|
ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#21
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: الهَدْي في القِرَانِ بينَ الحَجّ والعُمْرَة
عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عبداللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: خَرَجَ فِي الْفِتْنَةِ مُعْتَمِرًا، وقَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنْ الْبَيْتِ، صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وسَارَ حَتَّى إِذَا ظَهَرَ عَلَى الْبَيْدَاءِ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: مَا أَمْرُهُمَا إِلَّا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْحَجَّ مَعَ الْعُمْرَةِ، فَخَرَجَ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْبَيْتَ طَافَ بِهِ سَبْعًا، وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا، لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، ورَأَى أَنَّهُ مُجْزِئٌ عَنْهُ، وَأَهْدَى. في هذا الحَديثِ يَروي نافعٌ، مَولى ابنِ عُمَرَ، أنَّ عبداللهِ بنَ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- أرادَ الحَجَّ وذلك عامَ نُزولِ الحَجَّاجِ بابنِ الزُّبَيرِ في مكة، وكان ذلك عامَ اثنَيْنِ وسَبعينَ مِنَ الهِجرةِ، عِندَما نَزَلَ الحَجَّاجُ بنُ يوسُفَ الثَّقَفيُّ بأمْرٍ مِن عبدالملِكِ بنِ مَرْوانَ لمُحارَبةِ عبداللهِ بنِ الزُّبَيرِ، وعَزَمَ ابنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- على الحَجِّ في ذلك العامِ، فخِيفَ عليه مِن أنْ يَصُدُّوه ويَمنَعوه عنِ البَيتِ، فتَلا قَولَه -تعالَى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: 21)، وأنَّه سيَفعَلُ كما فَعَلَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم . أوجَبَ حَجًّا وعُمرةً بظاهِرِ البَيْداءِ ثمّ أشهَدَهم أنَّه أوجَبَ عُمرةً في أوَّلِ الأمرِ، ثم أوجَبَ حَجًّا وعُمرةً بظاهِرِ «البَيْداءِ»، والبَيداءُ في اللُّغةِ: هي الصَّحراءُ التي لا شَيءَ فيها، والمَقصودُ بها هنا مَكانٌ فَوقَ عَلَمَيْ ذي الحُلَيفةِ إذا صُعِدَ مِنَ الوادي، وفي أوَّلِ البَيداءِ بِئرُ ماءٍ، ويَبعُدُ عن مَكَّةَ حَوالَيْ (420 كم)، وأهدَى هَديًا اشتَراه في الطَّريقِ مِن «قُدَيْدٍ»، وهو مَوضِعُ ماءٍ قَريبٍ مِنَ الجُحْفةِ، بَينَ مَكَّةَ والمَدينةِ، وهو مِنَ الحِلِّ وليس مِنَ الحَرمِ، وإنْ كان داخِلَ الميقاتِ، ويَبعُدُ عن مَكَّةَ المُكرَّمةِ (150 كم)، ويَقَعُ إلى الشَّمالِ الشَّرقيِّ منها. ولم يَنحَرْ، ولم يَحِلَّ مِن شَيءٍ حَرُمَ منه، ولم يَحلِقْ، ولم يُقَصِّرْ، إلى أنْ جاء يَومُ النَّحرِ، وهو يَومُ العاشرِ مِن ذي الحِجَّةِ، فنَحَرَ وحَلَقَ، ورَأى أنَّه قد قَضى طَوافَ الحَجِّ والعُمرةِ بطَوافِه الأوَّلِ، فالقارِنُ يَقتصِرُ على أفعالِ الحَجِّ، وتَندرِجُ أفعالُ العُمرةِ كُلُّها في أفعالِ الحَجِّ، ولا يَحِلُّ القارِنُ إلَّا يَومَ النَّحرِ بعد ذبح الهدي. فوائد الحديث
باب: الهَدْيُ في المُتْعة عَنْ سَالِمِ بْنِ عبداللَّهِ: أَنَّ عبداللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، وَأَهْدَى فَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، ومَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ ولْيَحْلِلْ، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ ولْيُهْدِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ»، وطَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ، ومَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ عِنْدَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانْصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا فَطَافَ بِالصَّفَا والْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَطْوَافٍ، ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ حَلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ. وفَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، مَنْ أَهْدَى وسَاقَ الْهَدْيَ مِنْ النَّاسِ. هَدْيِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوداعِ يَحكي سالم عن أبيه عبداللهِ بنُ عُمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- جانباً مِنْ هَدْيِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوداعِ، وكانت في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهجرةِ، فبيَّنَ أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - تَمتَّع في حَجَّةِ الوَداعِ بالعُمرةِ إلى الحَجِّ، ومَعلومٌ أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - إنّما حجَّ قارنًا، بأنْ جَمَعَ بيْن الحجِّ والعُمرةِ بإحْرامٍ واحدٍ، وعليه فالتَّمتُّعُ المقصودُ هنا: مَحمولٌ على التَّمتُّعِ اللُّغويِّ، والمعْنى: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أحرَمَ أوَّلًا بالحجِّ مُفرِداً، ثمَّ أحْرَمَ بالعُمرةِ، فصار قارِنًا في آخِرِ أمْرِه، والقارِنُ هو مُتَمتِّعٌ مِنْ حيثُ اللُّغةُ، ومِنْ حيثُ المعْنى، لأنَّه حَظِيَ بإدْخالِ العُمرةِ في أعْمالِ الحجِّ؛ حيثُ تَرفَّهَ باتِّحادِ المِيقاتِ والإحْرامِ والفِعلِ. المُراد بالتَّمتُّعِ هنا القِرانُ وممَّا يدُلُّ على أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم - كان قارنًا، وأنَّ المُرادَ بالتَّمتُّعِ هنا القِرانُ: قولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديثِ: «مَن كانَ مِنكُم أهْدَى، فإنَّه لا يَحِلُّ لِشَيءٍ حَرُمَ منه حتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ»، والنّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كان ممَّن أهْدى إلى الحرَمِ. قولُ ابنِ عمَرَ: «وبَدَأَ رَسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فأهَلَّ بالعُمْرَةِ، ثُمَّ أهَلَّ بالحَجِّ» مَحمولٌ على التَّلبيةِ في أثناءِ الإحْرامِ، كما جاء في حَديثِ أنسٍ عندَ مُسلِمٍ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: «لَبَّيك بعُمرةٍ وحَجٍّ»، وليس المرادُ أنَّه أحرَمَ في أوَّلِ أمْرِه بعُمرةٍ، ثمَّ أحْرَمَ بحَجٍّ. قولُه: «فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم » قولُه: «فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالعُمْرَةِ إلى الحَجِّ»، أي: في آخِرِ الأمرِ، فكَثيرٌ منْهم أو أكثَرُهم أحْرَمُوا بالحجِّ أوَّلًا مُفرَداً، ثمَّ فَسَخوه إلى العُمرةِ آخِراً، فَصاروا مُتمتِّعين، وهمُ الذين لمْ يَسُوقوا معهم الهَدْيَ، فلمَّا دَخَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَكَّةَ قال للنَّاسِ: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ،...» أي: مَنْ كان مِنْكم ساقَ الهَدْيَ معه، فإنَّه لا يَحِلُّ لِشَيءٍ حَرُمَ منه منَ مَحظوراتِ الإحْرامِ، فيَبْقى على إحْرامِه حتَّى يَقضيَ حَجَّه، وذلك لقولِه -تعالى-: {وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (البقرة: 196). قوله: «ومَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى...» أي: ومَن لم يكُن منكم قدْ ساق الهَدْيَ فَليَطُفْ بالبَيتِ طَوافَ العُمرةِ، وبالصَّفا والمروةِ، وليُقصِّرْ مِن شَعرِ رَأسِه، فيَصيرُ بذلك حَلالًا، فيَحِلُّ له فِعلُ كلِّ ما كان محظورًا عليه في الإحرامِ، مِن الطِّيبِ واللِّباسِ، والنِّساءِ والصَّيدِ، وغيرِ ذلك. قوله: «مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ..» وجَّهَ - صلى الله عليه وسلم - الصحابة للتَّقصيرِ دونَ الحلْقِ، مع أنَّ الحلْقَ أفضَلُ، وذلك لِيَبْقى له شَعرٌ يَحلِقُه في الحجِّ، وقولُه - صلى الله عليه وسلم -: «ثمَّ ليُهِلَّ بالحجِّ» أي: يومَ التَّرويةِ، يومَ الثامنِ مِن ذي الحِجَّةِ، لا أنَّه يُهِلُّ عَقِبَ التَّحلُّلِ مِن العُمرةِ، ومَنْ لمْ يَجِدْ هَدْياً، أو لم يَجِدْ ثَمنَه، أو زادَ ثَمَنُه على ثَمَنِ المِثلِ، أو كان صاحبُه لا يُريدُ بَيعَه، فلْيَصُمْ ثَلاثةَ أيَّامٍ في الحَجِّ بعْدَ الإحرامِ به، وسَبْعةً إذا رَجَعَ إلى أهلِه بِبَلدِه أو بمَكانٍ تَوطَّنَ به. طواف النبي - صلى الله عليه وسلم - حَولَ الكَعبةِ قوله: «وطَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ أَوَّلَ شَيْءٍ..» يُخبِرُ ابنُ عمَرَ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طافَ حَولَ الكَعبةِ حِين قَدِمَ مَكَّةَ طَوافَ القُدومِ، واستَلَمَ الرُّكنَ أوَّلَ شَيءٍ، وهو الحجَرُ الأسودُ، والمرادُ باستلامِه: مَسْحُه وتَقبيلُه، أوَّلَ ما قَدِمَ قبْلَ أنْ يَبتدِئَ بشَيءٍ، وقوله: «ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنْ السَّبْعِ، ومَشَى أَرْبَعَةَ أَطْوَافٍ..» أي: رَمَلَ وأسرَعَ في ثَلاثةِ أطوافٍ، ومَشى أرْبَعةً، فيه: مشروعية الرمل في الأشواطِ الثلاثةِ الأولى في الطَّوافِ. ثمَّ صلَّى رَكعتَين حِين قَضى طَوافَه بالبَيتِ عِندَ مَقامِ إبراهيمَ، ثمَّ سلَّم منهما فانْصرَفَ، ثمَّ سَعى بيْن الصَّفا والمروةِ سَبْعةَ أشواطٍ، ويَبتدِئُ الشَّوطُ الأوَّلُ مِن الصَّفا ويَنْتهي بالمَروةِ، والشَّوطُ الثَّاني عكْسُ ذلك، مِن المَروةِ إلى الصَّفا، والشَّوطُ الثالثُ مِثلُ الأوَّلِ، وهكذا إلى أنْ يَتِمَّ السَّعيُ في الشَّوطِ السابعِ. قوله: «ثُمَّ لَمْ يَحْلِلْ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ» أي: ظَلَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مُحرِمًا إلى أنْ أتمَّ حَجَّه، ونَحَرَ الهَدْيَ يومَ العيدِ، وطاف بالبيتِ طَوافَ الإفاضةِ، لأنَّه ساقَ الهَدْيَ معه، وإلَّا لَتحلَّلَ مِن العُمرةِ كما أمَرَ أصحابَه، وفَعَلَ مِثلَ ما فَعَلَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كلُّ مَن ساقَ الهَدْيَ مِن النَّاسِ، فلم يَفسَخوا الحجَّ إلى العُمرةِ، فكان - صلى الله عليه وسلم - وبعضُ الناسِ قارنينَ، والفريقُ الآخرُ مُتمتِّعينَ. فوائد الحديث
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
#22
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: في إفْراد الحَجّ على العُمْرة
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: أَنَّهَا قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، ومِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ، حَتَّى قَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ولَمْ يُهْدِ، فَلْيَحْلِلْ، وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وأَهْدَى، فلَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ، وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ». قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: فَحِضْتُ فَلَمْ أَزَلْ حَائِضًا، حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وأَمْتَشِطَ، وأُهِلَّ بِحَجٍّ، وأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ. قَالَتْ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا قَضَيْتُ حَجَّتِي، بَعَثَ مَعِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، وأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَمِرَ مِنْ التَّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي أَدْرَكَنِي الْحَجُّ، وَلَمْ أَحْلِلْ مِنْهَا. رواه مسلم في الحج (2/870-871) باب: بيان وجوه الإحرام، ورواه البخاري في كتاب الحج (1560) باب: قول الله تعالى (الحج أشهر معلومات). تُخْبِرُ عائشةُ -رضي الله عنها- فتقول: «خرَجْنا مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في حجَّةِ الوداعِ» وهي الحَجَّةُ التي حَجَّها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وسُمِّيَتْ بذلك؛ لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان كالمُوَدِّعِ لهم في خُطَبِ الحَجِّ، ولمْ يَلْبَثْ كَثيرًا بعدَها، وكانتْ في السَّنةِ العاشِرةِ من الهِجرةِ. قولها: «فمِنَّا مَن أهَلَّ بالحجِّ» أي: أحرَمَ ناويًا الحجَّ دونَ تحلُّلٍ بعُمرةٍ، «ومِنَّا مَن أهَلَّ بعُمرةٍ وأهْدى» أي: أحرَمَ ناويًا عُمرةً، وساقَ هَدْيَه ليذْبَحَه بعدَ إتمامِ عُمرتِه، ثمَّ يتحلَّلُ ويتمتَّعُ إلى الحجِّ، قالت عائشةُ -رضِيَ اللهُ عنها-: «فقال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أهَلَّ بعُمرةٍ ولم يُهْدِ، فليَحْلِلْ، ومَن أهَلَّ بعُمرةٍ فأهْدى، فلا يَحِلَّ» يعني: مَن أحرَمَ بالعُمرةِ ومعه الهدْيُ، فليُدْخِلِ الحجَّ في العُمرةِ، ليكونَ قارِنًا، «ومَن أهَلَّ بحَجَّةٍ، فلْيُتِمَّ حَجَّه». وقد ثبَتَ بروايةِ أربعةَ عَشَرَ من الصَّحابةِ: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - أمَرَ مَن لم يَسُقِ الهدْيَ بفسْخِ الحجِّ، وجعْلِه عُمرةً، ومِن جُملتِهم عائشةُ -رضي الله عنها-، فقد قالتْ في الحديثِ المُتَّفقِ عليه: «خرَجْنا مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لا نَرى إلَّا الحجَّ، قالت: فلمَّا أنْ طاف بالبيتِ، وبين الصَّفا والمروةِ، قال: «مَن كان معه هَدْيٌ، فلْيُقِمْ على إحرامِه، ومَن لم يكنْ معه هَدْيٌ، فلْيَحْلِلْ». عُمرة عائشة -رضي الله عنها- كانت مِنَ التّنْعيم قالت عائشةُ -رضي الله عنها-: «وَلَمْ أُهْلِلْ إِلَّا بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي وأَمْتَشِطَ، وأُهِلَّ بِحَجٍّ، وأَتْرُكَ الْعُمْرَة»َ، فهذه الرواية صريحة في أن عائشة -رضي الله عنها- كانت قارنة، وأن طوافها وسعيها مرة واحدة، كفى عن الحج والعمرة معًا، وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم - لها: «يَسَعك طوافك لحجّك وعمرتك»، وكل ذلك صريح في أنّ عُمرتها مِنَ التّنْعيم، لمْ تكنْ لأنّها لمْ تعتمر مع حجها، وإنما كانت إرْضاءً لمشاعرها؛ لأنّه - صلى الله عليه وسلم - كان يرضي هواها، ويستجيب لمطالبها، لدلالها وصغارها وحبه لها ولأبيها. وجاء في رواية جابر - رضي الله عنه -: «وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً سهلاً- أي كريم الخلق حسن العشرة- إذا هَويت الشيءَ، تابعها عليه، فأرسلها مع عبد الرحمن بن أبي بكر فأهلّت بعُمْرةٍ من التّنعيم». قوله: «هذه مكان عُمْرتك» أما قوله: «هذه مكان عُمْرتك» فمعناه كما قال النووي: «أنّها أرادت أنْ يكونَ لها عُمْرة منفردة عن الحج، كما حَصل لسائر أمهات المؤمنين، وغيرهن مِنَ الصّحابة، الذين فَسَخُوا الحج إلى العُمرة، وأتمّوا العُمرة، وتحلّلوا منها قبل يوم التروية، ثمّ أحرموا بالحجّ من مكة يوم التّروية، فحصل لهم عمرة منفردة، وحجّة منفردة، وأما عائشة فإنّما حصل لها عمرة مُنْدرجة في حجّةٍ بالقِران، فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النفر: «يسعك طوافك لحجك وعمرتك» أي: وقد تما وحسبا لك جميعاً، فأبت، وأرادت عُمْرة منفردة، كما حصل لباقي الناس، فلما اعتمرت عمرة منفردة، قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «هذه مكان عمرتك» أي: التي كنت تريدين حصولها منفردة، غير مندرجة، فمنعك الحيض من ذلك». فوائد الحديث
باب: الاشْتراط في الحجّ والعُمْرة عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: أَنَّ ضُبَاعَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ -رضي الله عنها- أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَتْ: إِنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ، وإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ، فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ: «أَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَاشْتَرِطِي: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي». قَالَ: فَأَدْرَكَتْ، رواه مسلم في الحج (2/867) باب: جواز اشْتراط المحرم بعذر المرض ونحوه. تُخبِرُ عائِشةُ -رضي الله عنها- أنه لَمَّا دَخلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على ضُبَاعةَ بنتِ الزُّبَيْرِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ بنتِ عَمِّ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - و-رضي الله عنها-، وسألَها - صلى الله عليه وسلم - عَن سببِ عدَمِ حَجِّها، فقال لها: «لعلَّكِ أردْتِ الحجَّ؟» يعني: أردتِ الخُروجَ للحَجِّ معنا، فإنَّا نحِبُّ أن تتوجَّهي معنا للحَجِّ، فذكَرَت لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّها تجِدُ نَفْسَها مَريضةً. «حُجِّي واشْتَرِطي» فقال لها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «حُجِّي واشْتَرِطي»، ثم بَيَّن لها - صلى الله عليه وسلم - ما تَقولُه في الاشتراطِ، فقال: «أَهِلِّي بِالْحَجِّ، وَاشْتَرِطِي: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي». وفي رواية: «قُولي: اللَّهمَّ مَحلِّي حيثُ حبستَنِي» ومعناه: أنِّي حيثُ عجزْتُ عَنِ الإتيانِ بِالمناسكِ، وانْحبسْتُ عنها بسَببِ قوَّةِ المرضِ تحلَّلتُ، ومَكانُ تحلُّلي عَنِ الإحْرامِ مكانُ حَبَستَنِي فيه عَنِ النُّسكِ بعلَّةِ المرضِ. والاشتراطُ في الحجِّ هو: أنْ يَنويَ المُحرِمُ الحجَّ، ويقولَ: اللَّهمَّ مَحلِّي حيثُ حَبْستَنِي، أي: إنِّي أكونُ حَلالًا حيثُ مَنعَني مانعٌ مِن إتمامِ الحجِّ والمناسكِ، وفائدتُه: أنَّ المُحرِمَ قدْ يُخشَى أنْ يَمنعَه مانعٌ مِن إتمامِ الحجِّ، كالمرضِ أو العدو ونحوِه، فيُريدُ أنْ يتحلَّلَ مِنَ الحجِّ إذا حصَلَ له هذا المانعُ، دُونَ أنْ يَجِبَ عليه فِديةٌ أو قَضاءٌ. وكانت ضُباعَةُ زَوجةَ المقدادِ بنِ الأسودِ رضِي اللهُ عنهما، وهو المِقدادُ بنُ عَمرِو بنِ ثَعلَبةَ بنِ مالكٍ الكِنديُّ، صاحِبُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحَدُ السَّابِقينَ الأوَّلين، ويقالُ له: المِقدادُ بنُ الأسوَدِ، لأنَّه رُبِّي في حَجرِ الأسوَدِ بنِ عَبدِ يَغُوثَ الزُّهريِّ، فتَبَنَّاه. وقد شَهِد بَدرًا والمشاهِدَ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكان يومَ بَدرٍ فارساً، وعاش نحوًا من سبعين سنة، مات في سنةِ ثلاثٍ وثلاثين، وصلَّى عليه عُثمانُ بنُ عَفَّان، وقَبْرُه بالبقيعِ. فوائد الحديث
__________________
|
#23
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#24
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: ما يَجْتَنبُ المُحْرِمُ مِنَ الّلبَاس
عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم -: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنْ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، ولَا الْعَمَائِمَ، ولَا السَّرَاوِيلَاتِ، ولَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ؛ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ، ولَا تَلْبَسُوا مِنْ الثِّيَابِ شَيْئًا؛ مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ»، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ، والْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ». يَعْنِي: المُحْرِمَ. في الباب حديثان، رواهما مسلم في أول كتاب الحج (2/834-835) باب: ما يباح للمُحرم بحجٍّ أو عُمرة، وما يُباح وبيان تحريم الطيب عليه. في الحديثِ الأول: يَذكُرُ عبداللهِ بنُ عمَرَ بنِ الخطَّابِ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّ رجُلًا جاء إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَسأَلُه عمَّا يَلبَسُ مِن الثِّيابِ في حالةِ الإحرامِ بالحجِّ أو العُمرةِ، فأجابَه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بذِكرِ ما يَحرُمُ لُبْسُه؛ وذلك لأنَّ المَمنوعَ مُنحصِرٌ، فأمْكَنَ التَّصريحُ به، وأمَّا المُباحُ فأكثَرُ مِن أنْ يَنحصِرَ، ولذا عَدَلَ عن ذِكرِه لذِكرِ المَحظورِ، وكأنَّه أراد أنْ يقولَ: اجتَنِبْ هذه الأشياءَ والْبَسْ ما سِواها. ما يلبس المُحْرم؟ فالسؤال ورد بصيغة: ما يلبس المُحْرم؟ وورد جوابه من أفصح الخلق - صلى الله عليه وسلم -: لا يلبس القمص إلخ الحديث. قال الحافظ في الفتح: قال النووي: قال العلماء: هذا الجواب منْ بديع الكلام وجَزله، لأنّ ما لا يلبس مُنْحصر، فحصر التصريح به، وأمّا الملبُوس الجائز؛ فغير مُنْحصر، فقال: لا يلبس كذا، أي: ويلبس ما سواه. انتهى. ثم قال الحافظ: وقال البيضاوي: وفيه إشارة إلى أن حقّ السؤال أنْ يكون عمّا لا يلبس، لأنّه الحُكمُ العارض في الإحْرام المحتاج لبيانه؛ إذْ الجواز ثابتُ الأصل بالاستصحاب، فكان الأليق بالسؤال عمّا لا يلبس. وقال غيره: هذا يشبه أسْلوب الحَكيم، ويقربُ منه قوله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} الآية، (البقرة: 215). فعَدلَ عن جِنس المُنْفق، وهو المَسؤول عنه إلى ذكر المنفق عليه؛ لأنّه أهم. انتهى. المحظورات التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم فذَكَرَ - صلى الله عليه وسلم - المَحظُوراتِ فقال: «لا تَلْبَسُوا القمصَ» وهو الثَّوبُ المُفصَّلُ على الجسمِ ذُو الأكمامِ، ويُلبَسُ مِنْ أعْلى، فيَدخُلُ في الذِّراعينِ ويُغطِّي الجسَدَ والعَورةَ. «ولَا السَّرَاوِيلَاتِ» جمْعُ سِروالٍ، وهو لِباسٌ يُغطِّي ما بيْن السُّرَّةِ والرُّكبتينِ غالبًا، ويُحيطُ بكلٍّ مِن الرِّجلينِ على حِدَةٍ، ويُلبَسُ مِن الأسفلِ، فيَدخُلُ مِن القدَمَينِ ويُغطِّي العورةَ وأعْلاها قَليلًا. «ولَا العَمَائِمَ» جمْعُ عِمامةٍ، وهي ما يُلَفُّ على الرَّأسِ. «ولَا البَرَانِسَ» جمْعُ بُرْنُسٍ، وهو الثَّوبُ الشاملُ للرَّأسِ والبدَنِ، فهو كلُّ ثَوبٍ رَأْسُه منه مُلتصِقٌ به. قوله: «إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ؛ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ» أي: ولا يَلبَسُ المُحرِمُ أيضاً الخُفَّين، وهو ما يُلبَسُ على القدَمِ ساتراً لها، ويُصنَعُ مِن الجِلدِ، بخِلافِ النَّعلِ، فهو غيرُ ساترٍ للقَدَمِ، فلا يُغطِّي ظَهْرَ القدَمِ تَماماً، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إلَّا أنْ يَكونَ أحَدٌ ليسَتْ له نَعْلانِ، فلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ، ولْيَقْطَعْ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَينِ» فإذا أراد لُبْسَ الخُفَّينِ -لفَقْدِه النَّعلينِ- فلْيَقطَعِ الخُفَّينِ حتى يَكونَا أنْزَلَ مِن الكَعْبَين؛ ليَقرَبا بذلك مِن مُشابَهةِ النَّعلينِ، والكَعْبانِ هما العَظْمانِ الناتئانِ عندَ مَفصِلِ الساقِ والقدَمِ، وهذه الأمورُ المذكورةُ مَحظورةٌ بالنِّسبةِ للرِّجالِ دُونَ النِّساءِ. ما تشترك فيه المرأة مع الرجال قال الحافظ في الفتح: أجْمعوا على أنّ المُراد به هنا الرجل، ولا يلتحق به المرأة في ذلك، قال ابن المنذر: أجْمعوا على أنّ للمَرأة لبس جميع ما ذُكر، وإنّما تشترك مع الرجال في مَنْع الثوب الذي مسّه الزّعْفران أو الورس اهـ، ثم قال الحافظ: وقال عياض: أجمعَ المسلمون على ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم، وأنه نبّه بالقميص والسّراويل على كلّ مُحيط، وبالعَمائم والبَرانس على كلّ ما يُغطّى الرأس به مَخيطًا أو غيره، وبالخفاف على كل ما يستر الرجل انتهى. هذا: ولو حَمَلَ شيئًا على رأسه لحاجته؛ لا لتغطيته فإنّه لا يضر، وكذلك لو انغمس في الماء، أو وضع يده على رأسه، فإنه لا يسمى لابسًا في شيء من ذلك وليس للمرأة ثياب مُعينة للإحْرام، بل تلبسُ ما شاءت مِنَ الّلباس، ما دام لا يصف ولا يشف، غير أنّه لا يجوز لها أنْ تنتقب، ولا أنْ تلبس القفازين. ثمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولَا تَلْبَسُوا شيئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ ولَا الوَرْسُ» والزَّعفرانُ: نَباتٌ طَيِّبُ الرائحةِ يُستعمَلُ طِيبًا في الزَّمنِ السابقِ، ويُصبَغُ به. والورْسُ: نَباتٌ أصفَرُ طَيِّبُ الرائحةِ يَحتوي على مادَّةٍ يُصبَغُ بها الثِّيابُ. وهذا النَّهيُ شاملٌ للرِّجالِ والنِّساءِ. النهي عن لبس النقاب والقفازين ثمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -: «ولَا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ، ولَا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ» والنِّقَابُ: هو الخِمارُ الَّذي يُسْدَلُ على الوَجْهِ أو تَحتَ مَحاجِرِ العَينِ، فتَسْتُرَ به المرأةُ وَجْهَها، وتَفتَحَ لِعَيْنَيها بقَدْرِ ما تَنظُرُ منه. والقُفَّازُ: هو شَيءٌ تَلبَسُه النِّساءُ في أيديهِنَّ يُغطِّي الأصابعَ والكَفَّ والسَّاعدَ والمرادُ نَهْيُها عَن لُبْسِ النِّقابِ والقُفَّازِ، وأمَّا غيرُ النِّقابِ والقُفَّازِ مِمَّا يَسْتُرُ الوَجهَ واليدَينِ، مِن الخِمارِ ونَحوِه، فلِلمرأةِ أنْ تَستُرَ وجْهَها ويدَيْها به عِندَ حَضرةِ الرِّجالِ الأجانبِ أو مُحاذاتِهم؛ فقدْ رَوى الحاكمُ في مُستدرَكِه عن أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ -رَضيَ اللهُ عنها-: أنَّها كانتْ تُغطِّي وجْهَها في الإحرامِ، وقد جاء النَّصُّ بالنَّهيِ عن النِّقابِ والقُفَّازِ خاصَّةً، وليس عن تَغطيةِ الوجْهِ واليدَينِ. فوائد الحديث
الحديث الثاني عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ يَخْطُبُ يَقُولُ: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ، والْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ». يَعْنِي: المُحْرِمَ، في هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبداللهِ بنُ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّه سَمِعَ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم - يَخطُبُ وذلك في عَرَفاتٍ في حَجَّةِ الوداعِ في العامِ العاشرِ مِن الهِجرةِ، يقول: «السَّرَاوِيلُ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ» والإزارُ هو قِطعةُ القُماشِ تُشَدُ على الوَسطِ، يُستَرُ بها ما بيْن السُّرَّةِ والرُّكبةِ، والسَّراويلُ: هي لِباسٌ مَخيطٌ يُغطِّي ما بيْن السُّرَّةِ والرُّكبتينِ غالبا. قوله: «والْخُفَّانِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ» وفي اللفظ الأخر: «مَن لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الخُفَّيْنِ» والنَّعْلُ: هي التي تُلبَسُ في الرِّجلِ عندَ المَشْيِ، وكلُّ ما وُقِيَت به القَدَمُ مِن الأرضِ، والغالِبُ فيهِ أنَّه لا يَستُرُ القَدَمَ، والخُفُّ: هو ما يُلبَسُ في الرِّجلِ مِن جِلدٍ رَقيقٍ، ويكونُ ساتِراً للكَعْبينِ فأكثَرَ، ويَلبَسُه المُحرِمُ بعْدَ أنْ يَقْطَعَ أسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ -وهما العَظْمانِ الناتئانِ عندَ مَفصِلِ الساقِ والقدَمِ- كما جاء في رِوايةِ ابنِ عمَرَ في الصَّحيحَينِ، فأباحَ - صلى الله عليه وسلم - لُبْسَ السَّراويلِ لمَن لمْ يَجِدْ إزارًا يَلبَسُه. أمَّا إنْ وَجَدَ الإزارَ أو النَّعلَ، فليس له لُبْسُهما.اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
#25
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: في الصَّيدِ للمُحْرم
عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ - رضي الله عنه -: أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِمَاراً وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قَال: فَلَمَّا أَنْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا فِي وَجْهِي؛ قَالَ: «إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ» وعَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَدِمَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَسْتَذْكِرُهُ: كَيْفَ أَخْبَرْتَنِي عَنْ لَحْمِ صَيْدٍ، أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ حَرَامٌ؟ قَالَ قَالَ: أُهْدِيَ لَهُ عُضْوٌ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ فَرَدَّهُ، فَقَالَ: «إِنَّا لَا نَأْكُلُهُ، إِنَّا حُرُمٌ»، الحديثان رواهما مسلم في الحج (2/850) باب: تحْريم الصّيد للمُحْرم. الصَّعب بن جثَّامة هو ابن قيس بن ربيعة اللّيثي، صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان جثامة حليف قريش، تزوج أخت أبي سفيان بن حرب، واسمها فاختة، وقيل: زينب. فولدت له الصعب، وكان الصعب ينزلُ الأبواء وودّان مِنَ الحِجاز. قوله: «أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِمَاراً وَحْشِيًّا»، وفي رواية: «منْ لحم حمار وحش»، وفي رواية «عَجْز حِمار وحشٍ يَقْطر دما»، وفي رواية: «شِقّ حمار وحش»، وفي رواية: «عُضْواً مِنْ لَحْم صيد» هذه روايات مسلم، وترجم له البخاري: باب إذا أهْدِي للمُحرم حِماراً وحشيا حيّاً لمْ يقبل، ثم رواه بإسناده، وقال في روايته: «حماراً وَحْشيَّاً»، وحُكي هذا التأويل أيضًا عن مالك وغيره، قال النّووي: وهو تأويلٌ باطل، وهذه الطُّرق التي ذكرها مسلم؛ صَريحة في أنه مذبوح، وأنّه إنّما أهدى بعضَ لَحْم صَيدٍ لا كله. تَحريم الاصْطياد على المُحْرم واتفقَ العُلماء على تَحريم الاصْطياد على المُحْرم، وقال الشافعي وآخرون: يَحْرُمُ عليك تملّك الصّيد بالبيع والهِبة ونحوهما، وفي مُلكه إيّاه بالإرث خلاف، وأما لحم الصيد: فإنْ صَاده أو صِيدَ له فهو حرام، سواء صيد له بإذنه أم بغير إذنه، فإنْ صَاده حلالٌ لنفسِه ولمْ يَقصد المُحرم، ثمّ أهدى منْ لَحمه للمُحْرم أو باعه لمْ يحرم عليه، هذا مذهبنا، وبه قال مالك وأحمد وداود. (شرح النووي). قوله: «وهو: بالأبْواء أو بودّان» وهما مكانان بين مكة والمدينة، جَنوبَ غرْبِ المدينةِ، ويَبعُدانِ عنها نحْوُ (250 كيلومِترٍ تَقريبًا). قوله - صلى الله عليه وسلم -: «أنا لمْ نرُدّه عليك إلا أنا حُرُم» أي: مُحْرمون، قال القاضي عياض: رواية المحدثين في هذا الحديث «لمْ نرُدّه» بفتح الدال. قال: وأنكره مُحققُو شيوخنا مِنْ أهل العربية، وقالوا: هذا غلط من الرواة، وصوابه: ضم الدال، قال: ووجدته بخط بعض الأشياخ بضم الدال، وهو الصّواب عندهم على مذهب سيبويه. قال أبو حنيفة: لا يَحْرُم عليه ما صِيدَ له؛ بغير إعانةٍ منه، وقالت طائفة: لا يحلّ له لَحمُ الصيد أصْلاً، سواءً صَاده، أو صَاده غيرُه له، أو لمْ يَقْصده، فيَحرُم مُطْلقًا، حكاه القاضي عياض عن عليّ وابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهم-؛ لقوله تعالى: {وحُرّمَ عليكم صيد البَرّ ما دُمْتم حُرُما} (المائدة: ٦٩). قالوا: المُراد بالصيد: المَصِيد، ولظاهر حديث الصّعْب بن جثامة، فإنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - ردّه، وعلّل ردّه أنّه مُحْرم، ولمْ يقل: لأنّك صِدّته لنا. وكذا حديث زيد بن أرقم: «إِنَّا لَا نَأْكُلُهُ، إِنَّا حُرُمٌ». احتجاج الشافعي وموافقوه واحتج الشافعي وموافقوه: بحديث أبي قتادة المذكور في صحيح مسلم بعد هذا، فإنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الصيد الذي صاده أبو قتادة - وهو حلال - قال للمُحْرمين: «هو حَلالٌ فكلوا». وفي الرّواية الأخرى قال: «فهل معكم منه شيء؟ قالوا: معنا رجله، فأخذها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكلها». وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي: عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «صيدُ البَرّ لكم حَلال، ما لمْ تَصِيدُوه، أو يُصَادُ لكم». قلت: وسنده حسن. قال أصْحابنا: يجبُ الجَمع بين هذه الأحاديث، وحديث جابر هذا صريحٌ في الفرق، وهو ظاهرٌ في الدّلالة للشافعي وموافقيه، وردٌ لما قاله أهل المذهبين الآخرين، ويُحمل حديث أبي قتادة على أنه لمْ يَقْصدهم باصْطياده، وحديث الصّعب أنّه قَصَدهم باصْطياده، وتُحْمل الآية الكريمة على الاصْطياد، وعلى لحمِ ما صِيدَ للمُحْرم؛ للأحاديث المَذْكورة المُبيّنة للمراد مِنَ الآية. وأما قولهم في حديث الصّعب: أنه - صلى الله عليه وسلم - عَلّلَ بأنه مُحْرم؛ فلا يمنع كونه صِيدَ له؛ لأنّه إنّما يَحْرُم الصيد على الإنسان؛ إذا صِيدَ له، بشَرط أنه مُحْرم، فبيّن الشّرط الذي يَحْرم به. قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنا لمْ نَردّه عليك إلا أنّا حُرُم» فيه: جواز قبول الهدية للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، بخلاف الصّدقة. وفيه: أنه يُسْتحبّ لمن امتنع مِنَ قبول هديةٍ ونحوها لعُذر؛ أن يعتذر بذلك إلى المُهْدي، تطييبًا لقلبه. وقد علَّل النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - له ذلك بقولِه: «أنَّا حُرُمٌ» وهو مِن جميلِ خُلُقِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه لَمَّا رأى تَغيُّرَ وجْهِ الصَّعبِ بنِ جَثَّامةَ وحُزنَه مِن ردِّ هَديَّتِه، بيَّن له أنَّه لم يَرُدَّها لشَيءٍ؛ إلَّا لأنَّه مُحرِمٌ لا يَأكُلُ الصَّيدَ المذبوحَ مِن أجْلِه. ولا يُعارِضُ امتِناعُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن قَبولِ الحِمارِ الوَحشيِّ مِن الصَّعبِ بنِ جَثَّامةَ؛ قَبولَه للأكْلِ مِن الحِمارِ الوحشيِّ الَّذي اصطادَه أبو قَتادةَ - رضي الله عنه -؛ لأنَّ الفرْقَ بيْن الحالتينِ أنَّ أبا قتادةَ - رضي الله عنه - لمْ يَصطَدِ الحِمارَ مِن أجْلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بلِ اصطادَهُ مِن أجْلِ نفْسِه، ثمَّ أكَل معه أصحابُه وأكَلَ منه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، بخِلافِ الصَّعبِ بنِ جثَّامةَ الَّذي اصطادَ الحِمارَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فلذلك رفَضَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - قَبولَه أو الأكْلَ منه؛ لأنَّ المُحرِمَ لا يَصطادُ حالَ إحرامِه، ولا يَأكُلُ مِن صَيدٍ اصطادَه مُحرِمٌ أو حَلالٌ له. فوائد الحديث هناك أحكامٌ وآدابٌ يَجِبُ على المُحرِمِ الالتزامُ بها؛ حتَّى تَتِمَّ عِبادتُه على الوجْهِ الأكمَلِ، وَفْقَ مُرادِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومِن هذه الأحكامِ: تَحريمُ صَيدِ البرِّ حالَ الإحْرامِ؛ قال -تعالَى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} (المائدة: 95). استحباب تَوضيحُ عُذرِ مَن امتنَع مِن قَبولِ هَديَّةٍ ونحوِها للمُهدِي؛ تطْييبًا لقلبِه. وفيه: حُسْنُ خُلقِه - صلى الله عليه وسلم - وطِيبِ مُعامَلتِه لأصْحابِه. وفيه: مَشروعيَّةُ أكْلِ لُحومِ الحُمُرِ الوَحشيَّةِ، وأنّ المُحرّم هو الحمار الأهلي. وفيه: بَيانُ ما يَجوزُ أكْلُه للمُحرِمِ مِن الصَّيدِ، وهو الذي صادَه الحلالُ، دونَ أنْ يُساعِدَه المُحرِمُ عليه بشَيءٍ. حقيقة المنهج السلفي المتأمل في تاريخ الدعوة الإسلامية يرى أن منهج الصحابة -رضي الله عنهم- والتابعين قام على تعظيم نصوص الوحيين القرآن والسنة، وكمال التسليم لهما، أما المخالفون لمنهجهم وطريقهم من أهل البدع والأهواء، فقد زلَّت أقدامهم، وضلت عقولهم في ذلك، فحرَّفوا، وغيَّروا، وبدَّلوا، وأوَّلوا، ووقعوا في الفتنة والزَّيغ والضلال، فضلوا وأضلوا عن سواء السبيل، وإن الحق والهدى والنجاة في متابعة ما كان عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنهم كانوا على الهدى المستقيم؛ ولهذا جعلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الميزان الحق حين وقوع الفتن والافتراق في أُمته؛ وهذا المنهج ليس منهجًا قاصرًا عن مواكبة أحداث الحياة والعصر، وليس منهجًا ناقصًا يعتريه الخلل والخطأ، إنما هو منهج حياة شامل وكامل صلح به المسلمون الأوائل، ومكنوا به، وشموليته تعني دخول جميع مجالات الحياة البشرية في منهجه، من حياة الإنسان الخاصة، وإلى حياة الأمم والعالم، فمن شموليته دخول العقيدة والعبادة والأخلاق في منهجه، ودخول شؤون المعاملات والتجارات والاقتصاد والسياسة، ومجالات العلم والبحث والفكر والتربية، وشؤون الحكم والسلطان، والحرب والسلم وأحكام الأسرة المسلمة، وغير ذلك مما يتعلق بجميع شؤون الإنسان في الحياة كما قال -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (المائدة:3)، وقال -تعالى-: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام:162).اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
#26
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: ما يقتل المُحْرِم مِنَ الدّواب
عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: «خَمْسٌ فَوَاسِقُ، يُقْتَلْنَ فِي الحِلِّ وَالْحَرَمِ: الحَيَّةُ، وَالغُرَابُ الْأَبْقَعُ، والْفَأْرَةُ، والْكَلْبُ الْعَقُورُ، والْحُدَيَّا»، وعَنْ ابن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما-: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «خَمْسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ قَتَلَهُنَّ فِي الْحَرَمِ وَالْإِحْرَامِ: الْفَأْرَةُ، وَالْعَقْرَبُ، والْغُرَابُ، والْحِدَأَةُ، والْكَلْبُ الْعَقُورُ». وقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ: «فِي الْحُرُمِ والْإِحْرَامِ»، الحديث رواه مسلم في الحج (2/856) باب: ما يندي للمُحرم وغيره قتله من الدواب في الحلّ والحرم. في هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «خَمسٌ فَواسِقُ» وسُمِّيَتْ فَواسِقَ لخُبْثِهِنَّ، وقيل: لخُروجِهِنَّ من الحُرمةِ في الحِلِّ والحَرَمِ، بمعنى: لا حُرْمةَ لها بحالٍ. وقيل: أرادَ بتَفْسيقِها تَحريمَ أَكْلِها، أو هي فَواسِقُ لخُروجِها على النَّاسِ، واعتِراضِها بالمَضَارِّ عليهم، وقيلَ: إنَّ تَسْميتَها فَواسِقَ، لخُروجِها عمَّا عليه سائرُ الحَيَوانِ، بما فيها مِن الضَّررِ الذي لا يُمكِنُ الاحترازُ منه. تسمية صحيحة جارية قال الحافظ: قال النووي وغيره: تسمية هذه الخمس فواسق، تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة، فإنّ أصْل الفسق لغة: الخُرُوج، ومنه، فسقت الرطبة: إذا خرَجت عن قشرها، وقوله -تعالى-: {فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} (الكهف: 50)، أي: خَرج، وسُمِّي الرجل فاسقًا لخُرُوجه عن طاعة ربّه، فهو خُروج مخْصُوص. قوله: «يُقتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ» أي: يُقتَلْنَ أينَما وُجدن، حتى وإنْ كنَّ في الحَرَمِ، لأنَّ الأصْلَ هو النَّهيُ عن قَتلِ حَيَواناتِ الحَرَمِ أو صَيدِهِنَّ. والحَرَمُ: حَرَمُ مكة، وسُمِيَ بذلك لاحترامه وتعظيمه، وهو ما كان داخل الأميال التي تبعد عن الكعبة بنسب مختلفة: أطولها: 14 ميلاً من جهة بطن عرنة، وأقصرها: 3 أميال منْ جهة التّنعيم، والحِل: ما كان خارج حُدود الحَرم. قال الحافظ: «وعرف بذلك أنْ لا إثم في قتلها على المُحْرم، ولا في الحرم، ويؤخذ من جواز ذلك للحلال وفي الحل من باب الأولى، وقد وقع ذكر الحل صريحًا عند مسلم: من طريق معمر عن الزهري عن عروة بلفظ: «يقتلن في الحل والحرم»، ويعرف حكم الحلال بكونه لمْ يقم به مانع، فهو بالجواز أولى». قوله: «الحَيَّةُ» وهي الثُّعبانُ، «والفَأرةُ» وذلك لخُروجِها من جُحْرِها على النَّاسِ، وإفْسادِها لمَعايَشِهم، وأمْوالِهم، وزُروعِهم، وغيرِ ذلك. «والغُرابُ الأبقَعُ» وهو الذي فيه سَوادٌ وبَياضٌ؛ وذلك لأنَّ هذا الغُرابَ يتَّعدّى على النَّاسِ ويُؤذيهم، ويسرق طعامهم، أمَّا الغُرابُ الأسوَدُ فلا يُهاجِمُ فلا يَقتُلُ، قال الحافظ: «قال ابن قدامة: يلتحق بالأبقع ما شاركه في الإيذاء وتَحريم الأكل، وقد اتفق العلماء على إخْراج الغراب الصّغير الذي يأكل الحَبّ، ويقال له: غراب الزّرع، ويقال له: الزّاغ، وأفتوا بجواز أكله، فبقي ما عداه من الغربان مُلْتحقٌ بالأبقع». قوله: «والكَلبُ العَقورُ» أي: المُتّصف بالعَقر، وهو الذي يجرح بنابه أو ظفره، وهو الذي يَهجُمُ على النَّاسِ، وعلى الحَيَواناتِ ويعقرها، أي: يقتلها. «والحِدَأةُ» وهو طائر من الجوارح، يعيش على أكل الجيف وصغار الطيور، ويَخطَفُ صِغارَ الحيوانات وما يُشبِهُها، «والكلب العقور» قال مالك في الموطأ: كل ما عَقَر الناس، وعدا عليهم وأخافهم، مثل: الأسد والنمر والفهد والذئب، هو العقور. قال الحافظ: «وهو قول الجمهور، وقال بعض العلماء: أنواع الأذى مختلفة، وكأنه نبَّه بالعَقرب على ما يُشاركها في الأذى باللّسع، ونحوه من ذوات السموم، كالحيّة والزّنْبور، وبالفأرة على ما يشاركها في الأذى بالنقب والقَرض، كابن عرس، وبالغراب والحدأة، على ما يشاركها في الأذى بالاختطاف كالصقر، وبالكلب العقور على ما يشاركه في الأذَى بالعدوان والعقر كالأسد والفهد». «فتح الباري» (4/ 40). التَّنبيه على ما يضُرُّ بالأموالِ وقيلَ: قد ذكَرَ الحِدَأةَ والغُرابَ للتَّنبيهِ على ما يضُرُّ بالأموالِ مُجاهَرةً، وعلى ما أذاهُ بالاختِطافِ كالصَّقْرِ والبازِ، وذكَرَ الفأْرةَ للتَّنبيهِ على ما يضُرُّ بالأموالِ اختِفاءً، ونبَّهَ بالكَلبِ العَقورِ على كُلِّ عَادٍ بالعَقرِ والافتِراسِ بطَبْعِه، كالأسَدِ والفَهْدِ والنَّمِرِ، ونَبَّهَ بالحَيَّةِ والعَقْرَبِ على ما يُشارِكُهما في الأَذى باللَّسْعِ، وأيضاً: «الوزغ»: فعن عائشة -رضي الله عنها-: أنّ رسُول الله - قوله: «يُقتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ»- قال: «الوَزَع فُويْسق»، ولمْ أسْمَعه أمَر بقتله، رواه البخاري. قال الحافظ: «وقضية تَسْميته إيّاه فويسقًا، أنْ يكونَ قتله مباحًا، وكونها لمْ تَسمعه لا يدلّ على منع ذلك، فقد سَمَعه غيرها، انتهى، ونقل ابن عبدالبر: الاتفاق على جواز قتله في الحِلّ والحَرم، وروى ابن أبي شيبة: أنّ عطاء سئل عن قتل الوزغ في الحَرم، فقال: إذا آذاك فلا بأس بقتله، والله أعلم». (4/40). وقال في الاختيارات: «والقَمل والبعوض والقَرَد إن قرصه قتَله عقاباً، وإلا فلا يقتله، ولا يجوز قتل النّحل وهو يأخذ عسله، وإنْ لم يندفع ضرره إلا بقتله جاز». «الاختيارات الفقهية» (1/466). من فوائد الحديث
السنة وحي كالقرآن إن من أصول الدين طاعةَ رسول رب العالمين، والأخذَ بسُنَّتِهِ، وترك ما نهى عنه، وتصديق خبره، والإيمان بما جاء به، وألَّا نعبد الله إلا بما شرعه رسول الله - قوله: «يُقتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ»-، وهذا هو معنى شهادة أن محمدًا رسول الله، كما أن معنى شهادة لا إله إلا الله هو الإخلاص لله -سبحانه-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء: 59)، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (النساء: 80). فاتباع السنة وطاعة الرسول - قوله: «يُقتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ»- هي الهداية والنجاة والسعادة، وهي الصراط المستقيم. قال الإمام مالك -رحمه الله-: «السُّنَّة سفينة نوح، من ركِبها نجا، ومن تخلَّف عنها غرِق». {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} (الأنفال: 24). التحذير الشديد والوعيد وقد جاء التحذير الشديد والوعيد الأكيد على ترك السنن، ومخالفة هَدْيِ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ قال الله -تعالى-: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور: 63)، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام: 153)، وقد قال رسول الله -[-: «من أطاعني، فقد أطاع الله، ومن عصاني، فقد عصى الله». السُّنَّة المأثورة الصحيحة ثم اعلم أن السُّنَّة المأثورة الصحيحة عن النبي - قوله: «يُقتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ»- هي وحي، كما أن القرآن وحي: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم: 4)؛ أي: القرآن، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44)، {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44): أي: بالسُّنَّة، فالسُّنَّة تُبيِّن القرآن وتوضِّحه، وتُفصِّل أحكامه؛ وقد قال النبي - قوله: «يُقتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ»-: «ألَا إني أُوتيت الكتاب ومثله معه -أي السنة- ألَا يُوشِك رجل شبعان على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحِلُّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرِّموه»(2). السنة لا تعارض بشيء وهذه السُّنَّة المطهَّرة لا تُعارَض بشيء، لا تُعارَض بالآراء، ولا بأقوال الرجال، ولا تُعارَض بالأهواء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الحجرات:1)، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: «من ردَّ حديث النبي - قوله: «يُقتَلْنَ في الحِلِّ والحَرَمِ»-، فهو على شفا هَلَكَة».اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
#27
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: الحِجَامةُ للمُحْرِم
عَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ -رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وهُوَ مُحْرِمٌ وَسَطَ رَأْسِهِ. الحديث رواه مسلم في الحج (2/863) باب: جواز الحجامة للمُحرم، ورواه أيضا عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، ورواه البخاري بلفظ: «احْتَجَمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم - وهو مُحْرِمٌ بلَحْيِ جَمَلٍ، في وسَطِ رَأْسِهِ».في هذا الحديثِ يُخبِرُ الصحابي عبداللهِ ابنُ بُحَينةَ - رضي الله عنه - وهو ابن مالك وبحينة هي أمّه. أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم - قد احتَجَم وهو مُحْرم، أي: وهو مُتلبِّسٌ بالإحرامِ للحجِّ أو العُمرةِ، وكانت الحِجامةُ في وسَطِ رَأسِه -صلى الله عليه وسلم . وَسيلةٌ مِن الوَسائلِ الطِّبِّيةِ والحِجامةُ وَسيلةٌ مِن الوَسائلِ الطِّبِّيةِ الَّتي تُستعمَلُ في استخراجِ الدَّمِ الفاسدِ مِن الجسمِ للتَّداوي، وتعدّ الحجامة من الطب النبويّ، وتُستخدم لعلاج العديد من الأمراض والمشكلات الصحيّة، وذلك من خلال جذب كميّة من الدم باستخدام كاسات الهواء من المكان المصاب إلى الجلد، ثمّ يتم إخراج هذا الدم الفاسد إلى خارج الجسم، وبالتالي ينقطع عن الدورة الدمويّة فيخفّف بذلك من الألم والالتهاب الحاصل في المكان. الحِجَامة وسط الرّأس والحِجَامة وسط الرّأس: تعالج الصداع الكُلي في الرأس، وتتخلص من الشقيقة، وتقلل من الحساسيّة والتهابات الجيوب الأنفيّة، وتعالج أمراض العيون والتهاباتها، والتهابات الأذن الوسطى والداخليّة، وتحمي من اضطرابات المتعلقة بجهاز الدوران، وتنشط الذاكرة وتزيد من التركيز والنشاط، وتخلّص من الأمراض العقليّة والعصبيّة، وتعطي الهدوء والراحة للأعصاب، وتعالج مشكلات الأسنان، وتتخلص من التهابات العصب، وتحمي من ارتفاعات ضغط الدم، والشلل النصفي، والنزيف المهبلي، وتخلص من الضغوطات النفسيّة والتعب، والأرق، والإجهاد، وتحسن تدفق الدم عبر الدماغ، ومن ثم تزيد من التركيز والنشاط، وقد بيّن كثيرٌ من العلماء فضل الحِجامة وأماكنها، كالإمام ابن القيم في (زاد المعاد)، ولنا كتاب في الحجامة مطبوع. قولُه: «بلَحْيِ جَمَلٍ» هو مكانٌ على طَريقِ مكَّةَ، يَبعُدُ عن المدينةِ قُرابةَ سَبعةِ أميالٍ، أي: (12 كم) تقريبًا، وروى البخاري: عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: «أنَّ النّبيَّ -صلى الله عليه وسلم - احْتَجَمَ وهو مُحْرِمٌ، واحْتَجَمَ وهو صَائِمٌ»، فيُخبِرُ عبداللهِ بنُ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم - احتجَمَ وهو مُحْرِمٌ، واحتجَمَ أيضًا وهو صائمٌ. وظاهِرُ الحديثِ: أنَّه -صلى الله عليه وسلم - وقَعَ منه الأمرانِ المذكورانِ مُفترِقَينِ، وفي رِوايةِ البخاريِّ: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - احتَجَمَ وهو مُحرِمٌ في رَأسِه مِن شَقيقةٍ كانتْ به. والشقيقة نَوعٌ مِن صُداعٍ يَعرِضُ في مُقدَّمِ الرأسِ وإلى أحدِ جانبَيهِ، وكان احتجامُه -صلى الله عليه وسلم - وهو مُحرِمٌ. وورد الحثّ على الحجامة في أيام من الشهر أحاديث، منها: ما أخرجه أبو داود: من حديث أبي هريرة رفعه: «مَنْ احْتَجم لسَبْع عشرة، وتِسْع عشرة، وإحْدَى وعشرين، كان شفاءً مِنْ كلّ داء». فوائد الحديث
باب: مُدَاواةُ المُحْرِم عَيْنيه عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِمَلَلٍ، اشْتَكَى عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَيْنَيْهِ، فَلَمَّا كُنَّا بِالرَّوْحَاءِ اشْتَدَّ وَجَعُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ يَسْأَلُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ: أَنْ اضْمِدْهُمَا بِالصَّبِرِ، فَإِنَّ عُثْمَانَ - رضي الله عنه - حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي الرَّجُلِ إِذَا اشْتَكَى عَيْنَيْهِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ؛ ضَمَّدَهُمَا بِالصَّبِرِ. الحديث أخرجه مسلم في الحج (2/863) باب: جواز مُداوة المُحرّم عينيه. في هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابِعيُّ نُبَيْهُ بنُ وَهْبٍ أنَّهم خَرَجوا مُحْرِمينَ بالحجِّ ومَعَهم أَبانُ بنُ عُثمانَ بنِ عفَّانَ - رضي الله عنه -، وكان أميرًا على الحجَّاجِ، فلمَّا وَصَلوا إلى مِنطقةِ مَللٍ، وهي إلى الغربِ مباشرةً من حَوضِ وادي العَقيقِ غربَ المدينةِ، وتَبعُدُ عنها قُرابةَ 50 كم في هذه المِنطَقةِ بدأَ عُمرُ بنُ عُبيدِ اللهِ في الشِّكايةِ مِن وَجعِ عَينَيْه. ثُمَّ لَمَّا وَصَلوا إلى مِنطَقةِ الرَّوْحاءِ، زادَ وجَعُ عَينَيْه ممَّا يَقتَضي المُداواةَ، والرَّوحاءُ: موضِعٌ بينَ الحرَمَينِ، على بُعدِ 80 كيلومتراً منَ المدينةِ، فأرسَلَ إلى أبانَ بنِ عُثمانَ يَسألُه عن حُكمِ التَّداوي في العَينِ للمُحرِمِ، فأرسَلَ إليه أَبانُ بنُ عُثمانَ بالإِجابةِ، وهي: أنَّ أباه عُثمانَ بنَ عفَّانَ - رضي الله عنه - رَوى عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّ المُحرِمَ إذا اشْتَكى عَينَيْه ضَمَّدَهما، أي: شَدَّهما بالعِصابةِ معَ تَقْطيرِ الصَّبِرِ في العَينَينِ، والصَّبِرُ: عُصارةٌ جامدةٌ لشَجرٍ مُرٍّ، والمَقصودُ أنْ يَخلِطَ الصَّبِرَ بالماءِ، فيَقطُرَه في عَينَيْه، أو يَكتحِلَ بهِ، أو يَضعَه عَلى عَينيْه، والصَّبِرُ ليس بطِيبٍ، فلا يُمنَعُ منه المُحرِمُ. فوائد الحديث
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
#28
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: غَسْلُ المُحْرم رأسَه الحديثُ واضح الدّلالة على جواز اغْتسال المُحرم وغَسله رأسه وإمْرار يده على شَعره ودَلْكه باليد منْ غير أنْ يتعمّد أنْ ينتف شعرًا الصّحابة كانوا يناظرون بعضهم بعضًا في الأحْكام وأنهم رضي الله عنهم يَختلِفونَ أحْيانًا في بَعضِ المَسائلِ لكنَّهمْ كانوا يَتعامَلونَ بآدابِ الخِلافِ التي علَّمَهم إيَّاها النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عبداللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ: عَنْ عبداللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا بِالْأَبْوَاءِ، فَقَالَ عبداللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، وقَالَ المِسْوَرُ: لَا يَغْسِلُ الْمُحْرِمُ رَأْسَهُ، فَأَرْسَلَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ، وَهُوَ يَسْتَتِرُ بِثَوْبٍ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: أَنَا عبداللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عبداللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُكَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ؟ فَوَضَعَ أَبُو أَيُّوبَ - رضي الله عنه - يَدَهُ عَلَى الثَّوْبِ، فَطَأْطَأَهُ حَتَّى بَدَا لِي رَأْسُهُ، ثُمَّ قَالَ لِإِنْسَانٍ يَصُبُّ: اصْبُبْ، فَصَبَّ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ حَرَّكَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَفْعَلُ. الحديث رواه مسلم في الحج (2/864) باب: جواز غَسل المُحْرم بدنه ورَأسه. وأخرجه البخاري في جزاء الصيد (1840) باب: الاغتسال للمحرم، وعبدالله بن حُنين الهاشمي مولاهم، تابعي ثقة، قال الحافظ ابن حجر: المشهور أنّ حنينًا كان مولى للعباس، وهبه له النبي - صلى الله عليه وسلم - فأولاده موال له. يحكي عبداللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ مناظرة علمية جرت بين اثنين منْ صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد اخْتلفا بالأبْواء، أي: وهما في المكان المعروف بالأبواء، وهي مَنطقةٌ بيْن مكَّةَ والمدينةِ، تَقَعُ جَنوبَ غرْبِ المدينةِ، وتَبعُدُ عنها نحْوَ (250 كم) تَقريبًا، وبها قبْرُ أمِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أي: وهما نازلان فيه للاسْتراحة، حول حُكم اغْتسال المُحْرم، وغَسل رأسه، ودلك أصُول شَعْره، فعبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- يقول: هذا جائز، ولعلّه كان على علمٍ بذلك عن رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - عن طريق أبي أيوب الأنصاري، وكان يقول في مجالسه: أميِطوا عنكم الأذى، فإنّ الله لا يصنع بأذاكم شيئا. والمسْور بن مخرمة - رضي الله عنه - يقول: هذا غير جائز، فقد حرم على المحرم قلع شعره، والغُسْل ودَلْك الرأس، يُعرّض شعره للسقوط، فيقع في المُحرّم، وكأنه يقول ذلك اجتهادًا ورأيًا، وكانا في فَوجٍ من أفواج حجّ بيت الله، وهم مُحْرمُون، ويتوقف على الفتوى اغتسال كثير من الحجاج، فأرسل ابن عباس مولاه عبدالله بن حنين إلى أبي أيوب يسأله: هل كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يغتسل وهو مُحْرم؟ فلما وصلَ ابنُ حنين إلى أبي أيوب وجده على رأس بئر يغتسل، قال: «يغتسل بين القرنين» أي: بين قرني البئر، تثنية قَرْن، وهما الخَشبتان، أي العَمُودان اللذان يُنْصبان على رأس البئر، وتمدّ بينهما خشبة يعلق عليها البكرة، التي يجرّ عليها الحبل المُسْتقي به. أي: قد وقفَ بين قائمي البئر، وسَتَر نفسه عن الناس بثوب، فسلّم عليه، وقال له: أَنَا عبداللَّهِ بْنُ حُنَيْنٍ، أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ عبداللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَسْأَلُكَ: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَغْسِلُ رَأْسَهُ وهُوَ مُحْرِمٌ؟ السؤال عن أصل الخلاف وكان الأصلُ أنْ يَسأل عن أصْل الخِلاف: وهو هل يغسلُ المُحْرمُ رأسه أو لا يَغْسل؟ لكنّه لما جاء فوجده يغتسل، أخذ الجواب، وأحبّ أنْ لا يرجع إلا بفائدة، فتصرّف في السّؤال بفِطْنته، فسأله عن كيفية الغسل، وخصّ الرأس بالسّؤال؛ لأنّها موضع الإشْكال في هذه المَسألة، لأنّها محلّ الشعر الذي يخشى سُقُوطه في أثناء الغُسل، بخلاف بقية البدن غالباً. فقال له: أسألك كيفَ كان رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - يَغسلُ رأسه؟ قال: «فوضَعَ أبو أيوب يدَه على الثّوب فطَأطأه» أي: أمْسكَ بالثوب المُسْتتر به، وأزاله مِنْ أعلاه حتّى يكشف عن رأسه ووجْهه، وقال لمَنْ يَصبّ عليه: اصبُبْ على رأسي، وأخَذَ يدلك شَعره بيديه، ومُساعده يصبّ عليه. وفي رواية: «جمع ثيابه إلى صَدره حتى نظرت إليه». وفي رواية: «حتى رأيتُ رأسَه ووجهه». ثم قال: «هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغتسل وهو مُحْرم»، ورجع ابن حنين إلى مَن أرسله بالسؤال، فتقبل المِسْور الخبر راضياً مُسلّماً، وقال لابن عباس: «لا أماريك أبدًا» أي لا أجادلك، وأصل المراء استخراج ما عند الإنسان يقال: أمرى فلان فلانًا إذا استخرج ما عنده، وأطلق ذلك في المجادلة لأن كلاً مِنَ المُتجادلين يستخرج ما عند الآخر من الحُجّة. أي: لك الفضل ولك السبق في العلم، ومخالفك لا يغلبك، وأعاهدك ألا أجادلك بعد اليوم أبداً. رضي الله عن الصحابة أجمعين. فوائد الحديث الحديثُ واضح الدّلالة على جواز اغْتسال المُحرم، وغَسله رأسه، وإمْرار يده على شَعره، ودَلْكه باليد، منْ غير أنْ يتعمّد أنْ ينتف شعرًا، واستدل به القرطبي على وجُوب الدّلك في الغسل.قال: لأنّ الغُسل لو كان يتم دونه، لكان المُحْرم أحَقّ بأنْ يجوز له تركه، قال الحافظ ابن حجر: ولا يخفى ما فيه. اهـ (الفتح 4/57)، أي غاية ما فيه: أنّ أبا أيوب دلك، وأنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدلك، وقد يكون من باب الاستحباب، فمن أين يُؤخذ الوجوب؟ قال النووي: واتفق العُلماء على جواز غَسل المُحْرم رأسه وجَسَده مِنَ الجنابة، بل هو واجبٌ عليه، وأمّا غسله تبرّداً، فمذهبنا ومذهب الجُمهور: جَوازه بلا كراهة. ويجوز عندنا: غسلُ رأسه بالسّدر والخطمي؛ بحيثُ لا ينتف شعراً، ولا فدية عليه ما لم ينتف شعراً، وقال أبو حنيفة ومالك: هو حرامٌ موجب للفدية. واستُدلّ به على أنّ تخليل اللّحية في الوضوء، باقٍ على اسْتحبابه، خلافًا لمن قال: يكره، كالمتولي من الشافعية، خشية انتتاف الشعر؛ لأنّ في الحديث: «ثم حَرّك رأسَه بيديه» ولا فَرْقَ بين شَعر الرأس وشَعر اللحية، إلا أنْ يقال: إنّ شَعر الرأس أصْلب، قال الحافظ: والتحقيق أنه خلاف الأولى، في حق بعض دون بعض. وفيه: مناظرة الصّحابة بعضهم بعضًا في الأحْكام، وأنهم -رضي الله عنهم- يَختلِفونَ أحْيانًا في بَعضِ المَسائلِ، لكنَّهمْ كانوا يَتعامَلونَ بآدابِ الخِلافِ التي علَّمَهم إيَّاها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم . ورجُوعهم إلى النُّصوص عند الاخْتلاف، وترك الاجْتهاد والقِياس عند وجُود النص. وقبولهم خبر الواحد، ولو كان تابعيًا، وأنّ قَبوله كان مَعلومًا مشْهورًا عند الصّحابة. وأنّ قولَ بعضهم ليس بحجّة على بعض، إلَّا بدَليلٍ يَجِبُ التَّسليمُ له، مِن كِتابٍ أو سُنَّةٍ، قال ابنُ عبدالبر: لو كان معنى الاقتداء في قوله - صلى الله عليه وسلم - «أصْحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهْتَديتم» يُراد به الفَتوى، لمّا احتاج ابن عباس إلى إقامة البيّنة على دعواه، بل كان يقول للمسور: أنا نجمٌ وأنت نجم، فبأيّنا اقتدَى مَن بَعدنا كفاه، ولكن معناه- كما قال المزني وغيره منْ أهل النظر- أنه في النّقل؛ لأنّ جميعهم عُدَول. انتهى. (الفتح 4/57) وقلت: والحديث فيه ضعف. وفيه الاعْتراف للفاضِل بفَضله. وإنْصاف الصّحابة بعضهم بعضاً. واسْتتار المُغتسل عند الغُسل. وجواز الاسْتعانة بالغير في الطّهارة. وجواز الكلام والسّلام حالة الطّهارة. اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 28-10-2024 الساعة 11:18 PM. |
#29
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: في الفِدْية على المُحْرم
عَنْ عبداللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ: قَعَدْتُ إِلَى كَعْبٍ - رضي الله عنه - وَهُوَ فِي المَسْجِدِ، فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: 196). فَقَالَ كَعْبٌ -]-: نَزَلَتْ فِيَّ، كَانَ بِي أَذًى مِنْ رَأْسِي، فَحُمِلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - والْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي، فَقَالَ: «مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ مَا أَرَى، أَتَجِدُ شَاةً؟» فَقُلْتُ: لَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: 196). قَالَ: صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، نِصْفَ صَاعٍ طَعَاماً، لِكُلِّ مِسْكِينٍ. قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً. الحديث رواه مسلم في الحج (2/861) باب: جواز حلق الرأس للمُحرم إذا كان به أذى، ووجوب الفدية لحلقه، وبيان قدرها، ورواه البخاري في الحج (1814) باب: قول الله -تعالى-: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: 196). وفي التفسير (4517) فهو متفق عليه. في هذا الحَديثِ يروي التابعيُّ الثقة عبداللهِ بنُ مَعقِلٍ وهو ابن مقرن، أبو الوليد المزني الكوفي. لأبيه صحبة. وقد حدث عن أبيه، وعن عليّ، وابن مسعود، وكعب بن عجرة، وجماعة، وكَعْبِ بنِ عُجْرةَ هو الأنصاري السّالمي المدني، من أهل بيعة الرّضوان، له عدة أحاديث. معْنى قولِه -تعالى-: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} يقول عبداللهِ بنُ مَعقِلٍ أنَّه قَعَدَ إلى الصَّحابيِّ كعْبِ بنِ عُجْرةَ - رضي الله عنه - في مَسجدِ الكوفةِ، فسَألَه عن معْنى قولِه -تعالى-: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (البقرة: 196)، فأجابه كَعْبُ بنُ عُجْرةَ - رضي الله عنه - بما وقَعَ له، فقالَ: حُمِلْتُ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والقَمْلُ يَتناثَرُ على وَجْهي»، وفي راوية لمسلم أنه كان بالحديبية، فقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا رآه كذلك: «مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ الْجَهْدَ بَلَغَ مِنْكَ مَا أَرَى» أي: ما كنتُ أظنّ أنّ المَشقَّةَ والتَّعبَ «قد بَلَغَ بك هذا» الَّذي رأيْتُ. أي: آذاه القمل في رأسه، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ يحلق رأسه، ليتخلّص مِنْ أذى القمل، ثمَّ سأله النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أَتَجِدُ شَاةً؟» والشّاة هي الواحِدةُ مِنَ الضَّأنِ، وتُذبَحُ فِديةً نظيرَ ارتكابِ أمْرٍ مِنْ محظوراتِ الإحرامِ، وهو هنا: حَلْقُ الشَّعرِ لأجْلِ إزالةِ القَملِ عنه، فقال كعبٌ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: لا أجِدُها، أي: لا أملِكُها، ولا أملِكُ ثمنَها. فقال له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «صُمْ ثَلاثةَ أيَّامٍ» أي: نظيرَ ما ستفعَلُه منْ حَلقِ شَعرِ رأسِك، وهذا بيانٌ لِقولِه -تعالى-: {ففدية مِنْ صِيَامٍ} أو أطْعِم ستَّةَ مَساكينَ، بياناً لِقولِه -تعالى-: {أَوْ صَدَقَةٍ} لكُلِّ مِسكينٍ نِصفُ صاعٍ مِن طَعامٍ. كما في رواية: «أو تصدّق بفَرَقٍ بين ستة مساكين» والفَرَق: ثلاثة آصُع، قال: «واحلِقْ رأسَك». مذهب الأئمّة الأربعة وورد عن ابن عباس في قوله: {ففدية منْ صِيامٍ أو صَدقةٍ أو نُسُك} قال: إذا كان «أو» فأيّه أخذتَ، أجْزأ عنك، قال ابن أبي حاتم: وروي عن مجاهد، وعكرمة، وعطاء، وطاووس، والحسن، وحميد الأعرج، وإبراهيم النخعي، والضحاك، نحو ذلك، قال ابن كثير: «وهو مذهب الأئمّة الأربعة وعامة العلماء، أنه يخير في هذا المقام، إنْ شاء صام، وإنْ شاء تصدّق بفَرَق، وهو ثلاثةُ آصُع، لكلّ مسكينٍ نصفُ صاع، وهو مُدّان، وإنْ شاء ذبح شاة، وتصدّق بها على الفقراء، أيُّ ذلك فعل، أجْزأه. ولمّا كان لفظ القُرآن في بيان الرُّخْصة جاء بالأسْهل فالأسهل: {ففديةٌ منْ صِيامٍ أو صَدقةٍ أو نُسُك}، ولمّا أمَر النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كعب بن عجرة بذلك، أرْشده إلى الأفْضل، فالأفضل، فقال: انْسُك شاة، أو أطعم ستة مساكين، أو صم ثلاثة أيام؛ فكلٌّ حسن في مقامه. ولله الحمد والمنة. انتهى قَوله: «فَنَزَلَتْ فِيَّ خَاصَّةً، وَهِيَ لَكُمْ عَامَّةً» أخبَرَ كعبُ بنُ عُجرةَ - رضي الله عنه - مَنْ سأله أنَّ الآيةَ وإنْ كانت نزلت فيه خاصَّةً، فهي للمُسلمينَ عامَّةً، فالعَمَلُ بمقتضاها لكُلِّ النَّاسِ إلى يومِ القيامةِ، وهي قاعدة مهمة، نصّ الأصوليون والفقهاء عليها، وهي أن: «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، وهذه القاعدة متفق عليها عند جماهير أهل العلم ولم يخالف فيها إلا القليل. فوائد الحديث 1- يسَّرَ الشَّرعُ الحنيفُ على النَّاسِ فيما يشُقُّ عليهم منْ الأحكامِ، وبَيَّن لهم البدائِلَ الشَّرعيَّةَ لِمن لم يستَطِعْ فِعلَ ما أمَرَ اللهُ به. 2- مَشروعيَّةُ حَلقِ المُحرِمِ شَعْرَ رَأسِه لِأَذى القَملِ ونحوه مِن الأمراض. 3- وفيه: بيانُ حِرصِ التابعينَ على معرفةِ الأحكامِ، وبيانُ الصَّحابة لهم. 4- وفيه: جُلوسِ الصحابة -رضي الله عنهم- للناس للتدريس ولمُذاكَرةِ العِلمِ، وحرص التابعين على الأخذ عنهم. باب: في المُحْرم يموت ما يفعل عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: خَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَعِيرِهِ، فَوُقِصَ فَمَاتَ، فَقَالَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا». الحديث رواه مسلم في الحج (2/865) باب: ما يُفعل بالمُحرم إذا مات. ورواه البخاري في الجنائز (1265، 1266، 1267). فهو متفق عليه. في هذا الحَديثِ يَروي عبدالله بنُ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- أنَّ رَجُلًا كان يَقِفُ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - على جبلِ عرَفاتٍ في حجَّةِ الوَداعِ، وكان راكبًا دابَّتَه، فسقَطَ عنها، «فَوَقَصَ» وفي لفظ: «فَوَقَصَتْه» أي: كَسَرَتْ عُنُقَه، وفي لفظ: «فأَقْصَعَتْه» أي: فمات موتًا سريعًا، فأَمَر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَغسِلوه بِماءٍ وسِدْرٍ، والمقصود بالسدر هو ورقُ شجرِ النَّبْقِ، وأوراقه تقوم مقام الصابون برائحة طيبة، ويوضع في ماء الغسل، ولكنْ لا يُستخدَمُ كطِيبٍ، وأن يُكَفِّنوه في ثَوبَينِ. ولا يُحَنِّط من الحنوط وهو كل ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم من مسك وذريرة وصندل وعنبر وكافور وغير ذلك. بوضعِ الطِّيبِ الَّذي يُخلطُ ويوضَعُ للمَيتِ، لأنَّه قد مات متلبِّسًا بالحجِّ، والحاجُّ لا يَتطيَّبُ، ولا يُخَمِّروا رَأْسَه، فلا يُغَطُّوه، لِأَنَّه مُحرِمٌ، وعلَّل ذلك بأنَّه يُبعَثُ يَومَ القيامةِ يُلَبِّي، وهي الحال التي مات عليها. قال النووي: في هذه الروايات دلالة بينة لمذهب الشافعي وأحمد وإسحق وموافقيهم، في أن المحرم إذا مات لا يجوز أن يلبس المخيط، ولا تخمر رأسه، ولا يمس طيباً وقال مالك والأوزاعي وأبو حنيفة وغيرهم: يفعل به ما يفعل بالحي وهذا الحديث راد عليهم. اهـ فوائد الحديث 1- أنَّ المُحرِمَ إذا مات فإنَّه يَبقى في حَقِّه حُكمُ الإحْرامِ، فلا يُحَنَّطُ بطيب، ولا يُغَطَّى رَأْسُه، ولا يُكَفَّنُ في ثَلاثةِ أثْوابٍ كغَيرِه. 2- وفيه: الكَفَنُ في ثَوبَيْنِ لِلمُحْرِمِ، بدون إضافة. 3- وفيه: مَشروعيَّةُ تَكْفينِ المُحرِمِ في ثيابِ إحْرامِه، وأنّ التكفين في الثياب الملبوسة جائز، قال النووي: وهو مُجمعٌ عليه، وجواز الكفن في ثوبين، وأما الثلاثة أثواب الواردة في حديث عائشة فهي للاستحباب، وهو قول الجمهور، وأما الواحد الساتر لجميع البدن فلا بدّ منه بالاتفاق. 4- وأن التكفين واجب، وهو إجماع في حق المسلم، وكذلك غسله والصلاة عليه ودفنه. 5- وفيه: مَشروعيَّةُ استِعْمالِ السِّدْرِ في غُسْلِ المَيِّتِ. 6- قال ابن بطال: فيه أن من شرع في عمل طاعة، ثم حال بينه وبين إتمامه الموت، رُجيَ له أن يكتبه الله له في الآخرة من أهل ذلك العمل. 7- يومُ القِيامةِ يومُ الجَزاءِ على الأعْمالِ في هذه الدُّنيا، والجزاءُ يكونُ مِن جِنسِ العَملِ، فيَبعثُ اللهُ كلَّ إنسانٍ على ما ماتَ عليه مِن اعتقادٍ وعملٍ فيُجازِيه عليه. 8- قال النووي: وفيه دليل على استحباب دوام التلبية في الإحرام.اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
#30
|
||||
|
||||
![]() شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: المَبيتُ بِذِي طَوى والاغْتِسال قبلَ دُخُول مكة
عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إِلَّا بَاتَ بِذِي طَوًى حَتَّى يُصْبِحَ، ويَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهَاراً، ويَذْكُرُ عَنْ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ فَعَلَهُ. الحديث رواه مسلم في الحج (2/919) باب: اسْتحباب المَبيت بذي طوى، عند إرادة دخول مكة، والاغتسال لدخولها، ودخولها نهارا. ورواه البخاري في الحج (3/1574) باب: دخول مكة نهاراً أو ليلا. يَروي نافع مولى ابن عمر: أنّ ابنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- كانَ لا يقدم مكة، إلا بَاتَ بِذِي طَوًى حَتَّى يُصْبِحَ» أي: يَنزِل بذي طُوًى، يقال بفتح الطاء وضمها وكسرها، والفتح أفصح وأشهر، ويصرف ولا يصرف. وهو اسمُ بِئرٍ أو مَوضِعٍ بِقُربِ مَكَّةَ، ينزل بها ويبيت حتَّى يُصبِحَ، فيُصلِّي الصُّبحَ حينَ يَقدَمُ مِن المدينةِ إلى مَكَّةَ، ويصلي بمَكانُ صَلاة النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو على أَكَمَةٍ غَليظةٍ، وهي مَوضِعٌ عَظيمٌ واسعٌ مُرتَفِعٌ على ما حَولَه أو تَلٌّ مِن حَجَرٍ. الأماكنَ التي صلَّى فيها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم ولم تكُنْ صَلاةُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في المَسجِد الَّذي بُنِيَ هُناكَ بعْدَ ذلك، ولكِن أسفَلَ مِن ذلِك المسجدِ، حَسبَما أشار ابنُ عمَرَ -رضي الله عنهما-، وقدْ روَى البُخاريُّ: عن عبداللهِ بنِ عمَرَ -رضي الله عنهما- تِسعةَ أحاديثَ تُحدِّدُ الأماكنَ التي صلَّى فيها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- في أسفارِه في الطَّريقِ بيْن المدينةِ ومَكَّةَ، منها هذا الحديثُ، وهذه المساجدَ لا يُعرَفُ اليومَ منها غيرُ مَسجدِ ذي الحُليفةِ، والمساجِدِ التي بالرَّوحاءِ. وقد ورَدَ عن عمَرَ بنِ الخطَّابِ - رضي الله عنه - أنَّه كان يَنْهى الناسَ عن قصْدِ التَّبرُّكِ بالمواضعِ والأماكنِ التي كان رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- يُصلِّي فيها، خَشيةً عليهم أنْ يَجعَلوا لها فَضْلًا في ذاتِها، وهذا النَّهيُ منه منِ بابِ سَدِّ الذَّرائعِ، أمَّا الأماكنُ التي نُصَّ على فضْلِ الصَّلاةِ فيها، كالحَرَمينِ، والأقْصى وقُباءٍ ونحْوِها، وكذلك قصْدُ المساجدِ عامَّةً بالصَّلاةِ، حتَّى التي وَرَدَ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- صلَّى فيها، فلا تَدخُلُ تحْتَ هذا النَّهيِ. فوائد الحديث 1- فيه استحباب الاغتسال لدخول مكة، وأنه يكون بذي طوى لمن كانت في طريقه، ويكون بقدر بعدها لمن لم تكن في طريقه. قال النووي: قال أصحابنا: وهذا الغسل سُنة، فإن عجز عنه تيمم. 2- قال: ومنْها: المَبيت بذي طَوى، وهو مُستحب لمن هو على طريقه، وهو موضعٌ معروف بقرب مكة. 3- ومنها: استحباب دخول مكة نهاراً، وهذا هو الصحيح الذي عليه الأكثرون من أصحابنا وغيرهم، أنّ دخولها نهاراً أفضل من الليل، وقال بعض أصحابنا وجماعة من السلف: الليل والنهار في ذلك سواء، ولا فضيلة لأحدهما على الآخر، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- دخلها مُحرماً بعمرة الجعرانة ليلاً، ومن قال بالأول حمله على بيان الجواز، والله أعلم. انتهى 4- وفيه: ما كان عليه أصحابُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- مِنْ تتبَّع هَدْيَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- في كلِّ أحوالِه، وقد كان عبداللهِ بنُ عمَرَ من أشدِّهم اجتهاداً في تَحرِّي الأماكنِ التي صلَّى فيها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- في أسفارِه، فيُصلِّي فيها تَبرُّكًا وحُبًّا له - صلى الله عليه وسلم . باب: دُخُول مَكة والمدينة مِنْ طَرِيق والخُرُوج مِنْ طَرِيق عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَخْرُجُ مِنْ طَرِيقِ الشَّجَرَةِ، وَيَدْخُلُ مِنْ طَرِيقِ الْمُعَرَّسِ، وإِذَا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ مِنْ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا، ويَخْرُجُ مِنْ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى. الحديث رواه مسلم في الحج (2/918) باب: استحباب دُخُول مكّة مِنَ الثنيّة العليا، والخُروج منها من الثنيّة السّفلى، ودُخول بلده من طريق غير التي خرج منها. ورواه البخاري الحج (3/1575) باب: منْ أينَ يدخل مكة؟ في هذا الحديثِ يَرْوي عبداللهِ بنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- كانَ يَخرُجُ مِن المدينةِ إلى العُمرةِ أو الحَجِّ، مِن طَريقِ الشَّجرةِ الَّتي عِندَ مَسجدِ ذي الحُلَيْفةِ، ويَدخُلُ مِن طَريقِ المُعَرَّسِ، وهو بَطْحاءُ ذي الحُلَيْفةِ، وسُمِّيَ المُعَرَّسَ، لأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم- كانَ إذا رَجَعَ إلى المدينةِ نَزَلَ فيه آخِرَ اللَّيلِ، فسُمِّيَ مُعَرَّساً مِن التَّعريسِ، وهُو النُّزولُ آخِرَ اللَّيلِ، وكان - صلى الله عليه وسلم- يَنزِلُ فيه ويُصلِّي فيه، ويَبيتُ فيه، ويقَعُ أسْفَل مِن مَسجِدِ ذي الحُلَيفةِ. وذو الحُليفةِ: قَريةٌ بيْنها وبيْن المدينةِ سِتَّةُ أميالٍ أو سبعَةٌ (10 كم)، وهي مِيقاتُ أهلِ المدينةِ ومَن مرَّ بها. ثمَّ يُخبِرُ عبداللهِ بنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أنَّه - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذا خَرجَ مُسافرًا إلى مَكَّةَ -لحَجٍّ أو عُمرةٍ- يُصلِّي في مَسجِد الشَّجرةِ بذي الحُلَيْفةِ، وإذا رَجَعَ مِن سَفرِه نَزَلَ آخِرَ اللَّيلِ في وَسطِ وادي ذي الحُلَيْفةِ، وصلَّى فيه، وباتَ فيه إلى الصَّباحِ، ثمَّ يَتوجَّهُ إلى المدينةِ، لئلَّا يَفجَأَ الناسُ أهالِيَهم لَيلًا. وقدْ روى البُخاريُّ ومسلم عن عبداللهِ بنِ عمَرَ -رضي الله عنهما- أحاديثَ عدَّةَ تُحدِّدُ الأماكنَ التي صلَّى فيها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- في أسفارِه، وهذه الأماكنَ والمساجدَ لا يُعرَفُ اليومَ منها غيرَ مَسجِدِ ذي الحُلَيفةِ، والمساجِدِ التي بالرَّوحاءِ. فوائد الحديث
اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |