«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 30 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 166 - عددالزوار : 59544 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 60 - عددالزوار : 752 )           »          الأعمال اليسيرة.. والأجور الكثيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          خواطر متفرقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          السلفية منهج الإسلام وليست دعوة تحزب وتفرق وإفساد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 24 )           »          القذف أنواعه وشروطه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3 - عددالزوار : 58 )           »          الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 15857 )           »          الضلع أعود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 21 - عددالزوار : 632 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #291  
قديم 22-03-2023, 07:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,374
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ... ﴾


قوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].

ســبب النزول:
عن عروة بن الزبير، قال: «كان الرجل أحق برجعة امرأته- وإن طلقها ما شاء، مادامت في العدة، وإن رجلًا من الأنصار غضب على امرأته، فقال: لا أؤويك ولا أفارقك، قالت: وكيف ذلك؟ قال: أطلقك، فإذا دنا أجلك راجعتك، ثم أطلقك، فإذا دنا أجلك راجعتك. فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله- عز وجل: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾ قال: فاستقبل الناس الطلاق، من كان طلق، ومن لم يكن طلق»[1].

قوله: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾ الطلاق: فك وحل قيد النكاح، وسمي طلاقًا؛ لأن الزوجة قبله في قيد النكاح، الذي هو في يد الزوج، كما قال تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ﴾ [البقرة: 237]، ولهذا سمى عز وجل زوج امرأة العزيز سيدها، فقال تعالى: ﴿ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ﴾ [يوسف: 25].

وقال صلى الله عليه وسلم: «ألا فاتقوا الله - عز وجل- بالنساء، فإنهن عندكم عوان»[2]، وفي رواية: «ألا فاستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوان عندكم»[3]، أي: أسيرات.

ومعنى قوله: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾؛ أي: الطلاق الذي تمكن فيه الرجعة مادامت المطلقة في العدة.

﴿ مرتان ﴾ أي: طلقتان، بأن يطلق مرة، ثم يراجع، ثم يطلق مرة، ثم يراجع، وهو طلاق السنة، وهو كاف لمراجعة المطلِّق أمره في هذه المدة.

وقد كانوا في الجاهلية، بل وفي أول الإسلام يطلق الرجل امرأته ما شاء، وهو أحق برجعتها ما دامت في العدة، ولو طلقها مائة طلقة، فأبطل الله ذلك؛ لما فيه من الضرر على الزوجات، وبيَّن أن الطلاق الذي تمكن فيه الرجعة الطلقة والطلقتان فقط.

﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾؛ أي: فعليكم إذا طلقتم النساء إمساك ﴿ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾؛ أي: إمساك لهن بمراجعتهن ما دمن في العدة ﴿ بمعروف ﴾؛ أي: بما عرف في الشرع، وعند الناس من حسن العشرة، قولًا وفعلًا وبذلًا.

وقدِّم الإمساك بمعروف؛ لأنه أحب إلى الله- عز وجل- لما فيه من استمرار الحياة الزوجية، وذلك خير من الفراق.

﴿ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ التسريح: الإرسال والإطلاق للشيء، وتخلية سبيله، والمعنى: أو إطلاق لهن بإحسان، وذلك بتركهن حتى تنقضي عدتهن، وتخلية سبيلهن، وإعطائهن ما لهن من حقوق، وتمتيعهن، جبرًا لخواطرهن، وتطييبًا لقلوبهن، وتخفيفًا لمرارة الفراق عليهن.

كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 231]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49].

وأمر عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لأزواجه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28].

﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ﴾، لما أمر في الآية السابقة بالإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان، أتبع ذلك ببيان أن من التسريح بإحسان ألا يأخذوا مما أعطوهن شيئًا؛ أي: ولا يحل لكم أيها الأزواج أن تأخذوا من الذي أعطيتموهنَّ من المهور والنفقات والهدايا وسائر الأعطيات ﴿ شَيْئًا ﴾.

و«شيئًا»: نكرة في سياق النفي تعم أي شيء؛ أي: لا يحل لكم أن تأخذوا مما أعطيتموهن أيّ شيء مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، قليلًا أو كثيرًا؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19].

لكن لو أعطت المرأة زوجها شيئًا مما دفعه إليها عن طيب نفس منها، حلَّ له أخذه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4].

﴿ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾ «إلا» أداة استثناء.

قرأ أبو جعفر ويعقوب وحمزة بضم الياء: «يُخافا» بالبناء للمفعول، أي: إلا أن يخاف الحاكم والقاضي، أو أهل الزوجين أو من علم حالهما من المسلمين ﴿ ألَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾، ولهذا قال بعده: ﴿ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾.

وقرأ الباقون بفتح الياء ﴿ يخافا ﴾ بالبناء للفاعل، أي: إلا أن يخاف الزوجان ﴿ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾.

والخوف: توقع حصول أمر مكروه؛ لأمارة معلومة أو مظنونة.

والمعنى على القراءة الأولى: إلا أن يُخاف أن لا يقيم الزوجان حدود الله فيما بينهما.

والمعنى على القراءة الثانية: إلا أن يخاف الزوجان أن لا يقيما حدود الله- فيما بينهما، وهي ما يجب على كل منهما من حقوق تجاه الآخر.

و﴿ حدود الله ﴾ في الأصل تعم جميع أوامر الله- عز وجل- ونواهيه، وسميت أوامر الله- عز وجل- ونواهيه «حدودًا» لوجوب القيام بأوامره- عز وجل- وعدم جواز تجاوزها، كما قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ﴾ [البقرة: 229]، ولوجوب ترك نواهيه، وعدم قربها؛ كما قال عز وجل: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة: 187].

﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾ تصريح بمفهوم الجملة السابقة؛ لتأكيد عدم جواز أخذ الرجل شيئًا مما أعطاه لزوجته، إلا في حال الخوف من عدم إقامة حدود الله فيما بينهما.

والخطاب في قوله: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ ﴾ لحكام المسلمين وقضاتهم، وأهل الزوجين، ومن علم حالهما من المسلمين، ممن يمكنه الإصلاح بينهما.

﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾ أي: فلا حرج ولا إثم عليهما، أي: على الزوجين.

﴿ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾؛ أي: في الذي افتدت به نفسها منه، برد بعض ما أعطاها إليه، أو كله، أو أكثر منه؛ أي: فلا حرج عليها في طلب الطلاق والخلع، وبذل الفداء في هذه الحال، ولا حرج عليه في قبول ذلك وأخذه، والفدية والفداء: مال أو عرض يدفع مقابل الخلاص؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس بن شماس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته»؟ قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقبل الحديقة، وطلقها تطليقه»[4].

وفي بعض الروايات أنها قالت: «لا أطيقه بغضًا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته»؟ قالت: نعم، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد»[5].

هذا فيما إذا خافا ألا يقيما حدود الله بينهما، كما في قصة امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنهما؛ حيث وصلت بها كراهتها له إلى حالة تحوُّل بينها وبين القيام بحقه، فيجوز للمرأة في مثل هذه الحال أن تفدي نفسها منه، وله أخذ ذلك.

ومفهوم قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾: أنه إذا لم يخافا ألا يقيما حدود الله فيما بينهما، فلا يجوز لها أن تفتدي نفسها منه، ولا يجوز له قبول ذلك وأخذه.

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق، من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة»[6].

وفي تسميته «فدية»: دلالة على حصول البينونة في الخلع؛ لأن المرأة تفدي نفسها بما تبذله من مال.

تلك الإشارة لما سبق من الأحكام الشرعية في الطلاق والخلع وغيرهما.


﴿ حُدُودَ اللَّهِ ﴾ حدود جمع «حد»، وهو الفاصل بين شيئين، ومنه حدود الأرض ومراسيمها، وهي ما يفصل بعضها عن بعض.

و﴿ حُدُودَ اللَّهِ ﴾: أحكامه وشرائعه، وهي تنقسم إلى قسمين: حدود أوامر وواجبات، سميت حدودًا؛ لأنه يجب القيام بها، ولا يجوز تجاوزها ولا تعديها، كما قال تعالى هنا: ﴿ فَلَا تَعْتَدُوهَا ﴾.

وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [النساء: 14]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1].

والقسم الثاني: حدود نواهٍ ومحرمات، وسميت حدودًا؛ لأنه يجب تركها، وعدم قربها، كما قال تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة: 187]، وفي تسميتها حدود الله- تعظيم لها، وتحذير من مخالفتها.

﴿ فلا تعتدوها ﴾ أي: أقيموها، ولا تتجاوزوها؛ عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حدّ حدودًا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيِّعوها، وحرَّم محارم فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمةً لكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها»[7].

﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ ﴾ أي: ومن يتجاوز ﴿ حُدُودَ اللَّهِ ﴾ أي: أوامره، ويرتكب نواهيه.

﴿ فَأُولَئِكَ هم الظالمون ﴾: أشار إليهم بإشارة البعيد تحقيرًا لهم، وأكد الظلم فيهم بكون الجملة اسمية معرفة الطرفين، وبضمير الفصل «هم». أي: فأولئك الذين بلغوا الغاية في الظلم؛ ظلم أنفسهم وزوجاتهم، وغير ذلك، واقتحموا الحرام، ولم يسعهم الحلال.

والظلم في الأصل: النقص، قال تعالى: ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ﴾ [الكهف: 33]؛ أي: ولم تنقص منه شيئًا.

وهو أيضًا وضع الشيء في غير موضعه على سبيل العدوان، وأظلم الظلم: الشرك، كما قال تعالى حكاية عن لقمان أنه قال لابنه: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

وهو قسمان:
1- ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه بالذنوب والمعاصي، وأعظم ذلك الشرك بالله.

2- ظلم الغير بالاعتداء على دمائهم وأموالهم وأعراضهم وغير ذلك، وهو أيضًا من ظلم النفس.

قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾.

قوله: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا ﴾؛ أي: طلقة ثالثة، بعد أن طلقها مرتين.

﴿ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ ﴾ أي: فلا تحل له من بعد الطلقة الثالثة.

﴿ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ﴾ أي: حتى تتزوج زوجًا غيره، ويطأها بعقد صحيح، لما روته عائشة رضي الله عنها: أن رفاعة القرظي طلق امرأته ثلاثًا، فتزوجت بعده عبدالرحمن بن الزَّبير، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقني، فبَتَّ طلاقي، وتزوجت بعده عبدالرحمن بن الزَّبِيرِ، ولم يكن معه إلا مثل هُدْبَةِ الثوب، وقالت بثوبها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟! لا، حتى تذوقي عُسَيْلَتَهُ، ويذوق عُسَيْلَتَكِ»[8].

وفي رواية عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن العسيلة الجماع»[9].

وفي اشتراط حلها لزوجها الأول بعد الطلقة الثالثة أن يعقد عليها زوج آخر ويطأها ردع للأزواج وتحذير للمطلق وتنفير له من إيقاع الطلقة الثالثة، ونوع من العقوبة له؛ لأن الرجل قد ينفر من اقتران زوجته بغيره، حتى لو كان لا يرغب مراجعتها، فكيف إذا كان يرغب في ذلك.

كما يشترط أن يكون النكاح الثاني نكاح رغبة، فإن كان قصد الزوج الثاني مجرد تحليلها للزوج الأول لم يصح ذلك؛ لبطلان النكاح؛ للحديث: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلِّل والمحلَّل له»[10].

﴿ فإن طلَّقها ﴾؛ أي: الزوج الثاني، أو خالعها، أو مات عنها، وانقضت عدتها منه.

﴿ فَلَا جُنَاحَ ﴾؛ أي: فلا حرج ولا إثم على الزوج الأول وزوجته ﴿ أَنْ يَتَرَاجَعَا ﴾؛ أي: أن يرجع كل منهما إلى الآخر بعقد جديد.

واختلف هل تعود إلى زوجها الأول بما بقي من الطلقات، أو بالطلقات الثلاث كلها.

﴿ إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾؛ أي: إن غلب على ظنهما أنهما سيقيمان حدود الله فيما بينهما بحسن معاشرة كل منهما الآخر، وأداء حقه بالمعروف- وهذا شرط في تراجعهما.

ومفهوم هذا أنهما إن لم يظنا أن يقيما حدود الله فيما بينهما لم يجز أن يتراجعا.

﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ﴾ الواو: عاطفة، والإشارة إلى ما سبق من أحكام النكاح والطلاق، وغير ذلك، وأشار إليها بإشارة البعيد تعظيمًا لها، وسماها حدودًا؛ لأنه لا يجوز تجاوزها ولا تعديها.

﴿ يُبَيِّنُهَا ﴾؛ أي يفصِّلها ويوضحها بما أنزل من الوحي في الكتاب والسنة، كما قال تعالى: ﴿ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 97]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 52].

وقال تعالى: ﴿ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ﴾ [النور: 18]، وقال تعالى: ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44].

﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ أي: لقوم يعلمون العلم النافع الذي يهتدون به إلى العمل الصالح، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]؛ أي: بالعلم النافع والعمل الصالح، فأعظم العلوم وأجلّها وأعلاها: علم معرفة الله- عز وجل- وعبادته كما شرع، والمسارعة والمسابقة إلى ذلك. وهم المعنيون بقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ [فاطر: 28]، وبقوله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].

أما من كان علمه دون ذلك سواء كان علمًا دينيًّا، أو علمًا دنيويًّا، فلا يوصف بوصف العلم على إطلاقه، لكن كما قال تعالى: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7]، وما أكثر هؤلاء حتى بين المنتسبين للعلوم الشرعية.

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه مالك في الطلاق- جامع الطلاق (2/ 588)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (5/ 260)، والطبري في «جامع البيان» (4/ 125، 126، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (2/ 418)، والبيهقي في «سننه» (7/ 333).
وأخرجه الترمذي في الطلاق (1192)، والحاكم في «المستدرك» (2/ 279)، من حديث عروة عن عائشة رضي الله عنها. والأصح وقفه على عروة- كما قال البخاري والترمذي. انظر: «علل الترمذي الكبير» (1/ 470- رقم 180).

[2] سبق تخريجه.

[3] أخرجها الترمذي في الرضاع (1163)، وابن ماجه في النكاح (1851)، من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».

[4] أخرجه البخاري في الطلاق (5273)، والنسائي في الطلاق (3463)، وابن ماجه في الطلاق (2056).

[5] جاء هذا في رواية ابن ماجه، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (1/ 403) من رواية ابن مردويه وابن ماجه، قال ابن كثير: «وهذا إسناد مستقيم».

[6] أخرجه أبوداود في الطلاق (2226)، والترمذي في الطلاق واللعان (1187)، وابن ماجه في الطلاق (2055)، وأحمد (5/ 277)، والطبري في «جامع البيان» (4/ 151)، من حديث ثوبان رضي الله عنه.

[7] أخرجه الدارقطني في «سننه» (4/ 297 – 298)، وأبونعيم في الحلية (9/ 17)، والحاكم في «المستدرك» (4/ 115)، والبيهقي في «سننه» (10/ 13)، وصححه ابن كثير في «تفسيره» (3/ 252).
وقد أخرجه الطبري في «جامع البيان» (9/ 24، والبيهقي (10/ 12)- موقوفًا على أبي ثعلبة رضي الله عنه.

[8] أخرجه البخاري في الشهادات (2639)، وفي الطلاق (5260)، ومسلم في النكاح (1433)، والنسائي في النكاح (3283)، والترمذي في النكاح (1118)، وابن ماجه في النكاح (1932)، وأحمد (6/ 37).

[9] أخرجها أحمد (6/ 62).

[10] أخرجه النسائي في الطلاق (3416)، والترمذي في النكاح (1120)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
وأخرجه الترمذي في النكاح (1119)، وابن ماجه في النكاح (1935)، من حديث علي رضي الله عنه.
وأخرجه ابن ماجه في النكاح (1934) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وأخرجه أحمد (2/ 323) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وأخرجه ابن ماجه أيضًا (1936)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بالتيس المستعار»؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له».



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #292  
قديم 22-03-2023, 07:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,374
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




فوائــد وأحكــام من قوله تعالى:﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ... ﴾


قوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 229، 230].

1- إباحة الطلاق؛ لقوله تعالى ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾، وقد دل الكتاب على هذا في مواضع كثيرة، ودلت عليه السنة وإجماع الأمة، وهو أبغض الحلال إلى الله.

2- أن الطلاق الذي تمكن معه الرجعة طلقتان فقط، بأن يطلق ثم يراجع، ثم يطلق ثم يراجع؛ لقوله تعالى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾.
وفي هذا إبطال لما كان عليه أهل الجاهلية من كون الرجل يطلق امرأته ما شاء من الطلقات، ثم إذا قاربت انتهاء عدتها راجعها، ثم طلقها- وهكذا- فتبقى معلقة، لا هي مطلقة، ولا هي ذات زوج.

3- الحكمة العظيمة في جعل الطلاق مرتين، واحدة بعد واحدة ليراجع المرء نفسه ويتأمل في حاله ومصلحته، وذلك من رحمة الله عز وجل.

4- يجب على الرجل إذا طلق زوجته الطلقة الأولى أو الثانية أحد أمرين: إما مراجعتها قبل انتهاء عدتها، وإمساكها ومعاشرتها بالمعروف، أو تركها حتى تنتهي عدتها، وتسريحها بإحسان، بإعطائها مالها من حقوق، وتمتيعها من غير مضارة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾.

5- تحريم أخذ الأزواج شيئًا مما أعطوه لزوجاتهم من مهر أو غيره مهما قل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20، 21].

ويستثنى من هذا إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول، فله أخذ نصف المهر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237].

لكن لو أعطت المرأة زوجها شيئًا من مالها بطيب نفس منها جاز له أخذه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4].

6- الإشارة إلى مسؤولية الأمة عن إصلاح ما يقع بين الأزواج، بما في ذلك حكام المسلمين، وأهل الزوجين، ومن علم حالهما من المسلمين؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾.

7- جواز أخذ الزوج شيئًا مما أعطاه لزوجته، وجواز افتدائها نفسها منه بذلك، إذا خافا ألا يقيما حدود الله بينهما، فتفدي نفسها ببذل بعض ما أعطاها، أو كله، أو أكثر منه؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾.
و«ما» موصولة تفيد العموم، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم.

وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يجوز للزوج أن يأخذ أكثر مما أعطاها؛ لقوله: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ﴾، ثم قال: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ﴾؛ أي: مما أعطاها؛ ولهذا قال بعده: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾.

واستدلوا بما جاء في بعض روايات قصة ثابت بن قيس بن شماس مع امرأته رضي الله عنهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتردين عليه حديقته»؟ قالت: نعم، فأمره أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد»[1].

ويختلف الحال فيما إذا كان الفراق بسبب الزوجة، أو بسبب الزوج، أو بسببهما معًا، فإن كان الفراق بسببها هي جاز للزوج أن يأخذ منها بالإجماع، لقوله تعالى: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾، وقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].

ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة ثابت بن قيس مع امرأته.

وإن كان الفراق بسببه هو، فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئًا بالإجماع؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 20، 21].
فإن كان سبب الفراق منهما معًا: فمن أهل العلم من قال: لا يجوز له الأخذ منها، ومنهم من جوز ذلك، والأظهر القول الأول.

8- تأكيد شدة تحريم أخذ الأزواج شيئًا مما أعطوه لزوجاتهم إلا في حال الخوف ألا يقيم الزوجان حدود الله فيما بينهما؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾، فهذا تصريح بمفهوم الجملة قبله الغرض منه توكيد شدة حُرمته.

9- تحريم طلب المرأة الطلاق، وفداء نفسها من غير خوف ألا يقيما حدود الله فيما بينهما؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة»[2].

10- جواز الخلع مطلقًا بإذن السلطان، وبدونه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾، وهذا مطلق، وبهذا قال جهور أهل العلم، وقيل: لابد فيه من إذن السلطان.

11- عناية التشريع الإسلامي بحقوق المرأة، ودفاعه عنها، مما لم يكن له مثيل في أي شريعة، أو دين، أو نظام.

12- حصول البينونة الصغرى بالخلع؛ لأن ﷲ سماه فدية، فقال: ﴿ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾، والفداء والفدية: مال أو عرض يدفع مقابل الخلاص، فإذا دفعت له هذا الفداء تخلصت منه كلية، بلا رجعة إلا بعقد جديد.

13- أن للمرأة كامل التصرف في مالها، دون إذن زوجها أو وليها، إذا كانت حرة رشيدة؛ لقوله تعالى: ﴿ فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾؛ كما قال تعالى في سورة النساء: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا ﴾ [النساء: 4].

14- تعظيم ﷲ - عز وجل - لنفسه، ولما شرعه من أحكام النكاح، والطلاق والرجعة، والخلع، وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾.
فأشار عز وجل إلى أحكامه بإشارة البعيد ﴿ تلك ﴾ تعظيمًا لها، وسماها حدودًا، ونهى عن تجاوزها.

15- تحريم تعدي حدود الله - عز وجل- وأنه ظلم عظيم، والتحذير من ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.
وقد أكد ذلك بكون الجملة اسمية، معرفة الطرفين، وبضمير الفصل ﴿ هُمُ ﴾.

16- إباحة الطلاق الثلاث متفرقة، وهي نهاية طلاق الحر[3]؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ يعني الثالثة- بعد التطليقتين المذكورتين في قوله: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾.
وأما جمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد، وبألفاظ متعددة، كأن يقول: «أنت طالق ثلاثًا»، أو يقول: «أنت طالق، طالق، طالق» ونحو ذلك، فهذا محرم وهو من طلاق البدعة، ولا يقع به إلا طلقة واحدة على الصحيح.
وقيل: تقع به الطلقات الثلاث.

17- إذا طلق الرجل امرأته الطلقة الثالثة بانت منه، وحرمت عليه، حتى تتزوج زوجًا غيره ويطأها بعقد صحيح، فإذا فارقها بطلاق أو موت، وانتهت عدتها حلت لزوجها الأول بعقد جديد؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا ﴾.
ولقوله صلى الله عليه وسلم لزوجة رفاعة القرظي: «لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة، لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك»، فلو تزوجها بعقد صحيح ولم يطأها، أو وطئها بعقد غير صحيح، كنكاح المحلل، أو وطئها بملك يمين لم تحل لزوجها الأول.

18- حكمة التشريع في اشتراط أن ينكحها ويطأها زوج آخر بعد الطلقة الثالثة؛ لما في ذلك من ردع للأزواج، وعقوبة للمطلقين ثلاثًا، وتحذير من الاستخفاف بحقوق الزوجات.

19- إطلاق المراجعة على عقد النكاح؛ لقوله تعالى: ﴿ أ أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾.

20- يشترط لجواز تراجع الزوجين أن يغلب على ظنهما إقامة حدود الله فيما بينهما بالعشرة بينهما بالمعروف، وأداء كل منهما حقوق الآخر، ويعزما على ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾.
فإن لم يظنا ذلك أو ظنا خلافه لم يجز أن يتراجعا، إذ لا يجوز أن يرجعا إلى حال يعصي ﷲ كل منهما في حق صاحبه.
والمباح إذا كان وسيلة إلى محرم يكون محرمًا؛ لأن الوسائل لها أحكام الغايات.

21- الاكتفاء بغلبة الظن في الأمور المستقبلة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾، وذلك بأن يغلب على ظنهما ذلك ويعزما عليه، وقد يحصل في المستقبل ما ليس في الحسبان، ولهذا لم يطالبا بتيقن ذلك.

22- ينبغي للإنسان إذا أراد أن يتحمل مسؤولية من المسؤوليات كبيرة كانت أو صغيرة أن ينظر في نفسه، فإن رأى من نفسه قوة على ذلك، وغلب على ظنه قدرته على القيام بها أقدم، وإلا فالعافية لا يعدلها شيء، وقد أحسن القائل:
وأحزم الناس من لو مات من ظمأ لا يقرب الورد حتى يعرف الصدرا[4]


23- توكيد عظمة حدود ﷲ وأحكامه وشرائعه، ووجوب القيام بها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.

24- امتنان ﷲ- عز وجل- على الخلق، ببيان وتفصيل حدوده وأحكام شرعه، وإقامة الحجة عليهم بذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾.

25- أن الذين يتبينون حدود الله وأحكامه ويعرفونها، وينتفعون بها هم أهل العلم، أي: أهل العلم بالله، وبشرعه، وما يجب له عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ وهم الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح.

26- فضل العلم وأهله وامتداحهم، والتعريض بذم الجهل وأهله؛ لأن ﷲ- عز وجل- جعل تبيينه لحدوده خاصًّا بمن يعلمون، وأنهم المقصودون بذلك.

[1] سبق تخريجه.

[2] سبق تخريجه.

[3] أما العبد فطلاقه طلقتان.

[4] البيت لصفي الدين الحلي. انظر: «ديوانه» (ص69).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #293  
قديم 01-05-2023, 11:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,374
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى:﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ... ﴾




قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة: 231].

قوله: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ الواو: عاطفة، و«إذا»: ظرفية شرطية ﴿ طَلَّقْتُمُ﴾: فعل الشرط، وجوابه: ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ﴾، والخطاب لعامة المؤمنين، أي: إذا طلقتم أيها الأزواج المؤمنون نساءكم، طلاقًا رجعيًّا، طلقة، أو طلقتين.

﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ الفاء: عاطفة، أي: فقاربن انتهاء عدتهن، وذلك بقرب انتهاء الحيضة الثالثة، إذا كن من ذوات الأقراء، أو بقرب انتهاء الشهر الثالث، إذا كن من الآيسات، أو ممن لم يحضن، أو بقرب وضع الحمل، إذا كن من ذوات الأحمال.

وقال بعض أهل العلم: معنى ﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ أي: فبلغن نهاية أجلهن، وعليه فإذا طهرت من الحيضة الثالثة فله مراجعتها ما لم تغتسل، وبهذا قال جمع من الصحابة، رضي ا عنهم.

﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ ﴾ أي: راجعوهن وردوهن إلى عصمتكم، ﴿ بِمَعْرُوفٍ ﴾ أي: بنية المعاشرة لهن بالمعروف، والعزم على ذلك، وأشهدوا على إرجاعكم لهن، كما قال تعالى: ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ﴾ [الطلاق: 2].

﴿ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ أي: اتركوهن بدون مراجعة، وخلوا سبيلهنَّ من غير مضارة لهن مع إعطائهن ما لهن لديكم من حقوق، من المهور والنفقات وغيرها، وتمتيعهن.

والمعنى: إما أن تراجعوهن ونيتكم القيام بحقوقهن وهذا أولى، ولهذا قُدِّم، وإما أن تتركوهن، وتخلوا سبيلهن بلا مضارة، ولهذا قال:
﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ﴾ أي: ولا تراجعوهن، ﴿ ضِرَارًا﴾: مفعول لأجله، أي: ولا تراجعوهن؛ لأجل الإضرار بهن بتطويل العدة عليهن، ونحو ذلك.

﴿ لِتَعْتَدُوا﴾ اللام لام العاقبة، أي: لتكون عاقبة الضرار: الاعتداء عليهن، وتجاوز الحلال إلى الحرام. وقيل: اللام للتعليل، أي: لأجل أن تعتدوا عليهن، وتتجاوزوا الحلال إلى الحرام.

وكانوا في الجاهلية يطلق الرجل امرأته، فإذا قاربت انتهاء عدتها راجعها؛ لتطول العدة عليها؛ مضارة لها، ولئلا تذهب إلى غيره.

﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ﴾ الواو استئنافية، و«من» شرطية، و«يفعل» فعل الشرط، والإشارة لإمساك النساء بعد طلاقهن مضارة لهن، وأشار إليه بإشارة البعيد تعظيمًا له، وترهيبًا منه.

﴿ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾: جملة جواب الشرط، والفاء: رابطة لجواب الشرط؛ لاقترانه بـ«قد».

والظلم: النقص، ووضع الشيء في غير موضعه على سبيل العدوان.

وإنما كان ذلك ظلمًا لنفسه؛ لأن عاقبة إمساكه لزوجته مضارة لها- كما هو اعتداء عليها- هو ظلم لنفسه، وإيقاع لها في الإثم، وتعريض لها لعذاب الله. وفي هذا تهديد له ووعيد.

وهكذا كل ظلم للغير هو ظلم للنفس من باب أولى، قال صلى الله عليه وسلم: «من ضار ضار الله به، ومن شاق شق الله عليه»[1].

قال الشاعر:
لا تظلمَنَّ إذا ما كنت مقتدرًا
فالظلم يرجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم[2]


﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾ أي: ولا تجعلوا آيات الله الشرعية وما فيها من الأحكام في النكاح والطلاق والرجعة وغير ذلك موضع استهزاء ولعب وسخرية، تستخفون بها، وتسخرون منها، وتتركون العمل بها، وتخالفونها.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة»[3].

ولما طلق ابن عمر رضي الله عنهما امرأته وهي حائض قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: «مره فليراجعها، ثم ليتركها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك، وإن شاء طلق، قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء»[4].

وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: «أُخْبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا. فقام غضبان، ثم قال: «أيلعب بكتاب الله، وأنا بين أظهركم» حتى قام رجل، وقال: يا رسول الله، ألا أقتله»[5].

وروي أن رجلًا طلق امرأته مائة طلقة، وسأل ابن عباس رضي الله عنهما عن ذلك فقال: «يكفيك منها ثلاث، والسبعة والتسعون اتخذت بها آيات الله هزوًا»[6].

وأيضًا فإن النهي في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾ قد يشمل النهي عن اتخاذ آيات الله الكونية هزوًا، وذلك بعدم الاستدلال بها على عظمة الله، وكمال وحدانيته وألوهيته، وتمام قدرته، وعدم الاعتبار والاتعاظ بها.

﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ ذكر النعمة يكون بالقلب واللسان والجوارح، كما قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة
يدي ولساني والضمير المحجبا[7]



و«نعمة» مفرد مضاف، فيعم كل نعمة من نعم الله التي لا تحصى، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]، وأجل هذه النعم وأعلاها نعمة الإيمان والإسلام.

وذكر نعم الله يكون بشكرها، والاعتراف بها بالألسن بالثناء على الله- عز وجل- وحمده؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 11].

وباستعمال الجوارح في طاعة الله - عز وجل - والبعد عن معصيته، وأن يُرى أثر نعمة الله عليه؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده»[8].

﴿ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ﴾ معطوف على «نعمة الله»، من عطف الخاص على العام؛ لأن نعمة إنزال الكتاب والحكمة أعظم نعمة.

و«ما» موصولة، أي:- والذي أنزله عليكم من الكتاب- يعني: القرآن.

﴿ وَالْحِكْمَةِ ﴾ أي: السنة، كما قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [النساء: 113].

ومن الحكمة التي أنزلها الله: أسرار الشريعة، وتعليل الأحكام، فما أنزله الله- عز وجل- من الوحي في الكتاب والسنة، وما شرعه من الأحكام كل ذلك لحكمة، مما يدعو إلى الإيمان ويزيده.

﴿ يَعِظُكُمْ بِهِ ﴾ الجملة في محل نصب على الحال، أي: حال كونه يعظكم به، أي: يذكركم بما أنزل عليكم من الكتاب والسنة؛ لتتذكروا وتعتبروا وتنتفعوا بذلك بسلوك الطريق المستقيم.

والموعظة: ذكر الأحكام والأوامر والنواهي مقرونة ببيان الحكمة، والترغيب والترهيب، أو بأحدهما، وهذا مما يقوي أن المراد بالحكمة أسرار الشريعة.

وكل ما أنزل الله- عز وجل- من القرآن هو مما يعظ الله به عباده، قال تعالى: ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 138]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [النور: 34]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ﴾ [النساء: 58].

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ بفعل أوامره واجتناب نواهيه.

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ أي: واعلموا أن الله ذو علم تام واسع محيط بكل شيء من أقوالكم وأعمالكم وأحوالكم، وغير ذلك، وقدم المتعلق وهو قوله: ﴿ بِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ على الخبر ﴿ عَلِيمٌ ﴾ لتوكيد إحاطة علمه- عز وجل- وشموله لكل شيء.

و﴿ عَلِيمٌ ﴾ على وزن «فعيل»، صفة مشبهة، أو صيغة مبالغة يدل على سعة علمه- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [طه: 98]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾ [آل عمران: 5].

فعلم الله - عز وجل - محيط بالأشياء كلها في أطوارها الثلاثة، قبل وجودها، وبعد وجودها، وبعد عدمها.

والعلم في الأصل: إدراك الأشياء على ما هي عليه، إدراكًا تامًّا جازمًا.

وفي الأمر بالعلم بأنه بكل شيء عليم تنبيه وتأكيد للأمر بتقوى الله- عز وجل- ووعد لمن اتقى الله، ووعيد لمن خالف أمره وعصاه؛ لأن مفاد ذلك أنه سيجازي كلًّا بما عمل، لعلمه - عز وجل - بكل شيء من أعمال العباد وغير ذلك.

[1] أخرجه أبوداود في القضاء (3635)، والترمذي في البر والصلة- ما جاء في الخيانة والغش (1940)، وابن ماجه في الأحكام- من بنى في حقه ما يضر بجاره (2342)، وأحمد (3/ 453)، من حديث أبي صِرْمَة رضي الله عنه.

[2] البيتان لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ انظر: «المستطرف» (ص117).

[3] أخرجه أبوداود في الطلاق (2194)، والترمذي في الطلاق (1184)، وابن ماجه في الطلاق (2039)، وقال الترمذي: «حديث حسن غريب».

[4] أخرجه البخاري في الطلاق (5252)، ومسلم في الطلاق (1471)، وأبو داود في الطلاق (2179)، والنسائي في الطلاق (3389)، والترمذي في الطلاق (1176)، وابن ماجه في الطلاق (2019).

[5] أخرجه النسائي في الطلاق (3401).

[6] ذكره ابن العربي في «أحكام القرآن» (1/ 200).

[7] البيت ينسب لبشر، كما في «المفضليات» (ص344)، وهو في «ربيع الأبرار» (5/ 277) بلا نسبة.

[8] أخرجه الترمذي في الأدب (2819)، من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه وقال الترمذي: «حديث حسن».





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #294  
قديم 01-05-2023, 11:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,374
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



فوائــد وأحكــام من قوله تعالى:﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ.... ﴾


قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ....وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 231].

1- إباحة الطلاق؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ﴾.

2- وجوب العدة على المطلقات، وأن لها أجلًا؛ لقوله تعالى: ﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ، فمن كانت تحيض فعدتها ثلاثة قروء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ [البقرة: 228]، ومن كانت آيسة أو لم تحض فعدتها ثلاثة أشهر؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ ﴾ [الطلاق: 4].

ومن كانت ذات حمل فعدتها وضع حملها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].

3- يجب على الرجل إذا طلق زوجته طلاقًا رجعيًّا، وقاربت انتهاء عدتها؛ إما مراجعتها ومعاشرتها بالمعروف، أو تخلية سبيلها بمعروف من غير تضييق عليها أو مضارتها؛ لقوله تعالى: ﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾.

4- ظاهر قوله تعالى: ﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ جواز مراجعة الزوج لمطلقته الرجعية بعد بلوغ أجلها، بطهرها من الحيضة الثالثة.
وبهذا قال جمع من الصحابة رضي الله عنهم وإليه ذهب الإمام أحمد- رحمه الله[1].

وذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا رجعة له عليها بعد طهرها من الحيضة الثالثة، وقالوا: معنى ﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾؛ أي: قاربن انتهاء عدتهن.

5- أن وجوب التعامل بين الزوجين بالمعروف ليس مقصورًا في حال تراجعهما واجتماعهما، بل هو واجب أيضًا بعد الطلاق وعند افتراقهما، لإزالة ما في النفوس وليأخذ كل منهما سبيله وهو في حل من الآخر، إذ قد لا يلتقيان بعد ذلك.

وهكذا يجب على جميع المسلمين التعامل بينهم بالمعروف في حال الاجتماع والوفاق، وفي حال الاختلاف والفراق للتخفف من تبعات ذلك يوم القيامة.

6- تحريم إمساك المطلقات ومراجعتهن قبل نهاية عدتهن بقصد المضارة لهن والتضييق عليهن بطول العدة، وغير ذلك؛ لما في ذلك من الاعتداء عليهن وظلمهن؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾.

7- تحريم المضارة مطلقًا؛ لأنها من الاعتداء على الغير، ومن تجاوز الحلال إلى الحرام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾.

8- أن من عمد إلى مراجعة مطلقته لأجل المضارة لها والاعتداء عليها وظلمها، فهو في الحقيقة إنما يظلم نفسه؛ لأن عاقبة إثمه وضرره يعود عليه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾.

9- كما تحرم المضارة للزوجات والاعتداء عليهن أو على غيرهن لما في ذلك من الظلم للغير، كذلك يحرم ذلك لما فيه من ظلم المعتدي لنفسه، وإيقاعها في الإثم، والنفس وديعة عنده يجب عليه أن يحملها على ما فيه سلامتها وينأى بها عما يضرها في دينها ودنياها، قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كل الناس يغدو فمعتق نفسه أو موبقها»[2].

10- في بيان أن المضار المعتدي إنما يظلم نفسه تخفيف على من اعتدي عليه، وبشارة له بحسن العاقبة، ولو لم يكن من ذلك إلا أن المضار المعتدي يهدي حسناته إليه، وربما حمل عنه من سيئاته لكفى.

11- التنفير من الظلم والإغراء بالبعد عنه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾.

12- عناية التشريع الإسلامي بحقوق المرأة، ودفع الاعتداء والظلم عنها، وتحذير الرجال من ذلك.

13- النهي والتحذير من جعل آيات الله وأحكامه في النكاح والطلاق والرجعة، وغير ذلك هزوًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾.

والاستهزاء بآيات الله قد يكون سخرية بها وتنقصًا لها، وهذا كفر مخرج من الملة، كما قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾ [التوبة: 65، 66]، وقد يكون الاستهزاء بآيات الله تركًا للعمل بها، وهذا قد يكون كفرًا إذا كان تركًا لعمل يوجب تركه الكفر كترك الصلاة ونحو ذلك، وقد يكون فسقًا ومعصية دون الكفر، كالمضارة في الإمساك أو الفراق، أو كثرة الطلاق، أو جمع الثلاث، أو غير ذلك.

14- وجوب ذكر نعم الله - عز وجل - وشكرها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾.

15- إثبات صفة العلو لله - عز وجل - علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر؛ علو الذات، وعلو الصفات؛ لأن الإنزال يكون من أعلى إلى أسفل.

16- أن نعمة إنزال القرآن والسنة، وتعليل الأحكام أعظم نعمة، لهذا خصها بالذكر من بين النعم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ ﴾.

17- إثبات أن القرآن الكريم كلام الله- عز وجل- منزل غير مخلوق؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ ﴾، وفي هذا رد على المعتزلة في زعمهم الباطل أن القرآن مخلوق.

18- أن السنة النبوية وحي منزل من عند الله - عز وجل - لقوله تعالى: ﴿ وَالْحِكْمَةِ ؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4].

19- أن كل ما أنزل الله - عز وجل - من الوحي في الكتاب والسنة لحكمة؛ عرفناها أو لم نعرفها؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْحِكْمَةِ ﴾.

20- أن القرآن الكريم والسنة النبوية أنزلهما الله - عز وجل - للاتعاظ والتذكر والاعتبار والانتفاع؛ فهمًا لمعانيهما، وتطبيقًا لأحكامهما، ورجاءً لما فيهما من الوعد، وحذرًا مما فيهما من الوعيد.

21- بيان خطأ الذين يُغفلون جانب الموعظة في تفسير القرآن- وهو المقصود من تنزيل القرآن الكريم- بينما ينشغلون ويشغلون غيرهم بما لا طائل تحته من كثرة الأقاويل والأعاريب والقراءات الشاذة، ونحو ذلك، مما يحول دون فهم القرآن والتأثر به، والاتعاظ والعمل به.

22- وجوب تقوى الله- عز وجل- بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾.

23- إثبات عموم علم الله- عز وجل- وإحاطته بكل شيء؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾، وفي هذا وعد لمن اتقى الله، ووعيد لمن خالف أمره وعصاه.

24- أن العلم بسعة علم الله- عز وجل- وإحاطته بكل شيء من أسباب تقواه، ومحاسبة النفس؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾.

[1] انظر: «المغني» (10/ 556).

[2] أخرجه مسلم في الطهارة (223)، من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #295  
قديم 11-05-2023, 11:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,374
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى:﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا... ﴾

تفسير قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾[البقرة: 232].

ســبب النــزول:
عن الحسن ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ قال: «حدثني معقل بن يسار أنها نزلت فيه، قال: زوجت أختًا لي من رجل، فطلَّقها حتى إذا انقضت عدتها جاء يخطبها، فقلت له: زوَّجتك وَفَرَّشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ، فطلَّقتها، ثم جئت تخطبها، لا والله لا تعود إليك أبدًا، وكان رجلًا لا بأس به، وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه، فأنزل الله هذه الآية ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ فقلت: الآن أفعل يا رسول الله، قال: فزوَّجها إياه»[1].

وعن الحسن: «أن أخت معقل بن يسار طلَّقها زوجها، فتركها حتى انقضت عدتها، فخطبها، فأبى معقل، فنزلت: ﴿ فلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ﴾»[2].

وفي رواية عن الحسن عن معقل بن يسار رضي الله عنه: «أنه زوَّج أخته رجلًا من المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت عنده ما كانت، ثم طلقها تطليقة، لم يراجعها حتى انقضت العدة، فهويها وهويته، ثم خطبها مع الخطاب، فقال له: يالكع، أكرمتك بها وزوجتك، فطلقتها، والله لا ترجع إليك أبدًا، آخر ما عليك. قال: فعلم الله حاجته إليها وحاجتها إلى بعلها، فأنزل الله: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾، فلما سمعها معقل قال: سمعًا لربي وطاعة، ثم دعاه، فقال: أزوجك وأكرمك»[3].

وفي رواية ابن مردويه زيادة «وكفرت عن يميني»[4].

قوله: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾.

عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: «قوله: ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ﴾، فهذا في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، فتنقضي عدتها، ثم يبدو له في تزويجها وأن يراجعها، وتريد المرأة فيمنعها أولياؤها من ذلك، فنهى الله – سبحانه - أن يمنعوها»[5].

قوله: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ الواو: عاطفة، و«إذا»: ظرفية شرطية، «طلقتم»: فعل الشرط، أي: وإذا طلقتم النساء طلاقًا رجعيًّا طلقة، أو طلقتين، والخطاب للأزواج.

﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ معطوف على ما قبله، أي: فانقضت عدتهن.

﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ جملة جواب الشرط، والعضل: المنع والتضييق، والخطاب للأولياء، أي: فلا تضيقوا عليهن وتمنعوهن أن ينكحن أزواجهن، ويرجعن إليهم بنكاح جديد، تشفيًا منهم وعقوبة لهم بسبب طلاقهم لهن.

و«أن» والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل نصب مفعول به ثانٍ، أي: فلا تمنعوهن نكاح أزواجهن.

ويحتمل كون الخطاب في قوله: ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ لأزواجهن الذين طلقوهن، ويكون المراد بـ«أزواجهن» الخاطبين لهن، وسموا أزواجًا لهن باعتبار ما يكون.

وكانوا في الجاهلية إذا طلق الرجل امرأته يمنعها من الزواج، ويستنكف أن تتزوج بعده بغيره.

والنكاح لغة: الضم والجمع، يقال: تناكحت الأشجار، إذا انضم بعضها إلى بعض.

وهو شرعًا: عقد الزوجية الصحيح.

ويطلق النكاح على الوطء والجماع، فإذا قالوا: نكح فلان زوجته، فالمعنى: وطئها وجامعها، وإذا قالوا: نكح فلان فلانة، أو بنت فلان، فالمعنى: عقد عليها وتزوجها، والمراد به في الآية: العقد؛ ولهذا أضيف إلى النساء.

والأزواج: جمع زوج، يقال للرجل: زوج فلانة، ويقال للمرأة زوج فلان، كما يقال في غير الفصحى: زوجة فلان، وهي لغة تميم، وأهل نجد.

والزوج: الشفع، ضد الوتر، وسمى الزوجان بهذا الاسم؛ لأنهما بالعقد انضم أحدهما إلى الآخر، فصارا شفعًا.

﴿ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ ﴾ التراضي: مفاعلة من الرضا، أي: إذا تراضى الأزواج وزوجاتهم بينهم، أي: حصل الرضا من كل منهم، فالرضا بين الزوجين شرط لصحة النكاح.

﴿ بِالْمَعْرُوفِ﴾ الباء للمصاحبة، أي: إذا تراضوا بينهم تراضيًا مصاحبًا للمعروف، أي: بما هو معروف شرعًا وعرفًا عند المسلمين، وما يحل ويجوز من المهور والتعامل وغير ذلك.

﴿ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ﴾ الإشارة إلى ما سبق من الأحكام في الآية، أو إلى ما سبق فيها وفيما قبلها.

﴿ يُوعَظُ بِهِ﴾ أي: يوعظ بما ذكر من الأحكام ويذكَّر، فيتذكر وينتفع.

﴿ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾، أي: الذي كان منكم أيها الناس يؤمن بالله واليوم الآخر؛ لأن إيمانه يمنعه من العضل.

والإيمان بالله: التصديق بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وشرعه والانقياد له. وضده الكفر بالله.

﴿ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ يوم القيامة.

وسمي باليوم الآخر؛ لأنه آخر مراحل الإنسان، ولا يوم بعده، فآخر ليلة من الدنيا صبيحتها يوم القيامة.

والإيمان باليوم الآخر: الإيمان بمجيئه والبعث فيه والحساب والجزاء على الأعمال.

وكثيرًا ما يقرن عز وجل بين الإيمان به واليوم الآخر؛ لأن الإيمان باليوم الآخر مما يحمل الناس على العمل؛ لأن فيه الحساب والجزاء على الأعمال.

وإنما خص الموعظة بمن يؤمن بالله واليوم الآخر؛ لأنهم هم الذين ينتفعون بالموعظة فيتذكرون ويتعظون، كما قال تعالى: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 120]، وقال تعالى: ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات: 55].

﴿ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ﴾ الإشارة ترجع إلى ما سبق من الأحكام، والاتعاظ والتذكر بها والانتفاع منها.

والخطاب لمن سبق خطابهم في قوله: ﴿ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ﴾ والميم للجماعة، ويدخل في ذلك الأزواج والزوجات والأولياء وغيرهم.

﴿ أَزْكَى لَكُمْ ﴾ «أزكى» مأخوذ من الزكاء وهو النمو والزيادة، وهو على وزن «أفعل» اسم تفضيل، أي: أعظم وأكثر نموًا وزيادة في إيمانكم وأعمالكم وثوابها.

﴿ وَأَطْهَرُ ﴾ اسم تفضيل، أي: وأشد طهرًا لقلوبكم ونفوسكم، من العضل وغيره من الذنوب والمعاصي، قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور: 30].

وفي قوله: ﴿ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ﴾ تأكيد على سمو مبادئ الإسلام وآدابه، وأنه جاء لتزكية النفوس وتطهيرها ظاهرًا وباطنًا، والسمو بها إلى قمة الأخلاق وأزكى الآداب.

﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ﴾ ما فيه زكاؤكم وطهركم ومصلحتكم، فيما شرَع لكم وأمرَكم به، وما نهاكم عنه من العضل، وغير ذلك.

﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، أي: لا تعلمون ذلك، ولا وجه الحكمة فيه، إلا ما علمكم الله إياه.

[1] أخرجه البخاري في النكاح- من قال: لا نكاح إلا بولي (5130)، والطبري في «جامع البيان» (4 /188)، والواحدي في «أسباب النزول» ص(50).

[2] أخرجه البخاري في «التفسير» (4529).

[3] أخرجها الترمذي في «التفسير» (2981)- وقال: «حديث حسن صحيح».

[4] انظر: «تفسير ابن كثير» (1 /416).

[5] أخرجه الطبري في «جامع البيان» (4 /191 - 192).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #296  
قديم 12-05-2023, 12:00 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,374
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



فوائــد وأحكــام من قوله تعالى:﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا... ﴾



قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا... بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.

1- إباحة الطلاق، ووجوب العدة على المطلقات؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾.

2- لا يجوز عقد النكاح على المطلقة ما دامت في العدة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ﴾ [البقرة: 235].

3- يحرم على أولياء النساء منعهن من نكاح أزواجهن بنكاح جديد بعد انتهاء عدتهن من طلاقهم الرجعي، إذا تراضوا بينهم بالمعروف، كما يحرم منعهن من نكاح غيرهم، كما يحرم على الأزواج منع مطلقاتهم من الزواج بعدهم بغيرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ﴾.

4- أن الأمور قد تتبدل والأحوال قد تتغير بأمر الله- عز وجل- فيحل الرضا مكان الغضب، وحسن العشرة مكان سوء العشرة، كما قال تعالى: ﴿ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق: 1].

فلا ينبغي أن تحمل الحمية أولياء المرأة على منعها من نكاح زوجها الأول لأمر حصل بينهما فيما سلف إذا تراضيَا على الرجوع وحسن العشرة؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾.

5- يجب أن يكون التراضي بين الزوجين بالمعروف شرعًا وعرفًا، لا بما ينكره الشرع والعرف؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾.

6- أن المرأة لا تزوج نفسها؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ ﴾ فلو كانت المرأة تزوج نفسها لما كان لنهي الأولياء عن عضل النساء فائدة.
وفي الحديث: «لا تزوج المرأةُ المرأةَ، ولا تزوِّج المرأة نفسَها، فإن الزانية هي التي تزوِّج نفسها»[1].

7- اشتراط الولي في النكاح؛ لقوله: ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾، فهذا يدل على أنهنَّ لا يزوِّجن أنفسهن، وفي الحديث: «لا نكاح إلا بولي»[2].

8- أن الرضا بين الزوجين شرط لصحة النكاح؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ ﴾.

وعن أبي هريرة - رضي ﷲ عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن» قالوا: كيف إذنها يا رسول ﷲ؟ قال: «أن تسكت»[3].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الثيِّب أحق بنفسها من وليها، والبكر تُستأمر، وإذنها سكوتها».

وفي رواية: «الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها في نفسها، وإذنها صماتها، وربما قال: وصمتها إقرارها»[4].

9- يجب أن يكون التراضي بين الأزواج بالمعروف شرعًا وعرفًا؛ لقوله تعالى: ﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾.

10- دفاع التشريع الإسلامي عن حقوق المرأة، وحمايته لها.

11- أن فيما شرَعه الله عز وجل من أحكام في هذه الآيات وغيرها - موعظة وتذكيرًا ينتفع به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾.

12- أنه لا ينتفع بمواعظ القرآن إلا من كان مؤمنًا بالله واليوم الآخر.

13- أن من شرط صحة الإيمان بالله واليوم الآخر الاتعاظ والتذكر والانتفاع بمواعظ القرآن.

14- أن الإيمان بالله - عز وجل - بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، هو أصل الإيمان وأعظم أركانه؛ لهذا يذكر دائمًا أول أركان الإيمان.

15- إثبات اليوم الآخر ووجوب الإيمان به، وعظم مكانة الإيمان به بين أركان الإيمان؛ لأن الله كثيرًا ما يقرن بين الإيمان به واليوم الآخر، وذلك أن الإيمان باليوم الآخر من أعظم الدوافع على العمل؛ لأن فيه الحساب والمجازاة على الأعمال.

16- الحث والترغيب في الاتعاظ والتذكر والانتفاع بما شرعه ﷲ - عز وجل - من أحكام، فهو أزكى للإيمان والأعمال وثوابها، وأطهر للقلوب والنفوس؛ لقوله تعالى: ﴿ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ﴾.

17- كمال علم الله - عز وجل - وإحاطته بكل شيء، مما يصلح العباد من أحكام في أمر دينهم ودنياهم، وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ﴾.

18- نقص علم الخلق، وعدم معرفتهم بما يصلحهم، وعدم معرفتهم وجه الحكمة فيما أُمِرُوا به، ونهوا عنه، إلا بتعليم الله- عز وجل- لهم ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ مما يوجب التسليم لأحكام الله - عز وجل - والامتثال لأمره ونهيه.

[1] أخرجه ابن ماجه في النكاح (1882)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] أخرجه أبوداود في النكاح- باب في الولي (2085)، والترمذي في النكاح- ما جاء لا نكاح إلا بولي (1101)، وابن ماجه في النكاح- لا نكاح إلا بولي (1881)، وأحمد (4/394)، من حديث أبي موسى رضي الله عنه.

[3] أخرجه البخاري في النكاح (5136)، وأبو داود في النكاح (2092)، والنسائي في النكاح (3265)، والترمذي في النكاح (1107)، وابن ماجه في النكاح (1871).

[4] أخرجه مسلم في النكاح (1421).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #297  
قديم 12-05-2023, 12:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,374
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله



«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم




تفسير قوله تعالى:﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ...



قال الله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 233].

قوله: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ ﴾ جمع والدة، أي: اللاتي ولدن، وهن الأمهات.

﴿ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ خبر بمعنى الأمر، أي: يجب عليهن أن يرضعن أولادهن، من بنين وبنات، فإرضاعهم عليهن واجب، وهن أولى بإرضاعهم من غيرهن.

﴿ حَوْلين ﴾ «الحول» بمعنى السنة والعام، اثنا عشر شهرًا.

﴿ كاملين ﴾ تأكيد للحولين، أي: حولين كاملين من غير نقصان، وأكدهما لئلا يفهم أن المراد حول ومعظم الحول، أو بعض الحول؛ لأنه كما يطلق الحول على العام كاملًا يطلق على معظمه أو بعضه، كما في قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ [البقرة: 203]؛ أي: في يوم وبعض يوم.

﴿ لِمَنْ أَرَادَ ﴾ أي: للذي أراد من الآباء والأمهات.

﴿ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾ «أن» والفعل بعدها في تأويل مصدر في محل نصب مفعول لـ«أراد» أي: لمن أراد من الآباء والأمهات إتمام رضاعة أولادهم، من غير نقص.

فتمام الرضاعة وكمالها حولان كاملان، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم- لما مات ابنه إبراهيم، وعمره سنة وعشرة أشهر: «إن له مرضعًا في الجنة»[1]؛ أي: تكمل رضاعه.

﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ﴾ الواو: عاطفة، «على المولود»: جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، ﴿ لَهُ﴾: متعلق بـ«المولود»، ﴿ رِزْقُهُنَّ ﴾ مبتدأ مؤخر.

والمعنى: وعلى أبي المولود، أي: والده ﴿ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ﴾.

وفي قوله: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ ﴾ دون أن يقول: وعلى الوالد، إشعار بأن الوالدات إنما ولدن لهم؛ لأن الأولاد للآباء، ولذلك يُنسبون إليهم، ويُعدون من كسبهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: «وإن أولادكم من كسبكم»[2].

قال الشاعر:
فإنما أمهات الناس أوعية
مستودعات وللآباء أبناء[3]




وقوله: ﴿ رِزْقُهُنَّ ﴾؛ أي: رزق الوالدات، أي: عطاؤهن ونفقتهن، ﴿ وَكِسْوَتُهُنَّ ﴾ الكسوة: ما يكسى ويستر به البدن من اللباس.

﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ أي: بما هو معروف بين الناس من نفقة وكسوة أمثالهن وطبقتهن، من حيث نوع الرزق والكسوة وكمية ذلك وكيفيته، مراعى في ذلك حال الزوج من حيث العسر واليسر؛ ولهذا قال: ﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾، وهاتان الجملتان معترضتان.

ومعنى ﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾؛ أي: لا تكلف نفس في الشرع، والتكليف: الإلزام بما فيه مشقة، من فعل أو قول أو بذل، أو ترك ونحو ذلك.

﴿ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾؛ أي: إلا طاقتها وقدرتها، أي: لا يكلف الله نفسًا إلا ما تقدر عليه، كما قال عز وجل: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286].

وعلى هذا فلا يكلف المولود له فوق طاقته وما يقدر عليه، وإنما عليه الإنفاق والكسوة حسب حاله، كما قال- عز وجل: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].

﴿ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: «لا تضارُّ» بضم الراء، على اعتبار «لا» نافية، فالجملة خبر بمعنى النهي. وقرأ الباقون بفتح الراء ﴿ لَا تُضَارَّ﴾ على اعتبار «لا» ناهية، والفعل مجزوم بها وحرك بالفتح لالتقاء الساكنين.

والفعل «تضارّ» أصله «تضارر».
ويحتمل على القراءتين أن يكون مبنيًا للفاعل، و«والدة» فاعل.

والباء في قوله: ﴿ بِوَلَدِهَا ﴾ للسببية، أي: لا تضارِرْ والدة بسبب ولدها؛ فتمتنع مثلًا من إرضاعه، أو تطلب زيادة على الواجب لها، ونحو ذلك مضارةً لوالده.

ويحتمل أن يكون الفعل «تضار» مبنيًا لما لم يسم فاعله، و«والدة» نائب فاعل، وفاعل المضارة هو المولود له أي: لا يضار المولود له أبًا كان أو غيره لوالدته بسبب ولدها كأن يمنعها من إرضاعه، أو لا تعطى ما يجب لها من النفقة والكسوة، ونحو ذلك.

﴿ وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾ الواو عاطفة، والجملة معطوفة على قوله: ﴿ لَا تُضَارَّ ﴾ على القراءتين فيها، فلا تجوز المضارة بين الوالدين بسبب الولد. كما لا تجوز المضارة بين المسلمين مطلقًا. قال تعالى: ﴿ غَيْرَ مُضَارٍّ ﴾ [النساء: 12].

وفي الحديث: «لا ضرر ولا ضرار»[4].

﴿ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ وما بينهما اعتراض.

فالواو في قوله: ﴿ عَلَى الوَارِثِ ﴾ عاطفة، و﴿ عَلَى الوَارِثِ ﴾ جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر مقدم، و﴿ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾ مبتدأ مؤخر، والإشارة ترجع إلى الرزق والكسوة.

أي: وعلى وارث المولود مثل ما على أبيه من النفقة والكسوة للمرضعة، إذا فقد الأب، وكان الطفل ليس له مال، وإذا وجب على الوارث الإنفاق والكسوة للمرضعة من أجل الرضيع، فالنفقة عليه وكسوته هو أوجب.

واستدل بهذه الآية على وجوب نفقة القريب المعسر على وارثه إذا كان موسرًا.
﴿ فَإِنْ أَرَادَا ﴾؛ أي: الوالدة والمولود له ﴿ فِصَالًا ﴾؛ أي: فطامًا للمولود قبل تمام الحولين.
﴿ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا ﴾؛ أي: عن رضى من الطرفين، الأب والأم على الفصال.

﴿ وَتَشَاوُرٍ ﴾؛ أي: وعن تشاور منهما، والتشاور: تبادل الرأي بين المتشاورين لاستخلاص الأصلح والأصوب، وهو مما أمر ﷲ - عز وجل - به، قال تعالى: ﴿ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [الطلاق: 6]، ومما امتدح ﷲ به المؤمنين، فقال عز وجل: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38].

والمعنى: وعن تشاور بين الأب والأم فيما فيه مصلحة الطفل، وهل من مصلحته أن يفطم قبل تمام الحولين، أو بعدهما.

﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾؛ أي: فلا حرج، ولا إثم عليهما في فصاله وفطامه قبل تمام الحولين، إذا تراضَيَا على ذلك، وتشاوَرَا، ورأَيَا أن المصلحة في ذلك، فإن رضي ذلك أحدهما، ورآه دون الآخر، لم يجز الفطام قبل الحولين.

﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ أخبر- عز وجل - أولًا أن الوالدات يرضعن أولادهن، وهو خبر بمعنى الأمر يفيد الوجوب، وذلك؛ لأن إرضاع الأم لا يعدله شيء؛ لحنوها وعطفها وشفقتها، فهي لا ترضع الطفل اللبن فقط، بل ترضعه مع ذلك الدفء والحنان والعطف والبر وحميد الخصال، وطيب الأخلاق، ثم أتبع ذلك بذكر جواز الاسترضاع للأولاد.

قوله: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ ﴾؛ أي: وإن أردتم أيها الآباء أن تطلبوا مرضعات لأولادكم غير أمهاتهم، ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾؛ أي: فلا حرج ولا إثم عليكم في ذلك، ما لم يكن ذلك على وجه المضارة، فإن طلبت أمه إرضاعه فهي أحق به؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾.

﴿ إِذَا سَلَّمْتُمْ ﴾؛ أي: إذا سلمتم للمرضعات وأعطيتموهنَّ.
﴿ مَا آتَيْتُمْ ﴾ قرأ ابن كثير بقصر الهمزة: «أتيتم»، وقرأ الباقون بمدها ﴿ آتَيْتُمْ ﴾؛
أي: إذا سلمتم ما جعلتموه لهن من أجر مقابل الإرضاع.

﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾؛ أي: بما هو معروف في الشرع، وعرف المسلمين من حسن القضاء من غير مماطلة ولا نقصان.

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ بفعل أوامره واجتناب نواهيه، في جميع أحوالكم وأعمالكم وأقوالكم.

﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ «ما» موصولة أو مصدرية، أي: واعلموا أن الله بالذي تعملون، أو بعملكم ﴿ بَصِيرٌ ﴾؛ أي: مطَّلع شاهد على أعمالكم لا تخفى عليه منها خافية، وسيحاسبكم ويجازيكم عليها.

وفي الأمر بالعلم بذلك تنبيه وترغيب بتقوى الله - عز وجل - ووعد لمن اتقاه، وتحذير ووعيد لمن خالف أمره وعصاه.

وبين الأمر بتقوى الله، والعلم بأنه بما يعملون بصير ما يشبه ربط السبب بالمسبب، فالعلم بأن الله بصير بما يعملون سبب لتقوى ﷲ - عز وجل - وهو من تقوى الله، كما أن تقوى الله من أسباب التوفيق للعلم بأنه بما يعملون بصير.

[1] أخرجه البخاري في الجنائز (1382)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

[2] أخرجه أبو داود في البيوع (3528)، والنسائي في البيوع (4449)، والترمذي في الأحكام (1358)، وابن ماجه في التجارات (2137)، من حديث عائشة- رضي الله عنها، وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».

[3] البيت للمأمون بن الرشيد؛ انظر: «الكشاف» (1 /141).

[4] أخرجه ابن ماجه في الأحكام (2340)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وأخرجه أيضًا (2341)، وأحمد (1 /313)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #298  
قديم 25-05-2023, 05:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,374
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


فوائــد وأحكــام من قوله تعالى:﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ... ﴾


قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 233].

1- وجوب إرضاع الوالدات لأولادهن؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾، وهذا خبر معناه الأمر، وليس لهن مطالبة آبائهم بالأجرة على ذلك ما دمن في عصمتهم، فإن كن بوائن منهم فلهن أجرةُ المثل.

2- أن الله - عز وجل - أرحم بالأولاد من والداتهم، فمع رحمة الوالدة التي جبلت عليها وشفقتها وحنوِّها على ولدها وحرصها – غالبًا - على إرضاعه وإيثارها له على نفسها - مع هذا كله وغيره لم يجعل ﷲ - عز وجل - لها الخيار في ذلك، فإن شاءت أرضعته وإن شاءت لم ترضعه، بل أوجب عليها إرضاعه.

3- أن كمال الرضاعة وتمامها حولان كاملان، من غير نقصان؛ لقوله تعالى: ﴿ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾، وقد أكد ذلك بقوله تعالى: ﴿ كَامِلَيْنِ﴾؛ لئلا يتوهم أن المراد حول وبعض الحول.

4- أخذ بعض أهل العلم من قوله تعالى: ﴿ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ أن الرضاع المحرِّم ما كان في الحولين، واستدلوا أيضًا بقوله تعالى: ﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14]، وقوله تعالى: ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15].

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام»[1].
ومعنى قوله: «في الثدي»؛ أي: في وقت الرضاع، وهو الحولان، وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن المحرم من الرضاع ما كان قبل الفطام، سواء كان في الحولين، أو بعدهما. وقيل غير ذلك[2].

5- أن الرضاع الطبيعي والصحي ما كان في الحولين؛ لقوله تعالى: ﴿ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾، وقد ذكر أن الرضاعة بعد الحولين ربما أضرت بالولد، إما في بدنه، وإما في عقله، ولو لم يكن من ذلك إلا أن الولد قد يعزف عن الطعام بسبب الرضاع لكان كافيًا.

6- دل قوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ﴾ مع قوله تعالى: ﴿ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر.

7- أن إتمام رضاعة الولد حولين كاملين ليس بواجب؛ لقوله تعالى: ﴿ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾، وقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا ﴾.

8- إثبات الإرادة للإنسان والاختيار؛ لقوله تعالى: ﴿ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ﴾، وقوله: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا ﴾.
وفي هذا رد على الجبرية الذين يزعمون أن لا خيار للإنسان، وأنه مجبر على جميع أعماله وأقواله وتصرفاته كالسعفة في الهواء.

9- أن على آباء المواليد الإنفاق على الوالدات وكسوتهن بالمعروف من نفقة وكسوة أمثالهن وطبقتهن، مقابل إرضاعهن أولادهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾، فإن كن في عصمتهم فذلك أوجب وآكد؛ لأنه يجب عليهم بسببين: الزوجية، والإرضاع لأولادهم.

10- إذا كانت المرضعات في عصمة آباء المواليد، فلا يجب لهن غير النفقة والكسوة، وقيل: تجب لهن أجرة المثل.

11- اعتبار العرف بين الناس، ما لم يخالف الشرع؛ لقوله تعالى: ﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾، وهذا من يُسر الشريعة وسماحتها ومُرونتها.

12- في إيجاب النفقة والكسوة للمرضع من أجل الرضيع دليل على وجوب النفقة والكسوة له من باب أولى.

13- لا يكلف الوالد من الإنفاق على والدة مولوده وكسوتها إلا وُسعه وطاقته، وهكذا كل نفس لا تكلَّف فوق طاقتها؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ﴾؛ كما قال تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]، وهذا من رحمة ﷲ - عز وجل - بعباده.

14- تحريم مضارة أحد الوالدين للآخر بولدهما؛ لقوله تعالى: ﴿ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ ﴾، وقال تعالى: ﴿ غَيْرَ مُضَارٍّ ﴾ [النساء: 12].

وقال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»[3]، وقال: «من ضار، ضارَّ ﷲ به»(1).

15- أن الأولاد لآبائهم، لقوله تعالى: ﴿ وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾، ولهذا ينسبون إليهم ويعدون من كسبهم، ولهم الأخذ من أموالهم بدون رضاهم، وليس هذا للأمهات.

16- أن على وارث المولود مثل ما على والده من الإنفاق على والدته، وكسوتها، بعد فقد والده، ومن باب أولى الإنفاق عليه هو وكسوته.

17- وجوب نفقة الأقارب بعضهم على بعض؛ لقوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ ﴾.

18- جواز فصال المولود وفطامه قبل بلوغ الحولين، بعد تراضي الوالدين وتشاورهما على ما فيه مصلحة الطفل، ولا حرج عليهما في ذلك ولا إثم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾.

19- إذا أراد أحد الوالدين فصال المولود وفطامه قبل الحولين دون رضى الآخر ومشورته، لم يجز ذلك، بل يكمل رضاعه حولين.

20- جواز الاجتهاد في أحكام الشريعة؛ لأن الله جعل للوالدين التشاور والتراضي في الفطام، فيعملان على موجب اجتهادهما، وتترتب الأحكام عليه.

21- جواز طلب الآباء المراضع لأولادهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾، ما لم يكن ذلك مضارة لأمه.

فإن طلبت أمه إرضاعه فهي أحق به؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾، فبدأ بهنَّ، بل وأوجب ذلك عليهن؛ لأن لبن والدته أطيب وأنفع لجسمه وعقله وخُلُقه، ترضعه مع اللبن البر والشفقة، والعطف والحنان.

22- وجوب تسليم المرضعات وإعطائهن أجرة الإرضاع حسب ما اتفق عليه بالمعروف من غير مماطلة ولا نقصان؛ لقوله تعالى: ﴿ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ ﴾.

وهكذا يجب على كل من استأجر أجيرًا إعطاء الأجير حقه بالمعروف.

كما قال صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه»[4].

وقال صلى الله عليه وسلم: «قال ﷲ عز وجل: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره»[5].

23- عناية الإسلام بالأسرة، ففي هذه الآية أمر الله - عز وجل - الوالدات بإرضاع أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة عناية بالرضيع، وأوجب على والد المولود رزقهنَّ وكسوتهنَّ بالمعروف عناية بالمرضعات، ونهى عن المضارة بين الأب والأم بالولد عناية به وبهما، وأوجب على وارث المولود من النفقة والكسوة مثل ما على والده عناية بالمولود وبأمه، وأجاز للآباء الاسترضاع لأولادهم عناية بهم، وأوجب عليهم تسليم المرضعات أجورهنَّ بالمعروف عناية بهنَّ وبالمولود.

24- وجوب تقوى ﷲ عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾.

25- إثبات اطلاع ﷲ- عز وجل- وشهادته وعلمه بكل ما يعمل العباد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
ومقتضى هذا أنه سيُحصي على العباد أعمالهم ويجازيهم عليها، وفي هذا وعد لمن اتقى الله، ووعيد لمن خالف أمره وعصاه.

26- وجوب العلم بأن ﷲ بصير بجميع أعمال العباد؛ لأن ﷲ - عز وجل - أمر بذلك، وهو سببٌ لتقوى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾.

[1] أخرجه الترمذي في الرضاع (1152)- وقال: «حديث حسن صحيح»، وقال ابن كثير في «تفسيره» (1/ 417): «تفرد الترمذي برواية هذا الحديث، ورجاله على شرط الصحيحين»، وأخرجه ابن ماجه في النكاح (1946) عن عبدالله بن الزبير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء».

[2] انظر تفصيل هذا في تفسير سورة النساء في الكلام على قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 23].

[3] سبق تخريجه.

[4] أخرجه ابن ماجه في الأحكام (2443)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.

[5] أخرجه البخاري في البيوع (2227)، وابن ماجه في الأحكام (2442)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #299  
قديم 25-05-2023, 05:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,374
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم





تفسير قوله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا... ﴾



قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 234].


قوله: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ ﴾؛ أي: والذين يتوفاهم الله منكم أيها المؤمنون، أي: يموتون، وسُمي الميت متوفًّى؛ لأنه قد استوفى رزقه وأجله وعملَه.

وقد أسند عز وجل «التوفي» في القرآن الكريم تارة إلى نفسه؛ لأنه عز وجل هو الذي كتب الموت وأمر به؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الزمر: 42]، كما أسنده إلى ملك الموت؛ لأنه هو الذي يقبض الأرواح بأمر الله عز وجل؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [السجدة: 11].

كما أسنده عز وجل إلى ملائكته؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴾ [النساء: 97]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 28]، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام: 61]، وذلك لأن ملك الموت من بين الملائكة، وإذا قبض ملك الموت الروح لم يدعوها في يده طرفة عين، إما ملائكة الرحمة، وإما ملائكة العذاب، كما جاء في حديث البراء بن عازب رضي ﷲ عنه[1].

﴿ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ﴾؛ أي: ويتركون أزواجًا بعدهم، أي: زوجات، والزوجة كل من عقد عليها بنكاح صحيح، صغيرة كانت أو كبيرة، دخل بها أو لم يدخل بها.

﴿ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ﴾ «يتربصن» خبر المبتدأ «الذين»، والتقدير: يتربَّصن بعدهم؛ أي: ينتظرن ويحبسن أنفسهنَّ عن الزواج بعدهم.

﴿ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ﴾؛ أي: أربعة أشهر هلالية، ﴿ وعشرًا ﴾؛ أي: وعشر ليال، والمراد: عشر ليال بأيامها؛ لكن يعبر بالليالي عن الأيام؛ لأنها قبلها؛ قال تعالى: ﴿ يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴾ [طه: 103، 104].

والحكمة في ذلك التأكد من براءة الرحم؛ لئلا تختلط المياه والأنساب، وحرمة للزوج الأول؛ عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أحدكم يُجمع خلقُه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك، فينفخ فيه الروح»[2].

فما بين استقرار النطفة في الرحم إلى نفخ الروح في الجنين أربعة أشهر، وعشرة أيام بعدها احتياطًا؛ لما قد ينقص بعض الشهور، ولظهور الحركة بعد نفخ الروح في الجنين، وتحركه تحركًا بينًا.

قوله: ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أي: فإذا انقضت عدتهن، وهي أربعة أشهر وعشر.


﴿ فَلَا جُنَاحَ عليكم ؛ أي: فلا حرج، ولا إثم عليكم، والخطاب للأولياء، وفي هذا إثبات الولاية للرجال على النساء، وأنه يجب عليهم منعهنَّ إذا خالفنَ أمر ﷲ، ولهذا لم يقل: (فلا جناح عليهن).

﴿ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ﴾ «ما» مصدرية، أو موصولة، أي: في فعلهن، أو في الذي فعلن في أنفسهم من التزين والتحلي والتعرض للخطاب والتزوج، ونحو ذلك.

﴿ بالمعروف؛ أي: بما هو معروف في الشرع وبين الناس، مما لا يخالف الشرع.

فلو فعلن ما يخالف الشرع، كالتبرج والإكثار من الخروج لغير حاجة ونحو ذلك وجب عليهم منعهن.

وهن في الحالين كذلك، فإن لم يخرجن عن المعروف فلا جناح عليهن، وإن خرجن عنه فعليهن جناح، وهن آثمات.

﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ «ما» موصولة، أو مصدرية، أي: والله بالذي تعملون، أو بعملكم ﴿ خبير ﴾ أي: مطلع عليه، ولا تخفى عليه منه خافية.

والخبير: المطلع على بواطن الأمور ودقائقها وخفياتها، فاطلاعه على ظواهر الأمور وجلائلها وجلياتها من باب أولى.

وفي الآية وعد لمن امتثل أمر ﷲ، ووعيد لمن خالفه؛ لأن مقتضى خبرته عز وجل محاسبة العباد ومجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.

[1] أخرجه أحمد (4 /287- 288، 296).

[2] أخرجه البخاري في بدء الخلق (3208)، ومسلم في القدر (2643)، وأبو داود في السنة (4708)، والترمذي في القدر (2137)، وابن ماجه في المقدمة (76).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #300  
قديم 25-05-2023, 06:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,374
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»





الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


فوائد وأحكام من قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا... ﴾


قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [البقرة: 234].


1- وجوب تربُّص المتوفى عنهن أزواجهن بترك الزواج، والاعتداد أربعة أشهر وعشرًا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 234]؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 235].

وعن أم حبيبة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا»[1].

ويجب عليهنَّ في هذه العدة اجتناب الطيب والزينة بالثياب بأنواعها، والتجمل بالحناء ونحوه، والحلي، والمبيت في غير منازلهنًّ، وكل ما يدعو إلى نكاحهن، امتثالًا لأمر الله عز وجل، ووفاءً بحق الزوج، وتعظيمًا لخطر عقد النكاح، وللتأكد من براءة الرحم؛ لئلا تجتمع المياه، فتختلط الأنساب[2].

عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها، أفنكحلها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا» مرتين أو ثلاثًا، كل ذلك يقول: «لا»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول».

قالت زينب بنت أم سلمة: «كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حِفْشًا[3]، ولبست شرَّ ثيابها، ولم تمس طيبًا، حتى تمر بها سنة، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طائر، فتفتض به، فقلما تفتض بشيء إلا مات، ثم تخرج فتُعطى بعرة، فترمي بها، ثم تراجع ما شاءت من طيب أو غيره»[4].

وعن أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا، إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيبًا»[5].

2- أن الاعتداد والحداد أربعة أشهر وعشرًا عام لكل متوفى عنها زوجُها بعقد صحيح، صغيرة أو كبيرة، مؤمنة أو كتابية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ﴾، وهذا عام لكل زوجة.

ويستثنى من هذا إذا كانت المتوفى عنها حاملًا، فعدتها تنتهي بوضع الحمل، سواء زادت عن أربعة أشهر وعشر، أو نقصت، حتى لو وضعت حملها بعد وفاة زوجها بلحظة خرجت من العدة؛ لقوله عز وجل: ﴿ وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 4].

وعن سبيعة الأسلمية رضي الله عنها: «أنه توفي عنها زوجها سعد بن خولة، وهي حامل، فلم تنشب [6] أن وضعت حملها بعد وفاته».

وفي رواية: «فوضعت حملها بعده بليال، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك، فقال لها: ما لي أراك متجملة؟ لعلك ترجين النكاح، والله ما أنت بناكحٍ حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر، قالت سبيعة: فلما قال لي ذلك، جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت، وأمرني بالتزوج إن بدا لي»[7].

وهكذا عدة المطلقة إذا كانت حاملًا تنتهي بوضع الحمل.

كما يستثنى من هذا الأمة المزوجة، فعدتها إذا مات زوجها عند جمهور أهل العلم على النصف من عدة الحرة، شهران وخمسة أيام، قياسًا على تنصيف الحد.

وقال بعضهم: عدتها عدة الحرة لعموم الآية، ولأن المقصود من العدة التثبت من براءة الرحم، وذلك لا يتم إلا بأربعة أشهر وعشر عند جميع النساء؛ لأنه من الجِبِّلَّة.

فإن كان النكاح باطلًا فلا عدة عليها أيًّا كانت؛ لأنها لا تسمى زوجة، لكن لابد من استبرائها.

3- أن عدة الوفاة واجبة على الزوجة، وإن كانت غير مدخول بها، لعموم قوله تعالى: ﴿ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا، والزوجة كل من عقد عليها بنكاح صحيح، دخل بها، أو لم يدخل بها.

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه سئل عن رجل تزوج امرأة، فمات عنها، ولم يدخل بها، ولم يفرض لها، فتردد إليه مرارًا في ذلك، فقال: «أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه: لها الصداق كاملًا، وفي لفظ: لها صداق مثلها، لا وكس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث»، فقام معقل بن يسار الأشجعي، فقال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بِرْوَع بنت واشق»، ففرح عبدالله بذلك فرحًا شديدًا، وفي رواية: «فقام رجال من أشجع، فقالوا: نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في بروع بنت واشق»[8].

وهذا مما تخالف فيه المتوفى عنها زوجها المطلقة، فإن المطلقة قبل الدخول لا عدة عليها بصريح قول الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 49].

4- أن الأمة التي توطأ بملك اليمين ليس عليها عدة الوفاة إذا مات مالكها؛ لأنها ليست زوجة، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا ، لكن يجب استبراؤها بعد وفاة مالكها.

5- حكمة الله عز وجل بتقدير عدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر، دون الأقراء؛ لأن في هذه المدة يتبين تمامًا ما إذا كانت المعتدة حاملًا أو غير حامل، ففي بلوغ الجنين أربعة أشهر تنفخ فيه الروح، وفي خلال عشرة أيام تظهر حركته وتتبين.

6- إذا انتهت عدة المتوفى عنهن فلا حرج على أوليائهنَّ، ولا عليهن في فعلهنَّ ما يفعله النساء من الزينة والتحلي، والتصنع للخُطَّاب، والزواج؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾.

7- إثبات ولاية الرجال على النساء؛ أزواجًا كانوا أو آباءً، أو غيرهم، ممن لهم حق الولاية؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾.

8- اعتبار العرف في التشريع؛ لقوله تعالى: ﴿ بِالْمَعْرُوفِ ﴾.

9- تأثم الأولياء إذا خالفت المعتدات من الوفاة ما أمر الله به من التربص؛ لمفهوم قوله تعالى: ﴿ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ ﴾، فيجب عليهم إلزامهنَّ امتثالَ أمر الله تعالى، ومنعهنَّ من المخالفة، وهنَّ يتأثمنَ إذا خالفنَ من باب أَولى.

10- إثبات - خبرة الله عز وجل الواسعة، واطلاعه التام على جميع أعمال العباد، وأنه سيحاسبهم ويجازيهم عليها، وفي هذا وعدٌ لمن أحسن، وترغيبٌ بالإحسان، ووعيدٌ لمن أساء، وتحذيرٌ من الإساءة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.


[1] أخرجه البخاري في الجنائز (1280)، ومسلم في الطلاق (1486)، والنسائي في الطلاق (3500)، والترمذي في الطلاق (1195).

[2] انظر: «المغني» (11/ 284 – 292)، «إعلام الموقعين» (2/ 85).

[3] الحفش: بيت صغير حقير.

[4] أخرجه البخاري في الطلاق (5337)، ومسلم في الطلاق (1488، 1489)، وأبو داود في الطلاق (2299)، والنسائي في الطلاق (3533)، والترمذي في الطلاق (1197)، وابن ماجه في الطلاق (2084).

[5] أخرجه البخاري في الحيض (313)، ومسلم في الطلاق (938)، وأبو داود في الطلاق (2302)، والنسائي في الطلاق (3534)، وابن ماجه في الطلاق (2087).

[6] أي: فلم تلبث.

[7] أخرجه البخاري في المغازي (3991)، ومسلم في الطلاق (1484)، وأبو داود في الطلاق (2306)، والنسائي في الطلاق (3518)، وابن ماجه في الطلاق (2028).

[8] أخرجه أحمد (1/ 447)، والترمذي في النكاح (1145)، وأخرجه مختصرًا أبو داود في النكاح (2114)، والنسائي في النكاح (3355)، وابن ماجه في النكاح (1891).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 268.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 261.97 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.26%)]