«عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191126 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 660 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 941 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1093 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 837 )           »          اعظم شخصيات التاريخ الاسلامي ____ يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 922 )           »          فتاوى رمضانية ***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 564 - عددالزوار : 92819 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 02-06-2021, 05:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

السبب في عدم كتابة البسملة في مطلع سورة براءة



أجمَعَ المسلمون على ترك الفصل بالبسملة بين سورة الأنفال وسورة براءة؛ لإجماع المصاحف على ترك التسمية بينهما[1].

وإذا ابتدَأ القارئ بسورة براءة، فإنه يتعوَّذ فقط، كما لو قرأ من وسطها[2].

وقد اختُلِف في السبب الذي من أجله تُرِكت البسملة في مطلع سورة براءة:
فذهب قوم إلى أن السبب هو كما جاء في حديث ابن عباس[3] عن عثمان رضي الله عنه من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبيِّنْ لهم في شأنها شيئًا، وكانت قصتها تُشبه قصة الأنفال، فقرَنوا بينهما، ولم يكتُبوا: ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾.

وقد اختار هذا الطحاوي[4]، وصحَّحه ابن العربي[5].

وقيل: إن ذلك من شأن العرب إذا كان بينهم وبين قوم عهد، فإذا أرادوا نقْضَه كتَبوا لهم كتابًا، فلم يكتُبوا فيه: ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾، فلما نزلت براءة بنقض العهد الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه، فقرأها عليهم في الموسم، ولم يبسمل على ما جرَتْ به عادتهم.

وقيل: لأن ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ أمانٌ، وبراءة نزَلتْ بالسيف، ليس فيها أمان، روي هذا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه[6].

وقيل: لأن ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ رحمة، وبراءة سخط.

وقيل: تُركت التسمية؛ إعظامًا لـï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ من خطاب المشركين.

وهذا فيه نظر؛ لأنه ورد في القرآن سور فيها خطاب المشركين ومع هذا بُدئت بـï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾، منها سورة النبأ، وسورة الكافرون، وسورة المسد، وغير ذلك.

وقيل: لأنهم اختلَفوا هل هما سورتان، أو سورة واحدة؟ فتُركت بينهما فُرْجة لقول من قال: إنهما سورتان، وتُركت ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ لقول من قال: إنهما سورة واحدة، فرَضِي الفريقان، وثبتت حُجَّتاهما في المصحف[7].

قال القرطبي[8]: "والصحيح أن التسمية لم تُكتَب لأن جبريل عليه السلام لم ينزل بها في هذه السورة، قاله القشيري".

قلت: وما ذكره القرطبي عن القشيري، هو الذي تطمئنُّ إليه النفس، بل يجب الجزم به، وهو أن جبريل لم ينزل بالبسملة مع هذه السورة، ولو نزلت مع هذه السورة لَحُفِظتْ مع ما حُفِظ، ونُقِلت إلينا؛ تحقيقًا لوعد الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

ولما لم تُنقَل عَلِمنا يقينًا لا يخالجه شكٌّ أنها لم تنزل مع هذه السورة؛ لأن الله تَكفَّل بحفظ القرآن، وقد وصل إلينا بحمد الله كاملًا محفوظًا بحفظ الله، وهذا الذي يجب أن يعتقده كل مسلم.

أما ما رُويَ عن ابن عباس عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُبيِّنْ لهم في شأن البسملة مع سورة براءة شيئًا، وكانت قصتها تشبه قصة الأنفال، فقرَنوا بينهما، ولم يكتُبوا ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾، فالحديثُ في هذا ضعيف - كما تقدم بيان ذلك.

أما القول بأن الصحابة اختلَفوا: هل الأنفال وبراءة سورة واحدة، أو سورتان... إلخ؟ فإن الصحابة رضوان الله عليهم إنما أشكَلَ عليهم - فيما رُويَ عنهم - هل براءة سورة مستقلة، أو هي من سورة الأنفال؟ ولهذا فصَلوا بينهما، أما أن هناك شكًّا في نزول البسملة مع هذه السورة أم لا، فلا شك بل يجب القطع بأن ما وصل إلينا بين دفتي المصحف هو القرآن بكامله، من غير زيادة أو نقصان.

أما بقية الأقوال التي قيلت في عدم ذكر البسملة، والتي سبق ذِكرُ جملة منها، فكلها يمكن حملُها على البحث عن العلة والسبب في عدم نزول البسملة مع هذه السورة، فهي مجرد تعليلات، تُقبَل حينًا وتُرَدُّ أحيانًا، وهي مجرد التماس للحكمة وللعلة في عدم نزولها مع هذه السورة، والتعليل قد يكون عليلًا، فالأَولى - والله أعلم - التوقُّفُ في هذا.

[1] انظر: "التبصرة" لمكي ص(248)، "العنوان في القراءات السبع" ص(75)، "الإقناع في القراءات السبع" (1/ 157)، "النشر" (1/ 264).
[2] في حال الوصل: الأولى الوقف بين الأنفال وبراءة؛ لأن أواخر السور من أتم التمام، ويجوز الوصل بينهما، ويجوز السكت. وكذا لو وصل براءة بالفاتحة، أو بالأعراف أو بغيرهما من السور، انظر: "النشر" (1/ 269-270).
[3] حديث ابن عباس أخرجه - أبو داود - في الصلاة - باب من جهر بالبسملة (786-787)، والترمذي - في تفسير سورة التوبة (3086)، وقال: "حديث حسن صحيح"، وأحمد (1/ 57)، والحاكم (2/ 330-331)، وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي، وقد ضعف أحمد شاكر هذا الحديث في شرحه للمسند (399)، كما ضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (168، 169)، وفي "ضعيف سنن الترمذي" (599).
[4] في "مشكل الآثار" (2/ 155).
[5] في "أحكام القرآن" (2/ 891-892).
[6] أخرجه الحاكم (2/ 330).
[7] انظر: "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج (2/ 472)، "مشكل الآثار" (2/ 155)، "أحكام القرآن" لابن العربي (2/ 891-892)، "زاد المسير" (1/ 389)، "الجامع لأحكام القرآن" (8/ 61-63)، "البرهان" للزركشي (1/ 262-263).
[8] في "الجامع لأحكام القرآن" (8/ 63).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 02-06-2021, 05:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

أسماء سورة الفاتحة



تعدَّدتْ أسماء الفاتحة، وقد أَوصَلَها بعضُهم إلى نحو من عشرين اسمًا[1]، منها ما يلي:
1 - السَّبع المثاني والقرآن العظيم:
لقوله تعالى في سورة الحجر: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87].

وقد فسَّر الرسول صلى الله عليه وسلم السبع المثاني والقرآن العظيم بالفاتحة، كما في حديث أبي سعيد بن المعلَّى، وأُبَيِّ بن كعب، وأبي هريرة، رضي الله عنهم[2].

وسمِّيت المثاني - والله أعلم - لأنها حمدٌ لله، وثناء عليه، وتمجيد له، ولأنها تُثنى في كل صلاة، بل في كل ركعة، ولأنها اشتملت على جميع المعاني التي اشتمل عليها القرآن الكريم - كما سيأتي بيانه - وهو مثاني تُثنَّى فيه المواعظ والقصص والأخبار والحِكَم والأحكام، كما قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23].

وقيل: لأن الله استثناها لهذه الأمَّة فخصَّها بها من بين الأمم[3]، كما في حديث أُبَيِّ بن كعب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {والذي نفسي بيده، ما نزل في التوراة، ولا في الزبور، ولا في الإنجيل، ولا في القرآن مِثلُها}[4].

2 - فاتحة الكتاب:
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {لا صلاة لمن لم يَقرأْ بفاتحة الكتاب}[5].

وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين الأوليينِ من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين"، وفي رواية: "ويقرأ في الركعتين الأُخريينِ بفاتحة الكتاب"[6].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أمَرَني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنادي "أنه لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب، فما زاد"[7].

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "أُمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تَيسَّرَ"[8].

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((أَبْشِرْ بنورينِ أوتيتَهما لم يُؤتَهما نبيٌّ قبلَك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة))[9].

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: "كنا نقرأ في الظهر والعصر خلف الإمام في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب"[10].

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه: "هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب"[11].

وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خِداجٌ}[12].

وسُمِّيت بهذا الاسم؛ لأنها تُفتتَح بها المصاحف خطًّا وتلاوة، وتُفتتح بها القراءة في الصلاة[13].

3 - الرُّقْية:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "كنا في مسيرٍ لنا، فنزلنا، فجاءت جارية، فقالت: إن سيد الحي سَلِيمٌ، وإن نفرنا غُيَّب، فهل منكم راقٍ؟ فقام معها رجل ما كنا نأبنه[14] برُقية، فرَقَاه، فبَرَأ، فأمر لنا بثلاثين شاةً، وسقانا لبنًا، فلما رجع، قلنا له: أكنت تُحسِن رقية، أو كنت ترقي؟ قال: لا، ما رقيت إلا بأمِّ الكتاب، فقلنا: لا تُحْدِثوا شيئًا، حتى نأتي، أو نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدمنا المدينة، ذكرنا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: {وما يُدريه أنها رقية؟ اقسِموا، واضربوا لي بسهم} [15].

وعن خارجة بن الصلت عن عمِّه أنه مرَّ بقوم فأتوه، فقالوا: إنك جئتَ من عند هذا الرجل بخير، فَارْقِ لنا هذا الرجلَ، فأتَوْهُ برجل معتوهٍ في القيود، فرقاه بأمِّ القرآن، ثلاثة أيام غُدْوةً وعَشِيَّةً، كلما ختمها جمع بُزاقَه، ثم تَفَلَ، فكأنما أُنْشِطَ مِن عِقَالٍ، فأعطَوْه شيئًا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلْ؛ فلَعَمْري لمن أكَلَ بِرُقْيَة باطلٍ، لقد أكَلتَ بِرُقْيَة حَقٍّ» [16]"[17].

4 - أم القرآن:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن، فهي خِداج [ثلاثًا] غير تمام...» [18].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "في كل صلاة يُقرَأُ، فما أَسْمَعَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أَسْمَعْناكم، وما أَخْفى عنا أَخْفَيْنا عنكم، وإن لم تَزِدْ على أمِّ القرآن أجزأَتْ، وإن زدتَ فهو خير"[19].

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بأُم القرآن» [20].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن» [21].

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أم القرآن هي السبع المثاني، والقرآن العظيم»[22].

وفي رواية: (( «هي أم القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السبع المثاني» [23].

وفي رواية: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني [24].

وسمِّيت أم القرآن؛ لأنه ابتُدئ بها، فهي أصله وابتداؤه، ولأنها أيضًا اشتمَلتْ على معاني القرآن كلِّها[25]، كما سمِّيت مكة أُمَّ القرى؛ لتقدُّمِها أمام جميعها، وجمعها ما سواها، وقيل: لأن الأرض دحيت منها[26].

قال الطبري[27]: "سميت أم القرآن؛ لتقدمها على سائر سور القرآن غيرها، وتأخُّر ما سواها خلفها في القراءة والكتابة، وذلك من معناها شبيه بمعنى فاتحة الكتاب، وإنما قيل لها بكونها كذلك: أم القرآن؛ لتسمية العرب كلَّ جامعٍ أمرًا، أو مقدِّمٍ لأمر - إذا كانت له توابعُ تتبعه، هو لها إمامٌ جامع -: "أُمًّا"؛ فتقول للجِلْدة التي تَجمَعُ الدماع: "أُمُّ الرأس"، وتُسمِّي لواء الجيش ورايتهم التي يجتمعون تحتها للجيش: "أُمًّا"، ومن ذلك قول ذي الرمة[28] يصف رايةً معقودة على قناة، يجتمع تحتها هو وصحبُه:
على رأسِه أُمٌّ لنا نَقتدي بها = جِماعُ أمورٍ لا نُعاصِي لها أَمْرَا".

5 - الصلاة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد» {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: 2]، «قال الله: حَمِدَني عبدي...» الحديث[29].

فالمراد بالصلاة في الحديث الفاتحة، كما قال تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} [الإسراء: 110]؛ أي لا تجهر بقراءتك، ولا تخافت بها.

قال ابن كثير[30]: "فدل على عظَمةِ القراءة في الصلاة، وأنها من أكبر أركانها... كما أطلق لفظ القراءة والمرادُ به الصلاة في قوله تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، والمراد صلاة الفجر...".

6 - أم الكتاب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} أم القرآن، وأم الكتاب، والسبع المثاني، والقرآن العظيم» [31].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلُّ صلاة لا يُقرَأُ فيها بأمِّ الكتاب، فهي خِداجٌ» [32].

وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قصة اللديغ[33] أن الرجل رقَاهُ بأمِّ الكتاب.

قال البخاري[34]: "سميت أم الكتاب؛ لأنه يُبتدَأُ بكتابتها في المصاحف، ويُبدَأُ بقراءتها في الصلاة".

وقد أخرج ابن الضُّرَيْسِ في "فضائل القرآن" عن محمد بن سيرين أنه كان يَكرَهُ أن يقول: أم الكتاب؛ يقول: قال الله تعالى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39]، ولكن يقول: "فاتحة الكتاب"، ورُوي نحوه عن أنس بن مالك رضي الله عنه[35].

ورُويَ عن الحسن قال: "أم الكتاب الحلال والحرام، قال الله تعالى: {مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7]"[36].

وإنما كرهه هؤلاء؛ لأن الله سمَّى اللوحَ المحفوظ أمَّ الكتاب، في قوله: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39]، وفي قوله: {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4].

كما سمَّى الآياتِ المحكمات المشتملة على الحلال والحرام وغيره "أمَّ الكتاب" في قوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7].

وهذه العلة لا تكفي حجة؛ إذ لا يلزم من تسمية الفاتحة "أمَّ الكتاب" ألا يُسمَّى غيرُها بذلك.

قال القرطبي[37] بعدما ذكر ما رُويَ عن أنس والحسن وابن سيرين من كراهتهم تسميتها أمَّ الكتاب، وما رُويَ عن أنس وابن سيرين - أيضًا - من كراهيتهما تسميتَها أمَّ القرآن، قال: "والأحاديث الثابتة ترُدُّ هذين القولين".

7 - القرآن العظيم:
لقوله تعالى في سورة الحجر: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر: 87].

ولما جاء في حديث أبي سعيد بن المعلى، وأُبَيِّ بن كعب، وأبي هريرة رضي الله عنهم، من قوله صلى الله عليه وسلم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} هي السبع المثاني والقرآن العظيم» [38]، على اعتبار أن الواو في الحديث لعطف الصفات، والتي بمعنى التفصيل؛ كقوله تعالى: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن: 68]، وقوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98]؛ وذلك لأن سورة الفاتحة تضمَّنتْ معانيَ القرآن كلَّها، كما سبقت الإشارة إلى ذلك[39].

ويحتمل أن تكون الواو لعطف التغاير، كما هو الأصل في العطف، فيكون المراد بالقرآن العظيم: أي الذي أوتيتُه زيادةً على الفاتحة[40].

8 - الحمد لله رب العالمين:
لما جاء في حديث أبي سعيد بن المعلَّى رضي الله عنه[41]، قال صلى الله عليه وسلم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}«هي السبع المثاني...» الحديث.

هذه الأسماء الثمانية هي التي دلَّ عليها الدليلُ من الكتاب والسُّنة.

وهناك أسماء عدة ذكرها بعض أهل العلم، منها ما يلي:
1 - الأساس، قيل: لأنها أساس القرآن؛ رُويَ عن ابن عباس رضي الله عنهما: "إذا اعتللت أو اشتكيت، فعليك بالأساس"[42].

2 - الشافية[43]، أو الشفاء[44].

3 - الواقية: بالقاف المثناة[45].

4 - الوافية: بالفاء الموحدة، قالوا: لأنها لا تُنَصَّف، ولا تحتمل التنصيف، ولا يجوز تنصيفها[46].

5 - الكافية: قالوا لأنها تكفي عن غيرها، ولا يكفي غيرُها عنها[47].

6 - الكَنْزُ: رُويَ أنها نزلت من كنزٍ تحت العرش[48].

7 - سورة السؤال[49].

8 - الواجبة؛ لأنها تجب قراءتها في الصلوات، ولا تصح الصلاة إلا بها[50].

9 - سورة النور.

10 - سورة التفويض [51].

11 - سورة الحمد [52].

12 - سورة المناجاة [53].

13 - سورة تعليم المسألة [54].

إلى غير ذلك[55].
♦♦ ♦♦ ♦♦

[1] انظر: "جامع البيان" (1/ 107)، "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 23 -24)، "معالم التنزيل" (1/ 37)، "الكشاف" (1/ 4)، "زاد المسير" (1/ 10)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 111)، "البحر المحيط" (1/ 32)، "تفسير ابن كثير" (1/ 21)، "صحيح البخاري مع الفتح" (8/ 156)، "الإتقان" (1/ 187 -191).
[2] سبق ذكر هذه الأحاديث وتخريجها.
[3] انظر: "معالم التنزيل" (1/ 37)، "المحرر الوجيز" (1/ 62)، "فتح الباري" (8/ 158).
[4] أخرجه الترمذي في "فضائل القرآن" (2875) - وقال: "حديث حسن صحيح".
[5] أخرجه البخاري في الأذان - باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها (756)، ومسلم في الصلاة - باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (394).
[6] أخرجه البخاري في الأذان - باب القراءة في الظهر (859)، ومسلم في الصلاة - باب القراءة في الظهر والعصر (451).
[7] أخرجه أبو داود في الاستفتاح - من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب (820)، والترمذي في الصلاة (312)، وصححه الألباني.
[8] أخرجه أبو داود (818)، وأحمد (3/ 2)، والبخاري في جزء القراءة (12)، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (33، 34). وصححه الحافظ ابن حجر كما في "نيل الأوطار" (2/ 239) كما صححه الألباني.
[9] سيأتي تخريجه بتمامه قريبًا.
[10] أخرجه ابن ماجه في إقامة الصلاة - القراءة خلف الإمام (843)، وصححه الألباني.
[11] أخرجه الطبري في "جامع البيان" (134).
[12] أخرجه ابن ماجه (841)، وقال الألباني: "حسن صحيح".
[13] انظر: "مجاز القرآن" (1/ 20)، "جامع البيان" (1/ 107).
[14] نأبنه: أي نعلم أنه يرقي فنعيبه بذلك. "النهاية" مادة: "أبن".
[15] أخرجها البخاري - في الإجارة - ما يعطى في الرقية (2276)، ومسلم - في السلام - جواز أخذ الأجرة على الرقية في القرآن والأذكار (2201)، وأبو داود - في البيوع - في كسب الأطباء (3418، 3419)، والترمذي - في الطب - ما جاء في أخذ الأجر في التعويذ (2063، 2064)، وابن ماجه في الإجارات - أجر الراقي (2156)، وقد أخرجه البخاري - أيضًا - من حديث ابن عباس - في الطب - الشروط في الرقية بفاتحة الكتاب (5737). وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن القصة واحدة، وقعت لهم مع الذي لدغ "فتح الباري" (4/ 455، 10/ 199).
[16] هكذا ذكر كثير من المفسرين أن الرقية من أسماء الفاتحة، ويحتمل - والله أعلم - أن المراد برقية حق هي فعل الرقية، سواء بالفاتحة أو غيرها من القرآن، وكذا المراد بقوله في حديث سعيد: ((وما يدريه أنها رقية؟))؛ أي هذه الفعلة. قال ابن الأثير في النهاية: مادة "رقى": "الرقية: العوذة التي يرقى بها صاحب الآفة؛ كالحمى والصَّرَع، وغير ذلك من الآفات".
[17] أخرجه أبو داود - في الإجارات - باب في كسب الأطباء (3420)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2918)، وفي "الأحاديث الصحيحة" (2027).
[18] أخرجه مسلم - في الصلاة - باب وجوب قراءة الفاتحة (395)، وأبو داود في الصلاة - باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب (821)، والنسائي في الافتتاح - باب ترك قراءة "بسم الله الرحمن الرحيم" في فاتحة الكتاب (782)، والترمذي - في التفسير (2954).
[19] أخرجه البخاري - في الأذان - القراءة في الفجر (772)، ومسلم - في الصلاة - باب وجوب قراءة الفاتحة (396)، وأبو داود - في الصلاة - باب ما جاء في القراءة في الظهر (797)، وأحمد (2/ 258، 273، 285).
[20] أخرجه مسلم في الصلاة - وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (394)، وأحمد (5/ 322)، والدارقطني (1/ 322).
[21] أخرجه ابن خزيمة في الصلاة (490)، وابن حبان في "زوائده" (458) من "موارد الظمآن". وقال مقبل الوادعي في تعليقه على "تفسير ابن كثير" (1/ 28): "هذا على شرط مسلم".
[22] لفظ البخاري (4704)، وأحمد (2/ 448).
[23] لفظ الطبري (134).
[24] لفظ أبي داود (1457)، والترمذي (3124).
[25] انظر: "الكشاف" (1/ 4).

[26] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 22).
[27] في "جامع البيان" (1/ 107 -108).
[28] انظر: "ديوانه" ص(1164).
[29] أخرجه مسلم في الصلاة - وجوب قراءة الفاتحة (395). وأخرج الطبري نحوه مختصرًا من حديث جابر بن عبدالله (224). قال أحمد شاكر: "إسناده جيد صحيح"، وقد سبق ذكره بتمامه وتخريجه في الكلام على البسملة.
[30] في "تفسيره" (1/ 27).
[31] سبق تخريجه.
[32] أخرجه ابن ماجه - في إقامة الصلاة - باب القراءة خلف الإمام (840)، وأحمد (6/ 142)، والبيهقي في "القراءة خلف الإمام" (90 -91)، وقال الألباني: "حسن صحيح".
[33] سبق تخريجه.
[34] في صحيحه. انظر: "فتح الباري" (8/ 155).
[35] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 111)، "تفسير ابن كثير" (1/ 21).
[36] انظر: "المحرر الوجيز" (1/ 66)، "تفسير ابن كثير" (1/ 21).
[37] في "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 112).
[38] سبق تخريج هذه الأحاديث.
[39] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 112).
[40] انظر: "فتح الباري" (8/ 159).
[41] سبق ذكره وتخريجه، وانظر: "فتح الباري" (8/ 159).
[42] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 113)، "تفسير ابن كثير" (1/ 21).
[43] انظر: "الكشاف" (1/ 4)، "مجموع الفتاوى" (14/ 5).
[44] انظر: "الكشاف" (1/ 4)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 112)، "تفسير ابن كثير" (1/ 21).
[45] انظر: "البحر المحيط" (1/ 32)، "تفسير ابن كثير" (1/ 21).
[46] انظر: "الكشاف" (1/ 4)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 113)، "لباب التأويل في معاني التنزيل" (1/ 11).
[47] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 113)، "مجموع الفتاوى" (14/ 5)، "تفسير ابن كثير" (1/ 21). واستُدل له بحديث أخرجه الدارقطني (1/ 322)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 238)، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أم القرآن عوض من غيرها، وليس غيرها منها عوضًا))، قال الدارقطني: "تفرد به محمد بن خلاد عن أشهب عن ابن عيينة".
[48] انظر: "الكشاف" (1/ 4)، "تفسير ابن كثير" (1/ 21)، "فتح الباري" (8/ 156).
[49] انظر: "البحر المحيط" (1/ 32).
[50] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/ 5).
[51] انظر: "البحر المحيط" (1/ 32).
[52] انظر: "الكشاف" (1/ 4)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 111)، "البحر المحيط" (1/ 32)، "تفسير ابن كثير" (1/ 21).
[53] انظر: "البحر المحيط" (1/ 32).
[54] انظر: "غرائب القرآن ورغائب الفرقان" (1/ 81)، "أنوار التنزيل" (1/ 5)، "البحر المحيط" (1/ 32).
[55] أوصلها السيوطي في "الإتقان" (1/ 52 -53) إلى خمسة وعشرين اسمًا.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 02-06-2021, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله


كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

شيطان الجن أعظم ضررًا من شيطان الإنس ومن النفس "المذمومة"





أ- شيطان الجن أعظم ضررًا من شيطان الإنس:



قال ابن كثير[1] في كلامه على الاستعاذة: "وهي استعانةٌ بالله، واعتراف له بالقدرة، وللعبد بالضَّعف والعجز عن مقاومة هذا العدوِّ المبين الباطني، الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا اللهُ الذي خلَقَه، ولا يَقبَل مُصانعة، ولا يُدارى بالإحسان، بخلاف العدو من نوع الإنسان، كما دلَّت على ذلك آياتٌ من القرآن في ثلاث من المثاني، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ï´¾ [الإسراء: 65].







وقد نزلَتِ الملائكة لمقاتَلة العدوِّ البشري، فمن قتَلَه العدوُّ الظاهر البشري كان شهيدًا، ومن قتَله العدو الباطني كان طريدًا، ومن غلبه العدوُّ الظاهري كان مأجورًا، ومن قهَرَه العدو الباطني كان مفتونًا أو موزورًا، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه؛ استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان".







وقال ابن كثير أيضًا[2]: "فإن الشيطان لا يكُفُّه عن الإنسان إلا اللهُ، ولهذا أمر تعالى بمصانعة شيطان الإنس ومُداراته بإسداء الجميل إليه؛ ليرُدَّه طبعه عما هو فيه من الأذى، وأمر بالاستعاذة به من شيطان الجن؛ لأنه لا يَقبل رشوة، ولا يؤثِّر فيه جميل؛ لأنه شرير بالطبع، ولا يكُفُّه عنك إلا الذي خلَقَه، وهذا المعنى في ثلاث آيات من القرآن، لا أعلم لهن رابعةً: قوله: ï´؟ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ï´¾ [الأعراف: 199]، فهذا مما يتعلق بمعاملة الأعداء من البشر، ثم قال: ï´؟ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ï´¾ [الأعراف: 200]، وقال تعالى في سورة ï´؟ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ï´¾: ï´؟ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ï´¾ [المؤمنون: 96 - 98]، وقال تعالى: ï´؟ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ï´¾ [فصلت: 34 - 36]".







قال ابن الجزري[3]:





شيطانُنا المُغوِي عدوٌّ فاعتَصِمْ

باللهِ منه والْتجِئْ وتَعوَّذِ




وعدوُّك الإنسانُ دارِ وِدَادَهُ

تَملِكْه وادفعْ بالتي فإذا الذي













فشيطان الإنس قد ينفع فيه العفوُ، أو الأمر بالمعروف، أو الإعراض، أو الإحسان، أما شيطان الجن فلا يَعصم منه إلا الاستعاذةُ بالله منه؛ لأن شيطان الجن متسلِّط، لا يريد إلا إغواءَ الإنسان، وإهلاكه، وهو خفيٌّ لا يُرى؛ كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ï´¾ [الأعراف: 27]، ولأنه يجري من ابن آدم مجرى الدم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الشيطان يَجري من ابن آدم مجرى الدم))[4].







فأمرُه خطير، وكيدُه عجيب[5]، فهو يتدرج بالإنسان - إن وجد سبيلًا إليه - حتى يوقعه في الكفر ويكُبَّه في النار؛ قال تعالى: ï´؟ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ ï´¾ [الحشر: 16]، وقال تعالى: ï´؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ï´¾ [مريم: 83].







وإن لم يستطع إيصاله إلى الكفر، بل إلى أعظم دركاته، فإنه لا يكُفُّ حتى يوصله إلى أقصى حدٍّ يمكنه إيصاله إليه، ولو كان دون الكفر، فيوقعه في البدعة، فإن لم يستطع أوقَعَه في الكبائر، فإن لم يستطع أوقعه في الصغائر، فإن لم يستطع ثبَّطه عن الطاعات وشغله بالمباحات، فإن لم يستطع شغَلَه بالمفضول عن الفاضل، فإن لم يستطع ذلك أتاه من باب الإعجاب والكِبر والرياء، وهذا - في الغالب - مدخلُه على كثير من العُبَّاد والعلماء وذوي الجاه والسلطان والكرم والشجاعة ونحوهم، فلْيَحذر العاقل اللبيب من ذلك؛ فإن الشيطان عندما يَعجِز عن حمله على ترك واجب أو انتهاك محرَّم ظاهرٍ، فإنه يأتيه من هذا المدخل الخفيِّ، فيحبط عمله وهو لا يدري.







فإن لم يدرِك منه شيئًا من هذه المراتب وأعيته فيه الحيل، سلَّط عليه حِزبَه من شياطين الإنس والجن يُبَدِّعونه ويُفَسِّقونه؛ ليشوش عليه قلبه، ويمنع الناس من الانتفاع به، فيبقى في مُدافَعة وتسلُّط هؤلاء الشياطين لا يفتُر حتى يأتيَه من ربه اليقين[6].







ب- الشيطان أعظم ضررًا على الإنسان من النفس المذمومة[7]:



بل إن النفس المذمومة كلُّ ما يحصل منها من شرٍّ وفساد إنما هو بسبب تزيين الشيطان ووسوسته؛ لأنها مَرْكَبُ الشيطان، والأداة لتنفيذ شره؛ ولهذا أكثَرَ الله في القرآن الكريم من ذِكر الشيطان، وذمِّه، والتحذير منه، في مواضع كثيرة جدًّا، وأمر بالاستعاذة منه عند قراءة القرآن، بينما ذكَرَ النفس المذمومة في ثلاثة مواضع فقط: في قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ï´¾ [يوسف: 53]، وقوله: ï´؟ وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ï´¾ [القيامة: 2]، وقوله: ï´؟ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ï´¾ [النازعات: 40].







ولم يأمُرْ بالاستعاذة منها في موضع واحد من القرآن، وإنما جاءت الاستعاذة من شرِّها بالسُّنَّة، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه في تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر كلماتٍ يقولهن إذا أصبح، وإذا أمسى، وإذا أخذ مَضجَعَه، وفيهن أمره صلى الله عليه وسلم له أن يقول: "أعوذ بالله من شرِّ نفسي"[8].







وفي خطبة الحاجة كما في حديث ابن مسعود قال: عَلَّمَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة: ((إن الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا... الحديث))[9].







[1] في "تفسيره" (1 /32).



[2] في "تفسيره" (1 /33)، وانظر: "إغاثة اللهفان" (1 /155).



[3] في "النشر" (1 /257).



[4] أخرجه البخاري في الاعتكاف، وفي بدء الخلق (2035، 2038، 2039، 3281)، ومسلم في السلام (2175)، من حديث صفية رضي الله عنها، في قصة مجيئها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، وخروجه معها ليوصلها إلى البيت، وأخرجه أيضًا مسلم من حديث أنس رضي الله عنه (2174).



[5] من أجود ما ألِّف في مكايد الشيطان ما كتبه ابن القيم في كتابه "إغاثة اللهفان" (1 /163) وما بعدها. وانظر: "التفسير القيم" ص(609-614). وانظر: "تلبيس إبليس" لابن الجوزي.



[6] انظر: "بدائع الفوائد" (1 /260-262).




[7] انظر: "إغاثة اللهفان" (1 /145).



[8] سبق تخريجه.



[9] أخرجه أبو داود في النكاح - خطبة النكاح (2118)، وصححه الألباني (1860).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 02-06-2021, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

السبيل للخلاص من شر الشيطان ومكايده





ابتلى الله آدم َوذريته بعداوة إبليسَ لهم عداوةً متأصلة قديمة منذ أن تَكبَّر عن السجود لآدم وحسَدَه، وتسبَّب في إخراجه من الجنة؛ قال الله تعالى: ï´؟ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ï´¾ [الأعراف: 27]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ï´¾ [فاطر: 6]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ï´¾ [الإسراء: 53]، وقال تعالى: ï´؟ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ï´¾ [الكهف: 50].







وقد أقسَمَ - لعنه الله - على أنه سيعمل جاهدًا على إغواء بني آدم، فقال: ï´؟ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ï´¾ [ص: 82، 83]، وقال أيضًا: ï´؟ قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ï´¾ [الحجر: 39]، وقال: ï´؟ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ [الأعراف: 16].







وقد جعل الله له سلطانًا على الذين يَتولَّوْنَه، فقال تعالى: ï´؟ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ï´¾ [النحل: 100]، وقال تعالى: ï´؟ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ï´¾ [الإسراء: 64].







وقد طلَبَ أن يُنظَرَ إلى يوم القيامة، فأعطاه الله ذلك ابتلاءً واختبارًا للعباد، فقال تعالى: ï´؟ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ï´¾ [الحجر: 37، 38، وص:80، 81].







وهو ساعٍ بكل الوسائل والحِيَل إلى إغواء بني آدم وإهلاكهم، فعلى المسلم أن يحذر من هذا العدوِّ، وأن يعلم أن أسباب الخلاص منه وأسباب حفظ الله للعبد من شر الشيطان ومكايده تتلخَّص فيما يلي:



أولاً: الإيمان والعمل الصالح، ولزوم الكتاب والسُّنَّة، وطاعة الله تعالى والتوكل عليه؛ قال الله تعالى: ï´؟ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ï´¾ [النحل: 99]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ï´¾ [الإسراء: 65].







وعن جُندَبِ بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن صلَّى الصبح فهو في ذمَّة الله...)) الحديث[1].







ومفهوم هذا الحديث وأمثالِه أن مَن لم يصلِّ الصبح فليس في ذمة الله، بل هو عُرضة لتخبُّط الشيطان.







وهكذا - بلا شك - كلُّ تقصير في أداء ما أوجب الله تعالى، فهو سبب لفقدان الأمان، الذي وعَدَ الله به أهل الإيمان[2]، ومقرِّب من المخاوف ومصايد الشيطان.







ثانيًا: البُعد عن معاصي الله؛ لأن ما يصيب الإنسانَ من مصائب - ومنها تسلُّط الشيطان - فهو بسبب الذنوب والمعاصي، قال تعالى: ï´؟ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ï´¾ [الشورى: 30]، وقال تعالى: ï´؟ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ï´¾ [الروم: 41].







فينبغي تطهير القلب والنفس والجوارح عن كل ما نهى الله عنه من الاعتقادات والأعمال التي تكون مجلبة للشيطان، وسببًا لبُعد الملائكة عن الإنسان.







كالتعلُّق بالغِناء والمزامير، قال تعالى مخاطبًا الشيطان: ï´؟ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ï´¾ [الإسراء: 64].







وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الجرس مزامير الشيطان))[3].







وكاقتناء الصور والتماثيل والكلاب؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّا لا ندخُلُ بيتًا فيه صور ولا كلب))[4].







وعن أبي طلحة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة تماثيل))[5].







وكاقتناء الصليب؛ فعن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئًا فيه تصاليبُ إلا نقَضَه"[6].







إلى غير ذلك من المعاصي الظاهرة والباطنة، التي ينبغي البُعد عنها، والحذر منها.







ثالثًا: الاستعاذة بالله من الشيطان وهَمَزاته ووساوسه، وجميع شروره، والحذر منه، والاعتصام بالله تعالى والالتجاء إليه، بالألفاظ التي صحَّت في الاستعاذة، وبالمعوِّذتين؛ فإنه ما تعوَّذ متعوِّذ بمثلهما. وملازمة ذلك في جميع المواضع والأوقات التي شُرِع فيها التعوذ - مع الاعتقاد الجازم بأن النفع والضر بيد الله، وأنه - جل وعلا - هو القادر على دفع شر الشيطان، مع قوة الاعتماد على الله والثقة به، وتيقُّن أن كيد الشيطان ضعيف، كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ï´¾ [النساء: 76]، فغاية ما عنده الوسوسة كما قال صلى الله عليه وسلم: ((الحمد لله الذي ردَّ كيدَه إلى الوسوسة))[7].







ومع أن له تسلُّطًا على بني آدم، فهو لا يعلم الغيب؛ قال الله تعالى: ï´؟ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ï´¾ [سبأ: 14]، وقال تعالى: ï´؟ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ï´¾ [النمل: 65]، وقال تعالى: ï´؟ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ï´¾ [البقرة: 255]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ï´¾ [الشعراء: 212].







وأيضًا - وكما تقدم - فليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ ï´¾ [النحل: 99، 100]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ï´¾ [الإسراء: 65].







وتسلُّطُه على كثير من المسلمين، وتزيينه لهم المعاصي، إنما هو بسبب ضعف إيمانهم، ووقوعهم في المعصية، المؤدية بهم إلى ما هو أعظم منها، كما قال تعالى عن الكفار: ï´؟ وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ï´¾ [الأنعام: 110]، وقال تعالى: ï´؟ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ï´¾ [الصف: 5]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن))[8]؛ أي: إن إيمانه يضعُف فيتسلَّط عليه الشيطان، فيوقعه في الزنا والمعاصي المذكورة في الحديث، وغيرها.







رابعًا: ملازمة قراءة القرآن؛ فذلك مما يحصِّن المسلم ويحفظه بإذن الله تعالى من الشياطين، قال تعالى: ï´؟ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ï´¾ [الإسراء: 46]، وقال تعالى: ï´؟ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ï´¾ [الزخرف: 36].







وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجعلوا بيوتكم قبورًا؛ فإن الشيطان ينفر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة))[9].







وإذا نفر الشيطان حفَّت الملائكة بالإنسان، كما في حديث أبي سعيد الخدري في قصة أُسَيْدِ بن حُضَير حين قام يقرأ القرآن، فجالَتْ فرسُه، وفيه ذكر شهود الملائكة لقراءته[10].







خامسًا: ملازمة الأذكار والأدعية والأوراد، والمواظبة اليومية عليها؛ كأدعية الصباح والمساء والنوم وغيرها؛ قال تعالى: ï´؟ وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ ï´¾ [الأعراف: 205].







فإن ملازمة هذه الأذكار مما يحفظ الله به المسلمَ من الشيطان؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ï´¾ [الأعراف: 201].







وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة مجيء الشيطان إليه عندما كان يحرس الطعام، وفيه: ((إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي؛ لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح))[11].







وفي حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ الآيتين من سورة البقرة كفَتاه))[12].







وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب، وكُتِب له مائة حسنة، ومُحيت عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومَه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحد بأفضل مما جاء به إلا رجلٌ عَمِل أكثر من ذلك))[13].







وكما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الشيطان إذا سمع الأذان أدبَرَ وله ضُراطٌ[14].







سادسًا: أن يجعل المسلم شيئًا من صلاة النوافل في بيته، بل الأَولى أن تكون النوافل كلُّها في البيت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصلاة صلاةُ المرء في بيته إلا المكتوبةَ))[15].







وذلك أن صلاة النوافل في البيت مما يطرُد الشيطانَ؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا))[16].







وذلك لأن المقابر والأماكن الخربة والمستقذرة مساكنُ الشياطين؛ حيث تخلو هذه الأماكن من ذكر الله.







سابعًا: الإمساك عن فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الأنام؛ فإن الشيطان إنما يتسلَّط على ابن آدم وينال منه غرضه من هذه الأبواب[17].







فهذه مجمل الأسباب التي بها يخلِّص الله الإنسان، ويحفظه من شر الشيطان ومكايده، والتي تبين بها ضعف كيد الشيطان أمام قوة الإيمان، والاعتصام بالملك الديان.







وبهذا يردُّ على الذين يُهوِّلون من أمر الشيطان، سواءٌ كان ذلك منهم عن جهل مع حسن النية والمعتقد، أو كانوا ممن ابتُلوا بخدمة هؤلاء الشياطين لأغراض مادية ونحو ذلك، ولو كان ذلك على حساب دينهم، حتى صار فئام من الناس يتخوَّفون من الشياطين ويصدِّقونهم، ويعتقدون فيهم ما لا يجوز اعتقاده من أنهم يعلمون الغيب، ويستطيعون أن يفعلوا، وأن يفعلوا، وهذا باطل؛ قال تعالى: ï´؟ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ ï´¾ [سبأ: 22]، وقال تعالى: ï´؟ قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ï´¾ [النمل: 65]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ï´¾ [آل عمران: 175]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا ï´¾ [الإسراء: 65].







[1] أخرجه مسلم - في المساجد ومواضع الصلاة - باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة (657).



[2] كما في الحديث السابق، وكما في قوله تعالى: ï´؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ï´¾ [الأنعام: 82].



[3] أخرجه مسلم - في اللباس - باب كراهة الكلب والجرس في السفر (2113، 2114). وأخرج أبو داود - في الخاتم - باب في الجلاجل (4231) عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تدخل الملائكة بيتًا فيه جرس))، وحسَّنه الألباني.



[4] أخرجه البخاري - في بدء الخلق (3227).



[5] أخرجه البخاري - في بدء الخلق (3225)، ومسلم - في اللباس (2106).



[6] أخرجه البخاري - في اللباس - باب نقض الصورة (5952).



[7] أخرجه أبو داود - في الأدب - باب في رد الوسوسة (5112)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أحدَنا يجد في نفسه، يعرض بالشيء، لأن يكون حممة أحَبُّ إليه من أن يتكلم به، فقال: ((الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر! الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة))؛ وصححه الألباني، صحيح سنن أبي داود، (4264)، وأخرجه الإمام أحمد (1/ 340).



[8] أخرجه ابن ماجه - في الفتن - باب حرمة دم المؤمن وماله (3936)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني.



[9] أخرجه مسلم - في صلاة المسافرين (780).



[10] أخرجه البخاري - في فضائل القرآن (5018)، ومسلم - في صلاة المسافرين (796).



[11] أخرجه البخاري - في بدء الخلق - باب صفة إبليس وجنوده (3275).



[12] أخرجه البخاري - في المغازي (4008)، ومسلم - في صلاة المسافرين (808).



[13] أخرجه البخاري - في بدء الخلق - باب صفة إبليس وجنوده (3293)، ومسلم - باب الذكر - باب فضل التهليل (2691).



[14] سبق تخريجه.



[15] أخرجه البخاري - في الأذان - باب صلاة الليل (731)، ومسلم في صلاة المسافرين - باب استحباب صلاة النافلة في بيته (781)، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.



[16] أخرجه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: البخاري في التهجد - باب التطوع في البيت (1187)، ومسلم في صلاة المسافرين (777).




[17] انظر: "بدائع الفوائد" (2/ 267).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 02-06-2021, 05:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

لفظ البسملة، وإعرابها





أ- لفظهـا:



لفظ البسملة المشروع هو: ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ عند جميع القراء[1]، وباتفاق أهل العلم؛ فلا يصح أن يقال عند القراءة: باسمك اللهم أقرأ، ولا عند الذبح: باسمك اللهم أذبح...، ولا يصح استبدال لفظ الجلالة "الله" ولا اسمَي "الرحمن" "الرحيم" بغيرها من أسمائه جل وعلا.







ولا يقال: "بَسْمَلَ" إلا لمن قال: بسم الله الرحمن الرحيم، قال عمرو بن أبي ربيعة[2]:



لقد بَسْـمَلَتْ ليلـى غداةَ لقيتُها *** فيا حبَّذا ذاك الحبيبُ المُبَسْمِلُ







ب- إعراب ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾:



ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ ï´¾: الباء حرف جرٍّ.







(اسم): مجرور بالباء، وعلامة جرِّه الكسرة، وحُذفت منه الألف لفظًا وخطًّا؛ تخفيفًا لكثرة الاستعمال[3]، ولا تُحذف إلا مع لفظ الجلالة؛ ولهذا أُثبتت في قوله تعالى: ï´؟ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ï´¾ [العلق: 1][4].







وهو نائب عن المصدر "تَسْميةٍ"؛ كقول القطامي[5]:



أكفرًا بعد ردِّ الموتِ عني *** وبعد عطائِك المائةَ الرِّتاعَا







أي: بعد إعطائك، فأناب "عطاء" عن المصدر "إعطاء"[6]، وهذا كثير في اللغة.







والجار والمجرور ï´؟ بِسْمِ ï´¾ في محلِّ نصب متعلِّقان بفعل محذوف[7]، قدَّره الكوفيون متقدمًا، نحو: أَبتَدِئُ باسم الله، أو ابتَدِئْ باسم الله، على الأمر، كقوله تعالى: ï´؟ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ï´¾ [العلق: 1].








وقدَّره بعضهم متأخرًا؛ نحو: باسم الله أبْتَدِئُ، باسم الله أقرأ.







أو متعلِّق باسم محذوف وقع خبرًا، قدَّره البصريون وأكثر النحْويين متقدمًا؛ نحو: ابتدائي كائن أو مستقر باسم الله، أو ابتدائي باسم الله.







وقدَّره بعضهم اسمًا متأخرًا، ومنه قوله تعالى: ï´؟ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [هود: 41]، فـï´؟ بِسْمِ اللَّهِ ï´¾ متعلِّق بـï´؟ مَجْرَاهَا ï´¾.







وكل هذه التقادير صحيحة، لكن الأَولى أن يكون المقدَّر فعلًا متأخرًا خاصًّا؛ أي: مناسبًا لما يسمَّى عليه.







فكونه فعلًا؛ لأن الأصل في العمل هي الأفعال، فهي تعمل بدون شروط، أما الأسماء فما يعمل منها كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة، إنما يعمل بشروط.







وكونه متأخرًا؛ تيمُّنًا وتبركًا بالبداءة باسم الله، ولإفادة الحصر، وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيُه عما عداه؛ أي: أَبتدئ بسم الله وحده دون سواه؛ لأن تقديم ما حقُّه التأخير يفيد الحصر؛ كقوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ [الفاتحة: 5]، فالمعنى: لا أقرأ إلا باسم الله، ولا أتوضأ إلا باسم الله، ولا أذبح إلا باسم الله، وهكذا.







وكونه خاصًّا مناسبًا لما يسمَّى عليه؛ ليكون أدلَّ على المقصود، وأبيَنَ للمراد.







فعند القراءة يكون التقدير: باسم الله أقرأ، وعند الوضوء: باسم الله أتوضأ، وعند الذبح: باسم الله أذبح، وهكذا.







ويدل على التخصيص قوله تعالى في الآيتين السابقتين: ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ï´¾ [هود: 41]، وقوله: ï´؟ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ï´¾ [العلق: 1].







وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن لم يذبح فليذبح باسم الله))[8].







فقدّر في الآية الأولى اسمًا خاصًّا، وهو ï´؟ مَجْرَاهَا ï´¾، وفي الآية الثانية فعلًا خاصًّا، وهو ï´؟ اقْرَأْ ï´¾، وفي الحديث فعلاً خاصًّا وهو "يذبح".



ï´؟ اللَّهِ ï´¾: لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور، وعلامة جرِّه الكسرةُ الظاهرة على آخره.







ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾: صفتان للفظ الجلالة، كل منهما مجرورة، وعلامة جرها الكسرة الظاهرة على آخرها.







[1] انظر: "الإقناع" (1 /163).



[2] انظر: "ديوانه" ص(498).



[3] قالوا: وطوِّلت الباء في البسملة في القرآن الكريم تعظيمًا لكتاب الله عز وجل، وقيل: لما أسقَطوا الألف ردُّوا طولها على الباء؛ ليدل على السقوط، وقيل: طوِّلت تقليدًا لكتاب نبي الله سليمان عليه السلام إلى بلقيس، والله أعلم.



[4] انظر: "معاني القرآن وإعرابه" للفراء (1/1-2)، "مشكل إعراب القرآن" لمكي (1 /65-66).



[5] انظر: "ديوانه" (41).



[6] انظر: "جامع البيان" (1 /116).




[7] ذكر ابن القيم في "بدائع الفوائد" (1 /25) عدة فوائد لحذف العامل في ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ ï´¾.



[8] أخرجه من حديث جندب بن عبدالله رضي الله عنه البخاري في العيدين (985)، ومسلم في الأضاحي - باب وقتها (1960).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 02-06-2021, 05:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

معنى البسملة


( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ )


ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ ï´¾: الباء للاستعانة؛ أي: باسم الله أقرأ، أو أتوضأ، مستعينًا به، ومتيمِّنًا، ومتبركًا[1].

و"الاسم" مأخوذ من "الوَسم"، وهو العلامة؛ لأن الاسم علامة على من وُضِع له، وهذا اختيار الكوفيين وطائفة من النحويين.

وذهب البصريون وأكثر النحويين إلى أنه مأخوذ من "السمو"، وهو العلوُّ والارتفاع؛ لأن "الاسم" يسمو بالمسمى، فيرفعه عن غيره، وقيل: لأن الاسم علا بقوته على الفعل والحرف؛ لأنه الأصل.

وقول الكوفيين أظهر من حيث المعنى، وهو أن الاسم علامة على من وُضع له، لكن تصريف "اسم" وجمعه يقوِّي قول البصريين: إنه من السمو، وهو العلو والارتفاع؛ فهو يجمع على "أسماء" و"أسامي"، ويصغر على "سُمَيّ"، ولو كان من السمة، لكان أصله "وسم"، وجُمع على "أوسام"، وصغِّر على "وُسَيْم"؛ لأن الجمع والتصغير يرُدَّانِ الأشياءَ إلى أصولها[2].

ولا مانع أن يكون الاسم مأخوذًا من المعنيين معًا؛ لأن الاسم يُظهِر المسمى، فيكون فيه معنى العلو والارتفاع، ويميِّزه عن غيره فيكون فيه معنى العلامة.

و"اسم": اسم مفرد أضيف إلى لفظ الجلالة - كما تقدم - وهو معرفة، فاستفاد العموم، فيعُم جميع أسماء الله الحسنى، فالمعنى بكل اسم من أسماء الله[3].

و"الله": عَلَمٌ على "الربِّ" تبارك وتعالى خاصٌّ به سبحانه، ولا يجوز أن يسمى به غيره؛ قال تعالى: ï´؟ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ï´¾ [مريم: 65].

قال سيبويه: "وهو أعرَفُ المعارفِ".
وهو أصل أسمائه الحسنى، ودالٌّ عليها جميعًا، وعلى صفاته العليا[4].
وقال بعض أهل العلم: إنه الاسم الأعظم[5].

وتأتي أسماء الله تعالى تابعةً لهذا الاسم، وأوصافًا له، ومضافة إليه[6]؛ قال تعالى: ï´؟ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ï´¾ [الحشر: 22 - 24].

وقال تعالى: ï´؟ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ï´¾ [الأعراف: 180]، وقال تعالى: ï´؟ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ï´¾ [الإسراء: 110]، وقال تعالى: ï´؟ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ï´¾ [طه: 8].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، من أحصاها دخل الجنة))[7].

ولهذا يقال: "الرحمن" و"الرحيم" و"الحكيم" من أسماء الله، ولا يقال: "الله" من أسماء "الرحمن"، أو من أسماء "الرحيم"، أو من أسماء "الحكيم".

وقد يأتي لفظ الجلالة "الله" تابعًا لغيره من الأسماء، كما في قوله تعالى: ï´؟ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ï´¾ [إبراهيم: 1، 2]، فلفظ الجلالة "الله" على قراءة الجر عطفُ بيان، تابعٌ للاسم الذي قبله.

واختُلِف هل لفظ الجلالة "الله" مرتجَلٌ أو مشتَقٌّ؟ فقيل: إنه مرتجل غير مشتق، والألف واللام لازمة له، لا لتعريفٍ، ولا لغيره، بدليل دخول حرف النداء عليه، وبدليل أنه لا يُثنَّى ولا يجمع، وهو اختيار الخليل وسيبويه والزجاج وأكثر الأصوليين والفقهاء.

والصحيح أنه مشتق من "أله" إذا عبد، فهو مصدر في موضع المفعول، من أَلَه الرجل يَأْلَه إلهة: إذا تعبَّدَ وتألَّهَ وتنسَّكَ[8]؛ قال تعالى: ï´؟ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ ï´¾ [الأنعام: 3]، وقال تعالى: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ï´¾ [الزخرف: 84]، وقال تعالى: ï´؟ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ï´¾ [النمل: 60 -64].

قال رؤبة بن العجاج[9]:
للهِ دَرُّ الغَانياتِ المُدَّهِ *** سَبَّحْنَ واسترجَعْنَ مِن تأَلُّهِي

أي من تعبُّدي وطلبي لله بعملي[10].
وأصله "إله"؛ حُذفت منه الهمزة، وعُوِّض منها حرف التعريف[11].

ونظيره "الناس"، أصله "أناس"؛ قال الشاعر:
إن المنايا يطلع *** ن على الأُناس الآمنينا[12]


واختار سيبويه أن أصله "لاه"، فدخلت الألف واللام للتعظيم[13].

وأنشدوا قول ذي الإصبع العُدْواني[14]:
لاهِ ابنُ عمِّك لا أفضَلتَ في حسَبٍ *** عني ولا أنت ديَّاني فَتَخْزُوني


قال الزمخشري[15]: "الإله من أسماء الأجناس، اسم يقع على كل معبود بحقٍّ أو باطل، ثم غلب على المعبود بحقٍّ، أما "الله" بحذف الهمزة، فيختص بالمعبود بالحق، لم يُطلَقْ على غيره".

ومعنى "الله": المألوه المعبود محبةً وتعظيمًا؛ أي المألوه المعبود بحق، الذي تعبُده الخلائق وتتألَّهُ له محبة وتعظيمًا وخضوعًا له، وفزعًا إليه في الحوائج والنوائب[16]؛ لما له من صفات الألوهية، وهي صفات الكمال[17]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية[18]: "فإن الله سبحانه هو المستحق للعبادة لِذاتِه؛ لأنه المألوه المعبود الذي تألَهُه القلوب وترغب إليه، وتفزع إليه عند الشدائد".

وقال أيضًا[19]: "الله هو الإله المعبود، فهذا الاسم أحقُّ بالعبادة، يتضمن غاية العبد ومصيره ومنتهاه، وما خُلِق له، وما فيه صلاحه وكماله، وهو عبادة الله؛ ولهذا يقال: الله أكبر، الحمد لله، سبحان الله، لا إله إلا الله".

والمراد: المألوه المعبود بحق؛ لأن غيره من المعبودات إلاهيتُها ليست حقًّا، بل هي باطلة؛ كما قال تعالى: ï´؟ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ ï´¾ [الحج: 62].

ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾: اسمان من أسماء الله تعالى مشتقَّان من الرحمة.
عن عبدالرحمن بن عوف، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله: أنا الرحمن، وهي الرحم، شققتُ لها اسمًا من اسمي، من وصَلَها وصَلتُه، ومن قطَعَها قطَعتُه))[20]، ف"الرحمن" و"الرحيم" مشتقان من الرحمة، و"الرحم" مشتقة من اسمه تعالى "الرحمن".

و"الرحمن" على وزن "فعلان"، و"الرحيم" على وزن "فعيل"، كل منهما صفة مشبَّهة، ومن صيغ المبالغة، لكن "فعلان" أبلَغُ من "فعيل"؛ لأن صيغة "فعلان" تدل على الامتلاء، يقال: رجل غضبان؛ أي: ممتلئ غضبًا؛ ولهذا قُدِّم "الرحمن" على "الرحيم".

وكل منهما دالٌّ على إثبات صفة الرحمة الواسعة العظيمة لله تعالى، كما قال تعالى: ï´؟ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ï´¾ [الأنعام: 147]، وقال تعالى: ï´؟ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ï´¾ [الأعراف: 156]، وقال تعالى: ï´؟ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ï´¾ [الأنعام: 12]، وقال تعالى: ï´؟ فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ[21] كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ï´¾ [الروم: 50].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمْسَكَ عنده تسعة وتسعين، وأنزَلَ في الأرض جزءًا واحدًا، فمن ذلك الجزء يتراحم الخلائق، حتى ترفع الدابة حافرَها عن ولدها؛ خشية أن تصيبه))[22].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما قضى الله الخلق، كتَبَ في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي))[23].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة، ما طَمِع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قَنَطَ من جنته أحد"[24].

وإذا اجتمع "الرحمن" مع "الرحيم" في مثل البسملة، والفاتحة، وقوله تعالى: ï´؟ وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ï´¾ [البقرة: 163]، وقوله تعالى: ï´؟ تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ [فصلت: 2]، وقوله تعالى: ï´؟ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ï´¾ [الحشر: 22]:
دلَّ "الرحمن" على إثبات صفة الرحمة الذاتية القائمة به سبحانه، كما قال تعالى: ï´؟ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ï´¾ [الأنعام: 133]، وقال تعالى: ï´؟ وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ ï´¾ [الكهف: 58]، وقال تعالى: ï´؟ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ï´¾ [الأنعام: 147].

ودلَّ "الرحيم" على إثبات صفة الرحمة الفعلية لله عز وجل المتعلقة بالمرحوم؛ فهو تعالى فاعل الرحمة وموصِّلُها إلى من شاء من خلقه؛ رحمة عامة بجميع الخلق، ورحمة خاصة بالمؤمنين، كما قال تعالى: ï´؟ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ ï´¾ [العنكبوت: 21]، وقال تعالى: ï´؟ رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ï´¾ [الإسراء: 54]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [البقرة: 143، والحج: 65].

قال ابن القيم[25] بعدما ذكر قول السهيلي: "وفائدة الجمع بين الصفتين "الرحمن" و"الرحيم" الإنباءُ عن رحمة عاجلة وآجلة، وخاصة وعامة..."، قال: وهو أن "الرحمن" دال على الصفة القائمة به سبحانه، و"الرحيم" دال على تعلُّقِها بالمرحوم، فكان الأول للوصف، والثاني للفعل، فالأول دال على أن الرحمة صفتُه، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم هذا فتأمَّل قوله: ï´؟ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 43] ï´؟ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [التوبة: 117]، ولم يجئ قط "رحمن بهم"، فعُلِم أن "الرحمن" هو الموصوف بالرحمة، و"رحيم" هو الراحم برحمته..." اه.

أما إذا جاء كل منهما منفردًا عن الآخر، كما في قوله تعالى: ï´؟ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ï´¾ [الإسراء: 110]، وكما في قوله تعالى: ï´؟ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 43]، فإن كلًّا منهما - بمفرده - يدل على إثبات صفة الرحمة لله تعالى، باعتبارها صفة ذاتية لله، وباعتبارها صفة فعلية له عز وجل.

وكما أن الرحمة صفة ثابتة لله عز وجل ذاتية وفعلية، فهي أيضًا تُطلَق على آثار هذه الرحمة، كما قال تعالى: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ ï´¾ [الشورى: 28]، وقال تعالى في الحديث القدسي للجنة: ((أنتِ رحمتي، أرحم بك مَن أشاء))[26].

والفرق بين "الرحمن" و"الرحيم" من وجوه ثلاثة:
الوجه الأول: أن بينهما عمومًا وخصوصًا من حيث اللفظ؛ ف"الرحمن" اسم خاص بالله تعالى لا يجوز أن يسمى به غيره بالإجماع[27]، كاسم "الله"، و"الرزاق".

قال ابن القيم[28]: "ولما كان هذا الاسم مختصًّا به تعالى، حسُن مجيئه مفردًا غير تابع كمجيء اسم الله كذلك"؛ يعني في نحو قوله تعالى: ï´؟ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ï´¾ [الرحمن: 1، 2]، وقوله: ï´؟ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ï´¾ [طه: 5]، وقوله: ï´؟ أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ ï´¾ [الملك: 20]، وغير ذلك.

بل يُعَدُّ "الرحمن" ثاني اسم من أسماء الله تعالى؛ لقوله تعالى: ï´؟ قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ï´¾ [الإسراء: 110]، وقوله تعالى: ï´؟ وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ ï´¾ [الزخرف: 45].

ولهذا لمَّا تسمى مُسَيْلِمةُ بذلك تعنُّتًا وكفرًا، أذَلَّه الله تعالى.

قال ابن كثير[29]: "ولما تَجَهْرَمَ مُسيلِمةُ الكذَّابُ، وتسمَّى برحمن اليمامة، كساه الله جلباب الكذب، وشَهَّرَ به، فلا يقال إلا مسيلمة الكذاب، فصار يُضرَبُ به المَثَلُ في الكذب بين أهل الحضر من أهل المدر، وأهل الوبر من أهل البادية والأعراب".

و"الرحيم" اسم عام يجوز أن يوصف به غير الله؛ كاسم "الرؤوف"، و"السميع"، و"البصير"، قال تعالى عن نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: ï´؟ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [التوبة: 128]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ï´¾ [الإنسان: 2].

الوجه الثاني: أن بينهما عمومًا وخصوصًا من حيث المعنى[30]، ف"الرحمن" رحمة عامة لجميع الخلق؛ مؤمنهم وكافرهم، ناطقهم وبهيمهم، في الدنيا والآخرة.

فرحمته للمؤمنين في الدنيا هدايتُهم للحق وإلى الطريق المستقيم، إلى غير ذلك من نعم الله عليهم، مما هو دون ذلك، ورحمتُه لهم في الآخرة إدخالُهم جناتِ النعيم، ووقايتهم عذاب الجحيم.

ورحمته للكافرين والبهائم في الدنيا، ما يتمتَّعون به من نعم الله، من الصحة والمآكل والمشارب ونحوها، ورحمته لهم في الآخرة العدلُ في حسابهم، كما قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ï´¾ [الأنعام: 164، الإسراء: 15، فاطر: 18، الزمر: 7]، وقال تعالى: ï´؟ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ï´¾ [الطور: 21]، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لَتُؤَدَّنَّ الحقوقُ إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقادَ للشاة الجَلْحاءِ من الشاة القَرْناءِ))[31].

قال ابن كثير[32] - بعد أن ذكر القول بأن "الرحمن" لجميع الخلق، و"الرحيم" بالمؤمنين - قال: "ولهذا قال: ï´؟ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ ï´¾ [الفرقان: 59]، وقال: ï´؟ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ï´¾ [طه: 5]"، قال ابن كثير: "فذكر الاستواء باسمه الرحمن؛ ليعم جميع خلقه برحمته".

وقال الشنقيطي[33] - بعد أن ذكر كلام ابن كثير السابق - قال: "ومثله قوله تعالى: ï´؟ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ ï´¾ [الملك: 19]، قال: أي: ومن رحمانيته لطفه بالطير، وإمساكه إياها صافَّاتٍ وقابضات في جو السماء، ومن أظهر الأدلة في ذلك قوله تعالى: ï´؟ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ ï´¾ [الرحمن: 1، 2] إلى قوله: ï´؟ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ï´¾ [الرحمن:1 -13]".

و"الرحيم" رحمة خاصة بالمؤمنين في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: ï´؟ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ï´¾ [الأحزاب: 43][34]، وقال تعالى: ï´؟ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [التوبة: 117].

وهذا إنما يصح في حال اجتماع "الرحمن" و"الرحيم"، فيؤخذ من "الرحمن" الرحمةُ العامة، ومن "الرحيم" الرحمةُ الخاصة، أما في حال انفراد أحدهما عن الآخر، فيؤخذ من كل منهما إثباتُ الرحمة العامة والخاصة، ودليل العموم من "الرحيم" قوله تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ ï´¾ [البقرة:143، الحج:65][35].

الوجه الثالث: أن "الرحمن" أبلغ من "الرحيم"[36]؛ ولهذا، ولكونه - أي: "الرحمنِ" - أخَصَّ من "الرحيم"؛ قُدِّم عليه في البسملة والفاتحة، وقُدِّم عليهما لفظ الجلالة؛ لأنه أخص منهما وأعرَفُ، وهما وغيرهما من أسمائه تعالى تبعٌ للفظ الجلالة "الله".

قال ابن كثير[37]: "بدأ باسم الله، ووصَفَه بالرحمن؛ لأنه أخص وأعرف من الرحيم؛ لأن التسمية أولًا إنما تكون بأشرف الأسماء؛ فلهذا ابتدأ بالأخص فالأخص".

وقد كان اسم "الرحمن" معروفًا - والله أعلم - عند العرب قبل الإسلام، وقد ورد ذلك في أشعارهم.

كقول سلامة الجعدي[38]:
عَجِلْتُم علينا عَجْلَتَيْنا عليكمُ *** وما يَشَأِ الرحمنُ يَعْقِدْ ويُطْلِقِ


وقول الآخر:
ألا ضرَبتْ تلك الفتاةُ هَجِينَها *** ألا قَضَبَ الرحمنُ ربي يَمينَها[39]


أما قوله تعالى عن المشركين: ï´؟ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ï´¾ [الفرقان: 60].

وكذا قولهم في صُلح الحُدَيْبِيَةِ لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: ((اكتب بسم الله الرحمن الرحيم)) قالوا: "ما ندري ما الرحمن، اكتب باسمِك اللهم"[40].

فذلك منهم محمول - والله أعلم - على الجحود والعناد، والتعنُّت في الكفر، كما قال كثير من المفسرين[41].

المصدر: « عون الرحمن في تفسير القرآن»


[1] انظر: "البحر المحيط" (1/ 14)، "تفسير ابن كثير" (1/ 39)، "أنوار التنزيل" (1/ 6)، "شرح البسملة" لأبي زكريا الأنصاري (1/ أ)، "شرح البسملة والحمدلة" لأحمد بن عبدالحق (6/ أ)، "رسالة إسماعيل بن غنيم الجوهري في البسملة" (6/ أ)، "رسالة الصبان الكبرى في البسملة" (8/ ب).

[2] انظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي (1/ 66)، "الكشاف" (1/ 5)، "المحرر الوجيز" (1/ 55)، "التفسير الكبير" (1/ 108)، "الدر المصون" (1/ 19 -21)، "أنوار التنزيل" (1/ 6).

[3] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 40).

[4] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 56).

[5] انظر: "التفسير الكبير" (1/ 115)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 102)، "تفسير ابن كثير" (1/ 40). وانظر الأحاديث الواردة في الاسم الأعظم ضمن الفائدة الخامسة والثلاثين من سورة الفاتحة.

[6] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 56).

[7] أخرجه البخاري - في الدعوات - باب لله مائة اسم غير واحد (6410)، ومسلم - في الذكر - باب في أسماء الله تعالى، وفضل من أحصاها (2677).

[8] انظر: "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص(25).

[9] "جامع البيان" (1/ 123)، "معالم التنزيل" (1/ 38)، "المحرر الوجيز" (1/ 57)، "لسان العرب" مادة "أله"، "لباب التأويل" (1/ 13)، "بدائع الفوائد" (1/ 22 -23)، "تفسير ابن كثير" (1/ 40).

[10] انظر: "ديوانه" ص(165).

[11] انظر: "اشتقاق أسماء الله الحسنى" للزجاجي ص(26 -42)، "الناسخ والمنسوخ" لأبي جعفر النحاس (2/ 433)، "الكشاف" (1/ 6)، "الدر المصون" (1/ 23 -29).

[12] البيت لذي جرن الحميري، انظر: "اشتقاق أسماء الله الحسنى" ص (32)، وانظر: "الكشاف" (1/ 6).

[13] انظر: "الكتاب" (2/ 195، 3/ 498).

[14] انظر: "اشتقاق أسماء الله الحسنى" ص(34)، "المفضليات" (160)، "مجالس العلماء" (71).

[15] في "الكشاف" (1/ 6).

[16] انظر: "مدارج السالكين" (1/ 56).

[17] انظر: "تيسير الكريم الرحمن" (1/ 33).

[18] انظر: "مجموع الفتاوى" (1/ 88).

[19] انظر: "مجموع الفتاوى" (14/ 12).

[20] أخرجه أبو داود - في الزكاة - باب صلة الرحم (1694)، والترمذي في البر والصلة - ما جاء في قطيعة الرحم (1907)، وقال: "حديث حسن صحيح"، وأحمد (1/ 191)، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود"، وأخرجه أحمد (2/ 498) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[21] قد يكون المراد بالرحمة في الآية الرحمةَ التي هي صفة ذاتية من صفات الله تعالى غير مخلوقة، وقد يراد بها الرحمة التي هي المطر، فهذه رحمة مخلوقة، هي من آثار رحمة الله التي هي من صفاته، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((تحاجَّتِ الجنة والنار...))، وفيه قوله تعالى للجنة: ((أنتِ رحمتي، أرحَمُ بك من أشاء من عبادي... الحديث))؛ أخرجه البخاري - في التفسير (4850)، ومسلم - في الجنة ونعيمها وأهلها (2846)، فالجنة من الرحمة المخلوقة.

[22] أخرجه البخاري - في الأدب - باب جعل الله الرحمة في مائة جزء (6000)، ومسلم - في التوبة - باب سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه (2752). وأخرجه أيضًا من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه (2753).

[23] أخرجه البخاري - في بدء الخلق - ما جاء في قوله تعالى: ï´؟ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ï´¾ [الروم: 27] (3194)، ومسلم - في التوبة - سعة رحمة الله تعالى، وأنها سبقت غضبه (2751).

[24] أخرجه مسلم في الباب السابق (2755).

[25] في "بدائع الفوائد" (1/ 24).

[26] أخرجه البخاري في التفسير (4580)، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها (2846)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[27] انظر: "جامع البيان" (1/ 134)، "معالم التنزيل" (1/ 38)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 105 -106).

[28] انظر: "بدائع الفوائد" (1/ 23 -24).

[29] في "تفسيره": (1/ 43).

[30] انظر: "جامع البيان" (1/ 127 -129)، "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص(28)، "مقاييس اللغة" مادة "رحم".

[31] أخرج مسلم - في البر والصلة والأدب - باب تحريم الظلم (2582).

[32] في "تفسيره" (1/ 43).

[33] في "أضواء البيان" (1/ 40).

[34] انظر: "زاد المسير" (1/ 9)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 105)، "أنوار التنزيل" (1/ 7)، "تفسير ابن كثير" (1/ 43).

[35] انظر: "تيسير العزيز الحميد" ص(31).

[36] انظر: "جامع البيان" (1/ 133)، "الكشاف" (1/ 6).

[37] في "تفسيره" (1/ 43).

[38] انظر: "ديوانه" ص(19).

[39] انظر: "جامع البيان" (1/ 131)، "تفسير ابن كثير" (1/ 44).

[40] أخرجه من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم - مطولًا -: البخاري في الشروط - باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب وكتابة الشروط (2731 - 2732).

[41] انظر: "جامع البيان" (1/ 131)، "الكشاف" (1/ 6)، "تفسير ابن كثير" (1/ 44).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 02-06-2021, 05:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

هل البسملة آية مستقلة من القرآن الكريم أو من سورة الفاتحة،
أو من كل سورة سوى براءة، أو ليست بآية؟


اختلف أهل العلم في هذه المسألة على أقوال عدة، بعد إجماعهم على أنها بعض آية من سورة النمل، في قوله تعالى: ï´؟ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ [النمل: 30] [1].

وفيما يلي ذكر خلاصة لأقوالهم، وأدلتهم في هذه المسألة[2].

القول الأول:
أن البسملة ليست آية من القرآن الكريم مطلقًا[3]، إلا في سورة النمل فهي بعض آية منها، وإنما كُتبت البسملة في أوائل السور؛ للاستفتاح بها، والابتداء والتبرك بها، والتيمُّن، والفصل بين السور.

وهذا القول يُروى عن قراء المدينة والبصرة والشام[4]، وهو قول الإمام مالك[5] وعبدالله بن معبد[6]، ونُسب لأبي حنيفة، وبعض أصحابه[7]، والأوزاعي[8]، وحُكي رواية عن الإمام أحمد[9]، لكن قال ابن تيمية[10]: "لا يصح هذا عنه، وإن كان قولًا في مذهبه".

واختاره الباقلاني[11].

ولم أقف على دليل صحيح صريح لهذا القول، ولا على تعليل مقبول إلا التمسُّكَ بأدلة وأحاديثَ لا تدل عليه؛ كحديث أنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهما[12]، وما في معناهما من الأدلة، التي فيها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا يستفتحون القراءة أو الصلاة بالحمد لله رب العالمين... وسيأتي ذكر هذه الأحاديث - إن شاء الله - في القول الرابع من هذه الأقوال، وبيان أن غاية ما تدلُّ عليه هذه الأحاديثُ أنهم كانوا لا يجهرون بالبسملة، لا أنهم يترُكونها، وليس عدم الجهر بها مما يُخرِجها من القرآن، كما زعم بعض من ذهب إلى هذا القول[13].

وقد احتج ابن العربي[14] لهذا القول بأن مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زمان الإمام مالك لم يَقرأ فيه أحدٌ قط (بسم الله الرحمن الرحيم) اتباعًا للسُّنَّة، وهذا إن أراد به أنهم لا يجهرون بها فصحيح، وأما إن أراد أنهم لا يقرؤونها أبدًا لا سرًّا ولا جهرًا، فالجواب عنه هو الجواب عن احتجاجهم بحديث عائشة وأنس المشار إليهما، وأن ذلك محمول على أنهم يُسِرُّونَ بها لا أنهم يتركونها.

كما احتج الباقلاني[15] والقرطبي[16] لهذا القول بأن القرآن لا يثبُت إلا بالتواتر، ولا تواتُرَ هنا؛ فيجب القطع بنفي كونها من القرآن.

وقد أجاب شيخ الإسلام ابن تيمية[17] عن هذا بقوله: "والتحقيق أن هذه الحجة مقابلَة بمِثلِها، فيقال لهم: بل يُقطع بكونها من القرآن حيث كُتبت، كما قطعتم بنفي كونها ليست منه، ومثل هذا النقل المتواتر عن الصحابة بأن ما بين اللوحين قرآنٌ، فإن التفريق بين آية وآية يرفع الثقةَ بكون القرآن المكتوب بين لوحي المصحف كلامَ الله، ونحن نعلم بالاضطرار أن الصحابة الذين كتَبوا المصاحف نقَلوا إلينا أن ما كتبوه بين لوحي المصحف كلامُ الله الذي أنزله على نبيِّه صلى الله عليه وسلم، لم يكتُبوا فيه ما ليس من كلام الله...".

ويكفي في ضعف هذا القول: أن فيه القولَ على الصحابة رضي الله عنهم أنهم أَودَعوا المصحفَ ما ليس من كلام الله، على سبيل التبرك[18].

قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على "سنن الترمذي"[19]، بعد أن ذكر الخلاف في هذه المسألة: "القول الذي زعموا نِسبتَه إلى مالك ومن معه في أنها ليست آية أصلًا - قولٌ لا يوافق قاعدة أصولية ثابتة، ولا قراءة صحيحة".

القول الثاني:
أنها آية من سورة الفاتحة فقط.
وهذا القول مرويٌّ عن طائفة من السلف، منهم سعيد بن جبير[20]، وأكثر القراء والفقهاء من أهل مكة[21] والكوفة[22]، وهو قول للشافعي[23]، ورواية عن الإمام أحمد[24]، ورُوي عن إسحاق[25]، وأبي عبيد[26]، وأبي ثور[27]، ومحمد بن كعب القرظي، والزهري[28] وعطاء[29]، وغيرهم[30].

واستدَلوا لهذا القول بأدلة، منها:
1- إثباتها في المصاحف في الفاتحة، وعدُّها من آياتها.

2- ما جاء عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سُئلت عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: "كان يُقطِّع قراءته آيةً آية: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم"[31].

ووجهُ استدلالهم من هذا الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة مع الفاتحة، قالوا: فدلَّ هذا على أنها آية منها.

والجواب عن هذا: أنه لا يلزم من قراءتها مع الفاتحة أن تكون منها؛ إذ لو لزم هذا لَلَزِمَ أن تكون آيةً من كل سورة؛ لأنها تُقرأ مع كل سورة، كما هو مثبت معلوم.

3- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سُئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "كانت مدًّا، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، يمُدُّ بسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم"[32].

قالوا: فقراءة النبي صلى الله عليه وسلم للبسملة بالمدِّ تدلُّ على أنها آية من القرآن؛ إذ لو لم تكن آية من القرآن لَمَا قرأها الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدِّ كما يقرأ القرآن.

وهذا الاستدلال صحيح في الرد على الذين ينفون أن تكون البسملة آيةً من القرآن مطلقًا، لكن لا يلزم من قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم لها بالمد كما يقرأ القرآن، أن تكون آيةً من سورة الفاتحة[33]، ولا من غيرها؛ فالحديث يدل على أنها آية تُقرأ - وهذا صحيح - لا أنها آية من سورة الفاتحة، أو من غيرها من السور.

4- حديث نُعَيمٍ المُجْمِرِ قال: "صليتُ وراء أبي هريرة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأمِّ القرآن حتى بلغ (ولا الضالين) فقال: "آمين"، فقال الناس: "آمين"، ويقول كلما سجد: الله أكبر، وإذا قام من الجلوس في الاثنتين قال: الله أكبر، وإذا سلَّم قال: والذي نفسي بيده، إني لَأَشبَهُكم صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم".

ووجه استدلالهم من هذا الحديث أن أبا هريرة قرأ البسملة مع أم القرآن، ورفَعَ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال في آخر الحديث: "والذي نفسي بيده، إني لَأشْبهُكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهذا الحديث ضعَّفه جمعٌ من أهل العلم[34].

وأيضًا لو صح هذا الحديث، فليس فيه ما ينص صراحة على أن البسملة من الفاتحة، وغاية ما فيه أن يكون أبو هريرة قرأ البسملة مع الفاتحة، سواء كان ذلك جهرًا أم سرًّا، ولا يلزم من قراءتها مع الفاتحة على أي حال أن تكون منها، كما تقدم في الجواب عن استدلالهم بحديث أم سلمة.

5- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قرأتم الحمد، فاقرؤوا بسم الله الرحمن الرحيم، إنها أم القرآن، وأم الكتاب، والسَّبع المَثاني، وبسم الله الرحمن الرحيم أحد آياتها))[35].

والصواب أن هذا الحديث موقوف من كلام أبي هريرة، كما ذكر أهل العلم[36]؛ قال الزيلعي[37] بعدما صوَّب وقف الحديث على أبي هريرة: "فإن قيل: إن هذا موقوفٌ في حُكمِ المرفوع؛ إذ لا يقول الصحابي: إن البسملة إحدى آيات الفاتحة إلا عن توقيف أو دليل قويٍّ ظهر له... قلت: لعل أبا هريرة سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها فظَنَّها من الفاتحة... وأبو هريرة لم يُخبِرْ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: هي إحدى آياتها، وقراءتُها قبل الفاتحة لا يدل على ذلك".

وقال أيضًا: "فالمحفوظ الثابت عن سعيد المقبري عن أبي هريرة في هذا الحديث عدمُ ذكر البسملة، كما رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحمد لله هي أمُّ القرآن، وهي السَّبْعُ المثاني والقرآن العظيم))[38] ".

القول الثالث:
أنها آية أو بعض آية من كل سورة سوى سورة براءة، وقد نُسب هذا القول لقُرَّاءِ مكة والكوفة وفقهائهما[39].

وحُكي هذا القول عن ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، وأبي هريرة، من الصحابة، ومن التابعين: عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري[40].

وهو المشهور من مذهب الشافعي[41]، ورواية عن الإمام أحمد[42]، ونُسب لأبي حنيفة[43]، وسفيان الثوري[44]، وعبدالله بن المبارك[45]، وإسحاق بن راهويه[46]، وأبي عبيد[47]، والأوزاعي[48].

واستدل أصحاب هذا القول بأدلة، منها ما يلي:
1- ثبوت البسملة في المصاحف، بخط المصحف، مع كل سورة، سوى براءة، مما يدلُّ على أنها آية، أو بعض آية من كل سورة[49].

والجواب: أنه لا يلزم من ثبوتها في المصاحف مع كل سورة، بل لا يلزم من قراءتها مع كل سورة أن تكون آية منها، فهناك سُوَرٌ ثبَتَ بالسُّنة وباتفاق العادِّينَ عدد آياتها، من غير احتساب البسملة منها كما سيأتي في ذكر أدلة القول الرابع.

2- ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أغفى النبي صلى الله عليه وسلم إغفاءة، ثم تبسَّم ضاحكًا، فقال: ((أُنزِل عليَّ آنفًا سورة))، ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم ï´؟ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ï´¾ [الكوثر: 1] إلى آخر السورة"[50].

ووجه استدلالهم من هذا الحديث: أن البسملة آية أُنزِلت مع سورة الكوثر، فهي كذلك آية، أو بعض آية من كل سورة تنزل معها وتعدُّ منها.

والجواب عن هذا أن يقال: صحيح أن البسملة تنزل مع كل سورة، لكن لا يلزم من نزولها مع السورة أن تكون آية منها؛ ولهذا اتفق العادُّون على أن سورة الكوثر ثلاث آيات بدون البسملة؛ فالذين قالوا: البسملة آية مستقلة، أسعَدُ بهذا الدليل، من أصحاب هذا القول، كما سيأتي بيان ذلك.

3- كما استدلوا - أيضًا - بحديث أم سلمة السابق[51]، الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقطِّع قراءته آيةً آية: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم".

ووجه استدلالهم به أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة مع الفاتحة، مما يدل على أنها آية منها، وكذلك ينبغي أن تكون آية من سائر السور سوى براءة؛ لأنها مثبَتة مع سائر السور كما أُثبتَت في الفاتحة، فهي آية من كل سورة، ينبغي أن تُقرأ معها، سواء الفاتحة وغيرها.

والجواب: أن هذا الحديث إنما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يقرأ البسملة مع الفاتحة، ولا يدل على أنها آية منها - كما تقدم بيانه - فكيف تكون آية من غيرها؟!


4- كما استدلوا - أيضًا - بحديث أنس السابق أنه سُئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كانت مدًّا، يمُدُّ بسم الله، ويمد بالرحمن، ويمد بالرحيم".

ووجه استدلالهم بهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة مدًّا كما تُمَدُّ آيات القرآن، مما يدل على أنها آية أو بعض آية من كل سورة سوى براءة.

والجواب أن يقال: صحيح أن البسملة آية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأها بالمد كما تقرأ آيات القرآن، لهذا الحديث ولغيره، لكن لا يلزم من ذلك أن تكون آية أو بعض آية من كل سورة، وقد يحتمل أن أنسًا رضي الله عنه ذكر هذا من باب التمثيل للسائل لكيفية قراءة النبي صلى الله عليه وسلم[52].

5- كما استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يَعرِفُ فصل السورة حتى تَنزل عليه: بسم الله الرحمن الرحيم"[53].

وكأنهم أخذوا من نزول البسملة مع السورة أن تكون آية منها، وهذا ليس بلازم، كما سيأتي بيان هذا في القول الرابع.

القول الرابع:
أن البسملة آية مستقلة من القرآن، وليست من السور، وإنما هي آية تنزل مع كل سورة؛ للفصل بينها وبين التي قبلها, سوى براءة.

وهذا قول طائفة من أهل العلم، منهم الإمام أحمد في المنصوص الصريح عنه[54]، وعبدالله بن المبارك[55]، ومحمد بن الحسن الشيباني[56]، وأبو الحسن الكرخي[57]، وأبو بكر الرازي[58]، وداود الظاهري[59]، وغيرهم، واختاره الطبري فيما يظهر من كلامه[60]، واختاره ابن خزيمة[61]، والجصاص[62]، وابن قدامة[63]، وشيخ الإسلام ابن تيمية[64]، والزيلعي[65].

وهذا القول هو أصح الأقوال، وهو الذي تدل عليه الأدلة الصحيحة الصريحة، ومنها ما يلي:
1- إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على إثباتها في المصحف، وكتابتهم لها بخطه، وقلمه، فنُقِلتْ نقْلَه، كما نُقِلت في سورة النمل، فلا يجوز الخروج عن إجماعهم؛ وذلك لأنهم جرَّدوا المصحف عن غير الآيات القرآنية، كالتفسير ونحوه[66].

2- ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بيْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهُرِنا، إذ أغفى إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسمًا، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: ((أُنزِلتْ عليَّ آنفًا سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم ï´؟ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ï´¾ [الكوثر: 1]"[67].

ووجه الدلالة في هذا الحديث على أن البسملة آية مستقلة من القرآن: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ بها، وأخبر أنها أُنزلت مع هذه السورة، ولم تُعَدَّ آيةً منها؛ فقد أجمَعَ الناس على أن سورة الكوثر ثلاث آيات، بدون (بسم الله الرحمن الرحيم)[68]، كما أجمعوا على أن سورة الإخلاص أربع آيات بدون البسملة[69].

3- ما رواه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يَعرِفُ فصل السورة، حتى تنزل عليه: بسم الله الرحمن الرحيم"[70].

فكونها تنزل يدل على أنها آية من القرآن، وكونها للفصل بين السور يدل على أنها ليست من السور؛ وإنما هي آية مستقلة[71].

4- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: "إن سورةً من القرآن ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غُفِر له، وهي سورة: ï´؟ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ï´¾"[72].

قال: فهذا الحديث يدل على أن البسملة ليست آية من السور من وجهين:
الوجه الأول: أنه صلى الله عليه وسلم ابتدأ سورة المُلْك، بقوله: ï´؟ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [الملك: 1] دون البسملة، مما يدل على أن البسملة ليست من السورة.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 02-06-2021, 05:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

الوجه الثاني: أن أهل العلم والعادِّينَ لآيات القرآن اتفَقوا على أن سورة ï´؟ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ï´¾ ثلاثون آية بدون البسملة[73].

5- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: ((من صلَّى صلاة لم يقرأ فيها بأُم القرآن، فهي خِداجٌ - ثلاثًا - غير تمام))، فقيل لأبي هريرة: إنَّا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقرأ بها في نفسك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: قسَمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الفاتحة: 2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ [الفاتحة: 3]، قال الله تعالى: أثنى عليَّ عبدي، وإذا قال: ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾ [الفاتحة: 4] قال: مجَّدَني عبدي، وقال مرة: فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ [الفاتحة: 5]، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ [الفاتحة: 6، 7]، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل))[74].

قالوا: فهذا الحديث كسابقه، يدل على أن البسملة ليست آية من الفاتحة من وجهين:
الوجه الأول: أن الله تعالى بدأ الفاتحة بقوله: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ ï´¾، ولو كانت البسملة آية من الفاتحة لابتدأ بها، وعَدَّها آية منها[75].

الوجه الثاني: أن الله جعل الفاتحة بينه وبين عبده نصفينِ، وهي سبع آيات، باتفاق أهل العلم المعتدِّ بقولهم، كما جعل تعالى الآية: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ بينه وبين العبد، وهي منتصف السورة، فقوله: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ وما قبله ثلاثُ آيات ونصف، حمد وثناء وتمجيد وعبادة للرب، وقوله: ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ وما بعده ثلاثُ آيات ونصف للعبد دعاء ومسألة، ويكون قوله: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ هو الآية الخامسة، وقوله: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ هو الآية السادسة، وقوله: ï´؟ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ هو الآية السابعة، وبهذا يتحقق التنصيف للفاتحة بين الرب وبين العبد، ولو كانت البسملة آية من الفاتحة لم يتحقَّق التنصيف، ولكان قوله تعالى: ï´؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ ï´¾ وما قبله أربعَ آيات ونصف آية، وقوله: ï´؟ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ï´¾ وما بعده اثنتين ونصفًا، فلا يتحقق التنصيف، بل يكون ما للربِّ في هذه القسمة أكثر مما للعبد، وهذا خلاف نص قوله تعالى في الحديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين))[76].

قال ابن عبدالبر في "الاستذكار"[77]: "وأما قوله في هذا الحديث: ((قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فنصفها لي، ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل))، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا، يقول العبد: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾))، فبدأ بـï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾، ولم يقل: ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾، فهذا أوضح شيء وأبيَنُه أن ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ ليست آية من الفاتحة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بـï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ فجعلها آية، ثم ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾، ثم ï´؟ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ï´¾، فهذه ثلاث آيات لم يختلف فيها المسلمون.

وجاء في هذا الحديث أنها له تبارَكَ اسمُه، ثم الآية الرابعة جعلها بينه وبين عبده، ثم ثلاث آيات لعبده تتمة سبع آيات، فهذا يدل على أن ï´؟ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ آيةٌ، ثم الآية السابعة إلى آخر السورة، وهكذا تكون نصفين بين العبد وبين ربه؛ لأنه قال في قوله: ï´؟ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ï´¾ إلى آخر السورة: "فهؤلاء لعبدي، ولعبدي ما سأل"، وهؤلاء إشارة إلى جماعة من يعقل وما لا يعقل، وأقل الجماعة ثلاثة، فعلمنا بقوله: (هؤلاء) أنه أراد هؤلاء الآيات، والآيات أقلُّها ثلاث؛ لأنه لو أراد اثنتين لقال: هاتان، ولو أراد واحدة لقال: هذه بيني وبين عبدي، وإذا كان من قوله: ï´؟ اهْدِنَا ï´¾ إلى آخر السورة ثلاثُ آيات، كانت السبع آيات من قوله: ï´؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ إلى قوله: ï´؟ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾، وصحت قسمة السبع على السواء، ثلاث وثلاث، وآية بينهما...

وأجمع القُرَّاء والفقهاء على أنها سبع آيات، إلا أنهم اختلفوا؛ فمن جعل ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ آية من فاتحة الكتاب، لم يعُدَّ ï´؟ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ آيةً، ومن لم يجعل ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ آيةً، عَدَّ ï´؟ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾ آيةً، وهو عدد أهل المدينة وأهل الشام وأهل البصرة، وأما أهل مكة وأهل الكوفة من القرَّاء والفقهاء، فإنهم عَدُّوا فيها ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ آيةً، ولم يعُدُّوا ï´؟ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ï´¾، وهذا الحديث أبْينُ ما يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في سقوط ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ من آيِ فاتحة الكتاب، وهو قاطع لموضع الخلاف...".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية[78]: "فهذا الحديث صحيح صريح في أنها ليست من الفاتحة، ولم يعارضه حديث صحيح صريح".

قلت: وإذا كانت البسملة ليست من الفاتحة، فليست من غيرها من السور من باب أَولى.

6- حديث عائشة رضي الله عنها الطويل في قصة بدء الوحي، وفيه أن أول ما جاءه المَلَكُ قال: ï´؟ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ï´¾ [العلق: 1 - 3][79].

قال ابن تيمية[80] - بعدما أشار إلى هذا الحديث -: "فهذا أول ما نزل، ولم ينزل قبل ذلك ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾".

وقال في موضع آخر[81]: "فالذين قالوا: ليست من السورة، قالوا: إن جبريل لما أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يأمُرْه بقراءتها، بل أمَرَه أن يقرأ: ï´؟ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ï´¾، ولو كانت هي أول السورة لأمَرَه بها".

7- حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "صليتُ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، لا يذكُرون بسم الله الرحمن الرحيم، لا في أول قراءة، ولا في آخرها"[82].

8- حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين"[83].

9- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض من الركعة الثانية استفتح القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يسكُت"[84].

وهذه الأحاديث الثلاثة: حديث أنس برواياته، وحديث عائشة، وحديث أبي هريرة، كلُّها تدل - كما سيأتي بيان ذلك - على أن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه، كانوا لا يجهرون بالبسملة، لا أنهم يتركونها - كما زعم بعضهم.

أما ما وجه الدلالة فيها على أن البسملة آية مستقلة؟ فهو كونهم لم يجهروا بها كبقية آيات الفاتحة؛ إذ لو كانت آية منها لَمَا فرَّقوا بينها وبين بقية آيات هذه السورة[85]، وإذا لم تكن آيةً من الفاتحة فالأَولى ألا تكون آية من غيرها من السور.

10- قوله تعالى: ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة؛ إذ لو كانت منها، لكان فيها تكرار قوله: ï´؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾، والأصل عدم التكرار[86]، غالبًا[87].

11- أنَّ جعْلَ قولِه تعالى: ï´؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ï´¾ آيةً واحدة بهذا الطول - لا يناسب بقية الآيات؛ إذ إن غالب السور تكون آياتها متناسبة من حيث الطول والقصر، مما يقوِّي القولَ بأن هذه الآية آيتان، وأن البسملة ليست من آيات الفاتحة، خلافًا للعدد الموجود في المصاحف.

وإذا لم تكن آية من الفاتحة، فالأَولى ألا تكون آية من غيرها من السور.

12- كما يُقال أيضًا لمن يقول: إنها آية من الفاتحة فقط:
إن الفاتحة سورة من سور القرآن، والبسملة مكتوبة في أولها كلها، فلا فرق بينها وبين غيرها من السور في مثل ذلك، قال ابن تيمية[88]: "وهذا أظهر وجوه الاعتبار".

قال القاضي أبو يعلى[89]: "إن أكثر أهل العلم وجمهورهم على أن قراءتها مستحبة فقط، وهذا يدل على أنها ليست من الفاتحة".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية[90]: "وهو قول سائر من حقَّق القول في هذه المسألة، وتوسَّط فيها، وجمع بين مقتضى الأدلة وكتابتِها سطرًا مفصولًا عن هذه السورة".

وقال أيضًا: "وهذا أعدل الأقوال"[91].


[1] انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 8، 12)، "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 2)، "مجموع الفتاوى" (22/ 438)، "تفسير ابن كثير" (1/ 34)، "النشر" (1/ 271).

[2] هناك أقوال تركتها لضعفها، أوصلها بعضهم إلى أكثر من عشرة أقوال.

[3] انظر: "الإقناع في القراءات السبع" لابن الباذش (1/ 163).

[4] انظر: "معالم التنزيل" (1/ 38)، "الكشاف" (1/ 4)، "تفسير النسفي" (1/ 1).

[5] انظر: "الاستذكار" (2/ 175)، "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 2)، "المحرر الوجيز" (1/ 52)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 93).

[6] انظر: "المغني" (2/ 152).

[7] انظر: "شرح معاني الآثار" (1/ 204-205)، "نصب الراية" (1/ 327).

[8] انظر: "المغني" (2/ 152).

[9] انظر: "المغني" (2/ 151-152).

[10] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 434-438).

[11] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 432).

[12] انظر: "الاستذكار" (2/ 174-175، 182)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 95).

[13] انظر: "شرح معاني الآثار" (1/ 204-205).

[14] في: "أحكام القرآن" (1/ 3).

[15] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 432).

[16] في: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 93).

[17] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 432-433).

[18] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 406).

[19] (2/ 22).

[20] أخرجه عنه عبدالرزاق - في الصلاة - باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم (2609).

[21] انظر: "الاستذكار" (2/ 173)، "مجموع الفتاوى" (22/ 441)، "النشر" (1/ 270).

[22] انظر: "جامع البيان" (1/ 109)، "النشر" (1/ 270).

[23] انظر: "الأم" (1/ 107)، "المجموع" (3/ 332-333).

[24] انظر: "التحقيق" لابن الجوزي (1/ 292)، "المغني" (2/ 151)، "مجموع الفتاوى" (22/ 435، 442).

[25] انظر: "الاستذكار" (2/ 176)، "المغني" (2/ 151).

[26] انظر: "الاستذكار" (2/ 176)، "المغني" (2/ 151).

[27] أخرجه عن أبي ثور ابن عبدالبر في "الاستذكار" (2/ 176).

[28] أخرجه عنهما أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص(114-115).

[29] انظر: "الاستذكار" (2/ 176).

[30] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 351).

[31] أخرجه أبو داود - في الحروف - الباب الأول (4001)، وأحمد (6/ 302)، والدارقطني في الصلاة - وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم والجهر بها، حديث (37) وقال: "إسناده صحيح وكلهم ثقات"، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2927).

[32] أخرجه البخاري في "فضائل القرآن" - باب مد القراءة (5046)، وقد أخرجه مختصرًا دون ذكر "ثم قرأ... إلى آخره" أبو داود (1465)، والنسائي (970)، وابن ماجه (1353)، وأحمد (3/ 119، 192).

[33] انظر: "فتح الباري" (9/ 91).

[34] سيأتي تخريج هذا الحديث، وذكر كلام أهل العلم في تضعيفه في حكم البسملة من حيث الجهر بها والإسرار.

[35] أخرجه الدارقطني - في الصلاة - باب وجوب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، حديث (36)، والبيهقي - في الصلاة (2/ 45)، كلاهما من طريق أبي بكر الحنفي، عن عبدالحميد بن جعفر، عن نوح بن أبي بلال، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، قال أبو بكر الحنفي: "ثم لقيت نوحًا، فحدثني عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة، ولم يرفعه"، وقد ذكر الزيلعي كلام الأئمة عليه وصوَّب وقْفَه. "نصب الراية" (1/ 343).

[36] انظر: "التحقيق" لابن الجوزي (1/ 293-298).

[37] في "نصب الراية" (1/ 343-344).

[38] سيأتي تخريجه.

[39] انظر: "الكشاف" (1/ 4).

[40] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 35).

[41] انظر: "المجموع" (3/ 332-333)، "تفسير ابن كثير" (1/ 35)، "كتاب البسملة الصغير" لأبي شامة (2/ أ)، "رسالة الصبان الكبرى في البسملة" (27/ أ).

[42] انظر: "المسائل الفقهية" (1/ 118).

[43] انظر: "النشر" (1/ 270).

[44] انظر: "معالم التنزيل" (1/ 39).

[45] انظر: "المبسوط" (1/ 15)، "معالم التنزيل" (1/ 39)، "المغني" (2/ 151).

[46] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 35)، "كتاب البسملة الصغير" لأبي شامة (2/ أ).

[47] انظر: "تفسير ابن كثير" (1/ 35).

[48] انظر: "كتاب البسملة الصغير" لأبي شامة (2/ ب).

[49] انظر: "الاستذكار" (2/ 179)، "لباب التأويل" (1/ 15)، "كتاب البسملة الصغير" لأبي شامة (3/ ب).

[50] سيأتي هذا الحديث بتمامه وتخريجه، وانظر: "الاستذكار" (2/ 179).

[51] انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 11)، "المبسوط" للسرخسي (1/ 16)، "المغني" (2/ 153).

[52] انظر: "فتح الباري" (9/ 91).

[53] سيأتي تخريجه، وانظر: "الاستذكار" (2/ 179).

[54] انظر: "مسائل الإمام أحمد" رواية النيسابوري (1/ 52)، "المسائل الفقهية" (1/ 118)، "المغني" (2/ 152، 153)، "مجموع الفتاوى" (22/ 353، 406، 434، 438-439)، وانظر: (13/ 418).

[55] انظر: "مجموع الفتاوى".

[56] انظر: "المبسوط" (1/ 16).

[57] انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 908)، "نصب الراية" (1/ 327).

[58] انظر: "المبسوط" (1/ 15-16)، "الاستذكار" (2/ 176).

[59] انظر: "المحلى" (13/ 251).

[60] في "جامع البيان" (1/ 109، 146-147).

[61] في "صحيحه" (1/ 249، 251).

[62] في "أحكام القرآن" (1/ 8-12).

[63] في "المغني" (2/ 153).

[64] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 276، 350، 406).

[65] في: "نصب الراية" (1/ 343).

[66] انظر: "الكشاف" (1/ 21)، "مجموع الفتاوى" (22/ 433).

[67] أخرجه مسلم - في الصلاة - باب حجة من قال: البسملة آية من أول كل سورة سوى براءة (400)، وأبو داود - في الصلاة - من لم ير الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (784)، والنسائي - في الافتتاح - باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم (869).

[68] انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 11)، "المبسوط" (1/ 16)، "المغني" (2/ 153).

[69] انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 11).

[70] أخرجه أبو داود - في الصلاة - من جهر بالبسملة (788)، قال ابن كثير (1/ 34): "إسناده صحيح".

[71] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 276، 350، 351، 406، 439).

[72] أخرجه الترمذي - في فضائل القرآن - ما جاء في فضل سورة الملك (2891)، وقال: "حديث حسن"، وابن ماجه - في الأدب - باب ثواب القرآن (3786)، وأحمد (2/ 299، 321)، وصححه الألباني.

[73] انظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 11)، "مجموع الفتاوى" (22/ 277، 439)، وانظر: "التحقيق" لابن الجوزي (1/ 293).

[74] أخرجه مسلم في الصلاة - باب وجوب قراءة الفاتحة (395)، وأبو داود - في الصلاة - باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب (821)، والنسائي - في الافتتاح - باب ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب (872)، والترمذي - في التفسير - باب ومن سورة فاتحة الكتاب (2953)، وابن ماجه - في إقامة الصلاة - باب القراءة خلف الإمام - مختصرًا دون قوله: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم... إلى آخره" (838)، وأخرجه البيهقي برواياته في "جزء القراءة خلف الإمام" حديث (49-86).

[75] انظر: "المبسوط" (1/ 16)، "الاستذكار" (2/ 172)، "التحقيق" (1/ 293)، "مجموع الفتاوى" (22/ 440).

[76] انظر: "جامع البيان" (1/ 109)، "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 94).

[77] (2/ 172-174)، وانظر: "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 9-10)، "المبسوط" (1/ 16)، "المغني" (2/ 152).

[78] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 277-278)، وانظر: (441).

[79] أخرجه البخاري - في بدء الوحي (3)، ومسلم - في الإيمان (160).

[80] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 277).

[81] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 349).

[82] سيأتي تخريجه.

[83] أخرجه مسلم - في الصلاة - باب ما يجمع صفة الصلاة (498)، وأبو داود - في الصلاة - باب من لم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (783).

[84] أخرجه مسلم - في المساجد ومواضع الصلاة (599).

[85] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 279، 441).

[86] انظر: "جامع البيان" (1/ 146-147).

[87] لأن بعض السور جاء فيها تكرار بعض الآيات لحِكَم، منها ما هو معلوم، ومنها ما لا يعلمه إلا الله، من ذلك قوله تعالى في سورة الرحمن: ï´؟ فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ï´¾؛ فقد جاءت في واحد وثلاثين موضعًا في هذه السورة، ومن ذلك قوله تعالى: ï´؟ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ï´¾؛ فقد جاءت في عشرة مواضع من سورة المرسلات.


[88] انظر: "مجموع الفتاوى" (2/ 441).

[89] في "المسائل الفقهية" (1/ 118).

[90] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 435).

[91] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 439)، وانظر أيضًا: (276، 278، 350، 351، 406، 421، 438-439).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 02-06-2021, 05:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

حكم قراءة البسملة في غير الصلاة




أجمَعَ أهل العلم على مشروعية التسمية، واستحبابها بعد الاستعاذة؛ تقديمًا للتخلية على التحلية عند قراءة أول السورة في غير الصلاة، سواء في ذلك سورة الفاتحة، أو غيرها من السور، سوى سورة براءة[1]؛ لأنها آية من القرآن الكريم، نزلت مع كل سورة سوى براءة.







لكن اختَلَف القُرَّاء في قراءتها في حال الوصل بين السور؛ فقرأ ابن كثير، وقالون، وعاصم، والكسائي بالفصل بالتسمية بين السور، سوى الأنفال وبراءة[2].







ورُويَ عن بعض القراء تركُها في الوصل منهم حمزة، وروي عن ورش الفصل وعدمه، واختُلِف عن الباقين، وهم: خلف وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب ونافع، بين الفصل بالبسملة والوصل بين السورتين، أو السكت بينهما[3].







والأَولى الفصل بالتسمية بين جميع السور سوى سورة براءة، فلا يفصل بالتسمية بينها وبين ما يُقرأ قبلها من السور، سواء سورة الأنفال أو غيرها؛ لأن الله أنزل التسمية مع كل سورة سوى سورة براءة، وكذا لو كرَّر السورة فوصَلَ بين آخرها وأولها، فالأولى الفصلُ بالبسملة[4]، وإن كانت ليست آية من كل سورة، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يَعرِفُ فصل السورة، حتى تنزل عليه: بسم الله الرحمن الرحيم"[5]، ولأن ذلك هو الموافق لرسم المصحف، ومن شرط صحة القراءة موافقتُها لرسم المصحف[6]، باتفاق أهل العلم؛ ولهذا فأكثرُ القراء على الفصل بها بين السور، وكل من رُويَ عنه الوصل فقد رُويَ عنه خلافه.












والأولى: في حال الابتداء بأول السورة أن يَستعيذ ثم يقف، ثم يُسمي ويقف، ثم يشرع في أول السورة؛ لأن الوقف على الاستعاذة تام، وكذا الوقف على البسملة، ولأن الثابت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه كان يُقطِّع قراءته آيةً آية[7].







ويجوز أن يصل الاستعاذة بالبسملة، ثم يقف، ثم يشرع بأول السورة، ويجوز أن يستعيذ ثم يقف، ثم يسمِّي ويصل البسملة بالسورة، ويجوز وصل الجميع؛ وصل الاستعاذة بالبسملة، ووصل البسملة بالسورة[8].











وفي حال الوصل بين سورة وأخرى، الأولى الوقف على نهاية السورة الأولى؛ لأن أواخر السور من أتم التمام، ثم يسمِّي ويقف، ثم يبتدئ بأول السورة الأخرى، سواء كانت السورتان متواليتين في ترتيب المصحف أم غير متواليتين.







ويجوز أن يقف على آخر السورة، ثم يبسمل، ويصل البسملة بأول السورة الأخرى، ويجوز وصل آخر السورة بالبسملة ووصل البسملة بأول السورة الأخرى، وهو دون الثاني.







ويمتنع وصل البسملة بآخر السورة، ثم الوقف عليها؛ لأن البسملة إنما شُرِعت في الابتداء، لا في الانتهاء[9].











أما في أوساط السور، فيتعوذ فقط، ولا يبسمل عند أكثر أهل العلم، وهو الصحيح، وقيل: يستعيذ ويبسمل، وقيل: يبسمل فقط[10].







وقد تقدَّم هذا في الكلام على الاستعاذة.







[1] انظر: "التبصرة" لمكي ص (249-250)، "الإقناع في القراءات السبع" (1/155)، "النشر" (1/263-264).



[2] انظر: "التبصرة" لمكي ص (246)، "العنوان في القراءات السبع" ص(65)، "الإقناع في القراءات السبع" (1/158)، "النشر" (1/259).



[3] انظر: "التبصرة" لمكي ص(247-248)، "العنوان في القراءات السبع" ص(65)، "الإقناع في القراءات السبع" (1/158-162)، "النشر" (1/259-260).



[4] انظر: "النشر" (1/270).



[5] سبق تخريجه.



[6] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/352).



[7] سبق تخريجه.



[8] انظر: "الإقناع في القراءات السبع" (1/154)، "النشر" (1/265-268).



[9] انظر: "التبصرة" لمكي ص(248-249)، "الإقناع في القراءات السبع" (1/158)، "النشر" (1/267-270).



[10] انظر: "التبصرة" ص(249)، "الإقناع في القراءات السبع" (1/162-163)، "النشر" (1/265).






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 02-06-2021, 05:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن» ------متجدد إن شاء الله

كتاب «عون الرحمن في تفسير القرآن»


الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم

حكم قراءة البسملة في الصلاة


اختلَفَ العلماء في حكم قراءة البسملة في الصلاة على أقوال:
القول الأول:
أنها تجب قراءتُها في الصلاة وجوبَ الفاتحة؛ لأنها آية منها.

وهو مرويٌّ عن ابن عباس، وابن عمر، والزهري، ومجاهد، ويحيى بن جعدة[1]، وإسحاق[2]، وأبي ثور، وأبي عُبيد[3]، وهو المشهور من مذهب الشافعي[4]، ورواية عن الإمام أحمد[5]؛ وهذا على أن البسملة آية من الفاتحة، فتجب قراءتها عندهم كما تجب قراءةُ بقية آيات الفاتحة، كما يُشرَع الجهر بها عندهم، كما يُجهر ببقية آيات الفاتح، وسيأتي ذكر أدلتهم ومناقشتها عند ذكر قول من قال بالجهر بالبسملة إن شاء الله تعالى.

القول الثاني:
أن قراءتها في الصلاة مستحبَّة مع الفاتحة، ومع كل سورة سوى سورة براءة، كما في المصحف، وهو قول جمهور أهل العلم[6]، منهم: أبو حنيفة[7]، وأحمد في المشهور عنه[8]، وأكثر أهل الحديث[9]؛ لأنها آية مستقلة من القرآن، وليست آية من السورة، لا من سورة الفاتحة، ولا من غيرها من السور، فلا تجب قراءتها، لا مع الفاتحة، ولا مع غيرها، لكن تُستحب قراءتها معها، ومع كل سورة سوى براءة؛ لإثباتها في المصحف معها، ومع بقية السور سوى براءة.

وأيضًا فقد ثبت في حديث أنس وعائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لا يَجهَرون بها[10]، فلو كانت قراءتها واجبة وجوبَ الفاتحة لَجَهَروا بها كما يجهرون ببقية آيات الفاتحة.

القول الثالث:
أنه لا تُشرَع قراءتها في المكتوبة، لا سرًّا ولا جهرًا.
وهذا هو المشهور من مذهب الإمام مالك، إلا أنه قال بقراءة البسملة في النفل وقيام الليل، ولمن يَعرِضُ القرآن عرضًا[11].

ونُقل القول بعدم مشروعية قراءتها أيضًا عن الأوزاعي[12].

وهذا القول مبنيٌّ على أن البسملة ليست آية من القرآن، لا في أول الفاتحة ولا في أوائل السور، وليست آية مستقلة من القرآن، وقد تقدَّم بيان ضعف هذا القول.

وقد استدل من ذهب إلى هذا القول بأحاديث أنس وعائشة وعبدالله بن مغفل رضي الله عنهم، التي فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاءه كانوا يستفتحون القراءة والصلاة بالحمد لله رب العالمين[13].

وحديث أبي هريرة الذي فيه قوله تعالى: "قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين..." [14].

لكن هذه الأحاديث ليس فيها نفيُ قراءتها مطلقًا؛ وإنما فيها نفي قراءتها جهرًا، كما جاء في بعض روايات حديث أنس قوله: "فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم"، وفي بعض الروايات "فكانوا يُسِرُّونَ ببسم الله الرحمن الرحيم".

وسيأتي ذكر رواياته وتخريجها هو وحديث عائشة، وعبدالله بن مغفل، في الكلام على حكم الجهر بالبسملة والإسرار بها.

قال أبو بكر بن خزيمة - بعد أن أخرج روايات حديث أنس، التي في بعضها التصريح بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يُسِرُّونَ ببسم الله الرحمن الرحيم، ولا يجهرون بها - قال ابن خزيمة[15]: "هذا الخبر يصرِّح بخلاف ما توهَّم من لم يتبحَّر العلم، وادعى أن أنس بن مالك أراد بقوله: "كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين"، وبقوله: "لم أسمع أحدًا منهم يقرأ: ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾" أنهم لم يكونوا يقرؤون ï´؟ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ï´¾ جهرًا، ولا خفيًا، وهذا الخبر يصرِّح أنه أراد أنهم كانوا يُسِرُّونَ به ولا يجهرون به عند أنس".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية[16]، بعد أن نفى دلالة حديث أنس على ترك قراءة البسملة، وبيَّن أنه إنما يدل على ترك الجهر بها، قال: "وأما كون الإمام لم يقرأها، فهذا لا يمكن إدراكُه، إلا إذا لم يكن له بين التكبير والقراءة سكتة يمكن فيها القراءةُ سرًّا؛ ولهذا استدَلَّ بحديث أنس على عدم القراءة مَن لم ير هناك سكوتًا كمالك وغيره، لكن ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: "يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ماذا تقول؟ قال: أقول: كذا وكذا... إلى آخره".

وفي السنن وغيرهما من حديث عمران وأُبي وغيرهما أنه كان يسكت قبل القراءة، وفيها أنه كان يستعيذ، وإذا كان له سكوت لم يمكن أنسًا أن ينفي قراءتها في ذلك السكوت، فيكون نفيُه للذِّكر، وإخباره بافتتاح القراءة بها إنما هو في الجهر، وكما أن الإمساك عن الجهر مع الذِّكر سرًّا يسمَّى سكوتًا، كما في حديث أبي هريرة، فيصلُح أن يقال: لم يقرأها، ولم يذكرها؛ أي: جهرًا، فإن لفظ السكوت ولفظ نفي الذكر والقراءة مدلولُهما هنا واحد".

وقد اختلف العلماء فيما إذا جهر الإمام ولم يسكت، هل يُبسمِل المأموم أو لا؟ على قولين: منهم من قال: لا يبسمل ولا يقرأ، بل يجب عليه الإنصات، وقال بعض أهل العلم: بأنه يستعيذ ثم يبسمل ويقرأ الفاتحة؛ وذلك لأن قراءة الفاتحة في الصلاة واجبة، والاستعاذةُ والبسملة تُشرَع قراءتها تبعًا لها.

وهذه المسألة مبنيَّة على اختلافهم في حكم قراءة الفاتحة في حقِّ المأموم.


[1] انظر: "الاستذكار" (2/ 181).

[2] أخرجه عن إسحاق ابن عبدالبر في "الاستذكار" (2/ 176).

[3] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" (1/ 96).

[4] انظر: "الأم" (1/ 107، 108)، "المهذب" (1/ 79)، "المجموع" (3/ 332 -333).

[5] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 353، 435، 439).

[6] انظر: "المغني" (2/ 147)، "مجموع الفتاوى" (22/ 276، 436).

[7] انظر: "المبسوط" (1/ 15)، "أحكام القرآن" للجصاص (1/ 13 -14)، "فتح القدير" لابن الهمام (1/ 291، 293).

[8] انظر: "مسائل الإمام أحمد" رواية النيسابوري (1/ 52 -53)، "المسائل الفقهية" (1/ 118)، "الإفصاح" (1/ 125 -126)، "المغني" (2/ 147، 151).

[9] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 436).

[10] سبق تخريجها.

[11] انظر: "المدونة" (1/ 64)، "الكافي" لابن عبدالبر (1/ 170)، "الاستذكار" (2/ 154، 175، 182)، "بداية المجتهد" (1/ 89).

[12] انظر: "الاستذكار" (2/ 177)، "الاعتبار" للحازمي ص(81).

[13] انظر: "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 3)، "المغني" (2/ 147)، "مجموع الفتاوى" (22/ 413)، "تفسير ابن كثير" (1/ 36).

[14] انظر: "الاستذكار" لابن عبدالبر (2/ 154).

[15] في "صحيحه" (1/ 250).

[16] انظر: "مجموع الفتاوى" (22/ 413 -415).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 272.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 266.15 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.23%)]