«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 22 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213696 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 40 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 36 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #211  
قديم 09-08-2022, 06:08 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله


والمعنى: وما وجهناك أولًا لبيت المقدس، ثم صرفناك إلى الكعبة، لأي سبب من الأسباب، إلا لأجل أن يظهر ويتبين ويتميز الذي يتبع الرسول ويتأسى به، ويتوجه حيث توجه إلى أي قبلة، من الذي يشك ويرتاب، ويرجع على عقبيه كافرًا مرتدًّا بأدنى شبهة، فهي امتحان من الله عز وجل للعباد.

والله- عز وجل- يعلم من سيتبع الرسول صلى الله عليه وسلم منذ قدّر مقادير الخلق في الأزل، قبل خلق السمٰوات والأرض بخمسين ألف سنة[19]، لكن المراد بالعلم في الآية العلم الذي يترتب عليه الثواب والعقاب، فهذا بعد أن يظهر ذلك منهم.

﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً ﴾ الواو: حالية، و"إن" مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، أي: وإنها كانت لكبيرة، والضمير يعود إلى واقعة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة.

واللام في قوله: ﴿ لَكَبِيرَةً ﴾ للتوكيد، أي: لعظيمة شديدة، كقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ ﴾ [الأنعام: 35]، أي: عظم.

أي: وإن هذه الواقعة عظيمة شاق أمرها على النفوس، وخاصة لأول وهلة، وذلك؛ لاعتيادها التوجه إلى بيت المقدس، ومن طبيعة النفوس إلف ما اعتادت عليه، واستنكار ما يجد ويحدث حتى تألفه وتعتاده.

هذا بالنسبة لعامة النفوس، فكيف بأنفس سفهاء اليهود الذين أعماهم البغي والحسد عن قبول الحق، واتخذوا من واقعة تحويل القبلة فرصة لإثارة البلبلة وتشكيك الناس في دينهم، ونجم نفاق المنافقين وقالوا: ما بال محمد يحولنا مرة إلى ههنا، ومرة إلى ههنا، وعظمت المحنة، حتى ارتد بعض الناس عن دينهم- حصل هذا كله وأعظم منه- علمًا بأنه تقدمت التوطئة والتمهيد لهذا الأمر، وذكر ما سيقول هؤلاء السفهاء.

﴿ إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى ﴾ "إلا" أداة حصر.

أي: إلا على الذين هداهم الله، أي: وفقهم للانقياد لأمره- عز وجل- وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم، فأمر هذه الواقعة يسير عليهم؛ لقوة يقينهم وإيمانهم بالله ورسوله وتسليمهم لأمر الله ورسوله، كما قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 7].

قال ابن كثير[20]: "أي: وإن كانت هذه الفعلة، وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة، أي: وإن كان هذا الأمر عظيمًا في النفوس، إلا على الذين هدى الله قلوبهم، وأيقنوا بتصديق الرسول، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه، وأن الله يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، فله أن يكلف عباده بما يشاء، وينسخ ما يشاء، وله الحكمة التامة، والحجة البالغة في جميع ذلك، بخلاف الذين في قلوبهم مرض، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكًّا، كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق، كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ﴾ [التوبة: 124، 125].

وقال تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ﴾ [فصلت: 44]، وقال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [الإسراء: 82].

ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك، وتوجه حيث أمره الله، من غير شك ولا ريب، من سادات الصحابة. وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا إلى القبلتين".

ولهذا فإن من كمال طاعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسليمهم وسرعة انقيادهم، أنه لما جاء أهل مسجد قباء الخبر بتحويل القبلة إلى الكعبة استداروا نحوها وهم في الصلاة.

عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: "بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل، فقال: قد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، فتوجهوا إلى الكعبة"[21].

﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾.
سبب النزول:
عن عكرمة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "لما وُجِّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا: كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك، وهم يُصلون نحو بيت المقدس؟ فأنزل الله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾"[22].

وعن البراء بن عازب- رضي الله عنه- قال: "مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس، فقالوا: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون نحو بيت المقدس؟ فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ قال: صلاتكم إلى بيت المقدس"[23].

قوله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾الواو: عاطفة، و"ما" نافية، واللام في قوله: ﴿ لِيُضِيعَ ﴾لام الجحود التي تكون بعد كون منفي، كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [فاطر: 44]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾ [آل عمران: 179]، وقوله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ [الأنفال: 33].

والمعنى: أنه لا يمكن أن يضيع الله إيمانكم، فذلك مستحيل ممتنع أشد الامتناع، كقوله تعالى: ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ﴾ [يس: 40]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: 92]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [الشعراء: 211]، وتضييع الشيء إهماله، وتركه يذهب سدى.

والمراد بقوله: ﴿ إِيمَانَكُمْ ﴾ أي: إيمانكم بالقبلة الأولى بيت المقدس، وصلاتكم نحوها، وأطلق الإيمان على الصلاة؛ لأنها عمود الإسلام، وأعظم أركانه، وأهم العبادات بعد الشهادتين.

والمعنى: أن إيمانكم بالقبلة الأولى بيت المقدس وصلاتكم نحوها لن يضيع أجره سدى، بل هو محتسب لكم وتؤجرون عليه؛ لأن الصلاة إلى بيت المقدس صحيحة قبل تحويل القبلة إلى الكعبة.

وفي هذا احتراز عن الفهم الخطأ، كما قال تعالى: ﴿ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [النساء: 95، الحديد: 10].

عن ابن عباس رضي الله عنهما: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ بالقبلة الأولى، وتصديقكم نبيكم واتباعه إلى القبلة الأخرى، أي: ليعطينكم أجرهما جميعًا ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾"[24].

وفي الآية دليل على دخول الأعمال؛ قولية أو فعلية أو قلبية، في مسمى الإيمان- كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، فالإيمان عندهم قول باللسان واعتقاد بالجنان، وهو القلب، وعمل بالأركان، وهي الجوارح.

كما أن فيها احترازًا من أن يقال، أو يتوهم أن تقدير هذه المحنة بصرف القبلة؛ لأجل إضاعة إيمانهم.

وفيها وعد لهم بحفظ إيمانهم عن الضياع، بل وزيادته وتنميته، كما قال تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27]، وقال تعالى: ﴿ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ﴾ [مريم: 76].

﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ كقوله تعالى في سورة الحج: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحج: 65].

قوله: ﴿ بِالنَّاسِ ﴾ متعلق بما بعده، وقدم عليه للتنبيه إلى عنايته- عز وجل- بالناس؛ ليشكروه، مع مراعاة الفواصل، والمراد بالناس عموم بني آدم.

﴿ لَرَءُوفٌ ﴾قرأ أبوعمرو ويعقوب وحمزة والكسائي وأبوبكر عن عاصم وخلف: ﴿ لَرَءُوفٌ ﴾بحذف الواو بعد الهمزة، وقرأ الباقون بواو بعد الهمزة: ﴿ لَرَءُوفٌ ﴾.

واللام في قوله: ﴿ لَرَءُوفٌ ﴾ للتوكيد، فأكدت هذه الجملة بمؤكدين "إن" واللام.

و"رؤوف" على وزن "فعول" أي: ذُو الرأفة التامة العظيمة، والرأفة أخص وأشد من الرحمة، وقُدّم "رؤوف" على "رحيم"؛ لأن "رؤوف" أبلغ، ولمراعاة الفواصل.

﴿ رَحِيمٌ ﴾ على وزن "فعيل" يدل على أنه- عز وجل- ذو الرحمة الواسعة، رحمة ذاتية، ثابتة له- عز وجل- كما قال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الأنعام: 133]، وقال تعالى: ﴿ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ﴾ [الكهف: 58]، وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأنعام: 147].

ورحمة فعلية، يوصلها من شاء من خلقه، كما قال عز وجل: ﴿ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ ﴾ [العنكبوت: 21].

رحمة عامة لجميع الخلق؛ مؤمنهم وكافرهم، ناطقهم وبهيمهم، ورحمة خاصة بالمؤمنين، كما قال تعالى: ﴿ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43].

فرحمته- عز وجل- لجميع الخلق بما فيهم الكفار والبهائم في الدنيا ما يتمتعون به من نعم الله، من المآكل والمشارب وغير ذلك، فهذا من آثار رحمته عز وجل.

ورحمته لهم في الآخرة العدل في حسابهم حتى إنه ليقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء، كما جاء في الحديث[25].

ورحمته الخاصة بالمؤمنين هدايتهم للصراط المستقيم في الدنيا وإلى الجنة في الآخرة، فهو- عز وجل- رؤوف رحيم بجميع خلقه- سبحانه وتعالى.

عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي، قد فرق بينها وبين ولدها، فجعلت كلما وجدت صبيًّا من السبي، أخذته فألصقته بصدرها، وهي تدور على ولدها، فلما وجدته ضمته إليها وألقمته ثديها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أترون هذه طارحة ولدها في النار، وهي تقدر على ألا تطرحه؟" قالوا: لا، يا رسول الله. قال: "فوالله، لله أرحم بعباده من هذه بولدها"[26].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه البخاري في الأنبياء (3339)، والترمذي في التفسير (2961)، وابن ماجه في الزهد (4284)- من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

[2] انظر: "البيان والتبيين" (3/ 325).

[3] سبق تخريجه.

[4] انظر: "بدائع التفسير" (1/ 362).

[5] في "تيسير الكريم الرحمن" (1/ 159).

[6] ذكره السيوطي في "الخصائص الكبرى" (1/ 383-387) من حديث أنس رضي الله عنه، والبيهقي في الدلائل من حديث عائشة رضي الله عنها. وانظر "تفسير ابن كثير" (5/ 13، 38).

[7] أخرجه النسائي في البيوع (4647) من حديث عمارة بن خزيمة عن عمه- رضي الله عنه.

[8] أخرجه البخاري في الجنائز (1367)، ومسلم في الجنائز (949)، والنسائي في الجنائز (1932)، والترمذي في الجنائز (1058)، وابن ماجه في الجنائز (1491).

[9] انظر: "بدائع التفسير" (1/ 369).

[10] أخرجه البخاري في الحج (1741)، ومسلم في القسامة (1679) من حديث أبي بكرة- رضي الله عنه.

[11] أخرجه البخاري في فضائل القرآن (5050)، ومسلم في صلاة المسافرين (800)، وأبوداود في العلم (3668)، والترمذي في التفسير (3024)، وابن ماجه في الزهد (4194).

[12] أخرجها البخاري في التفسير (4487)، والترمذي في التفسير (2961)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 249-250)- الأثران (1332، 1336)

[13] أخرجه ابن ماجه في الزهد (4284).

[14] أخرجه ابن أبي حاتم، وابن مردويه- فيما ذكر ابن كثير في "تفسيره" (1/ 276).

[15] أخرجه البخاري في الجنائز (1386)، والنسائي في الجنائز (1934)، والترمذي في الجنائز (1059).

[16] أخرجه ابن ماجه في الزهد- باب الثناء الحسن (4221).

[17] أخرجه الحاكم (2/ 268)- وقال: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه"، وأخرجه ابن مردويه- فيما ذكر ابن كثير في "تفسيره" (1/ 276).

[18] أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 249)- الأثر (1334).

[19] كما في حديث عبدالله بن عمرو- رضي الله عنه- أخرجه مسلم في القدر- حجاج آدم وموسى- عليهما السلام (2653)، والترمذي في القدر (2156).

[20] في "تفسيره" (1/ 277).

[21] أخرجه البخاري في التفسير (4494)، ومسلم في المساجد (526)، والنسائي في الصلاة (493).

[22] أخرجه أحمد (1/ 347)، وأبوداود في السنة (4680)، والترمذي في التفسير (2964)، والطبري في "جامع البيان" (2/ 651). وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".

[23] أخرجه البخاري في الإيمان (40)، وفي التفسير (4486)، وأحمد (4/ 283)، والطبري في "جامع البيان" (2/ 651).

[24] أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 252)- الأثر (1348).

[25] أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب (2582)، والترمذي في صفة القيامة (2420)، من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه.

[26] أخرجه البخاري في الأدب (5999)، ومسلم في التوبة (2754).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #212  
قديم 09-08-2022, 06:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم



الفوائد والأحكام في سورة البقرة من (142-143)

1- علم الله- عز وجل- بما لم يكن وما سيكون؛ لقوله: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ﴾ [البقرة: 142] فأخبر- عز وجل- بهذا قبل وقوعه، وتحقق ذلك، ووقع كما أخبر عز وجل وفي هذا معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم ودلالة على صدقه.

2- تسفيه اليهود وذمهم، حيث عرفوا الحق وتركوه، واعترضوا على حكم الله- عز وجل- بالأمر بالتوجه إلى الكعبة، والانصراف عن بيت المقدس؛ لقوله تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ﴾ وفي هذا دفاع عن الحق، وتسلية له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، وتقليل من شأن اليهود، ومقالتهم الباطلة.

3- أن من أشد أنواع السفه: السفه في الدين، برد الحق والاعتراض على حكم الله؛ لقوله تعالى: ﴿ السُّفَهَاءُ ﴾ أي: الذين بلغوا من السفه غايته.

4- استغلال اليهود وأهل الريب والنفاق حادثة تحويل القبلة للتشكيك في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، والكيد له ولدعوته.

وهكذا دَأْبُ أهل الزيغ والنفاق، في كل زمان ومكان، ينتهزون الفرص للكيد للإسلام، وبخاصة اليهود والمنافقون فيجب الحذر منهم.

5- في إخبار الله- عز وجل- لنبيه صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بما سيقوله هؤلاء السفهاء، قبل وقوعه، بل وقبل تحويل القبلة تهيئتهم للاستعداد له، وتقوية لقلوبهم وتطمين لها.

6- تولي الله- عز وجل- الدفاع عن نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، والرد على هؤلاء السفهاء وإفحامهم وإسكاتهم بقوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [البقرة: 142].

7- أن اليهود إنما قالوا هذه المقالة: ﴿ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: 142] اعتراضاً على حكم الله وشرعه، وتكذيباً للحق؛ لهذا أجابهم الله بقوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.

8- وجوب التسليم لأمر الله- عز وجل- وحكمه الشرعي وتحريم الاعتراض عليه، عرفنا الحكمة أو لم نعرفها؛ لقوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ﴾.

9- أن لله- عز وجل- المشرق والمغرب، والملك كله، والأمر كله، يوجه رسوله والمؤمنين إلى أي قبلة شاء- سبحانه وتعالى- ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

10- أن الله- عز وجل- يهدي ويدل ويوفق- بفضله- من شاء من عباده إلى صراطه المستقيم، كما يضل من شاء بعدله؛ لقوله تعالى: ﴿ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.

11- إثبات المشيئة والإرادة الكونية لله- عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ مَنْ يَشَاءُ ﴾.

12- فضل الله- عز وجل- على هذه الأمة، حيث هداها إلى أقوم طريق، وأول قبلة، وأعظم وجهة، بيت الله الحرام أينما كانوا، وكان النصارى يتوجهون دائمًا إلى المشرق أينما كانوا، وكان اليهود يتوجهون إلى المغرب أينما كانوا.

13- الترغيب في سلوك الطريق المستقيم، والتحذير من سلوك طرق الاعوجاج والضلال.

14- امتنان الله- عز وجل- وفضله العظيم على الأمة المحمدية بجعلها أمة وسطاً عدولاً خياراً بين الأمم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143].

فهم خير الأمم، ورسولهم صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وخاتمهم وسيد ولد آدم، وكتابهم القرآن أعظم الكتب والمهيمن عليها جميعاً، ودينهم الإسلام أكمل الأديان، وشريعتهم أيسر الشرائع الحنيفية السمحة، وقبلتهم الكعبة المشرفة أول وأفضل بيت وضع للناس، وأشرف البقاع، وأعظم بيوت الله حرمة.

15- أن الله عز وجل فضل هذه الأمة بما فضلهم به، وجعلهم خياراً وعدولاً بين الأمم؛ ليكونوا شهداء على الناس من الأمم السابقة، ويكون الرسول عليهم شهيداً؛ لقوله تعالى: ﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].

16- إثبات رسالته صلى الله عليه وسلم وشهادته على أمته، وتشريفه وتكريمه صلى الله عليه وسلم.

17- تشريف هذه الأمة وتكريمها، بحيث تشهد على جميع الأمم، ولا يشهد عليها إلا رسولها.

18- عظم مسؤولية هذه الأمة ورسولها صلى الله عليه وسلم، بين الأمم ورسلهم عليهم السلام، حيث حُمِّلتْ هذه الأمة ورسولها الشهادة على الناس، كما حُمِّل صلوات الله وسلامه عليه الشهادة على أمته.

19- اشتراط العدالة في الشهود؛ لقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].

20- إثبات الحكمة لله- عز وجل- في أفعاله وأقواله وأحكامه، في خلقه وشرعه وقدره؛ لقوله تعالى: ﴿ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾، وقوله تعالى بعد ها: ﴿ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ﴾ [البقرة: 143] الآية.

21- إثبات صحة الصلاة إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة إلى الكعبة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: 143] وأن ذلك كان بأمر الله- عز وجل- أي: ما وجهناك للقبلة الأولى، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ﴿ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ﴾ فيتوجه حيث توجه صلى الله عليه وسلم ﴿ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ [البقرة: 143] وقد صلى صلى الله عليه وسلم بعدما هاجر نحو بيت المقدس ستة عشر، أو سبعة عشر شهراً.

22- أن في أمره صلى الله عليه وسلم بالتوجه في الصلاة إلى بيت المقدس، ثم تحويله إلى الكعبة ابتلاءً وامتحاناً للناس؛ ليظهر حال من يتبع الرسول ويطيعه، وينقاد له، ويتوجه حيث توجه، وحال من يرجع على عقبيه ويرتد، شاكًّا مرتاباً، مخالفاً مكذباً.

23- وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وتأكيد ذلك، والتنفير من مخالفته وعدم اتباعه.

24- بلوغ القرآن الغاية في التحذير والتنفير مما يراد التنفير منه؛ لقوله تعالى: ﴿ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ [البقرة: 143].

25- إثبات علم الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ ﴾ الآية.

26- أن الله- عز وجل- إنما يجازي الناس على حسب ما يصدر ويظهر منهم، لا على ما قدره عليهم، وعلمه قبل حصوله منهم، لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ [البقرة: 143].

27- أن عدم اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ردة وانقلاب على العقبين، ورجوع إلى الوراء، وفي المقابل فإن اتباعه صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الوحي من عند الله- عز وجل- علو شأن ورفعة قدر.

28- أن صرف القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام أمر كبير، وحدث عظيم، ليس من السهل التسليم به وقبوله إلا على من هداهم الله- عز وجل- من أهل الإيمان واليقين، الذين يستسلمون لأمر الله- عز وجل- ورسوله صلى الله عليه وسلم، وينقادون؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143].

ولهذا اشتدت المحنة وعظم الابتلاء لما حولت القبلة إلى الكعبة، حتى إن بعض الناس ارتد عن الإسلام- نسأل الله الثبات على دينه.

29- إثبات الهداية لله- عز وجل- بقسميها: هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والقبول؛ لقوله تعالى: ﴿ إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾.

30- امتنان الله- عز وجل- على عباده المؤمنين بهدايته إياهم للتسليم لأمره والانقياد لشرعه في أمر القبلة وغيره.

31- أن الله- سبحانه وتعالى- لا يضيع عمل عامل من أهل الإيمان، فمن صلى إلى القبلة الأولى قبل نسخها فلن يضيع إيمانه بها وصلاته إليها، وأجره على ذلك محفوظ عند الله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143].

وكما قال تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ﴾ [البقرة: 142].

32- الاحتراز عن الفهم الخطأ، فقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ لإزالة ما قد يظن من ضياع صلاة من صلى إلى بيت المقدس قبل تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة.

33- أن الأعمال الصالحة من الإيمان؛ قولاً كانت أو فعلاً أو اعتقاداً؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ﴾ وفي هذا رد على المرجئة.

34- إثبات صفة الرأفة العظيمة التامة لله عز وجل.

35- إثبات صفة الرحمة لله- عز وجل- رحمة ذاتية ثابتة لله- عز وجل- ورحمة فعلية، يوصلها من شاء من عباده، رحمة عامة لجميع الخلق، ورحمة خاصة بالمؤمنين؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #213  
قديم 09-08-2022, 06:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

سبب نزول هذه الآيات من سورة البقرة من (144 - 150)

قال الله تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ * وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ* الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 144 - 150].

سبب النزول:
عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "كان أول ما نسخ من القرآن القِبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها اليهود، فأمره الله أن يستقبل بيت المقدس، ففرحت اليهود، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهراً، وكان يحب قبلة إبراهيم، فكان يدعو إلى الله، وينظر إلى السماء، فأنزل الله: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ إلى قوله: ﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ فارتاب من ذلك اليهود، وقالوا: ﴿ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ﴾ [البقرة: 142] فأنزل الله: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ﴾ [البقرة: 142]، وقال: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ ﴾ [البقرة: 115]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾ [البقرة: 143]"[1].

وفي رواية عن عكرمة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من صلاته إلى بيت المقدس رفع رأسه إلى السماء، فأنزل الله: ﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ [البقرة: 144] إلى الكعبة، إلى الميزاب، يؤم به جبريل- عليه السلام"[2].

وعن البراء بن عازب- رضي الله عنه- قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يحول إلى الكعبة، فنزلت: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ فصرف إلى الكعبة"[3].

وعن أنس- رضي الله عنه- قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزلت ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ " الحديث[4].

وعن مجاهد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة إلى بيت المقدس، والكعبة بين يديه، وبعدما هاجر ستة عشر شهراً، ثم صرف إلى الكعبة"[5].

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] سبق تخريجه.

[2] أخرجه ابن مردويه- فيما ذكره ابن كثير في "تفسيره" (1/ 278).

[3] أخرجه البخاري في الإيمان (41)، وفي التفسير (4486)، وأحمد (4/ 283).

[4] أخرجه مسلم في المساجد- تحويل القبلة من القدس (527).

[5] أخرجه أحمد (1/ 325)، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" (1/ 457)- الأثران (23، 24)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11/ 67)- الحديث (11066)، والبيهقي في "سننه" (2/ 3)، وابن عبدالبر في "التمهيد" (8/ 53-54).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #214  
قديم 09-08-2022, 06:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا... ﴾

قوله تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144].

قوله: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ "قد" حرف تحقيق.

والمعنى: قد رأينا تقلب وجهك في السماء، وجاء التعبير بالمضارع بدل الماضي للدلالة على استمرار رؤية الله- عز وجل- لتقلب وجهه، كلما حصل منه ذلك التقلب والترقب في الحال والاستقبال.

وقيل: إن "نرى" فعل مضارع على بابه، وهو إخبار من الله- عز وجل- بأنه سيرى تقلب وجهه ويوليه قبلة يرضاها.

ومعنى ﴿ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ أي: توجهك بوجهك وبصرك إلى السماء حال الدعاء، تنظر إليها، وتنتظر أمر الله- عز وجل- لك ووحيه إليك، بتحويل القبلة إلى الكعبة، قبلة أبيك إبراهيم- عليه السلام- محبة لها، وكراهية لموافقة اليهود في قبلتهم، وقد كان صلى الله عليه وسلم بمكة إذا استقبل بيت المقدس جعل الكعبة بين يديه، حيث كان يصلي بين الركنين، فلما هاجر إلى المدينة تعذر عليه الجمع بينهما، فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، حتى صرفه الله إلى الكعبة.

﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ الفاء: عاطفة تفيد التعليل، واللام: واقعة في جواب القسم، والنون للتوكيد، فالجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم المقدر، واللام، ونون التوكيد. أي: فوالله لنولينك، أي: لنوجهنك، ﴿ قِبْلَةً ﴾ وجهة، ونكرت للتعظيم، ﴿ تَرْضَاهَا ﴾ تحبها وتقبلها، وهي التي كان يدعو الله أن يوجهه إليها.

ولا يفهم من هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم يرض القبلة الأولى، بل قد رضيها وصلى إليها قبل نسخها ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، بعد هجرته صلى الله عليه وسلم، لكنه يحب أن يوجه إلى الكعبة قبلة أبيه إبراهيم عليهما الصلاة والسلام.

وتكلم عز وجل عن نفسه بضمير الجمع والتعظيم في قوله: ﴿ قَدْ نَرَى ﴾ وقوله: ﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ ﴾ لأنه ذو العظمة التامة، كما قال عز وجل في الحديث القدسي: "العظمة إزاري والكبرياء ردائي"[1].

﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾.
بهذا الخطاب والأمر له صلى الله عليه وسلم ولأمته، حولت القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام، ونسخ التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة، فخطب النبي صلى الله عليه وسلم الناس، وأعلمهم بذلك.

وكان صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهي شمال مكة فتكون قبلة أهلها جهة الجنوب.

ولهذا لما نهى صلى الله عليه وسلم عن استقبال القبلة أو استدبارها حال البول والغائط قال: "ولكن شرقوا أو غربوا"[2] وهذا لأهل المدينة ومن كان شمال مكة.

قوله: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ ﴾ أي: استقبل بوجهك وبدنك، في الصلاة والعبادة ﴿ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ شطر الشيء نصفه، وشطر الشيء نحوه وجهته، وهو المراد بقوله: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾، أي: نحو المسجد الحرام وجهته.

قال الشاعر:
أقول لأم زنباع أقيمي
صدور العيس شطر بني تميم[3]






أي: جهتهم ونحوهم.

و﴿ الْمَسْجِدِ ﴾ مكان السجود والصلاة.

﴿ الْحَرَامِ ﴾ "حرام" على وزن "فعال" صفة مشبهة مأخوذ من "الحُـرْم" وهو الحظر والمنع، وسُمي بذلك لأنه يحرم فيه أشياء لا تحرم في غيره، ويجب احترامه وتعظيمه.

كما قال تعالى: ﴿ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ﴾ [إبراهيم: 37]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن هذا البلد حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة؛ لا يعضد شوكه، ولا يختلى خلاه، ولا ينفر صيده"[4].

ونظراً لعظم الأمر وأهميته لم يكتف بمخاطبته صلى الله عليه وسلم وأمره بذلك- مع أن الغالب- أن الخطاب والأمر له خطاب وأمر له ولأمته- بل أكد ذلك بخطاب وأمر الأمة وحدها، فقال: ﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ الواو: عاطفة، و"حيث" ظرف مكان، وهي شرطية.

و"ما" زائدة إعراباً، ومؤكدة من حيث المعنى للعموم في الأمكنة و"كنتم" فعل الشرط، وجوابه ﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾.

أي: وفي أي مكان، وفي أي جهة كنتم أيها المؤمنون في البر أو البحر أو الجو، في الشمال أو الجنوب أو الشرق أو الغرب، أو ما بين ذلك.

﴿ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ أي: فاستقبلوه، ووجهوا وجوهكم نحوه، وفي هذا أعظم رمز لوحدة الأمة الإسلامية، ووجوب تضامنها، حيث أمر الله- عز وجل- المسلمين بالتوجه جميعاً لأعظم قبلة، في أعظم عباداتهم، وهي الصلاة، وكذا في نسكهم ودعائهم.

وكان أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة صلاة العصر، كما في حديث البراء بن عازب- رضي الله عنه- وغيره.

وروي أن أول صلاة صلاها إلى الكعبة صلاة الظهر[5].

وكان ذلك في منتصف شهر رجب، وقيل: في النصف من شعبان. والصحيح الأول.

فبادر صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إلى امتثال أمر الله- عز وجل- بالتوجه في الصلاة نحو الكعبة، حتى أهل مسجد قباء جاءهم الخبر وهم في صلاة الفجر، بتحويل القبلة إلى الكعبة، فاستداروا نحوها وهم في الصلاة.

كما في حديث البراء -رضي الله عنه-: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، وكان يعجبه أن تكون قبلته الكعبة، وأن أول صلاة صلاها إليها صلاة العصر، وصلى معه قوم، فخرج رجل ممن كان صلى معه، فمر على أهل المسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله، لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَلَ مكة، فداروا، كما هم قبل البيت"[6].

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: "بينما الناس في قباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة"[7].

وعن عمارة بن أوس -رضي الله عنه- قال: "بينما نحن في الصلاة نحو بيت المقدس، ونحن ركوع إذ أتى منادٍ بالباب: أن القبلة قد حولت إلى الكعبة. قال: فأشهد على إمامنا أنه انحرف، فتحول هو والرجال والصبيان، وهم ركوع نحو الكعبة"[8].

وهذا دليل على أن الناسخ لا يلزم حكمه إلا بعد العلم به، وإن تقدم نزوله وإبلاغه؛ لأنهم لم يؤمروا بإعادة العصر والمغرب والعشاء.

﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ "إن" للتوكيد، والذين أوتوا الكتاب هم اليهود والنصارى، و"ال" في الكتاب للجنس، فاليهود أعطوا التوراة، والنصارى أعطوا الإنجيل.

﴿ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ اللام للتوكيد، أي: وإن الذين أعطوا الكتاب وبخاصة أحبارهم وعلماؤهم الذين أنكروا استقبالكم المسجد الحرام، وانصرافكم عن بيت المقدس، ﴿ لَيَعْلَمُونَ ﴾ علماً جازماً ﴿ أَنَّهُ ﴾ أي: توجهكم إلى المسجد الحرام ﴿ الْحَقُّ ﴾ أي: الشيء الثابت، أي: أن توجهكم إلى المسجد الحرام هو الحق الثابت، الذي لا مرية فيه، كما قال عز وجل: ﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ﴾ [الأنعام: 115] أي: صدقاً في الأخبار وعدلاً في الأحكام.

كما أن رسالته صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من الوحي من عند الله- عز وجل- كل ذلك حق يجب اتباعه.

قال ابن كثير[9]: "أي: واليهود- الذين أنكروا استقبالكم الكعبة، وانصرافكم عن بيت المقدس- يعلمون أن الله تعالى سيوجهك إليها، بما في كتبهم عن أنبيائهم، من النعت والصفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته، وما خصه الله تعالى به، وشرفه، من الشريعة الكاملة العظيمة، ولكن أهل الكتاب يتكاتمون ذلك بينهم حسداً وكفراً وعناداً".

كما قال تعالى: ﴿ وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 76].

﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ أي: من خالقهم ومالكهم والمتصرف فيهم، وفي هذا تذكير لهم بنعمة ربوبيته- عز وجل- التي لا يستطيعون إنكارها، واستعطاف لقلوبهم لو كان فيها حياة.

﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي بالتاء: ﴿ تَعْمَلُونَ ﴾ وقرأ الباقون بالياء: ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾.

و"ما" في قوله ﴿ وَمَا اللَّهُ ﴾ نافية تعمل عمل "ليس".

﴿ بِغَافِلٍ ﴾ الباء حرف جر، وهي زائدة إعراباً مؤكدة للنفي من حيث المعنى و(غافل) مجرور لفظاً، ومحله النصب خبر "ما".

والغفلة: اللهو والسهو عن الشيء، وهو أمر يعتري البشر لنقصهم. والله- عز وجل- لا يسهو ولا يغفل ولا يلهيه شأن عن شأن.

و"ما" في قوله ﴿ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ موصولة أو مصدرية، أي: وما الله بساه ولاه عن الذي يعملون، أو عن عملهم، من الكيد للرسول صلى الله عليه وسلم ولدعوته، والمخالفة والصد عن دين الله- عز وجل- وكتمان ما كانوا يعلمون من الحق، وغير ذلك.

وفي هذا أبلغ الوعيد والتهديد لأهل الكتاب، كما أن في الآية وعداً للمؤمنين، أي: إنه- عز وجل- ليس بغافل عن أعمالكم الصالحة أيها المؤمنون من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، والقيام بما أوجب الله عليكم، بل سيحصي ذلك كله، ويدخره لكم، ويجازيكم عليه أحسن الجزاء.

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] أخرجه مسلم في البر والصلة (2620)، وأبوداود في اللباس (4090)، وابن ماجه في الزهد (4174) -من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- وأخرجه مسلم أيضاً من حديث أبي سعيد- رضي الله عنه.

[2] أخرجه البخاري في الوضوء (144)، ومسلم في الطهارة (264)، وأبوداود في الطهارة (9)، والنسائي في الطهارة (21)، وابن ماجه في الطهارة (318)- من حديث أبي أيوب- رضي الله عنه.

[3] البيت لأبي زنباع الجذامي. انظر: "لسان العرب" مادة: "شطر".

[4] أخرجه البخاري في الحج (1834)، ومسلم في الحج (1353)، وأبوداود في المناسك (2017)، والنسائي في مناسك الحج (2875)، والترمذي في السير (1590)، وابن ماجه في الجهاد (2773)- من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما.

[5] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 279).

[6] سبق تخريجه.

[7] سبق تخريجه.

[8] أخرجه ابن مردويه فيما ذكر ابن كثير في "تفسيره" (1/ 280).

[9] في "تفسيره" (1/ 280).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #215  
قديم 09-08-2022, 06:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ... ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 145].

قوله: ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾ الواو: عاطفة، واللام موطئة للقسم المقدر، أي: والله لئن أتيت الذين أوتوا الكتاب، وأظهر في مقام الإضمار فلم يقل: (ولئن أتيتهم)؛ لإظهار مذمتهم.

﴿ بِكُلِّ آيَةٍ ﴾ الباء للمصاحبة، أي: مصطحبًا كل آية، وقد تكون للتعدية، والآية: العلامة.

أي: والله لئن جئت اليهود والنصارى بكل آية شرعية أو كونية؛ حجة وبرهانًا وعلامة على صدق ما جئت به من عند الله، من الأمر بالتحول إلى الكعبة، وغير ذلك.

أي: مهما جئتهم به من الآيات الكثيرة؛ لأن الآيات لا يمكن حصرها.

﴿ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾ "ما" نافية، أي: ما توجهوا إلى قبلتك الكعبة؛ وذلك لفرط كفرهم وتكذيبهم، ومخالفتهم وعنادهم وحسدهم، كما قال تعالى: ﴿ أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ ﴾.

فهم يعلمون أنه الحق- كما ذكر الله- لكنهم لا يعملون به، والآيات إنما ينتفع بها من كان ضالته الحق، أما من كان معاندًا فلا حيلة فيه.. فلا جدوى في إطناب الاحتجاج عليهم، ولا مطمع في اتباعهم قبلته، ولهذا أكد ذلك بالقسم، تيئيسًا من إيمانهم.

وأضاف القبلة إليه صلى الله عليه وسلم في قوله ﴿ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ﴾ ؛ لتأكيد تميزه صلى الله عليه وسلم في قبلته عن أهل الكتاب، وإلا فقبلته الكعبة هي قبلة أبيه إبراهيم وغيره من الأنبياء بعده عليهم الصلاة والسلام، وهي أول بيت وضع للناس، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ ﴾ [البقرة: 143، 144].

﴿ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ﴾الواو: استئنافية، و"ما" نافية ﴿ بِتَابِعٍ ﴾ الباء مؤكدة للنفي أي: وما أنت بمتوجه إلى قبلتهم، أي: إن ذلك مستحيل شرعًا في حقه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله أمره بالتحول إلى المسجد الحرام، والانصراف عن قبلتهم، وهو صلى الله عليه وسلم معصوم عن مخالفة أمر الله عز وجل.

وهذا إخبار من الله- عز وجل- عن ثباته صلى الله عليه وسلم على التوجه إلى الكعبة، وشدة متابعته صلى الله عليه وسلم وتمسكه بما أمره الله به.

وفيه تيئيس من رجوعه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إلى قبلة اليهود، وإشارة إلى أن توجهه صلى الله عليه وسلم أول هجرته إلى المدينة نحو بيت المقدس؛ لأمر الله بذلك، لا متابعة منه لليهود.

﴿ وَمَا بَعْضُهُمْ ﴾ يعني أهل الكتاب ﴿ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ﴾ فاليهود لا يمكن أن يتبعوا قبلة النصارى، وهي مشرق الشمس، والنصارى لا يمكن أن يتبعوا قبلة اليهود وهي بيت المقدس والصخرة؛ لأن كل طائفة منهم تكفر الأخرى، وترى أنها ليست على شيء، كما قال تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ ﴾ [البقرة: 142].

وفي هذا زيادة في التيئيس من اتباعهم قبلته صلى الله عليه وسلم، ببيان شدة اختلافهم فيما بينهم حتى في قبلتهم مع أن شريعة اليهود هي أصل شريعة النصارى، والإنجيل تكملة للتوراة.

﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ هذا تأكيد لما قبله وتحذير له صلى الله عليه وسلم من موافقة أهل الكتاب في قبلتهم وأهوائهم وحاشاه من ذلك.

قوله: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ الواو: عاطفة، واللام موطئة للقسم، أي: والله لئن اتبعت أهواءهم، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.

والأهواء: جمع هوى، وهو الميل عن الحق، والمخالفة له، بلا دليل من شرع أو عقل، بل بمجرد اتباع هوى النفس، وهو ضد الهدى، كما قال تعالى: ﴿ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ﴾.

والهوى- يعمي ويصم، وهو مهلك مردٍ، كما قال تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ ﴾ [البقرة: 142] ، وقال تعالى: ﴿ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ ﴾، وقال تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ ﴾ [البقرة: 142].

﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ أي: من بعد الذي جاءك من العلم بالوحي من عند الله أنك على الحق، وأنهم على خلاف ذلك. العلم الذي تقوم به الحجة، كما قال تعالى: ﴿ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً ﴾ [البقرة: 143] ، وقال عز وجل: ﴿ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا ﴾ [البقرة: 145].

﴿ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ جملة جواب القسم و"إن" في قوله ﴿ إِنَّكَ ﴾ للتوكيد، و"إذًا" ظرف بمعنى "حين" أي: إنك حين اتباعك لأهوائهم من بعدما جاءك من العلم، أي في هذه الحال ﴿ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾.

واللام في قوله ﴿ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ للتوكيد، والظالمين: جمع ظالم، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، على سبيل العدوان، وهو النقص، كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ ﴾.

وهو قسمان: ظلم للنفس بالكفر والشرك والمعاصي، وظلم للغير- بالتعدي على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، وغير ذلك، وهو- أيضًا- من ظلم النفس.

وأظلم الظلم: الشرك بالله؛ لقوله تعالى عن لقمان أنه قال لابنه: ﴿ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 143].

واتباع أهواء أهل الكتاب في التوجه إلى قبلتهم وغير ذلك من أهوائهم الباطلة المخالفة للحق من أظلم الظلم؛ لأنه وضع للاتباع في غير موضعه بغيًا وعدوانًا، ونقص مما يجب على المرء من اتباع الحق واطراح الأهواء.

وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك، وتعليق الشيء على الشرط لا يلزم وقوعه، وهذا كقوله تعالى: ﴿ نْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 144].

وفي هذا كله تأكيد أنه لا محاباة لأحد من الخلق عند الله حتى ولو كان أفضل الرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم.

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #216  
قديم 09-08-2022, 06:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم


تفسير قوله تعالى:﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ... ﴾



قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146].

قوله: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ أي: الذين أعطيناهم الكتاب وأنزلناه عليهم، وهم اليهود والنصارى، وبخاصة أحبارهم وعلماؤهم.

﴿ يَعْرِفُونَهُ ﴾ أي: يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم، وصدق رسالته، وما جاء به من عند الله من الوحي، ومن الأمر باستقبال المسجد الحرام.

﴿ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ الكاف للتشبيه، و"ما" مصدرية، أي: يعرفونه معرفة تامة كمعرفتهم أبناءهم.

وعبر بـ﴿ يَعْرِفُونَهُ ﴾ ؛ لأن المعرفة تتعلق أكثر بالذوات والأمور المحسوسة، قال تعالى: ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ ﴾ [المطففين: 24].

وخص الأبناء دون البنات؛ لأن معرفة الرجل بأبنائه الذكور أقوى لكثرة مخالطته لهم، وقوة تعلقه بهم.

قال ابن كثير[1]: "والعرب كانت تضرب المثل في صحة الشيء بهذا، كما جاء في الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل معه صغير: "ابنك هذا"؟ قال: نعم، أشهد به. قال: "أما إنه لا يجني عليك، ولا تجني عليه"[2].

وإنما كانوا يعرفونه كمعرفتهم أبناءهم، لما جاء في كتبهم من البشارة به صلى الله عليه وسلم وذكر صفاته، وكمال دينه، وفضيلة أمته، قال تعالى ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف: 157].

﴿ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ أي: وإن فريقاً من أهل الكتاب، أي: جماعة منهم، وهم أكثرهم، وبخاصة أحبارهم وعلماؤهم.

﴿ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ﴾ اللام للتوكيد، أي: ليخفون الحق، ولا يظهرونه، وهو ما في كتبهم التوراة والإنجيل، من البشارة به صلى الله عليه وسلم وصفته، وصدق رسالته، وما جاء به، وأن قبلته الكعبة، كما هي قبلة الأنبياء من قبله، كما قال تعالى عنهم: ﴿ وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 76].

﴿ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ الواو: حالية، أي: والحال أنهم يعلمون الحق، ويعرفونه، كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك يكتمونه، وهذا أشد وأبلغ في ذمهم؛ لقيام الحجة عليهم، أي: يعلمون الحق ويعرفونه، ويعلمون أنه ليس لهم كتمانه، وقد قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 140].

ويؤخذ من قوله: ﴿ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ ﴾ أن فريقاً منهم لم يكتموا الحق، وهم يعلمون، وهذا الفريق منهم من آمن، ومنهم من كفر جهلاً.

قوله تعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 147].

قوله: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ تقرير وتوكيد لما قبله، أي: الحق الثابت، الذي لا شك فيه ﴿ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي: من خالقك ومالكك ومدبرك، هو الذي أحقه وبعثك به، وأنزله عليك، ووجهك فيه إلى قبلة إبراهيم- عليه السلام- والأنبياء بعده.

والمراد بالربوبية هنا: ربوبية الله- عز وجل- الخاصة برسله وأوليائه.

﴿ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ أي: فلا تكونن من الشاكين- فيما أنزل الله إليك من الحق، وفيما وجهك إليه من قبلة إبراهيم والأنبياء بعده، واثبت على ذلك، ولا تبال بمن خالفه، من اليهود وغيرهم؛ من أهل الشك والارتياب، وفي هذا أعظم التثبيت له صلى الله عليه وسلم.

وليس في نهيه صلى الله عليه وسلم عن الامتراء ما يدل على وقوع شيء من ذلك منه صلى الله عليه وسلم، بل ولا على إمكانية وقوع ذلك منه؛ لعصمته صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وهذا كقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾ [الأحزاب: 1].
المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] في "تفسيره" (1/ 280).

[2] أخرجه أحمد (5/ 81).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #217  
قديم 26-08-2022, 08:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا... ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 148] قوله: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ ﴾ أي: ولكل أمة، ولكل أحد جهة.

﴿ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾ قرأ ابن عامر: ﴿ مُوَلِّيهَا ﴾ بفتح اللام وألف بعدها، اسم مفعول، أي: هو موجّه ومصروف إليها وقرأ الباقون: ﴿ مُوَلِّيهَا ﴾ بكسر اللام وياء بعدها، اسم فاعل، أي: متوجه إليها، ومستقبلها، سواء كانت وجهة حسية، كالقبلة، كما قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 145]، أو كانت وجهة معنوية كالإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، والخير والشر.

فلكل أمة قبلة يتوجهون إليها، ولكل أحد منهج ومسلك يتوجه إليه ويسلكه قدراً، أو قدراً وشرعاً، كما قال تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا ﴾ [المائدة: 48]، وقال تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 10].

وقال تعالى: ﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9 - 10]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 84].

وقال صلى الله عليه وسلم: "كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها"[1].

قال لبيد[2]:
وما الناس إلا عاملان فعامل
يُتَبِّر ما يبني وآخر رافع


﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ ضُمِّن الفعل ﴿ فَاسْتَبِقُوا ﴾ معنى "افعلوا" ولهذا تعدى بنفسه، أي: افعلوا الخيرات، وبادروا إليها، وتسابقوا فيها، وذلك بالتوجه إلى المسجد الحرام، والمبادرة إلى فعل الواجبات في أول وقتها، إبراء للذمة، كالصلاة والصيام والحج وإخراج الزكاة، والبعد عن المنهيات، والإكثار من السنن والمستحبات، والإحسان قولاً وفعلاً وبذلاً.

كما قال تعالى: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133]، وقال تعالى: ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الحديد: 21]، وقال: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [الواقعة: 10، 11]، وقال تعالى: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26].

فالحياة ميدان سباق "وَمَن بَطَّأَ به عمله لم يُسْرِع به نَسَبُه"[3].

وقد عرف سلف هذه الأمة والموفقون هذه الحقيقة، فكانوا يسابقون الزمن، لتحصيل الخيرات والأعمال الصالحات، وينافسون في ذلك؛ ولهذا لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصدقة تسابق أبوبكر وعمر رضي الله عنهما، فجاء عمر بنصف ماله، وجاء أبوبكر بكل ماله، فعلم عمر رضي الله عنه أن لن يسبق أبابكر، وقال: "لا أسابقك إلى شيء أبداً"[4].

وقد أحسن القائل:
ولم أجد الإنسان إلا ابن سعيه
فمن كان اسعى كان بالمجد أجدرا
فلم يتأخر من أراد تقدمًا
ولم يتقدم من أراد تأخرا[5]


وفي قوله تعالى: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ إشارة إلى أنه لا ينبغي الاغترار بما عليه الكثرة الكاثرة من الناس من الزهد فيما عند الله؛ لأن أكثرهم لم يقدروا الأمر قدره، كما قال تعالى: ﴿ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179].

﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ﴾ هذه الجملة كالتعليل لقوله: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾، و"أين" شرطية، و"ما" زائدة إعراباً مؤكدة من حيث المعنى. و"تكونوا" فعل الشرط، مجزوم بحذف النون، و"يأت" جواب الشرط مجزوم بحذف الياء و"كان" تامة، أي: في أي مكان توجدون من بر أو بحر أو جو، ومهما تفرقت أجسادكم بعد الموت والبلى فإن الله- عز وجل- يأتي بكم جميعاً يوم القيامة، من آمن ومن كفر، ومن سابق إلى الخيرات، ومن تباطأ عنها.

وفيه إشارة إلى أن المهم المسابقة إلى الخيرات، لا استقبال الجهات- مع ما فيه من الترغيب والترهيب، كما قال تعالى: ﴿ ﴿ وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [الكهف: 48]، وقال تعالى: ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ [القيامة: 3، 4]، وقال تعالى: ﴿ أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ ﴾ [العاديات: 9، 10]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الواقعة: 49، 50]، وقال تعالى: ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ﴾ [التغابن: 9].

وكما أن مرجع جميع الخلائق إليه يوم القيامة، فكذلك يجب أن يكون مرجعهم في الدنيا إليه- عز وجل- وحده، وإلى ما دل عليه وأوصل إليه، وهو ما أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم من الحق وما وجهه إليه.

﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ هذه الجملة مؤكدة بـ"إن"، وبتقديم المتعلق وهو قوله: ﴿ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ﴾؛ للدلالة على عموم قدرته- عز وجل- على كل شيء، وأنه ذو القدرة التامة على كل شيء، أيًّا كان ذلك الشيء، صغيراً أو كبيراً، قليلاً أو كثيراً، من جمع الخلائق، وغير ذلك، فلا يعجزه شيء، كما قال عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾ [فاطر: 44].

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »

[1] سبق تخريجه.

[2] انظر: "ديوانه" ص56.

[3] أخرجه مسلم في الذكر والدعاء (2699)، والترمذي في القراءات (2945)، وابن ماجه في المقدمة (225) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[4] أخرجه أبوداود في الزكاة (1678)، والترمذي في المناقب (3675)- من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

[5] البيتان لابن هانئ. انظر: "ديوانه" ص140.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #218  
قديم 26-08-2022, 08:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾

قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 149].


قوله: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الإمام المقتدى به في الصلاة، والرسول الذي للأمة فيه أُسوة، وقد يكون الخطاب له صلى الله عليه وسلم ولكل مسلم مصل.

وهذا أمر ثان بالتوجه في الصلاة إلى المسجد الحرام، تأكيداً للأمر الأول، أي: ومن أي جهة جئت إلى الصلاة وخرجت إليها، وفي أي مكان كنت فتوجه واستقبل جهة المسجد الحرام.

﴿ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ كما قال تعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 147]، وقال تعالى قبل ذلك: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 144].

والواو في قوله: ﴿ وَإِنَّهُ ﴾: عاطفة، و"إن" حرف توكيد ونصب، والضمير الهاء اسمها، يعود إلى المصدر المفهوم من الأمر السابق.

﴿ لَلْحَقُّ ﴾ خبر "إن" واللام فيه للتوكيد أي: وإن توليك وتوجهك جهة المسجد الحرام هو الحق الثابت من ربك وما عداه فباطل.

وقوله: ﴿ مِنْ رَبِّكَ ﴾ أي: من خالقك، ومالكك ومدبرك، ومتوليك بربوبيته الخاصة بأوليائه.

﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ الواو: استئنافية، والباء حرف جر زائد من حيث الإعراب مؤكد للنفي من حيث المعنى، والغفلة: السهو والذهول.

﴿ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾"ما" مصدرية، أو موصولة. قرأ أبوعمرو: (يَعمَلوُنَ) بالياء، والضمير الواو يعود إلى المخالفين للنبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب وغيرهم، وقرأ الباقون: ﴿ تَعْمَلُونَ ﴾ بالتاء خطاباً للمسلمين، أو للمسلمين وغيرهم.

أي: وما الله بغافل عن الذي تعملون أو عن عملكم، أو: وما الله بغافل عن الذي يعملون أو عن عملهم، بل هو بصير بهم وبأعمالهم وبكم وبأعمالكم خبير بها، وسيجازيهم ويجازيكم عليها، وفي هذا وعد للمؤمنين المتبعين، ووعيد للمخالفين المعارضين، في أمر القبلة وغيره.
المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #219  
قديم 26-08-2022, 08:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

تفسير قوله تعالى:﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ ... الآية

قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [البقرة: 150]

قوله: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ هذا أمر وتأكيد ثالث باستقبال المسجد الحرام، وإنما جاء الأمر على هذه الكيفية من التوكيد والإطناب؛ لإرغام أنوف المكذبين المنكرين لذلك، ولعظم الأمر وأهميته، فليس من السهل تحول الناس عن قبلة كانوا عليها إلى قبلة أخرى، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ [البقرة: 143] لهذا اقتضى الأمر هذا التأكيد والإطناب.

كما أن في تكرار قوله عز وجل: ﴿ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ الآية، تمهيداً وتوطئة لقوله: ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ الآية.

وشبيه بهذا- وإن كان دونه- تحريم الخمر- حيث جاء متدرجاً على أربع مراحل، نظراً لتعلق الناس بشربها- كما يشربون الماء الزلال، فكان من الصعب نقلهم فجأة إلى تحريمها، فجاء التدرج في ذلك؛ لهذا السبب.
وهكذا الأمر في توريث النساء والصبيان، وغير ذلك.

﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ أي: وفي أيّ مكان كنتم من الأرض، أيها المؤمنون، فولوا وجوهكم في الصلاة جهة المسجد الحرام في مساجدكم، وفي بيوتكم، رجالكم ونساؤكم. ولم يقل: (ومن حيث خرجتم)؛ لأن الخطاب يتناول جميع المؤمنين، ومنهم من لا يخرج إلى الصلاة كالنساء، وأهل الأعذار.

﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ اللام للتعليل، أي: لأجل أن لا يكون للناس عليكم حجة، أي: أن من حكمة أمركم بالتوجه شطر المسجد الحرام، وتأكيد ذلك ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ .

والمراد بالناس كل من أنكر توجه المسلمين إلى المسجد الحرام، وتحولهم من بيت المقدس، من اليهود والمشركين والمنافقين.

والحجة: ما يحتج به من دليل أو تعليل ونحو ذلك.
أي: لئلا يكون لليهود والمشركين عليكم أيها المؤمنون حجة قد يمكن قبولها لو لم نوجهكم إلى استقبال المسجد الحرام ونؤكد لكم ذلك، أو لو لم تمتثلوا أمر الله لكم بذلك، كقول اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم، لو بقي على استقبال بيت المقدس: ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم، وكقولهم: صلى إلى قبلتنا وسيتبع ملتنا، وقولهم: صلى إلى قبلتنا، وخالف ديننا، وأيضاً فإنهم يعلمون أن قبلته المستقرة هي الكعبة.

وكقول المشركين: يزعم محمد أنه يدعونا إلى ملة إبراهيم وإسماعيل، وقد فارق قبلة إبراهيم وإسماعيل، وآثر عليها قبلة اليهود وداهنهم.

﴿ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ الاستثناء منقطع، و"إلا" بمعنى "لكن" أي: لكن الذين ظلموا منهم.

ويحتمل كون الاستثناء متصلاً، أي: إلا الذين ظلموا من الناس، أي: من اليهود والمشركين والمنافقين، وهم المعاندون المكابرون منهم، ذوو الحجج الداحضة الباطلة، الذين لا يقبلون الحق مهما تبين.

كقول اليهود: ﴿ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة: 142]، وقولهم: ترك ملتنا إلى ملة آبائه.
وكقول المشركين: ندم محمد على فراق ديننا، وسيرجع إليه، كما رجع إلى قبلتنا.

وكقول المنافقين، المذبذبين بين حجج اليهود والمشركين الباطلة: لو كان هذا الرجل نبيًّا حقًّا لثبت على قبلة واحدة.

فهؤلاء ظالمون، وحججهم داحضة، ولا حيلة فيهم؛ لأنهم لا يقبلون الحق مهما تبين، ولا يرضون عنكم إلا باتباع مللهم وأهوائهم الباطلة، ويأبى الله ذلك.

لكن ينبغي قطع الطريق أمام حجج المبطلين وشبههم، ودفع ملامة اللائمين ما أمكن، كما جاء في الأثر "رحم الله امرأً كفّ الغيبة عن نفسه".

﴿ فَلَا تَخْشَوْهُمْ أي: فلا تخشوا هؤلاء الظلمة المعاندين المخالفين للحق من اليهود والمشركين والمنافقين، مهما قالوا، ومهما أرادوا بكم من أذى، فحججهم داحضة وشبههم واهية، والله لهم بالمرصاد.

والخشية: أخص من الخوف.
﴿ وَاخْشَوْنِي أي: واخشوني وحدي، فأنا القادر على نصركم، وحفظكم منهم وقدم النهي عن خشيتهم؛ لأن التخلية قبل التحلية.

﴿ وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ معطوف على قوله: ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ أي: ولأتم نعمتي عليكم، فيما شرعت لكم من استقبال المسجد الحرام، قبلة أبيكم إبراهيم- عليه السلام- لتكمل شريعتكم من كل وجه، كما قال تعالى: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3].

﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أي: ولأجل أن تهتدوا إلى العلم النافع والعمل الصالح، وإلى ما ضلت عنه الأمم قبلكم مما فضلكم الله به؛ من استقبال المسجد الحرام.

فوجّه- عز وجل- المسلمين إلى استقبال المسجد الحرام وأكد ذلك عدة مرات لعلل ثلاث: قطع الحجة على المعترض من الناس، إلا من كان ظالماً لا حيلة فيه، ولإتمام نعمته- عز وجل- عليهم، ولأجل أن يهتدوا إلى العلم النافع والعمل الصالح.

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن »


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #220  
قديم 26-08-2022, 08:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

«عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

الفوائـد والأحكـام في سورة البقرة، الآيات (144-150)

1- إثبات وتحقيق أن الله- عز وجل- يَرى ويُبصر جميع الكائنات والمخلوقات؛ لقوله تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ [البقرة: 144]، كما قال تعالى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾ [الأنعام: 103].

2- عناية الله- عز وجل- بنبيه صلى الله عليه وسلم ونظره في تقلب وجهه في السماء، وإجابته دعاءه وإرضاؤه.

3- محبته صلى الله عليه وسلم وتشوقه وتشوفه إلى تحويله إلى الكعبة، قبلة أبيه إبراهيم- عليه السلام- وإلحاحه في دعاء ربه- عز وجل- أن يحوله إليها، وذلك أول مقدمه المدينة.

4- إثبات أن الله- عز وجل- في السماء عالٍ على خلقه، بائنٌ منهم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو وينظر إلى السماء، ينتظر الوحي من الله- عز وجل- الذي في السماء كما قال تعالى: ﴿ أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ﴾ [الملك: 16، 17].

5- جواز رفع النظر إلى السماء، حال الدعاء، وذلك في غير الصلاة؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، وقد أقره الله على ذلك، فقال: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ﴾ أما في الصلاة، فلا يجوز رفع البصر إلى السماء؛ لورود النهي عنه، والوعيد الشديد في ذلك[1].

6- إثبات العظمة لله عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ نَرَى ﴾، ﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ ﴾ بضمير الجمع في الموضعين للتعظيم.

7- أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الشرع كله من عند الله- عز وجل- ووحيه، لا من تلقاء نفسه، ولهذا مع محبته صلى الله عليه وسلم التوجه إلى الكعبة قبلة أبيه إبراهيم- عليهما الصلاة والسلام- لم يتوجه إليها حتى أمره الله بذلك.

8- وعد الله- عز وجل- الذي لا يتخلف لرسوله صلى الله عليه وسلم بتوجيهه قبلة يرضاها، وشرفه صلى الله عليه وسلم عند ربه- عز وجل- وعناية الله به، حيث يسارع- عز وجل- في رضاه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾ [البقرة: 144].

9- تحقيقه- عز وجل- وعده لنبيه، وأمره له صلى الله عليه وسلم بالتوجه نحو المسجد الحرام، وأمر المؤمنين بالتوجه نحوه، من جميع جهات الأرض وأقطارها، أينما كانوا؛ لقوله تعالى: ﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144].

وفي هذا نسخ للتوجه إلى بيت المقدس، الذي كان صلى الله عليه وسلم عليه قبل نزول هذه الآيات، وهو أول نسخ في القرآن الكريم، وفي الإسلام، من نسخ السنة بالقرآن، وقيل: من نسخ القرآن بالقرآن.

10- إثبات حرمة المسجد الحرام، ووجوب احترامه وتعظيمه؛ لقوله تعالى: ﴿ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾.

11- في أمر الرسول صلى الله عليه وسلم والأمة جميعاً بالتوجه إلى قبلة واحدة أعظم رمز لوحدة الأمة الإسلامية، مما يوجب على الأمة تتويج هذه الوحدة بتضامنها وتعاونها واجتماعها وألفتها، والقضاء على أسباب الخلاف بينها.

12- وجوب استقبال المسجد الحرام في جميع الصلوات، في أي مكان كان المصلي، في البر أو البحر أو الجو؛ لقوله تعالى: ﴿ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144] فذلك شرط من شروط الصلاة.

ويستثنى من ذلك صلاة النافلة في السفر، فإن المسافر يصليها حيث توجهت راحلته؛ لقوله تعالى: ﴿ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115].

كما يخص من ذلك الصلاة حال التحام القتال والمسايفة، فيصلون على أي حال، وإلى أي جهة- حسب الحال والإمكان؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا ﴾ [البقرة: 239].

ومثل ذلك المريض، الذي لا يستطيع التوجه إلى القبلة، وليس عنده من يوجهه إليها، ونحوه.

كما يخص من ذلك من جهل القبلة في السفر، فإنه يجتهد ويصلي، فإن أخطأها، فلا إعادة عليه، لأنه اتقى الله ما استطاع.

13- أن الواجب استقبال المسجد الحرام في الصلاة بجميع البدن؛ لأن الله أمر بتولية الوجه شطره، والوجه واجهة البدن كله، ويجب استقبال عين الكعبة ما أمكن لمن بداخل الحرم، ويجب على من بخارجه إصابة جهتها لتعذر إصابة عينها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما بين المشرق والمغرب قبلة"[2].

14- ينبغي أن ينظر المصلي أمامه، حيث ولى وجهه، إما تلقاء وجهه، أو إلى موضع سجوده، أو إلى سبابته، حسب حاله في الصلاة؛ لأن ذلك من تمام تولي الوجه شطر المسجد الحرام.

15- تحريم الالتفات بجميع البدن في الصلاة، وأنه مبطل لها؛ لأنه خلاف ما أمر الله به من تولية الوجه شطر المسجد الحرام.

16- تأكيد علم أهل الكتاب أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمر بالتوجه إلى الكعبة هو الحق، لكنهم أنكروه عناداً منهم وحسداً وبغياً، والإشارة إلى عدم المبالاة بهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ [البقرة: 144].

17- إثبات ربوبية الله- عز وجل- العامة لجميع الخلق؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ وهو- عز وجل- ربهم ورب جميع الخلق.

18- في إضافة ضمير أهل الكتاب إليه- عز وجل- في قوله ﴿ مِنْ رَبِّهِمْ ﴾ تذكير لهم بنعم الله- عز وجل- عليهم واستمالة لقلوبهم- علها أن تلين، ولكن هيهات.

19- كمال علم الله- عز وجل- وإحاطته بأعمال أهل الكتاب وغيرهم، وعدم غفلته عن ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144] وهذه من الصفات المنفية الدالة على كمال ضدها.

20- الوعيد الشديد، والتهديد الأكيد لأهل الكتاب، الذين أنكروا التوجه إلى المسجد الحرام، وهم يعلمون أنه الحق، بأن الله ليس بغافل عما يعملون، وسيجازيهم بما يستحقون، وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم.

21- حرص النبي صلى الله عليه وسلم على هداية الخلق بشتى الوسائل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ ﴾ [البقرة: 145].

22- شدة تعنت أهل الكتاب وعنادهم ومخالفتهم للحق، مع قيام الحجة، وبيان المحجة، لهذا أقسم الله- عز وجل- لرسوله صلى الله عليه وسلم أنه لو أتاهم بكل آية ما تبعوا قبلته، وهذا ينبئ عن مرض قلوبهم. وفيه تقوية لقلبه صلى الله عليه وسلم؛ ليستعد لهم، ولا يشق عليه أمرهم.

23- أن رد الحق بعد معرفته، وقيام الأدلة عليه من صفات أهل الكتاب، وبخاصة اليهود، فيجب الحذر من مسلكهم، والتشبه بهم.

24- تأكيد تميزه صلى الله عليه وسلم في قبلته عن أهل الكتاب، وثباته على قبلته "الكعبة"، وعدم اتباعه قبلتهم، واستحالة ذلك في حقه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه معصوم عن مخالفة أمر الله- عز وجل- كما أن أتباع شرعه لا يمكن أن يتبعوا قبلة غيره؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ ﴾ [البقرة: 145].

25- اختلاف قبلة اليهود والنصارى، فاليهود قبلتهم إلى بيت المقدس، والنصارى قبلتهم إلى المشرق، ولا يمكن أن يتبع بعضهم قبلة بعض؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ﴾ [البقرة: 145].

26- ذم أهل الكتاب باتباعهم أهواءهم.

27- تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من اتباع أهواء أهل الكتاب، بعد الذي جاءه من العلم والوحي من عند الله- عز وجل- فيكون من الظالمين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 145].

وحاشاه من ذلك صلى الله عليه وسلم، وهو سيد الخلق، وهو تحذير له صلى الله عليه وسلم ولأمته، وفيه تأكيد أنه لا محاباة لأحد من الخلق عند الله أيًّا كان- إنما الشأن كل الشأن في اتباع هدى الله ومخالفة الهوى.

28- إثبات صدق رسالته صلى الله عليه وسلم وأن ما جاء به من الوحي من عند الله عز وجل، وليس من تقوّله صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ [البقرة: 145].

ففي هذا إثبات مجيء العلم له صلى الله عليه وسلم، وهو الوحي من الله- عز وجل- والعلم الشرعي الذي هو أصل العلوم كلها.

29- أن الذم والوصف بالظلم إنما يكون لمن ترك الحق عن علم؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾.

30- أن اتباع الهوى ومخالفة الهدى من أعظم الظلم؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾.

31- معرفة أهل الكتاب للنبي صلى الله عليه وسلم وصدق رسالته، وأن ما جاء به حق، من التوجه إلى الكعبة، وغير ذلك من الشرع، كما يعرفون أبناءهم؛ لما في كتبهم من البشارة به، وصفته صلى الله عليه وسلم، وصفة دينه وأمته؛ لقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ﴾ [البقرة: 146].

32- التنديد بكتمان فريق من أهل الكتاب ما عندهم من العلم بصدق رسالته صلى الله عليه وسلم، وما جاء به؛ كتماناً للحق وإنكاراً له، وتكذيباً به، وذمهم على ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146].

33- أن من أهل الكتاب من لم يكتم ما في كتبهم من البشارة به صلى الله عليه وسلم وبدينه وصفة ذلك، بل شهدوا بصدقه صلى الله عليه وسلم، وهم قليل، منهم عبدالله بن سلام- رضي الله عنه- من اليهود، والنجاشي من النصارى، ومنهم من لم يحصل منه لا هذا ولا هذا بل كفر جهلاً.

34- أن من رد الحق وخالفه عن علم ومعرفة أعظم جرماً وأشد ذمًّا ممن رده وخالفه عن جهل وبلا علم، بل إن الجاهل قد يعذر لجهله في بعض الأحكام.

35- تقرير وتوكيد أن ما جاءه صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه هو الحق الثابت من ربه- عز وجل- تثبيتاً له صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [البقرة: 147].

36- إثبات ربوبية الله- عز وجل- الخاصة لرسله وأوليائه، وأولاهم بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: ﴿ مِنْ رَبِّكَ ﴾ وفي إضافة اسم الرب إلى ضميره صلى الله عليه وسلم تشريف وتكريم له.

37- في نهيه صلى الله عليه وسلم عن الامتراء- وحاشاه من ذلك- دلالة على صدق رسالته صلى الله عليه وسلم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 147].

38- لا يلزم من النهي عن الشيء وقوعه، بل ولا إمكان وقوعه، فالامتراء والشك مستحيل في حقه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الشك ينافي الإيمان، وهو أول المؤمنين، ومعصومٌ من الشك.

39- أن لكل أحد ولكل أمة وجهة حسية كانت أو معنوية، فلكل أمة قبلة، ولكل أمة شرعها ومنهاجها، ولكل فرد من الناس وجهته وعمله، فمن عامل خيراً ومزكٍّ نفسه ومعتقها وقائدها إلى الفلاح، ومن عامل شرًّا ومهين نفسه وموبقها وقائدها إلى الهلاك؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ﴾ [البقرة: 148].

40- الحث على المبادرة إلى الخيرات، والأعمال الصالحات، والمسابقة إليها، وفيها؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [البقرة: 148].

41- عدم الاغترار بما عليه أكثر الناس من الوجهات والمناهج المختلفة المخالفة للحق، ووجوب لزوم طريق الخير والحق والعدل.

42- إثبات بعث الخلائق كلهم وجمعهم عند الله- عز وجل- يوم القيامة، مهما تفرقوا في البلاد، وتفتتت منهم بعد البلى الأجساد؛ لقوله تعالى: ﴿ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 148].

43- إثبات وتأكيد قدرة الله- عز وجل- التامة على كل شيء من بعث الخلق وجمعهم وغير ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 148].

44- الأمر ثانياً وثالثاً باستقبال المسجد الحرام؛ تأكيداً لتحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام؛ نظراً لعظم وقع ذلك على النفوس، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ﴾ [البقرة: 143]، وإزالة للشك والريب في ذلك، وإرغاماً للمعارضين والمعاندين.

45- تأكيد حرمة المسجد الحرام، ووجوب احترامه وتعظيمه.

46- تأكيد أن ما جاءه صلى الله عليه وسلم من الأمر بالتوجه إلى المسجد الحرام هو الحق من ربه- عز وجل؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [البقرة: 149].

47- تأكيد كمال علمه- عز وجل- وإحاطته بأعمال العباد، وأنه ليس بغافل عنها، بل هو مطلع عليها، وسيحصيها عليهم، ويجازيهم بها، وفي هذا وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 149].

48- إثبات أفعال العباد الاختيارية؛ لقوله تعالى: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 149]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 144] حيث أضاف العمل إليهم، وفي هذا رد على الجبرية الذين يسلبون العبد الاختيار، ويزعمون أنه مجبور على فعله.

49- قطع حجة المخالفين المعاندين، بالأمر باستقبال المسجد الحرام، وتأكيد ذلك، وأمر المؤمنين بامتثال ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ﴾ [البقرة: 150].

50- أن الظالمين من أهل الكتاب والمشركين والمنافقين ونحوهم لن يقبلوا الحق مهما تبين، وسيردونه بأضعف الحجج وأوهاها؛ لأنهم إنما يتبعون أهواءهم الباطلة، ولهذا قال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 150] أي: فلا حيلة فيهم ولا سبيل لقبولهم الحق.

51- وجوب خشية الله- عز وجل- وحده، واتباع أمره والعمل بشرعه، وعدم خشية من سواه؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ﴾ [البقرة: 150] وفي هذا تقوية لقلوب المؤمنين أمام كيد أعدائهم.

52- فضل الله- عز وجل- على هذه الأمة بإتمام نعمته عليهم؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ ﴾ [البقرة: 150].

53- أن توجيه المؤمنين لاستقبال المسجد الحرام من إتمام النعمة على هذه الأمة، حيث وجههم لأشرف قبلة، قبلة أبيهم إبراهيم- عليه السلام.

54- أن الله- عز وجل- أمر المؤمنين بالتوجه إلى الكعبة؛ لأجل أن يهتدوا إلى ما ضلت عنه الأمم قبلهم مما خص الله به هذه الأمة، وفضلها به من توجيههم لأشرف قبلة، كما خصهم بيوم الجمعة الذي ضلت عنه اليهود والنصارى، كذلك خصهم بأن جعلهم خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله.

55- حكمة الله- عز وجل- التامة في أمر المؤمنين باستقبال المسجد الحرام وتوجههم نحوه، ففي ذلك قطع حجج المخالفين، وإتمام نعمته على هذه الأمة، وهدايتهم للعلم النافع والعمل الصالح، ولما ضل عنه أهل الكتاب قبلهم.

المصدر: «عون الرحمن في تفسير القرآن»

[1] كما في حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لتخطفن أبصارهم" أخرجه البخاري في الأذان (750). وفي حديث جابر بن سمرة: "أو لا ترجع إليهم أبصارهم" أخرجه مسلم في الصلاة (428).

[2] أخرجه الترمذي في الصلاة (342)، وابن ماجه في إقامة الصلاة (1011)- من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وروى الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر نحوه.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 238.89 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 232.82 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]