نحو نظرية إسلامية جديدة للمسرح - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أبو بكر الصديق رضي الله عنه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 25 )           »          لماذا يصمت العالم عن المجاعة في غزة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أعمال تعدل أجر الصدقات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          البلاء في حقك: نعمةٌ أو نقمة؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          شرح النووي لحديث: كان رجل من المشركين قد أحرق المسلمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          شرح النووي لحديث: ارم فداك أبي وأمي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 24 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-08-2022, 11:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي نحو نظرية إسلامية جديدة للمسرح

نحو نظرية إسلامية جديدة للمسرح


د. جميل حمداوي






توطئة


ظهرت نظرية مسرحية جديدة بالمغرب مع جميل حمداوي، وقد سماها بـ(النظرية المسرحية الإسلامية)، والهدف منها خدمة الإسلام في مجال الإستيتيقا والجمال والفن، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ (فصلت: 30 -35).



هذا، وتندرج هذه النظرية في الحقيقة ضمن خانة الأدب الإسلامي الذي نظر له كل من: الشيخ أبو الحسن الندوي، والإمام الشهيد حسن البنا، والسفير صلاح الدين السلجوقي، والسيد قطب، ومحمد قطب، والدكتور عبدالرحمن رأفت الباشا، والدكتور أحمد بسام ساعي، والدكتور نجيب الكيلاني، والدكتور حسن الأمراني...



أما في مجال المسرح وفنون الدراما، فلابد من استحضار الدكتور عماد الدين خليل صاحب كتابي: (في النقد الإسلامي المعاصر)[1] و(فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر)[2]، ونجيب الكيلاني في كتابيه (مدخل إلى الأدب الإسلامي) [3] و(المسرح الإسلامي)[4]، وكتابات الباحث العراقي حكمت صالح حول المسرح الإسلامي المعاصر[5]، ومحمد عزيزة في كتابه القيم (الإسلام والمسرح)[6]، وعمر محمد الطالب في كتابه (ملامح المسرحية العربية الإسلامية)[7]...



1 - التصور النظري:

ترتكز النظرية المسرحية الإسلامية الجديدة على مجموعة من القواعد والمبادئ والمفاهيم الفكرية والجمالية التي يمكن حصرها فيما يلي:

مفهوم المسرح الإسلامي:

من المعلوم أن المسرح الإسلامي - حسب الباحث جميل حمداوي - هو ذلك المسرح المتكامل شكلا ومضمونا ورؤية، ويحمل أيضا رؤية إسلامية ربانية شاملة ومنسجمة ومتناسقة في نظرتها إلى الكون والإنسان والحياة والقيم. وبالتالي، فهي رؤية إنسانية جامعة، ونظرة متوازنة تجمع بين المادة والروح، وتوفق بين الدنيا والآخرة، وتزاوج بين العقل والعاطفة، وبين العبادة والعمل، وبين الجسد والنفس. ومن ثم، ينطلق المسرح الإسلامي - نظرية وممارسة - من التصور القرآني الرباني المعجز، ويمتح مبادئه الجوهرية من الهدي النبوي الشريف. ويقوم كذلك على الالتزام الرباني الذي قوامه الطاعة والمسؤولية والاستسلام، والتمثل بشريعة الله نية وقولا وفعلا.



ويعني هذا أن المسرح الإسلامي مسرح يستهدف السمو بالإنسان إلى مراتب الكمال، والإعلاء به إلى أعلى مدارج الترقي، ورفعه أخلاقيا وقيميا إلى قمة الفضيلة والسعادة الدنيوية والأخروية، وتخليصه من شوائب المادة، وبراثن الطين، وغواية الجسد، ومنافع العاجلة، وتحريره من عالم الخمرة، وشرك الإباحية الحيوانية، وانتزاعه من عالم الأهواء الطائشة، والميولات الشيطانية، وإنقاذه من الشرور الدنيوية الدنيئة.



وبناء على ما سبق، يرفض المسرح الإسلامي الغواية المجانية، والنفاق الكاذب، والغلو المبالغ فيه، والعبثية الفوضوية. وفي المقابل، يدعو إلى الإيمان الصادق، والعمل الصالح، والصبر في الحياة من أجل نيل النصر المبين مصداقا لقوله تعالى في سورة الشعراء:

﴿ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ (الشعراء: 225 - 227).



هذا، فقد عرف المسرح الغربي مجموعة من النظريات والمدارس والمذاهب المتباينة في التصور والممارسة. فقد نقل لنا المسرح اليوناني صراعا تراجيديا عموديا بين الإنسان وحشود الآلهة، فكان البطل ينهار دائما خائبا أمام صفعات الآلهة القوية على الرغم من التحدي السيزيفي أو البروميثيوسي من أجل تحيق النصر. ويقتفي المسرح الروماني أثر المسرح اليوناني في تصوير ضآلة الإنسان أمام قوة الآلهة، وتجبر الأسياد الحاكمين. لننتقل، بعد ذلك، إلى مسرح العصور الوسطى الذي كان يطغى عليه الجانب الديني والتعليمي، فتصبح الفرجة ذات مسحة تبشيرية تجمع في طياتها بين رؤية دينية مسيحية مشوهة، ونبرة تعليمية زائفة، تجسد صراع الإنسان مع الأهواء والشياطين.



ومن مسرح عصر النهضة والأنوار إلى مسرح القرن التاسع عشر الميلادي، سيعمل المسرح الغربي على تمجيد الفرد الإنساني تمجيدا، وتقديسه عقلا وعاطفة وحسا. ومن ثم، سيتخذ الصراع المسرحي بعدا إنسانيا أفقيا، يتطاحن فيه الإنسان مع أخيه الإنسان، ضمن صراع جدلي قائم على العدوان والكراهية والاستغلال، لاسيما مع نظريات القوة والإرادة (نيتشه، وشوبنهاور...)، ونظريات التصور المادي الماركسي (ماركس، وفيورباخ، وهيجل، وبيليخانوف، وأنطونيو غرامشي، ولوي ألتوسير...).



وبعد انهيار أوربا بعد الحربين الكونيتين، ظهرت مجموعة من المذاهب المسرحية التي تندد بالعقل والمنطق، فبرزت فلسفات عابثة،وتشكلت نظريات فنية وجمالية شاكة تدعو إلى الفوضى، والعبث، والجنون، والعدمية، والغضب، واليأس، والتشاؤم، والثورة على الواقع الكائن، كالسريالية والدادائية والرمزية والوجودية ومسرح العبث واللامعقول....



وفي مقابل هذه التيارات الملحدة ذات الرؤية السوداوية، نجد المسرح الإسلامي يعلن حربه على العبثية والفوضى والعدمية، ويقف بالمرصاد في وجه كل الأفكار اليائسة والسموم القاتلة. وبقي هذا المسرح الإسلامي، وما يزال إلى يومنا هذا، يدعو إلى العمل والعطاء والبناء والإبداع والخلق والابتكار، والتسلح بالإيمان والأمل والصبر من أجل الظفر بسعادة الدنيا والآخرة، مع التغني دراميا بقيم الخير والمحبة والحق والجمال والحرية مصداقا لقوله تعالى: ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ﴾ (المؤمنون: 115).



أهداف المسرح الإسلامي:

يهدف المسرح الإسلامي إلى تحرير الإنسان من شوائب المادة وأدران الجسد، وتخليصه من عالم الفتنة والغواية والرذيلة، عن طريق تطهيره أخلاقيا ودينيا وروحيا، مع الرفع من مكانته الإنسانية والحضارية ليصير كائنا بشريا مبدعا وصالحا لوطنه وأمته وعقيدته، له رسالة سامية في الأرض التي تتمثل في البناء الهادف، والاستخلاف الجاد. وبالتالي، فالإنسان في هذا الكون ليس ذاتا ضائعة عابثة ويائسة، أو ذاتا سيزيفية مقذوفة بها من أجل أن تعذب أوتحاسب جورا وظلما، بل خلق الإنسان ليعبد الله عبادة خالصة لذاته، والسعي الجاد من أجل بناء الحضارة الإنسانية، وتعمير الكون من أجل الصالح العام، وخدمة الدنيا والآخرة، والعمل من أجل العاجلة والآجلة مصداقا لقوله تعالى تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ (سورة الذاريات: 56، 58).



ومن هنا، فلابد أن يكون المسرح الإسلامي ذا رسالة هادفة وبانية تخدم الإنسان أينما حل وارتحل، وتسمو بعقله ووجدانه وجسده إنسانيا وأخلاقيا ومصيريا، فيتخذ الوسطية مذهبا له في هذه الحياة الطافحة بالتناقضات والمشاكل والصراعات النفسية والاجتماعية والواقعية؛ بسبب طغيان الرذيلة، وتفسخ الأخلاق، وانحطاط الإنسان، وتراجع القيم الأصيلة التي تم استبدالها بالقيم الكمية الاستعمالية في عالمنا المحنط بالماديات والمعايير الزائفة.



مقومات المسرح الإسلامي:

يستند المسرح الإسلامي إلى مجموعة من المقومات والمرتكزات والمفاهيم الأساسية التي يمكن حصرها في المبادئ التالية:

1- الجمع بين الفائدة والمتعة، والتأرجح بين الجد والترويح عن النفس ترفيها وتسلية. ولا ينبغي أن يكون الترفيه مجانيا ومجرد عبث، يل يكون هادفا ومفيدا مرتبطا بتنمية الوعي وتطويره ذهنيا ووجدانيا وعمليا في خدمة النفس الإنسانية بعد العمل المتعب الشاق. ويقول الأستاذ شوقي خميس: "... نطلب من المسرح دائما شيئا أعمق من مجرد الترفيه، نطلب منه ذلك الوعي الذي يضاعف الحياة داخلنا، ويزيدها عمقا واتساعا وتحررا وإمتاعا، لقد تحول المسرح في عصور الانحطاط إلى مجرد أداة للترفيه عن البشر المتعبين والضائعين، ولكن ذلك التحول كان الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، وهي أن المسرح لا يجب أن يكون مجرد أداة ترفيه فحسب. ثم حدثت النقلة المعاصرة، ولم يعد هناك استثناء ولا قاعدة، وصار للترفيه فلسفته كاحتياج إنساني، يؤكد حرية الإنسان، ورفضه، يكون مجرد آلية تؤدي دورها المرسوم داخل أنظمة اجتماعية شديدة التعقيد، تستلبه من ذاته، وتقهره بضغوط لا قبل له بها، وهذا بالطبع لا يتناقض مع الدور الجاد للمسرح الذي تضاعفت مسؤوليته ودوره، في استعادة الإنسان المغترب عن عالمه المتمثل في أخوته ومجتمعه وعصره..."[8].



وفي هذا السياق أيضا، يقول نعمان عاشور بأن المسرح "أصلا يقوم لا على التسليم بما هو قائم وموجود، وإنما بالدعوة إلى ما هو أفضل وأرقى منه، والمسرح أساسا فن رفض الواقع، لأنه يقوم على رؤية جديدة لواقع جديد، ونظرة مغايرة للواقع القائم، ومن هنا فالأصل أن تتبلور الجهود حول تعديل مسار المسرح، لكي يكون أقرب إلى الالتزام والجدية في عرض ومعالجة مشاكل الحياة، لا إلهاء الناس عنها بالضحك الأجوف، والتسلية الفارغة..." [9].



2- التوفيق بين المضامين الهادفة والأشكال الفنية الجمالية الجيدة أثناء تقديم الفرجات المسرحية ذات المنظور الإسلامي.



3- تقديم مضامين درامية متنوعة جادة وبناءة ومسؤولة في رؤاها وتصوراتها المقصدية.



4- قيام المسرح الحقيقي على الالتزام الإسلامي، بدلا من الارتكاز على الالتزام الماركسي كما في الكثير من المسرحيات البريختية، أو الالتزام الوجودي العبثي كما في مسرحيات سارتر ومسرح اللامعقول، أو الالتزام الرأسمالي الليبرالي المتوحش كما هو الحال في الكثير من المسرحيات الغربية الداعية إلى الحرية الفردية وحرية التملك والتبرجز.



5- التركيز على التطهير الأخلاقي والصراع الدرامي الديني والأخلاقي والحضاري.



6- الاهتمام بالتغيير الأخلاقي الروحاني، والعمل على الإصلاح الديني الإيجابي، وتعديل القيم والسلوكيات السلبية المشينة على مستوى الرصد والتلقي أثناء الاشتباك الدرامي والنفسي بين الممثل والمتفرج.



7- التشديد على الرسالة في بناء الشخص حضاريا، وتوعيته أخلاقيا، قبل التشديد على الشكل والجمال والزينة.



8- أن تحمل المسرحية الإسلامية ثقافة ربانية إنسانية منفتحة، وتتضمن أيضا ثقافة محررة ومتحررة واضحة ومتوازنة ومسؤولة وواعية مصداقا لقول الرسول (صلعم): " كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته"[10].



9- أن يكون المسرح الإسلامي مسرحا شاملا في تقنياته الفنية والجمالية، ومفيدا وممتعا موضوعا وعرضا ورؤية.



10- أن يسمو المسرح الإسلامي بالإنسان جسدا وروحا، مع ترسيخ القيم الأصيلة في سبيل تحقيق الخير والنماء والحق والعدل والحرية والجمال.



تلكم - إذًا - أهم المرتكزات والمقومات الجوهرية التي ينبني عليها المسرح الإسلامي في تحبيك النصوص الدرامية، وعرض الفرجات الركحية، من أجل إفادة المتفرج وإمتاعه ترويحا وترفيها وتسلية.



مضامين المسرح الإسلامي:

يمكن للمسرح الإسلامي أن يتناول كل التيمات والمواضيع والقضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتاريخية والفلسفية والإنسانية، بل يمكن أن يتعرض لكل الطابوهات الممنوعة في المجتمع العربي الإسلامي من جنس وسياسة ودين بالدرس والنقد والفحص والتشريح. لكن بشرط ألا تتناقض الحمولات المسرحية ومقاصدها القريبة والبعيدة، المباشرة وغير المباشرة، مع تعاليم الإسلام، أوتتعارض مع مبادئ العقيدة الربانية الصحيحة والمثلى. لأن الإسلام يحمل في طياته رؤية إنسانية ونظرة عقدية متكاملة وثابتة ومتوازنة أكثر واقعية وعدالة من المذاهب المسرحية والفلسفية والنظريات البشرية التي تخضع للتغيير والدحض والتكذيب - حسب تصور كارل بوبر - في نقده للنظريات العلمية البشرية.



هذا، ويستوعب المسرح الإسلامي "الحياة بكل ما فيها، ويتناول شتى قضاياها ومظاهرها ومشاكلها، وفق التصور الإسلامي الصحيح لهذه الحياة، ولا يزيف حقيقة، أو يخلق وهما فاسدا، أو يحابي ضلالا، أو يزين نفاقا، ويطلق نيرانه على شياطين الانحراف والقهر والظلم، ومن ثم ينهض بعزائم المستضعفين، وينصر قضايا المظلومين، ويخفف من بلايا وأحزان المعذبين، ويبشر بالخير والحب والحق والجمال."[11].



ومن هنا، فالمسرح الإسلامي مسرح شامل صياغة ودلالة ووظيفة، يمكن أن يتناول جميع القضايا والمشاكل التي تؤرق الإنسان في حياته اليومية، مهما كانت طبيعة هذه المشاكل والهموم والأحزان، لكن من منظور أخلاقي إسلامي متكامل في مبادئه، يبتغي خدمة الإنسان عقلا وروحا، جسدا ونفسا.



الصراع في المسرح الإسلامي:

إذا كان الصراع في المسرح الغربي صراعا تراجيديا عموديا بين الإنسان والقدر (تعدد الآلهة)، كما نجد ذلك جليا في مسرحيات سوفكلوس وأسخيلوس ويوربيديس، أو يكون صراعا ديناميكيا كما في مسرحية (الفرس)، أو صراعا فوقيا إنسانيا في الكثير من الأعمال الدرامية كما في مسرحية (أنتيغون)؛ بسبب الصراع الجدلي بين المستغلين (بكسر الغين) والمستغلين (بفتح الغين)، فإن الصراع في المسرح الإسلامي هو صراع أخلاقي واقعي بين الحق والظلم، وبين الروح والمادة، وبين الغواية والهداية، أو صراع اجتماعي واقعي بين المتكبرين والمستضعفين، أو صراع ديني بين الوثنية والتوحيد، أو صراع نفسي داخلي وباطني بين الخطيئة والتوبة، كما يظهر ذلك باديا وواضحا مثلا في مسرح التعازي لدى الشيعة، على الرغم من غلو هذا الطقس المسرحي وانحراف عقيدته[12].



ومن هنا، يقوم التطهير الأخلاقي بدور هام في المسرح الإسلامي، مادام مبنيا على التقويم الإيجابي، وإصلاح ما اعوج من سلوكيات بشرية طائشة وشائنة، وتغيير ما فسد من القيم والعقائد بسبب الضلال والانحراف. وفي هذا الصدد، يقول نجيب الكيلاني: "من الطبيعي أن يكون الإبداع - في المنهج الإسلامي - وسيلة خاصة من وسائل التربية، وبعيدا عن المصطلحات والمدارس المختلفة لتفسير العلاقة بين الإبداع والتربية، فإنه يمكننا القول: إن الإبداع الفني أو الأدبي له تأثيره المتميز على نفسية المتلقي وفكره سواء أدرك المتلقي ذلك أو لم يدركه، إن البهجة أو المتعة التي يخلقها الأثر الأدبي، أو استئناف التفكير في المشاكل أو الصراعات التي يطرحها الفنان، أو اتخاذ موقف من المواقف، إنما ينبع ذلك كله مما نسميه بالتأثير، حتى ولو افترضنا أن الفنان كان جماليا صرفا، وتلك المصطلحات التي نقرأ عنها في التراث المسرحي القديم عند الإغريق أو الرومان كالتطهير أو التعاطف أو التسامي وما إلى ذلك، إنما ترمز في جملتها إلى الأثر التربوي للإبداع، كما تعبر عن التفاعل الوجداني بين ذلك الأثر والمتلقي، ولا نستطيع أن نفصل المضمون الفكري عن الشكل الفني في هذا التصور، فكلاهما ترجمة للإبداع الصحيح."[13].



ويضيف الباحث بأن المسرح الإسلامي يوظف هذا المفهوم الإغريقي القائم على رصد التفاعل الموجود بين الأثر الجمالي والمتلقي أثناء التفاعل مع الإبداع الدرامي المعروض: "ويوظف [المسرح الإسلامي] إمكاناته المختلفة في إحداث الأثر الإيجابي، المرتبط بذات الأديب المسلم وتصوراته وتطلعاته، ويأتي هذا تلقائيا دون تصنع أو زيف، لأن التكلف يوهي من عري الإبداع، ويعطل من تأثيره الفعال، ويهبط بمنزلة الأديب إلى مرتبة تجعله قاصرا عن القيام بدوره، في تخليص الإنسان من الوثنية والانحراف والتخبط، وتعزله عن دوره الحضاري والاجتماعي" [14].



وهكذا، يرفض المسرح الإسلامي كل الصراعات الوثنية والتطاحنات البشرية القائمة على الاستغلال والعدوان والكراهية، ويستبدل كل ذلك بصراع مسرحي أخلاقي وديني عقدي بين الضلالة والهداية، بين الكفر والإيمان، عبر استعمال التطهير الأخلاقي الإيجابي لتغيير المتلقي ذهنيا ووجدانيا وأخلاقيا وعقديا.



الممثل في المسرح الإسلامي:

من المعروف أن الإسلام دين الكمال والتوازن والفضيلة والسعادة الدنيوية والأخروية، كما أنه دين البناء والعمران والعبادة والعمل والأمل. وبالتالي، فهو يرفض اليأس والقنوط والتشاؤم والملل والسأم، ويعتبر ذلك من مهاوي الرذيلة والسقوط والانهيار، ويعده كذلك من سبل الكفر والشرك، وعدم القناعة بما قسم الله لعباده.



لذلك، يستهجن المسرح الإسلامي الشخصيات الخانعة والفاسدة والذليلة والمتقاعسة، ويستبدلها بشخصيات مؤمنة قوية، ويعوضها بأبطال قادرين على العمل الجاد، والفعل الهادف، والتغيير الإيجابي المستمر. ومن ثم، يرفض هذا المسرح الشخصيات الفردية الفاشلة وغير المنجزة، ويعوضها بشخصيات إيجابية فاعلة حرة ومبدعة ومبتكرة، لها كامل الإرادة والحرية والقوة والقدرة على تغيير واقعها المنحط، واستبداله بواقع أفضل وأسمى دينيا وأخلاقيا وروحيا.



ولا ينظر المسرح الإسلامي إلى الممثلين المسرحيين فوق الركح أو ورقة الكتابة على أنهم كائنات ورقية أو بنيات نسقية مجردة أو عناصر بنيوية سانكرونية أو عوامل سيميائية شكلية ونحوية، بل ينظر إليهم باعتبارهم كائنات بشرية، وشخصيات محترمة، وذوات فاعلة لها كينونة وهوية وقيمة أخلاقية، تؤدي واجبها الديني والخلقي من أجل تغيير الواقع الفاسد، واستبداله بواقع أكثر صلاحا ورفعة وفضيلة.



ويمكن أن نستحضر فوق الخشبة ممثلين يؤدون أدورا متناقضة، كأن نستدعي - مثلا - شخصيات مؤمنة ورعة وتقية في مقابل شخصيات زانية أو لواطية أو مجرمة أو خاطئة، فنقوم سلوكياتها بالجدال المنطقي الواضح، فنقدم لها المواعظ الحسنة، ثم نصحح أخطاءها بشكل تدريجي مقنع. ويبدو من هذا أننا نقصد بذلك تغيير أخلاقيات الجمهور، وتعديلها إيجابيا، وتطهيرها دينيا وأخلاقيا.



هذا، ويشترط في الممثل الجيد أن يتمكن من مجموعة من الآليات الفنية والجمالية والأدائية، وتتمثل هذه الآليات في العناصر التالية:

1- الاستيعاب: ينبغي على الممثل أن يستوعب دوره استيعابا جيدا عن طريق حفظه وترديده، وتشخيصه لغويا وحركيا، والتدريب عليه نظريا وتطبيقيا.



2- التشخيص: بعد استيعاب الدور المسرحي جيدا، ينتقل الممثل إلى التدريب عليه في مرحلة القراءة الإيطالية، فالتطبيق الميزانسيني. ولابد أن يقترن حوار الشخصية بالفعل الهادف والسلوك الحركي المعبر من أجل إقناع الجمهور حجاجا وتطهيرا وتمثلا.



3- التموقع: ينبغي أن يختار الممثل موقعه الركحي بشكل جيد، فيختار الوسط أثناء تأجج الصراع الدرامي، أو يختار جهة الفوندو لاسترجاع الماضي، أو يتجه نحو الجهة السفلى الوسطى للتبشير بمستقبل زاهر ومتنور، أو يختار المناطق الهامشية لكشف الأسرار، والإفصاح بالحقائق التي لا ينبغي أن يعرفها الجميع.



4- التحرك: يمكن للممثل أن يتحرك فوق خشبة الركح بحرية تامة، وبأشكال متنوعة ومختلفة، حسب مضامين المسرحية ومقاصدها الفنية والجمالية، أو حسب سياقاتها السيميائية، كأن يتحرك الممثل المؤدي إلى الأمام، أو يتراجع إلى الخلف، أو يظل ثابتا في الوسط استعدادا لخوض الصراع، أو يتجه نحو الأماكن المظلمة والمهمشة يمنة ويسرة، أو يطل على الخشبة من تحت أو من فوق أو من عل. ومن ثم، تتخذ الاتجاهات الحركية الركحية لدى الممثل أشكالا متنوعة، كأن ترد على النحو العمودي، أو الأفقي، أو الشكل المتقاطع، أو الشكل الفوضوي (الحر السائب)، أو يكسر الجدار الرابع. ويمكن للممثل أن ينوع نظراته الأدائية، فيقدم دوره بنظرة أمامية أو خلفية أو جانبية.



5- التموقف: يشترط في المسرح الإسلامي أن يطرح فوق الركح عدة مواقف متباينة ورؤى فكرية متناقضة، لكن لابد أن يرجح الموقف الإسلامي على باقي المواقف الأخرى عن طريق الحوار الحجاجي المنطقي والجدال الإقناعي الحسن المدعم بالبراهين والأدلة النصية والعقلية والواقعية. ويعني هذا أن تكون هناك شخصيات درامية مختلفة متناقضة في أهوائها ونوازعها ورغباتها. بيد أنه لابد من وجود شخصية محورية إيجابية تدافع عن الموقف الإسلامي، وتشرح موقف الدين من القضية المعروضة، فتفسره تفسيرا إسلاميا صحيحا من أجل هداية الغير، وتصحيح اعتقاده، وتقويم سلوكه بطريقة حسنة، لإخراجه من الضلالة إلى الهداية، والانتقال به من الظلمات إلى النور.



6- التمثل: يشترط في الممثل المسرحي أن يحسن تمثل الأداءات والقيم السلوكية، ويتشرب المشاعر الإنسانية الصادقة، فيؤديها أداء جيدا وتشخيصا حسنا لا تصنع فيه أو تكلف. كما يعمد إلى العمل بالعبر، وتطبيق الحكم تطبيقا عمليا، وتمثل مقاصد المسرحية تمثلا نظريا وميدانيا. فلا يعقل - مثلا -، بأي حال من الأحوال، لممثل سينمائي أو مسرحي أن أدى دورا فنيا أخلاقيا جيدا كما في فيلم (الرسالة) لمصطفى العقاد، أن يعود، إثر ذلك، إلى حياة التيه والضلال والعبث، وارتكاب الكبائر، بعد أن يكون قد استمتع بحياة الرسالة والنبوة والدعوة المباركة استمتاعا رائعا ومفيدا.



ويمكن للمرأة أيضا أن تمثل مجموعة من الأدوار المسرحية الجادة والهادفة فوق الركح إلى جانب أخيها الرجل، مادامت المسرحية تستلزم حضور المرأة في مواقف معينة ومحددة لأدائها ميزانسينيا، وتشخيصها دراميا وفنيا وجماليا. لكن بشرط أن تمثل المرأة دورها في حجاب ساتر أو خمار فضفاض لا يكشف جسدها فتنة وغواية، ولا يظهر عورتها ومفاتنها. ويمكن أن تؤدي دورها بدون تمييع أو إظهار لما يخدش الأخلاق والحياء. وبالتالي، لا نتفق مع الأستاذ طاهر دفع الله من السودان فيما ذهب إليه حينما قال: "موضوع تمثيل المرأة على خشبة المسرح من أعقد المشاكل التي تواجهنا الآن. ولا يوجد حتى الآن - والله أعلم - مخرج يسمح بوجود المرأة على خشبة المسرح، ذلك أنه حتى وإن كان الإسلام يبيح إلى حد ما الاختلاط بالمرأة من غير خلوة فإنه في ذات الوقت لا يبيح النظر بشهوة إلى هذه المرأة. ولقد أمر كلا من المؤمن والمؤمنة بغض البصر. وهذا من الأشياء التي لا يمكن تعديلها. لهذا لا يمكنك أن تعرض على خشبة المسرح امرأة حتى وإن كانت محجبة دون أن تتركز أعين المتفرجين على وجهها... ولا يمكن تكرار النظر من غير أن تثار شهوة الرجل. لأن الله تعالى حين خلق الغريزة النوعية في الإنسان جعل هذه الغريزة تتعامل بصورة غير مباشرة بمجرد أن تتعرض للظروف التي تثيرها، لذلك من المستحيل حتى الآن على المسلمين أن يقدموا امرأة على خشبة المسرح من غير أن تسبب حرجا شرعيا.... كذلك لا يمكن أن تدخل امرأة متفرجة دون أن تحدث نفس الحرج. لذلك، اعتقد أنه من المستحيل تقديم مسرح يمكن أن تمثل فيه امرأة أمام الجمهور ويمكن أن ينظر إليها المتفرجون. لذلك، يمكن تعديل هذه الصورة، لأنه ليس من الضروري أن تكون هناك امرأة جسدا أو حتى صوتا، يمكن أن يعبر عن ذلك بالإشارة."[15].



هذا، وإذا كنا نؤمن بالاختلاط الأخلاقي المشروع. وبالتالي، نؤمن بأن تمارس المرأة التعليم والتعلم، وتشارك في الحروب، وتقوم بمجموعة من الأعمال المتنوعة، سواء أكانت بسيطة أم شاقة لمساعدة زوجها في البيت وخارج البيت. ويمكن أن تقود السيارة أو الطائرة، وتتولى الإفتاء والقضاء، ولها كامل الحرية في إدارة المشاريع والمؤسسات التي تستوجب أن تتعامل مع الرجل بشكل من الأشكال. فإنه من الإيجابي أيضا أن تمثل المرأة مجموعة من الأدوار الفنية الهادفة المناسبة في المسرحيات والأفلام السينمائية المعروضة، كما هو حال المرأة الممثلة في فيلم (الرسالة) أو فيلم (عمر المختار) للمخرج السوري الملتزم مصطفى العقاد. لكن بشرط أن تؤدي المرأة دورها بشكل أخلاقي ملتزم، مع احترام ضوابط الحجاب الشرعي روحا وجسدا وقالبا ومقصدا، مع التقيد بالآداب الشرعية الأصيلة والخلال الإسلامية العامة، لاسيما في ملبسها وحديثها وحركتها.



ويوافقنا في هذا الرأي ما ذهب إليه المنظر المسرحي المصري الدكتور نجيب الكيلاني الذي قال: "وقد أثار موضوع ظهور المرأة على المسرح اعتراضا كبيرا لدى بعض المفكرين الإسلاميين، وقد تعرضت لهذا الأمر في كتابي "المسرح الإسلامي" الذي ألقيت بحثا عنه في المؤتمر الثالث للأدب الإسلامي بالرياض، وكان موجز ما رأيته أنه لا مانع من ظهور المرأة على المسرح، واشترطت بضعة شروط أهمها: الزي المحتشم (الشرعي)، وتجنب الإثارة في الحركات المكشوفة والكلمات التي تخدش الحياء، لأن هناك قضايا وأمورا حساسة لا يمكن أن تقدم إلا من خلال المرأة، فضلا عن أن وضعية المرأة في المجتمع وما يلابسها من محاذير وحرج وسلبيات لا يمكن تناولها إلا بالتواجد المباشر للمرأة"[16].



تلكم - إذًا - نظرة مقتضبة عن خصائص التمثيل في المسرح الإسلامي، وتلكم أيضا بعض شروط التمثيل لدى المرأة المسلمة التي لا تخرج عن نطاق ضوابط الشرع الرباني.



الفضاء الدرامي في المسرح الإسلامي:

يمكن تقديم العروض المسرحية الإسلامية في جميع الأمكنة والفضاءات الركحية القابلة لكي يعرض فيها العمل الدرامي الهادف والجاد بناء ومضمونا وتصورا ورؤية. وقد تكون تلك الفضاءات الركحية مغلقة، كمسرح العلبة الإيطالية، ومسرح الجيب، والمسرح المدرسي، والمؤسسات السجنية، ومؤسسات الاستشفاء، والجوامع والكتاب والمساجد وغيرها من الفضاءات التي لا تتنافى مع مبادئ الشرع الإسلامي، ولاتتناقض مع تعاليم العقيدة الإسلامية الصحيحة.



كما يمكن أن تكون تلك الأمكنة المسرحية فضاءات ركحية مفتوحة، كالأسواق والساحات العمومية والملاعب والشوراع والمقاهي والزوايا والروابط الروحانية والدينية. أو تكون أيضا فضاءات احتفالية وطقوسية وفضاءات كرنفالية استعراضية.



كما يمكن تنويع الفضاءات المكانية داخل العمل المسرحي الإسلامي المعروض، يمكن أيضا تنويع الأزمنة (الماضي والحاضر والمستقبل) في عمل مسرحي واحد أو أكثر كما هو حال المسرح الاحتفالي الذي لا يختلف كثيرا في جوهره ومنطوقه موافقة ومخالفة عن المسرح الإسلامي بناء وصياغة ودلالة وموقفا ورؤية.
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 06-08-2022, 11:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي رد: نحو نظرية إسلامية جديدة للمسرح

اللغة والحوار في المسرح الإسلامي:

تقوم المسرحية الإبداعية والأدبية أسلوبيا، سواء في المسرح الإسلامي أو غيره من المسارح المعروفة في الغرب والشرق، على الحوار الخارجي والحوار الداخلي والحوار الصامت. لذا، يشترط في حوار المسرح الإسلامي أن يكون حوارا واضحا معبرا وهادفا بانيا ومسؤولا، مع الابتعاد عن مظاهر الحشو والمبالغة والإطناب والاستطراد.



ومن هنا، يشترط في لغة الأداء والتشخيص والتعبير أن تكون لغة راقية وسامية، سواء أكانت اللغة فصيحة أم عامية شعبية. لكن لابد أن تكون اللغة المسرحية بمنأى عن الابتذال والتقعر والإسفاف والعري، وألا تخدش الأخلاق والحياء والمروءة. ويعني هذا أن تكون لغة العرض والكتابة على حد سواء لغة نقية وصافية ومهذبة ومعبرة، تهدف إلى بناء الإنسان بناء دينيا صحيحا، مع الرفع من مستواه التواصلي والاجتماعي والأخلاقي لفظا وإشارة وتلويحا.



ومن الأفضل بمكان أن تكون اللغة المسرحية بعيدة عن الصرخات القاتلة، والإيماءات السيميائية المعتمة، والخطابات اليائسة، والحوارات المتقطعة التي تعيق الإفهام والتبليغ والتواصل، كما هو الحال في مسرح العبث واللامعقول. وعليها أيضا أن تتخلص من لغة الغموض والإبهام والترميز الموغل في التجريد، كما في المسرح الرمزي ومسرح الحداثة والطليعة. وينبغي أن تتحرر كذلك من لغة الأسطورة الوثنية كما كان طاغيا في المسرح اليوناني. لأن الغموض أو الإبهام الذي "ساد الآداب المعاصرة أمر مخيف بالنسبة للحاضر والمستقبل، إنه ضرب من الشذوذ وقد أصبح قاعدة، بل فلسفة يروج لها النقاد في مختلف الأنحاء ويعتبرونها معيار الحداثة والإبداع، فإذا الحياة المعقدة في الغرب، والخواء الروحي، والتخمة المادية، والنمط الميكانيكي للحركة اليومية، والتفكك الأسري، وطغيان الفردية، والفوضى الفكرية والسلوكية تحت شعار الحرية، والأمراض النفسية الفتاكة، إذا كان هذا كله قد أفرز في الغرب آدابا وفنونا معتلة، فما معنى أن نختط لحياتنا في الشرق تصورا شبيها لما يجري في هذا الغرب؟؟

أيمكن القول: إن السلطة القاهرة الجائرة قد خلقت جوا مناسبا شبيها لما يجري في الغرب؛ لقد أشرنا فيما سبق إلى فئة من الأدباء نحت ذلك المنحى، وتوفرت لديها مبررات كافية للإغراق في الغموض، لكن البناء النفسي للشعوب الإسلامية، وطبيعة تكوينها ومثلها العقائدية والاجتماعية يمكن أن تقيها شر هذا الفساد، ولا بد أن نجهز على الفكرة القائلة بأن الإبداع هو الغموض، والصور الفنية المبهمة التي تتدفق من تيار الوعي واللاوعي، فمسؤولية الكلمة - إن كنا نؤمن بها - تقتضي الوضوح دون إهدار للقيم الفنية الجمالية."[17].



هذا، ولابد أن تكون لغة المسرح الإسلامي مؤثرة ومقنعة، وقوية بالحجة والدليل والبرهان، وتكون أيضا لغة جميلة وساحرة البيان مصداقا لقوله (صلعم): "إن من الشعر حكمة، وإن من البيان لسحرا"، وتكون كذلك قادرة على الإقناع الذهني والعقلي والوجداني عبر التطهير الأخلاقي والتهذيب الديني. وبالتالي، تعتمد هذه اللغة على المأثور من كلام الله وهدي النبي (صلعم)، وتستند إلى الأمثال والحكم والأشعار والأخبار والحكايات الشعبية والموروث الفني والجمالي تناصا وخلقا وإبداعا، بعيدا عن التقريرية الفجة والابتذال الوعظي السطحي والتحريض التهييجي المبالغ فيه.



ومن ثم، فالمسرح الإسلامي في الحقيقة "ليس قواعد جامدة، أو صيغ معزولة عن الحياة والواقع، أو خطبا وعظية تثقلها النصوص والأحكام، ولكنه صور جميلة نامية متطورة، تتزيى بما يزيدها جمالا وجلالا، ويجعلها أقوى تأثيرا وفاعلية، ولا يستنكر هذا [المسرح] أن يبتكر الجديد النافع الممتع، فالحياة في تجدد وتطور، وكذلك الإنسان وأساليب حياته العملية والعلمية والترفيهية، على أن يظل [مسرحنا] في نطاق القيم الإسلامية الأصيلة، ملتزما بجوهرها وغايتها."[18].



ومن هنا، فالمسرح الإسلامي لا بد أن يكون بمثابة تعبير فني جميل مؤثر ومقنع، نابع من ذات مؤمنة ورعة وتقية، مترجم عن الحياة والإنسان والكون وفق الأسس العقائدية للمسلم، وباعث للمنفعة والمتعة، ومحرك للوجدان والفكر على حد سواء، ومحفز لاتخاذ موقف معين، والقيام بنشاط هادف ما لخدمة الذات والصالح العام.[19]



السينوغرافيا في المسرح الإسلامي:

يمكن للمخرج ضمن التصور الإسلامي أن يوظف جميع الأشكال الفنية والفرجوية المناسبة والهادفة، بشرط ألا تتناقض تلك الأشكال والتجارب السينوغرافية مع تعاليم الشرع الإسلامي. إذ يمكن للمخرج والسينوغراف معا أن يوظفا السينوغرافيا الواقعية أو الطبيعية أو الرمزية أو التاريخية أو الأسطورية أو التكعيبية أو المستقبلية أو التراثية، لكن في انسجام تام مع روح الإسلام. ويمكن أن نستثمر اللوحات التشكيلية والإكسسوارات الهادفة والجداريات المعبرة الدالة، والبعيدة عن العبث واليأس والنظرة السوداوية، أثناء تقديمنا للفرجات الدرامية الجادة والمسؤولة.



ويمكن تلوين خشبة الركح بطلاء مادي، كتلوين منطقة الصراع بالأحمر، وتلوين منطقة الماضي بالأزرق، وتلوين منطقة المستقبل بالأصفر البرتقالي، أو تلوينها معنويا ومجازيا للتعبير عن مختلف القوى التي تتحكم في بناء خشبة الركح المسرحي.[20].



ويمكن للمسرح الإسلامي أن يستعين بالتكنولوجيا المعاصرة والإعلاميات الرقمية الدقيقة في بناء الديكور والمناظر، وتأثيث الركح الدرامي. كما يمكن له أن يعمد إلى عرض مجموعة من الفرجات المسرحية والأشكال الدرامية الفطرية الواعية واللاواعية، كأن يستدعي - مثلا - الفرجات الطقوسية الفلكلورية والرقصات الكرنفالية، واستحضار المشاهد الاستعراضية الفنية والجمالية الهادفة، وتوظيف الأجواء الاحتفالية البانية، وتوظيف الجذبات الصوفية الروحانية التي تعبر عن صراع الجسد والروح وصراع الإنسان مع الشيطان، واسترجاع الملاحم والمعارك والبطولات التاريخية الإسلامية اليانعة عبر التحبيك الفني والإيحائي والدراماتورجي، وتمثيل حياة الصحابة والشخصيات التي خدمت الإسلام، سواء من قريب أم من بعيد على مستوى التشخيص الركحي.



كما ينبغي لهذا المسرح أن يستهدي بالموسيقى الروحانية والأوراد العرفانية والابتهالات الدينية والأمداح النبوية، وتشغيل الأغاني المحلية والوطنية والقومية، مع التركيز سينوغرافيا على الإضاءة السيميائية المعبرة التي تتأرجح بين الظلمة والنور للتعبير أخلاقيا وعقديا عن ثنائية الضلالة والهداية. ويمكن أن تستعين المسرحية الإسلامية بكل أنواع الإضاءة اللونية للتعبير الأدائي، وتبيان التحرك الدرامي فوق الركح، وتحديد الدور تمركزا وتموقعا وتموضعا وتخطيطا، وكل ذلك من أجل تشخيص المواقف الدرامية الجادة والهادفة.



ويشترط في الكوريغرافيا المسرحية أن تكون وظيفية وهادفة ومعبرة وأخلاقية من حيث المعنى والمبنى، فلا ينبغي أن نوظف الجسد بأي حال من الأحوال في إثارة الغرائز الجنسية، وتهييج الأهواء الشبقية من أجل التأثير سلبا على المتلقي والراصد على حد سواء.



وهكذا، فمن القضايا التي "يغرم بها كتاب المسرح وغيرهم إبراز مفاتن الجسد، كوسيلة للإغراء والإثارة، وقد قلنا إن النظر إلى هذه القضية يعتمد أساسا على رد الفعل لدى المتلقي، هل هذا الإجراء يصرفه عن الهدف الأسمى للمسرحية، ويستولي على لبه في الاندماج في هذه القضية الفرعية، ومن ثم تهتاج حواسه، يشرد به الفكر، فينحرف إلى التفكير في ممارسة الفحش، ويزيد له ارتكاب الخطيئة؟؟ إذا كان المتلقي على هذا النحو من الاستجابة والانفعال والتفاعل فهو خطأ جسيم يحمل الكاتب وزره، ولابد من إعادة النظر فيه، والبحث عن أسلوب أفضل وأليق، ويمكننا القول: إن الذي يخدش الحياة في صميم الحياة وواقعها، هو نفسه الذي لابد من تجنبه على خشبة المسرح.... ذلك ما يجب الالتفات إليه..."[21].



ويعني هذا أن يطوع الممثل جسده في خدمة القضية التي تطرحها المسرحية بكل وعي ومسؤولية والتزام أخلاقي صحيح.



آليات الإخراج في المسرح الإسلامي:

يشترط في المخرج ضمن التصور المسرحي الإسلامي أن ينطلق في إخراجه من نص هادف وجاد، فيحوله إلى عمل درامي ذي منبع إسلامي. وبالتالي، يشكل هذا المنطلق أو المصدر في الحقيقة رؤية متكاملة ومتوازنة، كما يعد نسقا متكاملا يشمل الحق والخير والجمال، فتتداخل فيه الصياغة والدلالة والمقصدية بشكل متماسك اتساقا وانسجاما.



وعلى المخرج المسرحي، أيضا، أن يتقن عمله باستمرار وبشكل جيد، فينتقي الممثلين الملتزمين والممثلات المتحجبات، ثم يدرب الجميع على التمثيل البناء الصادق والتشخيص الهادف، مستفيدا في ذلك من التصور الستانسلافسكي على مستوى الأداء الداخلي الصادق، أو يلتجئ إلى الأداء الخارجي الكوكلاني لتقديم الفرجة الدرامية، أو يستفيد من نظريات بريخت القائمة على التغريب أو اللااندماج الواعي اليقظ، لكن بشرط أن نزيل عن النظرية الطابع الجدلي الماركسي، وننقيها من شحنة الصراع الطبقي والإيديولوجي.



هذا، ويستلزم الواجب المنطقي والفني والجمالي والعملي في هذه الأداءات التشخيصية والدرامية أن تحقق التطهير الأخلاقي، والتغيير السلوكي، ومداواة النفوس من أمراضها ووساوسها وإحنها وأحقادها الدفينة، وتحريرها من عقدها الشعورية واللاشعورية. لأن المهم في المسرح الإسلامي هو الرسالة الإنسانية الهادفة قبل كل شيء، فالتقنيات في هذا المسرح الهادف والبناء ليست في الحقيقة سوى مكملات فنية وجمالية.



ويستحسن أن يكون المخرج ديمقراطيا في تعامله مع الممثلين، دون ممارسة سلطة القمع والإخضاع والتجبر والإقصاء، فيشجع ممثليه الأكفاء على الخلق والابتكار والإبداع، ثم يساعدهم على التموقع الحسن، والتموقف الجيد، والظهور في أحسن الحالات التشخيصية البناءة والهادفة.



وينبغي للمخرج أن يبتعد عن الاجترار والمحاكاة والتقليد، بل عليه أن ينتقل مباشرة إلى مرحلة التفسير والاجتهاد والإبداع والابتكار. ولن يتحقق له ذلك إلا بالانطلاق من رؤية التأصيل، والبحث عن الذات، وتوظيف القالب الجمالي العربي الإسلامي في الفن والجمال والزينة. فيوظف جميع الأشكال الاحتفالية والطقوسية المعروفة في تراثنا العربي الإسلامي، كفن الحلقة، وسلطان الطلبة، واعبيدات الرمى، ومسرح المقامات، وخيال الظل، ومسرح الراوي الشعبي، ومسرح الأخبار والفكاهات والحكايات الشعبية.



وبذلك، يذهب الدارس العراقي عمر محمد الطالب إلى أن المسرح العربي الإسلامي ليس حديث العهد، بل هو مسرح موغل في القدم، فيصرح الباحث قائلا: "إن ما يؤكد وجهة نظرنا بوجود مسرح عربي إسلامي قديم، أن المسرح الحديث تأثر تأثرا كبيرا بالتراث العربي حيث "وجدوا في القصص الشعبي كألف ليلة وليلة والسير الشعبية مادة أولية جاهزة تعينهم على تحقيق الهدف الذي ينشدونه في المسرح. أعني تحقيق التسلية والترفيه، وذلك لما في هذه القصص من مغامرات عجيبة وموضوعات مثيرة، وأجواء خيالية حافلة بعناصر التشويق والمفاجآت التي تتوجه إلى فضول المشاهد وتخلق عدة عوامل الدهشة والتوقع والانتظار ومن ثم المتعة والسرور... ومن الواضح أن أغلب هذه القصص التي قامت عليها العروض المسرحية كان قصصا شائعا معروفا لدى الجمهور الذي ما برح يجد متعة كبرى حين يرى هذه القصص التي يعرفها جيدا، تمثل أمامه في المسرح." [22].



ولا يعني هذا أن المخرج ينبغي أن ينطوي على ذاته وتراثه شكلا ومضمونا، بل عليه أن ينفتح أيضا على التجارب الدرامية العالمية والأشكال الفنية توظيفا واستثمارا، تلك التجارب التي تتطور بشكل سريع بفضل مؤهلات التكنولوجيا المعاصرة والثورة الرقمية المعاصرة.



خصائص الكتابة في المسرح الإسلامي:

يمكن للمؤلف المسرحي في التصور الإسلامي أن يلتجئ إلى الإبداع الشخصي أو الاقتباس أو الاستنبات أو التحوير أو الكولاج أو الترجمة أو الدراماتورجيا، لكن بشرط أن ينطلق من رؤية إسلامية واضحة في كتاباته الإبداعية، ويصدر عن عقيدة ربانية سليمة وبناءة، فيعبر دراميا ومسرحيا عن نسق حضاري جاد وهادف، بعيدا عن العبث واليأس والقلق والسأم والتشاؤم القاتل. ويجوز له أن يتناول كل المواضيع التي تؤرق الإنسان ذاتيا وموضوعيا، لكن بشرط واحد، ألا تتنافى القضية المطروحة والمعروضة فنيا وركحيا مع تعاليم الشريعة الإسلامية والعقيدة الربانية الهادية.



هذا، وعلى الكاتب المسرحي أن يبتعد أيما ابتعاد عن الإبهام والتعقيد اللفظي والمعنوي، ناهيك عن الغموض المجاني، واستخدام الرموز المقنعة التي يصعب إدراكها، وفهم رسالتها المباشرة وغير المباشرة باسم التجديد والحداثة والانزياح وأدب الطليعة. ويعني هذا أن رسالة المسرح ينبغي أن تكون واضحة في مقاصدها، وبانية في مراميها، وهادفة في غاياتها وأبعادها. لكن ليس عن طريق تشغيل أسلوب التقرير، واستعمال التكرار والرتابة، وتوظيف الخطب الرنانة المباشرة، بل لابد من كتابة فنية ممتعة في إضاءة الحق والخير والجمال. وفي هذا السياق، يقول الدكتور حسن الأمراني:" إن من شروط الثقافة البانية أن تكون واضحة الأهداف، ولكن من شروطها كذلك أن تكون وسائلها منسجمة مع طبيعة الأهداف، ومن هنا تتداعى القاعدة الميكيافيلية (الغاية تبرر الوسيلة). فالغاية، في مفهوم الثقافة البانية، لا تبرر الوسيلة. وإذا كان الهدف الأساسي هو تكريم الإنسان، وتحريره من كل مظاهر الخوف والتواكل والإحجام، فإن من الخيانة أن نسير بهذا الإنسان في سراديب التيه. وإذا كانت طبيعة العمل الأدبي، باعتباره رافدا جوهريا من الروافد الثقافية، تتنافى مع التسطيح. وتتطلب قدرا من الإشارات المحملة بالرموز. فإن ذلك لا ينبغي أن يكون مبررا للسقوط في الإبهام. وإلا تعطلت رسالة الأديب."[23].



وإذا كان المسرح قد عرف مجموعة من المحطات الفنية عبر مراحل تطوره الزمني، مثل: المحاكاة والتجنيس والتجريب والتأصيل، فقد آن الأوان لينتقل المسرح الإسلامي إلى مرحلة التأصيل لتحقيق هويته وكينونته ووجوده وأصالته، عن طريق الاطلاع على تراثه الممتد زمنيا إلى العصر الجاهلي، مع الانفتاح على التجارب العالمية التي لا تتناقض في فلسفتها مع تعاليم الشرع الرباني.



الموقف من التراث:

يتعامل التصور التنظيري الجديد مع التراث من خلال رؤية إسلامية منفتحة، حيث يمكن للمبدع أن يشتغل على التراث الإنساني بصفة عامة، والتراث العربي الإسلامي بصفة خاصة، فيحوله إلى أقنعة تراثية ورموز تناصية وعلامات استعارية، لكن بشرط ألا يخالف هذا التوظيف الفني والجمالي القيم الربانية وتعاليم الإسلام السمحة، والحقيقة المحمدية النيرة. وألا يتحول التراث إلى سب للسلف الصالح، بل لابد من قراءة التراث قراءة واعية ومتأنية قائمة على عقيدة الولاء والبراء، بعيدا عن التعسف والتصنع والتأويل المجحف. ويمكن للتراث أن يتحول إلى دروس وعبر وآيات للاعتبار بها، وألا يتحول هذا التراث إلى فلكلور سياحي رخيص، بل لابد من عملية الانتقاء والاختيار والتركيز على النقط الإيجابية المثمرة والمضيئة، بعيدا عن القراءات الجدلية المغرضة. كما يمكن أن نضيء الحاضر عن طريق فهم الماضي، والاستفادة من سلبياته وإيجابياته، والأخذ بنقط القوة، وترك نقط الضعف.



ومن هنا، فالتعامل مع التراث يستوجب التمثل، والعمل به، والتموقف الإسلامي المتزن، والاعتبار، والاهتداء، وغربلة الذاكرة التاريخية من المدنس، وتنقية الموروث من المسخ والتشويه، دون أن ننسى ضرورة تلقينه وتعليمه للأجيال الصاعدة، لمعرفة تراثهم العربي الإسلامي لقراءته في ضوء الشرع الرباني، بعيدا عن التزييف والنقد الهدام والتأويل المتطرف.



نماذج مسرحية إسلامية:

من المعلوم أن هذا التصور الإسلامي للمسرح - بلا ريب - قد استمد من النصوص الدينية والأدبية، واستنبط أيضا من الكتابات الدرامية والعروض المسرحية ذات البعد الفني والجمالي والإبداعي. ويعني هذا مدى ارتباط النظرية المسرحية بالممارسة وصفا وتفسيرا وتقعيدا وتنظيرا. أي: لم تقم هذه النظرية التي بين يدي القارئ على الفراغ والهوس والجنون والتخييل المجاني والتنبؤ الارتجالي، بل اعتمدت نظرية المسرح الإسلامي على العديد من المسرحيات الهادفة، سواء أكانت عربية إسلامية أم كانت عالمية إنسانية.



ومن ثم، يمكن الإشارة إلى العديد من المسرحيات الإسلامية الهادفة التي انطلقت من التصور الإسلامي الرباني، كمسرحيات علي أحمد باكثير كما في مسرحيته (حبل الغسيل)، ومسرحية (الدنيا فوضى)، ومسرحيات مصطفى محمود كمسرحية (الشيطان يسكن بيتنا) ومسرحيات محمود دياب كما في مسرحيته (باب الفتوح)، ومسرحيات عبد الرحمن الشرقاوي كمسرحية (الحسين ثائرا) و(الحسين شهيدا)، ومسرحيات الدكتور عماد الدين خليل كمسرحية (المأسورون)، ومسرحية (الشمس والدنس)، ومسرحية (معجزة في الضفة الغربية)، ومسرحيات محمد المنتصر الريسوني كمسرحية (أعراس الشهادة في موسم الشنق)، ومسرحيات علي الصقلي كمسرحية (الفتح الأكبر) ومسرحية (المعركة الكبرى)، ومسرحية (أبطال الحجارة)، ومسرحيات محمد الحلوي كمسرحية (أنوال).



ويمكن الإشارة كذلك إلى مسرحية (بابا عروب يقرأ الغروب) التي قدمتها فرقة الأشبال بوجدة في إطار المهرجان الوطني الرابع والعشرين لمسرح الهواة، التي يقول عنها الناقد المسرحي المغربي الدكتور مصطفى رمضاني: "ولعل مسرحية "بابا عروب يقرأ الغروب" أنضج وأحسن نموذج للمسرح الإسلامي الهاوي بالمغرب، لأنها حاولت أن ترصد العلاقة بين المجتمع العربي الإسلامي وبين التيارات الشرقية والغربية بنوع من العمق في التحليل مع نجاح كبير في المستوى السينوغرافي."[24].



وهكذا، نقرر مطمئنين بأن التنظير للمسرح الإسلامي لم يبن على الفراغ المجاني والتجريد الخيالي والافتراضي، بل يقوم على مجموعة من المرجعيات النصية والفنية والإبداعية، وهي تتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والإبداعات المسرحية الإسلامية.



وعليه، نستنتج، مما سبق ذكره، بأن أهم ما يمكن الحديث عنه في المسرح الإسلامي هو المضمون الذي يتميز بالخصوصية والفرادة والتميز؛ لأنه مضمون نابع من الشريعة الربانية والهدي النبوي الشريف. ويتناقض هذا المضمون - فعلا - مع كل الفلسفات الفنية الغربية الموغلة في التجريد والترميز والإباحية والعبثية والتيه والضلال التي تعبر عن ذلك الإنسان الغربي الباحث بجدية وهوس شديدين عن ماديات الدنيا الفانية ومتع الجنس الزائلة.



أما الأشكال الفنية والجمالية والتجارب الإخراجية والميزانسينية، فيمكن الاستفادة منها قدر الإمكان، مادامت تجارب عالمية وإنسانية لا تتعارض مفاهيمها النظرية والتطبيقية مع القيم الإسلامية. وفي هذا السياق، يقول الدكتور عماد الدين خليل: "وفرصة الاختيار المطروحة أمام الفنان المسلم، إذًا، هي أن يقبل المسرح كشكل فني وأن يرفض المضمون... والإسلام لم يقف يوما إزاء الأشكال، لا في ميدان الحكم والإدارة، ولا في ميدان الاقتصاد والاجتماع، ولا في ميدان الآداب والفنون، على العكس - هو علمنا - أن الأشكال قضية ديناميكية لا يقر لها قرار، وتكنيك متحرك لا يقف عند حد، إلا لتجاوزه إلى حدود أخرى... ومن ثم، فإن التشبث بالشكل الواحد عبر العصور هو مناقضة لطبيعة الأشياء. والإسلام يرفض من الأشكال فقط تلك التي ترتبط عضويا بمضامينها، وأصبح من الصعب فصل إحداها عن الأخرى، وإلا تعرضتا للقتل، أو أخرجتا المتشبثين بهما عن قواعدهم العقائدية الأصيلة.



أشكال فكرية أو عقائدية من هذا النوع، دعا الإسلام إلى رفضها، والاستعلاء عليها، وعلى ما تبشر به من مضامين، صوب أشكال ابتكرها الإسلام نفسه، وربطها ربطا حيويا بقيمه وأهدافه."[25].



وهكذا، نصل إلى أن المسرح الإسلامي - سيكون بلا محالة - هو مسرح المستقبل، مادام ذلك المسرح يرتكز في مبادئه السمحة على تنوير الإنسان تنويرا عقديا، وتوعيته أخلاقيا، وبنائه حضاريا في ضوء الشريعة الإسلامية الربانية، والعقيدة النيرة السليمة والصحيحة.



وكل مسرح يقوم - في المقابل - على نشر فلسفة العبث واللاجدوى، ويسعى إلى التجريد المجاني، ويستهدف الغواية الشبقية، وتشجيع الرذيلة، وإباحة الفساد، والاستهتار بالقيم الأخلاقية والدينية، فإنه - بلا شك ولا ريب - مسرح زائل سيؤول يوما إلى الفشل والفناء والانقراض.





[1] عماد الدين خليل:في النقد الإسلامي المعاصر، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، بدون تحديد لتاريخ الطبعة.




[2] عماد الدين خليل: فوضى العالم في المسرح الغربي المعاصر، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، بدون تحديد لتاريخ الطبعة.




[3] نجيب الكيلاني: مدخل إلى الأدب الإسلامي، كتاب الأمة، قطر، العدد:14، سنة 1987م.




[4] نجيب الكيلاني: حول المسرح الإسلامي،مؤسسة الرسالة،بيروت، لبنان، الطبعة الثانية1987م.




[5] حكمت صالح: (نحو مسرح إسلامي معاصر)، الجزء الأول، مجلة المشكاة، المغرب، السنة الأولى، العدد:4، مارس 1985م، ص:99؛ والجزء الثاني، المشكاة، العدد الخامس والسادس، السنة الثانية، يونيو1986م، ص:80.




[6] محمد عزيزة: الإسلام والمسرح، ترجمة: رفيق الصبان، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 1988م.




[7] د. عمر محمد الطالب: ملامح المسرحية العربية الإسلامية، منشورات دار الآفاق الجديدة بالدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة1987م.




[8] نقلا عن نجيب الكيلاني: حول المسرح الإسلامي، ص:50-51.




[9] نقلا عن نجيب الكيلاني: نفسه، ص: 51.




[10] د. حسن الأمراني: (نحو ثقافة بانية: الخصائص)، مجلة المشكاة، وجدة، المغرب، العدد5و6، يونيو1986م، السنة 2، صص:1-11.




[11] نجيب الكيلاني: نفسه، ص:34.




[12] محمد عزيزة: الإسلام والمسرح، ترجمة: رفيق الصبان، منشورات عيون المقالات، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1987م، ص:38.




[13] نجيب الكيلاني: نفسه، ص:120.




[14] نجيب الكيلاني: نفسه، ص:120.




[15] طاهر دفع الله: (في المسرح الإسلامي)، حوار، مجلة المشكاة، العدد:5-6، يونيو 1986م، ص:109-110.




[16] نجيب الكيلاني:مدخل إلى الأدب الإسلامي، كتاب الأمة، قطر، العدد:14، ص:112-113؛




[17] نجيب الكيلاني: نفسه، ص:29.




[18] نجيب الكيلاني: نفسه، ص:35-36.




[19] نجيب الكيلاني: نفسه، ص:36.




[20] أحمد ظريف: فلسفة التجاذب في الفن المسرحي - نظرية الاستدراك - مطبعة الراحة، المغرب، الطبعة الأولى 2007م.




[21] نجيب الكيلاني: حول المسرح الإسلامي، ص:48؛




[22] د. عمر محمد الطالب: ملامح المسرحية العربية الإسلامية، ص:312-313.





[23] د. حسن الأمراني: (نحو ثقافة بانية: الخصائص)، مجلة المشكاة، وجدة، المغرب، العدد: 5 و6، يونيو1986م، السنة 2، ص:8-9.




[24] د. مصطفى رمضاني: (الاتجاهات الأساسية في مسرح الهواة بالمغرب)، مجلة المشكاة، بوجدة، المغرب، السنة 1، العدد:4، دجنبر 1984- مارس 1985م، ص:69.




[25] د. عماد الدين خليل؛ في النقد الإسلامي المعاصر، ص:184.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 107.09 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 104.74 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]