مصيبة الموت - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 849962 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386164 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 50 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 49 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-05-2022, 09:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي مصيبة الموت

مصيبة الموت
خميس النقيب

الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، الحمد لله كتب على نفسه البقاء، وكتب على خلقه الفناء، وقدَّر ما كان قبل أن يكون في اللوح والقلم، وخلق آدم وجعل من نسله العرب والعجم، جعل الدنيا دار فناء، والآخرة دار بقاء؛ ﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [الأعلى: 16، 17].


الحمد لله قامت بربها الأشياء، وسبحت بحمده الأرض والسماء، ولا زال الكون محكومًا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فما من شيء إلا هو خالقه، ولا من رزق إلا هو رازقه، ولا من خير إلا هو سائقه، ولا من أمر إلا هو مدبره؛ ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ [الرعد: 2]، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبدُالله ورسوله، اعتز بالله فأعزَّه، وانتصر بالله فنصره، وتوكل على الله فكفاه، وتواضع لله فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ويسر له أمره، ورفع له ذكره، وذلل له رقاب عدوه، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليك يا رسول الله، وعلى آلك وصحبك، ومن تبعك بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:ا

أيها المسلمون:
إنها لحظات خارقة، وساعات فارقة، 2وسكرات حارقة، ترتجف منها القلوب، وتتزلزل عندها الأبدان، وتنخلع منها الصدور.


مصاب أليم، وموقف عظيم، ومشهد مهيب، الموت ينتشر في الناس انتشار النار في الهشيم، يواري الشباب كما يواري التراب، ينزل على القلوب كما تنزل الصواعق في البلاد والدروب، إنها مصيبة الموت؛ كما سماها الله في كتابه: ﴿إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ [المائدة: 106].


أيها المسلمون:
الموت يأتي بغتة، يخطف في لحظة، لا يرسل إشارة فينذر ولا يطرق بابًا فيستأذن، لا يرحم صغيرًا ولا يوقر كبيرًا، لا يعبأ بالأمجاد، ولا يكترث للأعياد؛ ﴿وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق: 19].




الموت يمضي في طريقه ولا يتوقف، يمر ويكر وما من أحد منه يفر، لا ينتظر ولا يتلفت، ولا يكترث، لا يستجيب لنداء ملهوف، ولا لحسرة مفارق، ولا لرغبة راغب، ولا لخوف خائف، ولا للوعة أمٍّ، أو شفقة أب، أو حنين أخت، أو لصرخة طفل، فمن حان أجله، وانقضى عمره، وجاءت ساعته، فلن يتأخر برهة، ولن يتوانى لحظة، ولو اجتمع عليه أطباء الدنيا كلها، كيف؟! ولو كان حوله الأقرباء والأصدقاء: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف: 34].




عباد الله:
أي مصيبة أعظم بعد الدين من مصيبة الموت؟! وأي ألم أشد من فقد الأحبة؟! وأي كرب أعظم من فراق نبض الفؤاد، وفلذات الأكباد؟! إنه خطب مؤلم، وحدث مفجع، وأمر مهول، وحال مزعج، بل هو من أثقل الأنكاد التي تمر على الفؤاد، نار تستعر، وحرقة تضطرم، تحترق به الكبد، ويفت به العضد، إذ كان المفقود هو الريحانة للفؤاد والزينة بين العباد، لكنه القدر، ومن مقتضيات الإيمان: الإيمانُ بالقضاء والقدر.




صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((جاءني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت؛ فإنك ميت، وأحبب من شئت؛ فإنك مفارقه، واعمل ما شئت؛ فإنك ملاقيه...))؛ [صححه الألباني في صحيح الجامع].




فكفى بالموت واعظًا، وللقلوب مقرحًا، وللأحبة مفتتًا، وللعيون مبكيًا، وللنفوس محزنًا، وللجماعات مفرقًا، وللذات هادمًا، وللأمنيات قاطعًا.




الموت يفرق بين الأحباب، ويقطع بين الأصحاب، ويباعد بين الأقرباء، ويحول بين القرناء، ويهدم اللذات، ويقطع الصلات، ويشتت الجماعات، وييتم البنين والبنات، كيف؟!



أخي المسلم: إنك تجد الإنسان أمامك، وجهًا مشرقًا وقلبًا نابضًا، ولسانًا ناطقًا، وإرادة حية، وعزيمة قوية، فجأة تجد أن الوجه المشرق قد ذبل، والقلب النابض توقف، واللسان الناطق خرس، والإرادة الحية سكنت، والعزيمة القوية خارت وضعفت، ماذا حدث؟! سؤال حار فيه الأطباء، وسكت عنه العلماء، ورد عليه رب الأرض والسماء: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء: 85]، من بين الأقرباء والأصدقاء، من بين العلماء والأطباء، من بين الأولاد والأحفاد، يتسلل مخلوق من السماء، وفجأة ينتهي كل شيء، ويوقف كل شيء، كيف؟! ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [السجدة: 11].


