|
ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#31
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – منزلة الإنسان في قلوب الخلق
منزلة الإنسان في قلوب الناس لها معايير، فالإنسان يفرح عندما تكون له منزلة عند الآخرين، وإن كان الأهم والأعظم الذي يجب أن يهتم له المسلم منزلته عند الله -سبحانه وتعالى-، والله -عزوجل- لم يجعل هذا الأمر مجهولا بل جعله معلوما، قال الله -سبحانه وتعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا}. ولكن يجب أن نفهم كيف تكون لك منزلة عند الناس أيضًا وهذا أمر مستحسن ومهم، بدليل أن الله -سبحانه وتعالى- نبه نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - لهذه القضية حين قال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}. وإنك لعلى خلق عظيم وقد امتدح الله -عزوجل- النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر عظيم كان سببًا في وجود تلك المكانة له في القلوب وكانت سببًا لنجاح دعوته، قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، يقول الفضيل بن عياض -وهذا الرجل ممن عاش في القرن الثاني الهجري، من أهل خرسان، ويسمى بعابد الحرمين، وتوفي رحمة الله عليه في مكة-، قال: «ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة». ما سخاء الأنفس؟ سخي النفس، هو رجل صاحب عطاء، يعطي ولا ينتظر الجزاء، يعطي لله -سبحانه وتعالى- ويعطي كرمًا ويعطي سخاء، وهذا كان فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، إن شئت فانظر بماذا وصفته خديجة -رضي الله عنها- عندما نزل عليه الوحي في الغار - صلى الله عليه وسلم - قالت: «أبْشِرْ! فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا؛ إنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتَقْرِي الضَّيْفَ، وتُعِينُ علَى نَوَائِبِ الحَقِّ»، فوصفت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعطائه وكرمه، فمن هذه صفته «فَوَاللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أبَدًا» معناها أن منزلتك تبدأ في القلوب بسخاء النفس، وعندما أقول منزلتك، لابد وأن تبدأ أولا بالأقربين أولا بوالديك ومع إخوانك وأخواتك ومع أرحامك ومع زوجتك وأبنائك ومع أصدقائك الذين حولك، ثم بعد ذلك مع باقي الناس فالناس تحب صاحب النفس السخية. سلامة الصدور ثم قال الفضيل -رحمه الله-: «وبسلامة الصدور» وهذا هو القلب المخموم الذي ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفات أهل الجنة، فلا يحمل غلا ولا حقدا ولا حسدا على أحد من عباد الله -سبحانه وتعالى-، فيقول أهل العلم فيمن تلك صفته: إنه «طهر قلبه من غبار الأغيار، ونظفه من الأخلاق والأقذار» أي من سوء الأخلاق فهذا صاحب القلب المخموم، هذا من يحبه الناس، فنحن لا نرى قلبك ولكن نرى تصرفاتك التي تدل على سلامة قلبك. والنصح للأمَّة وقول الفضيل -رحمه الله-: «والنصح للأمه»، ماذا يعني بالنصح للأمه؟ والناصح هو الذي يريد الخير للآخرين، قيل بصدقٍ وبإخلاصٍ وبمودةٍ وبحب، أُشعرك وأنا أنصحك أن عندي صفاء في الكلام معك وأن عندي لك مودة ومحبة وأني مخلص لك في هذه النصيحة، لم؟ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسُ مُحَمَّدٍ بيدِهِ، لا يُؤْمِنُ أحدُكُم حتى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لنفسِهِ من الخيرِ»، تخيل أني كما أحب الخير لنفسي أحبه لك، وصادق جدا فتلاحظ من عباراتي وكلماتي أني صادق معك عند ذلك ستكون لك المنزلة في قلوب الناس. حسن الخلق طبعا هذا كل ما قاله الفضيل بن عياض -رحمه الله- أتى به من قول الله -تعالى-: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فعندما تحسن خلقك فإنك بذلك تكن لك منزلتان: منزلة عند الله -سبحانه وتعالى-؛ لأنك تتقرب إليه بالأخلاق الحسنة، ومنزلة عند عباد الله -سبحانه وتعالى- حتى أعدائك وإن كانوا يعادونك إلا أنهم في أنفسهم يعلمون ما أنت عليه، وهذا الإنكار واجهه النبي - صلى الله عليه وسلم - بل واجهه الأنبياء جميعهم -عليهم السلام- قال -تعالى فيمن أنكر رسالتهم ونبل صفاتهم-: {وَجَحَدُوا بِهَا} هذا في الظاهر {وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} في الداخل، فهم يعرفون من هو إبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح، وهو-، ومحمد - صلى الله عليه وسلم . لذلك فادع الله دوما أن يعينك على حسن الخلق، فإذا دعوت الله بطول العمر فادع أن يصلح عملك وخُلُقك، قال - صلى الله عليه وسلم - «خيركم من طال عمره وحسُن خُلُقه» وفي رواية: «خيركم من طال عمره وحسُن عمله». تعظيم الإسلام لحُسن الخُلق لم يعد الإسلام الخلق سلوكًا مجرَّدًا، بل عده عبادةً يؤجر عليها الإنسان، ومجالاً للتنافس بين العباد؛ فقد جعله النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أساسَ الخيريَّة والتفاضل يوم القيامة، فقال: «إن أحبَّكم إليَّ، وأقربَكم مني في الآخرة مجلسًا، أحاسنُكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني في الآخرة أسوَؤُكم أخلاقًا، الثَّرثارون المُتفَيْهِقون المُتشدِّقون»، وكذلك جعَل أجر حُسن الخُلق ثقيلاً في الميزان، بل لا شيء أثقلُ منه، فقال: «ما من شيءِ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة مِن حُسن الخُلق». وجعَل كذلك أجرَ حُسن الخُلق كأجرِ العبادات الأساسية، مِن صيام وقيام، فقال: «إن المؤمنَ لَيُدركُ بحُسن الخُلق درجةَ الصائمِ القائم»، بل بلَغ من تعظيم الشارع لحُسن الخُلق أنْ جعَله وسيلة من وسائل دخول الحنة؛ فقد سُئل - صلى الله عليه وسلم - عن أكثرِ ما يُدخِل الناسَ الجنَّةَ؟ فقال: «تقوى اللهِ وحُسن الخُلق»، وفي حديث آخرَ ضمِن لصاحب الخُلق دخولَ الجنة، بل أعلى درجاتها، فقال: «أنا زعيمٌ ببيت في ربَضِ - أطراف - الجنَّةِ لِمَن ترَك المِراءَ وإن كان محقًّا، وببيتٍ في وسَط الجنة لِمَن ترَك الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنَّة لمن حسُن خلُقه». أساس بقاء الأمم فالأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها؛ فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها، ويدلُّ على هذه القضية قولُه - تعالى -: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (الإسراء: 16). من أسبابِ المودة وإنهاء العداوة يقول الله - تعالى -: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} (فصلت: 34)، والواقع يشهد بذلك، فكم من عداوةٍ انتهت لحُسن الخُلق! كعداوة عمرَ وعكرمة -رضي الله عنهما- في بادئ الأمر، بل عداوة قريش له - صلى الله عليه وسلم -، ومن هنا قال: «إنكم لن تسَعُوا الناسَ بأموالكم، ولكن تسعوهم بأخلاقكم»، يقول أبو حاتم - رحمه الله -: «الواجب على العاقل أن يتحبَّب إلى الناس بلزوم حُسن الخُلق، وتَرْكِ سوء الخُلق؛ لأن الخُلق الحسَن يُذيب الخطايا كما تذيب الشمسُ الجليد، وإن الخُلق السيِّئ لَيُفسد العمل، كما يفسد الخلُّ العسلَ». اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 26-09-2024 الساعة 05:55 PM. |
#32
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – الحِلْم والأَناة خصلتان يحبهما الله ورسوله ديننا ليس دين ضعف وخور وإنما دين عزةٍ وشجاعة لكنها شجاعة في مكانها وموطنها وليس اندفاعا وتهورا علينا أن نضبط أنفسنا مع أرحامنا وأقاربنا وجيراننا ومن نتعامل معهم فلسنا في حرب معهم حتى نريهم بأسنا وقوتنا قال - صلى الله عليه وسلم - لِأَشَجِّ عبدِ القيسِ: «إنَّ فيك خُلَّتَينِ يُحِبُّهما اللهُ: الحِلْمَ والأَناةَ»، فقال: أخُلُقَينِ تَخلَّقتُ بهِما؟ أم خُلُقينِ جُبِلتُ علَيهِما؟ فقال: «بل خُلقَينِ جُبِلتَ عليهما»، فقال: الحمدُ للهِ الَّذي جبَلَني على خُلقَينِ يُحِبُّهما اللهُ ورسولُه، والحلم: بعضهم قال العقل أو التعقل، وقيل: أمور كثيرة، منها ما ذكره الشيخ ابن عثيمين -رحمة الله عليه- وغيره أنها ضد العجلة، وضد الاسترسال مع الغضب الذي ينتج عن أذى يأتيك أوعن تعدٍّ عليك. هذا الحديث له قصة، أن وفد عبد القيس قدموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من سفرٍ بعيد وكانت ديارهم ناحية الإحساء، وكانت تسمى البحرين، قدموا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولما وصلوا انطلقوا مباشرة بثيابهم التي أتوا عليها من هذا السفر البعيد؛ شوقًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، أمَّا سيدهم وهو أشج عبد القيس وهذا لقبه، وقد اختلف في اسمه كثيرا، والأشهر أنه المنذر بن عائذ هذا السيد -سيد قومه-، انتظر حتى أناخ رحلته وأراحها واستبدل ثيابه وأحسن التهيؤ؛ حتى يقدم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك فأجلسه بجنبه - صلى الله عليه وسلم -، وقال له هذا الكلام: «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة» نقف مع هاتين الخصلتين أيها الإخوة. صفة الأنبياء النبي - صلى الله عليه وسلم - وصف هذا الصحابي بأنه حليم وتلك صفة الأنبياء فالله -عزوجل- وصف ابراهيم الخليل عليه السلم بأنه أواه حليم، فهذه صفه يحبها الله، فالحلم كما ذكرنا ألا تسترسل مع الغضب، فالغضب ربما يتولد منه أمور كثيره فيها شرٌ عظيم، والله -عزوجل- قال «والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين». نشاهد في حياتنا اليومية كثير من القصص التي سمعناها قتل ومشاجرات وأسبابها قد تكون تافهة، الشيطان حضر فيها، وهذا الشاب يرى من نفسه قوة وشجاعة فيندفع مع غضبه يريد أن يفرغ عن غضبه وأن يُظهر شجاعته!. الشجاعة الحقيقية قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ» هذه هي الشجاعة التي في ديننا بينها لنا النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فنحن لسنا بصدد حرب مع أعداء الله -عزوجل- حتى نريهم بأسنا وقوتنا وإنما هي علاقاتٌ بيننا وبين إخواننا وجيراننا وأقاربنا وأهلنا وأحبابنا، فأحيانا تحدث مواقف بها سوء تفاهم وغضب، ينتج عنه شجار بسبب موقف خلاف مروري بالسيارة مع سيارة أخرى مثلا؛ لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وهوَ قادِرٌ على أنْ يُنْفِذَهُ، دعاهُ اللهُ -سبحانَهُ- على رُؤوسِ الخَلائِقِ يومَ القيامةِ حتى يُخَيِّرَهُ مِن الحُورِ العِينِ ما شاءَ»، انظر إلى هذا الفضل العظيم «كَظَمَ غَيْظًا وهوَ قادِرٌ على أنْ يُنْفِذَهُ»، ولكنه ترفع وأعرض عن الجاهلين، «وقادرٌ على أن ينفذه»، فديننا ليس دين ضعف وخور وإنما دين عزةٍ وشجاعة لكنها تكون في مكانها وموطنها وليس هكذا، لا تكون باندفاع وتهور واسترسال مذموم مع الغضب تندم عليه بعد ذلك. لذا ضد الحلم الاسترسال مع الغضب فكن حليمًا، والصفات أيها الأحبة والأخلاق بعضها يكون جبليا وبعضها ما يكتسب، هذا الصحابي جبله الله على ذلك كما جاء في بعض الروايات «آلله جبلني على ذلك؟ قال نعم، قال: الحمد لله أن جبلني على خير»، وقد تكتسب الصفة وتتعلم «إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم» وتلك الصفة الأولى التي يحبها الله في هذا الصحابي وفي كل من يتحلى بها. الأناة ضد العجلة الصفة الثانية «الأناة» فالأناة ضد العجلة، لا تكن عجولا، انظر الى هذه الأخبار تثبت وتبين قد يكون هذا الكلام زورا وبهتانا ولا تبني قرارك بعجلة، وإنما تأنَّ وانظر إلى مآلات الأمور، وإلى هذا الخبر ماذا سينبني عليه؟ ولا تكن نقالا للأخبار هكذا تفرح بأي خبر جديد وتسارع في نشره دون تثبت، النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ماسمع». التأني والتثبت الإعلام وصياغة عقول الناس علينا أن نتأنى فأعداؤنا هم من يملكون الإعلام، وأعداؤنا هم من يملكون صياغة عقول الناس، لنلتزم بديننا ونستقيم ونتمسك بسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم - وهذا القرآن الذي هو عصمةٌ لنا، عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: «وعظَنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَوعظةً ذَرَفَتْ منها العيونُ ووجِلَتْ منها القلوبُ فقلنا يا رسولَ اللهِ إنَّ هذه لموعِظَةَ مُوَدِّعٍ فماذا تعهَدُ إلينا؟ فقال: تركتُكم على البيضاءِ ليلِها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِكٌ، ومن يَعِشْ منكم فسَيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرَفتُم من سُنَّتي وسُنَّةِ الخلفاءِ المهدِيِّينَ الرَّاشدينَ، وعليكم بالطاعةِ وإن كان عبدًا حبشيًّا عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ فإنما المؤمنُ كالجملِ الأَنِفِ كلما قِيدَ انقَادَ»، هكذا أخبرنا النبي - صلى الله عليه وسلم . التمسك بكتاب الله -عزوجل علينا أن نتمسك بكتاب الله -عزوجل- الذي قال فيه: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ}، وآيات كثيرة تحث على التأني»: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}، ونتمسك بسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -: «كَفَى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بِكُلِّ ما سمِعَ»، وعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: بئسَ مطيَّةُ الرَّجلِ زعموا»، فلا تكن وكالة أخبار متنقلة تسمع وتنقل دون فلترة كما أخبر الله -عزوجل- في حادثة الإفك {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُم ْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ} قبل أن تنقل أي خبر أدخله في عقلك وفكر فيه من المستفيد؟ وما الثمرة من نقله؟ ماذا سينتج عن انتشار مثل هذا الخبر؟ أخبار كثيرة الآن تنتشر بيننا دون تثبت؛ لذا فلابد أن نتأنى وأن نكون لُحمة واحدة ولا نكون مصدرًا للإشاعات.اعداد: الشيخ: أحمد قبلان العازمي
__________________
|
#33
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – الإخلاص قضية العمر
كلمة جليلة ذكرها الإمام ابن قدامة المقدسي -عليه رحمة الله- في كتابه منهاج القاصدين، وهذا الكتاب القيم ذكر فيه ابن قدامة خلاصة ما وصل إليه في مسائل متفرقة في علوم مختلفة، وذكر في هذا الكتاب سبب هلاك كثير من الناس، حتى قال في نهاية عبارته «وهذا الذي أهلكهم فوجب معالجتة». فما هذا المرض الذي اهتم أن يلفت الأنظار إليه ابن قدامة حتى قال فيه إنه وجب معالجته؟، يقول -رحمه الله-: «اعلم أن أكثر الناس إنما هلكوا: لخوف مذمة الناس، وحب مدحهم؛ فصارت حركاتهم كلها على ما يوافق رضى الناس؛ رجاء المدح، وخوفًا من الذم، وذلك من المهلكات فوجبت معالجته»، فمثل هذا سعى إلى مرضاة الناس ومدحهم والهروب من ذمهم؛ فأصبحت حركاته وسكناته على منظور مدح الناس وذمهم وقال: «وهذا من المهلكات التي أخبر عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -، «فوجب معالجته». هل هذا يرضى الله -عز وجل؟ القضية يا إخواني عندما تريد فعل أي شيء فقط ضع أمامك: هل هذا يرضى الله -عز وجل- أم لا؟ فقط نقطة وأوقف تفكيرك على هذا، هل هذا يُسخط الله -عز وجل- أم لا؟ نقطة وأوقف تفكيرك على هذا، لأنك إذا تطالع مدح الناس وذم الناس فالناس أهواء، هذا يمدح على شيء وذاك يذم على الشيء نفسه بالظبط، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، أما إرضاء الله -عز وجل- غاية تدرك. كيف تُدرك محبة الله -عز وجل؟ بأن أتعلم محاب الله -عز وجل- التي ذكرها في كتابه الكريم، وذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في سنته، وأعمل بها وأجتهد عليها، ستصل إلى محاب الله -عز وجل-، فرضا الله -عز وجل- الوصول إليه سهل وليس صعبا، يبتدئ بالإسلام وأركانه، والإيمان بأركانه، والإحسان والعمل فيه وتمشي على طريق محمد - صلى الله عليه وسلم - الموصل في النهاية الى محاب الله -عز وجل-، وجعل الله -عز وجل- في النهاية الجزاء هو الجنة، قال -تعالى-: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. ذلك الله رب العالمين جاء رجل الى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا محمد إن مدحي زينٌ، وإن ذمي شينٌ» فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ذلك الله رب العالمين» يعني ليس أنت، ليس كلامك هو الذي يرفع ويخفض، قال ابن القيم تعليقا على تلك الواقعه: «فعليك بمدح من كل الخير بمدحه، واحذر من كل الشر في ذمه» وأجمل منه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من التمس رِضا اللهِ بسخَطِ الناسِ، رضِيَ اللهُ عنه، وأرْضى عنه الناسَ، ومن التَمس رضا الناسِ بسخَطِ اللهِ، سخِط اللهُ عليه، وأسخَط عليه الناسَ» فمن أراد الناس خسر الناس وخسر الله -تعالى-، ومن أراد وجه الله -تعالى- وقدم رضاه على غيره رضي عنه وأرضى عنه الناس، فهو الذي إذا مدحك ورضى عنك سخر القلوب لك، وإذا ذمك والله ما ينفعك أحد، كم من جنازة لم يعلم بها أحد أو مشى معها قليل من الناس، ولكن الله أرسل لها جموع أهل السماوات السبع ليشيعوها، وكم من جنازة رجل في هذه الدنيا مشت وراءه جموع من الناس وما مشى معه إلا ملائكة العذاب. احذر أن تكون من هؤلاء! لذا فاحذر من أن تكون أعمالك لتحصيل مرضاة الناس أو للهروب من ذمهم، لكن دع تلك الأمور كلها خلفك فهي لن تنفعك أبدًا، عليك أن تنسى هذه الأمور وضع في هدفك وبوصلتك رضا رب العالمين، وهذا هو معنى الإخلاص الذي ندرسه في كتب العقيدة والتوحيد، واعلم أن تلك القضية هي القضية الأولى في حياتك ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة، وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء. الزهد في الثناء والمدح وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين، ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده»، واستدل بحديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: يا محمد أعطني فإن مدحي زين وذمي شين، قال: «ذاك الله -عز وجل»، يعني هو الذي مدحه ينفع وذمه يضر، ومع الأسف أننا نغفل عن مثل هذه الأمور ونتشبث بالدنيا ومظاهرها وأهلها، فمَن منا يستحضر حديث: «فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم؟». ذكر الله -تعالى وعلى هذا فعلى الإنسان أن يلهج بذكر الله -جل وعلا- سواء كان خاليًا، أم في ملأ يُذَكِّرُهم بهذا الذكر ويكون له مثل أجورهم، فيذكره الله -جل وعلا- في نفسه إن ذكره في نفسه، ويذكره في ملأ من الملائكة وهم خير من الملأ الذين ذكره فيهم هذا العبد. بعض الناس لو قيل له: إن فلانًا من الوجهاء أو من الأعيان أو من الوزراء أو من الأمراء ذكرك البارحة وأثنى عليك، تجده لا يكاد يَقر له قرار من الفرح! وهذا العبد مثله لا يملك له ضرًا ولا نفعًا ولا يستطيع أن ينفعه بشيء إلا وقد كتبه الله له، ولا يستطيع أن يضره بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليه، فينتبه المسلم لمثل هذه الأمور، ويتعاهد نيته، والنية -كما يقول أهل العلم- شرود. الاهتمام بأعمال القلوب وتبعًا لهذا ينبغي للمسلم أن يهتم بأعمال القلوب، وأن يعتني بها غاية العناية، ولا شك أن القلب عليه المدار، فإذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله، كما في الحديث الصحيح: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب»، فعلينا أن نُعنى ونهتم بهذا الأمر، ونسعى في إصلاح قلوبنا بما جاء عن الله وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - من أدوية وعلاجات لأمراض القلوب، ونستفيد ونستعين بما كتبه أهل التحقيق من أهل العلم في هذا الباب، كابن القيم وابن رجب -رحمهما الله-، وعلينا أن نتعاهد هذه القلوب، ونقطع الطرق المؤدية إلى فسادها، فالشيطان هو قاطع الطريق في هذا المجال. كيف نحقق الإخلاص لله -تعالى؟ الإخلاص شرط من شرائط قبول العمل الصالح الذي يبتغى به وجه الله، فإذا لم يكن العمل خالصًا له فإنه حينئذٍ لا يقبل، وإذا لم يكن صوابًا على سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا يقبل، وعلى هذا فعلى كل مسلم أن يسعى جاهدًا في تصحيح نيته، وأن يخلص عمله لله -جل وعلا-، وألّا ينظر في عمله قبله ولا بعده ولا في أثنائه إلى المخلوق، وإنما ينظر إلى الخالق الذي كلفه بهذا العمل. ابن القيم -رحمه الله- في الفوائد يقول: «إذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولًا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص، فإن قلتَ: وما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلتُ: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينًا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره، ولا يؤتي العبد منها شيئًا سواه.اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
#34
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – {إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ}
نقف اليوم مع سؤال سئل في الأرض، وأتى الجواب عنه من السماء، وجاء هذا السؤال بعد حادثه عظيمة، فرح لها أهل الإسلام، وجاء الجواب ليعزز هذه الفرحة، والذي يحكي لنا هذه القصة الصحابي الجليل عبدالله بن عباس -رضى الله عنهما-، فبعد ما نصر الله -عزوجل- النبي في غزوة بدر، قال -تعالى-: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (آل عمران: 123). فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعبر عن هذا الشكر بأنه رجل دعوة ومأمور بتبليغ هذا الدين، فعن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- قال: لمَّا أصابَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قُريشًا يومَ بدرٍ، وقدمَ المدينةَ، جمعَ اليَهودَ في سوقِ بني قينُقاعَ فقالَ: «يا معشرَ يَهودَ أسلِموا قبلَ أن يصيبَكم مثلُ ما أصابَ قريشًا» قالوا يا محمَّدُ لا يغرَّنَّكَ مِن نفسِكَ أنَّكَ قتَلتَ نفرًا من قريشٍ كانوا أغمارًا لا يعرِفونَ القتالَ؛ إنَّكَ لو قاتَلتَنا لعرَفتَ أنَّا نحنُ النَّاسُ، وأنَّكَ لم تلقَ مثلَنا، فأنزلَ اللَّهُ -عزوجل- في ذلِكَ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ}. رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم وهذا التحذير من النبي - صلى الله عليه وسلم - لليهود من رحمته - صلى الله عليه وسلم - بهم، فكان يحذرهم من باب أن الله -تعالى- قد أرسل محمدًا رسولا مؤيدا كما أيد الأنبياء والمرسلين من قبل، وما من نبي إلا ونصره الله وأيده، وإن مر عليه ما مر. هذا شأنهم دائمًا وقول الرجل اليهودي للنبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا محمَّدُ لا يغرَّنَّكَ مِن نفسِكَ أنَّكَ قتَلتَ نفرًا من قريشٍ كانوا أغمارًا لا يعرِفونَ القتالَ إنَّكَ لو قاتَلتَنا لعرَفتَ أنَّا نحنُ النَّاسُ وأنَّكَ لم تلقَ مثلَنا»، فكأنه يريد أن يطفئ نور الفرحة الموجودة في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة -رضوان الله عليهم-، وهذا شأنهم دائمًا. فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه كبار الصحابة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيره من الصحابة -رضوان الله عليهم- يسمعون هذا الرجل وهو يهدد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يجبه النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أحد من الصحابة، وإنما جاء الجواب من السماء {قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} (آل عمران: 12). من المقروء إلى الواقع المشاهد يقول الشيح السعدي -رحمه الله-: في هذا إشارة للمؤمنين بالنصر والغلبة وتحذير للكفار، وقد وقع كما أخبر -تعالى-، فنصر الله المؤمنين على أعدائهم من كفار المشركين واليهود والنصارى، وسيفعل هذا -تعالى- بعباده وجنده المؤمنين إلى يوم القيامة، ففي هذا عبرة وآية من آيات القرآن المشاهدة بالحس والعيان، وأخبر -تعالى- أنَّ الكفار مع أنهم مغلوبون في فهم الدنيا محشورون ومجموعون يوم القيامة لدار البوار، وهذا هو الذي مهدوه لأنفسهم؛ فبئس المهاد مهادهم، وبئس الجزاء جزاؤهم. التشكيك في موعود الله -تعالى ولكن قد يقول قائل وهو يشكك في وعد الله -عزوجل- في قوله -تعالى-: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} (القمر:45)، وقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد:7)، قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: هذا أمر منه -تعالى- للمؤمنين، أن ينصروا الله بالقيام بدينه، والدعوة إليه، والقصد بذلك وجه الله؛ فإنهم إذا فعلوا ذلك، نصرهم الله وثبت أقدامهم، أي: يربط على قلوبهم بالصبر والطمأنينة والثبات، ويصبر أجسامهم على ذلك، ويعينهم على أعدائهم، فهذا وعد من كريم صادق الوعد، أن الذي ينصره بالأقوال والأفعال سينصره مولاه، وييسر له أسباب النصر، من الثبات وغيره. الخلل ليس في موعود الله فالخلل ليس في الآية، وإنَّما الله -عزوجل- عندما وعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنصر إذا نصرت الأمة ربها، والتزمت هدي نبيها - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الناس اليوم لم يحققوا هذا الشرط، فتخلف عنهم موعود الله -تعالى-، فكلما ارتبطنا بدين الله -عز وجل- وعدنا إليه عودة صحيحة سيتحقق الموعود في هذه الآية. صفات من وعدهم الله بالنصر وقد أوضح الله -تعالى- هذا المعنى في آيات كثيرة، وبين في بعضها صفات الذين وعدهم بهذا النصر كقوله -تعالى-: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}، ثم بين صفات الموعودين بهذا النصر في قوله -تعالى- بعده: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، وكقوله -تعالى-: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، وقوله -تعالى-: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}، وقوله -تعالى-: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}، إلى غير ذلك من الآيات. وبين الله -تعالى- صفات من وعدهم بالنصر في الآيات المذكورة: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ}، يدل على أن الذين لا يقيمون الصلاة، ولا يؤتون الزكاة، ولا يأمرون بالمعروف، ولا ينهون عن المنكر، ليس لهم وعد من الله بالنصر البتة. معنى نصر المؤمنين لله ومعنى نصر المؤمنين لله - نصرهم لدينه ولكتابه، وسعيهم في أن تكون كلمته هي العليا، وأن تقام حدوده في أرضه، وتمتثل أوامره وتجتنب نواهيه، ويحكم في عباده بما أنزل على رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وكما قال الإمام مالك -رحمه الله-: «لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها»، والمعنى: أن أول هذه الأمة صلحوا بالتوحيد والقيام بأمر الله، وأداء حقه، والإيمان بالله وبرسوله، فهذا الذي صلح به أول هذه الأمة، وآخر هذه الأمة لا يصلحها إلا هذا، إذا استقاموا على أمر الله، ووحدوا الله، وأخلصوا العبادة، وآمنوا بالله ورسوله، فإن لم يفعلوا فلن يصلح حالهم.اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
#35
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – ميزان الحُكْم على الناس
هناك ميزان لا يستطيع أن يتعرف عليه جيدًا إلا من تمعن ونظر في منهج أهل السُنَّة والجماعة، وهذا الميزان هو مصداق لقول الله -تعالى-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، والشهادة على الناس في الحقيقة أمر عظيم؛ لذلك الإنسان لا يتساهل فيه أبدًا، ولابد له أن ينظر إلى هذا الأمر بنظرة العالم الذي قد ملأ الله قلبه بصيرة، ويزن الأمور بمقاييسها الدقيقة حتى لا يقع في الظلم. ولذلك بعض الناس إذا أراد أن يُقيّم إنسانا فإنه قد يقيم حالة معينة في الإنسان هي الحالة الغالبة، ثم يتناسى باقي الأمور ثم تكون هذه الأمور التي نسيها هي الأصل، وهي التي يبنى عليها تقييم هذا الإنسان، ودعونا نذهب معكم إلى ناحية تطبيقية، دعونا نضع الميزان ونسترجع معيار أهل السُنَّة والجماعة كيف كانوا يضعون ميزان الاعتدال في جرح أحد من الرواة أو من العلماء أو من أهل الإسلام أو تعديله. الحسن بن صالح الحمداني يأتي الإمام الذهبي -رحمة الله تعالى عليه- ويسرد سيرة (الحسن بن صالح الحمداني)، فلننظر إلى كلام العلماء فيه: «كان متقنًا، كان فقيهًا، كان زاهدًا، كان عابدًا، كان ورعًا، كان يُرى أثار الخشوع على وجهه»، رجل قام من الليل بسورة النبأ فما أكملها وسقط مغشيًا عليه، كان يقوم الليل هو وأهل بيته فيقسمه عليه هو وأمه وأخوه، لا يريد أن ينقطع القرآن وقيام الليل عن البيت، فيبدأ من بعد العشاء هو ثلث الليل، وأمه ثلث الليل، وأخوه الثلث الأخير من الليل، فلما ماتت أمه كان يقوم بما كانت تقوم به أمه، فأصبح نصيبه الثلثين وأخوه ثلث الليل، فلما مات أخوه أصبح يصلي الليل كله. مقالات جميلة وجليلة هذا الرجل له مقالات جميلة وجليلة، منها قوله -رحمه الله-: «لو أصبحت ولا أجد معي درهم لما رأيت إلا أني قد حزت على الدنيا بما فيها»، وهذا استفاده من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أصبحَ معافًى في بدنِه آمنًا في سِربِه عندَه قوتُ يومِه فَكأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا بحذافيرِها» يعني رجل وصف بالعلم والفقه والإتقان فضلا عن أنه عاش في زمن كان يعيش فيه سفيان الثوري وهو من أئمة الحديث الكبار، وكان الرجل يروي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحديث عن هذا الباب يطول. رغم كل ما سبق حذر منه العلماء! رغم ما كل ما ذكرناه سابقًا من أخلاق وفضائل إلا أنَّ الإمام الذهبي قال فيه: «قد حذر علماء الأمة منه، وحذروا من أخذ الحديث منه» فيا سبحان الله! أبعْد كل تلك الصفات ويحذر منه علماء الأمة؟! لم؟ قال ذلك بعدما أظهر بدعة القول بجواز الخروج على الأئمة الظلمة، هل إمام ظالم لايجوز الخروج عليه؟ نعم لأن هذا هو الأصل، فلأنه خالف هذا الأصل لم تشفع له كل هذه الحسنات لقبول نقله وروايته. الحكم بالشرع لا بالعاطفة فهم لم يحكموا بالعاطفة وإنما عظموا الشرع وميزانه على ميزان العاطفة، رغم كونه نموذجا إلا أنهم حكموا ميزان الشرع على الجانب الآخر فقالوا إنه يفتي بالخروج خلافًا لأهل السُنَّة والجماعة فضلا عن أنه لم يحارب قط، فهو يفتي بجواز الخروج على الحاكم الظالم وهو لم يخرج قط، لماذا؟ إذا تأملت لوجدت أن هذا القول ينسف تلك الفضائل كلها؟ لم؟ لأن هذا هو نص حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يَحْقِرُ أحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ»، إذا هذا الميزان الذي سار عليه أهل السنة والجماعة، هذا هو ميزان النبي - صلى الله عليه وسلم - كأنه يقول لا تغتر ابتداءً بكون فلان عابدا أو زاهدا أو قارئا أو حافظا، فهذا مثل ما قال أحد السلف عن الخوارج: إنهم «أوتوا ذكاءً ولم يؤتوا زكاءً» ماعندهم طهر في القلب. فما هذا الطهر الذي افتقدوه؟ إنه طُهر المنهج الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة -رضوان الله عليهم-، عجيب فهو كان في جيل سفيان الثوري الذي كان في جيل التابعين الذين رأوا الصحابة -رضوان الله عليهم-، الذين هم خير القرون. خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي بعض الناس يفهم من حديث «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» أن كل الناس الذين عاشوا في تلك القرون هم من أهل تلك الخيرية، أبدًا يا إخواني، النبي - صلى الله عليه وسلم - قال خير الناس فيمن عاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - واتبعه ونهج نهجه ثم من رأى الصحب الكرام -رضوان الله عليهم-، وعاصرهم واتبعهم بإحسان، ثم من عاصر تابعيهم واتبعهم بإحسان فأنت إن عايشت إحدى تلك الدوائر واتبعت هذا السلف الصالح بإحسان فأنت من خير الناس، لكن إذا انحرفت عن المنهج فقد خرجت عن دائرة الخيرية تلك ولن تزكيك الأمة وأنت على هذا المنهج الخطأ. وفي مثل هذا ينخدع كثير من الناس بأمور العاطفة، يقولون فلان هذا ماشاء الله معروف بعلمه أو بزهده أو بورعه أو بعبادته او بإتقانه للعلوم، ولكن السؤال هل أوتي زكاءً؟ هل أوتي منهجًا صحيحًا وقويمًا؟ هل سار على طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة؟ ميزان لا نختلف عليه لذا فإن الله -عزوجل- قد وضع لنا ميزانا، لا نريد أن نختلف عليه؛ لذلك هذا الميزان نريد أن يكون لنا بوصلة حتى اليوم فلا يغرنك أن فلانا ماشاء الله حافظ أو متقن أو ذكي أو عابد، ولكن اسأل ماهو منهجه؟ ما الذي يدعو اليه؟ ما توجهه؟ لذلك لا نريد أن تكون حلقات القرآن حفظا، وإنما نريد أن تكون حلقاتنا علما، فمن حفظ القرآن وختم بفضل الله لا نريد أن نأتي به لنعطيه جائزة، وإنما قبل ذلك نأتي به ونقول له لن نعطيك الجائزة إلا عندما نعلمك تفسير القرآن الذي حفظته بفضل الله، فلابد أن تتعلم المنهج الصحيح، ثم بعد ذلك نكافئه ونعطيه الهدايا ونقول له مشكور! أنت الآن أُوتيت الذكاء وأوتيت الزكاة. مشكلة الخوارج لذلك هؤلاء الخوارج ما مشكلتهم؟ القصة ليست حفظا؛ فكلهم حفظة وكلهم متقنون، بل منهم من كان يروي الحديث كأنه الإمام البخاري، ولكن إذا أتيت به ووضعته مع الإمام البخاري فإن البخاري يرجح بحفظه ومنهجه وهذا لا يرجح بحفظه فقط، فالذي يرجح البخاري منهجه القويم والدين الوسط واتباعه لمنهج النبي - صلى الله عليه وسلم - واتباعه الصحب الكرام -رضوان الله عليهم-؛ لأنهم أخذوا بقول الله -تعالى-: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}. قضية حساسة جدا تلك القضية حساسة جدًا، واليوم الشباب يطالع منصات التواصل الاجتماعي، ويطالع من يتصدر فيها ونرى كثيرا منهم ينخدعون ببعض الذين يتصدرون في تلك المنصات، فينخدع في حفظ فلان وعلم فلان وغير ذلك ثم يذهبون بهم إلى الهاوية! من تكفير، وثورات وخروج على الحكام، وتبديع الناس، واستباحة أعراض الناس وأموالهم ودمائهم.اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
#36
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – سبل الاستقامة
اليوم نقف معكم على كلمة مختصرة لشيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- ولكنها في الحقيقة تحمل معاني كثيرة، يقول -رحمه الله- وهو يشرح كيف يسير الإنسان في هذه الدنيا على طريق الاستقامة حتى لا ينحرف به الطريق؟ يقول -رحمة الله عليه-: «العارف يسير إلى الله -عزوجل- بين مشاهدة المنَّة ومطالعة عيب النفس»، أي المسلم البصير، الذي يطلب العلم ويعرف من كلام الله -تعالى- ما يعرف، ويعرف من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - ما يعرف، لابد أن يتزود بالعلم والمعرفة في طريقه إلى الله -عزوجل. وأول ما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - قول الله -تعالى-: {اقْرَأْ} وقال الله -تعالى-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله -تعالى- وأن يسير في هذا الطريق وهو جاهل، قال -تعالى-:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، يعني إياك أن تتعبد إلى الله -عزوجل- بجهل، فتلك مصيبة. منن الله -عزوجل- كثيرة فيقول -رحمة الله عليه-: «العارف يسير إلى الله -عزوجل- بين مشاهدة المنَّة وبين مطالعة عيب النفس» ومنن الله -عزوجل- كثيرة قال -تعالى-: {وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}»، نعم الله تعالى كثيرة لا يستطيع الإنسان عدها، لكن أعظم النعم وأعظم الرزق هو نعمة الهداية إلى صراط الله المستقيم، واليوم- على كثرة انتشار تلك الفتن حول العالم- علينا أن نحمد الله -عزوجل- على سلامة العقيدة والمنهج؛ لأنه على عقيدة أنه مسلم، ثانيا على أنه على عقيدة صحيحة، ثم ثالثا لأنه على منهاج وطريق قويم على طريقة أهل السنة والجماعة، وترى الناس كيف يعصفون ببعضهم وسط تلك الفتن وهم لا يستطيعون تحمل الواقع لقلة العلم وانتشار الجهل وعدم الاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم الوعي بسيرته، فضلًا عن سير الأنبياء والمرسلين من قبل. ما منا من أحد إلا وفيه عيوب وليس عيبًا واحدًا، ولكن الله -عزوجل- تجمل على عباده بالستر، والحمد لله جل وعلا الذي ما جعل لهذه العيوب روائح، وإلا لأفتُضحنا عند الناس، ويقول الإمام القحطاني -رحمه الله- في نونيته: والله لو علموا قبيح سريرتي لأبى السلام على من يلقاني ولأعرضوا عني وملوا صحبتي ولبؤت بعد كرامة بهوان لكن سترت معايبي ومثالبي وحلمت عن سقطي وعن طغياني فلك المحامد والمدائح كلها بخواطري وجوارحي ولساني ولقد مننتَ عليَّ رب بأنعم مالي بشكر أقلهن يدان مطالعة عيب النفس وقضية مطالعة عيب النفس لابد وأن تشغلنا في أنفسنا، فعندما نعلم عيوبنا وندرك أننا سنقف بين يدي الله -تعالى- للحساب على هذه العيوب، فيكون ذلك دافعا للعمل على إصلاحها قال -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} يعني زكى هذه النفس، والإنسان إذا ركز في هذا الأمر ووضع أمامه عيوب نفسه فإنه سينشغل بنفسه عن عيوب الآخرين، وهذا ليس معناه غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما المقصود هو الانشغال بالدرجة الأولى باصلاح نفسك كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}؛ فأنت أخي الكريم اسلك سبيل الاهتداء، وطهر نفسك ثم وأنت في الطريق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر. ما اللمم؟ قال الله -تعالى-: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}، فما هو اللمم؟، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ما رأَيْتُ شيئًا أشبَهَ باللَّمَمِ ممَّا قال أبو هُريرةَ: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: «كتَب اللهُ على ابنِ آدَمَ حظَّه مِن الزِّنا أدرَك ذلك لا محالةَ: فزنا العينِ النَّظرُ وزنا اللِّسانِ النُّطقُ والنَّفسُ تتمنَّى ذلك وتشتهي، ويُصدِّقُ ذلك الفَرْجُ أو يُكذِّبُه»، يقول: ما رأيت شيئا أشبه بها-: أي يفسرها- قال إلا مما سمعت من أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «كتب على ابنِ آدمَ حظُّه من الزنا فهو مدركٌ ذلك لا محالةَ، فالعينانِ تزنيانِ وزناهما النظرُ، والأذنانِ تزنيانِ وزناهما السمعُ، واليدان تزنيان وزناهُما البطشُ، والرِّجلانِ تزنيانِ وزناهُما المشيُ، والقلبُ يتمنى ويشتهي، والفرجُ يصدقُ ذلك أو يكذبُه». أعلم الأمة بعلم التأويل وتخيل صحابي ينقل عن صحابي، أعلم الأمة بعلم التأويل، ينقل عن أكثرها علما بالرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا من أدب الصحابة، وفي هذا الحديث بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الزنا نوعان: زنا جوارح وزنا فروج، وزنا الفروج عافانا الله من الكبائر التي فيها حدود، ولكن هناك زنا لجميع الجوارح حتى القدم كما ذُكر في رواية أخرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالصغائر بريدٌ للكبائر، وزنا الجوارح -عافانا الله- طريق لزنا الفرج؛ ولذلك عندما نتكلم عن عيوب النفس ترى عيوبك قد توصلك إلى شيء عظيم إن لم تهتم بإصلاحها وتزكيتها فتعيق المسير بينك وبين الله -سبحانه وتعالى. ويقول ابن القيم -رحمه الله-: «لابُدَّ للسالِكِ مِن همةٍ تُسيَّرهُ، وتُرقَيهِ، وعلم يُبصِّرُه، وَيهدِيهَ»، فلابد للمرء من همةٍ في قلبه تدفعه للسير في طريق الوصول إلى رضوان الله -عزوجل- وترقيه فيه، ولابد له من علمٍ نافع يهتدي به للطريق الصحيح. حقيقة الاستقامة حقيقة الاستقامة في الشرع تتضمن أمرين: السَّير على الطريق، وهذا المعنى يُفَسِّرُهُ قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ..}، والثاني: الاستمرار والثبات عليه حتى الممات، وهذا المعنى تُفَسِّرُهُ بقية الآية: {.. وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران:102)؛ فيكون المعنى: استقيموا واثبتوا على التقوى حتى يأتيَكم الموت وأنتم على ذلك، وتتحقق الاستقامة بأمور، أولها: أداء الفرائض والواجبات، وأهمها وأُسُّها التوحيد «شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله»؛ هو أوجب الواجبات، وأعظم الحسنات، وأفضل الطاعات، وهو أول ما أمَر الله به عباده، وهو حقه عليهم، وهو مفتاح دعوة الرسل، وتحقيق ذلك بعبادة الله وحده لا شريك له وإخلاص الدين له، ويتبع ذلك تحقيق متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك مقتضى الشهادتين.. وثانيها: الصلوات الخمس وهي قرينة التوحيد في الكتاب والسُّنَّة.. وثالثها: الزكاة، والصيام، والحج، هذه أركان الإسلام.. ورابعها: أداء الواجبات الأخرى كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وحقوق العباد، وكلها تدخل في الفرائض، فتكون مما يحقّق الاستقامة.. وعليه فالاستقامة إنما تتحقق بأداء حقوق الله، وحقوق العباد. ومما يحقق كمال الاستقامة أيضاً: أداء النَّوافل، ومِنْ حِكمة الله أَنْ شَرَّع لعباده نوافل الطاعات في مختلف العبادات؛ كالصلاة، والصدقة، والصيام، والحج وسائر الطاعات التي فرضها الله على عباده، فشرع مِن جنسها ما هو تطوع. ومما يحقق الاستقامة كذلك: اجتناب المحرمات، واجتنابها يكون بامتثال المأمورات، واجتناب المحظورات، وأهمها الكبائر، ومن اجتنب الكبائر فهو على خير كثير، قال الله -تعالى-: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} (النساء:31)؛ قال الشيخ السعدي -رحمه الله-: «وهذا من فضل الله وإحسانه على عباده المؤمنين وعدَهم أنهم إذا اجتنبوا كبائرَ المنهيات غُفر لهم جميعَ الذنوبِ والسيئات، وأدخلَهم مُدخلاً كريماً كثير الخير وهو الجنة المشتملة على ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».. اهـ.اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
#37
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – طلب العلم من الجهاد في سبيل الله بعض الناس يرون الجهاد في سبيل الله هو موضع القتال فقط ولكن الله عز وجل جعل سعي الإنسان في طلب العلم من الجهاد في سبيله أيضا عندما نسمع كلمة «في سبيل الله» تنصرف أذهاننا إلى شيء عظيم وهو فعلا عظيم ألا وهو: (الجهاد في سبيل الله -سبحانه وتعالى-)، فالله -جل وعلا- قد فضل المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما، وأعد الله -عز وجل- لمن جاهد في سبيله الأجور الكثيرة العظيمة والفضائل الجليلة التي جعلها الله لهم في مستقر رحمته وجنته، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوحي إليه أن يبين للناس أن كلمة «في سبيل الله» أيضا لها معان واسعة لأعمال يحبها الله -عز وجل-، فلا تقتصر هذه الكلمة على صنف واحد من الأعمال وهو الجهاد في سبيل الله، ولكن أي عمل تستطيع من خلاله أن تحارب أعداء الدين، عده الشارع -سبحانه و-تعالى-- من الجهاد في سبيل الله. وإذا أردنا أن نعرف فضل الجهاد في سبيل الله فلنقرأ هذا الحديث: مرَّ رجلٌ منْ أصحابِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بشِعبٍ فيهِ عُيَيْنةٌ من ماءٍ عذبةٌ فأعجبتْهُ لطِيبها، فقال: لو اعتزلْت الناسَ فأقمتُ في هذا الشِّعبِ ولن أفعل حتى أستأذنَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فذكَر ذلكَ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقال: «لا تفعلْ فإنَّ مقامَ أحدِكم في سبيل اللهِ أفضلُ منْ صلاتِهِ في بيتهِ سبعينَ عامًا، ألا تحبُّون أن يغفرَ اللهُ لكمْ، ويدخلُكم الجنةَ؟ اغزُوا في سبيلِ اللهِ، منْ قاتلَ في سبيلِ اللهِ فُواقَ ناقةٍ وجبتْ لهُ الجنةُ». من أفضل الأعمال عند الله -تعالى إن من أفضل الأعمال عند الله -عز وجل- الصلاة بالليل والناس نيام، وهي من أول الأعمال التي وصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أول ما دخل المدينة «أيُّها الناسُ أفشوا السلامَ وأطعِموا الطعامَ وصِلُوا الأرحامَ وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ تدخلوا الجنةَ بسلامٍ». أعمال يتهاون فيها الناس ومن الأعمال الجليلة التي يتهاون فيها بعض الناس: مقام الجلوس لطلب العلم، مثل: حضور حلقة من حلقات العلم، وتفسير كتاب الله، وسماع أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وغيرها من العلوم الشرعية، يقول الشيخ عبدالرحمن السعدي -رحمه الله-: «مجلس علم تجلسه، خير لك من الدنيا وما فيها، وفائدة تستفيدها وتنتفع بها لا شيء يزنها ويساويها»، فضلا عن أن هذا المجلس يعد من الجهاد في سبيل الله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما من خارجٍ خرج من بيتِه في طلبِ العلمِ، إلا وَضعت له الملائكةُ أجنحتَها رضًا بما يصنعُ، حتى يَرجعَ». سعي الإنسان في طلب العلم بعض الناس يرون الجهاد في سبيل الله هو موضع القتال فقط، ولكن الله -عز وجل- جعل سعي الإنسان في طلب العلم من الجهاد في سبيله، فمجرد خاطرة أو كلمة إذا احتسبناها فهي في سبيل الله، فبهذا الوعي نحن نجاهد المشركين والمنافقين والمعرضين والمبتدعين وأصحاب الأهواء، فنرد على شبهاتهم فإذا لم نطلب العلم لا يوجد معنا سلاح، ولذلك الله -عز وجل- أول ما أوحى إلى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - (اقرأ) قال أهل العلم: تعلَّم حتى تكون متحصنا بالسلاح، وقال -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} وقال الله -تعالى-:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَالْمُؤْمِنَات ِ}، فجعل العلم قبل القول والعمل وهكذا بوب هذا الباب الإمام البخاري، فمجالس العلم ولو كانت قليلة أو بسيطة لا تستهن بشيء ولو كان بسيطا. قصة واقعية أذكر أنه كان في يوم من الأيام عندنا لقاء مع الشيخ عثمان الخميس منذ سنوات عدة، وكان الموضوع عن الصلاة، وأحكامها وما إلى ذلك، فقلت لشاب أن يحضر معي اللقاء ودعوته إليه، فسأل عن الموضوع، فقلت له الموضوع عن «الصلاة» فقال نحن طلبة شريعة وما إلى ذلك واستبسط الموضوع، فقلت تعال تحفنا الملائكة ونأخذ أجر مجلس علم فرفض وقال: إنه يريد أن يتابع بعض أعماله. ومرت السنون وقدر الله أن أقابله في مسجدي بعد خطبة الجمعة وبعد الصلاة جاء سلم علي، وجلس وجاء أحد الإخوة المصلين وقال والله يا شيخ عندي سؤال في الصلاة، فقلت له أبشر عندنا هنا متخصص وهو خريج كلية الشريعة، تفضل فوالله يا إخوة سأل سؤالا بسيطا لا أذكر السؤال ولكن أذكر أنه سؤال بسيط، فقلت يجاوبك الشيخ فقال: تفضل يا شيخ أنت جاوبه فجاوبت الرجل وذهب فسألته لم لم تجاوب الرجل؟ السؤال سهل! فقال والله نسيت، فقلت له أنت تدري لماذا نسيت؟ لأنك لم تدرك أن العلم ينسى إن لم تتعهده بالمدارسة ومجالس العلم، وإلا فالمعلومة صيد تقيد بالكتابة والقراءة والمراجعة، وذكرته بالموقف السابق مع درس الشيخ عثمان الخميس عن الصلاة، فلا تحتقر المعلومة أيا ما كانت فيتحقق لك مقام طالب العلم في سبيل الله أفضل عند الله من صلاة رجل ستين عاما خاليا. فضل طلب العلم يكفي شرفًا لأهل العلم أن الله -عز وجل- استشْهَدهم على ما شَهِدَ به هو -تبارك و-تعالى--، قال -عز وجل-: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَة ُ وَأُولُو الْعِلْمِ} (آل عمران: 18)، الملائكة شهدوا وأولو العلم أيضًا شهدوا ألا إله إلا الله.العلماء هم ورثة الأنبياء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وإن العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ، إن الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلمَ، فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ»، الأنبياء لم يتركوا لنا مالًا أو جواهرَ، أو ذهبًا أو فضة، وإنما تركوا لنا العلم، الذي عنده العلم قد أخذ أوفر الحظوظ، فلا شيء في الدنيا أشرف من العلم، لذلك أمر الله -عز وجل- نبيَّه أن يستزيدَه من العلم، قال -تعالى-: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه: 114)، قال العلماء: لو كان شيء أشرف من العلم، لأمرَ اللهُ نبيَّه أن يستزيده منه كما أمره أن يستزيده من العلم. العلم نور يهدي الله به من يشاء في هذه الدنيا، قال -تعالى-: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} (الرعد: 19)، «الناس في الدنيا صنفان، إما شخص لديه علم ونور يهتدي به، وإما أعمى لا يرى. رفع الله -عز وجل- قدر أهل العلم لا لحسبٍ ولا لجاه ولا لمال، وإنما بسبب العلم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (المجادلة: 11)، قال - صلى الله عليه وسلم -: «مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ»، وسلوك الطريق المقصود به الطريق الحسي الطريق الذي يسير عليه الإنسان، الطريق الحسي الذي تقرعه الأقدام، ويسير فيه الإنسان، لكي يتعلم، ويذهب إلى مكان العلم، ومنه أيضًا الرحلة لطلب العلم، فجابر بن عبدالله - رضي الله عنه - أحد صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار سافر شهرًا كاملًا في طلب حديث واحد. أجر العلم لا ينقطع حتى بعد موت الإنسان، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له». يكفي في فضل العلم أنه علامة على إرادة الله -عز وجل- الخير، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من يُرِدِ اللهُ به خيرًا، يُفقِّهْه في الدِّينِ»، يعني كما أن الله -عز وجل- يشرح صدر الإنسان لطلب العلم ويصبره على الطلب، ويأتي ويبذل ويذاكر ويجتهد، هذا من علامة إرادة الله -عز وجل- الخير بهذا العبد، لا يمر عليه يوم في حياته إلا ويتعلم مسألة ويفهم مسألة، ويزداد علمًا، لذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يقولُ إذا صلَّى الصُّبحَ حينَ يسلِّمُ: «اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ عِلمًا نافعًا، ورزقًا طيِّبًا، وعملًا متقبَّلًا»، وقوله: «من يرد الله به خيرًا، يفقهه في الدين»، هذا يدخل فيه جانبان، فقه العقائد: العقيدة التوحيد، أصول الإيمان، وفقه الأحكام والشرائع: تعلُّم الحلال والحرام، وأمور الدين، يتعلم ذلك من الكتاب والسنة. اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
#38
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – ابن عمرو رضي الله عنهما يغبط نفسه
خرجَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى أصحابِهِ وَهُم يختَصِمونَ في القَدَرِ، فَكَأنَّما يُفقَأُ في وجهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ منَ الغضَبِ! فقالَ بِهَذا أُمِرتُمْ؟ أو لِهَذا خُلِقتُمْ؟ تَضربونَ القُرآنَ بعضَهُ ببَعضٍ؟ بِهَذا هلَكَتِ الأمَمُ قبلَكُم! قالَ: فقالَ عبدُ اللَّهِ بنُ عمرٍو: ما غبَطتُ نَفسي بمجلسٍ تخلَّفتُ فيهِ عن رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - ما غبَطتُ نَفسي بذلِكَ المجلِسِ وتخلُّفي عَنهُ. النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في بيته، وعندما نقول كان في بيته ويسمع ما يحدث في المسجد، معناها أنه كان في بيت أمنا عائشة -رضي الله عنها-؛ لأن بيتها كان مجاورًا لمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان - صلى الله عليه وسلم - في حجرته في فناء البيت، فسمع الصحابة -رضي الله عنهم- يتناولون مسائل العلم حتى وصل بعضهم الجدال في كتاب الله -تعالى- في مسائل خطيرة، وهي مسائل الإيمان بالقدر، فخرج عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكأنما تفقأ في وجهه حب الرمان من الغضب! قال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ أبهذا أمرتم؟ أم لهذا خلقتم؟ هل الله -عز وجل- أمركم أن تتكلموا في هذه المسائل التي تعد مسائل غيبية، قال -تعالى-: {عالم الغيب والشهادة فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول}، فلا أحد يعرف الغيب إلا هو -سبحانه وتعالى-، أو ما يوحي به الله -عزوجل- من أمور غيبية لنبي من الأنبياء أو لرسول من الرسل فقط، غير ذلك فلا، قال -تعالى-: {قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. تقدير الله -عزوجل ألم يُقدّر الله على إبراهيم -عليه السلام- أن يُلقى في النار؟ وعلى يونس -عليه السلام- أن يرتمي في البحر فيبتلعه الحوت؟ وعلى يوسف -عليه السلام- بدخوله السجن سنوات طويلة من عمره؟ فكل هذا من أقدار الله -عزوجل-، وكذلك نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يدري ما سيحدث معه، فقد هاجر من مكة -وهي أحب البلاد إليه- إلى المدينة، فكل هذه أقدار الله، لا يعلم بها أحد. أبهذا أمرتم أم لهذا خلقتم؟ ولذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه أبهذا أمرتم أم لهذا خلقتم؟ إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا يضربون كلام الله بعضه ببعض، والاختلاف هذا ربما يولد الحروب ويرفع السيوف، وهذا ما حدث مع علي - رضي الله عنه - مع الخوارج؛ لأن الخلاف كان على غير علم وفقه فحصل ما حصل. كذلك يا إخواني نحن يمر علينا أحداث ومواقف تفرح أنك لم تشارك فيها سواء بتويتر ولا انستجرام ولا تكلمت؛ لأن كلمتك قد تجرك للفتن فيكفيك أن تقف حيثما وقف الأكابر؛ فهم عندهم من العلم والمعرفة ما لا يوجد عند غيرهم. قصة أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه انظر إلى قصة أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في العراق، فعن عمرو بن سلَمة قال: كُنَّا نجلِس على باب عبدالله بن مسعود قبل صَلاة الغَداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعريُّ فقال: أخَرَجَ إليكم أبو عبدالرحمن بعدُ؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلمَّا خرج قمنا إليه جميعًا. فقال له أبو موسى: يا أبا عبدالرحمن، إني رأيت في المسجد آنِفًا أمرًا أنكرتُه، ولم أرَ - والحمد لله - إلا خيرًا. قال ابن مسعود: فما هو؟ فقال أبو موسى: إن عشتَ فستراه. قال أبو موسى: رأيت في المسجد قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتَظِرون الصلاة، في كلِّ حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبِّروا مائة، فيُكبِّرون مائة، فيقول: هَلِّلوا مائة، فيُهَلِّلون مائة، ويقول: سبِّحوا مائة، فيُسَبِّحون مائة. قال ابن مسعود: فماذا قلتَ لهم؟ قال أبو موسى: ما قلتُ لهم شيئًا انتِظار رأيك أو انتظار أمرك. قال ابن مسعود: أفلا أمرتهم أن يَعُدُّوا سيِّئاتهم، وضمنت لهم ألاَّ يَضِيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحِلَق، فوَقَف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبدالرحمن، حصى نَعُدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: فعُدُّوا سيِّئاتكم، فأنا ضامِنٌ ألاَّ يَضِيع من حسناتكم شيء، ويْحَكم يا أمَّة محمد! ما أسرعَ هلكتَكم! هؤلاء صحابة نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - مُتوافِرون، وهذه ثِيابُه لم تبلَ، وآنيته لم تُكسَر، والذي نفسي بيده إنَّكم لعلى مِلَّة هي أهدى من ملَّة محمد، أو مُفتَتِحو باب ضلالة. قالوا: والله يا أبا عبدالرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مُريدٍ للخير لن يُصِيبَه، إنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدَّثنا أن قومًا يقرؤون القرآن لا يُجاوِز تَراقِيَهم، وايمُ الله ما أدري لعلَّ أكثرهم منكم، ثم تولَّى عنهم. فقال عمرو بن سلَمة: رأينا عامَّة أولئك الحِلَق يُطاعِنُوننا يوم النهروان مع الخوارج! أدب أبي موسي - رضي الله عنه فانظر إلى أدب أبي موسي - رضي الله عنه - وهو صحابي جليل ولكنه رجع إلى عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - فأنكر عليهم عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، وهنا فائدة عظيمة وهي أهمية رجوع الداعِيَة إلى مَن هو أعلم منه أو أفقه في واقعة معيَّنة إذا ما تطلَّب الأمر، ولا سيَّما إذا أَشْكَلَ الأمر عليه ولم يَتَّضِح، فالواجب عليه أن يتوقَّف وأن يكون له مرجعيَّة، كما فعل أبو موسى مع ابن مسعود - رضي الله عنهم جميعًا. تحرُّك الداعِيَة وتفاعُله ومن الفوائد المهمة في هذا الحديث وجوب تحرُّك الداعِيَة إلى الله وتفاعُله مع مجتمعه، فعبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - لَمَّا سمع عن أمر هذه الحلق، أتاها وزجر أصحابها، وهذا هو عمل أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأئمَّة الدين، فإنكار الداعِيَة إلى الله على مَن خرج عن الجماعة بقول أو فعل ليس من هديهم أمر في غاية الأهمية؛ لأن الحقَّ يدور مع الجماعة؛ إذ لا يجتَمِعون أبدًا على ضلالة، وكما قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: هؤلاء صحابة نبيِّكم - صلى الله عليه وسلم - مُتوافِرون، ولم يصدر منهم الذي تَفعَلون، بل ولم يَستَسِيغوه، فكيف تُقِيمون عليه؟ الرجوع إلى العُلَماء الربانيين كذلك فمن أراد الخير والبركة والسكينة والطمأنينة فليكن مع العلماء الربانيين، فعن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «البركة مع أكابركم»، فتقديم العلماء واجب في كل أمر جليل وفي كل خطب جلل، وهذا مثال يرويه أبو مسعود الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلمًا»(رواه مسلم)، يقول النووي شارحًا: «ولا يختص هذا التقديم بالصلاة، بل السنة أن يقدم أهل الفضل في كل مجمع إلى الأمام».اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
#39
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – نعم في الدنيا جنَّة
اليوم بعدما انتهيت من إعداد هذه الكلمة والاستعداد لها بدأت أقلب في تويتر فوجدت مقالةً قد كتبها أحد الفضلاء، وعندما قرأت هذه المقالة عزمت على أن أغير تلك الكلمة، لأني في الحقيقة وجدت المقالة جذابة ومؤثرة ومهمة في آنٍ واحد من حيث الأسلوب، وكذلك من حيث المضمون، وقد صدّر كاتب هذه المقالة مقالته بتساؤل بديع إذ تساءل: هل في الدنيا جنة؟ في الحقيقة جذبني هذا العنوان، وعندما قرأت المقالة كاملة وجدت أن الكاتب قد أبدع وأجاد وتفنن في استحضار الأدلة والأحاديث وأقوال السلف في بيان أن في الدنيا جنة، وهي المقدمة لجنة الآخرة. جنة الدنيا في أمرين وجنة الدنيا إنما تكون في أمرين: الإيمان والعمل الصالح، واللذان نقرؤهما في أصغر سورة في كتاب الله -عز وجل-: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، هذا من الإيمان ومن العمل الصالح، وهكذا وجدت الكاتب قد وضعنا أمام قضية مهمة، وهي أن جنة الدنيا إنما تكمن في الإيمان بالله -تعالى- بأسمائه وصفاته، كما ذكر شيخ الاسلام ابن تيمية وابن القيم ومن تبعهما، مثل الإمام السعدي -رحمة الله عليه- في تفسيره أن الانسان إذا آمن بأسماء الله -عز وجل- وصفاته وعلمها، ثم دخل ذلك العلم في قلبه فقد بدأ مشوار الدخول في هذه الجنة، التي لايمكن الدخول لها إلا من هذه البوابة بوابة العلم والإيمان. العمل بطاعة الله -عز وجل فإذا دخل هذا الايمان في قلبك تدخل إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة العمل بطاعة الله -عز وجل- لتمارس الإيمان عمليا، هنا الإنسان يعيش في سعادة وفي متعة لا تستطيع أن تقارنها أبدًا بأي متع الدنيا، واستشهد الكاتب هنا باستشهاد رائع وهو قول الله -عز وجل-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. نحن في جنة ولكننا لا ندري لذلك إخواني ذلك المقال جعلني أتفكر وأتأمل أننا لدينا أشياء كثيرة وإننا في جنة ونحن لا ندرك أننا في جنة، فإسلامك جنة، وإيمانك بشعبه جنة، وعملك الصالح بأنواعه جنة، استقامتك والتزامك بدين الله -عز وجل- على منهج السلف الصالح جنة، دعوتك إلى الله -عز وجل- جنة، قراءتك للقرآن، صدقاتك، أعمال البر جنة، برك للوالدين وصلتك بأرحامك جنة، ومعارفك بأحبابك وخلانك تلك جنة، والأصل أن تدخل إلى كل تلك الفروع من الباب الأصلي، وإلا تعرض المرء لخطورة قول الله -تعالى-: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا}. بساتين تلك الجنة أما الذي يدخل من الباب الأصلي والمدخل الأوحد لتلك الجنة وهو باب الإيمان بالله -تعالى- والعمل الصالح، ثم بعد ذلك يتنعم في بساتين تلك الجنة ويرتقي بفروعها ويقطف من ثمارها ويتنعم بظلالها وأشجارها يكن على يقين أنه إن مات على هذا الإيمان فإنه يكون مستبشرا بقول الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}. أجاد الكاتب في تلك المقالة ففي الحقيقة لقد أجاد هذا الكاتب في تلك المقالة حقيقةً، فأما الكاتب فهو الأخ الكريم الشيخ سالم الناشي، وأما المقال فستجدونه في مجلة الفرقان في صفحة (أوراق صحفية)؛ لذا فهي مقالة مهمة جدا أعادت لنا بوصلة إدراك نعيم المؤمن في الدنيا، ووضعت نصب أعيننا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ» والحديث ليس للحصر وإنما هناك نعم أخرى مغبونٌ فيها كثير من الناس، مثل: العمل الصالح والاستقامة والمنهج الصحيح والدعوة إلى الله -تعالى-، وأعمال خير لا يدرك أنه كان بها في جنة إلا عندما يسلب الله -عز وجل- منه جزءا منها أو كلها -عافانا الله وإياكم من ذلك. ذِكر الله جنة الدنيا قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، تطمئنُّ بإحساسها بالصلة بالله، والأنس بجواره، والأمن من جانبه وفي حماه، تطمئنُّ من قلق الوحدة وحيرة الطريق، بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير، وتطمئنُّ بالشعور بالحماية من كل اعتداء، ومن كل ضر ومن كل شر إلا بما يشاء، مع الرضا بالابتلاء، والصبر على البلاء، وتطمئنُّ برحمته في الهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة، ذلك الاطمئنان بذِكر الله في قلوب المؤمنين حقيقة عميقة، يعرفها الذين خالطت بشاشةُ الإيمان قلوبَهم فاتصلت بالله. وليس أشقى على وجه هذه الأرض ممن يُحرَمون طمأنينة الأنس بالله، ليس أشقى ممن ينطلق من هذه الأرض مقطوع الصلة بما حوله، ليس أشقى ممن يعيش لا يدري لِمَ جاء؟ ولمَ يذهب؟ ولمَ يعاني ما يعاني في الحياة؟ وإن هناك للحظات في الحياة لا يصمد لها بشرٌ إلا أن يكون مرتكنًا إلى الله، مطمئنًّا إلى حماه، مهما أوتي من القوة والثبات والصلابة والاعتداد؛ ففي الحياة لحظات تعصف بهذا كلِّه، فلا يصمد إلا المطمئنُّون بالله. فالذِّكر من أفضل القربات وأسمى العبادات، بل هو مصدر سكينة القلوب: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)، والذكر لهج باللسان، وخشوع في القلب والجنان، ومناجاة للرحمن؛ ليبقى الإنسان في اتصال دائم بالملأ الأعلى، والقوى العظمى، التي تعينه على الصبر ومواصلة الطريق. جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثُرت، فأَخبِرْني بشيء أتشبَّث به، فقال: «لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله»، وتدبَّرْ حديث أبي الدرداء ومعاذ بن جبل، أن رسول الله قال: «ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرٍ من إنفاق الذهب والوَرِقِ، وخيرٍ لكم من أن تَلْقَوْا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟»، قلنا: بلى، قال: «ذكر الله -عز وجل»، فالذكر يُرضي الرحمن، ويطرد الشيطان، ويملأ القلب غنى وانشراحًا، والذكر يجلب الرزق، ويفرِّج الكرب، وينفِّس الهمَّ، والذكر يكسو وجهَ الذاكر مهابة وجلالًا ونضرة.اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
#40
|
||||
|
||||
رد: خواطر الكلمة الطيبة
خواطر الكلمة الطيبة – المؤمن مرآة أخيه
روى الإمام البخاري في كتابه الماتع (الأدب المفرد)، وما أحوج الأمة لمثل هذا الكتاب! والإمام البخاري -رحمة الله عليه- ما اكتفى بما ألفه في صحيح البخاري فأفرد هذا الموضوع في كتاب منفصل سماه: (الأدب المفرد)؛ لأن هؤلاء العلماء وهؤلاء المحدثين يعلمون أن قضية الآداب والأخلاق إنما هي قضية عظيمة في دين الله -عز وجل. ولأهمية هذه القضية تجدها في أبواب العلم كافة، ففي باب العقيدة: تزكية النفس أي: أن تكون موحدا لله -عز وجل-، وفي باب الاقتداء: أن تكون مقتديا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي باب الصحابة -رضي الله عنهم-، أن تكون مثلهم في باب المعتقد وباب العمل، وكذلك في باب المعاملات التي تتحدث عن معاملة الوالدين والأرحام والجيران والإحسان إليهم، أو التعامل مع خلق الله -عز وجل- في البيع والشراء والعقود، وهذا أيضا يحتاج إلى أخلاق، واختصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا كله كما جاء في حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنهما- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن». باب: المؤمن مرآة أخيه والإمام البخاري بوب باب (المؤمن مرأة أخيه) واستدل عليه بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمِنُ مرآةُ المؤمنِ إذا رأى فيهِ عَيبًا أصلحَهُ»، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - شبَّه الإنسان بصاحبه بالمرآة، كأنه لو نظر في المرآة ووجد شيئا غير صالح أصلحه، فضلا عن أن الإنسان مرآة أخيه أعظم من مرآة وجهه؛ لأن المرآة الحقيقية إذا التفت الإنسان فلا يستطيع أن يرى ظهره، لكن صاحبه يراه من الأمام ومن الخلف ومن جميع جوانبه فيحميه فهو ظهر له؛ فإذا رأى عيبا أصلحه، فمرآة الأخوة أعظم بكثير من المرآة الحقيقية؛ ولهذا حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصحبة الصالحة فقال: «لا تُصاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، ولا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»، حتى ولو كان من الأرحام، فما بالك لو كان أبعد! كأن يكون جارا أو زميلا وغير ذلك؛ لأن الصاحب المؤمن يكون أشد منك على نفسك، فإذا وجدك تغرق في الآثام والشهوات ينصحك، وبفضل الله نصيحته تجعلك تنجو وتسلك طريق صراط الذين أنعم الله عليهم وبعدها يكون هو سبب في دخولك جنة الله -سبحانه وتعالى. سيرة الصحابة -رضي الله عنهم وإذا قرأت جيدا في سيرة الصحابة تجد هذا المثل واضحًا، كيف كان يحرص بعضهم على بعض وينصح ويهدي بعضهم بعضًا؟ فانظر إلى الصحابي عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: «بَايَعْنَا رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في العُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وعلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وعلَى أَلا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ، وعلَى أَنْ نَقُولَ بالحَقِّ أَيْنَما كُنَّا، لا نَخَافُ في اللهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ»، وهذا حق المسلمين بعضهم على بعض، فواجب على المسلم ألا يقصر في النصحية مع أولاده وإخوانه وجيرانه وأهله وزملائه في العمل، فمن الناس من يرى تقصير صاحبه بعينه ولا يخطو خطوة النصيحة إليه والله المستعان، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»؛ فلا تقصر في النصحية لأخيك، وأقول لك ابدأ أول الطريق بالاختيار الصحيح (الصاحب الصالح) ليكن لك مرآة؛ فيصلحك إذا رأى منك اعوجاجا عن الطريق الصحيح. أهمية الصحبة الصالحة خاطب الله -تعالى- نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف: 28)؛ أي: جالس الذين يذكرون الله ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه، ويسألونه ويدعونه في الغداة والعشي، سواء كانوا فقراءَ أم أغنياءَ، وقال -تعالى-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (التوبة: 119)، فهذا التوجيه الرباني والإرشاد الإلهي، فيه حث للمؤمن أن يعيش في بيئة يكون فيها الصدق سائدًا، والبر مسيطرًا؛ فإن فساد البيئة الفكرية والخلقية يؤدي إلى عموم الفساد، والبيئة الصالحة تهذب أفرادها، وتجعل الشر يختفي، والخير يظهر. وقد ضرب - صلى الله عليه وسلم - مثلًا للجليس الصالح والجليس السوء، في أن الأول ينتفع به في كل الأحوال، وأن الثاني يضر صاحبه فقط، ففي الحديث عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ: إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً». والغرض من ضرب هذا المثل، هو النهي عن مجالسة من تؤذي مجالسته في دين أو دنيا، والترغيب في مجالسة من تنفع مجالسته فيهما، ولهذا، فإن المسلم عليه أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار؛ لأنها تجعل الشرير خيرًا، كما أن مصاحبة الأشرار قد تجعل الخيِّرَ شريرًا، قال بعض الحكماء: من صحب خيرًا أصابته بركته، فجليس أولياء الله لا يشقى، ولو لم يكن إنسانًا، مثل كلب أهل الكهف، فإن الله -تعالى ذكره- في كتابه العزيز، فقال: {وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ} (الكهف: 18)، ثم إن العاقل يلزم صحبة الأخيار؛ لأن مودة الأخيار سريع اتصالها، بطيء انقطاعها، ومودة الأشرار سريع انقطاعها، بطيء اتصالها. هذا، وإنه من ثمرات ملازمة الصالحين ومحبتهم، النزول منزلتهم يوم القيامة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَا أَعْدَدْتَ لِلسَّاعَةِ؟ قَالَ: حُبَّ اللهِ وَرَسُولِهِ، قَالَ: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا، بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحًا أَشَدَّ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: فَإِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ، قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ، وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِأَعْمَالِهِمْ.اعداد: د. خالد سلطان السلطان
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |