#1
|
||||
|
||||
اترك الباب مواربا
اترك الباب مواربا أ. محمد بن عبدالله الفريح روى المؤرخ الكبير أبو الفداء عماد الدين إسماعيل المعروف بـابن كثير في كتابه البداية والنهاية: كان سليل ملوك اليمن الصحابي الجليل وائل بن حجر الحضرمي رضي الله عنه، قد قدم على رسول الله صل الله عليه وسلم معلنًا إسلامه، وكان صلى الله عليه وسلم قد قال لأصحابه قبل وصول وائل: (يأتيكم بقية أبناء الملوك)! فلما أتى وائل رحَّب به النبي صلى الله عليه وسلم وأدناه، ثم أعطاه أرضًا نظير ما ترك خلفه من المُلك والزعامة، وأرسل معه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ليدله على مكانها، وكان معاوية وقتها من شدة فقره لا ينتعل حذاءً! فقال معاوية لوائل: أردفني على الناقة خلفك؟ فقال وائل: ليس شحًّا بالناقة ولكنك لست رديف الملوك!! قال معاوية: إذن أعطني نعلك! فقال له وائل: ليس شحًّا بالنعل، ولكنك لستَ ممن ينتعل أحذية الملوك! ولكن امشِ في ظل الناقة. إلى هنا وانتهى المشهد. ثم ما لبث أن دار الزمان دورته، وولى الفاروق رضي الله عنه معاوية على الشام، ثم أبقاه عثمان رضي الله عنه. ثم آلت خلافة المسلمين بعد ذلك إلى معاوية رضي الله عنه. ثم جاء وائل بن حجر رضي الله عنه إلى الشام وقد جاوز الثمانين من عمره وقتها، ودخل على معاوية وكان جالسًا على كرسي الملك، فنزل وأجلس وائلًا مكانه، ثم ذكّره بالذي كان بينهما فيما مضى، وأمر له بمالٍ، قال وائل رضي الله عنه: أعطه من هو أحق به مني، والله لوددتُ بعد ما رأيت من حلمك لو رجع بنا الزمان لأحملنك يومها بين يديّ![1]. لقد تسابق الأنبياء وورثتهم العلماء والفلاسفة والمجددون في كل حضارة وفي كل وقت على الطرق على باب التوازن وحسن التقدير والاحترام في بناء العلاقات الإنسانية، والتعامل في كل مناحي الحياة، وأنها أساس متين لاستمرار الحياة بشكل مثالي وفاضل، ولا أدل على ذلك من الكلمة الشهيرة للفيلسوف اليوناني أرسطو عندما قال: (كل الفضائل تتلخص في التعامل بعدالة). بل إن الأمر سيتعدى المثالية في الحياة، إلى أن يكون الآخرون تحت تصرفنا بالمعنى المجازي للعبارة والمقولة الخالدة للكاتب والخطيب الروماني شيشرون، عندما قال: (بِحُسْن التقدير نجعل الآخرين من ممتلكاتنا الخاصة). وقبل ذلك وبعده يرشدنا الخالق جل وعز إلى التحلي بهذه الخصال، وأمره لنا بأن نقوم بالقسط والعدل والإنصاف، حتى ولو على أنفسنا، وذلك في آيات سطرت من كتابه العزيز: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [النساء: 135]. في معظم حياتنا الاجتماعية نحتاج إلى الاقتصاد والتروي في علاقاتنا وتعاملاتنا، وإعادة هندستها بما لا يترك فجوة لا يمكن ردمها، أو أن تترك جرحًا يتعسر علاجه مستقبلًا، فالأحداث سرعان ما تتغير، وتدور حلقاتها، لتقف بك يومًا حول الحدث أو عنده تمامًا! خاطرة: لا يمكن لأحد أن ينال الاحترام عن طريق فعل ما هو خاطئ. "توماس جفرسون". دمت بمودة [1] أصل هذه القصة رواها أحمد (45 /212 رقم 27239)، والبيهقي في سننه الكبرى (6 /144 رقم 12132)، وصححها ابن الملقن في البدر المنير (7 /69)، وابن حبان في صحيحه (16 /182 رقم 7025)، وشعيب الأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان. وذكرها الذهبي في تاريخه (4 /128-129)، وفي السير (2 /574). وانظر: البداية والنهاية (5 /93-94).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |