على ماذا يجب أن نتفق قبل الزواج؟

[ابوالوليد المسلم]

على ماذا يجب أن نتفق قبل الزواج؟
أ. مروة يوسف عاشور

السؤال:

♦ ملخص السؤال:
شاب سيتزوج بعد أشهر، ويسأل: ما الأسئلة التي أسألها لزوجتي لأعرف منها ما تُحب وما تكره؟

♦ تفاصيل السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شابٌّ وزواجي بعد 3 أشهر - بإذن الله - أسأل الله التوفيق.

قرأتُ في شبكة الألوكة وغيرها مِن المواقع الإسلامية حول مفهوم الزواج وأهدافه، لمزيد مِن الثقافة والتعلم، ومن ضمن ما قرأتُ قصةً لـ"شُرَيْح القاضي"، قال شريح: من أول ليلة دخلتُ على امرأتي رأيتُ فيها حسنًا فاتنًا، وجمالًا نادرًا، قلتُ في نفسي: سوف أتطهَّر وأُصَلِّي ركعتين شكرًا لله، فلما سلَّمْتُ، وجدتُ زوجتي تُصلي بصلاتي، وتُسلم بسلامي.

فلما خلا البيتُ مِن الأصحاب والأصدقاء قمتُ إليها، فمددتُ يدي نحوَها، فقالتْ: على رِسْلِك يا أبا أمية، كما أنت!

ثم قالت: الحمد لله، أحمده وأستعينه، وأُصلي على محمدٍ وآله، أما بعدُ:
فإني امرأةٌ غريبةٌ لا عِلْم لي بأخلاقك، فبَيِّنْ لي ما تُحب فآتيه، وما تكره فأتركه، وقالتْ: إنه كان في قومك مَن تتزوجه مِن نسائكم، وفي قومي من الرجال مَن هو كُفء لي، ولكن إذا قضى اللهُ أمرًا كان مفعولًا، وقد ملكتَ، فاصنعْ ما أمرك به اللهُ؛ إمساكٌ بمعروفٍ، أو تسريح بإحسانٍ، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولك.

فأجاب شريحٌ بخطبة، ثم قال: أُحِب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا!

وهنا سؤالي حول قولها: "فبَيِّنْ لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأتركه"، وأنا أرغب في أن تكونَ حياتي جميلة، فما الأشياء المهمة التي أقولها لزوجتي حول ماذا أحب؟ وماذا أكره؟

أعلم بأنها تختلف مِن شخصٍ لآخر، ومِن زمانٍ لزمان، لكن أرغب في ذِكْر أمثلة وجوانب محددة؛ بحيث تفتح لي الذهن، وأستطيع الاختيار من بينها بما يُناسبني بشكلٍّ عام، ويُناسب المجتمع السعوديَّ بشكل خاصٍّ، كما أرجو ذِكْر الأشياء التي يجب ألا أتنازل عنها.

وجزاكم الله خيرًا

الجواب:

حياك الله وبارك زواجك، ووفقك وأهلك وجمَع بينكما في خيرٍ.

أعترف بأنه مِن أقلِّ الاستشارات التي تأتيني أن يسألَ الرجلُ حول أمور مِن شأنها أن ترفعَ درجة التوافق وتُعين - بإذن الله - على التآلُف بينه وبين زوجته، فأحْمَد الله أولًا، وأشكر لك حُسن صنيعك ثانيًا، ثم أسأل الله التوفيق والسداد.

لعلك لن تُخالفني في مثالية هذه القصة، وبُعدها عن الواقع؛ فقضاء عشرين سنة دون خلافٍ بينهما أمرٌ مُستَبْعَدٌ لا يَمُتُّ للواقع بصلةٍ في زماننا، أو زمان مَن سبقونا؛ ولم يكنْ ذلك يحدُث في بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا صحابته الكرام، كما أن بعض ما ورد فيها لا يتناسَب وعصرنا، بل وربما غيره مِن العصور.

وعلى كلِّ حالٍ فتفكيرُك في كيفية التعامُل بينكما ووَضْعُ خطوط عريضة يتم الاتفاقُ عليها أمرٌ محمودٌ مرغوبٌ، وإنما نصيحة قبل الخوض في ذلك:
عليك أن تتعاملَ معها بمرونةٍ أكبر مما سيتم الاتفاقُ عليه؛ إذ ستطرأ على حياتكما - لا ريب - الكثيرُ مِن المواقف والتعاملات مما لم يتمّ الاتفاقُ عليه، ولن يستطيعَ أحدٌ أن يستعرضَ أو يستوفي ما يُواجه الزوجان مِن أمورٍ مِن شأنها أن تُسَبِّبَ خلافاتٍ، وتُنْشِئَ نزاعات، وإن لم نجعل التسامح والتفاهُم سمةَ الحياة الزوجية، فلسنا في حاجةٍ لتوضيح ما نُحب وما نكره، أو مناقشة ما نراه سبب المشكلات في كثير من البيوت.

مما يُفضَّل الحديث حوله قبل الزواج:
• أمر النفقة، وكيفية تَسْيِيرها، ومَن المسؤول عن تنظيم الأمور المالية في البيت، وأعني هنا: التنظيم فقط، وإلا فمعلومٌ أن هذا واجبٌ على الرجل دون المرأة.

• من تفريعات النفقة قضيةُ عمل الزوجة، وأحقيتها في إنفاق راتبها إن كانتْ عاملةً، أو رغبتها في مصروفٍ شهريٍّ كما يحدُث في كثير من المجتمعات العربية بوجهٍ عامٍّ، والخليجية بوجه خاصٍّ؛ فتراه النساء مِن كثرة انتشاره حقًّا مكتسبًا، في حين قد يخالف الزوج.

• أسلفتُ أنه من المستحيل تَلافي المشكلات بصورةٍ نهائيةٍ؛ ويُفَضَّل تحديد التصرف المرغوب حين يقع خلافٌ، أو تنشأ مشكلة قبل أن تتفرَّع؛ فيكون التكتم عليها وتجنب نشْرها، ثم اختيار مَن تتفقان عليه من أهل الرأي والمشورة للفَصْل والحكم.

• إن كان السكنُ بجوار أهل الزوج أو الزوجة، يُفَضَّل تبيين طبيعة العلاقة جيدًا، وكما ورد في القصة التي أوردتها؛ زيارة أهلها وصويحباتها ومعارفها وأصدقائك أيضًا، عليك أن تُناقِشَ ذلك وتُبَيِّنَهُ على نحو مُفَصَّلٍ، وإن كان ثمة مَن لا ترغب في زيارته؛ فيتم طرْحُ طريقة أخرى للتعامل معه.

• مناقشة السلوك الأمثل في تربية الأبناء، ولستُ أرى في ذلك استباقًا للأحداث، أو توقُّع أمور بعيدة لا داعي لطرحها؛ فكثيرًا ما يختلف الزوجان حول أمورٍ تَخُصُّ الأبناء؛ ومناقشتها بصفة عامة تُوَضِّح شخصية كل واحد لصاحبه، وإظهار آرائه بصورةٍ تُعين على تقارب وجهات النظَر، ولتخبرها برغبتك في ذلك؛ فكم تخالف الزوجةُ زوجها، وتُعارضه في كثير مما يخص الأبناء! وبَسْطُ هذه الأمور من البداية يَصُبُّ في صالح الجميع.

• علاقتك بأصدقائك وعلاقتها بصديقاتها؛ سواء على أرض الواقع، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، إن كانتْ لك رغبة معينة في تقليص علاقاتها؛ فالأولى توضيحها، وشرْح وجهة نظرك لها بأسلوبٍ مقبولٍ يَسْهُل تنفيذها.

• لا أظن أن الحجاب سيُمَثِّل مشكلةً في مجتمعكم المحافظ الديِّن، ولكن تبقى بعض الأمور المتعلقة كخروجها مِن المنزل؛ والأماكن التي تسمح لها بالذهاب إليها، مِن الأسواق المركزية مما تُفضِّل النساء قضاء بعض الأوقات فيها، سواء بغرَض التسوُّق أو قضاء أوقات طيبة مع الصديقات؛ فأنصحك أن تُوَضِّح هذا الأمر من البداية، وتُناقش رغبتك فيه بشفافية تامةٍ لانتشاره في مجتمعك، وتفضيل النساء له.

• بعض النساء يرتدين في أماكن التجمعات النسائية ما قد يَرْفُضُه الزوج؛ كارتداء الضيق من الثياب، والمبالغة في الزينة، ونحو ذلك؛ فاطرحْ إن شئت الموضوع للمناقشة، وانظُرْ رأيها، وبَيِّن ما لا يُرضيك بأسلوبٍ طيبٍ لَيِّنٍ، وإن لم يكنْ لديك مانعٌ فاكتفِ بذكرِ المحرَّم، وتحذيرها منه.

• إن كانت لك طلباتٌ محددة أو طريقة مخالفة، أو رغبات خاصة في مطعمك ومشربك، فمن الأهمية بمكانٍ توضيحها.

• حَدِّثْها عمومًا عن برنامجك اليومي، وما تحب أن يكونَ عليه يومُك؛ من حيث أوقات نومك وراحتك، وكيفية قضاء أوقات الفراغ، وغير ذلك مما يحسُن معرفته قبل البناء.

أيها الفاضل، الزوجُ له الكلمةُ الأولى والأمرُ النافذ في بيته، وعلى زوجته الطاعةُ في غير معصية؛ لكن الكثير من تعاملات الحياة الزوجية لا تُؤْخَذ بهذه الطريقة، ولا يتم التعامُل معها على هذا النحو مِن الجمود؛ فالحياةُ الزوجيةُ مشاركةٌ وحبٌّ وتضحيةٌ وتحمُّل وتفاهُمٌ قبل أن تكونَ ورقًا نمليه وننتظر تنفيذه، فاحرصْ على كَسْبِ قلْبِها تكن لك كما تُحب، وأشبعْ عاطفتها تُغنك عن إملاء أوامر وسَرْد قوانين لا تزيد حياتكما إلا جفاءً، وكلما نجحتَ في كَسْبِ قلبها تجنبتَ الكثير مِن المشكلات، واقتربتَ بحقٍّ من السعادة التي تنشدها.

والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل