من أخبار الشباب (11): الإمام الليث بن سعد رحمه الله تعالى - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836877 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379389 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191233 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 661 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 945 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1098 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-05-2022, 09:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي من أخبار الشباب (11): الإمام الليث بن سعد رحمه الله تعالى

من أخبار الشباب (11): الإمام الليث بن سعد رحمه الله تعالى
الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل


الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [الْحَجِّ: 75]، نَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا وَأَوْلَانَا، وَنَشْكُرُهُ مَا حَبَانَا وَأَعْطَانَا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ رَفَعَ بِالْعِلْمِ أَقْوَامًا فَسَادُوا النَّاسَ وَكَانُوا مَوَالِيَ، وَحَطَّ بِالْجَهْلِ بُيُوتًا فَقَدَتْ عِزًّا مُتَوَارَثًا ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [الْمُجَادَلَةِ: 11]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ حَثَّ عَلَى الْعِلْمِ، وَحَذَّرَ مِنَ الْجَهْلِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَاسْتَقِيمُوا عَلَى أَمْرِهِ، وَتَمَسَّكُوا بِهَدْيِ نَبِيِّهِ، وَلَنْ تَبْلُغُوا ذَلِكَ إِلَّا بِعِلْمٍ صَحِيحٍ، وَقَصْدٍ صَرِيحٍ «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَالْعِلْمُ يُصَحِّحُ النِّيَّةَ، قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ: «طَلَبْنَا الْعِلْمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى أَنْ يَرُدَّنَا إِلَّا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى». وَحَرِيٌّ بِمَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ فِي صِغَرِهِ وَشَبَابِهِ أَنْ يَسُودَ النَّاسَ فِي كُهُولَتِهِ وَشَيْخُوخَتِهِ؛ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ لِبَنِيهِ وَبَنِي أَخِيهِ: «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ، فَإِنَّكُمْ إِنْ تَكُونُوا صِغَارَ قَوْمٍ؛ تَكُونُوا كِبَارَهُمْ غَدًا».

أَيُّهَا النَّاسُ: الْإِمَامَةُ فِي الدِّينِ هِبَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يَهَبُهَا مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ، فَيَهْدِيهِمْ إِلَى الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، وَيَرْزُقُهُمُ الْفَهْمَ وَالتَّقْوَى وَالصَّبْرَ؛ حَتَّى يَكُونُوا لِلنَّاسِ أَئِمَّةً هَادِينَ مَهْدِيِّينَ.

وَمِنَ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ، وَالْعُلَمَاءِ الْفُقَهَاءِ الْحُفَّاظِ: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَصَفَهُ الذَّهَبِيُّ فَقَالَ: «الْإِمَامُ الْحَافِظُ، شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَعَالِمُ الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، أَبُو الْحَارِثِ الْفَهْمِيُّ». عَاشَ فِي الْقَرْنِ الثَّانِي الْهِجْرِيِّ.

طَلَبَ الْعِلْمَ فِي صِغَرِهِ، وَصَاحَبَ فِي شَبَابِهِ كِبَارَ أَئِمَّةِ عَصْرِهِ، فَنَهَلَ مِنْ عِلْمِهِمْ، وَتَأَسَّى بِهِمْ، قَالَ اللَّيْثُ: «سَمِعْتُ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَأَنَا ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً». فَأَخَذَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِلْمًا كَثِيرًا، وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى نَافِعٍ، فَسَأَلَنِي، فَقُلْتُ: أَنَا مِصْرِيٌّ. فَقَالَ: مِمَّنْ؟ قُلْتُ: مِنْ قَيْسٍ. قَالَ: ابْنُ كَمْ؟ قُلْتُ: ابْنُ عِشْرِينَ سَنَةً».

وَقَدْ وُهِبَ اللَّيْثُ ذَكَاءً حَادًّا، وَفَهْمًا ثَاقِبًا، وَسُرْعَةً فِي التَّعَلُّمِ، وَقُوَّةً فِي الْفِقْهِ؛ فَاشْتُهِرَ بِالْحِفْظِ وَالْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَهُوَ صَغِيرُ السِّنِّ. رَوَى يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ جَمِيلٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَدْرَكْتُ النَّاسَ أَيَّامَ هِشَامٍ الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ حَدَثَ السِّنِّ، وَكَانَ بِمِصْرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَابْنُ هُبَيْرَةَ، وَإِنَّهُمْ يَعْرِفُونَ لِلَّيْثِ فَضْلَهُ وَوَرَعَهُ وَحُسْنَ إِسْلَامِهِ عَنْ حَدَاثَةِ سِنِّهِ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: لَمْ أَرَ مِثْلَ اللَّيْثِ».

هَذَا الْفَتَى الشَّابُّ الَّذِي بَرَزَ فِي وَقْتٍ مُبَكِّرٍ، وَظَهَرَ لِلْعُلَمَاءِ الْكِبَارِ فَضْلُهُ وَعِلْمُهُ؛ صَارَ بَعْدُ مِنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ، وَمِمَّنْ يُشَارُ لَهُ بِالْبَنَانِ. حَتَّى إِنَّ إِمَامَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَنْهَلُ مِنْ عِلْمِهِ وَهُوَ قَرِينُهُ، قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ وَهْبٍ: «كُلُّ مَا كَانَ فِي كُتُبِ مَالِكٍ: (وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ)، فَهُوَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ» وَقَالَ أَيْضًا: «لَوْلَا مَالِكٌ وَاللَّيْثُ لَضَلَّ النَّاسُ». وَكَانَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُقَدِّمُهُ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ، وَكِلَاهُمَا مِنْ شُيُوخِهِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: «اللَّيْثُ أَفْقَهُ مِنْ مَالِكٍ إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ لَمْ يَقُومُوا بِهِ». وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى سِعَةِ عِلْمِهِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: «إِنَّا نَسْمَعُ مِنْكَ الْحَدِيثَ لَيْسَ فِي كُتُبِكَ. فَقَالَ: أَوَكُلُّ مَا فِي صَدْرِي فِي كُتُبِي؟ لَوْ كَتَبْتُ مَا فِي صَدْرِي مَا وَسِعَهُ هَذَا الْمَرْكَبُ». وَقَالَ ابْنُ سَعْدٍ: «كَانَ اللَّيْثُ قَدِ اسْتَقَلَّ بِالْفَتْوَى فِي زَمَانِهِ».

وَلِبُرُوزِ اللَّيْثِ فِي الْعِلْمِ وَالْفَتْوَى، وَاشْتِهَارِهِ بِالْحِكْمَةِ وَحُسْنِ الرَّأْيِ؛ أَرَادَ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ أَنْ يَجْعَلَهُ أَمِيرًا عَلَى مِصْرَ، وَلَكِنَّ اللَّيْثَ زَهِدَ فِي الْإِمَارَةِ، وَاسْتَعْفَى مِنَ الْخَلِيفَةِ، قَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ: «أَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ عَقْلِكَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي رَعِيَّتِي مِثْلَكَ». وَكَانَ وُلَاةُ مِصْرَ فِي زَمَنِهِ وَقُضَاتُهَا يَرْجِعُونَ إِلَى اللَّيْثِ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: «كَانَ اللَّيْثُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقِيهَ مِصْرَ وَمُحَدِّثَهَا وَمُحْتَشِمَهَا وَرَئِيسَهَا، وَمَنْ يَفْتَخِرُ بِوُجُودِهِ الْإِقْلِيمُ، بِحَيْثُ إِنَّ مُتَوَلِّيَ مِصْرَ وَقَاضِيَهَا وَنَاظِرَهَا مِنْ تَحْتِ أَوَامِرِهِ، وَيَرْجِعُونَ إِلَى رَأْيِهِ وَمَشُورَتِهِ، وَلَقَدْ أَرَادَهُ الْمَنْصُورُ عَلَى أَنْ يَنُوبَ لَهُ عَلَى الْإِقْلِيمِ، فَاسْتَعْفَى مِنْ ذَلِكَ».

وَفِي خِلَافَةِ الْمَهْدِيِّ زَارَ اللَّيْثُ الْعِرَاقَ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ الْعَبَّاسِيُّ الْمَهْدِيُّ لِوَزِيرِهِ يَعْقُوبَ بْنِ دَاوُدَ: «الْزَمْ هَذَا الشَّيْخَ، فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِمَا حَمَلَ مِنْهُ». وَلَمَّا وَلِيَ هَارُونُ الرَّشِيدُ الْخِلَافَةَ «أَعْضَلَتْهُ مَسْأَلَةٌ، فَجَمَعَ لَهَا فُقَهَاءَ الْأَرْضِ، حَتَّى أَشْخَصَ اللَّيْثَ، فَأَخْرَجَهُ مِنْهَا». فَكَانَتْ لَهُ مَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ عِنْدَ الرَّشِيدِ.

وَلِهَذَا الْإِمَامِ الْكَبِيرِ شَأْنٌ عَظِيمٌ فِي الْكَرَمِ وَالْإِنْفَاقِ، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ قَطُّ؛ إِذْ كَانَ يُنْفِقُ جَمِيعَ مَا فِي يَدَيْهِ، وَيَسْتَدِينُ ثُمَّ يَقْضِي دَيْنَهُ مِمَّا يَأْتِيهِ مِنْ عَقَارَاتٍ وَعَطَاءٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، «وَكَانَ يَتَصَدَّقُ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى ثَلَاثِ مِائَةِ مِسْكِينٍ». قَالَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: «كَانَ اللَّيْثُ يَسْتَغِلُّ عِشْرِينَ أَلْفَ دِينَارٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَقَالَ: مَا وَجَبَتْ عَلَيَّ زَكَاةٌ قَطُّ». وَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَلْفَ دِينَارٍ، «وَلَمَّا احْتَرَقَتْ كُتُبُ ابْنِ لَهِيعَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ اللَّيْثُ مِنَ الْغَدِ بِأَلْفِ دِينَارٍ» يُوَاسِيهِ بِمَالِهِ فِي مُصِيبَتِهِ. قَالَ قُتَيْبَةُ: «وَجَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى اللَّيْثِ فَقَالَتْ: يَا أَبَا الْحَارِثِ، إِنَّ ابْنًا لِي عَلِيلٌ، وَاشْتَهَى عَسَلًا. فَقَالَ: يَا غُلَامُ، أَعْطِهَا مِرْطًا مِنْ عَسَلٍ. وَالْمِرْطُ: عِشْرُونَ وَمِائَةُ رَطْلٍ». فَلَمَّا اسْتَكْثَرُوا مَا أَعْطَاهَا مِنَ الْعَسَلِ قَالَ: «سَأَلَتْ عَلَى قَدْرِهَا، وَأَعْطَيْنَاهَا عَلَى قَدْرِ السَّعَةِ عَلَيْنَا». وَقَالَ ابْنُهُ شُعَيْبٌ: «خَرَجْتُ حَاجًّا مَعَ أَبِي فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ بِطَبَقِ رُطَبٍ. فَجَعَلَ عَلَى الطَّبَقِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَرَدَّهُ إِلَيْهِ». وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ: «صَحِبْتُ اللَّيْثَ عِشْرِينَ سَنَةً، لَا يَتَغَدَّى وَلَا يَتَعَشَّى إِلَّا مَعَ النَّاسِ، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إِلَّا بِلَحْمٍ إِلَّا أَنْ يَمْرَضَ». وَقَالَ أَشْهَبُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: «كَانَ اللَّيْثُ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَةُ مَجَالِسَ يَجْلِسُ فِيهَا: أَمَّا أَوَّلُهَا، فَيَجْلِسُ لِنَائِبَةِ السُّلْطَانِ فِي نَوَائِبِهِ وَحَوَائِجِهِ، وَكَانَ اللَّيْثُ يَغْشَاهُ السُّلْطَانُ، فَإِذَا أَنْكَرَ مِنَ الْقَاضِي أَمْرًا أَوْ مِنَ السُّلْطَانِ كَتَبَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَأْتِيهِ الْعَزْلُ، وَيَجْلِسُ لِأَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَكَانَ يَقُولُ: نَجِّحُوا أَصْحَابَ الْحَوَانِيتِ؛ فَإِنَّ قُلُوبَهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِأَسْوَاقِهِمْ. وَيَجْلِسُ لِلْمَسَائِلِ، يَغْشَاهُ النَّاسُ فَيَسْأَلُونَهُ، وَيَجْلِسُ لِحَوَائِجِ النَّاسِ، لَا يَسْأَلُهُ أَحَدٌ فَيَرُدُّهُ، كَبُرَتْ حَاجَتُهُ أَوْ صَغُرَتْ. وَكَانَ يُطْعِمُ النَّاسَ فِي الشِّتَاءِ الْهَرَائِسَ بِعَسَلِ النَّحْلِ وَسَمْنِ الْبَقَرِ، وَفِي الصَّيْفِ سَوِيقَ اللَّوْزِ فِي السُّكَّرِ». وَقَالَ قُتَيْبَةُ: «قَفَلْنَا مَعَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مِنَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَكَانَ مَعَهُ ثَلَاثُ سَفَائِنَ: سَفِينَةٌ فِيهَا مَطْبَخُهُ، وَسَفِينَةٌ فِيهَا عَائِلَتُهُ، وَسَفِينَةٌ فِيهَا أَضْيَافُهُ».

سَادَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ بِكَرَمِهِ وَبَذْلِهِ كَمَا سَادَ بِعِلْمِهِ وَفِقْهِهِ وَحِفْظِهِ، قَالَ الْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ: «اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ سَيِّدُنَا وَإِمَامُنَا وَعَالِمُنَا».

رَحِمَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْإِمَامَ الْكَبِيرَ الْكَرِيمَ، وَسَائِرَ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَعِبَادَ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَرَحِمَنَا وَوَالِدِينَا وَالْمُسْلِمِينَ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...

الخطبة الثانية
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.


أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [الْبَقَرَةِ: 281].


أَيُّهَا النَّاسُ: كَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَعْرِفُ لِلْعُلَمَاءِ أَقْدَارَهُمْ، وَيُؤَدِّي حُقُوقَ الصُّحْبَةِ، وَكَانَ الْإِمَامُ مَالِكٌ قَرِينًا لَهُ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: «كَانَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يَصِلُ مَالِكًا بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي السَّنَةِ، فَكَتَبَ مَالِكٌ إِلَيْهِ: عَلَيَّ دَيْنٌ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِخَمْسِ مِائَةِ دِينَارٍ، وَكَتَبَ مَالِكٌ إِلَى اللَّيْثِ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُدْخِلَ بِنْتِي عَلَى زَوْجِهَا، فَأُحِبُّ أَنْ تَبْعَثَ لِي بِشَيْءٍ مِنْ عُصْفُرٍ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِثَلَاثِينَ حِمْلًا عُصْفُرًا، فَبَاعَ مِنْهُ بِخَمْسِ مِائَةِ دِينَارٍ، وَبَقِيَ عِنْدَهُ فَضْلَةٌ».

وَلَا عَجَبَ أَنْ يَعْرِفَ مَالِكٌ لِلَّيْثِ فَضْلَهُ، فَيُقَدِّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ قَالَ أَبُو صَالِحٍ الْجُهَنِيُّ الْمِصْرِيُّ: «كُنَّا عَلَى بَابِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فَامْتَنَعَ عَلَيْنَا فَقُلْنَا: لَيْسَ يُشْبِهُ صَاحِبَنَا، قَالَ: فَسَمِعَ مَالِكٌ كَلَامَنَا فَأَدْخَلَنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَنَا: مَنْ صَاحِبُكُمْ؟ قُلْنَا: اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: تُشَبِّهُونِي بِرَجُلٍ كَتَبْنَا إِلَيْهِ فِي قَلِيلِ عُصْفُرٍ نَصْبُغُ بِهِ ثِيَابَ صِبْيَانَنَا فَأَنْفَذَ إِلَيْنَا مَا صَبَغْنَا بِهِ ثِيَابَنَا، وَثِيَابَ صِبْيَانَنَا، وَثِيَابَ جِيرَانِنَا، وَبِعْنَا الْفَضْلَةَ بِأَلْفِ دِينَارٍ؟»

مَاتَ الْإِمَامُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ، عَنْ إِحْدَى وَثَمَانِينَ سَنَةً، قَالَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الصَّدَفِيُّ: «شَهِدْتُ جَنَازَةَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مَعَ وَالِدِي، فَمَا رَأَيْتُ جَنَازَةً قَطُّ أَعْظَمَ مِنْهَا، رَأَيْتُ النَّاسَ كُلَّهُمْ عَلَيْهِمُ الْحُزْنُ، وَهُمْ يُعَزِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَبْكُونَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَتِ، كَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ صَاحِبُ هَذِهِ الْجَنَازَةِ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَا تَرَى مِثْلَهُ أَبَدًا».

لَقَدْ كَانَتْ سِيرَتُهُ سِيرَةً عَطِرَةً، تَحْكِي قِصَّةَ شَابٍّ جَدَّ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَثَنَى رُكْبَتَهُ فِي الدَّرْسِ، حَتَّى صَارَ مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ عَصْرِهِ، وَتَخَلَّقَ بِالْعِلْمِ الَّذِي عَلِمَهُ فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي كَرَمِهِ وَبَذْلِهِ الْخَيْرَ لِلنَّاسِ حَتَّى سَادَ فِيهِمْ، وَانْعَقَدَتْ قُلُوبُهُمْ عَلَى مَحَبَّتِهِ، وَالنَّاسُ مَجْبُولُونَ عَلَى حُبِّ مَنْ بَذَلَ لَهُمْ، وَأَحْسَنَ إِلَيْهِمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ بَذَلَ مَالَهُ وَعِلْمَهُ لَهُمْ!!

وَحَرِيٌّ بِالشَّبَابِ أَنْ يَقْرَؤُوا سِيرَ سَلَفِهِمُ الصَّالِحِ، وَيَعْلَمُوا أَخْبَارَهُمْ؛ لِيَنْهَلُوا مَنْ عِلْمِهِمْ، وَيَتَّبِعُوا سُنَنَهُمْ، وَيَأْخُذُوا الْعِبْرَةَ مِنْ أَخْبَارِهِمْ، وَيَعْلَمُوا أَنَّ مَنْ جَدَّ وَاجْتَهَدَ فِي صِغَرِهِ وَشَبَابِهِ سَادَ النَّاسَ فِي كِبَرِهِ، وَاحْتَاجَ النَّاسُ إِلَى عِلْمِهِ وَفَضْلِهِ. قَالَ الْحَسَنُ: «إِذَا لَمْ تَكُنْ حَلِيمًا فَتَحَلَّمْ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَالِمًا فَتَعَلَّمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ لَحِقَ بِهِمْ».

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.63 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (3.06%)]