عصاة الموحدين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 357 - عددالزوار : 67167 )           »          فأين تذهبون | دورة الإستعداد لرمضان 1446هـ | الشيخ محمد حسين يعقوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 294 )           »          جامع الصدقات له مثل أجر المتصدقين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 77 )           »          حديث: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          أهمية التقنية في خدمة علوم السنة النبوية: مشروع الإسناد المتعدد لصحيح مسلم أنموذجا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3071 - عددالزوار : 297276 )           »          تفسير سورة الأعلى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          التسلسل الزمني لأسباب النزول وأثره في تفسير القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 76 )           »          تفسير سورة البينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 75 )           »          أثر بث التسجيل الأول للمصحف المرتل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20-01-2025, 10:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 146,531
الدولة : Egypt
افتراضي عصاة الموحدين

عُصاة الموحِّدين

د. خالد النجار

ذكر الله تعالى تأبيدَ الكفار في النار في ثلاثة مواضع من كتابه الكريم:
1- ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 168، 169].

2- ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [الأحزاب: 64، 65].

3- ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ﴾ [الجن: 23]، والأحاديث النبوية الشريفة في أبدية الكافرين في النار كثيرة جدًّا.

الذي دلَّ عليه الكتاب، والسنة، وأقوال أئمة أهل السنة والجماعة أن عصاة أهل التوحيد يوم القيامة ثلاث طبقات:
الطبقة الأولى: قوم رجَحت حسناتهم بسيئاتهم؛ فأولئك يدخلون الجنة من أول وهلة، ولا تمسهم النار أبدًا.

الطبقة الثانية: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، وتكافأت فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، وهؤلاء هم أصحاب الأعراف - في أصح أقوال أهل العلم - الذين ذكر الله تعالى أنهم يوقفون بين الجنة والنار ما شاء الله أن يوقفوا، ثم يُؤذَن لهم في دخول الجنة.

الطبقة الثالثة: قوم لقُوا الله تعالى مُصِرِّين على كبائر الإثم والفواحش، ومعهم أصل التوحيد، فرجَحت سيئاتهم بحسناتهم؛ فهؤلاء مستحقون للوعيد وهم تحت المشيئة، إن شاء الله عذَّبهم، وإن شاء غفر لهم؛ فمنهم من يُشفَع له فلا يُعذَّب، ومنهم الذين يدخلون النار بقدر ذنوبهم؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في (الفتح): "‌من ‌يدخل ‌النار ‌من ‌الموحِّدين فإن أحوالهم في التعذيب تختلف بحسب أعمالهم".

قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله في حديثه عن مصير الناس في الآخرة: "وقوم لقوا الله تعالى مصرين على كبائر الإثم والفواحش، ومعهم أصل التوحيد، فرجحت سيئاتهم بحسناتهم، فهؤلاء هم الذين يدخلون النار بقدر ذنوبهم؛ فمنهم من تأخذه إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حَقْوَيه، ومنهم فوق ذلك، حتى إن منهم من لم يُحرَّم منه على النار إلا أثر السجود؛ حرَّم الله على النار أن تأكل أثر السجود".

روى مسلم عن سمرة رضي الله عنه أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى حُجْزَتِهِ، ومنهم من تأخذه إلى عنقه)).

وفي حديث البخاري الطويل: ((وفي جهنم كلاليبُ مثل شوك السَّعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم، قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم؛ فمنهم من يُوبَق بعمله، ومنهم من يُخردَل - المخردل المصروع المرميُّ المنقطع، يُقال: لحم خراديل إذا كان قِطعًا، المعنى: أنه تقطعه كلاليب الصراط حتى يكاد يهوي إلى النار، وأصل الخردلة التفريق والتقطيع - ثم ينجو حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار، أمر الله الملائكة أن يُخرجوا من كان يعبد الله، فيُخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرَّم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيُخرَجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيُخرجون من النار قد امتُحشوا – احترقوا - فيُصَبُّ عليهم ماء الحياة - التي نحيا بها حياة أبدية لا موت معها، ويُقال: إنه عين في الجنة - فينبتون كما تنبت الحِبَّة - بذور البقول - في حَمِيل السَّيل))؛ وهو كل ما حمله السيل، وكل محمول فهو حميل، كما يُقال قتيل بمعنى مقتول، ويُقال: حميل السيل كل ما حمله السيل من طين أو غثاء، فإذا اتفق فيه الحِبَّة واستقرت على شط مجرى السيل، نبتت في يوم وليلة، وهي أسرع نابتة نباتًا، وإنما أخبر بسرعة نباتهم وتعجيل خلاصهم، وقرب رجوع نضارتهم.

ثم يقول الحكمي: "وهؤلاء هم الذين يأذن الله تعالى بالشفاعة فيهم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء من بعده، والأولياء، والملائكة، ومن شاء الله أن يكرمه، فيحُد لهم حدًّا فيخرجونهم، ثم يحد لهم حدًّا فيخرجونهم، ثم هكذا، فيخرجون من كان في قلبه وزن دينار من خير، ثم من كان في قلبه نصف دينار من خير، ثم بُرة، ثم خردلة، ثم ذرة، ثم أدنى من ذلك إلى أن يقول الشفعاء: ربنا لم نذر فيها خيرًا".

ويُخرج الله تعالى من النار أقوامًا لا يعلم عِدَّتهم إلا هو بدون شفاعة الشافعين، ولن يخلد في النار أحد من الموحدين، ولو عمِل أي عمل، ولكن كل من كان منهم أعظم إيمانًا وأخف ذنبًا، كان أخف عذابًا في النار، وأقل مكثًا فيها، وأسرع خروجًا منها، وكل من كان أضعف إيمانًا وأعظم ذنبًا، كان بضد ذلك، والعياذ بالله"؛ [انتهى].

وهذا مقام ضلَّت فيه الأفهام، وزلَّت فيه الأقدام، وهدى الله الذين آمنوا لما اختُلف فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

فالعاصي الموحِّد سيدخل الجنة لا محالة؛ لما رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن بُرَّة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير))؛ [متفق عليه].

وروى البخاري عن الأسود الدؤلي حدثه أن أبا ذر رضي الله عنه حدثه قال: ((أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه ثوب أبيضُ، وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: ما من عبدٍ قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق؟ قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق على رَغْمِ أنف أبي ذر، وكان أبو ذر إذا حدَّث بهذا قال: وإن رغِم أنف أبي ذر)).

قال أبو عبدالله: "هذا عند الموت أو قبله، إذا تاب وندِم وقال: لا إله إلا الله، غُفر له".

يقول النووي: "وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((وإن زنى وإن سرق))، فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يُقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أُخرجوا منها وخُتم لهم بالخلود في الجنة"؛ ا. هـ.
وقال الطحاوي: "وأهل الكبائر في النار لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحِّدون"؛ ا. هـ.

يقول ابن رجب رحمه الله: "وكذلك تفاوت عذاب عصاة الموحدين في النار، بحسب أعمالهم، فليس عقوبة أهل الكبائر، كعقوبة أصحاب الصغائر، وقد يخفف عن بعضهم العذاب، بحسنات أخرى له، أو بما شاء الله من الأسباب، ولهذا يموت بعضهم في النار".

فقد ثبت في السنة أن ممن يُعذَّب في النار من عصاة الموحدين: من تميتهم النار إماتة، وأما الذين لا يموتون فيها من العذاب، ولا يستريحون، فهم أهلها المخلَّدون فيها، وهم المعنيُّون بقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى ﴾ [الأعلى: 13].

فعن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما ‌أهل ‌النار ‌الذين ‌هم ‌أهلها، ‌فإنهم ‌لا ‌يموتون ‌فيها، ‌ولا ‌يحيَون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم – أو قال بخطاياهم – فأماتهم إماتةً، حتى إذا كانوا فحمًا، أُذِن بالشفاعة، فجِيء بهم ضبائرَ ضبائرَ - جماعات متفرقة - فبُثوا على أنهار الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحِبَّة تكون في حميل السيل))؛ [مسلم].

قال النووي رحمه الله: "وأما معنى الحديث فالظاهر - والله أعلم - من معنى هذا الحديث: أن الكفار الذين هم أهل النار، والمستحقون للخلود لا يموتون فيها، ولا يحيون حياة ينتفعون بها، ويستريحون معها؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴾ [فاطر: 36]، وكما قال تعالى: ﴿ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى ﴾ [الأعلى: 13].

وهذا جارٍ على مذهب أهل الحق: أن نعيم أهل الجنة دائم، وأن عذاب أهل الخلود في النار دائم.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولكن ناس أصابتهم النار)) إلى آخره، فمعناه: أن المذنبين من المؤمنين يُميتهم الله تعالى إماتة، بعد أن يُعذَّبوا المدة التي أرادها الله تعالى، وهذه الإماتة إماتة حقيقية، يذهب معها الإحساس، ويكون عذابهم على قدر ذنوبهم، ثم يميتهم، ثم يكونون محبوسين في النار من غير إحساس، المدة التي قدرها الله تعالى، ثم يخرجون من النار موتى، قد صاروا فحمًا، فيُحملون ضبائر، كما تُحمل الأمتعة، ويُلقَون على أنهار الجنة، فيُصب عليهم ماء الحياة، فيحيَون، وينبتون نبات الحِبَّة في حميل السيل، في سرعة نباتها، وضعفها، فتخرج لضعفها صفراءَ ملتوية، ثم تشتد قوتهم بعد ذلك، ويصيرون إلى منازلهم، وتكمل أحوالهم، فهذا هو الظاهر من لفظ الحديث"؛ [انتهى].

وقد سُئل الإمام النووي رحمه الله: هل يموت أحد في جهنم؟ وهل صحَّ في ذلك حديث أم لا؟ فإن صح، فما معنى هذا الموت؟ ولمن هو؟

فأجاب بعد أن ذكر حديث أبي سعيد الخدري السابق في مسلم:
"قال العلماء: المراد بأهلها الذين هم أهلها: الكفار؛ فلا يخرجون منها أبدًا، ولا يموتون فيها أصلًا؛ قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ ﴾ [فاطر: 36].

وأما من عصاة الموحدين، أصحاب الكبائر، فيُعذبون على قدر ذنوبهم، المدة التي قدرها الله تعالى عليهم، ثم يموتون موتةً خفيفةً، يذهب فيها إحساسهم، ثم يبقَون محبوسين في النار من غير إحساس، المدة التي قدرها الله تعالى، ثم يخرجون موتى قد صاروا فحمًا، كما تُحمل الأمتعة، فيُلقون على أنهار الجنة، ويُصب عليهم ماء الحياة، فيحيَون، وينبتون في أول حياتهم نباتًا ضعيفًا، لكنه بسرعة، كنبات الحِبَّة – بكسر الحاء - ثم تشتد قوتهم، وتكمل أحوالهم، ويصيرون إلى منازلهم في الجنة، والله أعلم".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الصِّليَّ لأهل النار، الذين هم أهلها، وأن الذين ليسوا من أهلها فإنها تصيبهم بذنوبهم، وأن الله يُميتهم فيها، حتى يصيروا فحمًا، ثم يشفع فيهم، فيُخرجون، ويُؤتى بهم إلى نهر الحياة، فينبُتون كما تنبت الحِبَّة في حميل السيل".

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وقد جعل الله نبات أجساد بني آدم كنبات الأرض؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴾ [نوح: 17]، وحياتهم من الماء؛ فنشأتهم الأولى في بطون أمهاتهم من ماء دافق، يخرج من بين الصلب والترائب.

ونشأتهم الثانية من قبورهم من الماء الذي ينزل من تحت العرش، فينبتون فيه كنبات البقل، حتى تتكامل أجسادهم، ونبات من يدخل النار، ثم يخرج منها من ماء نهر الحياة، أو الحيا.

وظاهر هذا: أنهم يموتون بمفارقة أرواحهم لأجسادهم، ويحيَون بإعادتها، ويكون ذلك قبل ذبح الموت، ويشهد له: ما خرجه البزار في مسنده، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أدنى أهل الجنة منزلة - أو نصيبًا - قوم يُخرجهم الله من النار، فيرتاح لهم الرب عز وجل؛ أنهم كانوا لا يشركون بالله شيئًا، فيُنبذون بالعراء، فينبُتون كما ينبت البقل، حتى إذا دخلت الأرواح في أجسادهم، قالوا: ربنا، بالذي أخرجتنا من النار، ورجعت الأرواح إلى أجسادنا، فاصرف وجوهنا عن النار، فتُصرف وجوههم عن النار)).

وقال القرطبي رحمه الله: "فقوله: ((فأماتهم الله)) حقيقة في الموت، لأنه أكده بالمصدر، وذلك تكريمًا لهم.

وقيل: يجوز أن يكون (أماتهم) عبارة عن تغييبهم عن آلامها بالنوم، ولا يكون ذلك موتًا على الحقيقة، والأول أصح".

عصاة الموحدين لا يخلُدون في النار؛ أما معنى الخلود في قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93]، فهو - عند أهل السنة والجماعة - المكث الطويل، فالخلود خلودان: خلود مؤبَّد لا نهاية له، وهذا خلود الكفرة، والثاني: خلود مؤمَّد له أمد ونهاية، وهذا خلود عصاة الموحدين، وقد يطول مكث بعض العصاة؛ لشدة وعظم جريمته كالقاتل وغيره قد يطول، لكنه له نهاية ما دام على التوحيد والإيمان فلا يخلد في النار.

وأما النار فهي دار العقاب الأبدي للكافرين والمشركين والمنافقين النفاق الاعتقادي، وللنار دركات بعضها أسفل من بعض؛ قال عبدالرحمن بن أسلم: "درجات الجنة تذهب علوًّا، ودرجات النار تذهب سفولًا، وأسفل الدركات هي دار المنافقين؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ﴾ [النساء: 145]، وللنار سبعة أبواب؛ قال تعالى: ﴿ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ ﴾ [الحجر: 44]، ونار الدنيا جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم؛ على ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، الذي أخرجه الشيخان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ناركم جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم)).

عصاة الموحدين، هل يدخلون نار الكافرين، أو في نار أخرى؟
قال أهل العلم: يُكردسون في نار جهنم التي هي نار الكافرين، لكن أعضاء السجود لا تأكلها النار؛ لأن الله تعالى حرَّم على النار أن تأكل أعضاء السجود؛ يعني: الجبهة والكفين والركبتين وظهر القدمين.

لكن بعض العلماء يقولون: إنها نار ليست كالنار الأم، وهي نار أخرى تفنى، أما النار التي هي النار الأم فلا تفنى، وهذا ظاهر كلام ابن القيم رحمه الله تعالى، فإنه مال إلى القول بفناء النار، وقوَّاه وأيَّده بالأدلة، وذلك في كتابه «حادي الأرواح» و«شفاء العليل»، كما أنه توقف في المسألة في كتابه «الصواعق المرسلة».

وقال في (الوابل الصيب): "وأما النار فإنها دار الخبث في الأقوال والأعمال، والمآكل والمشارب، ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض، فيركُمه كما يركم الشيء المتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله، فليس فيها إلا خبيث، ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، كانت دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب، وهي الدار التي تفنى، وهي دار العصاة؛ فإنه لا يبقى في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عُذِّبوا بقدر جزائهم، أُخرجوا من النار، فأُدخلوا الجنة، ولا يبقى إلا دار الطيب المحض ودار الخبيث المحض"؛ ا.هـ.

وقد تتابع العلماء في التأليف لبيان خطأ هذا المذهب؛ يقول ابن حجر العسقلاني بعد حكايته لهذا القول: "وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول، ونصره بعدة أوجه من جهة النظر، وهو مذهب رديء مردود على قائله، وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه فأجاد"، وهذا الكتاب الذي أشار إليه ابن حجر هو «الاعتبار ببقاء الجنة والنار» لتقي الدين علي بن عبدالكافي السبكي الشافعي.

وقال صديق حسن خان: "وقد ألَّف العلامة الشيخ مرعي الكرمي الحنبلي رسالة سماها: «توفيق الفريقين على خلود أهل الدارين»، وفي الباب رسالة للسيد الإمام محمد بن إسماعيل الأمير، ورسالة للقاضي العلامة المجتهد محمد بن علي الشوكاني، حاصلهما بقاء الجنة والنار وخلود أهلهما فيهما".

والأدلة التي احتج بها ابن القيم على فناء النار، بعضها غير صحيح، والصحيح منها غير صريح.

ولابن تيمية قول بعدم فناء النار؛ فقد جاء في مجموع فتاوى شيخ الإسلام قوله في إجابة سؤال: "وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية؛ كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، ولم يقُل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين؛ كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله، وسنة رسوله، وجماع سلف الأمة وأئمتها".

وبناء على هذا فلا تصح نسبة القول بفناء النار إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فإن الراجح عنده أبديتها وعدم فنائها، وقد نصَّ على ذلك رحمه الله في أكثر من موضع من كتبه؛ فقد قال في كتابه «درء تعارض العقل والنقل»:
"وقال أهل الإسلام جميعًا: ليس للجنة والنار آخر وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعمون، وأهل النار في النار يُعذَّبون، ليس لذلك آخر".

وقال رحمه الله أيضًا في كتابه «بيان تلبيس الجهمية»: "وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية؛ كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، ولم يقُل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين؛ كالجهم بن صفوان، ومن وافقه من المعتزلة، ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله وإجماع سلف الأمة وأئمتها"؛ ا.هـ.

وسبب الغلط على شيخ الإسلام ونسبة القول بفناء النار إليه أن ابن القيم في كتابه «حادي الأرواح» قد ذكر الأقوال في فناء النار وعدمه، وأشار إلى أن ابن تيمية قد حكى بعض هذه الأقوال، التي منها القول بفناء النار، وليس في ذلك ما يدل على نسبة هذا القول الباطل لشيخ الإسلام ابن تيمية، فقد حكى هذه الأقوال غيره من أهل السنة والجماعة؛ كشارح الطحاوية، وحكاية شيخ الإسلام لأقوال الطوائف مشحونة بها مؤلفاته، ولكن للرد عليها لا لتقريرها، وهذا واضح ولا يحتاج إلى مزيد بيان.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.72 كيلو بايت... تم توفير 1.62 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]