بحث في تفسير قوله تعالى:{ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِ - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854688 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389583 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 25-02-2023, 12:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بحث في تفسير قوله تعالى:{ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن

بحث في تفسير قوله تعالى:{ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ..}
ليلى باقيس


المسائل التفسيرية في قول الله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142)}



· سبب نزول الآية
جاء في آثار عن ابن عباس والبراء بن عازب ومالك والزهري والسديّ وقتادة وغيرهم أنه لما أمر تعالى بتحوّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، واستقبلها النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون قال أناس من الناس: ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فأنزل الله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ... } الآية
رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق معاوية عن عليّ عن ابن عبّاسٍ، ومن طريق محمّد عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة عن ابن عبّاسٍ وقال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن جبيرٍ، وقتادة، والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك، وأخرج هذا الطريق كذلك ابن إسحاق والبيهقي كما ذكره السيوطي.
ورواه ابن أبي حاتم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازبٍ، وأخرجه كذلك الترمذي والنسائي، وابن المنذر، والدارقطني والبيهقي كما ذكره السيوطي.
ورواه ابن جرير من طريق عمرو عن أسباطٍ عن السديّ، ومن طريق يزيد عن سعيد عن قتادة.
ورواه ابن وهب المصري عن مالك.
ورواه البيهقي عن الزهري كما ذكره السيوطي.
ورواه الزبير بن بكار عن عثمان بن عبد الرحمن كما ذكره السيوطي.





المسائل التفسيرية



1: معنى الآية إجمالًا
أنه لمّا أُمر صلى الله عليه وسلم بالتوجّه إلى الكعبة، وكان قد صلّى نحو بيت المقدس بضعة عشر شهرًا بعد مقدمه المدينة، فلمّا وقع ذلك وأُمر بالتوجّه إلى البيت العتيق، حصل لبعض النّاس من أهل النّفاق والرّيب والكفرة من اليهود ارتيابٌ وزيغٌ عن الهدى وتخبيطٌ وشكٌّ، وقالوا: {ماولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها}، فأنزل اللّه جوابهم في قوله: {قل للّه المشرق والمغرب}أي: الحكم والتّصرّف والأمر كلّه للّه، فالشّأن في امتثال أوامره تعالى فنحن عبيده حيثما وجّهنا توجّهنا، وهذا خلاصة ما قاله ابن كثير رحمه الله

2: مقصد الآية
قال ابن جرير: أعلم اللّه جلّ ثناؤه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما اليهود والمنافقون قائلون من القول عند تحويل الله قبلته وقبلة أصحابه عن الشّام إلى المسجد الحرام، وعلّمه ما ينبغي أن يكون من ردّه عليهم من الجوّاب، فقال له: إذا قالوا ذلك لك يا محمّد، فقل لهم: {للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ}، وبنحو ذلك قال ابن عطية.

3: معنى السفهاء
السفه: الخفة والهلهلة، والسّفهاء جمع سفيهٍ، وهو خفيف العقل، وأصله من قولهم ثوب سفيه أي خفيف النسج، ذكره ابن عطية وابن حجر.
والسفهاء يطلق على:
1: الجهّال من الناس، ذكره ابن جرير
2: والخفاف الأحلام والعقول، ذكره ابن عطية وابن حجر ونقله العيني عن الزمخشري.

4: المراد بالسفهاء في الآية
اختلف في تعيينهم:
فقيل: أحبار يهود، وهذا قول مجاهد والبراء وابن عباس وغيرهم.
رواه ابن جرير والهمذاني عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، والنهدي عن رجل عن مجاهد.
ورواه النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي إسحاق عن البراء.
ورواه ابن جرير عن معاوية عن علي عن ابن عباس.
وذكر هذا القول الزجاج، وابن عطية، وابن كثير، وابن حجر، والعيني.
وقيل: المنافقون، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن عمرو عن أسباط عن السديّ،
وذكر هذا القول ابن عطية وابن كثير وابن حجر والعيني والسيوطي.
وقيل: كفار قريش، ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير والعيني والسيوطي.
قال ابْن كَثِيرٍ: والآية عامّةٌ في هؤلاء كلّهم، واللّه أعلم، وهذا ما ذهب إليه كذلك ابن عطية، وابن حجر والقسطلاني.

5: سبب تسميتهم بالسفهاء
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وإنّما سمّاهم اللّه عزّ وجلّ سفهاءً، لأنّهم سفهوا الحقّ فتجاهلت أحبار اليهود وتعاظمت جهالهم وأهل الغباء منهم عن اتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا كان من العرب ولم يكن من بني إسرائيل، وتحيّر المنافقون فتبلّدوا.

6:فائدة التخصيص في قوله (من الناس)
قالَ ابن عَطِيَّةَ: وخص بقوله من النّاس، لأن السفه يكون في جمادات وحيوانات.

7:فائدة جعل المستقبل في موضع الماضي في قوله: (سيقول)
لما فيه من الدلالة على استدامة ذلك، وأنهم يستمرون على ذلك القول ، قاله ابن عطية

8: معنى (ماولّاهم).
معناه: أي ما صرفهم عن قبلتهم، وعدلهم عنها، وهذا حاصل ما ذكره ابن جرير والزجاج وابن أبي حاتم والهمذاني وابن عطية والقسطلاني.
وقد روى هذا القول ابن أبي حاتم والهمذاني من طريق ورقاءعن ابن أبي نجيح عن مجاهد، ورواه كذلك ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن مجاهد وعطاء.
وقال العيني: {ما ولاهم} أي: أي شيء رجعهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها.

9: معنى الاستفهام في قولهم: (ماولّاهم).
الذين قالوا ذلك كانوا أصنافًا:
فأما اليهود قالوا ذلك ارتيابًا وتشكيكًا يريدون فتنة النبي صلى الله عليه وسلم عن دينه، وهذا يُفهم مما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق محمّد بن أبي محمّدٍ عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة عن ابن عبّاسٍ، ورواه ابن إسحاق والبيهقي وأورده السيوطي.
ومن طريق معاوية عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، ورواه ابن المنذر والنحاس والبيهقي كما ذكره السيوطي.
وأما المنافقون وبعض اليهود فقالوا ذلك استهزاء بالإسلام وطعنا فيه.
وأما كفار قريش فكان سؤالهم تخبيط وزيغٌ عن الهدى كاشفًا عن حالهم وظنهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيرجع إلى دينهم.
وهذا يُفهم مما رواه ابن جرير عن عمرو عن أسباط عن السديّ، ورواه الزبير بن بكار عن عثمان بن عبد الرحمن والبيهقي عن الزهري وأورده السيوطي.
وما رواه ابن جرير من طريق يزيد عن سعيد عن قتادة، ورواه عبد بن حميد وابن المنذر كما ذكره السيوطي.
وذكر اختلاف الناس في شأن القبلة إلى هذه الأصناف كل من ابن عطية وابن كثير وابن حجر والعيني.

10: لمن سيقول السفهاء: (ماولّاهم؟)
للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وذلك إذا حوّلوا وجوههم عن قبلة بيت المقدس وتوجّهوا شطر المسجد الحرام، وهذا حاصل ما ذكره ابن جرير وابن عطية.

11: ذكر السبب الذي من أجله قال من قال: (ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها)
- أما أحبار اليهود فارتابوا وأرادوا التشكيك وفتنة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن دينهم، قالوا: يامحمّد، ارجع إلى قبلتك الّتي كنت عليها نتّبعك ونصدّقك، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق محمّدٌ مولى آل زيدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عبّاسٍ.
وروى الزبير بن بكار عن عثمان بن عبد الرحمن قال: "وقال اليهود للمؤمنين: ما صرفكم إلى مكة وترككم به القبلة قبلة موسى ويعقوب والأنبياء والله إن أنتم إلا تفتنون" وأورده السيوطي
- وأما المنافقون وبعض اليهود فأرادوا بذلك الطعن في الإسلام والاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، قالوا: لقد اشتاق الرّجل إلى وطنه، رواه ابن جرير من طريق يزيد عن سعيد عن قتادة، ورواه عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة والبيهقي عن الزهريوالزبير بن بكار عن عثمان بن عبد الرحمن وأورده السيوطي
وروى ابن جرير من طريق عمرٌو عن أسباطٌ عن السّدّيّ قال: "قال المنافقون: ما بالهم كانوا على قبلةٍ زمانًا، ثمّ تركوها وتوجّهوا غيرها؟"وبنحو هذا المعنى رواه البيهقي عن الزهري وأورده السيوطي.
- وأما كفار قريش فقد وقع لهم تخبيط وزيغ عن الهدى وظنّوا أن النبي صلى الله عليه وسلم سيرجع إلى دينهم، قالوا: تحير على محمد دينه فتوجه بقبلته إليكم وعلم أنكم أهدى منه ويوشك أن يدخل في دينكم، رواه ابن جرير عن السدي وأورده السيوطي، وبنحو ذلك روى الزبير بن بكار عن عثمان بن عبد الرحمن والبيهقي عن الزهري وأورده السيوطي.
وسبق أنه ذكر اختلاف الناس في شأن القبلة إلى هذه الأصناف كل من ابن عطية وابن كثير وابن حجر والعيني.

12: معنى القبلة
لغة: قبلة كلّ شيءٍ ما قابل وجهه.
وإنما هي فعلة بمنزلة الجلسة والقعدة،من قولهم: قابلت فلانًا: إذا صرت قبالته أقابله، فهو لي قبلةٌ، وأنا له قبلةٌ، إذا قابل كلّ واحدٍ منهما بوجهه وجه صاحبه، ذكره ابن جرير، وبنحو ذلك ذكره ابن عطية ملخصًا.
وشرعا: الموضع الّذي يستقبلونه بوجوههم في صلاتهم، ذكره ابن جرير.

13: المراد بالقبلة في الآية
يعني بيت المقدس، وهو قول عامة المفسرين وغيرهم.
روى ابن جرير من طريق ابن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع في قوله: "{سيقول السّفهاء من النّاس ماولاّهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} يعنون بيت المقدس".
ورواه الحاكم من طريق ابن جريجٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ، وقال: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه بهذه السّياقة.
ورواه ابن أبي حاتم مختصرًا من طريق ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس.
وبنحو ذلك روى الهمذاني من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد.
وذكر هذا القول الزجاج والعيني والقسطلاني.

14: نسخ القبلة
روى ابن أبي حاتم من طريق ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ: " {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} يعنون بيت المقدس، فنسخها وصرفه اللّه إلى البيت العتيق." ورواه الحاكمُ عن ابن جريجٍ دون عثمان وقال هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه بهذه السّياقة.
وروى أبوداود في ناسخه من طريق مجاهد عن ابن عباس قال: "أول آية نسخت من القرآن القبلة ثم الصلاة الأولى." وأورده السيوطي
وروى أبو داود في ناسخه وأبو يعلى والبيهقي في "سننه" عن أنس، ومالك وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود في ناسخه والنسائي عن ابن عمر ما كان من تحول المسلمين واستقبالهم للكعبة في صلاتهم حين أمروا بذلك، وأورده السيوطي.
وروى الطبراني عن عثمان بن حنيف قال: "ونسخ البيت الحرام بيت المقدس " وأورده السيوطي

15: أول ما نسخ من القرآن القبلة
روى ابن جرير من طريق الحسين عن عكرمة ويزيد النّحويّ عن عكرمة والحسن البصريّ، قالا: "أوّل مانسخ من القرآن القبلة" ورواه أبو داود في ناسخه عن ابن عباس وأورده السيوطي.
وروى الحاكم من طريق ابن جريجٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما قال:" أوّل مانسخ من القرآن فيما ذكر لنا شأن القبلة" قال:هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه بهذه السّياقة.
وروى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والبيهقي عن ابن عباس نحو ذلك وأورده السيوطي.
وروى أبو داود من طريق مجاهد عن ابن عباس قال :"أول آية نسخت من القرآن القبلة ثم الصلاة الأولى." وأورده السيوطي
قالَ ابن عَطِيَّةَ: فذكر ابن فورك عن ابن عباس قال: "أول ما نسخ من القرآن القبلة."

16: إنكار اليهود للنسخ
قال الزّمخشريّ: {سيقول السّفهاء} أي: خفاف الأحلام وهم اليهود لكراهتهم التّوجّه إلى الكعبة وأنّهم لا يرون النّسخ." ذكره العيني

17:اختلاف الناس في أمر القبلة
واختلف الناس فيها فكانوا أصنافا:
فمنهم أحبار اليهود الذين ارتابوا وأرادوا التشكيك وفتنة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن دينهم.
ومنهم المنافقون وبعض اليهود الذين اتخذوا ذلك للطعن والاستهزاء بالإسلام وأهله.
ومنهم كفار قريش وقد حصل لهم بذلك تخبيط وزيغ عن الهدى وقالوا: رجع محمّدٌ إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا.
وأما المؤمنون فقالوا: فكيف أعمالنا التي عملنا في القبلة الأولى، وكيف بمن مات وهو يصلي قبل بيت المقدس.
روى ذلك ابن جرير عن السدي وأورده السيوطي في الدر المنثور، ورواه ابن جرير في تفسيره من طريق عمرو عن أسباط عن السدي بلفظ مختصر.
ورواه الزبير بن بكار عن عثمان بن عبد الرحمن، والبيهقي عن الزهري، وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة وأورده السيوطي.
وذكر اختلاف الناس في شأن القبلة إلى هذه الأصناف كل من ابن عطية وابن كثير وابن حجر والعيني.

18:المخاطب بقوله تعالى: {قل لله المشرق والمغرب}
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: "يعني بذلك عزّ وجلّ: قل يا محمّد" وبنحو ذلك قال العيني

19:لمن أمر أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام؟
لهؤلاء الّذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه: ما ولاّكم عن قبلتكم من بيت المقدس الّتي كنتم على التّوجّه إليها إلى التّوجّه إلى شطر المسجد الحرام. قاله ابن جرير

20:معنى اللام في قوله تعالى: (لله المشرق والمغرب)
اللام للملك، أي لله تعالى ملك المشارق والمغارب وما بينهما، يُفهم ذلك مما ذكره ابن جرير وابن عطية

21:المراد بالمشرق والمغرب
قيل: يعني بذلك ما بين قطري مشرق الشّمس وقطري مغربها، أي بلاد الشرق والغرب والأرض كلها، ذكره ابن جرير والعيني
وقيل: أراد بالمشرق الكعبة لأن المصلّي بالمدينة إذا توجه إلى الكعبة فهو متوجّه للمشرق، وأراد بالمغرب بيت المقدّس لأن المصلّي في المدينة إلى بيت المقدّس متوجّه جهة المغرب، ذكره العيني

22: الحكمة من الرد بهذا الجواب لمن قالوافي تحويل القبلة: (ما ولّاهم).
أي: الحكم والتّصرّف والأمر كلّه للّه، وحيث أمر الله أن يصلّى ويتعبّد، فهو له، وعالم به، وفي ذلك إقامة حجة عليهم.
وهذا حاصل ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير والعيني والقسطلاني

23: معنى الهداية
هو أن يسدّده الله تعالى ويوفّقه إلى الطّريق القويم، وهو الصّراط المستقيم، قاله ابن جرير.
وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية في قول اللّه: {يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} قال: "يهديهم إلى المخرج من الشّبهات والضّلالات والفتنة"

24: معنى (الصراط المستقيم)
معناه: الطّريق القويم، قاله ابن جرير وبنحو ذلك قال ابن عطية.
وقَالَ الزَّجَّاجُ: معناهّ: طريق مستقيم كما يحبّ الله.

25:المراد بالهداية إلى الصراط المستقيم في الآية
قالَ ابنِ عَطِيَّةَ: ويهدي من يشاء، إشارة إلى هداية الله تعالى هذه الأمة إلى قبلة إبراهيم.
وبنحو ذلك قال ابن جرير وابن كثير.
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -يعني في أهل الكتاب -: "إنّهم لا يحسدوننا على شيءٍ كما يحسدوننا على يوم الجمعة، التي هدانا اللّه لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلّوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين " رواه أحمد، ذكره ابن كثير والسيوطي

26: سبب صلاته صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس
والمقصود التّوجّه إلى بيت المقدس بعد مقدمه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، واختلف أهل العلم في ذلك:
فقال بعضهم: أمره تعالى بالتوجه لبيت المقدس، وهذا قول ابن عباس والجمهور، وهذا حاصل ما ذكره ابن جرير والزجاج وابن عطية وابن كثير.
والسبب في ذلك: أن أكثر أهل المدينة اليهود، روى ذلك ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، قال: "لمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، أمره اللّه أن يستقبل بيت المقدس" ورواه ابن المنذر والنحاس والبيهقي وأورده السيوطي.
وقيل: ليختبر الله تعالى من آمن من العرب، لأنهم كانوا يألفون الكعبة وينافرون بيت المقدس وغيره، فامتحنهم الله تعالى ببيت المقدس، ذكره الزجاج وابن عطية.
- وقال آخرون: كان ذلك باختيارٍ واجتهادٍ من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من غير أن يكون الله فرض ذلك عليه، وهذا قول عكرمة وأبي العالية والحسن، وهذا حاصل ما ذكره ابن جرير وابن عطية وابن كثير
روى الزبير بن بكار عن عثمان بن عبدالرحمن قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام يصلي انتظر أمر الله في القبلة وكان يفعل أشياء لم يؤمر بها ولم ينه عنها من فعل أهل الكتاب" ذكره السيوطي
والسبب في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أراد بذلك أن يتألّف أهل الكتاب ليؤمنوا به ويتبعوه، رواه ابن جرير عن أبي العالية، ورواه من طريق الحسين عن عكرمة ويزيد النّحويّ عن عكرمة والحسن البصريّ.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 25-02-2023, 12:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: بحث في تفسير قوله تعالى:{ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن

مسألة:
والذين قالوا أنه أمر باستقبال بيت المقدس اختلفوا هل كان ذلك بأمر في القرآن أو بوحي غير متلو؟
على قولين:
الأول: أنه كان بأمر في القرآن، وهذا قول ابن عباس
الثاني: أنه كان بوحي غير متلو، وهذا قول الجمهور.
ذكر هذه الأقوال ابن عطية، وأشار إليها ابن كثير

27: المدة التي صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو بيت المقدس في المدينة
اختلف أهل العلم في المدّة الّتي صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس بعد الهجرة:
- ففي البخاري والنسائي وغيرهما عن البراء: أنها ستة عشر أوسبعة عشر شهرا.
وقوله: "أو سبعة عشر"شكّ من الرّاوي، قاله العيني والقسطلاني.
والقول أنها ستة عشر شهرًا مروي كذلك عن مالك رواه ابن وهب، وعن ابن المسيب رواه عبد الرزاق وابن جرير.
والقول أنها سبعة عشر شهرًا مروي كذلك عن ابن عباس رواه ابن جرير.
- وروي عن أنس بن مالك: تسعة أو عشرة أشهر، رواه ابن جرير من طريق أبي عاصمٍ عن عثمان بن سعدٍ الكاتب عن أنس بن مالكٍ.
- وروي عن غيره: ثلاثة عشر شهرا، رواه ابن جرير من طريق عمرو بن مرّة عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبلٍ.
- وقيل: ثمانية عشر شهرًا، وهذا رواه عبد الرزاق عن معمر والزهري
وهذا حاصل ما ذكره ابن جرير وابن عطية.

28: القبلة التي أمر المؤمنين بالتحوّل لها.
أمروا باستقبال الكعبة قبلة إبراهيم عليه السلام، وبالتوجّه شطر المسجد الحرم.
- روى ابن أبي حاتم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازبٍ قال: "كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد صلّى نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يحبّ أن يوجّه نحو الكعبة، فأنزل اللّه تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماءفلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} قال:فوجّه نحو الكعبة" ورواه الترمذي والنسائي وابن المنذر والدارقطني والبيهقي وأورده السيوطي.
- وروى ابن أبي شيبة وأبو داود والنحاس والبيهقي عن ابن عباس: "أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدما تحول إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرفه الله إلى الكعبة" أورده السيوطي
- وروى البيهقي في الدلائل عن الزهري قال: "صرفت القبلة نحو المسجد الحرام " أورده السيوطي
- وروى ابن أبي شيبة والبزار عن أنس بن مالك قال: "جاءنا منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن القبلة قد حولت إلى بيت الله الحرام" أورده السيوطي

29: متى كان صرف القبلة إلى الكعبة.
فيه أقوال:
قيل: في رجب في السنة الثانية من الهجرة، وهذا قول ابن عباس والزهري وابن المسيب.
روى ابن جرير من طريق محمّد بن أبي محمّدٍ عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: " لمّا صرفت القبلة عن الشّام إلى الكعبة، وصرفت في رجبٍ على رأس سبعة عشر شهرًا من مقدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة"
ومن طريق عبد الوارث عن يحيى عن سعيد بن المسيّب قال: " ثمّ وجّه نحو الكعبة قبل بدرٍ، بشهرين" وكانت بدر في شهر رمضان.
وروى البيهقي في الدلائل عن الزهري قال: "صرفت القبلة نحو المسجد الحرام في رجب على ستة عشر شهرا من مخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة" وأورده السيوطي.
وقيل: في جمادى الآخرة.
روى أبو داود في ناسخه عن سعيد بن عبد العزيز قال: "أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس من شهر ربيع الأول إلى جمادى الآخرة"
وقيل: في نصف شعبان.
ذكر هذه الأقوال ابن عطية

30:سبب التحوّل للكعبة
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن تكون قبلته قبل البيت، فكان يكثر الدعاء والابتهال أن يوجّه للكعبة، فأجيب إلى ذلك، روى ذلك البخاري وابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهم عن البراء وابن عباس.
ومن ذلك ما رواه ابن أبي حاتم من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء بن عازبٍ قال: "كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد صلّى نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يحبّ أن يوجّه نحو الكعبة، فأنزل اللّه تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماءفلنولّينّك قبلةً ترضاها فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} قال:فوجّه نحو الكعبة" ورواه الترمذي والنسائي وابن المنذر والدارقطني والبيهقي وأورده السيوطي.
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال: "كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحبّ قبلة إبراهيم عليه السّلام، وكان يدعو وينظر إلى السّماء، فأنزل اللّه عزّوجلّ: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء}الآية"
الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يودّ لو يصرف عن قبلة اليهود إلى غيرها، فكان يدعو الله تعالى ويسأله ويديم النظر إلى السماء فأجيب إلى ذلك، روى أبو داود في ناسخه عن أبي العالية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نظر نحو بيت المقدس فقال لجبريل: (وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها) فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك ولا أملك لك شيئا إلا ما أمرت فادع ربك وسله فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل فأنزل الله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء}" وأورده السيوطي

31: الصلاة التي تحوّل فيها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه شطر المسجد الحرام.
فيه قولان:
الأول: أن أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه للكعبة هي صلاة العصر، كما في الصحيح وغيره من رواية البراء قال: (وأنّه صلّى أوّل صلاةٍ صلّاها صلاة العصر، وصلّى معه قومٌ)
الثاني: وقيل: صلاة الظهر، رواه ابن جرير من طريق أبي عاصمٍ عن عثمان بن سعدٍ عن أنس بن مالكٍ قال: "صرف نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس تسعة أشهرٍ أو عشرة أشهرٍ، فبينما هو قائمٌ يصلّي الظّهر بالمدينة، وقد صلّى ركعتين نحو بيت المقدس، انصرف بوجهه إلى الكعبة" ورواه البزار وأورده السيوطي
وروى الزبير بن بكار عن عثمان بن عبد الرحمن قال: "فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر في مسجده قد صلى ركعتين إذ نزل عليه جبريل فأشار له أن صل إلى البيت وصلى جبريل إلى البيت" وأورده السيوطي
وروى ابن سعد عن محمد بن عبد الله بن جحش قال: "صليت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرفت القبلة إلى البيت ونحن في صلاة الظهر فاستدار رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا فاستدرنا معه" وأورده السيوطي
ذكر هذين القولين ابن كثير، وجاء عند ابن وهب المصري من رواية مالك أنها صلاة الصبح، قال: "فتحول إلى الكعبة في صلاة الصبح"

32: استجابة المؤمنين لأمر الله تعالى بالتحول للكعبة.
استجاب المؤمنون لأمر الله تعالى بالتحوّل للكعبة طاعة لله تعالى واتباعًا لأمره.
- فتحوّل النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه في الصلاة نحو الكعبة، رواى ابن سعد عن محمد بن عبد الله بن جحش قال: " [صرفت]القبلة إلى البيت ونحن في صلاة الظهر فاستدار رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا فاستدرنا معه" أورده السيوطي
- وبلغ ذلك أهل مسجد قباء أو مسجد بني حارثة بالمدينة وهم في الصلاة فاستدروا كما هم نحو الكعبة، كما روى ابن وهب عن مالك قال: "فذهب ذاهبٌ إلى قباء، فوجدهم في صلاة الصبح، فقال لهم: إن النبي عليه السلام قد أنزل عليه القرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستداروا وهم في الصلاة طائعا لله وإتباعا لأمره"
وروى البخاري من طريق زهير عن أبي إسحاق عن البراء رضي اللّه عنه قال: "فخرج رجلٌ ممّن كان صلّى معه فمرّ على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أشهد باللّه، لقد صلّيت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل مكّة، فداروا كما هم قبل البيت" قال القسطلاني في شرحه على الصحيح: أهل المسجد من بني حارثة والمسجد بالمدينة أو مسجد قباء وهم راكعون.
قال ابن كثير: ( انفرد به البخاريّ من هذا الوجه. ورواه مسلمٌ من وجهٍ آخر)، ورواه ابن سعد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن حبان والبيهقي في "سننه" وأورده السيوطي
وروى ابن سعد وابن أبي شيبة عن عمارة بن أوس الأنصاري قال: "صلينا إحدى صلاتي العشي فقام رجل على باب المسجد ونحن في الصلاة فنادى أن الصلاة قد وجبت نحو الكعبة فحول أو انحرف أمامنا نحو الكعبة والنساء والصبيان" أورده السيوطي

33: أول صلاة صلاها أهل قباء للكعبة
قال ابن كثير: (وأمّا أهل قباء، فلم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّاني، كما جاء في الصّحيحين، عن ابن عمر أنّه قال: "بينما النّاس بقباء في صلاة الصّبح، إذ جاءهم آتٍ فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها. وكانت وجوههم إلى الشّام فاستداروا إلى الكعبة"
وروى ابن وهب عن مالك قال: " فذهب ذاهبٌ إلى قباء، فوجدهم في صلاة الصبح، فقال لهم: إن النبي عليه السلام قد أنزل عليه القرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستداروا وهم في الصلاة"

34: حكم من مات على القبلة الأولى
روى البخاري من طريق زهير عن أبي إسحاق عن البراء رضي اللّه عنه قال: " وكان الّذي مات على القبلة قبل أن تحوّل قبل البيت رجالٌ قتلوا، لم ندر ما نقول فيهم، فأنزل اللّه: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ}" -وقد سبق-
وقوله: {إيمانكم} أي صلاتكم إلى بيت المقدس فلا يضيع أجورهم، ذكره العيني والقسطلاني.
قال القَسْطَلاَّنيُّ: "ذكر الواحدي في أسباب النزول منهم: أسعد بن زرارة، وأبا أمامة أحد بني النجار،والبراء بن معرور أحد بني سلمة"
وروى ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: "{وما كان الله ليضيع إيمانكم} يقول: صلاتكم بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم وإتباعكم إياه إلى القبلة الآخرة أي ليعطينكم أجرهما جميعا {إن الله بالناس لرؤوف رحيم} إلى قوله: {فلا تكونن من الممترين}" أورده السيوطي، وهذه الزيادة لا توجد في لفظ ابن جرير وابن أبي حاتم.

35: الحكمة من نسخ القبلة
قال تعالى في بيان ذلك:{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ} أي ابتلاء واختبارا، رواه ابن إسحاق والبيهقي عن ابن عباس
فكان في تحويل القبلة بلاء وتمحيص، والله تعالى يبتلي عباده بما شاء من أمره، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه، رواه عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال: "وكل ذلك مقبول في درجات في الإيمان بالله والإخلاص والتسليم لقضاء الله" وأورده السيوطي
وروى الطبراني عن عثمان بن حنيف قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يقدم من مكة يدعو الناس إلى الإيمان بالله في تصديق به قولا وعملا والقبلة إلى بيت المقدس فلما هاجر إلينا نزلت الفرائض ونسخت المدينة مكة والقول فيها ونسخ البيت الحرام بيت المقدس فصار الإيمان قولا وعملا" وأورده السيوطي

36: دلالة الآية اختصاص الله تعالى بالهداية والإضلال
أن الله تعالى هو الذي هدى هذه الأمة بالتّوجّه شطر المسجدالحرام لقبلة إبراهيم فسدّدها، ووفّقها، وأضلّ عنها اليهود، والمنافقون، وجماعة الشّرك باللّه، فخذلهم عمّا هدى المؤمنين له من ذلك، فهو تعالى يهدي من يشاء من خلقه فيسدّده، ويوفّقه إلى الطّريق القويم، وهو الصّراط المستقيم، ويخذل من يشاء منهم فيضلّه عن سبيل الحقّ. ملخصًا مما قاله ابن جرير

37: دلالة الآية على عظم عناية الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم وأمته
قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وهو تعالى له بعبده ورسوله محمّدٍ -صلوات اللّه وسلامه عليه -وأمته عنايةٌ عظيمةٌ؛ إذ هداهم إلى قبلة إبراهيم، خليل الرّحمن، وجعل توجّههم إلى الكعبة المبنيّة على اسمه تعالى وحده لا شريك له، أشرف بيوت اللّه في الأرض، إذ هي بناء إبراهيم الخليل،عليه السّلام، ولهذا قال: {قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍمستقيمٍ}.
عن عائشة قالت: قال رسول اللّه صلّىاللّه عليه وسلّم -يعني في أهل الكتاب -: "إنّهم لا يحسدوننا على شيءٍ كما يحسدوننا على يوم الجمعة، التي هدانا اللّه لها وضلوا عنها، وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلّوا عنها، وعلى قولنا خلف الإمام: آمين" رواه أحمد، وذكره ابن كثير والسيوطي

38: دلالة الآية أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك من الأمر شيئا
يظهر ذلك من وجهين:
- أن الله جلّ ثناؤه أعلم نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما السفهاء قائلون في شأن القبلة، وعلّمه ما ينبغي أن يكون من ردّه عليهم من الجوّاب، فقال له:{قل للّه المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} أي لله ملك المشارق والمغارب وما بينهما، فله الحكم والأمر والتصرف كله، ملخصًا مما قاله ابن جرير
- وروى أبو داود عن أبي العالية: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نظر نحو بيت المقدس فقال لجبريل: "وددت أن الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها" فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك ولا أملك لك شيئا إلا ما أمرت فادع ربك وسله، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يديم النظر إلى السماء رجاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل فأنزل الله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآية" وأورده السيوطي

39: توجيه قول من قال أن أول التوجه كان للكعبة ثم بيت المقدس ثم الرجوع للكعبة
وهذا القول رواه ابْنُ جَرِيرٍ من طريق الحسين عن حجّاجٌ عن ابن جريجٍ قال: "صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أوّل ما صلّى إلى الكعبة، ثمّ صرف إلى بيت المقدس، فصلّت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه ثلاث حججٍ، وصلّى بعد قدومه ستّة عشر شهرًا، ثمّ ولاّه اللّه جلّ ثناؤه إلى الكعبة".
ويوجّه هذا القول بما ذكره ابن كثير قال: وحاصل الأمر أنّه قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر باستقبال الصّخرة من بيت المقدس، فكان بمكّة يصلّي بين الرّكنين، فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبلٌ صخرة بيت المقدس، فلمّا هاجر إلى المدينة تعذّر الجمع بينهما، فأمره اللّه بالتّوجّه إلى بيت المقدس.
يستدل لذلك بما رواه ابن أبي شيبة وأبو داود والنحاس والبيهقي عن ابن عباس قال: "أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدما تحول إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرفه الله إلى الكعبة" وأورده السيوطي




الإعراب
1: إعراب (من الناس)
في محل نصب على الحال من السفهاء والعامل فيها سيقول وهي حال مبينة، ذكره القسطلاني.

2: إعراب (ماولّاهم)
جملة الاستفهام في محل نصب بالقول، ذكره القسطلانيّ


أحكام الآية


الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به
يستدل لذلك : بأن أهل قباء لم يبلغهم الخبر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّاني، ولم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء، فدلّ ذلك على أنّ النّاسخ لا يلزم حكمه إلّا بعد العلم به، وإن تقدّم نزوله وإبلاغه؛ واللّه أعلم، قاله ابن كثير


فوائد سلوكية


- أن الواجب على المسلم الاستسلام لأمر الله تعالى وطاعته، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع شأنه.
- المسلم يحذر من التشبه باليهود أو المنافقين أو الكفرة الذين يستهزءون أو يطعنون في أحكام الله تعالى وشرائعه
- وعلى المسلم كذلك الحذر من التشكيك أو الشك والريب في الأحكام والشرائع الثابتة المعلومة من الدين بالضرورة
- المسلم ينبغي عليه التأدب مع الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم إذا ورد عليه ما يشكل في أمر الدين فيسأل عن ذلك سؤال من يريد الحق ومعرفة الصواب متأدبًا محتاطًا في تعبيره وطريقة سؤاله.
- عند ورود الفتن أو الأمور التي تشكل وتلتبس على المسلم فينبغي عليه أن يمسك بلسانه، وأن يرجع في ذلك لأهل العلم الراسخين الربانيين.
- إذا صدر لأهل العلم الكبار الراسخين الربانيين قولًا في مسألة من المسائل الكبار التي تخص الأمة فينبغي للمسلمين الرجوع والوقوف عند قولهم وعدم التشكيك فيه أو الطعن.
- الواجب على المسلم حمد الله تعالى على عظيم نعمه وعنايته بهذه الأمة ونبيّها وإكرامهم بقبلة إبراهيم عليه السلام.
- يعرف المسلم مكانة بيت المقدس إذ جعلها الله قبلة أهل الإسلام في أول الأمر.
- المسلم يربّي نفسه على الاستسلام والانقياد التام لأمر الله تعالى وإن خالف هواه؛ لأنه يعتقد ويؤمن بأن الله تعالى له الحكم والأمر والتصرف كله، فله سبحانه ملك المشارق والمغارب وما بينهما، فلا يخرج شيء عن ملكه سبحانه.
- ومن الفوائد ما قاله ابن كثير رحمه الله: [أن] الشّأن كلّه في امتثال أوامر اللّه، فحيثما وجّهنا توجّهنا، فالطّاعة في امتثال أمره، ولو وجّهنا في كلّ يومٍ مرّاتٍ إلى جهاتٍ متعدّدةٍ، فنحن عبيده وفي تصريفه وخدّامه، حيثما وجّهنا توجّهنا.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 103.70 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 101.30 كيلو بايت... تم توفير 2.39 كيلو بايت...بمعدل (2.31%)]