موازنة بين النصيحة والنقد في اللغة - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 777 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 129 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 16 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 27 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 90 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-08-2022, 05:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي موازنة بين النصيحة والنقد في اللغة

موازنة بين النصيحة والنقد في اللغة


د. محمود عبدالجليل روزن








في ضوء المقالة السابقة؛ لو وازَّنا بين المادة اللغوية لـ(نصح) و(نقد) بتجرُّد الباحث الذي لابد منه في هذا الموطن؛ فلا يسعُنا إلا الاعترافُ بأنَّ ما تضمَّنَ الصدقَ والإخلاصَ وإرادةَ الخير، أَثْرَى وأدلُّ ممّا غلب عليه معنى العيب واللدغ والتآكل والتكسُّر والتقشُّر... ونحو ذلك.

وتأمَّلْ؛ فإنه لا مَعرَّةَ مُطلقًا في أن يكون المرء ناصحًا أو منصوحًا، والمقامان كلاهما شريفٌ، أمَّا الناقدُ والمنقود لا يستويان بحالٍ، ويكفى حاجة الأوَّلين إلى أن يميِّزوا في النَّقد بين الجيِّد بكلمة، وهي النَّقادة، وبين الرديء بكلمة أخرى، وهي النَّقَدة، وهي كلمة حملتْ من معاني الذَّم ما تنوءُ به النفوس الأبيَّة.

قال الأولون: انتقد الشعرَ على قائله أي أظهر عيبه، ولا يقال انتصح ظهر عيبه. ولمزيد من الدلالة: قول أبي الدرداء: "إن نقدتَ الناس نقدوكَ"؛ على التحذير، ولو حاولنا المجيء بها في مقام النصيحة فستنقلبُ بعد الذَّم مدحًا وبعد التحذير ترغيبًا وإغراء: "إن نصحت الناس نصحوك". فأيُّ دلالة بعد هذي؟!

وقد اعتدنا أن نسمع مصطلح "النقد البنَّاء" و"النقد الهدَّام" ولم نعتدْ سماع لفظ النصيحة البنَّاءة، والنصيحة الهدَّامة. يقولون كذلك: النقد لمجرَّد النقد، ولا يقولون: النصيحة لمجرَّد النصيحة. وإن قالوا: "النصيحة لمجرَّد النصيحة" فربَّما نفهم منها معنى الإخلاص في النصيحة التي لا يُراد منها أغراضٌ كالشكر أو المال، فهي إذًا توكيد للإخلاص، وتقويةٌ لجمال المعنى، لا خَصمٌ من المعنى كما في قول: النقد من أجل النقد؛ إذ إنَّ النقد لمجرَّد النقد نوعٌ من المعارضة لأجل المعارضة المعروف بقولهم: "خَالِفْ تُعْرَفْ"! فأين هذا المعنى من ذاك؟!

والقائل: النصيحة لله ولكتابه ولرسوله.. إلخ؛ يعيش حالة طمأنينةٍ نفسية لا يمكن بحال أن تكون هي نفس الحالة التي يعيشها مَن يسمع: النقد لله ولكتابه ولرسوله.. إلخ. فالثانية يقشعرُّ لها البدن، وتنفر منها الفطرة السليمة، وإنما ذلك لِما استقرَّ في النفوس من إيحاءات كلمة النقد في مقابلة كلمة النصيحة.

ولا نعني مما سبق نقد النقد أو التنفير منه؛ وإنَّما نعني عدَّة أمور:
أوَّلًا: تجديد فهم المصطلحات، "وما لم يتجدَّد فهم الأمة للقرآن فلن تتجدَّد الأمة، ولن يتجدَّد فهم القرآن حتى يتجدد فهم مصطلحات القرآن مفاهيم ونسقًا...وما الجهود التي بذلها المستكبرون في الأرض الـمُعبِّدون الناس للطاغوت قديمًا وحديثًا إلا صورٌ من تلك المحاولات لتغيير المفهوم وتبديل المصطلح، وهذا فرعون ومؤمن آل فرعون في القديم يتنازعان مفهوم مصطلح ((سبيل الرشاد)): ﴿ يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29]، ﴿ وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 38]. وها هو اليوم مصطلحٌ شريفٌ كالجهاد يغير مفهومه الـمتكبرون في الأرض...وكذلك الأمر في أغلب المصطلحات التي تقوم عليها الحياة كالخير والشرِّ والعدل والظلم والحق والباطل والسلام والإجرام غيَّر مفاهيمها العالون في الأرض أصحاب الأهواء ولووا أعناقها كما لوى فرعون عنق مفهوم الفساد، وهو يقول عن موسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26][1].

والآن تعرف لِمَ يتجاهل البعض عن عمدٍ مصطلح النصيحة، ويستبدل به مصطلح النقد، ليُجرِّد نفسه عن معنًى يمتُّ للدين ويُعريَّها من كلِّ معاني الباطن كالصدق والإخلاص والتقرُّب لربِّ العالمين ونحوها من مفردات عبودية القلب. وهو يتعمَّد ذلك ليُضفي على نفسه- بزعمه - نوعًا من العقلانية، أمَّا مصطلح النصيحة عند طائفة ممَّن يُسمُّون أنفسهم بالعقلانيين، فهو نوعٌ من الوصاية التي تتنافى مع الحريّة الشخصية!

ثانيًا: إثبات السبق القرآني لتأسيس ما يُسمِّيه بعض الباحثين بالضمير النقدي، ومن ثَمَّ نفي الادِّعاء بأنَّ تراثنا العلميّ لم يعرف هذا الضمير النقدي، يقول الدكتور فؤاد زكريَّا: "وهكذا أصبح النقد جزءًا لا يتجزأ من الممارسة العلمية في جميع البلاد المتقدمة وأصبحت الدوريات والمجلات العلمية بل والصحف اليومية في أحيانٍ غيرِ قليلةٍ تُخصِّص أبوابًا ثابتةً لنقد الأعمال المنشورة، وأصبح العلماء أنفسهم يتلهفون على قراءة ما يُكتبُ عن أعمالهم لكي يعرفوا أين يقفون في الوسط العلمي الذي ينتمون إليه ولكي يطَّلعوا على آراء العقول الأخرى فيما أنتجه عقلهم. وبفضل هذا التراث النقدي الذي استمرّ أجيالًا كثيرةً اكتسب النقد في هذه البلاد المتقدمة نوعًا من القداسة وازداد طابعه موضوعية، وأصبح الناقد يشعر وهو يُمسك قلمه بمسئولية لا تقل عن مسئولية القاضي وهو يُصدر أحكامه. ولا شكَّ أن المقارنة هنا ليست على سبيل التشبيه؛ إذ إنَّ الناقد هو بالفعل قاضٍ في الميدان العلمي، والفارق الوحيد بين الاثنين هو أن القاضي لا يتناول إلا حالات الخروج على القانون، أي الحالات السلبية وحدها، على حين أنَّ الناقد يعالج الحالات الإيجابية والسلبية معًا: إذ إنَّ مهمته ليست إبراز العيوب فحسب، بل وامتداح المزايا أيضًا. وفيما عدا ذلك؛ فإن الضمير النقديَّ في البلاد المتقدمة قد اكتسب حساسية ورهافة لا تقل عن الضمير القضائي، وكلاهما يصدر في أحكامه عن دستور أو تشريعٍ موضوعيّ: القاضي عن بنود القانون والناقد عن المنطق السليم والمعارف العلمية المستقرة. وفي اعتقادي أنَّ هذه الإشارة إلى ما أسميه (بالضمير النقدي) في ميدان العلم ضرورية في عالمنا العربي على وجه التحديد لأن هذا الضمير لم يتبلور بعدُ بالقدر الكافي في أوساطنا العلمية. ومن الممكن التفكير في أسباب متعددة لهذه الظاهرة ولكن أهمها في رأيي سببان: الأول أنَّ نهضتنا العلمية الحديثة قريبة العهد بحيث لم يصبح لدينا بعد (تراث) يجعل النقد جزءًا أساسيًّا من حياتنا العلمية، كما هي الحال في البلاد الـمُتقدمة"[2].

وكلام الدكتور فؤاد زكريا - على ما فيه من حقٍّ - يُوحي بأنَّه يتكلَّم عن معنًى لم يعرفه عالـمُنا العربيُّ - الذي يُعدُّ التراثُ الإسلاميُّ أهم روافد ثقافته - وهذا مُجافٍ للحقيقة والإنصافِ من كلِّ الجوانبِ، فالتراث الإسلاميُّ قد قَتَلَ موضوع النقد وأهميته بحثًا وتطبيقًا، ولا يكفينا لنُدلِّلَ على ذلك مُجلَّدٌ ولا مُجلَّدان، ولو نظرنا في مصنَّفات علمائنا لرأينا آلاف الردود والاستدراكات والتنقيحات ولتوقفنا على مئات الآلاف من المناظرات في علوم القرآن والحديث والعقيدة والفقه واللغة والأدب والعلوم الطبيعيَّةِ وغيرها، وهناك علمٌ كامل مخصَّص لنقد الأخبار يُسمَّى علم الحديث بما يحويه من دراسة للأسانيد والرواة ودراسة للآثار والمتون، وأما النقد الأدبي فيكفيك أن تقف على تراث التخطئة الشعرية وما أوسعه[3]!

ولو تتبعتَ عناوين الـمُصنَّفات التي حملت كلمة (الرَّدّ) و(النقد) و(الإبطال) و(المناظرة)، و(الاستدراك) ونحو ذلك في التراث العلميّ الإسلامي العربي فربَّما حصرتَ منها عشرات الآلاف.

وأما النقد في مجال العلوم التجريبية؛ فما عرفه الغربُ إلا عن العرب المسلمين، كما لم يعرفوا المنهج العلمي التجريبي إلا من العرب المسلمين، وفي هذا يقول الدكتور صبري الدمرداش في موسوعته القيمة "قطوف من سير العلماء": "لم يَحْذُ علماءُ العرب حذو الإغريق في منهجهم الاستنباطي؛ وإنَّما أخذوا بما نسميه اليوم المنهج التجريبي ولنضرب لذلك الأمثال الموضحة من منهج ابن حيان وابن الهيثم والبيروني وابن البيطار والشيرازي على وجه الخصوص.

فكان ابن حيان يرى أنَّ المعرفة الحقة لا تتأتى إلا بالتجريب. انظر إلى قوله: وأول واجبٍ أن تعمل وتجري التجارب؛ لأنَّ مَن لا يعمل ويجري التجارب لا يصل إلى أدنى مراتب الإتقان، فعليك يا بني بالتجربة لتحصل على المعرفة الواثقة....كما كان ينشد الدليل المقنع القائم على المشاهدة والمعاينة وليس عن مجرد النقل المتواتر، تأمل قوله في كتابه "الموازين": إنَّ كل نظرية تحتمل التصديق والتكذيب فلا يصح الأخذ بها إلا مع الدليل القاطع على صدقها...

وكان للبيرونيّ منهجٌ علميٌّ انتهجه في التوصل إلى إنتاجه الفائض الغزير في شتى المعارف الإنسانية، ومن سمات هذا المنهج عدم التسليم بما انتهى إليه الآخرون من نتائج وإنما لابد من إخضاعها مرة أخرى للبحث والتدقيق والمراجعة والتمحيص والالتزام بالحيدة العلمية والتنزُّه عن الميل والتجرد عن الهوى والتحرر من الخرافات والخزعبلات والاحتكام إلى التجريب العلمي بمعناه الدقيق...

وكان ابن البيطار يمتاز بعقليته العلمية الأصيلة التي تميل إلى التجريب وتؤمن بضرورة المشاهدة والملاحظة والاستنباط والأمانة في النقل وتحرِّي الدقة والتثبت من صحة ما يقول أو يقرأ أو يسمع والالتزام بالموضوعية والبعد عن التحيز فضلًا عن رؤيته الخاصة التي كان يقف فيها موقف الناقد والمصحح لمن سبقوه مجاوزًا لهم بخبراته الذاتية وتجاربه الميدانية.."[4]

ويقول عن جابر بن حيان: "...واختطَّ لنفسه من البداية خطًّا: التثبُّت من صدق ما قال الأولون، وكثيرًا ما كذبت تجاربه أوهامهم ودعاواهم التجارب التي كان يؤمن بها إيمانًا قاطعًا"[5]، وقد نقد ابن حيان نظرية أرسطو في تكوين المعادن التي ظلَّت سائدة حتَّى عصر ابن حيَّان ووضع نظريته التي كانت نواة لنظرية الفلوجستون[6]، وفي كتابه "المعرفة بالصنعة الإلهية والحكمة الفلسفية" فنَّد بعض الآراء في الاتِّحاد الكيميائي بين العناصر، وقال بنظرية جديدة لا تخرج عن النظرية المعروفة الآن والتي وصفها (دالتون) بعد (جابر ابن حيَّان) بألف سنة[7].

وهذا عالمٌ كيميائي آخر هو الحسن الهمداني (280هـ - 352هـ) (893-963م) في الجزء الثامن من كتابه الأشهر "الإكليل" ينقد خبرًا مفاده أنَّ رجلين دخلا مغارة وأمضيا فيها وقتًا طويلًا وهما يحملان شمعةً يستدلان بها على رؤية الطريق المتعرجة والعميقة قال: "هذا الحديث فيه زيادة؛ لأنهما ذكرا المسالك في المغارة ثم دخولهما منها إلى هوة وأبيات فقلَّ بهما النسيم فيعجز فيها التنفس ويموت فيها السراج. ومن طباع النفس وطباع السراج أن يحييا ما اتصل بهما النسيم فإذا انقطع في مثل تلك المغارات العميقة والخروق المستطيلة لا يثبت فيها روح ولا سراج"[8]. ومَن غير العرب المسلمين حرَّر العقل العلميَّ من الخرافات والسحر والطلاسم التي كانت مسيطرة عليه؟

وما ذُكر ليست حالاتٍ فردية لا ترقى إلى تكوين الضمير النقدي، وإنَّما يتجلَّى إدراك المتقدمين لذلك وممارسته في قول ابن خلدون -: "...ثم إن الناس حصروا مقاصد التأليف التي ينبغي اعتمادها وإلغاء ما سواها فعدُّها سبعة: ... وثالثها: أن يعثر المتأخر على غلطٍ أو خطأ في كلامِ المتقدمين ممن اشتهر فضله وبعُد في الإفادة صيته ويستوثق في ذلك البرهان الواضح الذي لا مدخل للشكِّ فيه فيحرص على إيصال ذلك لمن بعده"[9].

فمن الإنصاف أن نقول إن تراثنا العلميَّ شاهدٌ - وبوضوحٍ لا غموض فيه - على أنَّ الضمير النقديّ الذي يتحدث عنه الدكتور فؤاد زكريا حاضرٌ كلَّ الحضور، ولو رام باحثٌ أن يؤلف مصنَّفًا بعنوان: (الضمير النقديّ في التراث الإسلاميّ) أو نحوه؛ لجاء في مجلدات.

وربَّما يُساعد في الإنصاف أن نردَّ الفروع إلى أصلها، فالنقد والمناظرة والجدل الحسن والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح...كلُّها فروعٌ عن النصيحةِ، وما كان منها من خيرٍ فهو داخل في معناها، وما كان من شرٍّ فنحن مأمورون شرعًا بتجنُّبه. وحين يقول الدكتور فؤاد زكريا: "... اكتسب النقد في هذه البلاد المتقدمة نوعًا من القداسة وازداد طابعه موضوعية، وأصبح الناقد يشعر وهو يمسك قلمه بمسئولية لا تقل عن مسئولية القاضي وهو يُصدر أحكامه"؛ فلنا أن ندَّعي أنَّ الإسلام له فضل السبق في ذلك يوم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الدين النصيحة"، ونحوها من الأحاديث التي لا تُكسب النقد نوعًا من القداسة فحسب؛ بل تجعله أحد الـمُفردات الحاضرة في ذهن كلِّ مسلمٍ وهو يُفكِّر في أوجب الواجبات عليه في الإسلام.

ثالثًا: حين نجتهدُ في ردِّ النقد إلى النصيحة، ووضعه موضعه الطبيعيّ كفرعٍ عنها؛ فإنِّ ذلك مقصود؛ ليعلم الناقدُ أنَّه ناصحٌ فيتحلَّى بما يتحلَّى به الناصحُ من حُسن القصد والوسيلة.

ولمَّا انفصل النقدُ عن النصيحة في مُخيِّلة الكثيرين؛ صار لكلمة النقد ذلك التأثيرُ النفسيُّ السيءُ الذي يُحسُّه كثيرٌ منَّا ممن لا يفرِّقون كثيرًا بين النقد والنقض، ولا يفرقون - كذلك - بين صوت الناقد وسوط الجلَّاد. أما النصيحةُ؛ فغالبًا ما تتركُ في النفس شعورًا مغايرًا تمامًا، يوحي للسواد الأعظم من الناس بالحرص والصدق والإخلاص ونحو ذلك من المعاني. فإن اجتهد الباحثُ في إثبات نسبة الفرع، وهو النقد؛ إلى الأصل، وهو النصيحة؛ انصرفَ النَّقد تلقائيًّا إلى أحسنِ معانيه؛ مُتجاوزًا لدغ الأفعى وتكسير العظام وتقشير الجلود وسلخها وعيب الناس وذمِّهم.


[1] دراسات مصطلحية للشاهد البوشيخي (ص 108، 110).

[2] التفكير العلمي (ص 169،170).

[3] انظر في هذا التراث الباهر: مصطلحات التخطئة الشعرية في التراث النقدي، للأستاذ الدكتور صالح آزوكاي. وهو بحث قيم فريد في بابه جدير بالقراءة، يوقفك على ثروة هائلة وصفحة مشرقة من تراثنا النقدي.

[4] انظر: قطوف من سير العلماء (3/283-285).

[5] قطوف من سير العلماء (3/50).

[6] انظر: السابق (3/64-65).

[7] انظر السابق (3/65-66).

[8] السابق (3/77).

[9] المقدمة (ص456)

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 63.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 62.06 كيلو بايت... تم توفير 1.92 كيلو بايت...بمعدل (3.01%)]