التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         التوبة في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          فضل صلاة التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          خطر الشذوذ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          مجازر الطحين.. إرهاصات نصر وعز وتمكين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          ليكن زماننا كله كرمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          حديث:ويَقْرَأُ فيها ما بيْنَ السِّتِّينَ إلى المِائَةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          وصايا نبوية مهمة للأولاد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          حديث:من رَكعَ أربعَ رَكعاتٍ قبلَ الظُّهرِ وأربعًا بعدَها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أنوية العلمانيين، وهم يواجهون أعداءهم من أهل القبلة، وحراس العقيدة... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          لفظ (الناس) في القرآن الكريم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النحو وأصوله

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-08-2022, 10:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع

التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (1)
أ. د. أحمد كشك



تقديم




ليس مِن الغريب أن تلتحمَ هذه المستويات في حسابِ ظاهرة إبداعية واحِدة، فالغريب أن يُنظَر إلى الظاهرة الإبداعية نظرة جزئيَّة، فالعمل الشِّعري وإن ورَد شيئًا واحدًا في النهاية فهو نِتاج انساحتْ بداخله جملةُ مكوِّنات منذ البداية يدور هذا المبحَث حول موضوع يُثبِت أن الإيقاع لدَى الشَّاعِر العربي جزءٌ من عملية الإبداع لدَيه، وليس واجهةً شكليَّة خارجيَّة، ويثبت أنَّ النحو؛ أي: التركيب، طريقٌ إبداعي آخَر موصولٌ بحبل الدَّلالة التي تمثِّل المطلب الأخير البادِي في ثوب فنِّي يحقِّق الجمال والمتعة والإثارة، والموضوع الذي يحقِّق هذه الرؤيةَ هو التَّدْوير باعتباره ظاهرةً إيقاعيَّة إنشاديَّة تشكَّلتْ داخل البِناء الشِّعري.








وقد بدا في خُطوته الأولى تصورًا افتراضيًّا حول تلك المناصفة الموسومة غالبًا بالعدْل في التقسيم بيْن شطري البيت الشِّعري في القصيدة العربيَّة - خلا ما ورَد منها منهوكًا ومشطورًا، وقدْ أثار التصورُ عدَّة أسئلة كان يَحْدس بجوابٍ لها دون أن يلمَس له ما يؤكِّده.








هلْ خضَع الشَّاعِر العربي لحدِّ القسمة الشَّطرية على المستوى الإنشادي؟ إنَّ التقسيم إفصاح عن نغَم، فهل تحرَّكت بحور الشِّعر العربي صوب العلاقة الإيقاعيَّة الواضحة الناتجة عن مقابلة صدَى العَروض بصدَى القافية؟ هل تأكَّدتْ هذه الموازنة في كلِّ نِظام إيقاعي اعتمادًا على الإنشاد؟








أسئلة دفعتِ البحث إلى الاعتماد على رَكيزةٍ وصفيَّة مِن استعمال الشعراء بانتْ في حشْد إحصائيَّة كانتْ بحال استقراء تجرِيبي، وقد أفصحتْ عن جملة أمور؛ لم تخرُج عن نِطاق الأساس المكوّن للقصيدة العربية، فمِن الصوت والكلمة والتركيب تحدَّدت صورة الإيقاع، ومن خلال هذا التفاعُل بانَ أنَّ إيقاع الشِّعر فيه مِن إيقاع اللُّغة الكثير، ومِن ثَمَّ لم يكُ مستغربًا أن تكون رؤية التَّدْوير نحويَّة دَلاليَّة إيقاعيَّة.








وقد اعتمَد البحثُ بعد تصوره الأوَّل الذي أنار طريقَ الاستقراء على محاولة أساسها سبْرُ غور القصيدة العربية مِن الداخل، وكي يأخذ طريقًا واحدًا ومسارًا مرسومًا استهلَّ غايته بمدخل يوضِّح ظاهرة التَّدْوير، معتمدًا على توضيح ما يَسْري مِن الظواهر متفقًا معها وما يعزُّ وجودها، وانتقَل بعد استهلاله إلى وصْف الظاهرة مِن خلال الإحصاء الجُزئي لها، محاولاً بعدَ ذلك بيانَ موقعها في كلِّ بحر مِن بحور الشِّعر العربي، ولم يكتفِ بهذا البيان غاية؛ بل لجأ إلى غايةِ المنتهى وهي محاولة التبرير الذي تفسَّر فيه الظاهرة مِن خلال محاور أساسها النحو والمعنى والإيقاع.








التَّدْوير علاقات ومخالفات:



البيت المدوَّر هو الذي تحوي مكوناتُه الداخلية كلمةً تصبح شركةً بين قسميه؛ أي شطريه - غير قابلة للتقسيم إنشاديًّا، فحين تصير صيغةٌ من الصِّيغ اللُّغوية مقسومة إلى قسمين: قسم يتمُّ به تمام الشَّطر الأوَّل، وقسم يبدأ به إيقاعُ الشَّطر الثاني، فإنَّ هذا يعدُّ في نظَر الإيقاع الشِّعري تَدْويرا، فإذا ما قال أبو نواس:





اتْرُكِ التَّقْصِيرَ فِي الشُّرْ

بِ وَخُذْهَا بِنَشَاطِ




مِن كُمَيْتٍ كَسَنَى البَرْ

قِ أَضَاءَتْ فِي البَوَاطِ




لِمْ - وَعَفْوُ اللَّهِ مَبْذُو

لٌ غَدًا عِنْدَ الصِّرَاطِ[1]










فإنَّ أبياتَه حوى كلُّ واحد منها كلمةً أضحتْ شركةً بين حدود شطري الرَّمَل، فـ"الشرب" في البيت الأول تُتمم رَاؤها إيقاع الشَّطر الأول، ويبدأ ببائها إيقاعُ الشَّطر الثاني، و"البَرق" في البيت الثاني أكْمَل إيقاعَ الشَّطر الأول راؤُها، وبدا الشَّطر الثاني إيقاعه بقافِها؛ أما "مبذول" في البيت الثالث فقد اتَّجهتِ الواو فيها لتمام الأوَّل واللام لاستهلال الثاني؛ ومعنى ذلك أنَّ التَّدْوير يمثِّل علاقةَ اتصال بين الشَّطرين؛ إذ لا يُمكن الإفصاحُ عن نهاية الشَّطر الأوَّل التي ترتكز على التَّفعيلة الأخيرة المسمَّاة بالعَروض حيث لا يروم الإنشاد هذا الفصْل.








هذه الظاهِرة؛ كي يتحدَّد مرادها الإيقاعي ويتَّضح يَعرِض البحْث بعضَ ظواهر إيقاعيَّة تقرب منها وتدور مدارها، وبعض ظواهِر أخرى تنافرها، ويعدُّ وجودها رفضًا لوجود ظاهرتنا.








مِن الظواهر الإيقاعيَّة التي تروم التَّدْوير وتبغيه، والتي تسري معه في وادٍ واحد، التضمين والشَّطر والإنهاك، والبَنْد الذي كان سبيلاً للشِّعر الحر الذي تأثَّر به متخذًا إيَّاه سبيلاً واضحًا، ومِن الظواهر الإيقاعيَّة والتي تنافر التَّدْوير وتعاديه جملةُ التَّصريع والتقفية والمربَّعات والمخمَّسات والموشَّحات والإشباع والإجازة، فإلى بيان ما ائتلف وتحديد ما تنافَر.







أولاً: علاقات تقرب من التَّدْوير




أفصحَ الإِيقاع الشِّعري عن جملةِ أُمور قرُبَ واديها مِن وادي التَّدْوير وهي:



(1) التضمين:



وهو ظاهرةٌ تؤانس التَّدْوير، فهي تبْحَث عن اتِّصال نُطقي بين بيتَين، كما كان التَّدْوير محققًا الاتِّصال بين شطرين، ومراد التضمين تعليق البيت بالذي يليه تعليقًا معنويًّا ونحويًّا، ويبدو أنَّ هذا التحديد القاعدي ورَد في ذِهن بعض الدارسين مِن خلال رؤيةٍ تَرَى في ترابط الأبيات نوعًا مِن العيب، ولستُ أدري كيف يُرام ذلك والشِّعر العربي أكثره يُثبت الترابط بيْن البيت والذي يليه.








هذا التعلُّق مِن الواضح أنَّ الحُكم عليه قدِ اختلف بناءً على تقسيم التعليق إلى نوعين:



"أ" تعليق ليس معيبًا، وفيه ترتبط كلمةُ في البيت الأوَّل بعيدةً عن مساحة القافية بكلمة في البيت الثاني ارتباطًا نحويًّا، ومن ثمَّ دلاليًّا كأنْ يقول الشَّاعِر:





كَأَنَّ القَلْبَ لَيْلَةَ قِيلَ يُغْدَى

بِلَيْلَى العَامِرِيَّةِ أَوْ يُرَاحُ




قَطَاةٌ غَرَّهَا شَرَكٌ فَبَاتَتْ

تُجَاذِبُهُ وَقَدْ عَلِقَ الجَنَاحُ









فبين البيتين ارتباطٌ نحوي أسْلم بالضَّرورة إلى ارتباط دَلالي؛ ففي الأوَّل وردتْ أداة التشبيه واسمُها "كأن القلب"، ولن يكتمل رسمُ الصورة الشِّعرية بهما، ولن يكتملَ التركيب اللُّغوي ولا دَلالته إلا بالخبر الموجود في البيت الثاني الموسوم بقلَّة الحِيلة، والذي تكتمل به الصورةُ الشِّعرية ويحكم بناؤها وهو "قطاة غرها شرك..."، هذا الارتباط السابق يُوحِي بأنَّ تمام الإِيقاع وإن بان في حدِّ القافية، فإنّ منشِدًا يرومُ نُطق الأبيات سوف يصِل ما بين البيتين مهملاً الارتكازَ على سكتةِ القافية.








"ب" وتعليق يتركَّز فيه العيب تمامًا، وفيه يكون الارتباط بيْن كلمة القافية نفْسها والبيت الذي بعدَها، وفي إدراكهم قُبحَ هذا الارتباط وجه وهذا حقٌّ محدود في حسباني؛ لأنَّ الشَّاعِر ما أسْلم نفسه إلى مجموعةٍ من الالتزامات في ثوب القافية مِن رِدف ورويٍّ ووصْل... إلخ، حتَّى يفرِط في وضوح هذا الالتزام بربْط كلمة القافية التي تحتاج إلى سكتةٍ نغميَّة تبعدها عمَّا يَليها.








يتصوَّر الدَّارسون عيبَ هذا الارتباط بناءً على استقلال القافية، ناسين باعثه اللُّزومي الذي تؤكِّده في بعض الأحيان مطالبُ النحو والدَّلالة.








مِن هذا الارْتباط المعيب في عُرْف الدَّارسين قول النابغة:





وَهُمْ وَرَدُوا الجِفَارَ عَلَى تَمِيمٍ

وَهُمْ أَصْحَابُ يَوْمِ عُكَاظَ إِنِّي




شَهِدْتُ لَهُمْ مَوَاطِنَ صَادَقِاتٍ

شَهِدْنَ لَهُمْ بِصِدْقِ الوُدِّ مِنِّي









فكلمة القافية "إني" ما كان لها أن تستقلَّ نغميًّا تاركةً خبرها الملتصِق بها، والذي تؤكِّد الدَّلالة مجيئه وسُرعة اللحوق به؛ حيث لا معنَى للتأكيد والإصرار إلا ببيان باعثِه والحافز إليه[2].








ولأنَّ الحدَّ النَّغمي للقافية يذوب قليلاً مِن خلال التضمين، فإنَّني أحسب أنَّ قوافيَ بعينها هي التي تسْري مع التضمين، فلم يعهدْ كما أظنُّ في نهايات إيقاع قَبل التذييل على نحو "فاعلانْ" "متفاعلانْ" "مستفعلان" أنْ أُبيح التضمين؛ لأنَّ هذا الوقف وقتَها مطلب لُغوي قبل أن يكونَ إيقاعيًّا، فقبول الساكنين يُبيح الوقفَ حيث الاتِّصال النُّطقي يذهب بكمِّ التَّفعيلة النهائي مِن خلال التخلُّص بتحريك ساكِن النهاية، فالظاهِرة الإيقاعيَّة بدت منوطة بموافقة النَّسج اللُّغوي الذي ارتضتْه القصيدةُ أساسًا للتشكيل.








وكما كانتْ ظاهرة التذييل في القافية بمنأًى عن قَبول التضمين، فإنَّ القوافي التي تطوع فيها بما لا يلتزم يبدو أنَّها تنافر التضمين؛ لأنَّ الوقف عليها موضّح لعطاء هذا الالتزام صوتيًّا.