إذا جاء الأجل، وخرجت النفس، فلا عودة لها، ولا رجعة لها، لا شهيق بعد زفير، ولا زفير بعد شهيق.


القرآن يصور الموقف، وإنما سكرات الموت، وغمرات الموت: ﴿فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الواقعة: 83 - 87].




أيها المؤمنون:
عند الموت يختلف حال الكافرين عن حال المؤمنين، كيف؟!

الكافر عند الموت يعاني، والظالم عند الموت يتألم: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: 93]، لهم ملائكة غلاظ شداد، ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6]، بل يصل الأمر حد الضرب، ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [الأنفال: 50]، ضرب على الوجوه، وضرب على الأدبار في ساعة الاحتضار، وأنت جالس، ولكنك لا ترى هذه المناظر البشعة!


قال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد الكافر إذا كان في إقبال من الآخرة، وإدبار من الدنيا، أتته ملائكة سود الوجوه، معهم مسوح...))؛ الحديث، وفيه: ((فيجلسون منه مد البصر، فيأتي ملك الموت، فينتزع الروح من الجسد، كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فلا يدعونها في يده طرفة عين))، كل هذا يحدث وأنت جالس، ولكنك لا ترى شيئًا!




أما المؤمن حين تخرج روحه، لا يجد تعبًا ولا ألمًا؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت: 30]، يستقبلهم الأولياء من الملائكة، ويبشرونهم بما أعد الله لهم في الآخرة جزاء استقامتهم في الدنيا: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت: 31، 32].




ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وُجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها فلا يمرون - يعني: بها على ملأ من الملائكة - إلا قالوا: ما هذا الروح الطيبة؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه، التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيُفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى يُنتهَى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين...))؛ إلى آخر الحديث.




الموت له هيبة تخضع لها الرؤوس، وتنحني لها الجباه، وتقشعر منها الأبدان، وله رهبة تخشع لها النفوس، وتضطرب لها الصدور، وترتجف لها القلوب.




أيها المسلمون:
لقد جعل الله تعالى هذه الدنيا دار فناء، وبيت زوال، لا تصفو لأحد، وهي مجرد قنطرة للعبور المعلوم إلى المصير المحتوم، لا تدوم على حال، ولا تبقى لإنسان، إن أضحكت أبكت، وإن حلت أوحلت، وإن سرَّت أحزنت، وإن أراحت أتعبت، زينتها سراب، وعمرانها خراب، كل حي فيها يموت، وكل مخلوق فيها لا يفوت، المال يفني والملك لا يبقى، السلطان يزول والعز لا يدوم؛ ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن: 26، 27].





كل ناعٍ فسينعى

كل باكٍ فسيبكى

كل مذخور سيفنى

كل مذكور سينسى

ليس غير الله يبقى

من علا فالله أعلى




كم صديق شيَّعناه! وكم من عزيز فقدناه! وكم من غالٍ تحت الثرى ورأيناه! وكم من حبيب في قبره وضعناه! هل غابت الشمس؟ هل توقف القمر؟ هل أمسكت السماء؟ هل أجدبت الأرض؟ كلا ثم كلا، إنما الزمن يدور والحياة تسير، والسفر طويل والزاد قليل، وكل يوم ينشق فجره بنادي المنادي: ((يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني؛ فإني إلى يوم القيامة لن أعود)).


ففقدنا في مدينة "أبو حمص"، محافظة البحيرة، عزيزين كريمين في يومين متتاليين، وفي يوم واحد وارينا غاليَين، الأول توفي قبل ساعات من الزفاف عروسًا فرحًا مسرورًا، والثاني توفي قبل شهور من التخرج، طبيبًا وسيمًا وجيهًا، وكلاهما على خلق كريم وأدب جمٍّ، في الحقيقة لم أعرفهما قط، ولم أقابلهما يومًا، لكن ما سمعت عنهما إلا كل خير، وما عرفت عنهما إلا كل حسن، نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على خالقهم، فُجعنا بموتهما، إنها حكمة الله البالغة، وترتيب الله الدقيق، وقدر الله النافذ، وقضاء الله العادل؛ ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 2].




عن القعقاع بن عجلان: خطب عمر بن عبدالعزيز، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال:

"أيها الناس، إنكم لم تخلقوا عبثًا، ولن تتركوا سدًى، وإن لكم معادًا يجمعكم الله للحكم فيكم، والفصل فيما بينكم، فخاب وشقيَ عبدٌ أخرجه الله من رحمته التي وسعت كل شيء، وجنته التي عرضها السماوات والأرض، وإنما يكون الأمان غدًا لمن خاف الله واتقى، وباع قليلًا بكثير، وفانيًا بباقٍ، وشقوة بسعادة، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين، وسيخلف بعدكم الباقون؟!




ألَا ترون أنكم في كل يوم تشيعون غاديًا أو رائحًا إلى الله، قد قضى نحبه وانقطع أمله، فتضعونه في بطن صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وواجه الحساب؟!




وأيم الله، إني لأقول لكم مقالتي هذه، وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما أعلم من نفسي، ولكنها سنن من الله عادلة، أمر فيها بطاعته، ونهى فيها عن معصيته، واستغفر الله، ووضع كمه على وجهه؛ فبكى حتى لثقت لحيته، فما عاد إلى مجلسه حتى مات رحمه الله"؛ [حلية الأولياء وإحياء علوم الدين].






إنها الحقيقة التي لا ينجو منها مخلوق، ولا ينكرها أحد، لا يكذبها كذوب، ولا ينافقها منافق، الكل سيذوق كأس الموت؛ ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران: 185]، الجميع سيموت ويلقى الله، الكل سيرحل ويفارق الحياة، الصغير والكبير، الغني والفقير، الأبيض والأسود، الحاكم والمحكوم، الرئيس والمرؤوس، الخفير والوزير، ولو دامت لغيرنا لما وصلت إلينا، أليس قد مات أشرف الخلق؛ مات الأنبياء والمرسلون، والأولياء والصالحون؟

ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها = لكان رسول الله حيًّا وباقيا

قال سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء: 34].


لا يستطيع أحد أن يفر من الموت، سبحانه قهر الجبابرة، وأذل القياصرة، وأدرك أصحاب البروج المشيدة؛ قال سبحانه: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: 78].




إنها آيات الله يرسلها لعباده؛ حتى يراجعوا أنفسهم، ويحسنون أعمالهم، ويخافون ربهم؛ ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا [الإسراء: 59].




وليكن عزاؤنا في موت رسول الله صلى الله عليه وسلم.




عباد الله:
أقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يكلم الناس فلم يلتفت إلى شيء، حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجًّى في ناحية البيت، عليه برد حبرة، فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ثم أقبل عليه فقبَّله، ثم قال: بأبي أنت وأمي، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبدًا، قال: ثم رد البرد على وجه رسول الله، ثم خرج وعمر يكلم الناس، فقال: على رسلك يا عمر، أنصت، فأبى إلا أن يتكلم، فلما رآه أبو بكر لا ينصت، أقبل على الناس، فلما سمع الناس كلامه، أقبلوا عليه، وتركوا عمر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنه من كان يعبد محمدًا، فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت، قال: ثم تلا هذه الآية: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144].




قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت، حتى تلاها أبو بكر يومئذٍ، قال: وأخذها الناس عن أبي بكر، فإنما هي في أفواههم، قال: فقال أبو هريرة: قال عمر: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعُقرت، حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات.






أيها المسلمون:
إن كل شيء سينتهي، ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص: 88]، ولا بد من العودة إلى الله: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية: 25، 26]، المنتهى إلى الله: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم: 42]، والرجعى إلى الله: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى [العلق: 8]، ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق: 6].




مرجعك إلى الله، ومنتهاك إلى الله، ومصيرك إلى الله، الناس يعلمون ذلك لكنهم يلهون، والقدر معهم جاد، وينسون وكل ذرة من أعمالهم محسوبة: ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [المجادلة: 6].



غدًا توفى النفوس ما كسبت

ويحصد الزارعون ما زرعوا

إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم

وإن أساؤوا فبئس ما صنعوا






عباد الله:
الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والحازم من بادر بالعمل قبل حلول الفوت، والعاقل من بنى قبره قبل أن يدخله، وترك الدنيا قبل أن تتركه، والمسلم من استسلم للقضاء والقدر، والمؤمن من تصبر عند كل خبر، وتيقن بصبره الثواب على المصيبة والضرر.


رحم الله العروس مسعودًا، وأبدله بعروس في الفردوس الأعلى من الجنة، ورحم الله الطبيب أحمدَ، وعوضه الله ما يقر عينه وعيون أبيه وأمه في الفردوس الأعلى من الجنة، رحمهما الله رحمة واسعة، وأسكنهما الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

رحم الله أموات المسلمين في كل مكان.

وأسكنهم الفردوس الأعلى من الجنة.

وإنا لله وإنا إليه راجعون.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 67.15 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.22 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]