِ القُدسِي: «أنا أغنى الشُّرَكاءِ عنِ الشِّرْكِ.. من عَمِلَ عملًا أشرَكَ مَعِي فيهِ غَيري فأنا بريءٌ منْهُ -أي لا أقبلُه فلا يَصِلُ إليَّ- وَهوَ كلُّه للَّذي أشرَكَه»[1]

ثانيا: ابتغاءُ العملِ لوجهِ اللهِ يَجعَلُ فيهِ البركةَ والتوفيق.. فمن تتركُه، فلا تندِبْ قلةَ نَصيبِها من بَركَةِ الذريةِ والتوفيقِ في سعِيها..

ثالثا: قد تغنمينَ بنيتِكِ الخالصةِ لربِكِ، ثمراتِ أمهَرِ المُرَبِّين، رُغمَ تواضُعِ أدواتِ سَعيِكِ.. النيةُ تَسبِقُ.. فاعمَلِي بذَكاء..

رابعًا: ألا تريدين أن تغنمي أعلَى درجاتِ الجنةِ بكلِ حسنةٍ تستطيعينَ اقتناصَها، كي تتمكني من رفعِ أبنائِكِ مَعَكِ إليها بإذن الله، الذين عجَزَتْ أعمالُهم عنها وطالما تمنيتِ لهم تلك الدرجات....؟ كما قلنا في قاعدة {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الطور:21]

وليس معنى الكلامِ أن نَكرَه المنافعَ من أبنائِنا أو لا نفرحَ بفضلِ اللهِ فيهم.. فتكثيرُ عددِ الأولادِ نعمةٌ أرشدَنا اللهُ لشكرِها حين قال: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ}[الأعراف:86] وحين قال: { {ويُمدِدْكُمْ بأموالٍ وبنينَ}[نوح:12] كمكافأةٍ بعد استغفارِنا.. ولكنها نعمةٌ بحسبِ نيةِ الشخصِ من العددِ.. كما قال اللهُ: {وَأَمْدَدْنَٰكُم بِأَمْوَٰلٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا، إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا...}[الأعراف:6-7]

فالكلامُ عن ابتداءِ الباعثِ والنيةِ والقصدِ، وخطورةِ الالتهاءِ بذلك عن الغايةِ الكبرى..
فنتذكرُ دومًا أنهم زينةٌ لا أكثر.. ويظنُ البعضُ كذلكَ أن كلمةَ "زينة" هي مدحٌ للأبناءِ، بينما هي تحذيرٌ من التمتعِ بهم ونسيانُ اغتنامِ الأجر، فالزينةُ فانيةٌ، بينما الذي يبقَى هو ما احتسبنا أجرَه من الله..

قال السعدي في تفسير: {ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِینَةُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡبَـٰقِیَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَیۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ أَمَلࣰا} [الكهف:46]: أي ليس وراءَ ذلك شيءٌ، والذي يبقَى للإنسان وينفعُه ويَسُرُّه: الباقياتُ الصالحات.. وتأمل كيف ذكرَ اللهُ أن الدنيا فيها نوعان: نوعٌ هو من زينتِها، يُتمتَعُ به قليلًا ثم يزولُ بلا فائدة تَعودُ لصاحبه بل ربما لَحِقَتْهُ مَضَرَّتُه: ((وهو المال والبنون))... // ونوعٌ يبقَى وينفعُ صاحبَه على الدوامِ، وهو: ((الباقيات الصالحات))..]].(بتصرف)

ولهذا قال سفيانُ الثورِيُّ: "ما عالَجتُ شيئاً علَيَّ أشدَّ من نيتي، إنها تتقَلَّبُ عَلَيَّ..!!"
وما أبريءُ نفسي فالأمرُ حقًا صعبٌ ولكنه يسيرٌ على من استعانَ بربه..
بخاصةٍ الجانبُ المباحُ الذي بلا وِزر، لا ننتبهُ له لشدةِ خفائِه في القلبِ وعفويتِه واعتبارِ غالبيةِ الناسِ الإنجابَ ضمنَ المباحاتِ والمتاعِ فقط لا العباداتِ والطاعات..

فهدفنا اليوم هو فطامُ النفس ومنعُها من التطلع لأي شكر أو جزاء أو مصلحة تعوق تخليصِ نيتنا لله في التربية، من خلال تفعيلِ الممنوعِ الشاملِ المذكور في قوله تعالى:{ما نريد منكم جزاءً ولا شكورًا}
ولكي نمسكَ بتلابيبِ النيةِ من بدايتِها لنتمكنَ مِن مقاصِدِنا بحولِ الله، تعالَوا نتتبعْ مؤشراتِ المنفعةِ الخاصةِ وتفاوتِ مراتبِها بداخلنا.. فمنا من تختلطُ عليه النيةُ ابتداءً قبل الإنجابِ أصلًا، ومنا من ربما بدأ بنيةٍ خالصةٍ لوجهِ الله، ثم تتحولُ نيتُه في المنتصَف..
وتفاصيلُ ذلك بالأمثلةِ وطرقِ الوقاية، في المقالةِ القادمةِ بإذن الله..

هوامش:

1*معنى "أنا بريء منه": أي لا أقبله فلا يصل إليّ

*الحديث بكل روياته الصحيحة
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 07-02-2023, 10:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فن الكتابة فى الصفحة البيضاء

ممنوعات6
(تابع): "وإنما لكلِّ امرِءٍ مَا نَوَى"



أسماء محمد لبيب




قلنا في المقالةِ السابقةِ:لكي نُمسِكَ بتلابيبِ النيةِ التربويةِ في بداياتِها، سنتتَبَعُ مواضعَ نيةِ المنفعةِ الخاصةِ، وكيف يمكنُنا اكتشافُها من خلالِ آثارِ أقدامِها..

ولدينا...

ثلاثُ مراحل:

أولُ مرحلةٍ: ابتداءً.. قبل الإنجاب أصلا:
فننجبُ كما يُنجِبُ الناسُ.. دون احتسابِ أجرٍ من الله..
=إما لنتخلصَ من كلامِ الناسِ عن تأخرِنا في الحَملِ مثلا، وإخمادِ غيرتِنا من قريناتِنا اللاتِي أنجبنَ قبلنا..

=أو لنستعملَ الأولادَ في خِدمتِنا ويكونوا لنا عُزوَةً ننتسِبُ إليها ويشدون مِن أزرِنا..
=أو لنحصُل على جِنسيةِ بلدٍ ما مثلا ونتمتعَ بصلاحياتِ المواطنين فيها..
=أو لنحصلَ على نفقةٍ في حالةِ حدوثِ طلاقٍ لاحِقًا لا سمحَ الله..
وما إلى ذلك من المنافعِ الدنيويةِ الخاصةِ التي لا وِزر فيها إن كانت نيتُنا لها، لكن لا أجرَ لنا من ورائها كذلك، لفقدانِ الاحتساب..
فكما قال ﷺ: "إنما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوَى"..

=و مِنا من تُنجِبُ طمَعًا في أن ينالَها مِن حُسنِ سَمتِ الأولادِ وتَدَيُّنِهم وتفوقِهم وشأنِهم، شُهرةً أو مدحًا أو مالا.. ونُكاثِرُ بهم قوافِلَ المُفاخِرين بالذرية...

وهذا يَتبَعُ القِسمَ الذِي فيه وِزر والعياذُ بالله..

تأملوا قولَ النبيِ ﷺ في الخيلِ:
«"الْخَيْلُ ثَلاَثَةٌ: فَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ.. وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ.. وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ.. =فَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ: فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُعِدُّهَا لَهُ، فَلاَ تُغَيِّبُ شَيْئًا فِي بُطُونِهَا إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرًا../ وَلَوْ رَعَاهَا فِي مَرْجٍ، مَا أَكَلَتْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا أَجْرًا../ وَلَوْ سَقَاهَا مِنْ نَهْرٍ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَطْرَةٍ تُغَيِّبُهَا فِي بُطُونِهَا أَجْرٌ -حَتَّى ذَكَرَ الأَجْرَ فِي أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا!» (أي أخذ يُعَدِّدُ كُلَّ شيئٍ فيها ويُلحِقُ به الأجرَ!)- « وَلَوْ اسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ» (أي ركضت وأسرعت)، «كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا أَجْرٌ..!»
= «وَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ: فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَكَرُّمًا وَتَجَمُّلًا، وَلَا يَنْسَى حَقَّ ظُهُورِهَا، وَبُطُونِهَا فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا» ، (أي يؤدِي حق الله فيها والناس، وإن لم يهبها في سبيل الله)..
- «وَأَمَّا الَّذِي عَلَيْهِ وِزْرٌ: فَالَّذِي يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا، وَبَذَخًا وَرِيَاءَ النَّاسِ » (أي خيلاء وفخر)..*3

هذا في الخَيلِ...!
فكيف بمن أنجبَ ولدًا للحياةِ وسقاهَ ورعاهُ من لحمِهِ ودمِه وأنفقَ عليه شبابَه وصحتَه ومالَه في سبيلِ الله.....؟

وبالطبع ليس كلُ سرورٍ بمدحِ الناسِ رياءً، فالسرورُ المحمودُ حين يفرحُ المرءُ بفضلِ الله عليهِ، لا بحمدِ الناسِ لعملِه.. "قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، أرَأيتَ الرَّجُلَ يَعمَلُ العَمَلَ مِنَ الخَيرِ ويَحمَدُه النَّاسُ عليه؟ فقالَ: تِلك عاجِلُ بُشرى المُؤمِنِ"

وهنا نسأل: أين ننتبهُ لهذا النوعِ من النوايا؟
===عند الغضبِ.. يَظهَرُ وينكَشِفُ بوضوح..
فغضَبُ الأمِ بشدةٍ واكتئابِها وحَنَقِها وسَخَطِها، حينَ لا تَحصُلُ على أيٍ مِن تلكَ الثمراتِ المطلوبةِ، علامةٌ تدُلُ على وُجودِ هذا النوعِ.. وأشدُّ مِن ذلك وضوحًا: غضبُها بوسيلةٍ مما نَهَى اللهُ عنه، مِن سَبٍ ودعاءٍ عليه وربما عنفٍ وسخريةٍ وتجريح..
هي هنا تغضبُ لنفسِها وصورتِها أمامَ الناسِ لا تغضبُ للهِ... ولا تدرِي..
المرحلةُ الثانيةُ: في المنتصف.. بعد الإنجاب..
فربما تبدأُ الأمُ بنيةٍ خالصةٍ لوجهِ اللهِ منذ البداية، ثم تتحولُ نيتُها في المنتصف..
=إما لخوفٍ شديدٍ على الولدِ، لتنامي تعلقِها بهِ أكثرَ كلما كَبُرَ، ولشدةِ جزَعِها من كسرِ خاطِرِه، فتُجَنّبُهُ الكثيرَ من مِواطِنِ التربيةِ المُستقيمةِ والتقويمِ الإيمانيِّ والخُلُقِيِّ الحازمِ بما أمرَ اللهُ، إشفاقًا عليه وإشفاقًا مِن تبرّمِهِ وغضبِه، مثلما فصّلنا في الممنوعِ الأولِ سابقا.. فتتحولُ كما تحوّلَ الذين حَكَى اللهُ لنا عنهم تحولَهم بعدما وهَبَهم الطفلَ السليمَ من العيوبِ كما طلبوا، قائلا: {{فَلَمَّاۤ ءَاتَىٰهُمَا صَـٰلِحࣰا جَعَلَا لَهُۥ شُرَكَاۤءَ فِیمَاۤ ءَاتَىٰهُمَا فَتَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا یُشۡرِكُونَ}} ..
=وإما لتعجّلِها الثمرةِ، فيغزوها الإحباطُ وفقدانُ الأمل.. فتهجُرُ تجديدَ النيةِ الأصليةِ لديها للإنجاب، وتطغَى داخلَها نوازعُ المنفعةِ الخاصةِ بحكمِ سرعةِ وتيرةِ الحياة وضغوطاتِها وتَعارُضِ المصالحِ وضعفِ الإنسانِ أمامَ احتياجاتِه.. فتتجهُ بكاملِ طاقتِها القلبيةِ لتلبيةِ منافعِها الخاصةِ الضيقةِ ويخفُتُ صوت:ُ {للهِ ربِّ العالمين}..
نعم.. تعجُّلُنا للثمرةِ وفُقدانُنا للأملِ يكونُ أحيانًا نقطةَ تحولٍ فارقة..
فلا يُلهينا غيابُ ثمرةٍ عاجلةٍ، عن قطافِ ثمراتٍ أعظمَ مُؤجَّلة..

=وإما تتحولُ فرارًا من ((وجعِ الدماغِ)) التربويِّ المتضخمِ، حين اكتشفَتْ بعدما كَبُرَ ولدُها، أن التربيةَ وفق هذه النيةِ إلى ما لا نهايةٍ= أمرٌ صعبٌ ومُرهِقٌ، وشبابُها يزولُ سريعًا وأوقاتُها الخاصةُ تبخرتْ وهذا كلُه يُزعجُها، فتتركُ ولدَها للشوارعِ أو للعالم الرقميِ يُرَبِّيانِهِ عِوَضًا عنها مادامَ يَجِدُ فيهما مُتعتَهُ وضالتَه وتُرحَمُ بهما من طَنِينِهِ وثَرثَرَتِه وأسئلتِه لها وملاحقتِه والتصاقِه بها.. أو ربما تمنعُه من الشوارعِ والعوالمِ الرقمية، لكنها تتركهُ وحيدًا في عالمهِ الخاص كالقوقعةِ المنبوذةِ في قاعِ المحيطِ، لتنعمَ هي بقوقعتِها الخاصةِ كأيامِ شبابِها، فمادام لا يرتكبُ مصائبَ ظاهرةً ولا يَطلُبُ شيئًا منها =فلا بأسَ بالنسبةِ لها أن تنشغلَ عنه بعالَمِها وكفى اللهُ المؤمنين القتال.. فلا تتأكدُ من إحكامِ عقيدتِهِ كفعلِ سيدِنا يعقوبِ مع بَنِيه حتى آخرَ أنفاسٍه من الدنيا: {{إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي}} .. ولا تتفقدُ أحلامَه كما كان يفعلُ النبيُ ﷺ مع أصحابِه حين يُصبِحون فيسألُهم عن أحلامِهم ليلةَ أمس.. ولا تتفقدُ طموحاتِه واحتياجاتِه ولا تشاركه طعامًا ولا حوارًا كما كان يفعلُ النبيُ ﷺ مع أهلِ بيتِه.. ولا تُفَتِّشُ وراءَ همومِ وجههِ وشرودِ روحِه كما كفعلِ النبيُ ﷺ مع أبي عمير وعصفورِه النغيرِ.... وغيرِهم..
فيصبحُ الولدُ يتيمًا وأبواه على قيدِ الحياة.. ويَنقَطِعُ أجرُها هي بعدما كان شلالًا عذبًا زُلالًا لا ينقطعُ حتى وهي نائمة..!

=وربما تركَتْ النيةَ في المنتصف، لخذلانِ مَن حولِها لها في حَملِ عِبءِ التربيةِ معها... ولو أنها ركزتْ على النيةِ مهما عاكَسَتْها البيئةُ الخارجيةِ وخذَلَتْها، لنالتْ الأجرَ حتى ولو فَسَدَتْ ثمرتُها بسببِ الخذلانِ وفقرِ الأسباب..
قال النبيُ ﷺ عن الرجلِ الذي لا مالَ عنده ويتمنَى المال ليتصدق، أنه قال: ..((لو أنَّ لي مالًا لعَمِلْتُ بعملِ فلانٍ..)).. "فهو بِنِيَّتِه.. وهُمَا في الأجرِ سواءٌ"..

=وربما تحولت نيتُها، لكثرةِ لومِ الناسِ وانتقادِهم لها وتبكيتهم إياها ووصفهم إياها بالتشدد، لتربيتِها ولدَها بالوحيينِ تربيةٍ محافظةٍ ذاتِ رقابةٍ ومرجعيةٍ دينيةٍ، وهو بعدُ صغيرٌ -في نظرِهم!..
بينما الإخلاصُ أن يستوِي عندنا مدحُ الناسِ وذمِّهم..

قال الفضيل بن عياض:
[[مَن عَرَف الناسَ استراح]].. أي مَن عرفَ أنهم لا يَنفعونه ولا يَضُرونَه استراحَ منهم..
وقال ابن تيمية:
[[السعادة ُفي أن تعاملَ الخلق لله؛ ترجو اللهَ فيهم ولا ترجوهم في الله، وتخافُ اللهَ فيهم ولا تخافَهم في الله.]]
وقال ابن القيم :
[[مَتَى اسْتَقَرَّتْ قَدَمُ الْعَبْدِ فِي مَنْزِلَةِ الْإِخْبَاتِ (المخبتين)، وَتَمَكَّنَ فِيهَا: ارْتَفَعَتْ هِمَّتُهُ، وَعَلَتْ نَفْسُهُ عَنْ خَطْفَاتِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، فَلَا يَفْرَحُ بِمَدْحِ النَّاسِ. وَلَا يَحْزَنُ لِذَمِّهِمْ ، هَذَا وَصْفُ مَنْ خَرَجَ عَنْ حَظِّ نَفْسِهِ، وَتَأَهَّلَ لعُبُودِيَّةِ رَبِّهِ، وَبَاشَرَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ قَلْبُهُ]]
*وقال ابن الجوزي: [[ومتى نَظَر الإنسانُ إلى التفاتِ القلوبِ إليه فقد زاحمَ الشركَ نيتَه؛ وضاعَ العملُ، وذهب العمرُ]]*6

ويأتي السؤال:


أين ننتبهُ لهذا النوع؟
الجواب:
-عند أوامرِ الله..
-وعند مدحِ الناسِ لنا أو ذمِهِم..

فإن كنا لا نَسمَعُ لاختلالِ النيةِ صوتًا لأنه أخفَى من دبيبِ النملِ كما قال ﷺ: "الشِّركُ في هذه الأُمَّةِ أخْفَى من دبيبِ النَّملِ"، إلا إن لدبيبِهِ في القلبِ كما فصلنا آثارًا على الجوارحِ تفضحُه...

وكل ذلك، إن لم يكن فيه وِزرٌ، فإنه ليس فقط يُفقِدُنا الأجرَ، وإنما أيضاً يُفقِدُ التربيةَ بركتَها والتوفيقَ فيها غالبًا، بالإضافةِ إلى أنه يؤدِي لسوءِ العلاقةِ بيننا وبين أولادِنا، إذ تصبحُ مبنيةً على المصالحِ الضيقةِ والأهواءِ االمُتعارضةِ بطبيعةِ الحال، لا علاقةً مبنيةً على معالِي الأمورِ والغاياتِ والمقاصدِ، فيُمَزِّقُها الشيطانُ كُلَّ مُمُزَّقٍ والعياذ بالله..

بينما ما كان لله دامَ وارتفع..
وكلما كانت العلاقةُ في اللهِ ولله، كلما ذابت المسافات بين أطرافِها وسَدَّتْ بينهم فُرَجِ الشيطانِ المُفسدة..

وهكذا نكون قد تعرَّفْنا على جانبٍ من الواقعِ يخصُّ أنواعَ النياتِ ومراتِبها وأمثالِها..
وبقِيَ أهمُ سؤالٍ:
بعدَ كلِ الرصدِ والتحليلِ والتشخيصِ والتصنيفِ:
كيفَ العلاجُ.....؟
والجواب في المقالةِ القادمةٍ بإذن الله..

*الهوامش:

1* رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح

2* https://dorar.net/hadith/search?q=%D...e=&rawi%5B%5D=

3*صحيح البخاري ومسلم

4*"من مدارج السالكين " (2/ 8).
5*صيد الخاطر
6*بتصرف واختصار

*شرح حديث عاجل بشرى المؤمن:
https://dorar.net/hadith/sharh/148912

*شرح حديث الخيل ثلاثة:
https://dorar.net/hadith/search?q=+%...e=&rawi%5B%5D=


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 182.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 176.46 كيلو بايت... تم توفير 5.61 كيلو بايت...بمعدل (3.08%)]