مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 187 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28432 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60056 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 827 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 12-04-2023, 12:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان




مواعظ رمضان...
(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ)

كتبه/ سعيد محمود
(21)



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال الله -تعالى-: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ، وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلا مَحْرُومٌ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَاكُمْ رَمَضَانُ، شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ، تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).

أخي... إن الحديث في الآيات والأحاديث المتقدمة عن "ليلة القدر"؛ تلك الليلة المولودة المشهودة، التي سجلها الوجود كله في فرح وعظة وابتهال، ليلة الاتصال بيْن الأرض والملأ الأعلى، ليلة بدء نزول القرآن على قلب سيد الأنام -صلى الله عليه وسلم-، ليلة ذلك الحدث العظيم الذي لم تشهد الأرض مثله في عظمته، وفي دلالته، وفي آثاره في حياة البشرية جميعًا.
قال الزهري -رحمه الله-: "سُميت ليلة القدر؛ لعظمتها وقدرها وشرفها، مِن قولهم: لفلان قدر، أي: شرف ومنزلة".
وقال أبو بكر الوراق -رحمه الله-: "سميت ليلة القدر؛ لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر، على لسان ملك ذي قدر، على رسول ذي قدر، وعلى أمة ذات قدر".
أخي... هذه ليلة يربح فيها مَن فهم ودرى، ويصل إلى مراده كل مَن جدَّ وسرى، ويفك فيها العاني وتطلق الأسرى.
أخي... إنها ليلة يهون العمر كله لأجلها: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ).

قال السلف -رحمهم الله-: "العمل فيها خير مِن عمل ألف شهر".
أخي... لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العبادة، ويشتد في القيام في الأواخر من رمضان التماسًا لهذه الليلة، وكان يقول لأمته: (إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا -أَوْ نُسِّيتُهَا-؛ فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الوَتْرِ) (متفق عليه).
أخي... إنها ليلة الهدايا والعطايا مِن الكريم الجواد، ومن ذلك: أن مَن قامها مؤمنًا محتسبًا؛ نال المغفرة لما سلف، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).
ومن ذلك: كثرة الملائكة فيها التي تنزل إلى الأرض، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ السَّابِعَةِ، أَوِ التَّاسِعَةِ وَعِشْرِينَ، وَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ أَكْثَرُ فِي الأَرْضِ مِنْ عَدَدِ الْحَصَى) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).

ومِن ذلك: أنها سلام حتى مطلع الفجر لأهل الدنيا من المؤمنين، قال مجاهد: (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ): "سلام أن يحدث فيها داء أو يستطيع شيطان أن يعمل فيها سيئ".
وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "في تلك الليلة تصفد مردة الجن، وتغل عفاريت الجن، وتفتح فيها أبواب السماء كلها، ويقبل الله فيها التوبة لكل تائب".
أخي... ليلة القدر... ليلة يفتح فيها الباب، ويقرب فيها الأحباب، ويسمع فيها الخطاب، ويرد الجواب، ويُعطى للعاملين عظيم الأجر والثواب.
واعلم -رحمني الله وإياك-: أنه مِن عظيم فضله -سبحانه وتعالى- أن أخفى تلك الليلة عن عباده؛ ليجتهدوا في ليالي العشر جميعها.
أخي... هذه الليلة العظيمة القدر، عظـِّمها مِن قِبَلك بعمل ذي قدر، ومِن الأعمال ذات القدر في هذه الليلة، الدعاء: فقد سألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَدْعُو؟ قَالَ: (تَقُولِينَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي) (رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

وقد كان السلف -رحمهم الله- يخصون ليلة القدر بمزيد اهتمام:
- فهذا ثابت البناني -رحمه الله- يلبس أحسن ثيابه، ويتطيب، ويطيب المسجد بالنضوح في الليلة التي يُرجى فيها ليلة القدر.
- وهذا تميم الداري -رضي الله عنه-، كان له حلة اشتراها بألف درهم، وكان يلبسها في الليلة التي تُرجى فيها ليلة القدر.
فعليك أخي... أن تتحرى هذه الليلة؛ فهي فرصة عظيمة، فلعلك تُعطى خيرها، فتسعد سعادة لا شقاوة -بإذن الله- بعدها، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ)، وقال: (مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلا مَحْرُومٌ)؛ فيفهم مِن ذلك: أن مَن أُعطي خيرها؛ فقد أعطى الخير كله.
فاللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عنا، وارزقنا حسن العمل في هذه الليالي الشريفة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 13-04-2023, 12:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان





مواعظ رمضان
(أعمال القلوب... الإخلاص)
كتبه/ سعيد محمود

(22)


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
أهمية أعمال القلوب:
أعمال القلوب اهتم بها العلماء، فصنفوا منها المؤلفات، وابتدأوا أعمالهم بالتذكير والحث عليها، فأعمال القلوب تحتاج إلى مجاهدة وعناية، وبما أن النجاة مدارها على أعمال القلوب بالإضافة إلى أعمال الجوارح التي لا بد أن تأتي إذا صحت أعمال القلوب؛ فلا بد مِن التعرف على هذه الأعمال.
ومِن أعظم أعمال القلوب، وأهمها: "الإخلاص":

فهو أولها وأعلاها وأساسها، هو حقيقة الدين ومفتاح دعوة الرسل، قال الله -تعالى-: (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة:5).
والإخلاص: هو أساس قبول الأعمال وردها، فهو الذي يؤدي إلى الفوز أو الخسران؛ فإن تحقيقه يؤدي إلى الفوز والنجاة، والإخلال به يؤدي إلى النار والهلاك.
معنى الإخلاص: مَن خلص خلوصًا، أي صفي وزال عنه شوبه، وقد تنوعت عبارات السلف فيه، ومنها:
1- أن يكون العمل لله -تعالى-، لا نصيب لغير الله فيه.
2- تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين.
3- نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق.

4- استواء عمل الظاهر والباطن.
5- ألا تطلب على عملك شاهدًا إلا الله، وإذا داوم عليه الإنسان رزقه الله الحكمة.
مِن أقوال السلف حول الإخلاص:
- سئل سهل بن عبد الله -رحمه الله-: "أي شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب، فمع الإخلاص تُنسى حظوظ النفس".
- وقال يوسف بن أسباط -رحمه الله-: "تخليص النية مِن فسادها أشد على العاملين مِن طول الاجتهاد".
- وقال يوسف بن الحسين -رحمه الله-: "كم أجتهد في إسقاط الرياء من قلبي؛ فينبت لي على لون آخر".
واعلم -أخي رحمني الله وإياك- أن للإخلاص علاماتٍ، منها:

1- الحماس للعمل لدين الله.
2- أن يكون عمل السر أكثر مِن عمل العلانية.
3- المبادرة للعمل واحتساب الأجر.
4- الصبر على إخفاء العمل.
5- الصبر والتحمل وعدم التشكي.
6- إتقان العمل في السر.
7- الإكثار مِن العمل في السر.
تنبيه: متى يكون إظهار العمل مشروعًا؟!

قال ابن قدامة -رحمه الله-: "فصل في بيان الرخصة في قصد إظهار الطاعات... وقال: وفي الإظهار فائدة الاقتداء، ومِن الأعمال ما لا يمكن الإسرار به: كالحج، والجهاد، والمظهِر للعمل ينبغي أن يراقِب قلبه؛ حتى لا يكون فيه حب الرياء الخفي، ولا ينبغي للضعيف أن يخدع نفسه بذلك، ومثل الذي يظهره وهو ضعيف كمثل إنسان سباحته ضعيفة فنظر إلى جماعة مِن الغرقى؛ فرحمهم فأقبل إليهم فتشبثوا به وغرقوا جميعًا!".
فيا أخي... هذه أيام وليالي العمل الكثير؛ فاجتهد أن يكون خالصًا لله -تعالى-.
نسأل الله الإخلاص في القول والعمل.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 14-04-2023, 12:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان





مواعظ رمضان
(مِن أعمال القلوب... التوكل)
كتبه/ سعيد محمود
(23)



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد أمر الله -تعالى- عباده بالتوكل عليه، وحثَّ على ذلك في مواضع كثيرة، قال الله -تعالى-: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) (النمل:79)، وقال -تعالى-: (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (هود:123)، وقال -تعالى-: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) (الفرقان:58).
وقال -تعالى-: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159)،

وقال -تعالى-: (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:122)، وقال -تعالى-: (وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (المائدة:23).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
تعريف التوكل: هو الاعتماد والتفويض، يُقال: وكل فلان فلانًا فيما عجز عنه هو ليقوم به.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "التوكل نصف الدين والنصف الثاني إنابة، فإن الدين استعانة وعبادة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة".
وقال: "ولو توكل العبد على الله حق توكله في إزالة جبل مِن مكانه وكان مأمورًا بإزالته؛ لأزاله!".
حقيقة التوكل: قال الزبيدي: "الثقة بما عند الله، واليأس مما في أيدي الناس".
أخي... -اعلم رحمني الله وإياك-: أن تاريخ المتوكلين على الله -عز وجل- مليء بالصور المشرقة، ومن ذلك:

- لما نزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه في وادٍ أثناء السفر علَّق سيفه في شجرة ونام تحتها، وتفرَّق الناس في الوادي يستظلون في الشجر، فلم يتنبهوا إلا والنبي -صلى الله عليه وسلم- يدعوهم، فأتوه، فإذا بشخص وسيف ساقط،
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ رَجُلاً أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ، فَأَخَذَ السَّيْفَ فَاسْتَيْقَظْتُ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِي، فَلَمْ أَشْعُرْ إِلا وَالسَّيْفُ صَلْتًا فِي يَدِهِ، فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قَالَ قُلْتُ: اللهُ، قَالَ: فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ) ثُمَّ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (متفق عليه). (فَشَامَ السَّيْفَ): رده في غمده.
- ولما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- الغار في الهجرة، وخاف أبو بكر على النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن جموع المشركين الباحثة عنه، قال له سيد المتوكلين: (يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا) (متفق عليه)، وقد سجَّل القرآن هذا المشهد العظيم في قوله -تعالى-: (إِلا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40).

- ولما ترك إبراهيم -عليه السلام- هاجر أم إسماعيل -عليهما السلام- عند البيت؛ امتثالاً لأمر ربه -تعالى-، قامت إليه تسأله: (يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا) (رواه البخاري). وفي بعض الروايات: "أن جبريل جاءها بعد انصراف إبراهيم -عليه السلام- فقال لها: لمن وكلكما؟ قالت: إلى الله. فقال: قد وكلكِ إلى كافٍ".
- فالله الله في أحوال المتوكلين الذين تعلقت قلوبهم بمولاهم، فكفاهم أمر دنياهم (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق:3).

واعلم -رحمني الله وإياك- أن للمتوكلين مقامات:
- أدناها: أن يكون كالطفل الصغير مع أمه، كلما أصابه مكروه صرخ: "أماه"؛ لأنه لا يعرف غيرها.
- وأعلاها: أن يكون بين يدي ربه مستسلمًا كما هو حال الميت مع مغسله.
فاللهم ارزقنا حسن التوكل عليك.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 14-04-2023, 11:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان







مواعظ رمضان

(أعمال القلوب... الرجاء)

كتبه/ سعيد محمود
(24)


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-) (رواه مسلم).
ومدح الله -عز وجل- المؤمنين العاملين بما كان منهم مِن رجاء رحمته إذا عملوا، فقال: (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) (الإسراء:57).
تعريف الرجاء:

فالرجاء هو الاستبشار بجود الله وفضل الرب -تعالى-، والارتياح لمطالعة كرمه ومنته، فيعمل المؤمن العمل ويرجو القبول مِن الله، وإذا أذنب الذنب تاب ورجا التوبة وقبولها مِن الله.
الفرق بيْن الرجاء والتمني:
- الراجي: كمن يشق أرضه ويفلحها ويبذرها ويرجو طلوع الزرع.
- والمتمني: كحال مَن يتمنى أن يكون له أرض يبذرها ويأخذ زرعها.
- وجاء في بعض الآثار: "ليس الإيمان بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قومًا ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا مِن الدنيا ولا حسنة لهم، ويقولون: نحن نحسن الظن بالله، فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل"، فالرجاء لا يصح إلا مع العمل.

مَن هم أهل الرجاء؟!
1- يرجون قبول أعمالهم: قال الله -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21)، وقال: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف:110).
2- يرجون مغفرة ذنوبهم: قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلا أُبَالِي) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -تعالى-: (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) (الإسراء:57).
ما جاء في الرجاء من الكتاب والسنة:
قال الله -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53)، قال علي -رضي الله عنه-: "هي أرجى آية في كتاب الله". وقيل هي: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) (فاطر:32).

وعن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: قرأ النبي -صلى الله عليه وسلم- قول الله في إبراهيم -عليه السلام-: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (إبراهيم:36)، وقوله في عيسى -عليه السلام-: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة:118)، فرفع يده وقال: (اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي)، وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟) فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ -عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: (يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلا نَسُوءُكَ) (رواه مسلم).
فاللهم إنا نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، ونسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك مِن سخطك والنار.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 15-04-2023, 11:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان




مواعظ رمضان
(أعمال القلوب... الخوف)

كتبه/ سعيد محمود
(25)



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
تعريف الخوف:
كلمة الخوف تدل على الذعر والفزع في اللغة العربية.
قال ابن قدامة -رحمه الله-: "اعلم أن الخوف عبارة عن تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل، مثال ذلك: مَن جنى على مَلِك جنايةٍ، ثم وقع في يده فهو يخاف القتل، ويجوز العفو، فالخوف: مطالعة القلوب لعظيم عقاب الله ونقمته ممن عصاه، فيتولد في القلب الخوف".

أخي... -اعلم رحمني الله وإياك-: أن الله قد أوجب على عباده الخوف منه، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (آل عمران:175)، وقال -تعالى-: (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ) (البقرة:40).
- وامتدح الله أهل الخوف، فقال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (المؤمنون:57-61).
- قال الحسن -رحمه الله-: "عمِلوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها، وخافوا أن ترد عليهم".
- وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) (المؤمنون:60)، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: (لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا تُقْبَلَ مِنْهُمْ (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) (المؤمنون:61)" (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- وجعل الله التخويف مِن عذابه أحد مهمات الرسل: قال الله -تعالى-: (وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ) (الأنعام:48)، وجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- قومه على الصفا وقال: (أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً تَخْرُجُ بِسَفْحِ هَذَا الْجَبَلِ، أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟) قَالُوا: مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا، قَالَ: (فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) (متفق عليه).
واعلم -رحمني الله وإياك- أن للخوف ثمراتٍ عظيمة في الدنيا والآخرة، منها:
1- أنه مِن أسباب التمكين في الأرض، وزياد الإيمان والطمأنينة: قال الله -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ . وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم:13-14).
2- يَبْعث على العمل الصالح والإخلاص فيه: قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) (الإنسان:9-10)، وقال -تعالى-: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ) (النور:36).

3- يجعل الإنسان في ظل عرش الرحمن: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ: الإِمَامُ العَادِلُ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ، أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) (متفق عليه).
4- من أسباب المغفرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اطْحَنُونِي، ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا، فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ، فَأَمَرَ اللَّهُ الأَرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ، فَفَعَلَتْ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ) وفي رواية قال: (مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ) (رواه البخاري ومسلم).

4- طريق إلى الجنة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -تعالى-: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) (الرحمن:46).
5- أمان يوم القيامة: قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (وَعِزَّتِي لا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ وَأَمْنَيْنِ، إِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه ابن حبان، وقال الألباني: حسن صحيح).
6- يقمع الشهوات: قال الله -تعالى-: (يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (النحل:50).
7- يجلب الرضا من الله: قال -تعالى-: (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البينة:8).

مِن أحوال الخائفين:
رُوي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لما نزل قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6)، قرأها النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم على أصحابه؛ فخر فتى مغشيًا عليه، فوضع النبي -صلى الله عليه وسلم- يده على فؤاده، فإذا هو يتحرك، فقال: "يا فتى، قل: لا إله إلا الله، فقالها، فبشره بالجنة، فقالوا: أمن بيننا يا رسول الله؟ قال" أوَما سمعتم قوله -تعالى-: (ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ)" (رواه الحاكم، وضعفه الألباني).
منهج العبادة بيْن الخوف والرجاء:

أخي... اعلم كذلك أن العبادة الصحيحة لا بد فيها مِن اجتماع الخوف والرجاء، فكما أن العبادة لا تصلح بالرجاء وحده، كذلك لا تصلح بالخوف وحده، عن أنس -رضي الله عنه- قال: دخل النَّبِي عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي الْمَوْتِ فَقَالَ: (كَيْفَ تجدك؟) قَالَ: أرْجُو اللهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنِّي أَخَافُ ذُنُوبِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ إِلا أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا يَرْجُو، وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ)
(رواه الترمذي وابن
ماجه، وحسنه الألباني).
فاللهم اجعل لنا مِن خشيتك ما يحول بيننا وبيْن معاصيك، ومِن طاعتك ما تبلغنا به جنتك.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 17-04-2023, 12:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان




مواعظ رمضان

(أعمال القلوب... الصبر)
كتبه/ سعيد محمود
(26)


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
أخي -اعلم رحمني الله وإياك- أن الله أمر عباده بالصبر، فقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران:200)، وقال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) (الأحقاف:35).
- وبيَّن الله -تعالى- عظيم أجر الصابرين فقال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر:10).

- وجعل الصبر عونًا، وأمر بالاستعانة به، فقال: (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ) (البقرة:45).
- ووعد الله المؤمنين بالنصر والظفر، وهي كلمته التي سبقت لهم، نالوها بالصبر، فقال -تعالى-: (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ) (الأعراف:137).
- وجعل محبته لأهل الصبر فقال: (وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:146).
- وجعل الصبر على المصائب مِن عزم الأمور، فقال: (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (الشورى:43).
- وكذلك بيَّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فضل الصبر، وأنه ضياء، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَالصَّلاةُ نُورٌ، وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ) (رواه مسلم).
- وبيَّن أن العبد إذا ابتلى بما يكره فصبر كان له الأجر العظيم، فقال: (قَالَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ ثُمَّ صَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجنَّة) يُرِيد عَيْنَيْهِ. (رواه البخاري).
- تعريف الصبر: الصبر هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم الخدود، وشق الثياب ونحوها.
أنواع الصبر:

الصبر على أنواع ثلاثة:
1- صبر على طاعة الله: قال -تعالى-: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) (مريم:65).
2- وصبر عن معصية الله: قال -تعالى-: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) (يوسف:33).
3- وصبر على أقدار الله المؤلمة: قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا) (الأنعام:34).
أنواع الناس في الصبر:
الأول: أهل الصبر والتقوى، وهم الذين أنعم الله عليهم مِن أهل السعادة في الدنيا والآخرة، صبروا على طاعته، وصبروا على ترك محارمه.
الثاني: أناس عندهم تقوى بلا صبر، فقد يكون هناك رجل عابد، زاهد قوام، صوام، متصدق، وغير ذلك، لكن إذا نزلت به المصيبة، ينهار ولا يصبر.
الثالث: عندهم نوع مِن الصبر بلا تقوى، مثل بعض الفجار، جلدون يصبرون على ما يصيبهم، ككثير مِن اللصوص وقطاع الطرق، يصبرون على الآلام والمشاق لنيل الحرام، وكذلك طلاب الرئاسة والعلو يصبرون على أنواع مِن الأذى لا يصبر عليها أكثر الناس لنيل ذلك!

مِن قصص الصابرين:
1- صبر نوح -عليه السلام-: قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) (العنكبوت:14)، لقد كان -عليه السلام- كل هذا الزمان يتعرض للأذى والصد، والتكذيب والسخرية، والاتهام بالجنون، وهو يقابل كل ذلك بالصبر!
2- صبر أيوب -عليه السلام-: قال الله -تعالى-: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ . ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ . وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِب بِّهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص:41- 44).
قال علماء التفسير: كان أيوب رجلاً كثير المال والولد، فسلب منه ذلك جميعه، وابتلي في جسده بأنواع مِن البلاء، لم يبقَ منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر الله بهما، وهو في ذلك كله صابر محتسب، ولم يزد هذا كله أيوب -عليه السلام- إلا صبرًا واحتسابًا، وحمدًا وشكرًا، حتى إن المثل ليضرب بصبره -عليه السلام-.
3- صبر نبينا محمد -عليه السلام-: اشتد أذى الكفار له، وكثرت تهمتهم له بالكذب والسحر والجنون، ووضعوا له الشوك، وأخرجوه مِن بلده، وقتلوا بعض أصحابه، فصبر -صلى الله عليه وسلم-، وكان يصبِّر أصحابه، ويقول لهم: (صَبْرًا آلَ يَاسِرٍ، فَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الْجَنَّةُ) (رواه الحاكم، وصححه الألباني).
الأسباب المعينة على الصبر:
أخي... هناك أمور كثيرة تعين على الصبر، ومنها:
1- معرفة طبيعة الدنيا، وما جبلت عليه مِن المشقة والعنت: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) (البلد:4)، وقال: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ) (البقرة:214).
2- الإيمان بأن الدنيا كلها ملك لله، يعطي مَن يشاء ويمنع مَن يشاء؛ لحكم كثيرة يريدها -سبحانه وتعالى-، فعند ذلك يصبر العبد ويسلِّم، ويكون لسان حاله ومقاله: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (البقرة:156).




3- الثقة بحصول الفرج، مع الثبات على طاعة الله: قال الله -تعالى-: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (الشرح:5-6).


4- الاستعانة بالله وطاعته: قالها موسى -عليه السلام- لقومه يصبرهم: (اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف:128).


5- الإيمان بالقضاء والقدر: قال -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا) (الحديد:22).

أخي... إن منزلة الصبر مِن أعظم منازل الدين، فهو الجواد الذي لا يكبو، والحصن الذي لا يهدم، فهو والنصر أخوان شقيقان، كما قال العدنان -صلى الله عليه وسلم-: (وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

فاللهم اكتبنا عندك مِن الصابرين، واجعلنا لنعمك مِن الشاكرين.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 18-04-2023, 12:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان




مواعظ رمضان

(أعمال القلوب... الورع)
كتبه/ سعيد محمود
(27)


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالورع شرعًا هو: ترك ما يريبك، ونفى ما يعيبك، والأخذ بالأوثق، وحمل النفس على الأحوط، وهو كذلك: اجتناب الشبهات، ومراقبة الخطرات.
وعرفه ابن القيم -رحمه الله- بقوله: "ترك ما يُخشى ضرره في الآخرة".
- وقد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- الورع في كلمة واحدة، فقال: (مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

فهذا يعم الترك لما لا يعنيه مِن الكلام، والنظر والاستماع، والبطش والمشي والفكر، وسائر الحركات الظاهرة والباطنة؛ فهذه الكلمة شافية وافية في الورع.
وقال بعض السلف: كنا ندع سبعين بابًا مِن الحلال مخافة أن نقع في الحرام!
أخي... الورع منزلة عظيمة تجنِّب المسلم الوقوع في محارم الله والاجتراء على حدوده.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ) (متفق عليه).
واعلم أخي -رحمني الله وإياك- أن الورع يكون على مراتب وأحوال:
الأولى: الكف عن المحرمات، وهذا واجب على الناس كافة.

الثانية: الامتناع عن الشبهات، وهذا مستحب، ولا يفعله إلا عدد قليل مِن الناس.
الثالثة: الكف عن كثير مِن المباحات، والاقتصار على أقل الضرورات، وذلك للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
واعلم -رحمني الله وإياك-: أنه لا بد للمتورع مِن العلم؛ وإلا وقع في كثير مِن الأخطاء والوساوس فلا يمكن التورع بغير علم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "تمام الورع أن يعلم الإنسان خير الخيرين وشر الشرين، ويعلم أن الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها؛ وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك مِن المصلحة الشرعية والمفسدة الشرعية، فقد يدع الواجبات ويفعل المحرمات، ويرى ذلك مِن الورع!".
مِن صور الورع:

ورع النبي -صلى الله عليه وسلم-:
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتورع عن التمرة يجدها في بيته: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي، فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي، فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً، فَأُلْقِيهَا) (متفق عليه).
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أَخَذَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كِخْ كِخْ) لِيَطْرَحَهَا ثُمَّ قَالَ: (أما شَعرت أَنا لا نَأْكُل الصَّدَقَة؟) (متفق عليه).
- ورع الصديق -رضي الله عنه-: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ لأَبِي بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأْكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلاَمُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإِنْسَانٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إِلا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ!" (رواه البخاري).

- ورع الفاروق -رضي الله عنه-: عن نافع قال: "فَرَضَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- لِلْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلافٍ, وَفَرَضَ لابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- ثَلاثَةَ آلافٍ وَخَمْسَ مِائَةٍ, فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلافٍ؟! فَقَالَ: إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ" (رواه البخاري).
- ورع عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: عن نافع أن عبد الله -رضي الله عنه- سمع صوت مزمارة راع مِن بعيد، فجعل يعدل براحلته عن الطريق ويمشي بسرعة واضعًا إصبعيه في أذنيه وهو يقول: يا نافع... أتسمع؟ فأقول: نعم، فيمضي على حاله واضعًا إصبعيه في أذنيه حتى قلت: لا، فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق!
وهكذا الورع أخي في الله... ينتج عن الخوف مِن الله، فالورع ثمرة الخوف، والورع يثمر الزهد، والزهد يثمر الهيبة والوقار.
قال الأوزاعي -رحمه الله-: "كنا نمرح ونضحك، فلما صرنا يقتدي بنا، خشيتُ أن لا يسعنا التبسم!".
والإنسان إذا تورع لن يعدم الحلال، ولا يظن أنه سيضيق على نفسه ضيقًا لا مخرج منه، فإنه يلتمس الورع الشرعي مثلما تقدم تفصيله.
نسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وأن يغفر لنا ذنوبنا أجمعين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 19-04-2023, 12:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان




مواعظ رمضان...

(زكاة الفطر)
كتبه/ سعيد محمود
(28)


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى العَبْدِ وَالحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ" (متفق عليه).
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: " كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ" (متفق عليه).

وقال سعيد بن المسيب، وعمر بن عبد العزيز -رحمهما الله- في قوله -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى . وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) (الأعلى:14-15): "هو زكاة الفطر".
أخي... إن زكاة الفطر يُراد بها الصدقة عن البدن والنفس بعد رمضان لما وفقها الله -تعالى- للصيام والقيام، وتطهيرًا لها مِن كل ما لحق بها مِن لغو ورفث أثناء الصيام، وقد أضيفتْ هذه الزكاة إلى الفطر؛ لأنها تجب بالفطر مِن رمضان.
واعلم -أخي- أن مِن أحكام زكاة الفطر ما يأتي:
- أنها واجبة على كل حر وعبد، وذكر وأنثى مِن المسلمين فضل عن قوته يوم العيد وليلته؛ لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- المتقدم.
- لا يمنع وجوبها دين إلا مع طلب.
- أنها تكون على كل مَن تلزمك نفقته؛ لعموم حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلَّم- بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ مِمَّنْ تَمُونُونَ" (رواه الدارقطني والبيهقي، وحسنه الألباني).

- إن لم تجد ما يكفي لجميعهم، بدأت بنفسك؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ابْدَأْ بِنَفْسِكَ) (رواه مسلم)، ثم زوجتك، فرقيقك، فأمك، فأبوك، فولدك، فأقرب في ميراث؛ لقوله النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ) (متفق عليه)، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).
- ويستحب أن تُخرج عن الجنين؛ لفعل عثمان -رضي الله عنه-.
- لا يلزم الزوج فطرة زوجة ناشر وقت الوجوب، ولا يلزم الزوج فطرة الزوجة غير المدخول بها.
ثم اعلم أخي -رحمني الله وإياك- أن هناك أحكام تتعلق بوقت وجوبها:
- فتجب زكاة الفطر بغروب شمس ليلة الفطر؛ لقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَ الصِّيَامِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ" (رواه أبو داود وابن ماجه، وحسنه الألباني).

- أن مَن أسلم بعد الغروب أو تزوج بعد الغروب؛ فلا فطرة عليه، وإن وجد ذلك.
- أن مَن مات قبل الغروب أو أعسر، أو أبان الزوجة، أو اعتق العبد أو باعه أو وهبه؛ لم تلزمه.
- والأفضل إخراجها يوم العيد قبْل الصلاة؛ لحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وفي آخره: "وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ".
- وتجزي قبْل العيد بيوم أو بيومين؛ لقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ" (رواه البخاري).
- ويحرم تأخيرها عن يوم العيد مع القدرة، ويقضيها مَن أخرها؛ لأنه حق مالي واجب، فلا يسقط بفوات وقته كالدين.
واعلم أخي -رحمني الله وإياك- أن هناك أحكامًا تتعلق بمن يخرج زكاة الفطر:

- فالواجب على كل شخص صاع مِن طعام مما يصلح للقوت: كالأرز، والدقيق، والتمر، ونحو ذلك؛ لقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ" (رواه مسلم).
- لا تخرجها قيمة خروجًا مِن خلاف العلماء، وتمسكًا بالأصل.

واعلم -رحمني وإياك- أن هناك أحكامًا تتعلق بمن تخرج له:
- فهي تُعطى لمن ذكرهم الله في قوله -تعالى-: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (التوبة:60).
- ويجوز أن يُعطِي الجماعة فطرتهم لواحد، وأن يعطي الواحد فطرته لجماعة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدَّر الواجب، ولم يقدِّر مَن يدفع إليه.
نسال الله أن يتقبل منا ومنكم.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 20-04-2023, 12:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان




مواعظ رمضان...
(صيام التطوع والأيام المنهي عنها)

كتبه/ سعيد محمود
(29)



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعن أبي أيوب الأنصاري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) (رواه مسلم)، وعن ثوبان -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

أخي... اعلم رحمني الله وإياك: أنه إذا كان صيام رمضان قد انقضى، فإن الصيام لا يزال مشروعًا في غيره مِن الشهور، ولقد كان استحباب صيام أيام مِن شوال دليل على صدق الصائم في رمضان، فالمؤمن المحب للصيام يحزن لفراق شهر الصيام، لكن السلوى لقلبه والعزاء لحزنه ببقاء صيام التطوع بعد رمضان.
أخي... رغـَّبنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في صيام التطوع وبيَّن فضله وأجره لأمته، ولقد شغلت أيام صيام التطوع بقية عام المسلم المنتظِر عودة رمضان مرة أخرى، وقد ورد عنه -صلى الله عليه وسلم- الأحاديث الكثيرة التي تدل على فضل صيام التطوع: فعن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَاعَدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) (متفق عليه)، وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ خُتِمَ لَهُ بِصِيَامِ يَوْمٍ دَخَلَ الجَنَّةَ) (أخرجه البزار، وصححه الألباني)، وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- بَاعَدَ اللَّهُ مِنْهُ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ) (رواه النسائي، وحسنه الألباني).

أخي... إليك بيان الأيام التي يُستحب صيامها:
1ـ أيام العشر مِن ذي الحجة: لحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- مرفوعًا: (مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: (وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) (رواه البخاري وأبو داود والترمذي).
2ـ صوم يوم عرفة: لحديث أبي قتادة -رضي الله عنه- مرفوعًا: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) (رواه مسلم).
3ـ صوم المحرم: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أَيُّ الصِّيَامِ أَفْضَلُ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ؟ قَالَ: (شَهْرُ اللَّهِ الَّذِي تَدْعُونَهُ الْمُحَرَّمَ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).
4ـ صوم يوم عاشوراء: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) (رواه مسلم)، وقال: (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) (رواه مسلم). وفي رواية: (لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ) (رواه مسلم).

5ـ صوم الاثنين والخميس: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
6ـ الصوم لمن شق عليه الزواج وخشي العزبة: عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَبَابًا لاَ نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) (متفق عليه).
7ـ صوم أكثر شعبان: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُ صِيَامًا فِي شَعْبَانَ" (متفق عليه).
8ـ صوم يوم ويوم: لحديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ، كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا) (متفق عليه).
9- صوم أيام البيض "وهي ثلاثة عشر، وأربعة عشر، وخمسة عشر": لقول أبي هريرة -رضي الله عنه-: "أَوْصَانِي خَلِيلِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثٍ: صِيَامِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ" (متفق عليه). وعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
أخي... -اعلم رحمني الله وإياك-: أن العبادات بعد رمضان غير مقصورة على صيام التطوع فحسب، بل هناك عبادات هي مِن الثوابت التي لا تتغير بعد رمضان: كالصلاة والزكاة والصدقة، وكذا الدعاء لنفسك والمؤمنين، ناهيك عن ثابت التوبة المطلوبة في كل حين، والتي أمرنا الله -تعالى- بها، فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31 ).

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتأولها بقوله: (إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ) (رواه أحمد وابن ماجه، وقال الألباني: حسن صحيح).
أخي... إذا عرفتَ هذه الأمور كلها، فما عليك إلا أن تلزم، ولقد ذقتَ طعم العبادة في رمضان، ولذة القرب مِن الله؛ فلا تعكرن هذا الصفو بالكدر!
وإن البقاء على الطاعة والثبات عليها نعمة عظيمة -ثبتنا الله وإياك عليها-، وقد كان سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه ويقول (يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 20-04-2023, 10:36 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مواعظ رمضان... يوميا فى رمضان




مواعظ رمضان...