فما الذي يُوحي به التضمين مِن علاقة تقارُب بالتَّدْوير؟



إنَّ سكتةَ القافية منتهى الشَّطر الثاني إذا قلَّ مداها مِن خلال التضمين، فإنَّ سكتةَ العَروض التي تُفصِح عن نهاية الشَّطر الأوَّل - وهي نهاية لها قيمٌ إيقاعيَّة إن لم تكُن كيفيَّة يراعَى فيها نوع الصوت، فهي كمية توضِّحها لوازم العَروض في بحور الشِّعر العربي - أقول: إنَّ سكتة العَروض يعرِض لها أيضًا نوعٌ من الخفاء مِن خلال ظاهرة التَّدْوير التي تُحدِث تآزرًا بين الشَّطر الأول والشَّطر الثاني؛ فموجب الارتباط في التضمين ليس بِنَاءٍ بعيدٍ عن موجب الارتباط في التَّدْوير.







[1] هذه الأبياتُ مِن قصيدة لأبي نواس بعنوان "الغفران"، وهي مِن مجزوء الرمَل، راجع ديوان أبي نواس، حقَّقه وضبطه وشرَحه أحمد عبدالمجيد الغزالي، دار الكتاب العربي - بيروت لبنان سنة 1953.




[2] يُظهر حازم القرطاجنيُّ عيبَ التضمين مرتبطًا بتلازم النحو، حيث يقول (ص: 277) مِن كتابه "منهاج البلغاء": "والتضمين يكثُر فيه القبح أو يقل بحسب شدَّة الافتقار أو ضعفه، وأشدُّ الافتقار افتقارُ بعض أجزاء الكلمة إلى بعض، وربَّما صُنع شِعر قوافيه على هذا الوضع ليعميَ موضع القافية وهو قبيح جدًّا، ويتلوه في شدَّة الافتقار افتقار أحَد جزأي الكلام المركَّب المفيد إلى الآخر، وأمَّا افتقار العُمدة إلى تتمَّة الفضلة والفضلة إلى الاستناد إلى العُمدة فأقل قبحًا مِن ذلك، وإنَّما يكون هذا حيث تقوم الدَّلالة على المراد بالإِضمار وافتقار المعطوف إلى ما يعطف عليه إذا كان كلاهما تامًّا أخف مِن ذلك وأقلَّ قبحًا، فإنْ كان المعطوفُ ناقصًا كان أمرُ الإِضمار أسهلَ".





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-08-2022, 10:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع

التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (2)


أ. د. أحمد كشك





البَنْد والإِفصاح عن التَّدْوير:

مِمَّن تناول درس هذه الظاهرة الأستاذ عبدالكريم "الدجيلي" في كتابه الموسوم بعنوان "البَنْد في الأدَب العربي - تاريخه ونصوصه"[1]، وخلاصة ما توصَّل إليه مِن تحديد الشكل الإِيقاعي لهذا الفن يبين من قوله في مقدِّمة كتابه (ص: ف): "البَنْد، لونٌ مِن ألوان الأدب العربي وضرب مِن ضروبه وُجِد أخيرًا نتيجةَ خروج عن عمود الشِّعر التقليدي، فهو ليس بالموزون المقفَّى فيعدُّ مِن باب الشِّعر العربي المعروف، ولا هو بالذي قدِ انتزعتْ عنه هاتان الصِّفتان - الوزن والقافية - فيكون من قبيل النَّثْر وبابه، فهو إذن الحلقة الوُسطَى بين النظم والنثر"، وحول جريانه على وزن معيَّن يقول في "ص" "والبَنْد - كما قلنا سابقًا - يقتضي أن يكونَ جريه على بحْر الهزَج وأجزاء هذا البحر مفاعيلن "4" مرات للبيت، وأكثر البنود التي عثرتُ عليها في تتبُّعي هي على هذا البَحْر، وخاصَّة المتأخِّر منه ولم يخرجْ عن هذه القاعدةِ إلا قلَّةٌ قليلةٌ مِن ناظمي البنود كما ترَى في هذا السِّفْر"؛ يقصد بذلك كتابِه.




وكلامه يُسلِم إلى كون البَنْد فنًّا يجمع بين حدي الوزن والقافية، يضيع فيه حدُّ التقسيم الشَّطري، وتغيب القافية كثيرًا، وتظهر - إنْ ظهرت - على استحياء، ويُسلِم إلى كون الوزن الغالب لهذا الفنِّ هو الهزَج، وقد بان في كتابه اتصال فنِّ البَنْد بالفارسية، وهذا ما جعل الهزَج سبيلاً إليه، فالهزَج مِن الأوزان التي لها باعٌ في الشِّعر الفارسي.




وفي تحديدِ نِظام البَنْد الإِيقاعي يرى أنَّ البنود التي ترتكز على الهزَج يغلب عليها حسبَ تتبعه لها أن تبدأَ بزِيادة سببٍ أو وتد، واعترَف بأنَّه لا يعلم سرَّ هذه الزِّيادة حين قال في "ص": "ولا أعلم السببَ في هذه الزيادة، فهل هي مِن مستلزمات النَّغَم والإِيقاع؟ وكل ما أعرِفه في هذا السبب أنَّ أرْباب البنود جروا على هذه الزِّيادة في أوَّل كل بَنْد، والمتأخِّرون هم أكثرُ التزامًا بهذه الزِّيادة".




ولعلَّ هذه النقطةَ الأخيرة في تصوُّر حدِّ هذه الزيادة ورسْم البَنْد على تصور إيقاع الهزَج وحْده، جعَل الشَّاعِرة الحصيفة نازك الملائكة تُدرك عن وعيٍ الخطأَ الذي وقَع فيه "الدجيلي" مِن خلال رسمه لحدود البَنْد.




فكيف كان تصوُّر " نازك" لهذا الفن؟

في معرِض الحديث عن بدايات إيقاعيَّة كانت تمهيدًا لنِظام الشِّعر الحرّ، أخذتْ "نازك" من فنِّ البَنْد سبيلاً إلى ذلك لانتفاء حدودِ الشَّطرية فيه؛ ففي كتابها الرائد "قضايا الشِّعر المعاصر" الذي أعلنتْ فيه عن نِظام الشِّعر الحر تقول "ص: 8": "والواقِع أنَّ الشِّعر الحر قد ورَد في تاريخنا الأدبي، وقد كشَف الأدباء المعاصرون، ومِن أوائلهم عبدالكريم "الدجيلي" في كتابه المهم "البَنْد في الأدب العربي" تاريخَه ونصوصه، كشفُوا أن قصيدة مِن هذا الشِّعر قد وردتْ منسوبةً إلى الشَّاعِر ابن دُرَيد في القرْن الرابع الهجري، وهذا نصُّها وقد رواه الباقلاني في كتابه "إعجاز القرآن" وأدرجه كما يدرج النثرَ الاعتيادي، ولكني أوثر أنه أدرجه إدراجَ الشِّعر الحرّ"، وعلى نهج "الدجيلي" قامت "نازك" بتخطيطٍ لنص ابن دُرَيد يُوازي تخطيطَ الشِّعر الحر، وأفصحتْ "نازك" عن أنَّ هذه المقطوعةَ لم ترد عن طريق الهزَج وحده؛ حيث كان " الدجيلي" قد تصوَّر خُلْطتها متمسكًا بوزن واحدٍ لها في نِطاق البَنْد.




لقد أكَّدتْ "نازك" أنَّ أعظم إرهاص لنِظام الشِّعر الحر هو ما يُعرَف بالبَنْد، بل على حسب قولها: "لا بل إنَّ هذا البَنْد هو نفسُه شِعرٌ حرٌّ؛ للأسباب التالية:

1- لأنَّه شِعر تفعيلة لا شِعر شطر.

2- لأنَّ الأشطرَ فيه غيرُ متساويةِ الطول.

3- لأنَّ القافية فيه غير موحَّدة، وإنما ينتقل الشَّاعِر مِن قافية إلى قافية دون نِظام أو نموذج محدَّد"[2].




وقد بان مِن خلال قراءتي ل" نازك" أنَّ لها على جملة ما تصوَّره " الدجيلي" عدَّةَ أمور:

"أ" وجدتْ أنَّ البَنْد ليس موسومًا بوزن واحد هو الهزَج فالرمَل شريكه، يسلِم إلى ذلك جملةُ النصوص التي أوردَها "الدجيلي" في كتابه.




"ب" وجدتْ أنَّه يرتكِز على ثُنائية وزنين متداخلين هما الرمَل والهزَج. فالبَنْد يزاوج بيْن علاقة البَحرين عن طريق اطِّراح سبب في تتالي التفعيلات، وتوضيح مرادها يبدو مِن خلال التصوُّر التالي الذي أعْرِضه من خلال فَهْمي إيَّاها:




لو وقَّعْنا بادئين بالرمَل: فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن؛ فإنَّ بالإِمكان اطِّراح السببَ الخَفيف الأول "فا" ليصبح الباقي على نحو:

علاتن فاعلاتن فاعلاتن، والحسبة بنِظام المداخَلة، وهو أمرٌ متصوَّر في علاقات الخليل الإيقاعيَّة يمثل ركيزةً في فهم النِّظام الدائري لديه - تكون: علاتن فا/ علاتن فا/ علاتن... وهي بمنظور جمع الوحدات: مفاعيلن مفاعيلن مفاعي... وهكذا يولد الهزَج من الرمَل، والرمَل من الهزَج باطِّراح ذلك السبب الذي بان في استخلاص البَحْر من دائرته، وقد واكب الشَّاعِر - كما أرى - حركةَ الاستخلاص، وفي هذا الفَهم تقول "نازك": "ومِن الحق أن نقول: إنَّ الذين كتبوا عن البَنْد قدِ انتبهوا جميعًا إلى أنَّ هذا الوزن ليس هو الهزَج، على الرغم مِن أنَّ هناك في البنود كلها تفعيلاتٍ كثيرة مِن الهزَج، وحيَّرهم ذلك فابتدعوا له تخريجًا غريبًا في بابه، فقالوا: إنَّ هذا الوزنَ هو الهزَج بزِيادة سببٍ خفيف في أوله كما يلي:

أَيْ/ يُهَا اللاءِ/ مُ فِي الْحُبِّ/ دَعِ اللَّومَ

مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن




وهذا شيءٌ غير مسموعٍ في العَروض العربي، فلسْنا نعرف في الشِّعر حرفًا إلا وهو داخل في وزن الشَّطر والبيت"[3]، والتعليق هنا رغم سلامته تنقصُه الدِّقة في تصوُّر رفْض الزِّيادة.




"جـ" أدركتْ "نازك" إمكانَ تقسيم البَنْد إلى وحدات، وقد تلمَّستُ في قراءتها للبَنْد إحساسًا ما بتَقْفيَةٍ بانَ ذلك عندَ عرْضها لنموذج بَنْد ابن الخلفة، وهو أظرفُها وأحفلها بالعفويةِ في إحساس "نازك"، ففي تقطيعها الداخلي لهذا البَنْد أبرزت جملةَ قوافٍ على نحو:

أَهَلْ تَعْلَمُ أَمْ لاَ أَنَّ للحُبِّ لذَاذَاتٍ



ووالتِ الأشطر بعدَها مختومة بالكَلمات: جوى مات/ كمالات/ مقالات.




وحين أَوردتِ التركيبَ الذي يقول:

فَكَمْ قَدْ هَذَّبَ الحُبُّ بَلِيدًا




وضعتْ هذا الكمَّ في نِطاق كم بعدَه منتهٍ بكلمة توازي النهاية السابِقة هي كلمة "رشيدًا".




وهكذا حاولتْ "نازك" أن تتصوَّر بَنْدا مِن البنود تصور الشِّعر الحُر وزنًا وقافية.




"د" أدركتْ أنَّ استخدام إيقاع البَنْد بهذه المراوحة بيْن الهزَج والرمَل لا يكفي لإِبداع البَنْد، وإنَّما ينبغي إلى جانبِها "تحسس مُرْهفٌ للإِيقاع والوَزن، بحيث يُدرك الشَّاعِر الوسيلةَ الموسيقيَّة الفذَّة التي يمكن بها أن تجتمعَ التفعيلتان دون أن يحسَّ القارئ بغرابة الانتقال"[4]، وقد بيَّنتْ براعةَ الانتقال مِن خلالِ تَحليلها لبَنْد ابن الخلفة السابِق.




"هـ" وصلت إلى مقياس عَروضي للبَنْد قالت فيه: "إنَّ القاعدة العروضيَّة للبَنْد هي أنَّه شِعرٌ حرٌّ تتنوَّع أطوال أشطره، ويرتكز إلى دائرة المجتلب مستعملاً منها الرمَل والهزَج معًا"[5]، ووضعتْ مقياسًا يبدو أنه تحرَّك من خلال بَنْد ابن الخلفة السابقِ على نحو:

مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلْ

مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلْ

مفاعيلن مفاعيلْ

مفاعيلن مفاعيلن فعولن

فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن

فاعلاتن فاعلاتن

فاعلاتن

فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن[6]




هذا مجملٌ ما أفصحتْ عنه "نازك" حولَ ظاهرة البَنْد معتمدةً على نصوص "الدجيلي"، مخالِفةً له في تذوُّقه الإِيقاعي، متفقة معه في كون البَنْدِ الأبَ الشرعيَّ لإيقاع الشِّعر الحرِّ.




وما قامت "نازك" بتصوره وما ابتغاه "الدجيلي" بجمعه وحدْسه لنا عليه بعضُ ملاحظات، ففي جُلِّ ما جاءت به "نازك" صوابٌ لا شك فيه، فقد أصابتْ حين تصوَّرت أنَّ إيقاع البَنْد يزاوج بين بحورِ دائرة واحدة مُبَيِّنة سبيل هذا التوارد، وأصابتْ أيضًا حين تصوَّرتْ ك"الدجيلي" البَنْد سبيلاً إلى تصوُّر إيقاع جديدٍ منبثق عنه هو إيقاعُ الشِّعر الحر حيث كانتْ من روَّاد تقنينه تنظيرًا وإبداعًا، لكن يبدو أنَّها في تحقيق مقياس لوزن البَنْد وقعتْ في بعض ترخُّصات:

الأوَّل: لم يكُن لها حق في رفْض الزيادة التي قال بها دارسو البَنْد كي يتصوَّروا الهزَج أساسًا له، فقد خانها الصوابُ حين حكَمت على هذه الزيادة بأنَّها أمر غير مسموع في العروض العربي ناسيَة أنَّ في نِظام العروض زيادة شَبيهة بها تأتي نادرًا في مطلع القصائد تُسمَّى بالخزْم[7] لا حساب لها في وزن البيت، منها ما دلَّل به العَروضيُّون على هذه الظاهرة من قول الشَّاعِر:



اشْدُدْ حَيَازِيْمَكَ لِلْمَو

تِ فَإِنَّ الْمَوْتَ لاَقِيكَا







وهي مُقارِبة للزِّيادة التي وجدتْ في مطلع البَنْد الذي يقول:



أيُّهَا اللاَّئِمُ فِي الْحُبِّ

دَعِ اللَّومَ عَنِ الصَّبِّ







فهي بتقسيم الهزَج:



أيُّهَا اللاَّئِمُ فِي الْحُبِّ

دَعِ اللَّومَ عَنِ الصَّبِّ







فكما زِيدت "اشْدُدْ" في مطلع البيت الأول زيدت "أي" في مطلع هذا البَنْد، بَنْد ابن الخلفة الذي جعلتْه "نازك" محوَر دراستها عن البَنْد.




الثاني: حين تصوَّرتْ مقياسًا لعروض بَنْد يُنْسَج عليه ويصبح نِظاما، لم تعتمد البنود كلها سبيلاً لفرض هذا المقياس، وقد اقتطعت جزءًا من بَنْد أسلَمها إلى النِّظام الذي وصلت إليه. وحول رؤية هذا البَنْد نقول فيه إنَّ مطلعه رمَل إنْ نفينا وجود زيادة في مطلعه. يقول البَنْد: "أيها اللائم في الحب، دع اللوم عن الصبّ، فلو كنت ترى الحاجبي الزُّجِّ فويْق الأعْيُن الدُعْج، أو الخد الشقيقي، أو الريق الرحيقي، أو القَد الرشيقي الذي قد شابهَ الغُصن اعتدالاً وانعطافًا.."[8].




وفيه تَتردد الإِيقاعات على النحو الآتي:

يبدأُ رمَلاً: أيها اللائم في الحب دعِ اللَّوم عن الصبِّ فلو، وهي:

فاعلاتن فعلاتن فعلاتن فعلاتن




كنت ترى الحاجبي الزُّجِّ فُويْق الأعين الدُّعج أو الخد الشقيقي، وهي:

فعلاتن فاعلاتن فعلاتن فاعلاتن فعلاتن فاعلاتن، هذا مع افتراض إفراد الياء في كلمة "الشقيقي"؛ لأنَّ تشديدها يتابع وصل بحر الرمَل.





[1] لمؤلفه الأستاذ عبدالكريم الدجيلي - مطبعة المعارف - بغداد 1378هـ - 1959م.





[2] "قضايا الشِّعر المعاصر" (ص: 12).




[3] السابق (198)، ولم يكن التقطيعُ الوارد لدَى نازك بحاجةٍ إلى إشباع، فالتفعيلات مكفوفة على نحوِ مفاعيل، وهذا ملمَس الهزَج ومذاقه الاستعمالي.




[4] السابق (200).




[5] السابق (202).




[6] السابق 202.




[7] لابن رشيق في كتابه "العمدة" (1/ 41) كلامٌ مفصَّل عن ظاهرةِ الخزم.




[8] "البَنْد في الأدب العربي" (67).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 06-08-2022, 10:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع

العلاقات التي تَنأى عن التَّدْوير

ثانيًا: المُوشَّحاتُ إفصاحٌ عَن نغَم الأَشطُر


التدوير في الشعر.. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (3)

أ. د. أحمد كشك






بعد ذلك ينقطع الرمَل ليأتي الهزَج:



أو الرِّيق الرحيقيُّ، أو القدُّ الرشيقيُّ، الذي قد شابَه الغصن اعتدالاً، وهي:



مفاعيلن مفاعيل مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن مفاعي ثم تُقطَّع التَّفعيلة كما رأينا من خلال حذف سببها الأخير ليعود الانعطاف مرة أخرى إلى الرمَل.








فالتقسيم الذي افترضته "نازك" تقسيم عشوائي لا يمثل مسارًا خالصًا لتصور البَنْد.








الثالث: ألزمتْ نفسها عند الإِنشاد وقفًا داخليًّا ما أراده البَنْد حتَّى يَسلم لفرضها تأسيس علاقة وُثقى بين نِظام البَنْد ونِظام الشِّعر الحر؛ لأنَّها وقفتْ حيث الاتِّصالُ حين سكَّنت الفعل المبنيَّ على الفتح في قول البَنْد:



"إِذا أَوْمَضَ مِنْ جانبِ أَطلالٍ خَليطٌ مِنْكِ قدْ بانَ، وقد عرَّسَ في سَفْحِ رُبا البان"[1].








الرابع: نسيَتْ أنَّ التلاقي بين الرمَل والهزَج بإمكانه أن يُحدث بديلاً ثالثًا هو الرَّجَز، وقد كان لبعض أخطاء البنود الداخليَّة أن يُرد أمرها إلى هذا الوزن المتمِّم لدائرة البحرَين السابقَين. فمِنْ بَنْد للسيد عبدالرؤوف الجد حفصي مطلعه: "يا رسول اللهِ يا أشْرفَ راقِ فلَكْ، ويا مَن بحِماه نحْتمي مِنْ نُوَبِ الدَّهْرِ، ونسْتَعْدي بجَدْواه على حادِثَةِ الفَقْر، فأدْنَى سحِّ يُمْناهُ على السَّائلِ كالنَّهْرِ ولا نَهْر، وعنْ نائِلِهِ الغَمْر، رَوى القَطْر عنِ البَحر، وعن عامِلِهِ العامِلِ في الحرْب، وعنْ أبيَْضِهِ العالِمِ بالضَّرْب، روى القَطْر عنِ النَّحْر"[2].








والبَنْد يبدأ رمَلاً:



[يا رسول اللهِ يا أشْرفَ راقِ فلَكْ، بحما/ ه]



وهي: فاعلاتن فاعلاتن فعلاتن فعلاتن فعلاتن فعلا








والنهاية يَرومها الرمَل استعمالاً عَروضًا وضَربًا. ومع اطِّراح هاء الضمير المضاف إليه في كلمة "بحماه" فإن الإِيقاع بعد ذلك يتجه وِجهةَ الرَّجَز:



[هـ نحْتمي مِنْ نُوَبِ الدَّهْرِ، ونسْتَعْدي بجَدْواه على حادِثَةِ الفَقْر]



وإيقاعها: متفْعلن مُسْتعلن مُسْتعلن مستفعلن مستعلن مستعلاتن، وهي نهاية ضَرب مُرفَّل مِن أَضْرب الرَّجَز. ومع اطِّراح راء كلمة الفقر كي تتصل بما بعدها يعود الرمَل مرة أخرى:



[ر فأدْنَى سحِّ يُمْناهُ على السَّائلِ كالنَّهْرِ ولا نَهْر ]



وهي: فعلاتن فاعلاتن فعلاتن فعلاتن فعلاتن.







مع اطِّراح الراء الأخيرة. وهكذا بتلاعُب داخليٍّ يُمكن عدُّ ما جاء خطأً من قَبيل الصواب؛ فالمُداخَلة حين تتمُّ بين رمَل وهزَج لا تَنفي اشتراك الرَّجَز معها في إطار البَنْد. ومعنى ما سبق أن دوَران المجتَلب[3] الذي أحكمه الخليل بن أحمد كان المُشكِل الأول لإِيقاع البَنْد، وأن التلاعُب بين بحور هذه الدائرة باطِّراح سببٍ مِن أسبابها كان السبيل إلى هذا التداخُل؛ ومن ثمّ ففرضُ مقياسٍ عروضيٍّ ثابتٍ للبَنْد ينافي سِمَة البَنْد التي تراوح بين تفعيلات بحور الدائرة بَدءًا ونهاية، فحين يُفتَرضُ البدء بالهزَج يفترض أيضًا البَدء بالرمَل والرَّجَز. فالتلاعب يملك حريته صاحب البَنْد، وفرض مقياس صارم نقيض ما يرومه مستخدم البَنْد.








خصوصيةٌ للبَنْد في نِظام "نازك" ليس لها من داع إلا إيجاد سبيل يُسلم إلى المناظرة مع إيقاع جديد هو الشِّعر الحر.








هذا ما لاحظْناه على تصوُّر "نازك" وهو تصور صائبٌ ذكيٌّ في جملته، ونقصَه في ذلك : الافتراض الخاص باختيار مقياس عروضي للبَنْد معتمِد على جزئيَّات منبتَّة مقطوعة من الداخل فيها تصوُّر نطقيٌّ لحدود تراكيبه يخالف طريق الوصل في نطق مكوناته.








أما "الدجيلي" الذي نعود إليه الآن فقد قدَّم للأدب المعاصر ظاهرة إيقاعيَّة من خلال كمٍّ من النماذج توفَّر على جمْعها بادئًا بها من القرن الحادي عشر الهجري، ممثلاً لكل قرن بمجموعة من النماذج تعبر عنه، وقد أكدَّ " الدجيلي" من خلال مناقشَته لافتراض أنَّ البَنْد فنٌّ عراقيٌّ، أنَّ ما نسِب مِن ورودٍ له في نصٍ لابن دُرَيد الأزديِّ لا يجعله فنًا قديمًا. فقد قال عن افتراض كَون البَنْد موصولاً بابن دُرَيد في قوله: "رُبَّ أخ كنتُ به مُغْتبطًا أشُدُّ كفّى بِعُرى صُحْبته تمسُّكًا مني بالودّ ولا أحسبه بغير العهْد"[4] - قال: "الواقع أن هذه نبذة مفكَّكة الأجزاء لا تَدخل في باب الموضوع الذي فيه"[5]، وقد بنى حجَّته على أساس أن البَنْد غالبًا ما يكون من إيقاع الهزَج، وهو حسب عُرفه: "لون أدبيٌّ حديث اقتضاه التطوُّر والخروج عن العمود الشِّعريِّ التقليديِّ فأين هذا من قطعة نثرية تُنسب لابن دُرَيد البصري اللغوي"[6].








فـ" الدجيلي" يُثبتُ أنَّ البَنْد:



1- عراقيُّ النشأةِ حديثُ الوجود، وليس له ورودٌ في القديم، وهذا ملاحَظٌ في موقفِه مِن نصِّ ابن دُرَيدٍ.








2- إيقاعُه من بحر الهزَج وقد يبدأ بزيادة سبب توهُّمِ إخراج البَنْد منه.








وفي جملةِ ما قدَّمه عن البَنْدِ عِدَّةُ ملاحظاتٍ:



الأولى: لن يَسلم له تحديد وزن البَنْد بالهزَج كما أشارت "نازك" إلى ذلك وقد قبلتْ "نازك" نص ابن دُرَيد اعتمادًا على تصوُّر دائرة المجتَلب فقد ظنت أنّ أساس كلام ابن دُرَيد موقَّع من خلال استخدام ثلاثة أبحر بدأت حسب تقطيعها بالرَّجَز فالهزَج فالرمَل وهكذا[7]؛ غير أن تصورها بناء على اطراح سبب جعلها تنتقل من هزَج إلى رمَل حيث لا داعي إلى ذلك فليس لدَينا تقفية توجب الوقف على كلمة "إباء". في تقسيمها الذي جاء على نحو:



[فلمَّا لجَّ في الغيّ إباء]



والإِيقاع: مفاعيلن مفاعيل مفاعي.







[ومضى منْهمِكًا غَسَّلتُ إذْ ذاك يَدي منه ولمْ آسَ على ما فات منهُ]



والإِيقاع: فعلاتن فعلاتن فاعلاتن فعلاتن فعلاتن فعلاتن فاعلاتن








هذا التقسيم يتواصَل هزَجًا دون حاجةٍ إلى "مفاعي" فنقول:



[إباءً ومضى منهمكًا غسَّلْتُ]



حيث يكون الإِيقاع: إباءً وَ مضى مُنْهَـ مكًا غسَّلْ



مفاعيلُ مفاعيلُ مفاعيلن







والكَفُّ زِحافٌ يُميِّز الهزَج إيقاعيًّا، وبذا يكون الانتقال إلى الرَّمَل من خلالِ قوله:



"وَإِذَا لَجَّ بِي الْأَمْرُ الَّذِي تَطْلُبُهُ فَعَدِّ عَنْهُ



وَتَأْتِي غَيْرَهُ وَلاَ تَلِجَّ.



فِيهِ فَتَلْقَى عَنَتًا وَجَانِبِ الْغَيَّ وَأَهْلَ الفَنْدِ وَاصْبِرْ"[8].







وقدْ تصوَّرتْ "نازك" في تتبُّعها لوزنِ كلامِ ابن دُرَيدٍ كسرًا يضَع في حُسْباني إذا قبِلْنا "فاعلاتُ" إمكانةً مِن إمكاناتِ "فاعلاتن"؛ إذ التقطيعُ للكلامِ السابق:



[وَإِذَا لَجَّ بِي الْأَمْرُ الَّذِي تَطْلُبُهُ فَعَدِّ عَنْهُ]



والإِيقاع: فعلاتن فعلاتن فاعلاتن فعلاتُ فاعلاتن







[وَتَأْتِي غَيْرَهُ وَلاَ تَلِجَّ]



والإِيقاع: فعلاتن فاعلاتُ فاعلاتُ







لينتقل الإِيقاع إلى رجَز فيكون قوله:



[فِيهِ فَتَلْقَى عَنَتًا وَجَانِبِ الْغَيَّ وَأَهْلَ الفَنْدِ وَاصْبِرْ]



والإِيقاع: مستعلن مستعلن متفعلن مستعلن مستفعلاتن







ليأتي الهزَج بعد ذلك إلا لو اطَّرحنا سبب "مستفعلاتن"، وأبقيناها على مستفعلن؛ حيث تضم "تن" المساويَة للمقطع "بِرْ" لتشكِّل مع ما بعدها توارُدًا لرمَل لا لهزَج.








الثانية: كان على "الدجيلي" أنْ يدرك؛ إحساسًا بوزنٍ وتقفيِةٍ داخل بعض بنوده يشبهان نِظام العمود الشِّعري، فقد بدتْ جملةُ جمَلٍ موزونة مقفَّاه تنبَّه إلى الأصل الإِيقاعيِّ الذي يَرُوم الوزن والقافية معًا، فبالإِمكان بناءً على اقتطاع منْبتِّ الصلة بما قبله وما بعده أن نرى ذلك.








من بَنْد لـ"معتوق الموسوي" في وصف الآيات الأرضيَّة يقول مطلعه: "خالقٌ أضْحك في قٌدرَته البَرْقَ..."[9] نجد تقفية ووزنًا داخليتَين؛ إذا ما اطَّرحنا أمر التلاعب بالهزَج والرمَل. يقول:



وليلُ الشَّجَرِ المُقْمِر في نورٍ وفي الرَّنْدِ



كأنْفاسِ حَبيبٍ حَمَل الوَرْدَ على الخَدِّ



إذا بلَّلَه الطَلُّ روى مِنْ شُعَلِ النَّدِّ



فلا يُعْجِزُه ضِدُّ ولا يُشْبِهُه نَدِّ








والقول يُسلِمُ إلى ظهورِ أبياتٍ جاءتْ على وزن الهزَج، سلِمتْ قوافيها بالتزام الكمِّ والكَيف رَويًّا ووصلاً؛ اللهم إلا في البيت الأخير الذي بان فيه إقواء أمره في حساب الإِيقاع مرفوض؛ حيث الحاجة عند الشَّاعِر إلى سلامة إيقاع القافيَة أولى من الحاجة إلى سلامة اللغة.








وفي بَنْد للسيد "محمد الزيني" من القرن الثّاني عشر جاء مطلعه[10] أشطر أو أبيات من الرمَل على نحو:



يا شذا طِيبِ نَسيمِ



مَرَّ في رَوضٍ وَسيمِ



فشَفى قلبَ سَقيمِ








وهو تقسيمٌ يُؤذن بتقسيماتٍ إيقاعيَّة أخذتْ أواصرها من نِظام الموشَّحات والمسمَّطات الخ، وفي هذا البَنْد ثلاثية هزَج أيضًا على نحو:



خليَّاتٌ مِن الرَّيْبِ



بَرِيئاتٌ مِن العَيبِ



هَذيَّاتٌ مِن الغيبِ








ما الذي يحكيه هذا التصورُ السابقُ؟







في حُسباني يَحكي أن مستخدم البَنْد لم يقصدْ به التلاعُبَ بين الأوزان المتداخِلة وحدها، وإنَّما بأطوال هذه الأوزان؛ ومِن ثَمَّ جاء جُماعًا تشكيليًّا للأوزان والأطوال.








الثالثة: كان على دارس البَنْد أن يدرك أنَّ المزاحَفة في تفعيلاته تَطغى على التَّمام، فالتفاعيل غير المزاحفة نادرة الوجود؛ فالأغلب في ورود فلاعلاتن فَعِلاتن، والأغلب في مفاعيلن مفاعيلُ، ولو كانت مستفعلن واردةً، فالأغلب في مجيئها مُسْتعلن، والأغلبيَّة بالمزاحَفة تمثل شكلاً دائريًّا واحدًا.








ومعنى هذا أنَّ إطار البَنْد مزاحَفًا وغير مزاحَف كان يحركه منظور نِظام قبل أن يكون منظور استعمال. فدائرة الخليل بن أحمد التي هي تجريد لنِظام أسَّستْ إيقاع البَنْد؛ ومِن ثَمَّ فتصوُّره ثورة على المألوف من النِّظام تصوُّر مبالَغ فيه.








الرابعة: حين رفض "الدجيلي" نص ابن دُرَيد مصوِّرًا لظاهرة البَنْد كان مؤدى الرفض قطعُ صلة تأثر البَنْد بالقديم كي يُثبت انفراد العراق به في الأدب المتأخر. والرفض قد بان أيضًا من خلال نصٍ آخر للمعري نفى صلته بأبي العلاء من خلال قوله بعدم ذكره في جميع ما طُبع لأبي العلاء، وهذا النصُّ يبدأ بقوله: "أصلحَك اللهُ وأبقاك، لقدْ كان مِن الواجب..."[11].








ومسألة الرفض فيها مِن مجانَبة الصواب والحَيف الكثير؛ فابنُ دُرَيدٍ بانَ مِن تحليل نصِّه محاولةُ تلاقي البحور لديه في تركيبٍ نثريٍّ متواصل لا أساس فيه لتقفيةٍ، وهذا ما دعانا إلى تصوُّر البَنْد في حيِّز التلاقي مع ظاهرة التَّدْوير، فالنظرُ إلى القديم يُثبتُ وجودَ نماذج توحي بالتواصل الذي يشبه البَنْد، ويُعدُّ إرهاصًا في طريق وجوده، وها نحن نقدِّم نصًّا بالإِمكان أنْ تتحوَّل فيه الإِمكانة العموديَّة إلى إمكانة نثريَّة يحُكم أمرها الاتصال، ففي سرِّ الفصاحة يقولُ ابن سِنانٍ الخفاجيُّ (ص: 186): "ومن عيوب القوافي أن يَتمَّ البيت ولا تَتمَّ الكلمة التي منها القافية، حتَّى يكون تمامها في البيت الثاني، مِثل أبيات كتبها إليَّ "الشَّيخ أبو العلاء بن سليمان" في بعضِ كتبه، وحكى أنَّ أبا العباس المبرِّد ذكرَها في كتابه الموضوعِ في القوافي، وسمَّى هذا الجنس مِن عيوبِ القافية - المجازَ - والأبيات:



شَبِيهٌ بِابْنِ يَعْقُوبٍ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ يُو



سُفٌ يَشْرَبُ الخَمْرَ وَلاَ يَزْنِي وَلاَ يُو



سِعُ الأمْواهَ بالقهْوةِ مَزْجًا لَمْ يَكُنْ دُو



نَ فِي صُبْحٍ وإِمْسَاءٍ وَهَذَا مُنْكَرٌ يُو



شِكُ الرَّحْمَنُ أَنْ يُصْلِيَهُ فِي نَارِ خِزْيٍ هُو



لَهَا أَهْلٌ فَلاَ يَكشِفُ رَبُّنَا السُّو



ءَ إِنَّ الأَخْضَرَ الإِبْطَينِ ذا الفَحْشَاءِ لاَ يُو



قِدُ النَّارَ لِأَضْيَافٍ وَلَوْ قِيلَ لَهُ ذُو



دَنَانيرٍ وَأَمْوَالٍ فَيَا رَحْمَانُ لَا تَو



سِعِ الرِّزْقَ عَلَى هَذَا الَّذِي مَنْظَرُهُ لُو



لُؤٌ وَالفِعْلُ سَتُّوقٌ فَوَزْنُ الرِّيشِ لاَ يُو








وقطع الكلام على يو"؛ ولو أكملَ لقالَ - فيما أظنُّ -: فوزنُ الريشِ لا يُوزَنُ.








ما الذي يُراد لهذا النص ويُبْغى؟



بإمكانه أنْ يرتدَّ إلى بَنْد قديم، ولا خوف من تردُّد الواو فيه نهاية؛ لأنَّ حق القافية غير قائم؛ فمِن المُدرَكِ أنَّ للقافية ثوابتَ التزامٍ، فحين يردِفُ البيتَ الثاني أو يؤسِّس "ولا يو"؛ فإنَّ هذا السريان لا يجري على البيتِ الأوَّل المنتهي بقوله: "لم يكن يو". وحين تتحوَّل "هُوَ" بفتح الهاءِ إلى "هو" بالتَّسكين، وتَضيع همزةُ "لؤلؤ" الأولى مِن قوله: "الذي مَنظرهُ لو"؛ فإنَّ هذه الأمورَ بإمكانِها أن تكسر تردُّدَ القافية، وتجعل أمر السكْت النهائي غيرَ وارد، فالصلة في الأبيات السابقة قائمةٌ على نحوِ تتالٍ نثري وافق بحر الهزَج، حيثُ بالإمكانِ أن ينطقَها منشدٌ قائلاً: "شبيه بابن يعقوب ولكن لم يكن يوسف يشرب الخمر ولا يزني ولا يوسع الأمواه بالقهوة مزجًا لم يكُنْ دون في صُبح وإمساء، وهذا منكرٌ يوشك الرحمن أن يصليه في نارِ خِزي هو لها أهلٌ...".








لقدْ تلاعَب المبدعُ بتركيبٍ لُغوي متواصل، أوْهم بقسمةِ بعض صِيَغِه وجودَ قافية.








فما الذي بقى لنصٍّ مِثل هذا أن يكون على غرار البَنْد وطريقه؟



مُجرَّد إضافة سابقة السبب الخَفيف التي تُحوِّل الهزَج إلى رمَل؛ وعلى هذا فإنَّ مقصودَ هذا النصِّ أنَّ التلاعب بقيم الإِيقاع داخل تشكيل نثري ليس مَظهرًا طارئًا، وإنما هو وافد إبداعي قديم، ولعله كان هاتفًا واضحًا لظاهرة البَنْد في الأدب العربي. فالرِّدة إلى القديم بُغية وصف ظاهرة البَنْد تُعد مطلبًا لا غنى عنه وقد وصل "ابن سنان الخفاجي" هذا التصرف بظاهرة التضمين التي أفصحتْ عن اتصال البيت الأول بالذي يليه حين قال: "ومما يجري هذا المجرى التضمين، وهو ألا تستقلَّ الكلمة التي هي القافية بالمعنى حتَّى تكون بما في أول البيت الثاني"[12]؛ وهذا ما دعاني إلى وضع البَنْد في سلك يؤازر التضمين في الدَّلالة على الاقتراب من تصور ظاهرة التَّدْوير؛ إذ التَّدْوير اتصال لا قطْع وسكْت، وتلك مسألة بان أمرها في التضمين والبَنْد.







[1] "البَنْد في الأدب العربي" (68).



[2] "البَنْد في الأدب العربي" (14).



[3] دائرة من دوائر الخليل تفصح عن أبحر ثلاثة هي: الرمَل والهزَج والرَّجَز.



[4] البَنْد في الأدب العربي ص"م".



[5] السابق.



[6] السابق.



[7] راجع "قضايا الشِّعر المعاصر" (ص: 8).



[8] "قضايا الشِّعر المعاصر" (ص: 9).



[9] "البَنْد في الأدب العربي" (ص: 5).



[10] السابق (27).



[11] راجع ص"ع" في البَنْد في الأدب العربي.



[12] "سر الفصاحة" لابن سنان الخفاجي (187).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 06-08-2022, 10:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع

التدوير في الشعر















دراسة في النحو والمعني و الإيقاع (4)



أ. د. أحمد كشك







الشَّطر والإِنهاك في نِظام الإِيقاع:



استقلّت بعض قصائد الشِّعر العربي بنِظام إيقاعي جعلت فيه نصف البيت التام بيتًا مستقلاًّ معتبرة ذلك البيت مشطورًا اكتفاء بحد الشَّطر فيه، وكذلك استقلَّتْ بنصف المجزوء جاعلة إياه بيتًا مستقلاًّ مسمى بالمنهوك؛ ومع أن توامَّ البحور كثيرة، وكذلك مجزوءاتها لم يَخرج الشَّطر والإِنهاك عن إيقاع بحور بعينها بين إيقاعاتها تداخُل وارتباط.







فقد بان الشَّطر في نِظام الرَّجَز وهو الأصل والأساس حيث تتجه إليه معظم قصائد المشطور، وكذلك بان في نِظام السَّريع الذي اختلط واديه غالبًا بمشطور الرَّجَز حتَّى أصبحت الخلطة بينهما في النسبة قائمة.







وقدْ بان النهْك في نِظام الرَّجَز والمُنسرِح الذي يسرى إليه وبخاصة حين ينتهي البيت بـ "مفعولا"؛ لأنها توازي وقتها مستفعل، ولم يُعْهد للسريع إنهاك؛ لأن حدود التفعيلتين الباقيتين تسلم إلى رجَز تمامًا.







ومن هذا العرض يَبين أن الشَّطر والإِنهاك وليدا بحرٍ أساسي هو الرَّجَز، ورؤية هاتين الظاهرتين تثبت ما يلي:



أنَّ البيت في هذا النِّظام يمثل كتلة واحدة فلا ورود للتقسيم النصفي فيه؛ وهذا ما جعل العَروضيِّين يرَون عَروضه وضربه شيئًا واحدًا، فالارتكاز يكون فيه على الإِيقاع النهائي للقافية؛ ومن ثم جاء التَّدْوير مَطلبًا واجبًا فيه؛ لأنَّ مشطورًا أبياتُه مكونة من ثلاث تفعيلات، لا يحتمل التقسيم النصفي؛ إذ لا يمكن وضع قسم مكون من تفعيلة ونصف والآخر هكذا، وحتَّى لو صح فرض هذا فإن مطلب الانسجام في الإِيقاع لن يَسلم؛ لأنَّ قسمة التَّفعيلة الوسطى يؤدي إلى جَور وخلل فمستفعلن الوسطى رجَز يرتد سبَباها إلى القسم الأول الذي يحوي وقتها أربعة أسباب ووتِد، ويرتدُّ وتِدُها إلى القسم الثاني الذي يتشكَّل وقتها من وتِدَين وسببَين. وحسبة الانسجام من خلال هذا التقسيم ضائعة؛ مما يَفرض نُطق الشَّطر دفعة واحدة.







أما المنهوك فافتراض قسمته مع عدلها تصل بنا إلى أن يكون القسم تفعيلةً واحدةً وهنا تكون التَّفعيلة وحدها محلَّ سكتة إيقاعيَّة مما يوحي بأن الإِيقاع في القصيدة إيقاع تفعيلة لا إيقاع نِظام بين التفاعيل، فالإِيقاع التفعيليُّ يَنفي مطلَب البحر والوزن؛ ولعلَّ إرهاصاتٍ قد شكَّلتْ ما هو أكبر من الشَّطر أورَدها الشِّعراء قديمًا، وقد مثَّلتْ غُربتها غَرابة لدى دارسي العربية وقتها، فقد وردتْ بعض صياغاتٍ شعرية التزمتْ التَّفعيلة الواحدة بيتًا سمَّاها "ابن جنى" القوافي المنسوقة، من مثل قول سلْم الخاسر:



موسى القمرْ



غيثٌ بكَر



ثُمَّ انهَمَر







ومن مثل قول الآخر:



طَيْفٌ ألَمّ



بذي سَلمْ



يَسْرى العتَمْ



بين الخِيَمْ



جاد نعمْ







ومن مثل قول الآخر أيضًا:



قالت حِيَلْ



شَؤُمَ الغَزَلْ



هذا الرَّجُلْ



حِين احْتفلْ



أَهْدى بصَلْ[1]



فالتَّفعيلةُ المفردَةُ جاءتْ بيتًا مستقلاًّ؛ دليل ذلك تقفيتها. والنماذج السابقة من الرَّجَز؛ مما يثبت أن الرَّجَز وصل إلى طول أقل من النهك.







ولعل أمثال هذه النماذج التراثية التي اعتمدت على التَّفعيلة بيتًا قد وصلت بالشِّعر الحر إلى مساره فاختيار التَّفعيلة وحدة بيت في هذا المأثور، وتعدادها دون تقفية كما هو وارد في نِظام البَنْد يؤكد علاقة إيقاع الشِّعر الجديد بهذين النِّظامين.







بداية:



أين التَّدْوير إذن من خلال نِظامي الشَّطر والإِنهاك؟



التَّدْوير مطلب أساسي لتحقيق هذَين النِّظامين؛ فالاتصال في نُطق البيت والارتياح عند نهايته الغاية الإيقاعيَّة من المشطور والمنهوك اللذَين رسخ بهما إيقاع بحر الرَّجَز، ولعلَّ خصوصَ الرَّجَز بهذه الظواهر أبان استقلاله عن جملة الإِيقاعات الأخرى وقد بدا أن ما خرج من الرَّجَز موافقًا نِظام البحور الأخرى التي استخدمت تامة ومجزوءة بعيدًا عن أنظمة المزدوَج - قليلٌ جدًّا إذا ما قِيس بالمشطور والمنهوك، فمن جملة إحصائيَّةٍ توجَّهتْ إلى شُعراءَ لَيسوا برُجَّاز، ظهر أنَّ استخدام المشطور والمزدوَج فاقَا استخدامَ التام والمجزوء مع اعتبار نفي أشعارٍ تعليميَّةٍ ارتكزتْ على المزدوج من الرَّجَز ونفي مَن اشتهر بهذا الفن.







[1]راجع في ذلك "الخصائص" (2/263، 264)، وقد وضَع ابنُ رَشيق الإِيقاع السابق ضمن الأراجيز التي جاءتْ على جزءٍ واحد، وقد جاء بنصِّ سلم الخاسر كله:

موسى المطرْ، غيث بكر، ثم انهمر، ألوى المرر،

كم اعتسر، ثم ابتسر، وكم قدر، ثم غفر

عدل السير، باقي الأثر، خير وشر، نفع وضر

خير البشر، فرع مُضر، بدرٌ بدر، والمفتخر، لمن غبر.

والتقفية من خلال التفعيلات؛ إضافة إلى كون المقطوعة أحادية العد تنفي كون الأبيات السابقة من المجزوء في تصوري، وعن هذِه المقطوعةِ أَوردَ ابنُ رشيقٍ أنَّ الجوهريَّ سمى هذا النوع بالمقطع؛ راجع "العمدة" (1/185).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06-08-2022, 10:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع

التدوير في الشعر















دراسة في النحو والمعني و الإيقاع (5)



أ. د. أحمد كشك





العلاقات التي تَنأى عن التَّدْوير







أولاً: التَّصريع والتقفية











إذا كان التَّدْوير عبارةً عن انسياح الشَّطر الأول في الشَّطر الثاني إنشادًا، فإنَّ هناك جملةَ ظواهرَ إيقاعيَّةٍ تنأى عن هذا التصوُّر وتجافيه، مِن هذه الظواهر:



1- التَّصريع والتقفية:



يوضِّحان القِسمة الشَّطريَّة تمامًا ويمنعان المُنشِد من إحداث تداخُل نُطقي بين قِسمي البيت، وإليهما يتَّجه الشَّاعِر قاصدًا ما يُحدثِان من نغَم؛ لأنهما من المكونات الإيقاعيَّة لمطالِع كثيرٍ مِن قصائد الشِّعر العربي.







والتَّصريع هو ما كانت عَروض البيت فيه تابعةً لضَربه تَنقُص بنَقصه وتَزيد بزيادته كما يقول ابن رشيق في "العمدة". فمِن الزِّيادة التي أحْدثتِ الموازنةَ التَّامَّة بين إيقاع الشَّطرين قول امرئ القيس:







قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ وَعِرْفَانِ

وَرَسْمٍ عَفَتْ آياتُهُ مُنْذُ أَزْمَانِ










فقد جاءتْ نهاية الشَّطر الأول وهي المسماة بالعَروض "مفاعيلن" موافقةً لحقِّ نهاية الشَّطر الثاني المُسمَّى بالضَّرْبِ، وحَقُّ عَروض الطَّويل بعيدًا عن التَّصريع أن تكون مفاعِلن لا مفاعيلن؛ ومِن هنا فقد خَرجتِ العَروضُ عن مسارها المرسوم لها لإِحداث مساواةٍ بين الشَّطرين ليس في الكَمِّ فقط وإنما في الكَمِّ والكَيف معًا، فعَروض امرئ القيس أوجدتْ قافيةً ثنائيَّةَ المقاطِع هي "فا - ني" فيها من حروف القافية رِدْف ورَوِّي ووصْل وهي أصوات جرَتْ في العَروض كما جرتْ في الضَّرب؛ أي أن القافية "ما - ني" ثنائيَّةُ المقاطع أيضًا[1].







مِن هذه المقابلة الكَمِّية والكَيفيَّة ينتفي التَّدْوير حيث الاستقلال مطلَب ينفي أمر الاتصال.







ومِن النقصان قول امرئ القيس أيضًا:







لِمَنْ طَلَلٌ أَبْصَرْتُهُ فَشَجاني

كَخَطِّ زَبُورٍ في عَسِيبِ يَمَانِي










فالعَروض وافقتِ الضَّرب كمًّا وكيفًا؛ أي وزنًا وقافية؛ وهي بميزان الطَّويل مِن البحور ناقصة؛ لأنها حين جاءت "مفاعي" فقد قلَّت عن "مفاعلن" التي هي أساس العروض.







والتقفية - وهي قَرين تصوُّر التَّصريع في عدَم اتِّصال الشَّطرين إنشادًا - يتساوى فيها الجزءان مِن غير نَقص أو زيادة فلا يَتبع العَروض الضَّرْب في شيء إلا في السَّجْعِ خاصَّةً كما يَرى ابن رشيق[2]، وقد خانه الكلام في التَّعبير عن المماثَلة هنا بالسَّجع؛ لأن العلاقة بين الشَّطرين ليست عَلاقةَ منثور بمنثور وإنما علاقة موزون بموزون. ومثال الموازنة بين الشَّطرين تَقْفيَةُ قول امرئ القيس:







قِفا نَبْكِ مِنْ ذِكْرى حَبيبٍ وَمَنْزِلِ

بِسِقْطِ اللِّوى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَومَلِ










فالاتِّساق لم يَخرج بالعَروض "ومنزلي" مفاعلن عَن سياقها المفترَض في بناءِ القَصيدة كلِّها.







وقَدْ أَسهبَ ابنُ رشيقٍ في الحديث عن ظاهِرَةِ التَّصريع مُبيِّنًا أنَّ سببها "مبادَرة الشَّاعِر القافية ليعلم في أول وَهْلةٍ أنه أخذ في كلام موزون غير منثور"[3]. وهذا معناه أن التقسيم الإِيقاعيَّ مع التَّصريع مَطلبٌ لأن الوَصْلَ الإِنشادي الآتي مِن التَّدْوير يوحي باتجاه الموزون إلى النثر أكثر مِن اتجاهه إلى الشِّعر.







ويَرى ابن رشيق أن التَّصريع وإنْ خصَّ المطالع فقد ورَد أحيانًا في داخل القصيدة وجاء وُرودُه موحيًا بانتقال الشَّاعِر من قصَّة إلى قصَّة، وفي غير هذا الإِيحاء عند وُرودِه الداخليِّ تكلُّفًا، وقد حَسِبَ أنَّ كثرتَه في غير موضعها أيضًا من باب التكلُّف، وقد استُثني مِن هذا التكلُّف ما ورَدَ مِن استخدام المتقدِّمين له، وقدْ جاءَ بأبياتٍ لامرئ القيس تَدخُل تحتَ باب الاستثناءِ يقولُ فيها:



تَرُوحُ مِنَ الحَيِّ أَمْ تَبْتَكِرْ



وَماذا عَلَيكَ بِأَنْ تَنْتَظِرْ



أَمَرْخٌ خِيامُهُمُ أَمْ عَشِرْ



أَمِ القَلْبُ في إِثْرِهِمْ مُنْحَدِرْ



وَشاقَكَ بَيْنَ الخَلِيطِ الشَّطر



وَفِيمَنْ أَقامَ مِنَ الحَيِّ هِرْ







فوالَى كما يقول ابن رشيق[4] بين ثلاثة أبيات مصرَّعَة في القصيدة.







والأبْيات السَّابقة كما أرَى مِن المُتقارِب الذي يَنوءُ إيقاعه بكثرة استخدام "فعول" عَروضًا، والتي في وُرودِها عَروضًا إيحاء بالاتصال، وهي تتَبادل في موقِع العَروض مع "فعو" المكان؛ ولأنَّ التَّصريع بنفْي الاتصال ويطلب القَطْع ويَحرص على الموازنة التامة مع الضَّربِ؛ فإن فعول لم يَعُدْ لها وُرودٌ مع الأبيات المصرَّعة من بحر المُتقارِب.







وقد حاول ابن رشيق في كلامه عن التَّصريع أن يُبيِّن مَذاق الشِّعراء في استخدام هذه الظاهرة مُتتبِّعًا بعض الشِّعراءَ قائلاً في بعضهم: "وأكثر شِعر ذي الرُّمَّة غير مُصرَّع الأوائل، وهو مَذْهَبُ الكثير من الفُحول وإن لَمْ يُعَدَّ منهم لِقِلَّةِ تَصرُّفِه، إلا أنهم جعلوا التَّصريع في مُهمَّات القصائد فيما يتأهَّبون له مِنَ الشِّعر، فدلَّ ذلك على فَضْلِ التَّصريع"[5]. من هنا يَبدُو أنَّ التَّصريع بوصفه ظاهرة إيقاعيَّة منافٍ ومجافٍ لحق التَّدْوير ففي.. التَّصريع إفصاحٌ عَنْ نغَمِ الشَّطر الأول كي يكون صَدى يَتردَّدُ مُوازيًا الصَّدى الذي يُحْدِثُه نَغَمُ الشَّطر الثاني، والتَّدْوير ضَياعٌ لهذا الإِفصاح، وقَدْ ورَدَ التَّدْوير في مَطلَع القصائدِ كما في قَولِ أبي العَلاء:



"إِنْ شِئْتَ كُلُّ الخَيْرِ يُجمَعُ في الأُلَى فَبِتْ كالصَّارِمِ الفَرْدِ" مُوحيًا باتِّصال يَنْفي سَكْتةَ العَروض ويُظهر المخالفة التّامَّة بين التَّصريع وبَينه؛ وكأنَّه في مُقابِل التَّصريع يَدُل على أنَّ الهدَف مِن وُرودِه دِلاليٌّ أكثر مِن كَونه إيقاعيًّا، وأن هدف التَّصريع إيقاعيٌّ في المقام الأول، وهذا مُؤدّاه أنَّ غايةَ التَّدْوير الإيقاعيَّة غايةٌ دِلاليَّةٌ.







ومَعَ تصرُّف أبي العَلاء السابق حِين دوَّر في المَطلَع فإنَّ ابن زَيدون قد أوجَد عَن غير قَصدٍ تَدْويرا في مَطلَع لدَيه وُضع في نِطاق احتمال التَّصريع حِين قال[6]:







أَحَمِدْتَ عاقِبَةَ الدَّواءِ

ونِلْتَ عافِيَةَ الشِّتاءِ؟










ولأنَّ الرويَّ مَجرور والبيت مِن مجزوء الكامل؛ فإنَّ المطلَع أَوهَم التردُّد بَين التَّصريع والتَّدْوير وبينهما مِن التَّخالُف ما بينهما؛ ومِن هنا فلَنْ يُغَرَّ القارئ بالتَّصريع مِن خِلال وضْع كلمة "الدواء" في مقابل "الشتاء"؛ لأنَّ حدَّ وزْن الكامل سوف يَضيع حَيثُ لم يُعهد وُرودُه عَروضًا ولا ضَربًا ولا داخل الوَزن على نحو "مفاعلن"؛ ولهذا فلا اكتمال لِوزنٍ إلا بالتَّدْوير. فماذا أراد ابنُ زَيدون بصياغته البيتَ على هذا النحو؟







هَل أراد إحداثَ تلاعُب إيقاعيٌّ بَين نَقيضَين في مَطلَع قصيدته، أو أنَّ الوارد عَفْو الخاطر دُون قَصد أو حدَس؟ مَسألَة مَسارُها في إحساس ابن زَيدون ولن يُجيبَ عَنها إلا دِراسَة مُتأنِّيَةٌ للجانب الإِيقاعيِّ عِند ابن زَيدون، وفي نِطاقِ التَّصريعِ الموجود في مَطلَع القصائد غالبًا ظاهرة تنافيه هي ظاهِرة الخَرم الذي يَهدِف إلى كَسرِ حِدَّةِ التوقُّع في المطلَع وإحداثِ المفاجأة[7]، على حين أنَّ التَّصريع ارتكاز على بيان حقِّ البَيت وحقِّ الوزْن مِن أوَّل مَدخَل. يَقول حازِم في ذلك: "فإنَّ للتصريع في أوائِل القصائد طِلاوةً وموقعًا مِنَ النفْس لاستدلالها بِها على قافِيَة القصيدة قَبلَ الانتهاء إليها ولمناسبةٍ تَحصُل لها بازدواج صِيغتَي العَروض والضَّرب وتَماثُل مَقطعها لا يَحصُل لها دون ذلك وقد قال حَبيب:







وتَقفُو إلى الجَدوَى بِجَدْوى وَإِنَّما

يَرُوقُكَ بَيتُ الشِّعرحِينَ يُصرَّعُ[8]










ومع كَون التَّصريع مُنافيًا للتَدْوير ففي ظنِّي أنَّ الخَرْم أَيضًا يَقلُّ وُرودُه مع التَّدْوير.








[1] في حدود تصور المقطع فإن المقطع الذي يتكون من صوت واحد كالضاد في كلمة ضَرب سوف يرمز له بـ "ص ح"، والمقطع الذي يتكون من صامت بعده حرف مد يرمز له بـ "ص ح ح" كالمقطع "عا" من كلمة "عالم". والمقطع الذي يتكون من صامت فحركة فصامت يرمز له بـ "ص ح ص" كالمقطع "مُسْ" من كلمة (مسلم).



[2] "العمدة" (1/ 173).



[3] السابق (1/174).



[4] السابق (1/175).



[5] "العمدة" (1/ 176)، ومما دَلَّت عليه إحصائيَّتُنا محور الدراسة على سبيل المثال أن شاعرًا كالمتنبي حفَلتْ مَطالِع قَصائِدِهِ بالتَّصريع، وقد صرَّع داخِليًّا تِسْعَ مرّاتٍ في قصائدَ مِنَ الكامل والمُتقارِب والمُنْسَرِح. وأنَّ شاعرًا كالفرزدق لم يَكُ ميّالاً إلى التصريع كثيرًا في مطالع قصائده، وإنما كان مَيْلُه إلى إحداث خلاف التوقُّع في مطلعه وهذا بادٍ من كثرة الخَرْمِ لَدَيهِ.




[6] "ديوان ابن زيدون" (ص: 117).



[7] سوف نتناول هذه الظاهرة واصفين إياها من خلال إحصاء عند ذكْر البُحور التي تَرِدُ فيها وسوف يكون مكانها الهامش.



[8] "منهاج البلغاء" (283).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 06-08-2022, 10:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع

التدوير في الشعر
دراسة في النحو والمعني و الإيقاع (6)



أ. د. أحمد كشك





العلاقات التي تَنأى عن التَّدْوير

ثانيًا: المُوشَّحاتُ إفصاحٌ عَن نغَم الأَشطُر



إذا كان التَّدْوير عبارةً عن انسياح الشَّطر الأول في الشَّطر الثاني إنشادًا، فإنَّ هناك جملةَ ظواهرَ إيقاعيَّةٍ تنأى عن هذا التصوُّر وتجافيه، مِن هذه الظواهر:

ثانيًا: المُوشَّحاتُ إفصاحٌ عَن نغَم الأَشطُر:
أضْحتْ المُوشَّحات قَرينةَ أقْيِسَة طُوليَّة مُتنوعة تَسري وَفق نِظام نغَميٍّ تَحكُمه القافية، وللمُوشَّح طريقةٌ خاصَّة في التقْفيَة تُميِّزه عن غيره مِن ألوان النَّظم العربيِّ ولمشابهة هذه الطريقة لألوان أُخرى سابِقة للتوشيح زعَم بعض النُّقاد أنَّ الموشَّح مرحلَة انتقاليَّة في طريقة النظْم العربيِّ من حَيث التقْفية[1].

ويتشكَّل الموشَّح في هَيكله العام مِن مَطلَع ويُسمَّى المَذهَب، وأَقلُّ ما يكون المقطَع اثنان وقُفْل وهو تَكرار لهذا المطلَع أو تَردُّد له بنفْس العَدد والنِّظام، وليس للأقفال في الموشَّح عَدد مُعيَّن، وآخِر قُفل في الموشَّح يُسمَّى خَرْجة، وبَين المطلَع والأقفال يأتي الدَّور وهو مجموعة أبيات أو أَشطُر تُخالِف تقْفيَتها تَقفيَة المَطلَع والقُفل، والبَيت في الموشح يَشمَل الدَّور والقُفل معًا. ولعل عَرْضًا لجزء من موشح لابن سَناء المُلْك يُوضِّح ذلك:
مطلع:
يَا شَقيقَ الرُّوحِ مِن جَسَدي
أهوًى بِي مِنْكَ أَمْ لمحمُ


دَور:
ضِعْتَ بَينَ العُذْرِ والعَذَلِ
بَيت
وَأَنا وَحْدِي عَلى خَبَلِ
ما أَرَى قَلْبِي بِمُحْتَمِلِ


قُفل:
ما يُرِيدُ البَينُ مِنْ خَلَدِي
وَهْوَ لا خَصْمٌ وَلا حَكَمُ


ولعلَّ هذه الفقْرةَ وحْدها مُمثلةٌ لِنموذج مَن نماذج الموشَّحات تُثبتُ استقلال كل قسيم بِحُكم إيقاعيِّ قافَويّ خاصِّ به[2]؛ ومِن ثَمَّ فلا إمكان للتَدْوير، والذي أَحسبه هنا أنَّ كلَّ قسيم بدَا غالبًا مستقلاًّ نحويًّا ودلاليًّا، وهذا ملاحظٌ في دَلالة القسم الأوَّل مِن المطلع فهو جملةٌ نِدائيَّة لها في عُرف النحوِ استقلال، والقسم الثاني مِن المطلع جملة استفهاميَّة كامِلة الأرْكان نَحويًّا ودِلاليًّا، وكلُّ قِسم في الدَّور جُملةٌ إسناديَّة تَستقلُّ بذاتِها رغمَ وجودِ أداةِ العطف في القِسم الثاني، والجُمَل هي:
ضِعْتَ بيْن العُذْرِ والعَذَل - أنا وحْدي على خَبَل - ما أرَى قَلْبي بِمُحْتَمِل - فالاتِّصال الإِنْشادي في الموشَّح يَنفيه مَطلبُ الإِيقاع؛ لأنَّ السَّكتَ هنا محكومٌ بنِظام يَتعيَّن به الموشَّح، وهذا ما جَعَل الوشّاحَ يُغطَّى بقِسمه حقِّ النحوِ والدَّلالة.

وإذا كان البحثُ قد خَصَّ الموشَّحات بعُنوانٍ يُنافي حقَّ التَّدْوير؛ فإنَّ أي نِظام إيقاعيٍّ شَبيه يَروم سَكتة الأَشطُر جاعلاً إيّاها جُزءًا مِن الإِيقاع يُحسَب في نِطاق الموشَّحات؛ وذلك كالأنْظمَة التي سبَقتْ الموشَّح وُجودًا واعتُبر الموشَّح تَطورًا لها ونَعني بها المسمَّطات والمربَّعات والمُخمَّسات[3].


[1] "فن التوشيح" (41).

[2] الذي يُريد أن يدركَ جملة مِن الموشَّحات الأندلسيَّة مختلفة الأنماط والأشكال، فعليه أن يتَّجه إلى كتابِ "الموشحات الأندلسيَّة"، الذي حقَّقه الأستاذ الدكتور سيِّد غازي، وهو سِفر ضخم يَحكي كمًّا هائلاً من الموشَّحات، والكتاب مطبوعٌ في منشأة المعارف بالإسكندريَّة عام 1979م.

[3] أَنظمَة تَتلاقَى في أنَّ الشَّطر فيها يُمثِّل استقلالاً إنشاديًّا وعنْ واحدٍ منها وهو المُسمَّط يقول ابن رشيق في "العُمدة" (1/179) هو "أن يَبتدئ الشّاعِر ببَيت مُصرَّع، ثُمَّ يأتي بأربعة أقسام عَلى غَير قافِيَته، ثُمَّ يُعيد قسيمًا واحدًا مِن جِنسِ ما ابتدأ به، وهكذا إلى آخر القَصيدة" وقد مثَّل لذلك بقَولٍ لامْرئ القَيس اعتقَد انتحالَه؛ لأنَّ هذا النظام لمْ يُعهَد في شِعر جاهِليٍّ؛ إذْ هو وليدُ عَصر الغِناء. والأبْيات الوارِدة دَليلاً على المُسمَّطِ، والتي تُبيِّن استقلالَ الشَّطر وتَنفي التَّدْويرَ بيْن الأقسامِ، هي:
تَوهَّمْتُ مِن هِنْدٍ مَعالِمَ أَطْلالِ
عَفاهُنَّ طُولُ الدَّهْرِ في الزَّمَنِ الخَالِي
مَرابِعُ مِنْ هِنْدٍ خَلَتْ وَمَصايِفُ

يَصِيحُ بِمَغْناها صَدًى وَعَوازِفُ
وَغَيَّرَها هُوجُ الرِّياحِ العَواصِفُ
وَكُلُّ مُسِفٍّ ثُمَّ آخَرُ رادِفُ
بِأَسْحَمَ مِنْ نَوع السِّماكَينِ هَطّالِ
نِظام ارتكز على سَكَتاتِ أقسامه وليس العَهْد به في شِعرٍ جاهليٍّ كما أحسَّ ابن رشيقٍ وكما دلَّت علَيه إحصائيتنا بعْد ذلك.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-08-2022, 10:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع

التدوير في الشعر
دراسة في النحو والمعني و الإيقاع (7)



أ. د. أحمد كشك




العلاقات التي تَنأى عن التَّدْوير

ثالثًا ورابعًا: الإِشْباع في العَروض قطْع للتَدْوير، الإِجازة والحِوار بالشَّطر

التدوير في الشعر.. دراسة في النحو والمعني والإيقاع (7)

ثالثًا: الإِشْباع في العَروض قطْع للتَدْوير:
يَبدو أنَّ صِيغة العَروض إنِ اعْترى صَوتها الأخير إشباعٌ لتَمام الوزْن، فإنَّ ذلك مَعناه قَطع التَّدْوير حيث الإِشباع قريبٌ مِن مَطلَب الوقْف فلا حقٌّ للتَدْوير حِين يَقول الشَّاعِر:
حَصَرُوا الْعَدُوَّ فَمَا وَقَتْهُ حُصُونُهُ
مِنْ بَأْسِهِمْ وَكَثَافَةُ الأَسْوَارِ

فإِشباع الهاء في كلمة "حصونهُ" إتمام لحق العروض، وما كان لمنشد أن يشبع الضمير مع مواصلة النطق إنشاديًا. فالسكتة وقتها مطلب مهما كانت مساحتها ومداها. وهذا حاصل أيضًا حين يقول:
فَخْرٌ تَحَوَّلَ مَهْدُهُ لَحْدًا لَهُ
زَمَنًا وَعَادَ الْيَوْمَ مَهْدَ فَخَارِ

وكي يَبينَ صِحَّة ما نقول نقرأ مجموعة من أبياتِ قَصيدةٍ مِن الخَفيف الذي يَملِكُ التَّدْوير مَساره كما يتَّضح بعْد ذلك في مَسار البحْث. حَيث يَقول الشَّاعِر:
أَيُّهَا النَّائِمُونَ يَهْنِيكُمُ النَّوْ
مُ وَلاَ زَالَ حَظِّيَ التَّأْرِيقَا

فالنَّوم كلمة حقَّقت مُراد التَّدْوير ومِن ثَمَّ فلا مَطلبَ لإِشباع ضَمَّةِ مِيمها؛ فالمُزاحَفة لمفاعلاتن مَطلَب حيث تُصبِح فعلاتن. هذا الاتصال لم يَتحقَّق في قَول الشَّاعِر مِنَ القصيدة نفْسِها:
رُبَّ لَيْلٍ مُحَيَّرُ النَّجْمِ غَضٍّ
فِيهِ لاَ يَهْتَدِي الضَّلُولُ طَرِيقَا

والإِشْباع في كلِمَة غَضٍّ إتمامًا لحقِّ العَروض في الخَفيف يُوحي بسَكتة مِقدارها يَكسِر حِدَّة الاتصال.
ومِن جُملة أبياتٍ مِن المُجتَث انتفى التَّدْوير حين ظهَر الإِشباع إتمامًا للوزْن يَقول الشَّاعِر:
كَأَنَّمَا أَنْتَ فِيهِ
مُخَاطِبِي عَنْ قَرِيبِ

فالإِشْباع للضَّمير في كلمة "فيه" مَطلَب، ولَو كان للإِنشاد أن يُحقِّق الاتصال النُّطقِيِّ لضاع مَطلَب الوزْن؛ لأنَّ التَّوالي الإِيقاعيِّ يكون وقْتَها على نَحو:
كأنَّما "متفعلن" أنت في "فاعلن"،، هُـ مخاطبي "متفاعلن"، عن قريب "فاعلاتن".
وهذا واضِح أيضًا في إشْباع الضَّمير الذي خُتمتْ به عَروض البيت التالي:
هَذَا الْحَبِيبُ أَرَاهُ
وَذَا خِطَابُ الْحَبِيبِ[1]


يَبدُو إذًَا أنَّ الإِشْباع في نِهاية العَروض قَرينُ السَّكْت بعْدَه والوقْف؛ ومِن ثمّ فالسَّماح بتَدْوير أمْر غَيرُ وارِدٍ ولا مَقبُول.
رابعًا: الإِجازة والحِوار بالشَّطر:
مِن فُنون المُطارَحات الشِّعرية ما يُسمَّى بالإِجازة، وفيها يَنطِق شاعر بالشَّطر الأوَّل؛ ليُكمِل الآخَر البيت بالشَّطر الثاني وهكذا؛ ومن البدَهيِّ في هذه المُطارَحة أن يَستقلَّ الشَّطر إنشاديًّا، ومن قَبيل ذلك ما ورَد مِن مُطارَحة بين امرئ القَيس والتَّوأم اليشْكُري، وقد أراد أمرؤ القيس اختبار قدرة التوأم الشِّعرية في إجازته أنصاف ما يقول، وقد بدأتِ الإِجازة على هذا النحوِ:
امرؤ القيس: أحارِ تُرى بَريْقًا هَبَّ وهْنًا
التوأم: كنار مَجُوسَ تَسْتَعِرُ اسْتِعارا
امرؤ القيس: أَرِقْتُ لَهُ ونامَ أَبو شََريحٍ
التوأم: إِذا ما قُلْتَ قَدْ هَدَأَ اسْتَطارا
امرؤ القيس: كأنَّ هَزِيمَهُ بَوراءُ غَيْبٍ
التوأم: عَشارٌ والِهٌ لاقَتْ عَشارا[2].
وقدْ ورَدَ مِثل هذا في ديوان الفَرزْدق مِن مُطارَحة بين رجلٍ وبينَه يقول:
رجل: هاجَ الهَوى بِفُؤادِكَ المُهْتاجِ
الفَرزْدق: فانْظُرْ بِتَوْضِيحٍ باكِرِ الأَحْداجِ
الرجل: هذا هَوَى شَغِفِ الفُؤادِ مُبَرَّحٍ
الفَرزْدق: ونَوَى تَقاذَفَ غَيْرَ ذاتِ حِداجِ
الرَّجل: إِنَّ الغُرَابَ بِمَا كَرِهْتَ لَمُولَعُ
الفَرزْدق: بِنَوَى الْأَحِبَّةِ دَائِمُ التَّشْحَاجِ[3].
لا تَدْوير في هذه المطارحاتِ ما دامتِ الغايةُ المجيءَ بشطرٍ كاملٍ لإِجازة شطرٍ سابقٍ عليه.
أُمورٌ سابقة منها ما قارَب التَّدْوير، ومنها ما جانبَه وجافاه؛ لكنَّها ألقتْ ضوءًا كاشفًا على ظاهرتِنا محلِّ الدراسة التي سوف يخلُص البحثُ إليها؛ اعتمادًا على إحصائية تحاول تغطيةَ جلِّ العُصور، ممثِّلةً مجمعًا مِن مشاهير الشِّعراء، آخذين مِن طريق وصفها سبيلاً للبحثِ والتحليل.



[1] الأبيات السابقة كلُّها لشاعِر القُطرَين خليل مطران.

[2] "العمدة" (1/202، 203) بتصرُّف.

[3] "ديوان الفرزدق" (1/120).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 06-08-2022, 11:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التدوير في الشعر .. دراسة في النحو والمعني والإيقاع

التدوير في الشعر
دراسة في النحو والمعني و الإيقاع (8)



أ. د. أحمد كشك






التدوير: استقراء ووصف وتحليل

















كان الدافعُ إلى هذا الاستقراءِ الناقِص جملةُ افتراضاتٍ مبهَمة، أو قُلْ: أحاسيس غامِضة ملَكَتْ صاحِبَ البحثِ، فقد تسنَّى له وهو يقوم بدَرْسِ العَروضِ لطلاَّب الجامعات أن يُدرِكَ كثرةَ ورود التَّدْوير في بحورٍ بعينها دون بحورٍ أخرى؛ فافترَض - بناءً على كثرةِ التَّدْوير في المجزوءات، وبعضِ البحور التامَّة وعلى رأسها الخَفيف[1] - أنَّ هناك بحورًا ليس مِن هدفها الإِيقاعي الإِفصاح تمامًا عن نغمِ الشَّطر، فمِن سِماتها الإيقاعيَّة انسياح الشَّطر الأوَّل في عَلاقات الشَّطر الثاني.







وافترض - بناءً على ضياع التَّدْوير ونُدرتِه في بحورٍ أخرى - أنَّ هذه البحورَ حريصةٌ إنشاديًّا على أن تُمثِّل حقَّ القسيم الأوَّل إيقاعيًّا؛ وذلك بإيضاح سكتةِ العَروض فيها؛ ولعلَّ خِبرةً مُبْهمةً مِن خلال التعليم والتعلُّم حسبَ طريقة التقطيع الشِّعريِّ أعطَتِ الباحثَ إحساسًا أنَّ هناك سكتةً واضحةً تعقب أعاريض معيَّنة كأعاريض الوافِر التام، ومُخلَّع البسيط، هذه الخبرة المبهَمة أنتجتْ إحساسًا بأنَّ النغميةَ واضحةٌ في الوافِر والمُخلَّع، ولعلَّ المخالفةَ الشكليةَ في عَروضِ الوافرِ التي حوَّلته إلى فعولن مع أنَّها "مفاعلٌ" اقتطاع "مفاعلتن" بيَّنتِ استقلال العَروض بالوقفِ عليها؛ قطعًا لحدَّةِ المماثلة السابقة، وزادتِ الفروضُ حين تصوَّر الباحثُ أنَّ التراوحَ بين تَدْوير بيتٍ وعدَم تَدْوير آخَر داخلَ القصيدة كسْرٌ لحدَّة الالتزام في الشَّكْل الإِيقاعي وتصرف داخلَ وإثراء للإِيقاع الداخلي.







ولأنَّ الإِيقاع جزءٌ مِن عَمليةٍ إبداعيَّة لدَى الشَّاعِر، فقدْ أحسَّ الباحثُ بأنَّ مِثلَ هذه التصرُّفاتِ الإيقاعيَّة تَرتبط بسببٍ وثيقٍ بالدَّلالة والتركيب؛ وكي يبين حقَّ هذه الأحاسيسِ كان لا بدَّ لهذه الفُروضِ المبهَمة أن تتَّجه إلى مادةِ الشِّعر نفسِها، مِن خلالِ استقراء عِلميٍّ ناقص لا يُمكنه الارتكازُ على كلِّ ما ورَد من شِعر، وإلاَّ ما عاد للانتقاء والاختيار في نِطاق البحثِ العِلمي من سبيلِ، وقد حاول البحثُ أن تتوفَّر لمادة إحصائيته ما يَلي:



1- أن يكونَ الكمُّ الممثِّل لها ليس بالقليل؛ ومِن هنا كانتْ شريحة البحث حوالي 135 ألف بيت تقريبًا، وهي شريحةٌ ليستْ بالقليلة؛ إذ أدركْنا أنَّ البحث مِن خِلالها عن ظاهرةِ التَّدْوير يحتاج مِن الباحث التأنِّي في قِراءة كلِّ بيت فيها.








2- أن تُغطَّى كلُّ الاتجاهات التي تَنطوي تحتَ نِطاق الشِّعر العمودي، فالبحثُ تفسيرٌ لظاهرةٍ خاصَّة بهذا النِّظام، وهو محاولةُ تفسيرٍ له وتغيير مفاهيمَ خاطئةٍ ارتبطتْ به؛ ومِن هنا فقدْ وقع الإحصاءُ على مجموعةٍ من الشِّعراء مثَّلوا كلَّ العصور، وكان الارتكازُ في مجيء الشَّاعِر على ديوان الشَّاعِر كلِّه؛ حتَّى يكون استيعابُ الظاهرة قرينَ ذَوْقِ الشَّاعِر واستخدامه مرتبطًا بعصرِه؛ لأجْلِ ذلك ابتعدْنا عن كتُب المختارات حيث تمثيلُ الظاهرة فيها اعتباطيٌّ فقد تَتصوَّر مِن خلال قصيدةٍ لشاعر نفيًا للتَدْوير، على حين أنَّ ديوانه الخاصَّ به يعجُّ بهذه الظاهِرة، فالظاهرة لا يُدرك مَداها إلا في حدودِ شاعرها، وقد جاءَ اختيارُ الشِّعراء خاضعًا لتمثيلِ الفترةِ الشِّعريَّة تمثيلاً متباينًا بقدْرٍ ما، فإذا كان لنا أن نأخذَ مِن العَصر العباسيِّ شخصيةً مشهورة كأبي تمَّام، أخذْنا بجوارها شخصيةً أخرى أقلَّ شُهرةً كالتهامي، وإذا أخذْنا من الشِّعر الحديثِ أحمدَ شوقي أخذْنا شخصيةً تعيش هذا الاتجاه بوعيٍ مِثل حُسين عرَب، وهو شاعر له في مجالِ الشِّعر السعودي شَأْوٌ كبير؛ كل هذا حتَّى لا يَقِف الإحصاءُ إزاءَ ذَوقٍ واحدٍ قدرَ الإمكان.








3- أن يُؤخَذ منها دَلالاتٌ أخرى واضحةٌ، وإنْ كانتْ هذه الدَّلالات قرينةَ الهامش، فهي تمثِّل في مسار البحثِ توضيحًا ومساندةً لظاهرتنا، وقد أسرف البحثُ في تتبُّع ظاهرةِ الخرم في الهامش، وهي الظاهرةُ التي رأيناها تبتعِد عن التَّدْوير غالبًا؛ ولأنَّها كانتْ أثيرةَ أوزانٍ كالطَّويل والوافر، وهما وزنان عَزُب عنهما التَّدْوير كثيرًا، وقد جاءَ الهامش ممثلاً أحيانًا لذوقِ بعضِ الشِّعراءِ إيقاعيًّا، والشُّعراء الذين اعتمدتْ عليهم الإِحصائيةُ هم:



"أ" من العصْر الجاهليِّ:



وقد ورَد داخل مفهوم العصْر بعض الشِّعراء الذين عاشُوا حقبةً من حياتهم في الإِسلام.



1- النابغة الذُّبياني وجُملة أبياتِه "961 بَيت".



2- عنترة العبسيُّ وجُملة أبياتِه "1764 بَيت".



3- الأعْشى وجُملة أبياتِه "2241 بَيت".



4- عامِر بنُ الطُّفيل وجُملة أبياتِه "366 بَيت".



5- بِشْر بن أبي خازم وجُملة أبياتِه "913 بَيت".



6- حاتم الطَّائي وجُملة أبياتِه "377 بَيت".



7- الخنْساء وجُملة أبياتِها "869 بَيت".



وجُملة إحصاء أبيات هذه الفتْرة "7221 بَيت".








"ب" مِن العصْر الأُمويِّ[2]:



1- جَرير وجُملة أبياتِه "5984 بَيت".



2- الأخْطَل وجُملة أبياتِه "2598 بَيت".



3- الفَرزْدق وجُملة أبياتِه "7217 بَيت".



4- عُمر بن أبي رَبيعة وجُملة أبياتِه "3838 بَيت".



وجُملة إحصاء أبيات هذه الفَتْرة "19647 بَيت".








"جـ" مِن العصْر العباسيِّ بشَطرَيه الأول والثاني:



1- أبو العَتاهية وجُملة أبياتِه "4186 بَيت".



2- أبو تمّام وجُملة أبياته "6760 بَيت".



3- البُحتُريُّ وجُملة أبياتِه "11621 بَيت".



4- المتَنبِّي وجُملة أبياتِه "5537 بَيت".



5- أبو فِراس الحمدانيُّ وجُملة أبياتِه "2852 بَيت".



6- المعرِّيّ[3] وجُملة أبياتِه "13220 بَيت".



7- أبو الحسَن التُّهاميُّ وجُملة أبياتِه "3429 بَيت".



8- حَميد بن ثَور الهِلاليُّ وجُملة أبياتِه "591 بَيت".



9- رَبيعَةُ الرَّقيُّ وجُملة أبياتِه "267 بَيت".



10- الباهِليُّ وجُملة أبياتِه "395 بَيت".



11- ابن المُعْتزِّ وجُملة أبياتِه "5550 بَيت".



وجملة إحصاء أبيات هذه الفترة "54408 بيت".








"د" مِن الأندلُسيِّ:



1- ابنُ زَيدون وجُملة أبياتِه "2725 بَيت".



2- ابن خَفاجَة الأنْدلُسيُّ وجُملة أبياتِه "3359 بَيت".



3- ابن هانِئ الأنْدلُسيُّ وجُملة أبياتِه "4062 بَيت".



وجملة إحصاء أبيات هذه الفَتْرة "10146 بَيت".








"هـ" مِن المِصريِّ الممْلوكيِّ:



1- البوصيريُّ وجُملة أبياتِه "3298 بَيت".



2- ابنُ نَباتَة المِصريُّ وجُملة أبياته "13458 بَيت".



وجُملة إحصاء أبيات هذه الفترة "16756 بَيت".








"و" من الشِّعر الحَديث:



1- أحمَد شَوقي وجُملة أبيات شوقياتِه "11198 بَيت".



2- إبراهيم ناجي[4] وجُملة أبيات دواوينه "3741 بَيت".



3- عَزيز أباظة[5] وجُملة أبيات ديوانه "3292 بَيت".



4- حُسين عرَب[6] وجُملة أبياتِه "3597 بَيت".



5- الحسانيُّ عبدالله وجُملة أبياتِه "625 بَيت".



6- عَبداللَّطيف عَبدالحَكيم[7] وجُملة أبياتِه "2288 بَيت".



7- عَبدالله باشراحيل[8] وجُملة أبياتِه "947 بَيت".



وجُملة إحصاء أبيات هذه الفَتْرة "25688 بَيت".



وجُملة الأبيات المستقْرأةُ في كلِّ العُصور "133854 بَيت".








مِن الإِحصائيَّة السابقة نبدأ البحْث عن التَّدْوير مُفضِّلين التَّوامّ مِن البُحور بَحرًا بَحرًا موجِزين أمْر المجزوءات، وقد بانَ لنا أنَّ التَّدْوير بالإِمكانِ أن ينُظَر إلى الفاصل فيه؛ أي إلى الحَرف الذي يكون نهاية الشَّطر الأول تَنظيرًا لا إِنشادًا نَظرةً صوتيَّةً يَنبَني عليها رؤية التَّدْوير.








هذا الفاصل أحيانًا يَكون حَرفًا صامتًا كالباء والدَّال واللام وقدْ رمَزْنا له برَمْز "ص"، وأحيانًا يكون حرف مدٍّ كواو المدِّ وياء المدِّ وألف المدِّ؛ أي الحركات الطَّويلة وقد رمَزْنا له برمز "م"، وأحيانًا يكون لينًا كالواو والياء غير المسبوقتَين بحركةٍ تُجانِسُهما وذلك مثل ورودهما في كلمتَي "حوْض" و"بيتْ" وقد رمَزْنا للّين برمْز "ل"؛ مع الإدراك بأن اللّين مَرحلة بين الصامت والمدِّ وتَسرُّبه إلى المدِّ القائم؛ لأن المتكلِّم إذا حقَّ له أن يَنطِق كلمة "يوْم" Yawm على نحو "يُوم" yuum؛ فإن المُنشِد قد يَحِقُّ له ذلك النُّطق شِعرًا في بعض الأحيان.








وأحْيانًا يكون الفاصل "أل" ورغْم أنه صامِت إلا أنَّ "أل" في حِساب الصِّياغة اللُّغوية كلمة مُستقلَّة لا جزء كلمة وهَمزة أل ضائع حقُّها عند الاتصال؛ أي عند التَّدْوير، وقد جعلْنا الصَّوت كامِلاً هو الرمز "أل"؛ وعلى هذا فقد ارتكزتْ مِساحات التَّدْوير على:



الصَّامت "ص"، المدِّ "م"، اللّين "ل"، أل "أل".








ولعلَّنا نُلاحِظ أن الوصول إلى هذا التَّفريق يَحتاج إلى قراءة البيت قراءةً إيقاعيَّة وئيدةً، ويُعطي إحساسًا بأنَّ تقسيم الفاصِل على أساسٍ صوتيٍّ دالٌّ على أنَّ الإيقاعَ مُفَسَّرٌ مِن خِلال اللُّغة. فإلى بحور الشِّعر العربيِّ قارئين الظَّاهِرة مُحاولين بعد ذلك تَحليل جزء ليس بالقليل مِن أبياتها.







[1] في الحديثِ لنازك الملائكة عن التَّدْوير في كتابِها "قضايا الشِّعر المعاصر" (ص: 112)، وما بعدها ربطتْ وجود التَّدْوير بنهاية العروض فهو كثيرٌ مع البُحورِ، التي تنتهي بسبب كالمُتقارِب والخفيف قليل مع البحور التي تنتهي بوتد مجموع كالطويل والسريع والرَّجَز والكامل، وهذه الملاحظة لم تبرَّر لديها إلاَّ بإحساسِ النُّفور والثقل دون بيانٍ لسبب أو تعليل، ودون شمولٍ لهذا الغرَضِ الذي يَنفيه الرمَل والمنسرح والوافر مِن البحور.




[2] جرير والأخطل والفرزدق قَرُبَ اتِّجاههم، ومسلك عُمر بن أبي رَبيعة يُخالفهم.




[3] المعرِّيّ مِن خلال ديوانيه: "سقط الزند" وجملة أبياته "2863"، و "اللزوميات": وجملة أبياته "10357".





[4] إبراهيم ناجي من مجموع دواوينه: "الطائر الجريح"، "في معبد الليل"، "ليالي القاهرة"، "وراء الغمام".




[5] عَزيز أباظة مِن مجموع دواوينه "من الشرق والغرب"، "تسابيح قلب"، "في موكب الحياة"، "في موكب الخالدين".




[6] شاعِر سُعودي كبير مُعاصِر.




[7] مِن مجموع دواوينه: "الخوف من المطر"، "لزوميّات"، "هدير الصمت"، "من مقام المُنسرِح".




[8] شاعِر سُعوديٌّ مُعاصِر والإحصائية من ديوانه "النبع الظامئ".




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 204.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 199.85 كيلو بايت... تم توفير 5.10 كيلو بايت...بمعدل (2.49%)]