شرح كتاب الحج من صحيح مسلم - الصفحة 4 - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 13468 - عددالزوار : 466700 )           »          حق الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 77 )           »          هَمَسات .. في كلمات ... (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 33 - عددالزوار : 8063 )           »          إشاعة الفاحشة بضغوط الخارج ووسائل الإعلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 84 )           »          دُرَر مختصرة من أقوال الصحابة رضي الله عنهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 121 )           »          نعمة الاختبار في الأبناء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 70 )           »          عش حياتك يوما بيوم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 131 )           »          نقطة الضعف المدمـرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          المصلحون يصنعون الفرص (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 71 )           »          أهمية التوحيد في بناء الأسرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > ملتقى الحج والعمرة
التسجيل التعليمـــات التقويم اجعل كافة الأقسام مقروءة

ملتقى الحج والعمرة ملتقى يختص بمناسك واحكام الحج والعمرة , من آداب وأدعية وزيارة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 10-11-2024, 03:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,687
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: في النُّزُول بمَكّة للحَج


- ضَرَبَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بنفْسِه المثلَ الأكمَلَ في كلِّ العِباداتِ والتعامُلاتِ ومِن ذلك: أحكامُ التَّوارُثِ بيْن المسلِمِ والكافرِ وبيانُ عدَمِ التَّوارُثِ بيْنهما
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟» وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ، وَلَمْ يَرِثْهُ جَعْفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ شَيْئًا، لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَيْنِ، الحديث رواه مسلم في الحج (2/984) باب: النّزولُ بمكة للحَاج، وتوريث دورهما، ورواه البخاري في الحج (1588) باب: توريث دور مكة وبيعها وشرائها، وأنّ الناس في المسجد الحرام سواء خاصة؛ لقوله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج:25)، البادي: الطّاري، مَعكوفاً: محبوسًا، فالحديث متفق عليه.
يَرْوي أسامةُ بنُ زيدٍ - رضي الله عنه - في هذا الحَديثِ فيقول: أنَّه سَأَلَ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم-، وذلك عندَ فتْحِ مكَّةَ كما في الرواية الأخرى لمسلم، وهي في السَّنةِ الثامنةِ مِن الهِجرةِ، فقال له: أينَ سَيَنزِلُ ويُقيمُ غدا؟ هل في دُورِه التي تَرَكَها قبْلَ الهِجرةِ في مكَّةَ؟ فقال له: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنْزِلُ فِي دَارِكَ بِمَكَّةَ؟ فَقَالَ له - صلى الله عليه وسلم-: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِنْ رِبَاعٍ أَوْ دُورٍ؟» والرَّباع بفتح الراء، جمع ربع: وهو المَنْزل المُشْتمل على أبيات، وقيل: هو الدار. أي: بَيِّن له النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- أنَّه لا مَكانَ له في دُورِ أبي طالِبٍ، ولا غَيرِه مِن قَومِه في مَكَّةَ؛ وذلك لأنَّ المُؤمِنَ لا يَرِثُ الكافر.
لا يرث المُؤمن الكافر
وكان عقيلُ قد ورث أبا طالب، هو وطالب، ولمْ يَرثه جعفر ولا عليّ - رضي الله عنه - شيئًا؛ لأنّهما كانا مُسلمين، وكان عقيل وطالب كافرين، ولا يرث المُؤمن الكافر، وقد فسَّر الرَّاوي -ولعلَّه أسامةُ رضي الله عنه - أنَّه لَمَّا مات أبو طالِبٍ عمُّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وَرِثَه ابناهُ الكافرانِ: عَقيلٌ وطالبٌ، وحازا كلَّ مُمتلكاتِه المُشتملةِ على عِدَّةِ بُيوتٍ، ولم يَرِثْه جَعْفَرٌ وعَلِيٌّ المؤمنانِ، ولو كانا وارثَين؛ لنَزَلَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ في دُورِهما، وكانت كأنَّها مِلكُه؛ لِعلمِه بإيثارِهِما إيَّاه على أنفُسِهما. وفي رواية البخاري: فكان عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ - رضي الله عنه - يقولُ: لا يَرِثُ المُؤمِنُ الكافِرَ. والمرادُ أنَّه كان يقولُ ذلك؛ بِناءً على ما أقَرَّه - صلى الله عليه وسلم- مِن عدَمِ وِراثةِ علِيٍّ وجَعفرٍ -رَضيَ اللهُ عنهما- مِن أبي طالبٍ.
ولاية الميراث
وقالَ ابنُ شِهَابٍ الزُّهريُّ كما في رواية البخاري: إنهم كَانُوا يَتَأَوَّلُونَ قَولَ اللهِ -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (الأنفال: 72)، فيُفسِّرون الوِلايةَ في هذه الآيةِ: بوِلايةِ المِيراثِ، وتَتمَّتُها: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ}(الأنفال: 72-73). والمعنى: إنَّ الذين آمَنوا باللهِ ولم يُهاجِروا مِن بَلَدِ الكفْرِ إلى بَلَدِ الإسلامِ، ليس عليكمْ -أيُّها المؤمِنون- أنْ تَنصُروهم وتَحمُوهم حتَّى يُهاجِروا في سَبيلِ اللهِ، وإنْ ظَلَمَهم الكفَّارُ، فطَلَبوا منْكم النَّصرَ؛ فانْصُروهم على عَدُوِّهم، إلَّا إذا كان بيْنكم وبيْن عَدُوِّهم عَهْدٌ لم يَنقُضوه، واللهُ بما تَعمَلون بَصيرٌ، لا يَخْفَى عليه شَيءٌ مِن أعمالِكم، وسيُجازيكم عليها. والذين كَفَروا باللهِ يَجمَعُهم الكفْرُ، فيُناصِرُ بَعضُهم بَعضًا، فلا يُواليهم مُؤمنٌ، إنْ لم تُوالُوا المؤمنين وتُعادُوا الكافرينَ تَحدُثْ فِتنةٌ للمُؤمنينَ؛ حيث لم يَجِدوا مَن يُناصِرُهم مِن إخوانِهم في الدِّينِ، ويَحدُثْ فَسادٌ في الأرضِ عَظيمٌ بالصَّدِّ عن سَبيلِ اللهِ.
ترك النبي - صلى الله عليه وسلم- لتصرفات الجاهلية
قال الحافظُ ابن حجر: وأخرج هذا الحديث الفاكهي من طريق محمد بن أبي حفصة، وقال في آخره: ويقال إنّ الدار التي أشار إليها؛ كانت دار هاشم بن عبد مناف، ثم صارت لعبدالمطلب ابنه، فقسمها بين ولده حين عمر، فمِن ثَمَّ صار للنّبيّ - صلى الله عليه وسلم- حقّ أبيه عبد الله، وفيها وُلد النّبي - صلى الله عليه وسلم . ثم قال: محصل هذا أنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - لما هاجر؛ اسْتولى عقيل وطالب على الدار كلّها، باعتبار ما ورثاه منْ أبيهما، لكونهما كانا لمْ يُسلما، وباعتبار ترك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لحقّه منها بالهِجْرة، وفقد طالب ببدر، فباع عقيل الدار كلّها. وقال الداودي وغيره: كان مَنْ هاجر مِنَ المؤمنين؛ باع قريبه الكافر داره، وأمْضى النبيّ - صلى الله عليه وسلم- تصرُّفات الجاهلية؛ تأليفًا لقُلوب مَنْ أسلم منهم». الفتح (3/452).
المقصود بالمسجد في الآية
وقوله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج: 25)، قال القاضي إسماعيل: ظاهر القرآن يدلّ على أنّ المراد به: المسجد الذي يكون فيه النُّسُك والصّلاة، لا سائر دُور مكة، وقال ابن خزيمة: لو كان المراد بقوله -تعالى-: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} (الحج: 25)، جميع الحَرَم، وأنّ اسم المَسْجد الحرام واقعٌ على جميع الحَرم؟ لما جاز حفرُ بئرٍ ولا قبر، ولا التّغوّط ولا البول، ولا إلقاء الجِيَف والنتن، قال: ولا نعلم عالِماً منع من ذلك، ولا كرِه لحائضٍ ولا لِجُنب دُخُول الحرم، ولا الجِماع فيه، ولو كان كذلك، لجازَ الاعتكاف في دُور مكة وحَوانيتها، ولا يقول بذلك أحد، والله أعلم؛ انتهى. «الفتح» (3/451)، واحتج الشافعي بحديث أسامة هذا؛ على جواز بيع دُور مكة وتِجارتها؛ قال الحافظ: وبالجواز قال الجمهور. الفتح (3/ 450).
من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم
قول عمر - رضي الله عنه -: «لا يرث المؤمن الكافر»، هو من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم-، رواه البخاري في كتاب الفرائض بلفظ: «لا يَرثُ المُسْلمُ الكافر، ولا الكافرُ المسلم». وللنسائي: «لا يَتَوارَثُ أهلُ مِلتين»، وحملها الجمهور على أن المراد بإحدى الملتين الإسلام، وبالأخرى الكفر. قال الحافظ: «وهو أَولى مِنْ حملها على ظاهر عمومها، حتى يمتنع على اليهودي مثلًا أنْ يَرثَ مِنَ النصراني، والأصح عند الشافعية أنّ الكافرَ يرث الكافر، وهو قول الحنفية والأكثر». الفتح (12/51). وقال البخاري: باب لا يرثُ المُسلمُ الكافر، ولا الكافرُ المُسلم، وإذا أسلمَ قبل أنْ يُقْسم الميراث؛ فلا ميراثَ له. البخاري (8/194). قال الحافظ: أشار إلى أنّ عُمُومه يتناول هذه الصورة، فمن قيَّد عدم التوارث بالقسمة احتاج إلى دليل؛ قال ابن المنيِّر: صورة المسالة إذا مات مسلم وله ولدان مثلًا مسلم وكافر، فأسلم الكافر قبل قسمة المال، قال ابن المنذر: ذهبَ الجُمْهور إلى الأخذ بما دلّ عليه عُمُوم حديث أسامة. انتهى. والحديث دليل على انقطاع التوارث بين المُسْلم والكافر، قال الموفق ابن قدامة: مَنْ لمْ يرث لمعنى فيه، كالمُخَالف في الدّين، والرّقيق، والقَاتل، فهذا لا يَحْجبُ غيره، في قول عامّة أهلِ العلم. ولا يَرثُ المُسْلم الكافر، ولا الكافر المسلم، لا بالنّسَب، ولا بالولاء، في قول جمهور العلماء، وهو رواية عن أحمد. «المغني» (14/94).
فوائد الحديث
1- ضَرَبَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- بنفْسِه المثلَ الأكمَلَ في كلِّ العِباداتِ والتعامُلاتِ، ومِن ذلك: أحكامُ التَّوارُثِ بيْن المسلِمِ والكافرِ، وبيانُ عدَمِ التَّوارُثِ بيْنهما. 2- وفيه: مَشروعيَّةُ تَوريثِ دُورِ مكَّةَ ومَنازلِها، وكذا بيعها وشِراؤها.


اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 17-11-2024, 02:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,687
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: الرَّمَلُ في الطّوافِ والسّعْي



  • الحَجُّ هو الرُّكن الخَامس مِنْ أرْكان الإسلام وهو عِبادةٌ تَوقيفيَّةٌ عَلَّمَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصْحابَه بالفِعلِ وبالقَولِ
  • الرّمل لا يكونُ إلا في الثلاثة أشواط الأول مِنَ الطواف والرَّمَل اصْطِلاحًا هو الإسْراعُ في المَشيِ مع تقارُبِ الخُطَى للرجال دون النساء
عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَانَ إِذَا طَافَ فِي الْحَجِّ والْعُمْرَةِ، أَوَّلَ مَا يَقْدَمُ، فَإِنَّهُ يَسْعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ يَمْشِي أَرْبَعَةً، ثُمَّ يُصَلِّي سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ يَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا والْمَرْوَةِ، وعَنْ جَابِرِ بْنِ عبداللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَمَلَ مِنْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ، ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، وعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: أَرَأَيْتَ هَذَا الرَّمَلَ بِالْبَيْتِ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، ومَشْيَ أَرْبَعَةِ أَطْوَافٍ، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ؟ قَالَ فَقَالَ: صَدَقُوا، وكَذَبُوا؟ قَالَ قُلْتُ: مَا قَوْلُكَ صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ مَكَّةَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّداً وأَصْحَابَهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ مِنْ الْهُزَالِ، وكَانُوا يَحْسُدُونَهُ، قَالَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثًا، ويَمْشُوا أَرْبَعًا، قَالَ قُلْتُ لَهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا، أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَوْمَكَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ؟ قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا، قَالَ قُلْتُ: ومَا قَوْلُكَ صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - كَثُرَ عَلَيْهِ النَّاسُ، يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ، هَذَا مُحَمَّدٌ، حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنْ الْبُيُوتِ، قَال: وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا يُضْرَبُ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيْهِ رَكِبَ، والْمَشْيُ وَالسَّعْيُ أَفْضَلُ.
  • الحديث الأول: رواه مسلم في الحج (2/930) باب: اسْتِحباب الرَّمَل في الطَّواف والعُمرة، وفي الطّواف الأول مِنَ الحجّ، ورواه البخاري في الحج (1603، 1604)، في هذا الحَديثِ: يَروي عبداللهِ بنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم - كان إذا طافَ طَوافَ القُدومِ أوِ العُمرةِ، أسرَعَ في الأشواطِ الثَّلاثةِ الأُولى، وهو ما يُسمَّى الرَّمَلَ، ويَمشي في الأربعةِ الباقيةِ، وفي لفظ البخاري: «أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ إذَا طَافَ بالبَيْتِ الطَّوَافَ الأوَّلَ، يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ، ويَمْشِي أَرْبَعَةً...».
قوله: «ثلاثة وأرْبعة»
وأما قوله: «ثلاثة وأرْبعة» فمُجمع عليه، وهو أنّ الرّمل لا يكونُ إلا في الثلاثة الأول مِنَ السبع، والرَّمَل اصْطِلاحًا: هو الإسْراعُ في المَشيِ، مع تقارُبِ الخُطَى، وهو دُون الوثوبِ والعَدْوِ، ويُسَمَّى أيضاً: الخَبَب. وقوله: «ثمّ يُصلّي سَجْدتين» فالمُرادُ ركعتي الطّواف، وهما سُنّة على المَشْهور مِنَ مذاهب العلماء، وسمّاهما سَجدتين مَجازاً. وقوله: «ثمَّ يَطوفُ بين الصّفَا والمَرْوة» ففيه: دليلٌ على وجوب الترتيب بين الطواف والسعي، وأنّه يُشْترط تَقدّم الطّواف على السّعي، فلو قدم السعي، لمْ يصح السّعي، قال النووي: وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور.
الحديث الثاني
رواه مسلم في الباب نفسه، وفيه أيضاً: مَشروعيَّةُ الرَّمَلِ في الأشْواطِ الثلاثةِ في الطَّوافِ حَولَ الكعبةِ، من الحَجر الأسود حتى ينتهي إليه.
الحديث الثالث
هذا الحديث رواه مسلم في الباب نفسه، ورواه البخاري في الحج (1602) باب: كيفَ كانَ بدء الرَّمَل؟ وقوله: «قلتُ لابن عباس: أرأيت هذا الرّملَ بالبيت، ثلاثةَ أطْواف، ومَشْي أربعة أطواف، أسُنّة هو؟ فإنّ قومَكَ يَزْعمُون أنّه سُنّة. فقال: صَدَقوا وكذبوا...»، يعني: أنّهم صَدَقوا في أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَعَله، وكذَبُوا في قولهم: إنّه سُنّةٌ مَقصُودة مُتأكّدة؛ لأنّ النّبي - صلى الله عليه وسلم - لمْ يَجْعله سُنّةً مطلوبة دائماً على تكرّر السّنين، وإنّما أمَرَ به تلك السَّنَة، لإظْهار القُوّة عند الكفّار، وقد زَالَ هذا المعنى.
أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بالرمل
وهو قَوله في الرواية الأخرى: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ مَكَّةَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وأَصْحَابَهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ مِنْ الْهُزَالِ، وكَانُوا يَحْسُدُونَهُ، قَالَ: فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثًا، ويَمْشُوا أَرْبَعًا..». والهزال أي: الضّعف والوَهَن، وفي رواية لمسلم: «قد وهَنتْهم الحُمّى، ولقوا منْها شِدّة»، هذا معنى كلام ابن عباس -رضي الله عنهما-، وهذا الذي قاله مِنْ كون الرّمل ليس سُنّةً مَقْصودة؟ هو مذهبه، وخالفه جميعُ العُلَماء مِنَ الصّحابة والتابعين وأتباعهم، ومَنْ بَعدهم، فقالوا: هو سُنّة في الطّوافاتِ الثلاثِ مِنَ السّبع، فإنْ تَرَكه فقد تَركَ سُنّة، وفاتته فضيلة، ويَصحّ طَوافه، ولا دَمَ عليه. وقال الحسن البَصري والثوري وعبدالملك بن الماجشون المالكي: إذا تَركَ الرّمل، لَزِمه دَمٌ؟ وكان مالك يقولُ به، ثمّ رَجع عنه. ودليل الجُمهور: أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - رَمَلَ في حَجّة الوَداع في الطَّوافات الثلاث الأول، ومَشَى في الأرْبع، ثمّ قال - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك: «لتأخُذُوا منَاسِكَكُم عنّي». والله أعلم. (انظر النووي).
فائدة: هلْ على النِّساءِ رَمَلٌ؟
ليسَ على النِّساءِ رمَلٌ في الطَّوافِ، وقد نقلَ الإجْماعَ على ذلك: ابنُ المنذر في «الإجماع» (ص: 55)، الطحاوي، وابن عبدالبر في «التمهيد» (2/78)، وابن بطال، وابن رشد، وغيرهم. قوله: «قلتُ له: أخْبرني عن الطّواف بين الصّفا والمَرْوة رَاكباً، أسُنّةٌ هو؟ فإنّ قومك يَزعُمُون أنّه سُنّة؟ قال: صَدقوا وكذبُوا... إلى آخره، يعني: أنّهم صَدَقوا في أنّه - صلى الله عليه وسلم - طَافَ راكباً، وكذَبُوا في أنّ الرُّكوبَ أفْضَل، بل المَشْي أفضَل، وإنّما رَكِبَ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - للعُذْر الذي ذَكرَه، وهو أنّ الناس ازْدَحمُوا عليه - صلى الله عليه وسلم -، ممّا دعاه للرُّكوب على الناقة، وهذا الذي قاله ابنُ عباس هنا مُجْمعٌ عليه، فقد أجْمع العلماء على أنّ الرُّكوبَ في السّعي بين الصّفا والمَرْوة جائز، وأنّ المَشْي أفْضل منْه، إلا لعُذر. قوله: «حتّى خَرَج العَواتقُ مِنَ البيوت» والعَواتقُ: جمع عاتق، وهي البِكرُ البَالغة، أو المُقاربة للبُلُوغ، وقيل: التي تَتَزوج. سُمّيت بذلك، لأنّها عَتَقت منْ استْخدام أبويها، وابْتذالها في الخُرُوج والتّصرّف، الذي تَفعله الطفلة الصّغيرة.
فوائد الحديث
  • أنّ الرَّمَلُ يكونُ في الأشواطِ الثَّلاثةِ الأُولى في العُمْرة، وفي طَوافِ القُدومِ في الحَج.
  • وفيها: أنّ السَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ، يكون بعدَ الطّواف بالبَيت، ولا يصحّ قبله.
  • وفيها: جَوازُ إطْلاقِ لَفظِ «الطَّوافِ» على السَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ.
  • وأنّ الحَجُّ وهو الرُّكن الخَامس مِنْ أرْكان الإسلام، عِبادةٌ تَوقيفيَّةٌ، عَلَّمَها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أصْحابَه بالفِعلِ وبالقَولِ، وقد نَقَلوا لنا صِفةَ هذه العِبادةِ كما رَأوْها وسَمِعوها، وكما أدَّوْها معه - صلى الله عليه وسلم -، ورَضيَ اللهُ عنْهم.



اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 29-11-2024, 12:26 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,687
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: اسْتِلامُ الرُّكنَينِ اليَمَانِيين في الطَّوَاف



تَقبيل الحَجَرِ الأسوَدِ مِنَ السُّنَنِ المُستحبّة لمَن قَدِرَ عليه فإنْ لم يَقدِرْ فلا يُؤذِ النَّاسَ
الإيمانُ مَبنيٌّ على التَّسليمِ للهِ تعالى ولِرَسولِه صلى الله عليه وسلم في كُلِّ الأوامِرِ والنَّواهي سَواءٌ ظهَرَ لِلمُؤمِنِ العِلَّةُ أم لم تَظهَرْ
أجْمعت الأمّةُ على اسْتحباب اسْتلام الرُّكنين اليمانيين واتّفق الجماهير على أنّه لا يُمْسح الرُّكنين الآخرين واسْتحبّه بعضُ السّلف
عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: مَا تَرَكْتُ اسْتِلَامَ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ: الْيَمَانِيَ وَالْحَجَرَ، مُذْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُهُمَا ، فِي شِدَّةٍ ولَا رَخَاءٍ، وعن ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُ غَيْرَ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَيْن ِ. في الباب حديثان، رواهما مسلم في الحج، في (2/924-925) باب: اسْتحبابُ اسْتلام الرُّكنين اليَمَانيين في الطّواف، دُون الرُّكنين الأخرين، وقد رواهما البخاري في الحَج (1608، 1609) باب: مَنْ لمْ يَسْتلم إلا الرُّكنين اليمانيين.
في الحديثِ الأول: يَروي نافعٌ مَولى ابنِ عُمَرَ، أنَّ عبداللهِ بنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أخبَرَ عن نَفْسِه: أنَّه ما تَرَكَ استِلامَ الرُّكنَيْنِ اليَمانِيَيْنِ -وهما الحَجَرُ الأسوَدُ، والرُّكنُ اليَمانِيُ، اللَّذانِ في جِهَةِ اليَمنِ- والاسْتلام: هو المَسح باليد، يقال: استلمتُ الحَجَر إذا لَمَسته، فالاستِلامُ هو المَسحُ باليَدِ عليهما، ويُزادُ مع الحَجَرِ الأسوَدِ التَّقبيلُ.
الحجر الأسود
والحَجَر الأسْود هو في الزَّاوية القَريبة مِنْ باب الكعبة، والحَجَر ليس أسْود اللون، بل أحْمر إلى السّواد، لكنّه بالنسبة لبقية حِجارة الكعبة أسود، وعُرِف بهذا الاسم منْ بناء الكعبة، وهو مَوضُوعٌ على ارتفاع ذِراعين وثُلثي ذراعٍ مِنَ الأرض، والرُّكن الذي قَبله منْ جِهة الشّرق، هو الرُّكنُ اليَماني، ومِنَ المعلوم أنّ الطائف يجعل الحَجَر على يَساره ويَطوف.
استلام النبي - صلى الله عليه وسلم - للحجر الأسود
قوله: «مُذْ رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُهُمَا » مُذْ، أي: مُنذ رأيته يَستلمهما، وفي رواية: «يفعله» أي: يفعل الاسْتلام، وقوله: «في شدّةٍ ولا رَخَاء» أي: سواءً كان في زِحامٍ أو فُسْحة، في ضِيقٍ، ولا سَعةٍ، بل في كُلِّ الأحوالِ، مُنذُ رُؤيتِه النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَستلِمُهما. وقد قال اللهُ -تعالى-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: 21).
اسْتلام الرُّكنين اليمانيين
قال النووي: وقد أجْمعت الأمّةُ على اسْتحباب اسْتلام الرُّكنين اليمانيين، واتّفق الجماهير على أنّه لا يُمْسح الرُّكنين الآخرين، واسْتحبّه بعضُ السّلف، وممّن كان يقول باسْتلامهما: الحَسَن والحُسين ابنا عليّ، وابن الزبير، وجابر بن عبدالله، وأنس بن مالك، وعروة بن الزبير، وأبو الشعثاء جابر بن زيد -رضي الله عنهم-، قال القاضي أبو الطيّب: أجْمعت أئمّة الأمْصَار والفقهاء: على أنّهما لا يُسْتلمان، قال: وإنّما كان فيه خلافٌ لبعض الصّحابة والتابعين، وانْقَرضَ الخِلاف، وأجمعوا على أنّهما لا يُسْتلمان، والله أعلم. (شرح النووي). وكان النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لا يَستلِمُ ويَمسَحُ بيَدِه مِنَ الكَعبةِ، غيرَ الرُّكنَيْنِ اليَمانِيَّيْنِ : رُكنِ الحَجَرِ الأسوَدِ، والرَّكنِ اليَمانِيِّ، وذلك لأنَّهما على القَواعِدِ الإبراهيميَّةِ، ففي الرُّكنِ الأسوَدِ فَضيلتانِ: كَونُ الحَجَرِ فيه، وكَونُه على القَواعِدِ، وفي الثَّاني الثَّانيةُ فقطْ، ومِن ثَمَّ خُصَّ الأوَّلُ بمَزيدِ تَقبيلِه دُونَ الثَّاني.
تَقبيل الحَجَرِ الأسوَدِ
وليُعلَمْ أنَّ تَقبيلَ الحَجَرِ الأسوَدِ مِنَ السُّنَنِ المُستحبّة لمَن قَدِرَ عليه، فإنْ لم يَقدِرْ فلا يُؤذِ النَّاسَ، بل عليه أنْ يَضَعَ يَدَه عليه مُستَلِماً، ثمّ يَرفَعَها ويُقَبِّلَها، فإنْ لم يَقدِرْ قام بحِذائِه وأشارَ نَحوَه وكَبَّرَ، ولا يُقبّل يده، وكان عبداللهِ بنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَمشي بَينَهما ولا يَرمُلُ، لِيَكونَ ذلك أيسَرَ وأرفَقَ لاستِلامِه، لِيَقْوَى عليه عِندَ الازدِحامِ، وهذا يَدُلُّ على أنَّه كان يَرمُلُ في الباقي مِنَ البَيتِ. وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كما سبق قد أمَرَ أصحابَه في عُمرةِ القَضاءِ أنْ يَمشُوا ولا يَرمُلوا بَينَ الرُّكنَينِ، حتى لا يَتعَبوا، ثمَّ يُسرِعوا في بَقيَّةِ الطَّوافِ حَولَ البَيتِ، في الأشْواطِ الثَّلاثةِ الأُولى، ثم إنَّه - صلى الله عليه وسلم - رَمَلَ في طَوافِه أوَّلَ قُدومِه في حَجَّةِ الوَداعِ مِنَ الحَجَرِ إلى الحَجَرِ ثلاثًا، ومَشَى أربَعًا، فاستقَرَّتْ سُنَّةُ الرَّمَلِ على ذلك مِنَ الحَجَرِ إلى الحَجَرِ، لأنَّه المُتأخِّرُ مِن فِعلِه - صلى الله عليه وسلم .
فوائد الحديث
فَضيلةُ الصحابي ابنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-، لِشِدَّةِ حِرصِه على تَتبُّعِ آثارِ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - والعَملِ بها.
وفيه: أنّ الإيمانُ مَبنيٌّ على التَّسليمِ للهِ -تعالى- ولِرَسولِه - صلى الله عليه وسلم - في كُلِّ الأوامِرِ والنَّواهي، سَواءٌ ظهَرَ لِلمُؤمِنِ العِلَّةُ، أم لم تَظهَرْ.
وأنّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيَّنَ مَناسِكَ الحَجِّ والعُمرةِ وأعمالَهما، بالقَولِ والفِعلِ، وبَيَّنَ ما يَجوزُ، وما لا يَجوزُ فيهما.
الحديث الثاني
وهو حديثُ ابن عباس -رضي الله عنهما- فيقُولُ: لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَسْتَلِمُ غَيْرَ الرُّكْنَيْنِ اليَمَانِيَيْنِ ، وهو تأكيدٌ لما سَبق، مِنْ أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لمْ يكنْ يَسْتلم مِنَ الأرْكان الأرْبَعة للكعبة، إلا الحَجَر الأسْود، والرُّكن اليَمَاني. - ولرُكن الحَجَر فَضِيلتان: الفضيلة الأولي: كونه على قواعد إبْراهيم -عليه الصّلاة والسّلام.
الفضيلة الثانية: وكون الحَجَر الأسود فيه.
- والرُّكن اليَماني له فضيلةٌ واحدة، وهو كونه على قواعد إبْراهيم. وليس للشّامي والعِراقي شَيء مِنْ هذا، فإنّ تأسِيسهما خارجٌ عن أسْاس إبْراهيم -عليه الصّلاة والسّلام-؛ حيثُ أخرج الحَجَر مِنَ الكعبة منْ جِهتهما؛ ولهذا فإنّه يُشْرع اسْتلام الحَجَر الأسْود وتَقْبيله، ويُشْرع اسْتلام الرّكن اليماني بلا تَقبيل، ولا يُشرع في حقّ الرُّكنين الباقيين اسْتلامٌ ولا تَقبيل، والشّرعُ مَبْناه على الاتّباع، لا على الإحْدَاث والابتداع، ولله -تعالى- في شَرعه حِكَمٌ وأسْرار، وقد روى البخاري: في الحج (1608) باب: مَنْ لمْ يَسْتلم إلا الرُّكنين اليمانيين.
ومَنْ يَتّقي شَيئاً مِنَ البَيت؟
عن أبي الشّعْثاء أنّه قال: ومَنْ يَتّقي شَيئاً مِنَ البَيت؟ وكان معاويةُ يَسْتلم الأرْكان، فقال له ابنُ عباس -رضي الله عنهما-: إنّه لا يُسْتلمُ هَذَان الرُّكْنان، فقال: ليسَ شَيءٌ مِنَ البيتِ مَهْجُوراً، وكان ابنُ الزبير -رضي الله عنهما- يَسْتلمهنّ كلّهن، ورواه الإمام أحمد: عن ابنِ عباس: أنَّهُ طافَ مع مُعاويةَ بالبَيتِ، فجعَلَ مُعاويةُ يَستَلِمُ الأركانَ كُلَّها؛ فقال له ابنُ عبَّاسٍ: لِمَ تَستَلِمُ هذَينِ الرُّكنَينِ، ولم يَكُنْ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَستَلِمُهما؟ فقال مُعاويةُ: ليس شَيءٌ مِنَ البَيتِ مَهجوراً. فقال ابنُ عبَّاسٍ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: 21)؛ فقال مُعاويةُ: صَدَقتَ. قال الحافظ: ويُؤخذ منه: حِفظُ المَرَاتب، وإعْطاء كلّ ذِي حَقٍّ حقّه، وتَنزيل كلّ أحَدٍ مَنزلته. وأجابَ الشّافعي عن قول مَنْ قال: ليسَ شَيءٌ مِنَ البَيتِ مَهْجُوراً، بأنّا لمْ نَدَع اسْتلامهما هَجْراً للبيت، وكيف يَهْجُره وهو يطُوف به؟ ولكنّا نَتّبعُ السُّنّة فِعلاً أو تَرْكاً، ولو كان تركُ استلامهما هَجْراً، لكان تَركُ اسْتلام ما بين الأرْكان هَجْراً لها، ولا قائلَ به. (الفتح).

اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 10-12-2024, 02:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,687
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: الطَّوافُ على الرّاحلة



  • في الحديث جواز الطَّواف راكبًا على الرَّاحلةِ ويُلحَقُ بها ما في مَعْناها كالكَراسيِّ المُتحرِّكةِ ونَحوِها ولا سيما إذا كانتْ هناك مَصلَحةٌ مِنَ الرُّكوبِ
  • اسْتلامُ الحَجَرِ الأسْودِ سُنّة نبويّة ومَن عجَزَ عنِ اسْتلامِه بيَدِه استَلَمَه بعَصاً ونحوِها بشرط ألا يؤذي بها الناس
  • الإسلامُ دِينُ السَّماحةِ والتَّيسيرِ ومِن ذلك تَيسيرُه على المَرضى وأصحابِ الأعذارِ في أعمالِ الحَجِّ والعُمرةِ
عنْ جَابِرٍ - رضي الله عنه - قَالَ: طَافَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بِالْبَيْتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، يَسْتَلِمُ الحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ، لِأَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، ولِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ، فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ. الحديث رواه مسلم في الحج (2/927) باب: جواز الطواف على بعيرٍ وغيره، واسْتلام الحجر بمِحجن ونحوه للراكب. يُخبِرُ جابرُ بنُ عبدِ اللهِ -رضي الله عنهما- أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - طافَ بالبَيتِ الحَرامِ في حَجَّةِ الوَداعِ، وهي الحَجَّةُ الَّتي حَجَّها النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وكانت في السَّنةِ العاشرةِ مِنَ الهِجرةِ، سُمِّيَت بذلك؛ لأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان كالمُوَدِّعِ لهم، ولمْ يَلبَثْ كثيراً بعدَها حتَّى توفَّاه اللهُ -عزَّ وجَلَّ.
قوله: «عَلى راحلَتِه»
قوله: «عَلى راحلَتِه»، تُطلَقُ على كلِّ دابَّةٍ أُعِدَّت للرُّكوبِ، وكان - صلى الله عليه وسلم - في تلك الحَجَّةِ راكبًا على ناقةٍ، وكان - صلى الله عليه وسلم - يَلمَسُ الحَجرَ الأسْودَ بِمِحجَنِه، وهوَ العَصا المُعوَجَّةُ الطَّرفِ. وفي صَحيحِ مُسلمٍ: عن أبي الطُّفَيلِ - رضي الله عنه - قال: «ويُقبِّلُ المِحْجَنَ»؛ لأنَّ مِنْ سُننِ الطَّوافِ تَقبيلَ الحَجرِ الأسْوَدِ، فلمَّا عجَزَ عنِ اسْتلامِه بيَدِه، اسْتَلَمَه بعصًا، وقبَّلَ ما استَلَمَ. ثُمَّ بيَّنَ جابرٌ - رضي الله عنه -: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - إنّما رَكِبَ ناقتَه ليَسهُلَ على النَّاسِ رُؤيتُه، وليَكونَ في مَكانٍ مُرتفعٍ حتَّى يُميِّزَه النَّاسُ، وليَتمَكَّنوا مِن سُؤالِه عمَّا أَشْكلَ عَليهم مِن مَناسكِ الحجِّ، وفعَلَ ذلك لأنَّ النَّاسَ «غَشُوه» أي: ازدَحَموا عليه، فخَشيَ عليهم من هذا التَّزاحُمِ، وكذلك حتَّى لا يَضطَرَّ أنْ يَصرِفَ النَّاسَ عنه، فكان رُكوبُه أيسَرَ له ولهم، وأكثَرَ فائدةً للاقْتِداءِ به، وليَرَوْه ويَسْألوه عمَّا بَدا لهم.
فوائد الحديث
  • جواز الطَّوافُ راكبًا على الرَّاحلةِ، ويُلحَقُ بها ما في مَعْناها كالكَراسيِّ المُتحرِّكةِ ونَحوِها، خُصوصاً إذا كانتْ هناك مَصلَحةٌ مِنَ الرُّكوبِ، كإفْتاءِ النَّاسِ وتَعْليمِهم، وكذا جواز الطّواف راكباً مع العُذر كما سيأتي؛ والمشي أفضل، وإنّما ركبَ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - للمَصلحة، وهي أنّ الناس قد غَشوه وتكاثروا عليه، فأراد أنْ يُفيدهم ويَسْتفيدوا منه؛ بأنْ يكون في مكانٍ مُرتفع فيسألونه، وأيضًا: قد تكاثر عليه الناس؛ منْهم مَنْ يريد النّظر إلى صفة طوافه، ومنهم مَنْ يُريد النظر إلى شَخْصه الكريم؛ فازْدحموا عليه، ومنْ كمال رأفته بأمّته، ومساواته بينهم: أنْ ركبَ على بعير، يطوف عليه؛ ليتَسَاوى الناس في رؤيته والنّظر إليه.
  • وفيه: أنّ اسْتلام الحَجَرِ الأسْودِ سُنّة نبويّة، وأنَّ مَن عجَزَ عنِ اسْتلامِه بيَدِه -لرُكوبٍ أو زِحامٍ أو غيرِه- استَلَمَه بعَصاً ونحوِها، بشرط ألا يؤذي به الناس.
  • وفيه أنّ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بَيَّنَ مَناسِكَ الحَجِّ والعُمرةِ وأعْمالَهما، بالقَولِ والفِعلِ، وبيَّنَ ما يَجوزُ وما لا يَجوزُ فيهما.
  • وأنّ السُّنّة أنْ يستلم الحجرَ ويُقبل يده، وإذا لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء، وقبّل ذلك الشّيء.
  • وفيه: إظْهار العالم أفْعاله مع أقواله؛ لتَحصل به القدوة الكاملة والتعليم النافع.
  • وفيه: كمال خُلُق النبي وشفقته على أمّته - صلى الله عليه وسلم -، ومُراعاته لهم.
  • جواز إدْخال الحيوان الطّاهر إلى المسجد، إذا لم يترتب على إدخاله أذية للآخرين.
  • وقد استدلّ بالحديث أيضًا: على طَهارة بول ما يُؤكل لحمه، منْ حيثُ إنّه لا يُؤمن بولُ البعير في أثناء الطّواف في المَسْجد، ولو كان نَجسًا؛ لم يُعرّض النبي - صلى الله عليه وسلم - المَسْجد للنّجاسة.
باب: الطّواف راكبًا لعُذر
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنِّي أَشْتَكِي، فَقَالَ: «طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وأَنْتِ رَاكِبَةٌ» قَالَتْ: فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ، وَهُوَ يَقْرَأُ: بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ. الحديث رواه مسلم في الحج في الموضع السابق، ورواه البخاري في الحج (1633) باب: المريض يطوف راكباً.
في هذا الحَديثِ تَروي أُمُّ سَلَمةَ -رضي الله عنها- أنَّها شَكَتْ إلى رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أنَّها مريضة، وأنّ مرَضها يَمنَعُها مِنَ المَشيِ في الطَّوافِ، فرَخَّصَ لها بالطَّوافِ مِن وَراءِ النَّاسِ، وهي راكبةٌ على بَعيرِها، فطافَتْ كذلك. قولها: «فَطُفْتُ ورَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَئِذٍ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ» أي: كان رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي إلى الكَعبةِ مُتَّصِلًا بجِدارِها، مِن أجْلِ أنَّ المَقامَ كان حِينَئذٍ مُلصَقًا بالبيتِ قَبلَ أنْ يَنقُلَه عُمَرُ مِن ذلك المكانِ، والبَيتُ كُلُّه قِبلةٌ. وكان - صلى الله عليه وسلم - يصلي صَلاةَ الصُّبحِ، وكان يَقرَأُ بِسورةِ: (وَالطُّورِ* وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ).
فوائد الحديث
  • التَّيسيرُ على الحُجّاج، وجواز الطّواف حال الركوب، وطَوافُ المَريضِ راكبًا إنْ لمْ يَستطِعِ المَشيَ من التخفيف، فالإسلامُ دِينُ السَّماحةِ والتَّيسيرِ، ومِن ذلك: تَيسيرُه على المَرضى، وأصحابِ الأعذارِ، في أعمالِ الحَجِّ والعُمرةِ.
  • وفيه: أنَّ النِّساءَ يَطُفنَ وَراءَ الرِّجالِ، ولا يَختلِطنَ بهم؛ لأنَّ ذلك أستَرُ لهنَّ، ولأنّ الطواف بالبيتِ كالصّلاة، ومِنَ السُّنّة في صلاة الجماعة: أنْ يتأخّرن عن صُفوف الرجال، فكذا في الطّواف.
  • وفيه: أنَّ مَن يَطوفُ وَقتَ صَلاةِ الجَماعةِ لِعُذرٍ، فلا يطوف بين المُصلين وبين البيت؛ لئلا يَشْغل الإمام والناس، فيُؤذيهم، بل يَطوفُ مِن وَراءِ النَّاسِ، والراكب عليه أيضاً: أنْ يَجْتنبَ ممّرَ الناس ما اسْتطاع، فلا يُخالط المُشاة؛ لئلا يؤذيهم.
  • وفيه: اسْتحباب قُرب الإمام مِنَ البيت الحَرام في الصّلاة.
  • وفيه: قراءة النّبي - صلى الله عليه وسلم - بسُورة الطُّور في صَلاة الصُّبح.



اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 17-12-2024, 02:05 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,687
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: الطواف بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ … وقوله -تعالى-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} البقرة: 158.



  • الحَجُّ عِبادةٌ تَوقيفيَّةٌ عَلَّمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه إيَّاها بالفِعلِ والقَولِ وقد نَقَلوا لنا صِفةَ هذه العِبادةِ كما رَأوْها وأدَّوْها معه صلى الله عليه وسلم ورَضيَ اللهُ عنهم
  • الحَديثُ يُوضِّحُ جانباً مِن جَوانبِ حجِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَداعِ فَقد كانَ قارنًا بيْنَ الحجِّ والعُمرةِ لأنَّه كانَ معَه الهَديُ ولِذلكَ سَعَى هو ومَنْ كان مثله سَعياً واحدًا
عن عُرْوَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ -رضي الله عنها-: مَا أَرَى عَلَيَّ جُنَاحًا، أَنْ لَا أَتَطَوَّفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟ قَالَتْ: لِمَ قُلْتُ؟ لِأَنَّ اللَّهَ -عز وجل- يَقُولُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الْآيَةَ، فَقَالَتْ: لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، لَكَانَ: فلا جناح عليه أن لا يطوّف بهما، إِنَّمَا أُنْزِلَ هَذَا فِي أُنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، كَانُوا إِذَا أَهَلُّوا أَهَلُّوا لِمَنَاةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا قَدِمُوا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لِلْحَجِّ، ذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ -تعالى- هَذِهِ الْآيَةَ، فَلَعَمْرِي، مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ مَنْ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
الحديث أخرجه مسلم في الحج (2/928) باب: بيان أنّ السّعي بين الصّفا والمروة ركنٌ لا يصح الحجّ إلا به، وقد أخرجاه في الصحيحين مطولاً: عن عُروة قلت: أرأيتِ قول الله -تعالى-: {إنّ الصّفا والمروة مِنْ شعائر الله فمَنْ حجّ البيت أو اعتمر فلا جُناح عليه أنْ يطوّف بهما} قلت: فوالله، ما على أحدٍ جُناحٌ ألا يطوف بهما، فقالت عائشة: بئسما قلت يا ابنَ أخْتُي! إنّها لو كانت على ما أوّلتها عليه، كانت: فلا جناح عليه ألا يطّوف بهما، ولكنها إنّما أنزلت أن الأنصار كانوا قبل أنْ يُسْلموا كانوا يُهلّون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المُشلّل، وكان مَنْ أهلّ لها، يتحرّجَ أنْ يطوّف بالصّفا والمَروة، فسألوا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسُول الله، إنا كنّا نتحرّج أنْ نطوف بالصّفا والمروة في الجاهلية، فأنزلَ الله -عز وجل-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّه} إلى قوله: { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} قالت عائشة: «ثمّ قد سنّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الطّوافَ بهما، فليس لأحَدٍ أنْ يَدعَ الطّواف بهما». وروى البخاري (1648) أيضًا: عن عاصم بن سليمان قال: قُلتُ لأنَسِ بنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -: أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ؟ قالَ: نَعَمْ، لأنَّهَا كَانَتْ مِن شَعَائِرِ الجَاهِلِيَّةِ حتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (البقرة: 158). وفي صحيح مسلم: من حديث جابر الطويل، وفيه: أنّ رسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لمّا فَرَغَ مِنْ طَوافه بالبيت، عاد إلى الرُّكن فاسْتَلمه، ثمّ خَرَج منْ بابَ الصّفا، وهو يقول: {إنّ الصّفا والمَرْوة منْ شعائر الله} ثُمّ قال: «أبْدَأ بما بَدَأ الله به». وفي رواية النسائي: «ابْدؤوا بمَا بَدَأ اللهُ به»، فكلُّ هذه الأحاديث وغيرها، دلّت على مَشْروعية السّعي بين الصّفا والمروة.
وجوب السعي على الحاج
وفي حَديثِ الباب: يَروي التَّابِعيُّ عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ أنَّه سَألَ خالتَه أُمَّ المُؤمِنينَ، عائِشةَ -رضي الله عنها-، عن مَعنى قَولِ اللهِ -عز وجل-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} (البقرة: 158)؛ حيثُ فَهِمَ منها أنَّ السَّعيَ غَيرُ واجِبٍ على الحاجِّ، فأجابَتْه بأنَّه قد أخطَأ في فَهمِه، وأنَّ الآيةَ أُنزِلَتْ في الأنْصارِ؛ حيثُ كانوا قَبلَ أنْ يُسلِموا، يَحُجُّونَ لِصَنمٍ يُسَمَّى: مَناةَ، عِندَ المُشَلَّلِ، وهو جَبلٌ بَينَ مَكَّةَ والمَدينةِ، يُهبَطُ منه إلى قُدَيْدٍ، فكان مَنْ حَجَّ مِنَ الأنصارِ بعد الإسْلام، يَرى أنّ في السَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ إثمًا عَظيما؛ لأنَّهما كان فيهما صَنمانِ يَعبُدُان منْ دون الله، وهما إسافٌ ونائِلةُ، وكانوا يَكرَهونَهما. فلَمَّا أسلَموا سَألوا رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَن ذلك، فأنزلَ اللهُ -تعالى- هذه الآيةَ، فبَيَّنَ لهم أنَّه لا إثمَ عليهم في السَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ، كما كانوا يَظُنُّونَ؛ لأنَّ السَّعيَ بَينَهما مِن شَعائرِ اللهِ، أيْ: مِن مَناسِكِ الحَجِّ والعُمرةِ، وقال الزُّهريُّ: ثمّ أخبَرتُ أبا بَكرِ بنَ عبدالرَّحمنِ بحَديثِ عائِشةَ، فأعجَبَه ذلك، وقال: إنَّ هذا لَعِلْمٌ، أيْ: إنَّ كلامَ عائِشةَ -رضي الله عنها- لَعِلْمٌ ما كُنتُ سَمِعتُه. ثمّ بَيَّنَ أنَّه سَمِعَ رِجالًا مِن أهلِ العِلمِ قالوا بغَيرِ الذي قالَتْه عائِشةُ -رضي الله عنها-، فإنَّهم لم يَخُصُّوا سَبَبَ نُزولِ الآيةِ بطائِفةٍ واحِدةٍ، وهي الأنصارُ الذين كانوا يَتحرَّجونَ مِنَ الطَّوافِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ، بل ذَكَروا طائِفةً أُخرى عَكْسَها، مِمَّن كان يُهِلُّ بمَناةَ، فكانوا يَطوفونَ كُلُّهم بالصَّفا والمَروةِ ولا يَتحرَّجونَ، فلَمَّا ذَكَرَ اللهُ -تعالى- الطَّوافَ بالبَيتِ ولم يَذكُرِ الصَّفا والمَروةَ في القُرآنِ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، كنَّا نَطوفُ بالصَّفا والمَروةِ في الجاهليَّةِ، وإنَّ اللهَ أنزَلَ في القُرآنِ الطَّوافَ بالبَيتِ، فلم يَذكُرِ الصَّفا والمَروةَ، فهل علينا مِن إثْمٍ أنْ نَطوفَ بالصَّفا والمَروةِ؟ وإنَّما سَألوا عن ذلك بِناءً على ما ظَنُّوه مِن أنَّ التَّطوُّفَ بِهما مِن فِعلِ الجاهليَّةِ، فأنزَلَ اللهُ -تعالى-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}، قال أبو بَكرٍ: فأسمَعُ هذه الآيةَ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ} نزَلَتْ في الفَريقَيْنِ كِلَيْهما، في الأنصارِ الذين كانوا يَتحرَّجونَ، وقَومٍ مِنَ العَربِ الذين كانوا يَطوفونَ ثم تَحرَّجوا أنْ يَطوفوا بهما في الإسلامِ.
فوائد الحديث
1- مشروعية السّعي بين الصفا والمروة، وأنّه مِنْ شعائر الله في الحجّ والعمرة. 2- أهميَّةُ تَدارُسِ العِلمِ بَينَ العُلَماءِ وتَلاميذِهم؛ لِتَصويبِ المَفاهيمِ الخَطَأِ، وبيان الحقّ منَ الباطل. 3- الحَجُّ عِبادةٌ تَوقيفيَّةٌ، عَلَّمَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أصحابَه إيَّاها بالفِعلِ والقَولِ، وقد نَقَلوا لنا صِفةَ هذه العِبادةِ كما رَأوْها وأدَّوْها معه - صلى الله عليه وسلم -، ورَضيَ اللهُ عنهم.
باب: الطَّوافُ بالصَّفَا والمَرْوة سُبْعاً واحداً
عن جَابِرِ بْنِ عبداللَّهِ - رضي الله عنه - قال: لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ولَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًاً وَاحِدًا. الحديث رواه مسلم في الحج (/930) باب: بيان أنّ السّعي لا يُكرّر. يقولَ جابرُ بنُ عبداللهِ -رَضيَ اللهُ عنهما-: «لم يَطُفِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ولا أَصْحابُه بيْنَ الصَّفا والمَروةِ إلَّا طوافًا واحدًا». وفي رِوايةٍ زادَ: «طوافَه الأَوَّلَ» أي: إنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا، وكذا مَن كان مَعَه كان قارناً، لم يَسعَوْا بيْنَ الصَّفا والمَروةِ إلَّا سَعياً واحداً، وهوَ السَّعيُ الَّذي كانَ معَ طَوافِ القُدومِ، والقارِنُ يَكْفيهِ طَوافٌ واحِدٌ، وسَعيٌ واحدٌ؛ لأنَّ أفْعالَ العُمرةِ تَندرِجُ في أفْعالِ الحجِّ.
الَّذين تمتَّعوا بالعُمرةِ إلى الحجِّ
أمَّا الَّذين تمتَّعوا بالعُمرةِ إلى الحجِّ: فعليهم سَعْيانِ: سَعْيٌ لعُمرَتِهم، وسَعيٌ لحَجِّهم يومَ النَّحرِ، يُوضِّحُ ذلكَ ما رَواه البُخاريُّ -واللَّفظُ له- ومُسلمٌ: عن عائشةَ -رضي الله عنها- قالتْ: «فطافَ الَّذينَ كانوا أَهلُّوا بالعُمرةِ بالبَيتِ وبينَ الصَّفا والمَروةِ، ثُمَّ حلُّوا، ثُمَّ طافوا طَوافًا آخرَ بعدَ أنْ رَجَعوا مِن منًى». أي: مَن كان مُتمتِّعًا، «وأمَّا الَّذين جَمَعوا الحجَّ والعُمرةَ» أي: مَن كان قارنًا «فإنَّما طافوا طَوافًا واحدًا».
فوائد الحديث
1- الإِهْلالُ بالحج إمَّا أنْ يَكونَ إفْراداً، أو قِراناً، أو تمتُّعاً بالعُمرةِ إلى الحجِّ. 2- القارن يكفيه سعيٌّ واحد، كما في حديث الباب، إمّا أنْ يجعلَه بعد طواف القُدُوم، كما فعلَ النّبيّ -عليه الصلاة والسلام-، أو بعد طواف الإفاضة، أو بعد طواف الوداع، ولا يُعيد الطواف حينئذٍ. وأمّا المتمتع فإنّه يسَعى سعيين: سَعياً لعُمْرته، ثمّ سعياً آخر لحجّه يوم النّحر. 3- وفيه: تسمية السّعي طوافًا. 4- الحَديثُ يُوضِّحُ جانباً مِن جَوانبِ حجِّ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في حَجَّةِ الوَداعِ، فَقد كانَ قارنًا بيْنَ الحجِّ والعُمرةِ؛ لأنَّه كانَ معَه الهَديُ؛ ولِذلكَ سَعَى هو ومَنْ كان مثله سَعياً واحداً.


اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 17-12-2024, 02:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,687
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: ما يلزم مَنْ أحْرَمَ بالحَجّ ثمّ قَدِمَ مكّة مِنَ الطّوافِ والسّعي



  • كان التَّابِعونَ يَسألونَ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم فيما أشكَلَ عليهم مِن شَرائِعَ وعِباداتٍ وكانوا مِنْ أحرَصِ النَّاسِ على تَعلُّمِ سُنَّةِ رَسولِ اللهِ [ واتباعها
  • الجِماع مِن مَحظوراتِ الإحرامِ بل هو أشَدُّها حتى يَقضيَ المُحرِمُ مَناسِكَه ويَحِلَّ منها فلا يجوز الجِماع للمُحْرم بالحج أو العمرة حتى يَتحلّل وإذا جامع في العُمرة قبل الفراغ منْ سعيها فسَدَت العمرة
عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: كُنْتُ جَالِساً عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ، قَبْلَ أَنْ آتِيَ الْمَوْقِفَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا تَطُفْ بِالْبَيْتِ، حَتَّى تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالْبَيْتِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ، فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ، أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟»، وفي رواية: رأينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحْرَم بالحجّ، وطَافَ بالبيت، وسَعَى بينَ الصّفا والمَرْوة.
عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: عَنْ رَجُلٍ قَدِمَ بِعُمْرَةٍ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟ فَقَالَ: «قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ، وبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعاً، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وفي الباب حديثان، رواهما مسلم في الحج (2/905) وبوّب عليه بمثل تبويب المصنف.
الحَديثِ الأول
في الحَديثِ الأول: يَرْوي التَّابِعيُّ وَبَرةُ بنُ عبدالرَّحمنِ الكوفيُّ أنَّ رجُلًا سَأل عبداللهِ بنَ عُمرَ -رضي الله عنهما-: هَل يصِحُّ أنْ أَطُوفَ بالْبَيتِ بعدَ الإِحْرامِ، وقبلَ الوُقوفِ بعَرفةَ؟ وفي رواية لمُسلم: «وقد أحرَمتُ بالحجِّ» أي: أفرَدَ الإحْرامَ بالحجِّ، ولمْ يكنْ مُتمتِّعًا ولا قارِناً، سألَه ابنُ عُمرَ -رضي الله عنهما-: وأيُّ شيءٍ يَمنعُكَ مِن أنْ تَبدأَ بالطَّوافِ؟! وهذا دَليلٌ عَلى مُوافَقةِ ابنِ عُمرَ عَلى مشروعيّة الطَّوافِ أوَّلًا. فقالَ الرَّجلُ السَّائلُ: فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لَا تَطُفْ بِالْبَيْتِ، حَتَّى تَأْتِيَ الْمَوْقِفَ؟ وفي رواية: «إنِّي رأيتُ ابنَ فُلانٍ» يقصِدُ عبداللهِ بنَ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- «يَكرهُهُ» أي: كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يَنهى عن الِابْتداءِ بالطَّوافِ، قبلَ قُدُومِ عَرَفةَ. فقَالَ له ابْنُ عُمَرَ: فَقَدْ حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطَافَ بِالْبَيْتِ، قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمَوْقِفَ، فَبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحَقُّ أَنْ تَأْخُذَ، أَوْ بِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا؟». وفي رواية لمسلم: «وأنتَ أَحبُّ إلينا مِنه، رأينَاه قدْ فتَنَته الدّنيا» يقصِدُ أنَّه يقدِّمُ قولَ ابنِ عُمرَ على قولِ ابنِ عبَّاسٍ -رَضيَ اللهُ عنهم-، مُدَّعيًا أنَّ ابنَ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قد فَتنَتْه الدُّنيا؛ لأنَّه كان واليًا على البَصرةِ من قِبَلِ ابنِ عمِّه عليِّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنه -، والوِلاياتُ تكونُ محلَّ الخطَرِ والفِتْنةِ، وأمَّا ابنُ عُمَرَ فلم يتوَلَّ شيئاً. فقال له ابنِ عُمرَ -رضي الله عنهما-: «وأيُّنا لمْ تَفتِنْه الدُّنيا» وهذا مِن إنْصافِه، وتَواضُعِه وزُهدِه، وردّه على طَعنِ الرَّجلِ على ابنِ عبَّاسٍ - رضي الله عنه -، وبَيانًا منه لفَضلِ عبداللهِ بنِ عبَّاسٍ -رضي الله عنهما. ثُمَّ أخبَرَ ابنُ عُمرَ -رضي الله عنهما- أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أحْرمَ بالحجِّ، وَطافَ بالبَيتِ طوافَ القُدومِ سَبعةَ أشْواطٍ، وسَعى بينَ الصَّفا والمَروةِ، يَعني: أنَّه ابتدَأَ بالطَّوافِ والسَّعيِ قبلَ الخُروجِ إلى مِنًى وعَرفةَ. قالَ العلماء: إنْ كان المُحْرِمُ مُفرِدًا بالحجِّ، وقَعَ طَوافُه هذا للقُدومِ، وإنْ كان مُفرِداً بالعُمرةِ أو مُتمتِّعاً أو قارِنًا، وقَعَ عن طَوافِ العُمرةِ نَواه له أو لغَيرِه، وعلى القارِنِ أنْ يطوفَ طَوافًا آخَرَ للقُدومِ. والمشهورُ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه أحرَمَ قارِنًا لحَجَّةٍ وعُمرةٍ معًا، فكان طوافُه - صلى الله عليه وسلم - لعُمرتِه، ثُمَّ أُدخِلتِ العُمرةُ في أعْمالِ الحجِّ. وقد ذكر الصحابي الجليل ابنُ عُمرَ -رضي الله عنهما- للرَّجلِ قاعدةً يتَّبِعُها في طلَبِه للعِلمِ، وهي أنَّ سُنَّةَ اللهِ وسُنَّةَ رَسولِه - صلى الله عليه وسلم - أَحقُّ وأوْلى في الاتِّباعِ مِن قولِ فلان، وسُنَّةِ فُلانٍ. وقولُه: «إنْ كُنتَ صادِقًا» مَعناه: إنْ كُنتَ صادِقًا في اتِّباعِكَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَلا تَعدِلْ عن فِعلِه.
فوائد الحديث
  • وَرَعُ الصَّحابةِ عنِ خَوضِ بَعضِهم في أعْراضِ بعضٍ.
  • وفيه: عَدمُ القَبولِ بتَزكيةِ النَّفْسِ في مَعرِضِ ازْدِراءِ الآخَرينَ.
الحديث الثاني
الحديث الثاني رواه البخاري في العمرة (1793) باب: متى يَحلُّ المعتمر؟ وفي هذا الحَديثِ يَروي التَّابِعيُّ عَمرُو بنُ دِينارٍ أنَّهم سَألوا عبداللهِ بنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: هل يَجوزُ أنْ يُجامِعَ الرَّجُلُ زَوجتَه وهو في العُمرةِ قَبلَ السَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ؟ ومعلومٌ أنَّ الجِماعَ مِن مَحظوراتِ الإحرامِ بل هو أشَدُّها حتى يَقضيَ المُحرِمُ مَناسِكَه ويَحِلَّ منها، فلا يجوز الجِماع للمُحْرم بالحج أو العمرة، حتى يَتحلّل، وإذا جامع في العُمرة قبل الفراغ منْ سعيها، فسَدَت العمرة، ولزم المضي والاستمرار فيها، ثم قضاؤها من مكان الإحْرام بالأولى، مع ذبح شاةٍ عن كلّ واحدٍ منكما، تُذبحُ وتُوزع على فقراء مكة.
وأمّا الجماع بعد السعي وقبل الحلق أو التقصير، فلا تفسد به العمرة، لكن تلزم فيه الفدية على التخيير. فأخبَرَه ابنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَدِمَ مَكَّةَ، فطافَ بالبَيتِ الحرامِ سَبعةَ أشواطٍ، ثم صلَّى رَكعتَيْنِ خَلفَ مَقامِ إبراهيمَ، ثم سَعى بَينَ الصَّفا والمَروةِ، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب: 21)، يُريدُ ابنُ عُمَرَ بذلك: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - لم يكُنْ يَفعَلُ شيئًا مِمَّا ذكَرَه السَّائِلُ قَبلَ السَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ.
وَجهُ الاستِدلالِ
ووَجهُ الاستِدلالِ: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَلَ العُمرةَ شَيئًا واحِدًا له أجزاءٌ: الطَّوافُ والصَّلاةُ خَلفَ المَقامِ، والسَّعيُ بَينَ الصَّفا والمَروةِ، ثم الحلق أو التقصير، فهذه أجزاءُ العُمرةِ، فلا يَصِحُّ أنْ يَقَعَ الرَّجُلُ على زَوجتِه بَينَ أجزائِها. وقد سألَ عَمرُو بنُ دِينارٍ جابِرَ بنَ عبداللهِ -رضي الله عنهما- أيضًا عن ذلك، فقال له جابِرٌ - رضي الله عنه -: لا يَقرَبِ الرَّجُلُ امرأتَه حتى يَطوفَ بَينَ الصَّفا والمَروةِ». رواه البخاري (1794)، أي: حتى يُتِمَّ عُمرَتَه بكُلِّ نُسُكِها، ويَحلِقَ أو يُقصِّرَ شَعرَه، ثم له أنْ يَتحلَّلَ ويُباشِرَ ما يَحِلُّ له.
فوائد الحديث
  • مَشروعيَّةُ إطلاقِ لَفظِ (الطَّوافِ) على السَّعيِ بَينَ الصَّفا والمَروةِ.
  • كان التَّابِعونَ يَسألونَ الصَّحابةَ -رَضيَ اللهُ عنهم- فيما أشكَلَ عليهم مِن شَرائِعَ وعِباداتٍ، وكانوا مِنْ أحرَصِ النَّاسِ على تَعلُّمِ سُنَّةِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - واتباعها.



اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 24-12-2024, 01:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,687
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم – باب: في دُخُولِ الكَعْبة والصّلاة فيها والدُّعَاء



  • كان أصْحابُ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حريصين على معرفة سُنَّةِ النَّبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم واتّباعها والعمل بها وكان مِن أحرَصِهم على ذلك عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنهما
  • الكَعبةُ المُشرَّفةُ هي بيتُ اللهِ العتيقُ ولها مكانةٌ عظيمةٌ في قلوبِ المسلمينَ وقد صلَّى النبيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم في جَوْفِها وداخِلَها عامَ فتحِ مكَّةَ
عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - يَوْمَ الْفَتْحِ فَنَزَلَ بِفِنَاءِ الكَعْبَةِ، وأَرْسَلَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ فَجَاءَ بِالمِفْتَحِ فَفَتَحَ الْبَابَ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلَ النَّبِيُّ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - وبِلَالٌ وأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، وأَمَرَ بِالْبَابِ فَأُغْلِقَ، فَلَبِثُوا فِيهِ مَلِيًاً، ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَادَرْتُ النَّاسَ فَتَلَقَّيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - خَارِجاً، وبِلَالٌ عَلَى إِثْرِهِ، فَقُلْتُ لِبِلَالٍ: هَلْ صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - اللهِ صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَيْنَ؟ قَالَ: بَيْنَ العَمُودَيْنِ، تِلْقَاءَ وَجْهِهِ. قَالَ: ونَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى؟ وعن ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَسَمِعْتَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: إِنَّمَا أُمِرْتُمْ بِالطَّوَافِ، ولَمْ تُؤْمَرُوا بِدُخُولِهِ! قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَنْهَى عَنْ دُخُولِهِ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ، دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، ولَمْ يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ في قُبُلِ الْبَيْتِ رَكْعَتَيْنِ. وقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ قُلْتُ لَهُ مَا نَوَاحِيهَا أَفِي زَوَايَاهَا؟ قَالَ بَلْ فِي كُلِّ قِبْلَةٍ مِنْ الْبَيْتِ.
في الباب حديثان، رواهما مسلم في الحج (2/966) باب: استحباب دُخول الكعبة للحاج وغيره، والصلاة فيها، والدعاء في نواحيها كلها.
الحَديث الأوّل
يُخبِرُ عَبدُ اللهِ بنُ عُمرَ -رضي الله عنهما- أنَّ النَّبيَّ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - جاء يومَ فَتحِ مكَّةَ، وذلك في السَّنةِ الثَّامِنةِ مِن الهِجْرةِ، وكان يَركَبُ خَلْفَه أُسامةُ بنُ زَيدٍ - رضي الله عنه - على ناقَتِه الَّتي تُسمَّى القَصْواءَ، وكان معَه بِلالُ بنُ رَباحٍ وعُثْمانُ بنُ طَلْحةَ -رضي الله عنهما-، فأناخَ النَّبيُّ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - راحِلَتَه عندَ البَيتِ الحَرامِ، وبعَثَ إلى عُثْمانَ بنَ طَلْحةَ يَجلِبُ له مِفْتاحَ البَيتِ الحَرامِ.
عثمان بن طلحة - رضي الله عنه -
وعثمان بن طلحة، هو الحَجَبي، قال النّووي: هو بفتح الحاء والجيم، منسوبٌ إلى حِجَابة الكعبة، وهي ولايتها وفتحها وإغْلاقها وخِدْمتها، ويقال له ولأقاربه: الحَجبّون والحَجبة، وهو عثمان بن طلحة بن أبي طلحة، واسم أبي طلحة عبدالله بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي القرشي العبدري، أسلم مع خالد بن الوليد وعمرو بن العاص في هدنة الحديبية، وشهد فتح مكة، ودَفع النبي - اللهِ صلى الله عليه وسلم - مفتاح الكعبة إليه، وإلى أبي شيبة بن عثمان بن أبي طلحة، وهو ابن عم عثمان هذا، لا ولده، وقال: خُذُوها يا بني طلحة، خالدة تالدة، لا ينزعها منكم إلا ظالم، ثمّ نَزل المدينة، فأقام بها إلى وفاة النبي - اللهِ صلى الله عليه وسلم -، ثم تحوّل إلى مكة، فأقام بها حتى توفي، سنة اثنتين وأربعين، وقيل: إنه اسْتشهد يوم أجنادين- بفتح الدال وكسرها- وهي موضع بقُرب بيت المقدس، كانت غزوته في أوائل خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وثبت في الصحيح: قوله - اللهِ صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ مأثَرةٍ كانت في الجاهلية، فهي تحتَ قدمي، إلا سِقاية الحاج، وسَدانة البيت»، قال القاضي عياض: قال العلماء: لا يجوزُ لأحَدٍ أنْ يَنْزعها منهم. قال: وهي ولاية لهم عليها منْ رسُول الله - اللهِ صلى الله عليه وسلم -، فتبقى دائمةً لهم ولذُرياتهم أبداً، ولا يُنازعون فيها، ولا يُشاركون ما داموا مَوجودين، صالحين لذلك.
قوله: «فأتاهُ به»
قوله: «فأتاهُ به، فدخَلَ هو وأُسامةُ بنُ زَيدٍ، وبِلالُ بنُ رَباحٍ، وعُثْمانُ بنُ طَلْحةَ -رضي الله عنهم-، وأغْلَقوا البابَ عليهم، وفي رواية: «فأغلقها عليه» ضمير الفاعل يحتمل أنْ يكون لرسول الله - اللهِ صلى الله عليه وسلم -، فقد جاء في بعض الروايات: عن ابن عمر قال: كان بنو أبي طلحة يزعُمُون، أنّه لا يستطيع أحدٌ فتحَ الكعبة غيرهم، فأخذ رسُول الله - اللهِ صلى الله عليه وسلم - المِفْتاح، ففتحها بيده، لكنّها رواية ضعيفة، كما جاء في رواية أخرى «فأغلقاها عليه» والضّمير لعثمان وبلال، وهي رواية ضعيفة أيضًا، رواها مالك في الموطأ، والظاهر أنّ ضمير الفاعل لعثمان بن طلحة.
فأمر بالباب فأغلق
ففي الرواية الثانية «فأمر بالباب فأغلق» وفي الرواية الخامسة: «وأجَافَ عليهم عثمان بن طلحة الباب» فالمباشر للغَلْق هو عثمان، لأنّه مِنْ وظيفته، وأسْندَ الفعل «أجَافُوا عليهم الباب» في الرواية الرابعة، باعْتبارهم راضيين به، وإنّما أمَرَ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - بإغْلاق الباب، ليكونَ أسْكن لقَلْبه، وأجْمع لخُشُوعه، ولئلّا يَجْتمعَ الناسُ عليه، ويَدخلوا ويزدَحموا، فينالهم ضَرر، ويَتشوّش عليه الحال بسببِ لغَطهم، وقد يقال: إنّما أغْلقه خشيةَ أنْ يكثرَ الناس عليه، فيُصلّوا بصَلاته، فليتزمُوها فيشقّ عليهم، كما فَعلَ في صلاة الليل، حيثُ لمْ يَخْرج إليهم.
قوله: «ثمّ مكثَ فيها»
في الرواية الثانية: «فلَبثُوا فيه مَليا»، والضّمير في «فيه» للبيت، ومليّاً، أي: زَمَناً طويلاً. وفي الرواية الرابعة: «فأجافوا عليهم الباب طويلاً» أي: أغْلقوه عليهم زَمَناً طويلاً. وقوله: «فسألتُ بلالاً حينَ خَرَج» في الرّواية الثانية: «فبادرت الناس، فتلقيتُ رسُول الله - اللهِ صلى الله عليه وسلم - خارجاً، وبلال على إثْره، فقلت لبلال» وفي الرواية الرابعة: «فكنتُ أول مَنْ دَخل، فلقيتُ بلالاً فقلت». وفي الرواية الخامسة: «فخرج النبي - اللهِ صلى الله عليه وسلم - ورقيت الدرجة، وكانت قدر ثلثي ذراع، فدخلتُ البيت، فقلت». ومنْ مجموع الروايات يتبيّن: أنّ عبدالله بن عُمر حين فتح الباب، رَقَى الدّرجة التي تحت الباب، فدخل عقب خُرُوج النّبيّ - اللهِ صلى الله عليه وسلم -، والتقى ببلال في الداخل قبل أنْ يَخْرج فسَأله، فمعنى «حينَ خَرَج» حينَ قَارب، وبَاشَرَ الخُرُوج. قوله: «ماذا صنع رسول الله - اللهِ صلى الله عليه وسلم -؟» أي: في داخل الكعبة. وفي الرواية الثانية: «فقلت لبلال: هل صلّى فيه رسُول الله - اللهِ صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم. قلت: أين؟ قال.... إلخ وهذه الرواية أوضح الروايات في سؤالِ ابن عمر لبلال، وقد ذكرتْ بعض الروايات بعضاً، وتركت بعضاً، وكأنه استثبت أنّه - اللهِ صلى الله عليه وسلم - صلّى في الكعبة، ثمّ سألَ عنْ مكان صلاته فيها.
قوله: «بين العَمُودين تِلْقاءَ وَجْهه»
أي: في مقابل اتّجاهه. وكان سقفُ الكعْبة آنذاك قائماً على ستة أعْمدة في صفّين، كلُّ صفٍّ يَعْترض البابَ ثلاثةُ أعْمِدة، فتركَ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - صفّ الأعْمدة القريب مِنَ الباب، وفي الصفّ المُقدّم ترك عَمُوداً عن يمينه، وعمودين عن شماله، وفي مواجهة حائط الكعبة، وخلف ظَهره باب الكعبة، وهذا معنى قوله في الرواية الأولى: «جعلَ عَمُودين عن يساره، وعَمُوداً عن يمينه، وثلاثة أعْمدة وَرَاءه». وقوله في الرواية الثانية: «بين العَمُودين تلقاء وجْهه». وقوله في الرواية الرابعة: «بين العَمُودين المُقدّمين». وقوله في الرواية السادسة والسابعة: «بين العمودين اليمانيين» بتخفيف الياء، لأنّهم جعلوا الألف بدل إحدى ياءي النّسب، وجوّز سيبويه التشديد. قال النووي: هكذا هو في مسلم: «عَمُودين عن يساره، وعَمُوداً عن يمينه». وفي رواية للبخاري: «عَمودين عن يمينه، وعَمُوداً عن يساره» وهكذا هو في الموطأ وفي سنن أبي داود. وفي رواية للبخاري: «عَمُوداً عن يمينه، وعَمُوداً عن يساره». اهـ وقد روى البخاري: أنّ عبدالله بن عُمر: كان إذا دَخَلَ الكعْبة، مَشَى قبل الوجْه حين يَدخل، ويجعل الباب قِبلَ الظُّهر، ويَمشي حتى يكون بينه وبين الجدار الذي قِبل وجْهه، قريباً من ثلاثة أذرع، فيُصلّي، يَتَوخّى المكان الذي أخبره بلالٌ، أنّ رسول الله - اللهِ صلى الله عليه وسلم - صلى فيه.
مكوث النبي - اللهِ صلى الله عليه وسلم - داخل الكعبة
فمَكَثَ النَّبيُّ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - ومَن معَه داخِلَ الكَعْبةِ وَقْتًا طَويلًا، ثمَّ خرَجَ، فأسرَعَ النَّاسُ في الدُّخولِ إلى الكَعْبةِ، وكان عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أسْبَقَ النَّاسِ إلى الدُّخولِ، فلمَّا دخَلَ وجَدَ بِلالَ بنَ رَباحٍ - رضي الله عنه - واقفًا وراءَ البابِ، فسَأَلَه: أين صلَّى رَسولُ اللهِ - اللهِ صلى الله عليه وسلم -؟ فقال له: صلَّى بيْنَ ذَيْنِكَ العَمودَيْنِ المُقدَّمَينِ، وكان البَيتُ الحَرامُ على سِتَّةِ أعْمِدةٍ سَطرَينِ، أي: صَفَّينِ، وذلك قبْلَ أنْ يُهدَمَ، ويُبْنى في زمَنِ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ -رضي الله عنهما-، فصلَّى النَّبيُّ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - بيْنَ العَمودَينِ في الصَّفِّ الأوَّلِ، وجعَلَ البابَ خَلْفَ ظَهرِه، واستقبَلَ بوَجْهِه ما يَستَقبِلُه مَن يَدخُلُ البَيتَ مِن الجِدارِ، وكان عندَ المَكانِ الَّذي صلَّى فيه النَّبيُّ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - مَرْمَرةٌ حَمْراءُ، وهي منَ الأحْجارِ النَّفيسةِ. قال ابنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: ونَسيتُ أنْ أسْأَلَه: كمْ صلَّى؟
فوائد الحديث
  • مَشْروعيَّةُ دُخولِ الكَعْبةِ، والصَّلاةِ بداخلها.
  • وفيه: السُّؤالُ عن الشّيء مِنْ أجْلِ العِلمِ، والحِرصُ عليه.
  • وفيه: تَواضُعُ النَّبيِّ - اللهِ صلى الله عليه وسلم -، وحُسنُ عِشرَتِه لأصْحابِه، وحَملُه النَّاسَ على دابَّتِه.
  • ما كان عليه أصْحابُ رَسولِ اللهِ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - مِنَ الحِرصِ على معرفة سُنَّةِ النَّبيِّ - اللهِ صلى الله عليه وسلم -، واتّباعها والعمل بها، فَفِيها خير الدُّنْيا والآخِرةِ، وكان مِن أحرَصِهم على ذلك عبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ -رضي الله عنهما-.
  • أنّ الكَعبةُ المُشرَّفةُ هي بيتُ اللهِ العتيقُ، ولها مكانةٌ عظيمةٌ في قلوبِ المسلمينَ، وقد صلَّى النبيُّ - اللهِ صلى الله عليه وسلم - في جَوْفِها وداخِلَها عامَ فتحِ مكَّةَ.



اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 17-01-2025, 10:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,687
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم




– باب: التّلبية والتّكْبير في الغُدُو مِنْ مِنَى إلى عَرَفة


  • يشرع التَّهليلُ والتَّكبيرُ للمُحرِمِ يومَ عَرفةَ مع أنَّ شِعارَ الإحرامِ التَّلبيةُ ففيه: بَيانُ سَعةِ الأمرِ في الذِّكرِ يَومَ عَرَفةَ
  • الحَجُّ عِبادةٌ عَظيمةٌ تَجتَمِعُ فيها كَثيرٌ مِن أنواعِ العِباداتِ ومَنْ كان حَجُّهُ خالِصًا للهِ مُوافِقًا لهَدْيِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فليس له ثَوابٌ عندَ اللهِ إلَّا الجنَّةُ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: «غَدَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ، مِنَّا الْمُلَبِّي، ومِنَّا المُكَبِّرُ»، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ: أَنَّهُ سَأَلَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - وهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ-: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ؛ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالَ: «كَانَ يُهِلُّ الْمُهِلُّ مِنَّا فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ، ويُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ مِنَّا فَلَا يُنْكَرُ عَلَيْهِ».
في الباب حديثان رواهما مسلم في الحج (2/933) باب: التّلْبية والتّكبير في الذّهاب إلى عَرفات في يوم عرفة، وروى البخاري الحديث الثاني في العيدين (970) باب: التكبير أيام منى وإذا غدا إلى عرفة.
الحَديثِ الأول
في الحَديثِ الأول: يُخبِرُ الصَّحابيُّ الجَليلُ عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ -رضي الله عنهما- أنَّهم كانوا مَعَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في صَبيحةِ عَرفةَ، وكان ذلك في حَجَّةِ الوَداعِ في السَّنةِ العاشرةِ منَ الهِجرةِ، وعَرفةُ: جبلٌ يقَعُ على الطَّريقِ بينَ مكَّةَ وَالطَّائفِ، حيث يَبعُدُ عن مكَّةَ حَوالَيْ 22 كيلومترًا، وعلى بُعدِ 10 كيلومتراتٍ من مِنًى، و6 كيلومتراتٍ من مُزدَلِفةَ، وتُقامُ في عَرفةَ أهمُّ مناسِكِ الحجِّ، وهو الوُقوفُ به في اليومِ التَّاسِعِ من شَهرِ ذي الحِجَّةِ.
قوله: «مِنَّا الْمُلَبِّي ومِنَّا المُكَبِّرُ»
أي: كان النَّاسُ معَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - منهم المُلبّي، أي: كان بَعضُهم يُلبِّي، فيَقولُ: لَبَّيْك اللَّهُمَّ لَبَّيْك، ويَرفَعُ بها صَوتَه، وفي رواية: «ومِنهمُ المُهِلُّ» يَعني: المُلبِّيَ، كما في رِوايةٍ أُخْرى لمسلِمٍ، فالإهْلالُ هوَ رفعُ الصَّوتِ بالتَّلْبيةِ، «ومِنهُم المُكبِّرُ» أيِ القائلُ: اللهُ أكبرُ، وفي هذا إشارةٌ إلى إقْرارِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لهم بهذه الأذْكارِ، سواءٌ أكان بالتَّكبيرِ أو بالتَّلبيةِ. وقيلَ: المرادُ أنَّه يُدخِلُ شَيئاً مِنَ الذِّكرِ خِلالَ التَّلبيةِ، لا أنَّه يَترُكُ التَّلبيةَ بالكُلِّيَّةِ؛ لأنَّ المَرويَّ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه لمْ يَقطَعِ التَّلبيةَ حتَّى رَمَى جَمْرةَ العَقَبةِ. والتَّلبيةُ إنَّما تُشرَعُ للحاجِّ، وأمَّا لغَيرِ الحاجِّ في سائرِ البِلادِ؛ فيُشرَعُ له التَّكبيرُ مِن صُبحِ يومِ عَرَفةَ عَقِيبَ الصَّلواتِ المكتوبات، إلى صَلاةِ العَصْرِ مِن آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ. قال ابنُ عُمرَ -رضي الله عنهما- في رواية: «فأمَّا نحنُ فنُكبِّرُ» أي: أنَّه -رضي الله عنهما- اخْتارَ هو ومَن معَه التَّكبيرَ في حَجَّتِهم تلك.
فوائد الحديث
1- الحجُّ رُكنٌ مِن أَركانِ الإسْلامِ، وهوَ عِبادةٌ عظيمة، وتؤخَذُ أركانُه وسُنَنُه وآدابُه منَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. 2- مشروعية التَّهليلُ والتَّكبيرُ للمُحرِمِ يومَ عَرفةَ، مع أنَّ شِعارَ الإحرامِ التَّلبيةُ؛ ففيه: بَيانُ سَعةِ الأمرِ في الذِّكرِ يَومَ عَرَفةَ. 3- وفيه: بيانُ حِرصِ التَّابِعينَ على مَعرفةِ الأفضَلِ منَ السُّننِ والآدابِ.
الحَديثِ الثاني
في الحَديثِ الثاني: يُخبِرُ التابعيُّ محمَّدُ بنُ أبي بكرٍ الثَّقفيُّ أنَّه سَألَ أنَسَ بنَ مالكٍ - رضي الله عنه - عن الذِّكرِ المَشروعِ حِينَما يَدفَعُ الحُجَّاجُ مِن منًى إلى عرَفاتٍ، وكان هذا صَباحَ يومِ عرَفةَ، ويكونُ ذلك في اليومِ التاسعِ مِن ذي الحِجَّةِ.
قوله: «وهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَةَ»
ومِنًى: وادٍ تُحيطُ به الجِبالُ، ويقَعُ شَرْقَ مكَّةَ، على الطَّريقِ بيْن مكَّةَ وجَبَلِ عَرَفةَ، ويَبعُدُ عن المسجدِ الحرامِ نحْوَ (6 كم) تَقريبًا، وفيه تُقامُ بَعضُ شَعائرِ الحجِّ؛ مِثلُ رمْيِ الجَمَراتِ. وعَرَفاتٌ: جَبَلٌ يقَعُ على الطَّريقِ بيْن مكَّةَ والطائفِ، ويُقامُ فيه أهمُّ مَناسِكِ الحَجِّ، وهو الوُقوفُ بعَرَفةَ يومَ التاسعِ مِن شَهرِ ذي الحجَّةِ. فأخْبَرَه أنسٌ - رضي الله عنه - أنَّهم عندَما حَجُّوا مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حَجَّةَ الوداعِ في السَّنةِ العاشرةِ مِن الهِجرةِ، كان بَعضُهم يُلبِّي، فيَقولُ: لَبَّيْك اللَّهُمَّ لَبَّيْك، ويَرفَعُ بها صَوتَه، ولا يُنكِرُ عليهم النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، بيْنَما البَعضُ الآخَرُ يُكبِّرُ ويَقولُ: اللهُ أكبَرُ، ويَرفَعُ بها صَوتَه، ولا يُنكِرُ عليهم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فإذا لمْ يُنكِرْ إظهارَ التَّكبيرِ للمُحرِمِ، الَّذي وَظيفتُه إظهارُ التَّلبيةِ، فلَغَيرُ المُحرِمِ مِن أهلِ الأمصارِ أَوْلى، وهذا إقرارٌ مِن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالذِّكرِ، سواءٌ كان بالتَّكبيرِ أو بالتَّلبيةِ. وقيل: المرادُ كما سبق: أنَّه يُدخِلُ شَيئًا مِن الذِّكرِ خِلالَ التَّلبيةِ، لا أنَّه يَترُكُ التَّلبيةَ بالكُلِّيَّةِ؛ لأنَّ المَرويَّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه لم يَقطَعِ التَّلبيةَ حتى رَمَى جَمْرةَ العَقَبةِ.
فوائد الحديث
1- دَليلٌ على أنَّ إظْهارَ التَّكبيرِ يومَ عَرَفةَ مَشروعٌ، ولو كان صاحبُه مُحْرِماً قاصِدًا عَرَفةَ للوُقوفِ بها، مع أنَّ شِعارَ الإحْرامِ التَّلبيةُ؛ ففيه: بَيانُ سَعةِ الأمرِ في الذِّكرِ يَومَ عَرَفةَ. 2- أنّ الحَجُّ رُكنٌ مِنْ أركانِ الإسلامِ، وهو عِبادةٌ عَظيمةٌ تَجتَمِعُ فيها كَثيرٌ مِن أنواعِ العِباداتِ، ومَنْ كان حَجُّهُ خالِصًا للهِ مُوافِقًا لهَدْيِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فليس له ثَوابٌ عندَ اللهِ إلَّا الجنَّةُ؛ فلذلك يَنبغِي على العَبدِ أنْ يَتَعلَّمَ كيف حَجَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -.
آثَارُ رَحْمَةِ اللهِ
أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى أُلُوهِيَّتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَتَصَرُّفِهِ فِي مُلْكِهِ، فَمَنْ تَدَبَّرَ وَتَفَكَّرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، فَهُوَ مِنْ أُولِي الْبَصَائِرِ وَالْأَلْبَابِ، مِمَّنْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ، وَهُمْ أَوْلِيَاؤُهُ الْمُتَّقُونَ، وَعِبَادُهُ الْمُؤْمِنُونَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى-: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (الزمر:21)، فَالْمَطَرُ وَتَسْيِيرُ الرِّيَاحِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، فَالْمُؤْمِنُ يَسْتَبْشِرُ إِذَا رَأَى فَضْلَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَيُوقِنُ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُغِيثُ، وَأَنَّ رَحْمَتَهُ وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَأَثَرَهَا عَلَى الْخَلْقِ بِقَوْلِهِ -جَلَّ وَعَلَا-: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌٌ} (الروم:٤8-50)، فَذَكَرَ اللَّهُ حَالَ الْخَلْقِ قَبْلَ نُزُولِ الْغَيْثِ أَنَّهُمْ مُبْلِسُونَ أَيْ: آيِسُونَ، وَأَخْبَرَ عَنْ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَتَمَامِ نِعْمَتِهِ بِأَنَّهُ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ السَّحَابَ مِنَ الْأَرْضِ، ثُمَّ يَبْسُطُ السَّحَابَ وَيَمُدُّهُ وَيُوَسِّعُهُ كَيْفَ يَشَاءُ، ثُمَّ يَجْعَلُهُ كِسَفًا أَيْ: سَحَابًا ثَخِينًا أَطْبَقَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ -، فَيُنْزِلُ الْمَطَرَ كَالْوَدْقِ، نُقَطًا صِغَارًا مُتَفَرِّقَةً، لَا تَنْزِلُ جَمِيعًا فَتُفْسِدَ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ، فَيَسْتَبْشِرُ الْخَلْقُ بِنُزُولِ الْمَطَرِ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ وَضَرُورَتِهِمْ إِلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَثَرَ رَحْمَةِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَتَفَضُّلَهُ عَلَيْهِمْ؛ فَهَذِهِ نِعْمَةٌ تَسْتَلْزِمُ مِنَّا التَّأَمُّلَ وَالتَّدَبُّرَ وَالنَّظَرَ فِي أَسْبَابِهَا وَآثَارِهَا، وَمَا يَحْتَفِي بِهَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الدَّالَّةِ عَلَى مَلَكُوتِهِ وَقُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى!

اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 17-01-2025, 10:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 145,687
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

شرح كتاب الحج من صحيح مسلم

– باب: في الوقوف بعرفة، وقوله -تعالى-: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}


  • الوقوف بعرفة كان مِنْ شريعة إبراهيم عليه السلام فكانت العرب متمسكة به إلا ما كان مِنْ قريش فهدى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إليه
  • كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَتعبَّدُ اللهِ على الفِطرةِ الخالِصةِ والدِّينِ القَويمِ ويَتحَرَّى فِعلَ ما كان يَفعَلُه أبوه الخَليلُ إبراهيمُ عليه الصلاة والسَّلامُ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: كَانَ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ أَمَرَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ فَيَقِفَ بِهَا ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا فَذَلِكَ قَوْلُهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ. (البقرة:199)، وعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: أَضْلَلْتُ بَعِيرًا لِي، فَذَهَبْتُ أَطْلُبُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم - وَاقِفًا مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ، فَقُلْت:ُ وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَمِنْ الْحُمْسِ، فَمَا شَأْنُهُ هَاهُنَا؟ وكَانَتْ قُرَيْشٌ تُعَدُّ مِنْ الْحُمْسِ. في الباب حديثان، رواهما مسلم في الحج (2/893-894) وبوّب عليه بمثل تبويب المنذري.
الحديث الأول
حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: «كانت قريش وَمن دَان دينهَا» أَي: كانت قبيلة قريش ومن كان على دين قُرَيْش. قَالَ الْخطابِيّ: الْقَبَائِل الَّتِي كَانَت تدين مَعَ قُرَيْش هم: بَنو عَامر بن صعصعة، وَثَقِيف، وخزاعة.
وكان يُفيضُ جَماعةُ النَّاسِ -غيرَ الحُمْسِ- مِن عَرَفاتٍ، وتُفيضُ الحُمْسُ مِن جَمْعٍ، وهي المُزدَلِفةُ، ولا يَتجاوَزونَها إلى عَرَفةَ؛ لِئلَّا يَخرُجوا عن حُدودِ الحَرَمِ الذي شَرَّفَهمُ اللهُ بسُكناه، وجَعَلَه عِصمةً لدِمائِهم وأموالِهم، هكذا زين لهم الشيطان، وعَرَفةُ ليسَتْ مِنَ الحَرمِ، وَكَانُوا إِذا أَحْرمُوا لَا يتناولون السّمن والأقط، ولَا يدْخلُونَ من أَبْوَاب بُيُوتهم، وكَانُوا يُسمون الْحمس؛ لأَنهم تحمّسوا فِي دينهم وتصلّبوا، والحماسة الشدَّة.
قَوْله: {ثمَّ أفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس}
وقَوْله: {ثمَّ أفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} أي: سَائِر الْعَرَب غير الحمس، وَقيل: المُرَاد بالنَّاس آدم -عَلَيْهِ السَّلَام-، وَقيل: إِبْرَاهِيم، -عَلَيْهِ السَّلَام-، وقُرئ شاذّاً {من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِ} يَعْنِي: آدم -عَلَيْهِ السَّلَام-.
ويَحكي عُروةُ بنُ الزُّبَيرِ أنَّ خالَتَه أُمَّ المُؤمِنينَ عائِشةَ -رضي الله عنها- أخبَرَتْ أنَّ آيةَ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} (البقرة: 199). نزَلَتْ في الحُمْسِ، لِأنَّهم كانوا يُفيضونَ مِن جَمْعٍ مِنَ المُزدَلِفةِ، وهي المَكانُ الذي يَنزِلُ فيه الحَجيجُ بَعدَ الإفاضةِ مِن عَرَفاتٍ، ويَبِيتونَ فيه لَيلةَ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ، وفيه المَشعَرُ الحَرامُ، وهو بجِوارِ مِنًى، وتَبعُدُ عن عَرَفةَ حَوالَيِ (1 كم)، فأُمِروا بالذَّهابِ إلى عَرَفاتٍ، لِيَقِفوا بها، ثم يُفيضوا منها إلى مُزدَلِفةَ مع بَقيَّةِ النَّاسِ، وعَرَفاتٌ: جَبَلٌ يَقَعُ على الطَّريقِ بَيْنَ مَكَّةَ والطَّائِفِ، يَبعُدُ عن مَكَّةَ حَوالَيِ (22 كم)، وعلى بُعدِ (10 كم) مِن مِنًى، و(6 كم) مِن مُزدَلِفةَ. فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ترك ما كان في الحَجِّ مِن أعمالِ الجاهليَّةِ، وأقَرَّ ما أمَرَه اللهُ -سُبحانَه وتعالى- بإقرارِه.
معنى الحديث
فمعنى الحديث: أنّ الإسلام قد غيَّر كثيراً من عادات الجاهلية وبيّن خَطأها، كما غير عاداتهم في أثناء الحجّ والعمرة، فكانت قريش ومَنْ اعتقد اعتقادها، وأخذ مأخذها من قبائل العرب، كخزاعة وبني عامر وغيرهم، يقفون بالمزدلفة لا يتجاوزونها، بل يُفيضُون منها إلى منى؛ وذلك لأنّ الشيطان اسْتهواهم، فقال لهم: إنكم إنْ عظَّمتم غيرَ حَرَمكم، استخفّ الناس بحَرَمكم! فكانوا لا يخرجُون مِنَ الحَرم، وهذا منْ جُملة ما غيّروه منْ دين إبراهيم -عليه السلام-. وكانوا يلقّبُون بالحُمْس، وسمّوا بذلك لما شدّدوا على أنفسِهم، وكانوا إذا أهلّوا بحجٍ أو عُمرة لا يأكلون لحْماً، وإذا قدِموا مكة وضعوا ثيابهم التي كانت عليهم. وكان بقية العرب غير الحُمْس، ومَنْ دانَ دينها يقفون بعرفة على العادة القديمة، والطريقة المستقيمة الموروثة عن إبراهيم -عليه السلام-، فلما جاء الإسلام أمَرَ الله نبيّه -صلى الله عليه وسلم - أنْ يأتي عَرَفات، فيقف بها اتّباعاً لدَين إبراهيم -عليه السلام-، ثمّ يدفع مِنْ عَرَفات إلى المزدلفة، فذلك قوله: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس} أي: ادْفعوا أنفسكم، أو مطاياكم يا معشر قريش، من عرفات إلى مزدلفة مع بقية الناس.
من فوائد الحديث
  • وجُوب الوقُوف بعرفة، وأنّ الحجّ لا يتِمُّ إلا به.
  • بيان تفسير هذه الآية الكريمة {ثمَّ أفيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس} وذلك أنّ قريشاً امتنعت منَ الوقُوف بعَرفة؛ لكونه خارج الحَرم، فأمروا به، فالمراد بالإفاضة: الإفاضة منْ عَرفة، وإن كان ظاهر سياق الآية أنها الإفاضة منْ مزدلفة؛ لأنها ذكرت بلفظة «ثم» بعد ذكر الأمر بالذكر عند المشعر الحرام.
  • الوقوف بعرفة كان مِنْ شريعة إبراهيم -عليه السلام-، فكانت العرب متمسكة به، إلا ما كان مِنْ قريش، فهدى الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم - إليه.
الحديث الثاني
في هذا الحَديثِ أيضًا: يَحكي جُبَيرُ بنُ مُطعِمٍ -صلى الله عليه وسلم - أنَّه ضَيَّعَ بَعيرًا له، فذَهَبَ يَطلُبُه يَومَ عَرَفةَ -وذلك في الجاهليَّةِ قبل الإسلام- حتى وَصَلَ إلى عَرَفاتٍ، فرأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - واقِفًا بعَرَفةَ كسائِرِ القَبائِلِ العَربيَّةِ الأُخرى غيرَ قُرَيشٍ وما شابَهَها، فقال: هذا واللهِ مِنَ الحُمْسِ، يُشيرُ بذلك إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم -، لِأنَّ الحُمْسَ هم: قُرَيشٌ، وكِنانةُ، وجَديلَةُ، سُمُّوا بذلك، لِتَحمُّسِهم وتَشَدُّدِهم في دِينِهم، ومحمدٌ -صلى الله عليه وسلم - منهم؛ لِأنَّه قُرَشيٌّ، فما بالُه يَقِفُ ها هُنا في عَرَفاتٍ وهو مِنَ الحُمْسِ؟! والحُمْسُ إنَّما يَقِفونَ بِمُزدلِفةَ ولا يَتجاوَزونَها إلى عَرَفةَ، لِئلَّا يَخرُجوا عن حُدودِ الحَرَمِ، وعَرَفةُ ليسَتْ مِنَ الحَرَمِ. والمُزدَلِفةُ: المَكانُ الذي يَنزِلُ فيه الحَجيجُ بَعدَ الإفاضةِ مِن عَرَفاتٍ، ويَبِيتونَ فيه لَيلةَ العاشِرِ مِن ذي الحِجَّةِ، وفيه المَشعَرُ الحَرامُ، وهو بجِوارِ مِنًى، وتَبعُدُ عن عَرَفةَ حَوالَيِ (12 كم).
وكانَتْ طَوائِفُ العَرَبِ تَقِفُ في مَوقِفِ إبراهيمَ -عليه السَّلامُ- مِن عَرَفةَ، وكان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم - يُحِبُّ أنْ يَقتفيَ أثَرَ إبراهيمَ -عليه السَّلامُ-، ثم كان وُقوفُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم - -بَعدَ البَعثةِ- مع طَوائِفِ العَرَبِ بعَرَفةَ، لِيَدعُوَهم إلى الإسلامِ، وما افترَضَ اللهُ عليه مِن تَبليغِ الدَّعوةِ وإفشاءِ الرِّسالةِ.
فوائد الحديث
  • مُخالَفةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم - لِمَا كان عليه أهلُ الجاهليَّةِ، مِمَّا خالِفوا فيه دِينَ إبراهيمَ -عليه الصلاة والسَّلامُ-.
  • كان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مَحفوظًا مِنَ اللهِ -سُبحانَه- قَبلَ البَعثةِ، وبَعدَها، وكان يَتعبَّدُ للهِ على الفِطرةِ الخالِصةِ، والدِّينِ القَويمِ، ويَتحَرَّى فِعلَ ما كان يَفعَلُه أبوه الخَليلُ إبراهيمُ -عليه الصلاة والسَّلامُ-.


اعداد: الشيخ: د. محمد الحمود النجدي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 169.44 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 164.09 كيلو بايت... تم توفير 5.35 كيلو بايت...بمعدل (3.16%)]