(وداعًا رمضان)
كتبه/ سعيد محمود
(30)


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183).
أخي... صدق ربنا -تبارك وتعالى- لما سمَّى رمضان (أيَّامًا) وكما قالوا: كل معدود قليل.

وها هو شهر رمضان قد عزم على الرحيل، فمن كان منا فرط فيه، فليختمه بالحسنى، فإنما الأعمال بالخواتيم، وبادر -رحمك الله- أوقات الشهر الباقية، واستدرك ما مضى منه بالحسرة والندم، واختمه بالتوبة النصوح، والرجوع إلى صالح العمل.
أخي... كم أناس صلوا في هذا الشهر صلاة التراويح، وأوقدوا في المساجد طلبًا للأجر المصابيح، ونسخوا بإحسانهم كل فعل قبيح.
وكم مِن صائم يفضحه الحساب والعرض!
وكم مِن عاص في هذا الشهر تستغيث منه الأرض... !
فيا ليت شعري.. مَن المقبول منا؛ فنهنيه على توفيق الله له بحسن عمله.

ويا ليت شعري... مَن المطرود؛ فنعزيه بسوء عمله.
فيا أيها المقبول... هنيئًا لكَ بثواب الله -تعالى- ورضوانه، ورحمته وغفرانه، وقبوله وإحسانه، وعفوه وامتنانه.
أخي... لقد ظل المسلمون جميعًا شهرًا كاملاً ينالون مِن نفحات ربهم، يُرون الله مِن أنفسهم خيرًا، متقلبين في ذلك بيْن دعاء وصلاة، وذكر وصدقة، وتلاوة للقرآن، ولكن سرعان ما نقضت الأيام وتلاشت الذكريات، وكأنها أوراق الخريف عصفت بها الريح على أمر قد قدر، وإلى الله المصير.
ســـلام مـِن الـرحـمـن كـــل أوان على خيـر شهر قد مضى وزمـان
سـلام عـلـى شـهـر الصيام فـإنـه أمــان مِــن الــرحــمـن أي أمــان
فــإن فـنـيـت أيـامـك الغـر بغـتــة فما الخسران مِن قلبي عليك بفان

أخي... كيف لا تجري للمؤمن على فراقه دموع، وهو لا يدري هل بقي في عمره لديه رجوع؟!
أين حرقة المجتهدين في نهاره؟!
أين قلق المتهجدين في أسحاره؟!

ولكن... عزائي أنا وأنت لفراق خير الأيام وانصراف أشرف الليالي، أن الله -سبحانه وتعالى- لم يجعل للطاعة زمنًا محدودًا، وللعبادة أجلاً معدودًا، فقال -تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (الحجر:99).
فيجب على النفوس أن تسير على نهج الهدى والرشاد بعد رمضان، فعبادة رب العالمين ليست مقصورة على رمضان، وليس للعبد منتهى مِن العبادة دون الموت، وبئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان!

أخي... إن للقبول والربح في هذا الشهر علاماتٍ، وللخسارة والرد أمارات...
فمِن علامة قبول الحسنة، فعل الحسنة بعدها، ومِن علامة السيئة السيئة بعدها؛ فأتبِع الحسنات بالحسنات تكن علامة على قبولها، وأتبع السيئات بالحسنات تكن كفارة لها ووقاية مِن خطرها، قال -تعالى-: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (هود:114).
واعلم -رحمني الله وإياك- أن مدار السعادة في طول العمر، وحسن العمل، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طالَ عُمُرُهُ وحَسُنَ عَمَلُهُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

ومداومة المسلم على الطاعة مِن غير قصر على زمن معين، أو شهر مخصوص، أو مكان مخصوص، أو مكان فاضل مِن أعظم البراهين على حسن الاستقامة، وقبول العمل.

واعلم -رحمني الله وإياك-: أن يوم العيد يوم سعيد، يسعد فيه أناس، ويشقى فيه آخرون؛ فطوبى لعبد قُبِلت فيه أعماله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ) (متفق عليه)؛ فاحمد الله على بلوغ ختام الشهر الفضيل، وسله قبول الصيام والقيام والصدقات.
كان السلف -رضي الله عنهم- يرون أن مَن مات عقب عمل صالح كصيام أو حج أو عمرة، يرجى له أن يدخل الجنة.
فيا شهر رمضان غير مودع ودعناك، وغير مقلي فارقناك.

كان نهارك صدقة وصيامًا، وليلك قراءة وقيامًا!
فعليك منا تحية وسلامًا.
يا شهر الصيام أتراك تعود بعدها علينا، أو تدركنا المنون فلا تؤول إلينا؟!
مصابيحنا فيك مشهورة، ومساجدنا فيك معمورة.
فالآن تنطفئ المصابيح، وتنقطع التراويح؛ فوداعا يا شهر التراويح!
فاللهم أعد علينا رمضان أيامًا عديدة، وشهورًا مديدة، وتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 189.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 183.80 كيلو بايت... تم توفير 6.12 كيلو بايت...بمعدل (3.22%)]