السر وقانون الجذب

[ابوالوليد المسلم]

السر وقانون الجذب


د.فوز بنت عبداللطيف كردي ()

د. عبدالغني بن محمد مليباري ()

http://www.alfowz.com

سمعنا مؤخراً عن تقنية تسمى «السر» ويذكرها بعض المدربين في الدورات بسر: «تفاءلوا بالخير تجدوه»، فالسر كما يعرضونه هو: «النظر إلى الحياة بتفاؤل»، فهل وراء هذا السر أي أمور باطنية عقائدية غير هذا الظاهر؟

الجواب:
مصطلح «السر» ظهر اسماً لفيلم وكتاب تضمنا إعادة طرح عقيدة الدهرية أو وحدة الوجود (Panthiesm) التي سبق نشرها بالأفكار والمضمون نفسها منذ مائة سنة (1906م) في كتاب «ذبذبات الفكر»: أو قانون الجذب في عالم الفكر للمؤلف (ويليم واكر أتكنسون) الذي أعيدت طباعته متزامناً مع الفيلم في عام 2006م، وكذا تزامن معه إصدار: «قانون الجذب» للكاتب الكويتي صلاح الراشد.
وتذكر المنتجــة للفيلم أن الذي أوحى لها بإنتاج هذا الفيلم هو تأثرها وقناعاتها بعد قراءتها لكتاب: «علم الوصول للغنى» للمؤلف (والاس واتلز) الذي نشر عام 1910م.
وقد تم عرض الفيلم أولا بشكل مختصر باستخدام تقنية Vividas خلال الإنترنت في مارس 2006م/ صفر 1427هـ، ثم تلاه عرض نسخة مطولة في أكتوبر 2006م/ رمضان 1427هـ على شكل «دي في دي»، ثم عرض تلفيزيونياً في الغرب في فبراير 2007م/ محرم 1428هـ.
وفي مارس 2007م بعد ضجة إعلامية جماهيرية خلال حلقتين من برنامج أوبرا وينفري OprahWinfrey انتشر الحديث عنه في العالم العربي، ثم تم بثه تباعاً بعد ذلك في العديد من الفضائيات ومنها العربية بترجمة مكتوبة كما عرض في العديد من البرامج الحوارية الأخرى ذات الانتشار العالمي مما أحدث له دعاية كبرى عند العامة المتلقفين لكل جديد والمتأثرين سريعاً بقوة الإيحاءات ولاسيما أنه تم تسويق الفكرة بطريقة متقدمة وناجحة على شكل تحميل مدفوع من الإنترنت ومبيعات للدي في دي والكتاب المصاحب.
وفيلم (السر) هذا مقدم في قالب وثائقي يعرض سلسلة من اللقاءات والمواقف الدرامية المفتعلة موحياً بمصداقية العرض وحياديته ويباع على أنه أدوات لمساعدة النفس Self-Help، وتعرض المنتجة للفيلم (روندا بايرن) التي يظهر اسمها أيضاً على غلاف الكتاب بصوتها اقتباسات ونقولات لمن تسميهم «معلموي السر القدماء».
و«السر» (The Secret) أو«قانون الجذب» (Law of Attraction) كما يعرض في الفيلم هو الإيمان بأن المشاعر والأفكار تجذب الوقائع والأحداث الحقيقية في هذا العالم إلى حياتنا سواء كانت أحداثا كبرى في الكون والأفلاك أم وقائع التفاعل بين الناس في شؤونهم الجسدية والعاطفية والمهنية.
ويكرر الفيلم فكرة أن الأشخاص النافذين والمؤثرين والقادة في الماضي نجحوا بسبب اكتشافهم لهذا السر وأنهم كانوا يحرصون على إبقاء هذا العلم خفياً وبعيداً عن العامة، وأن صانعي هذا الفيلم/الكتاب هم الوحيدون في التاريخ الذين رغبوا وحرصوا على كشف هذا السر ليستفيد منه كل الناس، ولاشك أن هذا الطرح يولد في النفس الرغبة والتطلع لمعرفة ما يخبئه هذا العلم ويحفز الإنسان العامي على كشف السر واللحاق بركب المتفوقين والناجحين! ولكن الحقيقة أن هذه الأفكار كلها منشورة ومعلنة منذ نشوئها وقد أثبتت فشلها ومجها العقلاء وصنفوها من الأفكار الزائفة والتخرصات النفس-روحانية، وما ادعى النجاح بها أحد إلا من رواد هذه الفلسفة وعرابيها أو من أرادوا التجارة بها.
وقد سئل (جو فيتال) -أحد الذين أبرزهم الفيلم على أنه أحد الناجحين المؤثرين المستفيدين من هذا السر - أثناء لقاء له على الهواء في برنامج (لاري كينج) في 8 مارس 2007م: «أين الإله في كل هذا؟»- أي في موضوع الفيلم/الكتاب/السر- فكان جوابه: «كلنا الإله، الإله هو السر، وكل شيء عن السر هو الإله، هذا قانون من الإله».
قانون الجذب ( Law of Attraction): يزعم أنصاره أنه قانون كوني يُمكِّن الإنسان من اجتذاب كل ما يريده من الحياة (الصحة، السعادة، الثروة، الحب..)، وأن الاعتقاد بأن التركيز على شيء ما يبعث إليه ذبذبات من طاقة الإنسان، ومن ثم فهو الذي يحصل عليه بغض النظر عن إرادته له؛ ولذلك يتم التدريب على كيفية التركيز على ما يريده الإنسان من التوجه إليه الطاقة/الذبذبات –المزعومة- فتجذبه، وهذا الأمر ليس له دليل علمي بل يتعارض مع الحقائق العلمية فضلاً عن أنه بناءً على هذا القول الفاسد يكون الله عز وجل للمؤمنين به - ليس سوى وسيلة ذهنية يحصل الإنسان به على ما يريد، ليس له إرادة ولا اختيار ولا حكمة يعطي على أساسها ويمنع - تعالى الله عن هذا القول وتقدس- يقول Micheal J. Losier مؤلف كتاب The Law ofAttraction موضحا هذه الفلسفة: «إن الكون ليس ذكيا ولكنه مطيع، فهو لا يميز إن كانت الذبذبات التي ترسلها نافعة لك أو مضرة، أو إن كنت تريد الأمر أو لا، أو إذا كان نافعا لصحتك أو مضرا لها، إنه مطيع.
وخلاصة القول إن هذا السر المزعوم أو قانون الجذب هو ترجمة عملية لعقيدة وحدة الوجود التي هي أصل الفلسفة الشرقية، وتحمّل هذه العقيدة الإنسان المسؤولية الكاملة عما يحدث له، فهو مسؤول عن كل ما يعانيه في الحاضر، وهو مسؤول عن كل ما سيحصل له في المستقبل ويمكنه التحكم التام في المستقبل وما سيحدث فيه، وهذا التعظيم للقدرات البشرية راجع للاعتقاد بالطبيعة الإلهية للإنسان، وأنه ليس سوى تجسيد للإله؛ ولذلك نجد في كثير من التطبيقات الاستشفائية للفلسفة الشرقية التركيز على الاعتماد على الذات في استجلاب العافية وتحصيل كل مرغوب.
وقد أنتج عن هذا الفكر الضال في أحسن صوره - بعد أن تبناه بعض أبناء المسلمين وحاولوا التوفيق بينه وبين المعتقد الحق - ضلالة أخرى هي عين ضلالة فرقة المعتزلة نفاة القدر.
ومن وجه آخر فقانون الجذب يدعو -كسائر تطبيقات حركة العصر الجديد- إلى تركيز الإنسان على نفسه ورغباته وهواه التي غالباً ما تتمثل في الجشع المادي وتحقيق الرغبات الدنيوية. والراصدون في الغرب لآثاره على الطوائف الممارسة له حذروا من آثاره المجتمعية السيئة؛ حيث يؤدي إلى اللامبالاة الاجتماعية وعدم الاهتمام باحتياجات الآخرين وحقوقهم، كما أنه يؤدي إلى الهروب من الواقع عند المصيبة فيؤدي الشخص دور الضحية ويتهم في كل شيء قدرته على إرسال ذبذبات قوية بدلا من أن يتهم نفسه بالكسل وسوء الأداء وعدم التخطيط، ومن وجه آخر يؤدي إلى الغرور بالنفس وظن أن ما يتحقق من فرص إنما هو أولا وآخرا بمهاراته وطاقته.
وختاماً أقول: إن منتجي الفكرة ومسوقيها ومتبنيها الأصليين هم أفراد الحركات المتبنية للفكر الباطني في الغرب؛ ولذا تسوق من خلال مكتبات الغنوصية الجديدة النيو إيج (New Age)، ومعابد (النيو ثوت) (NewThought) فالنيو إيج والنيو ثوت حركات باطنية تقدم فكرها للناس على أنه نظام استشفاء ذهني للجسد والعقل والروح؛ ولذا تبنت هذه الحركات تعليم الناس وتدريبهم على ممارسات تعمق الاعتقاد بألوهية الإنسان وقدراته غير المتناهية من خلال التفكير البنّاء والخلاّق والامتثال لصوت القوة الباطنة والكامنة الموجودة فيه والتي هي مصدر إلهامه وقوته وصحته وسعادته، وهي جزء من الواحد الأسمى غير المتناهي، بحسب تعبيراتهم ومعتقداتهم.



اعداد: الفرقان