|
|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
من درر العلامة ابن القيم عن المحبة
من درر العلامة ابن القيم عن المحبة -1 فهد بن عبد العزيز الشويرخ الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن مصنفات العلامة ابن القيم رحمه الله كتابه المسمى " روضة المحبين ونزهة المشتاقين " تكلم فيه عن المحبة, ومع تخصيصه هذا الكتاب عن " المحبة " إلا أنه تكلم عنها في بعض كتبه, والذي وقفت عليه منها الكتب التالية:
كتاب " إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان "
هو سبحانه لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته, التي تتضمن كمال محبته, وكمال تعظيمه, والذلّ له, ولأجل ذلك أرسل رسله, وأنزل كتبه, وشرع شرائعه, وعلى ذلك وضع الثواب والعقاب وأُسّست الجنةُ والنار وانقسم الناس إلى شقيٍّ وسعيد. ـــــــــــــــــــ
ليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة والعقول الزكية أحلى ولا ألذَ ولا أطيب ولا أسرُّ ولا أنهم من محبته والأنس به والشوق إلى لقائه. والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك فوق كل حلاوة, والنعيم الذي يحصل له بذلك أتمّ من كل نعيم, واللذة التي تناله أعلى من كل لذة. والقلب لا يفلح ولا يصلح ولا يتنعم ولا يبتهج ولا يلتذُّ ولا يطمئنُّ ولا يسكن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه ولو حصل له جميع ما يلتذُّ به من المخلوقات لم يطمئن إليها ولم يسكن إليها بل لا تزيده إلا فاقة وقلقاً حتى يظفر بما خُلق له, وهُيّئ له, من كون الله وحده نهاية مراده وغاية مطالبه.
قوة المحبة وضعفها بحسب قوة الإيمان وضعفه: ما مؤمن إلا وفي قلبه محبة الله تعالى, وطمأنينة بذكره, وتنعم بمعرفته, ولذة وسرور بذكره, وشوق على لقائه, وأُنس بقربه, وإن لم يحُسّ به لاشتغال قلبه بغيره, وانصرافه على ما هو مشغول به, فوجود الشيء غير الإحساس والشعور به, وقوة ذلك وضعفه وزيادته ونقصانه هو بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه. إذا عُرف هذا فالعبد في حال معصيته واشتغاله عنه بشهوته ولذته تكون تلك اللذة والحلاوة الإيمانية قد استترت عنه وتوارت أو نقصت أو ذهبت فإنها لو كانت موجودة كاملة لما قدم عليها لذة وشهوة لا نسبة بينها بوجه ما بل هي أدنى من حبة خردل بالنسبة إلى الدنيا وما فيها. ولهذا تجد العبد إذا كان مخلصاً لله, منيباً إليه, مطمئناً بذكره, مشتاقاً إلى لقائه...منصرفاً عن هذه المحرمات, لا يلتفت إليها, ولا يعول عليها. كتاب " زاد المعاد في هدى خير العباد "
كتاب " الكلام على مسألة السماع "
فائدة: قال رحمه الله في كتابه " روضة المحبين ونزهة المشتاقين " سئل بعض العلماء: أين تجد في القرآن: أن الحبيب لا يعذب حبيبه؟ فقال في قوله تعالى: {وقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم} [المائدة:18] ولو لم يكن في محبة الله إلا أنها تنجي مُحبَّهُ من عذابه, لكان ينبغي للعبد ألا يتعوَّض عنها بشيءٍ أبداً. كتاب " الفوائد " & لو تغذَّى القلبُ بالمحبة, لذهبت عنه بطنة الشهوات. & لو صحَّت محبتك لاستوحشت ممن لا يُذكرُك بالحبيب. & لو كان في قلبك محبة, لبان أثرها على جسدك. & ليس العجب من قوله: ﴿ {يُحبُّونهُ} ﴾[المائدة:54] إنما العجب من قوله﴿ يُحبُهُم ﴾ & ليس العجب من فقير مسكين يُحبُّ محسناً إليه, إنما العجبُ من محسنٍ يحبُّ فقيراً كتاب " الروح "
والفرق بينهما: أن الحبَّ في الله تابع لمحبة الله, فإذا تمكنت محبته من قلب العبد أوجبت تلك المحبة أن يحب ما يحبه الله, فإذا أحبَّ ما أحبَّه ربُّه ووليُّه كان ذلك الحب له وفيه, كما يحب رسله وأنبياءه وملائكته وأولياءه لكونه تعالى يحبهم, ويُبغض من يُبغضه لكونه تعالى يبغضه.
ونوع يقدح في كمال الإخلاص ومحبة الله, ولا يخرج من الإسلام. فالأول كمحبة المشركين لأوثانهم وأندادهم والنوع الثاني: محبة ما زينه الله سبحانه للنفوس من النساء والبنين والذهب والفضة والخيل المسمومة والأنعام والحرث, فيحبها محبة شهوة,...فهذه المحبة ثلاثة أنواع: فإن أحبها لله توصلاً بها إليه, واستعانةً على مرضاته وطاعته, أُثيب عليها وكانت من قسم الحب, فيثاب عليها, ويلتذُّ بالتمتع بها, وهذا حال أكمل الخلق الذي حُبِّب إليه من الدنيا: النساءُ والطيب, وكانت محبته لهما عوناً على محبة الله وتبليغ رسالاته والقيام بأمره. وإن أحبها لموافقة طبعه وهواه وإرادته, ولم يؤثرها على ما يحبه الله ويرضاه, بل نالها بحكم الميل الطبيعي, كانت من قسم المباحات, ولم يعاقب على ذلك, ولكن ينقص من كمال محبته لله والمحبة فيه. وإن كانت هي مقصوده ومراده, وسعيهُ في تحصيلها والظفر بها, وقدَّمها على ما يحبه الله ويرضاه منه كان ظالماً لنفسه متبعاً لهواه. فالأولى: محبة السابقين. والثاني: محبة المقتصدين. والثالثة: محبة الظالمين. فتأمل هذا الموضع وما فيه من الجمع والفرق, فإنه معترك النفس الأمارة والمطمئنة, والمهديُّ من هداه الله. كتاب " مدارج السالكين في منازل السائرين "
هي قوت القلوب, وغذاء الأرواح, وقرة العيون, وهي الحياة التي من حُرمها فهو من جملة الأموات, والنور الذي من فقده ففي بحار الظلمات, والشفاء الذي من عدمه حلَّت بقلبه جميعُ الأسقام, واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كلُّه هموم والآم. هي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال, التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه.
تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة, إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب, وقد قضى الله....أنّ المرء مع من أحب, فيا لها من نعمة على المحبين سابغة!
المحبة ثباتها بمتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أعماله وأقواله وأخلاقه فبحسب هذا الاتِّباع يكون منشأ هذه المحبة وثباتها وقوتها, وبحسب نقصانه يكون نقصانها ليس الشأن أن تحبّ الله, بل الشأن في أن يحبّك الله, ولا يُحبك إلا إذا اتبعت حبيبه ظاهراً وباطناً, وصدقته خبراً, وأطعته أمراً, وأجبته دعوةً, وآثرته طوعاً.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: من درر العلامة ابن القيم عن المحبة
من درر العلامة ابن القيم عن المحبة -2 فهد بن عبد العزيز الشويرخ كتاب " الداء والدواء "
أحدها: محبة الله, ولا تكفى وحدها في النجاة من عذابه والفوز بثوابه فإن المشركين وعباد الصليب واليهود وغيرهم يحبون الله. الثاني: محبة ما يحبه الله, وهذه هي التي تدخله في الإسلام, وتُخرجه من الكفر, وأحبُّ الناس إلى الله أقومُهم بهذه المحبة وأشدهم فيها. الثالث: الحب لله وفيه, وهي من لوازم محبة ما يحب, ولا يستقيم محبة ما يحب إلا بالحب فيه وله. الرابع: المحبة مع الله, وهي المحبة الشركية, وكل من أحبّ شيئاً مع الله, لا لله ولا من أجله ولا فيه, فقد اتخذه نداً من دون الله, وهذه محبة المشركين. وبقي قسم خامس: ليس مما نحن فيه, وهو المحبة الطبيعية, وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه, كمحبة العطشان للماء, والجائع للطعام, ومحبة النوم والزوجة والولد, فتلك لا تُذمّ إلا إذا ألهت عن ذكر الله وشغلت محبته, كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّ} هِ ۚ[المنافقون:9]
محبة سماع الألحان دون سماع القرآن دليل على فراغ القلب من محبة الله: إذا رأيت الرجل: ذوقه ووجده وطربه ونشوته في سماع الأبيات دون سماع الآيات, وفي سماع الألحان دون سماع القرآن...فهذا من أقوى الأدلة على فراغ قلبه من محبة الله وكلامه, وتعلقه بسماع الشيطان, والمغرور يعتقد أنه على شيء.
وهذه المحبة التي تنور الوجه, وتشرح الصدر, وتحيي القلب.
وكلُّ ما منه إلى عبده المؤمن يدعوه إلى محبته, مما يحب العبد أو يكره, فعطاؤه ومنعه, ومعافاته وابتلاؤه, وقبضه وبسطه, وعدله وفضله, وإماتته وإحياؤه, ولطفه وبره, ورحمته وإحسانه, وستره وعفوه, وحلمه وصبره على عبده, وإجابته لدعائه, وكشف كربه, وإغاثة لهفته, وتفريج كربته - من غير حاجة منه إليه, بل مع غناه التام عنه من جميع الوجوه – كل ذلك داعٍ للقلوب إلى تألهه ومحبته. فلو أن مخلوقاً فعل بمخلوق أدنى شيء من ذلك لم يملك قلبه عن محبته, فكيف لا يحب العبد بكل قلبه وجوارحه من يحسن إليه على الدوام بعدد الأنفاس, مع إساءته؟ فخيره إليه نازل, وشره إليه صاعد, يتحبب إليه بنعمه وهو غني عنه, والعبد يتبغض إليه بالمعاصي وهو فقير إليه, فلا إحسانه وبره وإنعامه عليه يصده عن معصيته, ولا معصية العبد ولؤمُه يقطع إحسان ربه عنه. كل من تعامله من الخلق إن لم يربح عليك لم يُعاملك, ولا بد له من نوع من أنواع الربح, والرب تعالى إنما يعاملك لتربح أنت عليه أعظم الربح وأعلاه, فالدرهم بعشر أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة, والسيئة بواحدة, وهي أسرع شيئاً محواً. وأيضاً فمطالبك بل مطالب الخلق كلهم جميعاً لديه, وهو أجود الأجودين, وأكرم الأكرمين, وأعطى عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله. وأيضاً فكلّ من تحبه من الخلق ويحبك إنما يريدك لنفسه وغرضه منك, والله سبحانه وتعالى يريدك لك...فكيف لا يستحي العبد أن يكون ربه له بهذه المنزلة, وهو معرض عنه, مشغول بحب غيره, قد استغرق قلبه محبةُ سواه ؟ يشكر القليل من العمل وينميه ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه, {يسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن:29] لا يشغله سمع عن سمع, ولا يغلّطه كثرة المسائل, ولا يتبرم بإلحاح الملِحين, بل يحبّ الملحين في الدعاء, ويُحبّ أن يسأل, ويغضب إذا لم يسأل, ويستحي من عبده حيث لا يستحي العبد منه, ويستره حيث لا يستر نفسه, ويرحمه حيث لا يرحم نفسه, دعاه بنعمه وإحسانه وأياديه إلى كرامته ورضوانه فأبى. وكيف لا تحب القلوب من لا يأتي بالحسنات إلا هو, ولا يذهب بالسيئات إلا هو, ولا يجيب الدعوات إلا هو, ولا يُقيل العثرات ويغفر الخطيئات ويستر العورات ويكشف الكربات ويُغيث اللهفات ويُنيل الطلبات سواه ؟ فهو أحقُّ من ذكر, وأحقُّ من شكر, وأحق من عبد, وأحق من حُمد, وأنصر من ابتغي, وأرأف من ملك, وأجود من سئل, وأوسع من أعطى, وأرحم من استرحم, وأكرم من قُصد, وأعزّ من التُجئ إليه, وأكفى من تُوكل عليه, أرحم بعبده من الوالدة بولدها, وأشد فرحاً بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة, إذا يئس من الحياة ثم وجدها. وهو الملك لا شريك له والفرد فلا ند له كل شيء هالك إلا وجهه لن يُطاع إلا بإذنه ولن يُعصى إلا بعلمه, يُطاع فيُشكر, وبتوفيقه ونعمته أطيع, ويُعصى فيغفر ويعفو, وحقُّه أضِيع. فهو أقرب شهيد وأجل حفيظ, وأوفي وفي بالعهد, وأعدل قائم بالقسط, حال دون النفوس, وأخذ بالنواصي, وكتب الآثار, ونسخ الآجال, فالقلوب له مفضية, والسر عند علانية, والغيب لديه مكشوف, وكل أحد إليه ملهوف. عنت الوجوه لنور وجهه, وعجزت القلوب عن إدراك كنهه, ودلّت الفطر والأدلة كلها على امتناع مثله وشبهه, أشرقت لنور وجهه الظلمات, واستنارت له الأرض والسماوات, وصلحت عليه جميع المخلوقات, لا ينام, ولا ينبغي له أن ينام, يحفظ القسط, ويرفعه, يُرفع إليه عمل الليل قبل النهار, وعمل النهار قبل الليل, حجابه النور, لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
وأعظم أنواعها المحمودة: محبة الله وحده, ومحبة ما أحبّ, وهذه المحبة هي أصل السعادة ورأسها...التي لا ينجو أحد من العذاب إلا بها. والمحبة المذمومة الشركية هي أصل الشقاوة ورأسها, التي لا يبقى في العذاب إلا أهلها. فأهل المحبة الذين أحبوا الله, وعبدوه وحده لا شريك له.
والمحبة الضارة المذمومة, توابعها وآثارها كلها ضارة لصاحبها, مُبعدة له من ربه, كيفما تقلب في آثارها ونزل في منازلها فهو في خسارة وبعد.
كتاب " بدائع الفوائد "
كتاب " الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب " قال في فوائد الذكر التاسعة أنه يورث المحبة التي هي روح الإسلام وقطب رحى الدين ومدار السعادة والنجاة, وقد جعل الله لكل شيء سبباً, وجعل سبب المحبة دوام الذكر, فمن أراد محبة الله عز وجل فليلهج بذكره,...فالذكر باب المحبة, وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم. كتاب " طريق الهجرتين وباب السعادتين "
أحدها: محبة طبيعية, كمحبة الجائع للطعام, والظمآن للماء, وغير ذلك, وهذه لا تستلزم التعظيم. والنوع الثاني: محبة رحمةٍ وإشفاقٍ, كمحبة الوالد لولده الطفل, ونحوها, وهذا أيضاً لا تستلزم التعظيم. والنوع الثالث: محبة أنسٍ وإلفٍ, وهي محبة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر لبعضهم بعضاً, وكمحبة الإخوة بعضهم بعضاً. فهذه الأنواع الثلاثة هي المحبة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض, ووجودها فيهم لا يكون شركاً في محبة الله
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
رد: من درر العلامة ابن القيم عن المحبة
من درر العلامة ابن القيم عن المحبة -3 فهد بن عبد العزيز الشويرخ
وهذه المحبة التي تنور الوجه, وتشرح الصدر, وتحيي القلب.
وكلُّ ما منه إلى عبده المؤمن يدعوه إلى محبته, مما يحب العبد أو يكره, فعطاؤه ومنعه, ومعافاته وابتلاؤه, وقبضه وبسطه, وعدله وفضله, وإماتته وإحياؤه, ولطفه وبره, ورحمته وإحسانه, وستره وعفوه, وحلمه وصبره على عبده, وإجابته لدعائه, وكشف كربه, وإغاثة لهفته, وتفريج كربته - من غير حاجة منه إليه, بل مع غناه التام عنه من جميع الوجوه – كل ذلك داعٍ للقلوب إلى تألهه ومحبته. فلو أن مخلوقاً فعل بمخلوق أدنى شيء من ذلك لم يملك قلبه عن محبته, فكيف لا يحب العبد بكل قلبه وجوارحه من يحسن إليه على الدوام بعدد الأنفاس, مع إساءته؟ فخيره إليه نازل, وشره إليه صاعد, يتحبب إليه بنعمه وهو غني عنه, والعبد يتبغض إليه بالمعاصي وهو فقير إليه, فلا إحسانه وبره وإنعامه عليه يصده عن معصيته, ولا معصية العبد ولؤمُه يقطع إحسان ربه عنه. كل من تعامله من الخلق إن لم يربح عليك لم يُعاملك, ولا بد له من نوع من أنواع الربح, والرب تعالى إنما يعاملك لتربح أنت عليه أعظم الربح وأعلاه, فالدرهم بعشر أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة, والسيئة بواحدة, وهي أسرع شيئاً محواً. وأيضاً فمطالبك بل مطالب الخلق كلهم جميعاً لديه, وهو أجود الأجودين, وأكرم الأكرمين, وأعطى عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله. وأيضاً فكلّ من تحبه من الخلق ويحبك إنما يريدك لنفسه وغرضه منك, والله سبحانه وتعالى يريدك لك...فكيف لا يستحي العبد أن يكون ربه له بهذه المنزلة, وهو معرض عنه, مشغول بحب غيره, قد استغرق قلبه محبةُ سواه ؟ يشكر القليل من العمل وينميه ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه, ﴿يسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [الرحمن:29] لا يشغله سمع عن سمع, ولا يغلّطه كثرة المسائل, ولا يتبرم بإلحاح الملِحين, بل يحبّ الملحين في الدعاء, ويُحبّ أن يسأل, ويغضب إذا لم يسأل, ويستحي من عبده حيث لا يستحي العبد منه, ويستره حيث لا يستر نفسه, ويرحمه حيث لا يرحم نفسه, دعاه بنعمه وإحسانه وأياديه إلى كرامته ورضوانه فأبى. وكيف لا تحب القلوب من لا يأتي بالحسنات إلا هو, ولا يذهب بالسيئات إلا هو, ولا يجيب الدعوات إلا هو, ولا يُقيل العثرات ويغفر الخطيئات ويستر العورات ويكشف الكربات ويُغيث اللهفات ويُنيل الطلبات سواه ؟ فهو أحقُّ من ذكر, وأحقُّ من شكر, وأحق من عبد, وأحق من حُمد, وأنصر من ابتغي, وأرأف من ملك, وأجود من سئل, وأوسع من أعطى, وأرحم من استرحم, وأكرم من قُصد, وأعزّ من التُجئ إليه, وأكفى من تُوكل عليه, أرحم بعبده من الوالدة بولدها, وأشد فرحاً بتوبة التائب من الفاقد لراحلته التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة, إذا يئس من الحياة ثم وجدها. وهو الملك لا شريك له والفرد فلا ند له كل شيء هالك إلا وجهه لن يُطاع إلا بإذنه ولن يُعصى إلا بعلمه, يُطاع فيُشكر, وبتوفيقه ونعمته أطيع, ويُعصى فيغفر ويعفو, وحقُّه أضِيع. فهو أقرب شهيد وأجل حفيظ, وأوفي وفي بالعهد, وأعدل قائم بالقسط, حال دون النفوس, وأخذ بالنواصي, وكتب الآثار, ونسخ الآجال, فالقلوب له مفضية, والسر عند علانية, والغيب لديه مكشوف, وكل أحد إليه ملهوف. عنت الوجوه لنور وجهه, وعجزت القلوب عن إدراك كنهه, ودلّت الفطر والأدلة كلها على امتناع مثله وشبهه, أشرقت لنور وجهه الظلمات, واستنارت له الأرض والسماوات, وصلحت عليه جميع المخلوقات, لا ينام, ولا ينبغي له أن ينام, يحفظ القسط, ويرفعه, يُرفع إليه عمل الليل قبل النهار, وعمل النهار قبل الليل, حجابه النور, لو كشفه لأحرقت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه.
وأعظم أنواعها المحمودة: محبة الله وحده, ومحبة ما أحبّ, وهذه المحبة هي أصل السعادة ورأسها...التي لا ينجو أحد من العذاب إلا بها. والمحبة المذمومة الشركية هي أصل الشقاوة ورأسها, التي لا يبقى في العذاب إلا أهلها. فأهل المحبة الذين أحبوا الله, وعبدوه وحده لا شريك له.
والمحبة الضارة المذمومة, توابعها وآثارها كلها ضارة لصاحبها, مُبعدة له من ربه, كيفما تقلب في آثارها ونزل في منازلها فهو في خسارة وبعد.
كتاب " بدائع الفوائد "
كتاب " الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب " قال في فوائد الذكر التاسعة أنه يورث المحبة التي هي روح الإسلام وقطب رحى الدين ومدار السعادة والنجاة, وقد جعل الله لكل شيء سبباً, وجعل سبب المحبة دوام الذكر, فمن أراد محبة الله عز وجل فليلهج بذكره,...فالذكر باب المحبة, وشارعها الأعظم وصراطها الأقوم. كتاب " طريق الهجرتين وباب السعادتين "
أحدها: محبة طبيعية, كمحبة الجائع للطعام, والظمآن للماء, وغير ذلك, وهذه لا تستلزم التعظيم. والنوع الثاني: محبة رحمةٍ وإشفاقٍ, كمحبة الوالد لولده الطفل, ونحوها, وهذا أيضاً لا تستلزم التعظيم. والنوع الثالث: محبة أنسٍ وإلفٍ, وهي محبة المشتركين في صناعة أو علم أو مرافقة أو تجارة أو سفر لبعضهم بعضاً, وكمحبة الإخوة بعضهم بعضاً. فهذه الأنواع الثلاثة هي المحبة التي تصلح للخلق بعضهم من بعض, ووجودها فيهم لا يكون شركاً في محبة الله
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |