|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة في آخر الزمان د. محمد بن علي بن جميل المطري قال الله سبحانه عن عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران: 48]. أخبر الله في هذه الآية الكريمة أنه سيعلِّم نبيه عيسى القرآن والسُّنة، والتوراة والإنجيل، وقد بدأ الله في ترتيب ذكر هذه المِنن بالأفضل، فأفضلُ هذه الأربع القرآن الكريم، ثم سُنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهي المُفسِّرة والمتمِّمة للقرآن، ثم التوراة التي فيها كثير من الأحكام، وكان يحكم بها أنبياء بني إسرائيل من بعد موسى، ثم الإنجيل الذي أنزله الله خاصةً على عيسى عليه الصلاة والتسليم. وقد علَّم الله عيسى التوراة والإنجيل قبل رفعه إلى السماء، وسيعلِّمه القرآن والسنة بعد نزوله في آخر الزمان. وقد ذكر معظم المفسرين أن المراد بتعليم عيسى الكتاب؛ أي: الكتابة بالقلم، وأن المراد بتعليمه الحكمة؛ أي: السنة التي يوحيها الله إليه في غير كتاب منزلٍ، وقيل: هي الإصابة في القول والعمل؛ [ينظر: تفسير ابن جرير (5/ 416)، تفسير ابن عطية (1/ 438)، تفسير ابن كثير (2/ 44)]. وكل هذه المعاني صحيحة، لكن الاقتصار على بعضها تقصير في فهم الآية، وقد ورد عن بعض السلف في تفسير هذه الآية أن المراد بالكتاب: القرآن، وأن المراد بالحكمة: السنة. روى ابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 653، 654) من طريق أسباط بن محمد، عن الهذلي عن الحسن البصري، في قول الله تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ قال: "الكتاب: القرآن، والحكمة: السنة"، قال أبو محمد؛ وهو عبدالرحمن بن أبي حاتم المتوفى سنة 327 هجرية: ورُوِيَ عن أبي مالك، ومقاتل بن حيان، وقتادة نحو ذلك؛ [انتهى من تفسير ابن أبي حاتم]. وقال ابن المنذر في تفسيره (1/ 206): حدثنا محمد بن علي الصائغ، قال: حدثنا أحمد بن شبيب، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾، والحكمة: السنة. حدثنا زكريا، قال: حدثنا إسحاق، قال: قرأت على أبي قرة في تفسيره، عن ابن جريج: ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ قال: السنة. وقال ابن المنذر رحمه الله: قوله جل وعز: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء: 54] حدثنا زكريا، قال: حدثنا أبو جعفر الترمذي محمد بن أحمد بن نصر، قال: حدثنا بكر بن عبدالوهاب، عن فليح، عن أبي بكر الهذلي، عن سعيد بن جبير والحسن في قوله عز وجل: ﴿الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾، قال: "الكتاب: القرآن، والحكمة: السنة"، حدثنا محمد، قال: حدثنا نصر، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن سعيد، عن قتادة: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء: 54]؛ "أي: السنة، ومحمد من آل إبراهيم"؛ [تفسير ابن المنذر (2/ 755)]. ومعلوم أن الله رفع عيسى عليه الصلاة والسلام إلى السماء، ونجَّاه من اليهود الذين أرادوا قتله؛ كما قال سبحانه: ﴿وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء: 157، 158]، وقال عز وجل: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [آل عمران: 55]، قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري (5/ 451): "معنى ذلك: إني قابضك من الأرض ورافعك إليَّ؛ لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال. قال ابن جرير: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: 55] قال: متوفيك: قابضك، ولم يمُت بعد حتى يقتل الدجال، وسيموت، وقرأ قول الله عز وجل: ﴿وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا﴾ [آل عمران: 46] قال: رفعه الله إليه قبل أن يكون كهلًا، قال: وينزل كهلًا"؛ [ينظر: تفسير ابن جرير (5/ 449)]. فمن عقيدة أهل الإسلام أن عيسى عليه الصلاة والسلام سينزل في آخر الزمان، ويقتل المسيح الدجال؛ كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحاح، وقد أشار الله في كتابه إلى أن نزول عيسى من علامات الساعة؛ كما في قوله سبحانه: ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ﴾ [الزخرف: 61]. ولا شكَّ أن عيسى عليه الصلاة والسلام عندما يأتي آخر الزمان سيعمل بالقرآن والسنة، ويحكم بهما بين الأمة، ولا يستطيع أحد أن يعمل ويحكم بالقرآن والسنة إلا بعد أن يتعلم ما فيهما، فلا جرم أن الله سيعلم عيسى القرآن والسنة؛ كما قال سبحانه: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾ [آل عمران: 48]. ويدل على صحة هذا أن الله يذكر في القرآن الكتاب والحكمة، ويكون المراد بهما: القرآن والسنة؛ كقوله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 151]. وقال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [الجمعة: 2]. قال ابن القيم رحمه الله: "وأما الحكمة المقرونة بالكتاب: فهي السنة، وكذلك قال الشافعي وغيره من الأئمة، وقيل: هي القضاء بالوحي، وتفسيرها بالسنة أعم وأشهر"؛ [مدارج السالكين لابن القيم (2/ 448)]. قال الإمام مسلم في صحيحه (155): وحدثنا زهير بن حرب، حدثني الوليد بن مسلم، حدثنا ابن أبي ذئب، عن ابن شهاب، عن نافع، مولى أبي قتادة، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمَّكم منكم؟))، فقلت لابن أبي ذئب: إن الأوزاعي، حدثنا عن الزهري، عن نافع، عن أبي هريرة: ((وإمامكم منكم))، قال ابن أبي ذئب: تدري ما أمَّكم منكم؟ قلت: تخبرني، قال: فأمَّكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم. وقال القاضي عياض اليحصبي: "عيسى ليس يأتي لأهل الأرض رسولًا ولا نبيًّا مبعوثًا، ولا بشريعة جديدة؛ لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وشريعته ناسخة لجميع الشرائع راسخة إلى يوم القيامة، وإنما يحكم عيسى بها"؛ [إكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض (1/ 473)]. وقال السيوطي: "يأتي عيسى في آخر الزمان يحكم بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم بالقرآن والسنة"؛ [الحاوي للفتاوى (2/ 201)]. وقال الزرقاني: "يحكم بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالقرآن والسنة"؛ [شرح الزرقاني على المواهب اللدنية (8/ 348)، وينظر: الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيتمي (ص: 129)]. وقال ابن باز: "يحكم بشريعة محمد عليه الصلاة والسلام، يحكم بالقرآن، هذا هو الذي أجمع عليه أهل الإسلام، ودلت عليه الأحاديث الصحيحة المتواترة، وأشار إليه القرآن الكريم"؛ [فتاوى نور على الدرب لابن باز (4/ 278)]. فائدتان مهمتان تتعلقان بتعلم عيسى القرآن والسنة: الفائدة الأولى: أن تعلم عيسى عليه السلام للسنة النبوية في آخر الزمان يدل على أنها محفوظة إلى زمان نزوله، فالله قد تكفل بحفظ القرآن، وحفظ ما يُبينه من السنة؛ قال سبحانه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، فكما أن القرآن الكريم محفوظ في المصاحف الشريفة، فكذلك السنة النبوية مدونة في كتب أهل الحديث، فجزى الله أهل الحديث خيرًا على حفظهم لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. همُ بذلوا في حفظ سنة أحمد ![]() وتنقيحها من جهدهم غاية الجهدِ ![]() أولئك أمثال البخاري ومسلم ![]() وأحمد أهل الجد في العلم والجدِّ ![]() الفائدة الثانية: أن عيسى عليه الصلاة والسلام سيحكم بالقرآن والسنة، لا بمذهب معين من المذاهب الفقهية؛ قال الألباني تعليقًا على حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمَّكم منكم؟))، وقول ابن أبي ذئب: فأمَّكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم؛ قال الألباني: "هذا صريح في أن عيسى عليه السلام يحكم بشرعنا، ويقضي بالكتاب والسنة، لا بغيرهما من الإنجيل أو الفقه الحنفي ونحوه"؛ [مختصر صحيح مسلم للمنذري بتحقيق الألباني (2/ 548)].
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |