|
ملتقى نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم قسم يختص بالمقاطعة والرد على اى شبهة موجهة الى الاسلام والمسلمين |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
كيف علم المسلمون العالم تكريم الأدباء؟
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
رد: كيف علم المسلمون العالم تكريم الأدباء؟
سوابق موجِّهة بعد إعمال المعايير الموضوعية خلال مداولات التحكيم في المسابقات الأدبية، وما يتبع ذلك من فرز للنتائج وإعلان للفائزين على ترتيبهم في التميز؛ تأتي المرحلة الختامية التي تشهد توزيع الجوائز على المتنافسين وفقا لمراتبهم. وقد احتفظت لنا المعاجم العربية بتأصيل لغوي بديع لدلالة تسمية “الجائزة”؛ إذْ يورد ابن قتيبة الدينوري -في ‘الشعر والشعراء‘ـ ما نصّه: “أصل الجائزة أن يُعطَى الرجل ما يجيزه ليذهب إلى وجهه، وكان الرجل إذا ورد ماءً قال لقيّمه (= راعيه): أجِزْني، أي أعطني ماء حتى أذهب لوجهي وأجوز عنك، ثم كثر حتى جُعلت ‘الجائزةُ‘ عطيةً”. أما التأصيل التاريخي لتنظيم المسابقات ذات النفع العام على المجتمع ورصد الجوائز للفائزين لها؛ فيعود إلى العهد النبوي الذي كان فيه للألعاب الرياضية التنافسية حظٌّ كبيرٌ من الاهتمام الشعبي و”العناية الرسمية”، تشجيعا عليها لإعداد أفراد المجتمع إعدادا بدنيا يمنحهم القوة والصلابة، فكانت منافسات سباق الخيل التي أمر النبي ﷺ بتنظيمها وحضرها وأشرف على توزيع جوائزها. فقد روى أبو داود (ت 275هـ/888م) والترمذي (ت 279هـ/892م) -من حديث أبي هريرة (ت 59هـ/680م)- عن النبي ﷺ أنه قال: “لا سَبَقَ (= جائزة الفوز) إلا في نَصْل (= مباراة الرماية)، أو خُفٍّ (= سباق الإبل)، أو حافِر (= سباق الخيل)”. كما روى الإمام أحمد بن حنبل (ت 241هـ/855م) -في ‘المُسْنَد‘- عن عبد الله بن عمر (ت 73هـ/693م) أنه قال: “سَبَّقَ (= نظّم سباقا) النبيُّ ﷺ بين الخيل وأعطى السابق” من أصحابها جائزة على سبقه! ويقدّم لنا مؤرخ النُّظم السلطانية شهاب الدين القَلْقَشَنْدي (ت 821هـ/1418م) -في ‘صبح الأعشى‘- خلفية عن بدايات استخدام لفظة “الجوائز” في الإطار الخاص بالتكريم والتنافس بشكل عام، دون تقييده بمجالات الأدب والشعر والتأليف. فيروي أنه “أوّل ما سُميّت العَطِيّاتُ جوائزَ في زمن عثمان (بن عفان ت 35هـ/656م)” حين شجّع أحدُ قدة جيوشه في بلاد فارس جنودَه على عبور وادٍ تغمره مياه السيل، فقال: “مَنْ عبَره فله ألف درهم! فعبره رجل ثم آخر حتّى جاز جميعُهم، فأعطاهم.. ألفا ألفا، فكان جملة ذلك أربعة آلاف ألف (= اليوم 5 ملايين دولار أميركي تقريبا)”!! وقد أمضى الخليفةُ عثمان -حين بلغه خبر الواقعة- هذه السابقة ونتائجها وجوائزها؛ قائلا: “كلُّ ما كان في سبيل الله فهو جائز”!! وبذلك أصبح هذا القائد “أولَ مَنْ سَنَّ الجوائزَ”؛ طبقا لابن قتيبة الدِّينَوَري في كتابه ‘المعارف‘. خبرات مصاحِبة ثم إن هذا التقليد تجاوز مضامينه العامة ليتنزل أكثر في ميدان تشجيع الطاقات الفكرية والأدبية على التميز في الإنجاز والعطاء، بل وصار يطلق عليه اسم مطابق تماما لما نألفه اليوم في مصطلحاتنا الثقافية وهو تعبير “جوائز الدولة”، الذي نلاقيه حرفيا في كتب الإمام الذهبي أثناء تراجمه لعدد من العلماء. وهكذا أصبحت الجوائز من بعد ذلك عنصرا رئيسا في تطبيق مبدأ تقدير المواهب وحفز المعنويات، وخاصة في المجال الأدبي؛ مكرّسة بذلك واقعها الذي بلَغ من سيطرته أننا صرنا أمام تعابير تصف مستويات الأدباء والشعراء، مثل ما قيل عن الشاعر البُحْتُري -فيما رواه إمام النقد الأدبي أبو القاسم الآمدي (ت 370هـ/980م) في كتابه ‘الموازنة‘- من أنه “أسقط في أيامه أكثر من خمسمئة شاعر وذهب بخيرهم (= مكافآتهم)، وانفرد بأخذ جوائز الخلفاء والملوك دونهم”! وقد أسفرت حركيّة مجال الجوائز الأدبية عن بروز خبراء في مؤشرات سوقها على نحو قريب -في فكرته ودلالته- من سوق مراهنات المنافسات الرياضية اليوم. ومن القصص الدالة والمتعلقة بهذه الخبرة ما أورده الأصفهاني -في ‘الأغاني‘ـ قائلا: “أخبرني عيسى بن الحسين الورّاق (ت بعد 300هـ/912م) قال حدّثنا سليمان بن أيوب المدائنيّ (ت قبل 300هـ/912م) قال: قال مروان بن أبي حفصة (ت 182هـ/798م): قَدِمتُ البصرةَ فأنشدتُ [شاعرَها] بشّاراً قصيدةً لي، واستنصحتُه فيها؛ فقال لي: ما أجودَها! تَقْدُمُ بغداد فتُعْطَى عليها عشرة آلاف درهم (= اليوم 12 ألف دولار أميركي تقريبا)؛ فجزعت من ذلك وقلت: قتلتَني! فقال: هو ما أقول لك؛ وقَدِمْتُ بغدادَ فأُعطِيتُ عليها عشرة آلاف درهم؛ ثم قَدِمْتُ عليه قَدْمَةً أخرى فأنشدتُه قصيدتي: «طَرَقَتْكَ زائرةً فَحَيِّ خيَالَها»…؛ فقال: تُعطَى عليها مئة ألف درهم، فقَدِمْتُ فأعْطِيتُ مئة ألف درهم”!! ويعزز الأصفهاني -في ‘الأغاني‘- ذلك بما رواه عن الشاعر البحتري من قوله “قال لي أبو تمام (ت 231هـ/845م): بلغني أن بَنِي حُمَيْد [الطُّوسي الطائي بخراسان] أعطوكَ مالا جليلا! فبِمَ مدحتَهم؟ فأنشدْني شيئا منه، فأنشدتُه، فقال لي: كم أعطوك؟ فقلت: كذا، فقال لي: ظلموكَ ما وفّوْك حقك! والله لبيت منها خير مما أخذت”!! بل إن مؤشرات بورصة الأدب شملت -قبل ذلك- ما يتعلق بتصنيف طبقات الشعراء والشخصيات الأدبية، ولعل ذلك كان عاملا مؤثِّرا في مسارات الجوائز ومتأثرا باختيارات لجان التحكيم. ومن ذلك قول المَرْزُبَاني في كتابه ‘الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء‘: “وإنما مروان (بن أبى حفصة ت 182هـ/798م) من أقران سَلْمٍ الخاسر (ت 186هـ/802م)، وقد تزاحما بالشعر في مجالس الخلفاء، وسُوّي بينهما في الصِّلة” أي الجوائز!! أُطُر مؤسسية ولم يمض وقت من اعتماد المنافسات الأدبية آليةً رسميةً في البلاطات وبعض المراكز، حتى أسفر ذلك عن بروز منهج يتمثل في تعيين أجهزة للإشراف على إدارة شأن هذه المنافسات؛ إذ يفيدنا الصولي (ت 335هـ/946م) -في كتابه ‘الأوراق‘ـ بأن الوزير العباسي يحيى بن خالد (البَرْمَكي 190هـ/806م) “جعل أبان بن عبد الحميد (اللاحقي الشاعر ت 200هـ/215م) على الشعراء يعرضون عليه أشعارهم، فما رضيه أثبته وما لم يرضه أسقطه”. وهذا ما يحدثنا عنه الإمام ابن أبي نصْر الحُمَيدي الأندلسي (ت 488هـ/1095م) رافعا تنظيم تلك المسابقات إلى مستوى المَأْسَسَة الإدارية الرسمية؛ فيقول -في كتابه ‘جَذْوَة المُقْتبِس‘- إنه في عهد الوزير الأموي القوي المنصور ابن أبي عامر (ت 392هـ/1003م) “كان للشعراء.. “ديوان” (= جهاز/إدارة رسمية) يُرْزَقُون منه على مراتبهم، ولا يُخِلُّون بالخدمة بالشعر في مظانِّها”. وذكر الحميدي أن ممن تولوا هذه الإدارة الكاتب “عبد الله بن محمد بن مسلمة (ت 437هـ/1046م)..؛ ففي ديوانه كان «زمام الشعراء» (= إدارة) في تلك الدولة، وعلى يديه كانت تخرج صِلاتُهم (= جوائزهم) ورسومهم، وعلى ترتيبه كانت تجري أمورهم”. ويعطينا الحُمَيدي مثالا تطبيقيا لعمل هذه الإدارة أو النقابة الأدبية؛ فيقول إن الشاعر أحمد بن دَرَّاج القَسْطَلِي (ت 421هـ/1031م) اتهمه -في بداية مشواره الشعري- بعضُهم بأنه “مُنْتَحِلٌ سارق [لشعره] لا يَستحق أن يُثْبَتْ في ديوان العطاء؛ فاستحضره المنصور عشيـ[ـة] يوم الخميس لثلاث خلوْن من شوال سنة اثنتين وثمانين وثلاثمئة (382هـ/992م) واختبره واقترح عليه (= طالبه بالارتجال)، فبرز وسبق وزالت التهمة عنه، فوصله بمئة دينار وأجرى عليه الرزق (= الراتب)، وأثبته في جملة الشعراء”!! وقد تواصل العمل بذلك التقليد في إدارة الشأن الثقافي قرنا كاملا على الأقل؛ كما يفيدنا به المراكشي -في ‘المُعْجِب‘- بقوله إن أمير أمراء الأندلس المُعتضِد بن عبّاد (ت 461هـ/1070م) حين استحسن قصائد الشاعر محمد بن عمار (ت 479هـ/1086م) “أمر أن يُكْتب في «ديوان الشعراء» فكان كذلك”، ثم آل به الأمر أن أصبح وزيرا في دولة بني عبّاد. وقد سبق ذكر أن المعتمد بن عبّاد وجّه بتدوين اسم الشاعر سَلَام الباهلي في “ديوان الشعراء” بدولته. وعلى المستوى الإداري؛ نقف على أنه كانت هناك مستندات صرف خاصة بالجوائز تتبع لبند منْحها، وهو ما يخبرنا عنه ابن السِّيد البَطَلْيَوْسي (ت 521هـ/1127م) بقوله -في كتابه ‘الاقتضاب‘- إن “الصَّكّ” يُطلق لغةً على “كُتُب الجوائز والصِّلات”، أي أوصالها المالية التي تدفع لمستحقيها من الفائزين. ومن الملامح البديعة في إرثنا الحضاري المشجع للمواهب الأدبية أن جوائز الشعراء ومكافآتهم لم تكن دائما شأنا رسميا مرتبطا بالحكومات، بل وجد له حواضن أهلية ترعاه مما يؤكد الدعم الاجتماعي للمنافسات الأدبية؛ حتى إنه وُجدت في بعض أقطار العالم الإسلامي أوقاف تُصرف منها تلك الجوائز الأدبية، إلى جانب الصرف على بنود الجهاد وإعانات المحتاجين! ومن أمثلة ذلك ما ذكره شيخ المؤرخين الجزائريين أبو القاسم سعد الله (ت 1435هـ/2013م) في كتابه ‘تاريخ الجزائر الثقافي‘؛ فقال: “أما الصرف من الأوقاف فله في زواوة (= شمال شرقي الجزائر) مجالات عديدة، ومنها شراء لوازم الجهاد مثل الذخيرة والأسلحة، ومنها المساعدات للحجاج لأداء فرضهم، وتقديم الصدقات للفقراء والمساكين، والعناية بالغرباء والمسافرين. وقد ذكرت بعض المصادر أن من بين ما تصرف فيه الأوقاف في زواوة منح الجوائز للشعراء والمغنين”!! ضوابط ناظمة ونلاحظ أنه خلال القرنين الرابع والخامس الهجرييْن/الـ10-11م كانت المسابقات من الظواهر الحياتية الطبيعية المنتشرة كثيرا، والتي يجري فيها حديث الرأي العام والمهتمين بها وبشؤونها؛ إذ نعاين صداها ذلك فيما دوّنه ابن طَبَاطَبَا (ت 322هـ/934م) -في كتابه ‘عيار الشعر‘ـ من معايير للمفاضلة بين الشعراء؛ فقال: “والشعراء في عصرنا إنما يثابون على ما يُسْتَحْسَنُ من لطيف ما يوردونه من أشعارهم، وبديع ما يُغْرِبُون [به] من معانيهم، وبليغ ما ينظمونه من ألفاظهم، ومُضحك ما يوردونه من نوادرهم، وأنيق ما ينسجونه من وَشْي قولهم، دون حقائق ما يشتمل عليه من المدح والهجاء وسائر الفنون التي يصرفون القول فيها”. وفي هذا الصدد يتحدث الحُصْري القيرواني (ت 453هـ/1061م) -في ‘زهر الآداب‘- عن معايير الفوز في هذه المنافسات فئات حاصدي الجوائز؛ فيقول: “فمنهم من اكتسى كلامُه شرفَ الاكتساب دون شرف الانْتِساب كالمكتسبين من الشعراء بالمدائح، المترشحين بها لأخْذِ الجوائز والمنائح، وهم الأكثرون من أهل هذه الصناعة..؛ ومنهم من أخذ بحبل الْجَوْدة من طَرَفَيْه، وجمع رداءَ الْحُسْنِ من حاشِيَتَيْه”. وأمام الإقبال الواسع من الأدباء والشعراء على مهرجانات وملتقيات الأدب هذه منافسين ومشاركين؛ لجأت بعض الدول إلى تخصيص مواعيد دورية لهذه الفعاليات، وهو ما يكشف عن جانب من آليات إدارة هذه المنافسات؛ فالقاضي التَّنُوخي (ت 384هـ/995م) يفيدنا -في ‘نشوار المحاضرة‘- بأنه في صدر الدولة العباسية “إنما كانت الشعراء تدخل على الخلفاء في كل عام مرة”، فكانت تفتح أمامهم فرصة سنوية للتنافس ونيل الجوائز. أما في الدولة الأموية بالأندلس فيبدو أن المدة كانت أقصر من ذلك بكثير، حتى إن تلك الملتقيات الأدبية صارت أسبوعية في عهد سيطرة العامريين على الدولة؛ فكان الوزير المثقف المنصور ابن أبي عامر “له مجلس في الأسبوع يجتمع إليه فيه الفضلاء للمناظرة فيُكْرمهم.. ويُجِيز الشعراء” بالجوائز القيمة؛ وفقا للذهبي في ‘سير أعلام النبلاء‘. ويوضح لنا ابن خلّكان (ت 681هـ/1282م) -في ‘وفيات الأعيان‘- علاقة المنافسات بهذه المؤتمرات من خلال عرض نموذج حيّ منها نُظِّم في تونس، وهو أنه “كان قد وصل إلى عبد الله بن محمد الكاتب (والي الفاطميين على تونس ت 377هـ/988م) بيتان قيلا في وصف النيل [بمصر]، فجمع شعراء إفريقية وأمرهم أن يقولوا في معناهما وقافيتهما”. فعاليات موسمية ولعل مما يشير إلى خلفية حضور هذه المسابقات القُطْرية في البرامج الخاصة بفعاليات الأدب، ما نقله ابن خلكان أيضا قائلا: “لما بلغ المُعِز (لدين الله الفاطمي ت 365هـ/976م) وفاته [الشاعر ابن هانئ الأندلسي ت 363هـ/975م] -وهو (= المعز) بمصر- تأسَّفَ عليه كثيرا، وقال: هذا الرجل كنا نرجو أن نفاخِر به شعراءَ المشرق فلم يُقَدَّر لنا ذلك”!! ومما يدل على تلاقي الشعراء في أفياء هذه الفعاليات قادمين من وجهات مختلفة، ما أورده المَقَّري التلمساني (ت 1041هـ/1631م) -في ‘نفح الطيب‘-عن أحدهم أنه قال: “كنت بمجلس القاضي ابن حَمْدِين (التغلبي ت 508هـ/1114م) وقد أنشده شعراء قرطبة وغيرها”. وسجّلَ المؤرخون ظاهرة إقامة فعاليات الأدب وجوائزها في مواسم تتسم عادة بالفرح المجتمعي مثل الأعياد السنوية؛ فقد ذكر الشاعر المؤرخ عمارة اليمني (ت 569هـ/1174م) -في ‘تاريخ اليمن‘- من أخبار سلطان اليمن المعظّم محمّد بن سبأ (ت 548هـ/1153م)، قال: “ورأيته في يوم عيد.. والشعراء يتسابقون بالنشيد [أمامه]؛ فقال لي: قُلْ لهم -وارفع صوتَك- لا يتزاحمون! فلستُ أقوم حتى يفرغوا، وكانوا ثلاثين شاعرا، ثم أثابهم جميعا”!! ومن حفلات قصائد العيد المشهودة ما ذكره المؤرخ المغربي الناصري السَّلاوي (ت 1315هـ/1898م) في كتابه ‘الاستقصا‘؛ قال: “وأعَدَّ الشعراءُ كلماتٍ أنشدوها يوم عيد الفطر بمشهد الملأ في مجلس السلطان، وكان من أسبقهم في ذلك الميدان شاعر الدولة أبو فارس عبد العزيز الملزوزي (ت 697هـ/1298م)..، أَتَى بقصيدة طويلة.. وأُنشِدت بمحضر السلطان والحاشية، فأمر لمنشئها بألف دينار (= اليوم 200 ألف دولار أميركي تقريبا) وخِلعة، ولمنشدها بمئتيْ دينار” أيضا!! ومن اللافت أنه كان للنساء الشواعر حضور في هذه المنافسات الشعرية الموسمية؛ فالقاضي التنوخي يخبرنا -في ‘نشوار المحاضرة‘- قائلا: “حضرتُ بغدادَ في مجلس الملك عضد الدولة (البويهي ت 372هـ/983م) في يوم عيد الفطر سنة سبع وستين وثلاثمئة (367هـ/978م) والشعراء ينشدونه التهاني، فحضرتْ عابدةُ الجُهَنية (ت 367هـ/978م).. فأنشدتْ قصيدةً لم أظْفَرْ منها بشيء”! قوالب بديعة وتنطوي المراحل التي تشهدها المسابقات على الإثارة والتشويق، وتقع فعاليات الاختتام وتتويج المتنافسين في العمق من ذلك متضمنةً أحيانا ما يمكن وصفه بأنه أشكال تكريمية سابقة لعصرها، مثل إقامة “لوحة شرف” أو “نُصْب تكريم” لتخليد أسماء وصور الشعراء الفائزين مقرونة بذكر بلدانهم ومناطقهم التي جاؤوا منها للمنافسة، وبجانبها توضع جائزة كل شاعر!! وفي استعراض تجربة عربية لذلك وقعت في القرن السادس الهجري/الـ12م؛ نطالع نموذجا طريفا أورده المؤرخ المقريزي (ت 845هـم1441م) -في ‘المواعظ والاعتبار‘- بقوله “إن الخليفة الآمر بأحكام الله (الفاطمي ت 524هـ/1130م) بنى على.. بئر دكّة الخركة منظرةً (= بيت عالٍ للتبرد والنزهة) من خشب مدهونة، فيها طاقات (= نوافذ) تُشرف على خضرة بركة الحبش، وصوّرَ فيها الشعراءَ: كل شاعر وبلده! واستدعى من كل واحد منهم قطعة من الشعر في المدح وذِكْرِ الخِرْكاه (= بيت خشبي)، وكتب ذلك عند رأس كل شاعر، وبجانب صورة كل منهم رَفٌّ لطيف مُذْهَبٌ (= مطلي بالذهب)، فلما دخل [الخليفة] الآمر وقرأ الأشعار أمر أن يُحَطَّ على كل رفّ صرّة مختومة فيها خمسون دينارا (= اليوم 10 آلاف دولار أميركي تقريبا)، وأن يدخل كل شاعر ويأخذ صرّته بيده، ففعلوا ذلك وأخذوا صررهم، وكانوا عدّة شعراء”!! كما نعاين تفاصيل أخرى عن فعاليات التكريم للفائزين من خلال ما قدمه المظفّر بن الفضل (ت 656هـ/1258م) -في ‘نضرة الإغريض في نصرة القريض‘- مصوِّرا فعالية تكريم؛ إذ قال: “لم يزلْ [الأمير محمود] ابنُ نَصْرٍ (المرداسي ت 467هـ/1074م) صاحبُ حلبَ يراسِلُ ابنَ حَيّوس الدمشْقيَّ (الشاعر ت 473هـ/1080م) ويواصلُه بالصّلات والأعطِياتِ والمُلاطَفات حتى أقدمَهُ إليه وأوفدَه عليه! فلما قاربَ حلبَ خرجَ في موكبِه وتلقّاهُ، وأكرمَه وحيّاهُ وأنزلَهُ دارَ ضيافَتِه، وبعد أيامٍ جلس في قلعة حلبَ جلوساً عامّاً وأذِنَ لنوّابِه وأمرائِهِ وأصحابِه ووزرائِهِ، فلما استقرّ الناسُ على مراتبِهم استحضرَهُ وأجلسَهُ بين يديهِ، فأنشده قصيدته التي يقولُ في أوّلها: قِفوا في القِلَى حيثُ انتَهَيْتُمْ تذَمُّما ** ولا تقتَفوا مَنْ جارَ لمّا تَحَكَّما! فاستدعى [الأميرُ] بكيسٍ فيه ألفُ دينار (= اليوم 200 ألف دولار أميركي تقريبا) فصبّه عليه فالتقطَه الحاضرون، ثم استدعى بكيسٍ آخر فيه ألفُ دينار، وعشرون ثوباً، وخِلعة سَنيّة (= ثيابا فاخرة)، و[أعطاه] فَرَساً بِطَوْقِ ذَهَبٍ، وسِرْفسارِ (= لِجَام فرس) ذهَبٍ، فأعطاهُ [كلَّ ذلك]، وكتبَ له ضيعةً (= مزرعة) من أمّهاتِ القُرى بحلب؛ فهذه كانت جوائز الشعراء”!! ألقاب عريقة ونعاين في دهاليز الإرث الخاص بالمسابقات الأدبية العربية بعضَ الحالات التي عرفتها والتفاصيل التي اكتنفتها، ومن ذلك توقّف مسار المسابقة أحيانا أو عدم منح الجوائز لسبب مّا؛ إذ يروي الإمام ابن عساكر (ت 571هـ/1176م) -في ‘تاريخ دمشق‘ـ قائلا: “كان الْخَلِيل بْن أَحْمَد (ت 170هـ/786م) صديقا لجَعْفَر بْن سُلَيْمَان الْهَاشِمِي (الأمير العباسي ت 174هـ/790م)، فجَاء يَوْمًا ليدْخل عَلَيْهِ فَوجدَ على بَابه شعراء قد أنشدوه وَقُبلت أشعارهم وتأخرت جوائزهم، فشكوا ذَلِك إِلَيْهِ وسألوه إذْكارَه (= تذكيره)، فَدخل إِلَيْهِ فأنشده: لَا تقبلنّ الشعرَ ثُمَّ تعقّه ** فتنام وَالشعرَاء غير نيامِ وَاعْلَم بِأَنَّهُم إِذا لم يُنصَفوا ** حكمُوا لأَنْفُسِهِمْ على الْحُكَّام وَجِنَايَةُ الْجَانِي عَلَيْهِم تَنْقَضِي ** وعقابُهم يَبْقَى على الْأَيَّام”! أما تقليد حجب الجوائز لعدم استيفاء الشروط فقد كانت من ضمن ما يقع أحيانا؛ فابن خلّكان يروي أنه في حلب “اجْتمع على بَاب الْأَمِير نصر (بن محمود المرداسي ت 468هـ/1075م) جمَاعَة من الشُّعَرَاء وامتدحوه، وتأخرت صِلَتُه (= جائزته) عَنْهُم، وَنزل بعد ذَلِك الْأَمِير نصر إِلَى دَار بولص النَّصْرَانِي (ت بعد 467هـ/1075م)، وَكَانَت لَهُ عَادَة بغشيان منزله وَعقد مجْلِس الْأنس عِنْده. فجاءت الشُّعَرَاء -الَّذين تَأَخَّرت جوائزهم- إِلى بَاب بولص وفيهم أبو الحسن أحمد بن محمد بن الدُّوَيْدَة المعري (ت بعد 467هـ/1075م) الشاعر المعروف، فكتبوا ورقة فيها أبيات اتفقوا على نظمها.. وسيروا الورقة إليه..؛ فلما وقف عليهـ[ـا] الأمير نصر أطلق لهم مئة دينار، فقال: والله لو قالوا بمثل الذي أعطيته لابن حَيُّوس لأعطيتُهم مثله”! وفي استعراض ترتيبات تنظيم ومخرجات مسابقات الأدب؛ نقف على العراقة التاريخية لظاهرة منح الألقاب التكريمية لذوي الإبداع في المجال العربي، وهو أسلوب بدأ منذ الشعر الجاهلي فيما يمكن التعبير عنه بلقب “شاعر الموسم”. ويفيدنا بالدلالة شبه الصريحة لإطلاقهم هذا اللقب ما أورده صدر الدين ابن معصوم المدني (ت 1120هـ/1708م) -في ‘أنوار الربيع في أنواع البديع‘- من قول النابغة في سوق عكاظ للخنساء: “لولا أن هذا الأعمى أنشدني قبلك -يعني الأعشى- لفضّلتُكِ على شعراء هذا الموسم”! وفي العهد النبوي لُقِّب مثلا حسّان بـ«شاعر النبي» ﷺ؛ كما سبق القول. أمراء الشعراء كما يُحيل لقب “أمير الشعراء” إلى التصدر وكسب السبق في ميدان القصيد؛ وعن سوابق إطلاق هذا اللقب في تراثنا الأدبي وأثر حيازته في تشجيع الشعراء؛ يحدثنا البحتري بقول أبي تمام له وفقا لما رواه ابن خلكان: “أنت أمير الشعراء مِن بعدي! فكان قوله هذا أحبَّ إليّ من جميع ما حويته” من جوائز مالية!! ويقدم لنا أبو منصور الثعالبي إطلاقين محدديْن للقب “أمير الشعراء” في الجاهلية والإسلام؛ فيقول -في ‘لباب الآداب‘- إن “امرؤ القيس بن حجر الكندي (ت 80ق.هـ/545م) هو «أمير الشعراء»” الجاهليين. وينقل -في ‘الإعجاز والإيجاز‘- أن الأديب المشهور أبا بكر الخوارزميّ (ت 383هـ/994م) كان يقول: “«أمير الشعراء» العصريين أبو الطيب (المتنبي ت 354هـ/965م)، وأمير شعره: قصيدته التي أولها: «مَن الجَآذرُ في زِيّ الأعاريب»؟! وأمير هذه القصيدة قوله: أزورُهم وسوادُ الليلِ يشفع لي ** وأنْثَني وبياضُ الصبحِ يُغْري بي”!! ويبدو أنه ظهر كذلك -في بعض الحقب- لقب تكرمي آخر أعلى في دلالته من “أمير الشعراء” وهو لقب: “ملِك الشعراء”! ولئن ساد إطلاقه أكثر في البيئات غير العربية بين شعراء الفرس والترك؛ فإنه وجد طريقه أحيانا إلى الأوساط الأدبية العربية كما نجده في ترجمة المؤرخ ابن العديم (ت 660هـ/1262م) -في ‘بغية الطلب‘- للشاعر سعد بن محمد الصيفي التميمي (ت 574هـ/1179م) المعروف بالحَيْصَ بَيْصَ. فقد ذكر أنه “قال الشعر في جميع الفنون فأجاد، واتفق الخاص والعام على تفضيله على شعراء وقته.. ولُقِّب بـ «مَلِك الشعراء»”!! واستمرّ إنتاج الألقاب عبر حقب التاريخ اللاحقة وبصيغ تحيل إلى تخصيص شاعر بارع بلقب وطني يخلّد اسمه مقرونا باسم بلاده ليكون بذلك “شاعر الوطن”، وهو ما كان يدفع ناشئة الشباب للتفرغ للإبداع الأدبي اقتداء بأصحاب هذا اللقب، وطلبا لما حازوه من تميز ومكانة عند الناس، كما حصل للأديب الأندلسي ابن عبد ربه (مؤلِّف كتاب ‘العِقْد الفريد‘) الذي كان شعبه يلقبه “شاعر البلد”!! ونجد قصة دالة عن هذا اللقب عند الحافظ الحُميدي في ترجمته للشاعر الأديب يحيى بن هُذَيْل الأندلسي (ت 386هـ/997م)؛ إذْ يروي عنه قوله إن “أول تعرضه للشعر إنما كان لأنه حضر جنازة أحمد بن محمد بن عبد ربه، قال: وأنا يومئذ في أوان الشبيبة؛ قال: فرأيتُ فيها من الجمع العظيم وتكاثُرِ الناس شيئا راعني! فقلتُ: لمَنْ هذه الجنازة؟ فقيل لي: لـ«شاعر البلد»! فوقع في نفسي الرغبة في الشعر” من يومها!! ويتحدث المقّري عن أحد الشعراء عاش بعد تلك الواقعة بقرنين؛ فيقول عنه: “وهو من مشهوري شعراء الأندلس، ولمّا أنشد أميرَ المؤمنين عبد المؤمن بن علي (مؤسس دولة الموحدين ت 558هـ/1163م) بجبل الفتح (= جبل طارق) قولَه: غَمِّضْ عن الشمس واستقْصِرْ مدى زُحَلِ ** وانظرْ إلى الجبل الراسي على جبل! قال له [الأمير]: أنت «شاعر هذه الجزيرة» (= الأندلس)، لولا أنك بدأتنا بغمض وزحل والجبل”! احتفاء مزدوج لم يستأثر الشعر العربي وحده باقتناص الجوائز والعطايا في مسيرة الحضارة الإسلامية؛ فالأعمال النثرية وفنون التأليف كان لها حظها من الاحتفاء الواسع بها والذي تلاحقت نماذجه طوال قرون الإسلام وعلى امتداد رقعة جغرافيته؛ فكثيرا ما يقابلنا -في كتب التاريخ والتراجم- أن سلطانا أو وزيرا كبيرا كان يغدق الجوائز على العلماء كما يفعل مع الشعراء، وما ذلك إلا لأن الجوائز التشجيعية -كانت ولا تزال- أكبر مشجع ومُعين للكُتّاب والمؤلفين على الإبداع الأدبي والإنتاج العلمي! وقد بدأ تقليد جوائز الأعمال النثرية مع استهلال عصور التأليف في الحضارة الإسلامية؛ فهذا أديب العربية الجاحظ (ت 255هـ/869م) ينال جوائز دولة تشجيعية عن ثلاثة من مؤلفاته العظيمة بما تبلغ قيمة مجموعه اليوم ما يساوي تقريبا ثلاثة ملايين دولار أميركي، أي بمعدل مليون دولار مكافأةً عن كل كتاب، وهو ما يعادل اليوم بالضبط قيمة “جائزة نوبل” للآداب!! ولندع الجاحظ يحدثنا بنفسه عن ذلك -فيما نقله عنه الذهبي في ‘السِّيَر‘- بقوله: “أهديتُ كتاب ‘الحيوان‘ إلى محمد بن عبد الملك (الزيّات الوزير ت 233هـ/848م) فأعطاني خمسة آلاف دينار! وأهديت كتاب ‘البيان والتبيين‘ إلى ابن أبي دُؤاد (ت 240هـ/855م) فأعطاني خمسة آلاف دينار! وأهديت كتاب ‘الزرع والنخل‘ إلى إبراهيم بن العباس الصولي (كبير الكتّاب العباسيين ت 243هـ/857م) فأعطاني خمسة آلاف دينار! فانصرفت إلى البصرة ومعي ضَيْعة لا تحتاج إلى تجديد ولا تسميد”!! وإذا كانت جوائز المؤلفين والرواة بدأت على شكل الجوائز الممنوحة من الدولة والمؤسسات تشجيعا وتقديرا؛ فإن تقويمها في إطار التنافس يظهر في مثل ما رواه ياقوت الحموي -في ‘معجم الأدباء‘- مُورِدا خطابَ تكريمٍ رسميا لعلماء متخصصين في مجال الرواية وعلوم الأدب مع قرض الشعر، وهو قول أحد موظفي بلاط الخليفة العباسي المهدي (ت 169هـ/787م) حيث “اجتمع.. عِدّةٌ من الرواة والعلماء بأيام العرب وآدابها وأشعارها ولغاتها”: “يا معشر مَنْ حضر من أهل العلم؛ إن أمير المؤمنين يعلمكم أنه قد وَصَلَ (= أعطاه جائزة) حمادا الشاعر (= حماد الراوية ت 155هـ/773م) بعشرين ألف *درهم لجودة شعره، وأبطل روايته لزيادته في أشعار الناس ما ليس منها؛ ووصل المفضَّلَ (الضَّبِّي ت بعد 171هـ/788م) بخمسين ألفًا لصدقه وصحة روايته؛ فمن أراد أن يسمع شعرًا جيدا مُحْدَثًا فليسمعه من حماد، ومن أراد رواية صحيحة فليأخذها عن المفضَّل”!! وقد سبقت الحضارة الإسلامية إلى تقليد “جوائز الدولة” للكِتَاب والترجمة، ووصلت فيها إلى مستوى لم تصله حتى دول عالمنا اليوم رغم تفننها في تقدير المؤلَّفات وتكريم المؤلِّفين؛ فقد عرفت هذه الحضارة دفع جوائز كتب الإبداع العلمي بوزن مؤلفاتها ذهبا!! مكافآت سخية فالمؤرخ ابن أبي أصَيْبِعة (ت 686هـ/1270م) يذكر -في ‘عيون الأنباء‘ـ أنه عندما عزم الخليفة العباسي المأمون (ت 218هـ/833م) على ترجمة التراث اليوناني العلمي والفلسفي إلى العربية “أحضَرَ.. حُنَين ابن إسحق (ت 260هـ/874م) -وكان فتيَّ السنّ- وأمره بنقل (= ترجمة) ما يقدر عليه من كتب الحكماء اليونانيين إلى [اللسان] العربي، وإصلاح ما ينقله غيره؛ فامتثل أمرَه. ومما يحكى عنه أن المأمون كان يعطيه من الذهب زِنَةَ ما ينقله من الكتب إلى العربي مِثْلًا بمِثْل”!! ولذلك كان حنين يحتال للحصول على أكبر كمية من الذهب في جوائزه؛ فكان -وفقا لابن أبي أصَيْبِعة الذي قال إنه رأى أصول بعض ترجماته تلك- يتعمد “تعظيم حجم الكتاب وتكثير وزنه لأجل ما يقابل به من وزنه دراهم” فضية ودنانير ذهبية!! ورغم ذلك؛ فإنه -في الشق اللصيق بجوائز الأدب- برزت تلك الملحوظة التي سجلها أبو حيان التوحيدي (ت بعد 400هـ/1010م) في ‘الإمتاع والمؤانسة‘، ومفادها أنه “إذا تتبّعت جوائز الشّعراء التي وصلت إليهم من الخلفاء وولاة العهود والأمراء والولاة في مقاماتهم المؤرّخة، ومجالسهم الفاخرة وأنديتهم المشهورة؛ وجدتَها خارجة عن الحصر بعيدة من الإحصاء، وإذا تتبّعت هذه الحال لأصحاب النّثر لم تجد شيئا من ذلك”!! ويمكن القول إنه إذا كانت جوائز الكتاب الأدبي جزءا من إطار حضاري عام يهتم بمختلف المؤلفات؛ فإن مسيرتها تعكس شيئا كالذي كان يتم مع الشعراء من إحرازهم جوائز البلاطات المتعددة، وإثارتهم صدى في السوق الأدبي وعند الرأي العام. ويدل على ذلك ما حدّث به ياقوت الحموي من أن “أبا الفرج [الأصفهاني] أهدى كتاب ‘الأغاني‘ إلى سيف الدولة ابن حمدان (ت 356هـ/967م) فأعطاه ألف دينار (= 200 ألف دولار أميركي تقريبا)، وبلغ ذلك الصاحبَ أبا القاسم بن عبّاد فقال: لقد قصّر سيف الدولة وإنه يستأهل أضعافها”!! وفي إطار ما أحدثه صدى هذه الجائزة؛ يقول ابن الأبّار الأندلسي -في ‘الحُلَّة السِّيَرا‘- إن خليفة الأندلس الأموي الحَكَم المستنصر (ت 366هـ/977م) “بعث إلى أَبي الفرَج الْأَصْبَهَانِي ّ/الأصفهاني الْقرشِي المرواني ألفَ دِينَار عَيْناً ذَهَبا، وخاطبه يلْتَمس مِنْهُ نُسْخَة من كِتَابه الَّذِي أَلفه فِي الأغاني، وَمَا لأحد مثلُه”!! دعم مؤسسي وفي القرن السابع الهجري/الـ13م؛ نجد أن سلاطين الدولة الأيوبية بذلوا عناية كبيرة في الجمع بين تشجيع العلماء والشعراء؛ على نحو ما كان يتبعه الملك الأمجد الأيوبي (ت 627هـ/1230م) سلطان بعلبك، الذي يخبرنا المؤرخ ابن واصل الحموي (ت 697هـ/1298م) -في ‘مفرِّج الكروب في أخبار بني أيوب‘- بأنه كان “ملكا جليلا فاضلا متأدبا، يحب العلماء والفضلاء والشعراء وأهل الأدب، ويجيزهم بالجوائز الكثيرة، وكان يقول الشعر الجيد البديع.. ولم يكن في [سلاطين] بني أيوب أشعر منه”!! وفي القرن نفسه؛ صار تخصيص الجوائز لحفظ كتب العلم سياسة تعليمية متَّبعة لدى السلطان الأيوبي المعظَّم عيسى ابن العادل (ت 624هـ/1227م)، الذي جمع التضلع في العلوم إلى حمل أعباء الملك وتدبير الدول؛ فكان عالِما محدِّثا ولغويا نحويا وفقيها حنفيا متبحرا في مذهبه “حتى تأهَّل للفتيا” فيه؛ طبقا للذهبي في ‘السِّيَر‘. وكان مخْلِصا لمذهبه إلى حد “التعصب” له ورصد الجوائز المالية لمن يحفظ أمهات كتبه الفقهية؛ فالذهبي يقول إن السلطان المعظّم “كان يتعصب لمذهبه [الحنفي]، وقد جَعَلَ لمن عَرَض (= حفِظ).. ‘الجامعَ الكبير‘ [للإمام محمد بن الحسن الشيباني (ت 189هـ/805م)] مئتيْ دينار (= اليوم 40 ألف دولار أميركي تقريبا)” مكافأةً. ويفيدنا المؤرخ ابن الأثير (ت 630هـ/1233م) -في ‘الكامل‘- بأن هذا السلطان “نَفَقَ (= راجَ) العلمُ في سوقه، وقصده العلماء من الآفاق فأكرمهم وأجرى عليهم الجرايات (= الرواتب) الوافرة” عليهم. ويذكر ابن خلّكان -في ‘وفيات الأعيان‘- أن المعظَّم “شَرَط لكل من يحفظ [كتاب] ‘المُفصَّل‘ للزمخشري (ت 539هـ/1144م) مئة دينار وخِلْعَةً (= ثيابا ثمينة)، فحفظه لهذا السبب جماعة” من الفقهاء! بينما ينسب إليه المحدِّث ابن قُطْلوبُغا (ت 879هـ/1474م) -في ‘تاج التراجم‘- أنه رصد “لمن يحفظ [كتاب] ‘الإيضاح‘ [في النحو لأبي علي الفارسي ت 377هـ/988م] ثلاثين دينارا، سوى الخِلَع” أي الثياب الفاخرة!! ولم تكن الجوائز العينية هي الشكل الوحيد للتكريم الذي يناله المبدعون من الأدباء تقديرا لمكانتهم في المجتمع؛ بل إن تعيينهم في المناصب الرسمية العالية -بما فيها منصب الوزارة الذي تولاه عدد من كبار الأدباء مشرقا ومغربا- كان من أبرز صور التكريم والمكافأة التي استحقوها طوال العصور الإسلامية. ومن نماذج ذلك تعيين الشاعر أبي تمام على رأس إدارة “بريد الموصل فأقام بها أكثر من سنة” حتى توفي ودُفن في مقابرها؛ طبقا للذهبي وابن خلّكان. ومعلوم ما كان لتلك الوظيفة من أهمية حساسة سياسيا وأمنيا بسبب اتصال جهاز “ديوان البريد” قديما بمؤسسات أمن الدولة وأجهزة استخباراتها. ويترجم تاج الدين ابن السَّاعي (ت 674هـ/1275م) -في ‘الدر الثمين‘- للفقيه الأديب جعفر بن مكي بن علي بن سعيد الشافعي (ت 639هـ/1241م)؛ فيصفه بأنه كان من أهل “علم الأدب وقال الشعر، ورُتِّبَ خازنا بالخزانة (= المكتبة) الناصرية بالمدرسة النظامية [ببغداد]..، [ثم] جالس الإمام الناصر لدين الله (العباسي ت 622هـ/1225م) وجعله على ديوان البريد، ومتقدما على الشعراء في الإيراد..، وله كتاب في الموسيقى وديوان شعره. وقد رتبه الإمام المستنصر بالله [العباسي] حاجب باب المراتب” الذي هو أحد الأبواب الحساسة في دار الخلافة العباسية ببغداد!!
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |