الأحكام الفقهية من القصص القرآنية - الصفحة 7 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         استشراف المستقبل من المنظور الشرعي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3952 - عددالزوار : 391104 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4419 - عددالزوار : 856614 )           »          حق الجار والضيف وفضل الصمت.محاضرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          حبل الله قبل كلّ سبب وفوقه .! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          اضربوا لي معكم بسهم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          ونَزَعْنا ما في صدورهم من غِلٍّ إخواناً على سُرُر متقابلين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          أنت وصديقاتك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          التشجيع القوة الدافعة إلى الإمام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          شجاعة السلطان عبد الحميد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #61  
قديم 29-10-2021, 12:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,975
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (61)
- بعض الأحكام المستفادة من سورة الكهف
- فضل الدعاء واستحباب إخفائه


د.وليد خالد الربيع


قال -تعالى-: {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} (مريم:2-3). هذه الآية الكريمة من سورة مريم، ذكر ربنا -سبحانه- خبر نبي الله زكريا -عليه السلام- وما أجرى الله -تعالى- عليه من عظيم نعمته، وجليل قدرته، فاستجاب دعاءه، ورزقه ولدا صالحا رغم ما هو فيه من كبر سنه وعقم زوجته، وفي قصص القرآن الكريم حكم جليلة، وأحكام مفيدة.

قال الشيخ ابن سعدي: «أي: هذا {ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا} سنقصه عليك، ونفصله تفصيلا يعرف به حال نبيه زكريا، وآثاره الصالحة، ومناقبه الجميلة، فإن في قصها عبرة للمعتبرين، وأسوة للمقتدين، ولأن في تفصيل رحمته لأوليائه، وبأي: سبب حصلت لهم، ما يدعو إلى محبة الله -تعالى-، والإكثار من ذكره ومعرفته، والسبب الموصل إليه».


ومن المسائل الفقهية المستفادة من الآية الكريمة (فضل الدعاء واستحباب إخفائه):


تعريف الدعاء

الدعاء في اللغة: مصدر الفعل (دعا) بالشيء يدعو دعاء: إذا طلب إحضاره، قال ابن الجوزي: «الدعاء هو طلب الأدنى من الأعلى تحصيل الشيء».

وأما في الاصطلاح فالدعاء: هو الرغبة إلى الله -عز وجل- بالسؤال والتضرع في تحقيق المطلوب.

فالدعاء دليل الافتقار، ومظهر صدق العبودية، قال الطيبي: «هو إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له»، وقال الخطابي: «حقيقة الدعاء استدعاء العبد من ربه العناية، واستمداده إياه المعونة، وحقيقته إظهار الافتقار إليه، والبراءة من الحول والقوة التي له، وهو سمة العبودية وإظهار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله، وإضافة الجود والكرم إليه».

فضل الدعاء

جاء في فضل الدعاء والندب إليه نصوص كثيرة منها:

1- قال - صلى الله عليه وسلم -: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» أخرجه الترمذي، قال الشراح: «أي: ليس شيء أفضل عند الله، لأن فيه إظهار الفقر والعجز والتذلل والاعتراف بقوة الله وقدرته».

2- قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا يزيد في العمر إلا البر، ولا يرد القدر إلا الدعاء، وإن الرجل يحرم الرزق بخطيئة يعملها» أخرجه ابن ماجه.

وقال - صلى الله عليه وسلم -: «لن ينفع حذر من قدر، ولكن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم بالدعاء عباد الله» أخرجه أحمد.

آداب الدعاء:

علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيفية الدعاء، فلا يهجم السائل على مسألته، ولا يغفل عن أدب سؤاله لربه، فعن فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَاعِدٌ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي، إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدْ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ» أخرجه الترمذي، وفي رواية: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِمَا شَاءَ». قَال: ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَيُّهَا الْمُصَلِّي، ادْعُ تُجَبْ» صححه الألباني.

فمن آداب الدعاء التي أرشدت إليها الآية الكريمة (إخفاء الدعاء وعدم الجهر به)؛ لأنه -سبحانه- أثنى بذلك على زكريا -عليه السلام- مما يدل على فضل ذلك والندب إليه.

النداء هو الدعاء والرغبة

قال القرطبي: «والنداء: الدعاء والرغبة؛ أي: ناجى ربه بذلك في محرابه، دليله قوله: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب} فبين أنه استجاب له في صلاته، كما نادى في الصلاة».

قال ابن عاشور: «ومعنى الكلام: أن زكريا قال: «يا رب» بصوت خفي؛ وإنما كان خفيا؛ لأن زكريا رأى أنه أدخل في الإخلاص مع رجائه أن الله يجيب دعوته لئلا تكون استجابته مما يتحدث به الناس، فلذلك لم يدعه تضرعا وإن كان التضرع أعون على صدق التوجه غالبا، فلعل يقين زكريا كاف في تقوية التوجه، فاختار لدعائه السلامة من مخالطة الرياء، ولا منافاة بين كونه نداء وكونه خفيا؛ لأنه نداء من يسمع الخفاء».

وقال ابن كثير: «وقوله: {إذ نادى ربه نداء خفيا}: قال بعض المفسرين: إنما أخفى دعاءه لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره. حكاه الماوردي.

وقال آخرون: إنما أخفاه لأنه أحب إلى الله. كما قال قتادة في هذه الآية: «إن الله يعلم القلب التقي، ويسمع الصوت الخفي».

المستحب من الدعاء الإخفاء

وقد دل على أن المستحب من الدعاء (الإخفاء) قوله -تعالى-: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين}

قال القرطبي: «قال أبو جعفر النحاس: ولم يختلف في معنى {واذكر ربك في نفسك} أنه في الدعاء. {ودون الجهر} أي: دون الرفع في القول. أي: أسمع نفسك، كما قال: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} أي: بين الجهر والمخافتة، ودل هذا على أن رفع الصوت بالذكر ممنوع».

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «أنزل ذلك في الدعاء» أي: قوله -تعالى-: {ولا تجهر بصلاتك} أخرجه البخاري.

وأخرج البخاري في باب (ما يكره من رفع الصوت في التكبير) حديث أبي موسى الأشعري قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا، وارتفعت أصواتنا، فقال: «يا أيها الناس، أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، إنه معكم، إنه سميع قريب، -تبارك اسمه وتعالى- جده» متفق عليه


قال الطبري: فيه كراهية رفع الصوت بالدعاء والذكر، وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين».

وقال النووي: «قوله: أربعوا، معناه: ارفقوا بأنفسكم، واخفضوا أصواتكم؛ فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه، وأنتم تدعون الله -تعالى-، وليس هو بأصم، ولا غائب، بل هو سميع قريب، وهو معكم بالعلم والإحاطة، ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه، فإن دعت حاجة إلى الرفع رفع كما جاءت به أحاديث».

وفي الآداب الشرعية قال ابن مفلح: «يكره رفع الصوت بالدعاء مطلقا، قال المروذي: سمعت أبا عبد الله (يعني الإمام أحمد) يقول: «ينبغي أن يسر دعاءه لقوله -تعالى-:{وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} قال: هذا الدعاء، وقال: وسمعت أبا عبد الله يقول: وكان يكره أن يرفعوا أصواتهم بالدعاء ولا سيما عند شدة الحرب وحمل الجنازة والمشي بها».

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #62  
قديم 29-10-2021, 12:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,975
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (62)
- بعض الأحكام المستفادة من سورة مريم
- خلق عيسى عليه السلام دليل على قدرة الله


د.وليد خالد الربيع


قال -سبحانه-: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} (سورة مريم:23) قصة مريم وابنها نبي الله عيسى -عليهما السلام- آية ظاهرة، ودلالة باهرة على عظيم قدرة الله -تعالى- وعجيب خلقه وبديع صنعه، كما قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ} (المؤمنون:50) قال ابن كثير: « جعلهما آية للناس أي: حجة قاطعة على قدرته على ما يشاء، فإنه خلق آدم من غير أب ولا أم، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية الناس من ذكر وأنثى».
وهذه الآية الكريمة توضح جانبا مما مرت به مريم -عليها السلام- من المعاناة البدنية، والقلق المعنوي خشية نسبتها إلى الفاحشة وهي العفيفة العابدة فتمنت الموت.
وهنا تبرز مسألة مشكلة وهي (حكم تمني الموت)، وسبب الإشكال ما ورد فيها من نصوص وآثار متعارضة.
النصوص التي تمنع تمني الموت
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ اَلْمَوْتَ لِضُرٍّ يَنْزِلُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اَللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ اَلْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ اَلْوَفَاةُ خَيْرًا لِي» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
وعن خباب: «وَلَوْلاَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَانَا أَنْ نَدْعُوَ بِالْمَوْتِ لَدَعَوْتُ بِهِ» أخرجه البخاري
وقَالَ أَنَسٌ بن النضر: «لَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ تَتَمَنَّوُا المَوْتَ» لَتَمَنَّيْتُ» أخرجه البخاري
النصوص التي ظاهرها جواز تمني الموت
دعاء يوسف -عليه السلام-: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} (يوسف:101)
وقالت مريم لما ضربها الطلق: {يا ليتني مت قبل هذا} (مريم: 23)
وعن عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - وَهُوَ مُسْتَنِدٌ إِلَيَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الأعلى» أخرجه البخاري.
وقال ابن حجر في الفتح: «وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي وَضَعُفَتْ قُوَّتِي وَانْتَشَرَتْ رَعِيَّتِي فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مُضَيِّعٍ وَلَا مُفَرِّطٍ».
ونقل ابن كثير أن علي بن أبي طالب في آخر إمارته لما رأى أن الأمور لا تجتمع له، ولا يزداد الأمر إلا شدة قال: « اللهم خذني إليك، فقد سئمتهم وسئموني».
مسالك العلماء في التوفيق بين الأدلة
فمنهم من قال: النهي عن تمني الموت منسوخ، والناسخ له قَوْل يُوسُفَ المتقدم وَقَوْل سُلَيْمَانَ عليهما السلام: {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحين} وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي احتضار النبي - صلى الله عليه وسلم - وَبِدُعَاءِ عُمَرَ بِالْمَوْتِ وَغَيْرِهِ.
وأجيب: بعدم التسليم لدعوى النسخ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا سَأَلُوا مَا قَارَبَ الْمَوْتَ، فمراد يوسف -عليه السلام- {تَوَفَّنِي مُسلما} أي: عِنْد حُضُور أَجلي. وَكَذَلِكَ مُرَادُ سُلَيْمَانَ -علَيْهِ السَّلَامُ.
قال ابن كثير: « وهذا الدعاء يحتمل أن يوسف -عليه السلام- قاله عند احتضاره، ويحتمل أنه سأل الوفاة على الإسلام واللحاق بالصالحين إذا حان أجله، وانقضى عمره، لا أنه سأل ذلك منجزا، كما يقول الداعي لغيره: «أماتك الله على الإسلام»، ويقول الداعي: «اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين».
ومنهم من حمل الجواز على أنه شرع من قبلنا، وقد ورد في شرعنا النهي عنه، كما قال قتادة: قوله: {توفني مسلما وألحقني بالصالحين} لما جمع الله شمله وأقر عينه، وهو يومئذ مغمور في الدنيا وملكها وغضارتها، فاشتاق إلى الصالحين قبله، وكان ابن عباس يقول: «ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف -عليه السلام».
قال ابن كثير: «ولكن هذا لا يجوز في شريعتنا». للنهي الوارد في ذلك.
النهي للكراهة
ومنهم من حمل النهي على الكراهة إذا لحق بالإنسان أضرار دنيوية، والجواز أن يفوض الأمر لله -تعالى- عند خوف الفتن الدينية ويجوز سؤال الموت كما قال الله -تعالى- إخبارا عن السحرة لما أراد فرعون فتنتهم قالوا: {ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين} (الأعراف: 126).
وكما أرشدنا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك، قال النووي: «فِيهِ التَّصْرِيحُ (أي: الحديث) بِكَرَاهَةِ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ فَاقَةٍ أَوْ مِحْنَةٍ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَشَاقِّ الدُّنْيَا، فَأَمَّا إِذَا خَافَ ضررا في دينه أو فتنة فِيهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ فَعَلَ هَذَا الثَّانِي خَلَائِقُ مِنَ السَّلَفِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ فِي أَدْيَانِهِمْ، وَفِيهِ أَنَّهُ إِنْ خَافَ وَلَمْ يَصْبِرْ عَلَى حَالِهِ فِي بَلْوَاهُ بِالْمَرَضِ وَنَحْوهِ فَلْيَقُلْ: «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي إن كانت الحياة خيرا لي» إِلَخْ، وَالْأَفْضَلُ الصَّبْرُ وَالسُّكُونُ لِلْقَضَاءِ».
تمني الموت خشية الفتنة
وقال ابن حجر: « قَوْلُهُ: «مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ» حَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ عَلَى الضُّرِّ الدُّنْيَوِيِّ، فَإِن وجد الضّر الْأُخْرَوِيَّ بِأَنْ خَشِيَ فِتْنَةً فِي دِينِهِ لَمْ يَدْخُلْ فِي النَّهْيِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ من رِوَايَة بن حِبَّانَ: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فِي الدُّنْيَا».
واستدل بحَدِيث مُعَاذٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ: «وَإِذَا أَرَدْتَ بِقَوْمِ فِتْنَةً فَتَوَفَّنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ».
وفي الحديث: «إن الرجل ليمر بالقبر- أي: في زمان الدجال - فيقول: يا ليتني مكانك» لما يرى من الفتن والأمور الهائلة التي هي فتنة لكل مفتون».
وعن محمود بن لبيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اثنتان يكرههما ابن آدم: الموت، والموت خير للمؤمن من الفتنة، ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب» أخرجه أحمد صححه الألباني.
وعليه يحمل قول مريم -عليها السلام- كما قال ابن كثير: «فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة».
وقال القرطبي: «تمنت مريم -عليها السلام- الموت من جهة الدين لوجهين: أحدهما: أنها خافت أن يظن بها الشر في دينها وتعير فيفتنها ذلك. الثاني: لئلا يقع قوم بسببها في البهتان والنسبة إلى الزنا وذلك مهلك».
النهي للتسخط والاعتراض
ومنهم من حمل النهي على الصيغة المطلقة التي يدل ظاهرها على التسخط والاعتراض على قدر الله وحكمته، ويجوز أن يدعو بما ورد مقيدا كما تقدم، قال ابن حجر: «قَوْلُهُ: «فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا» فِي رِوَايَةِ عَنْ أَنَسٍ: «فَإِنْ كَانَ وَلَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلِ إِلَخْ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ؛ لِأَنَّ فِي التَّمَنِّي الْمُطْلَقِ نَوْعَ اعْتِرَاضٍ وَمُرَاغَمَةٍ لِلْقَدْرِ الْمَحْتُومِ، وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا نَوْعُ تَفْوِيضٍ وَتَسْلِيمٍ لِلْقَضَاءِ».
ومنهم من حمل الجواز على من نزل به الموت فعلا فقال ابن حجر: «قَوْله في رواية: «وَلَا يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ» وَهُوَ قَيْدٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِذَا حَلَّ بِهِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَمَنِّيهِ رِضًا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَلَا مِنْ طَلَبِهِ مِنَ اللَّهِ لِذَلِكَ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ عَقَّبَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى» إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ مُخْتَصٌّ بِالْحَالَةِ الَّتِي قَبْلَ نُزُولِ الْمَوْتِ».
قال: « وذَلِكَ لَا يُعَارِضُ النَّهْيَ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَالدُّعَاءَ بِهِ، وَأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ؛ أَنَّهُ لَا يُقْبَضُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَبَيْنَ الْمَوْتِ».

الحكمة من عدم تمني الموت
وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة في عدم تمني الموت بقوله: « وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ: إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ «أخرجه البخاري
قال ابن حجر: «وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ وَالدُّعَاءِ بِهِ هُوَ (انْقِطَاعُ الْعَمَلِ بِالْمَوْتِ) فَإِنَّ الْحَيَاةَ يَتَسَبَّبُ مِنْهَا الْعَمَلُ، وَالْعَمَلُ يُحَصِّلُ زِيَادَةَ الثَّوَابِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ إِلَّا اسْتِمْرَارُ التَّوْحِيدِ فَهُوَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ.
فَخَرَجَ الْخَبَرُ مَخْرَجَ تَحْسِينِ الظَّنِّ بِاللَّهِ، وَأَنَّ الْمُحْسِنَ يَرْجُو مِنَ اللَّهِ الزِّيَادَةَ بِأَنْ يُوَفِّقَهُ لِلزِّيَادَةِ مِنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ، وَأَنَّ الْمُسِيءَ لَا يَنْبَغِي لَهُ الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَلَا قَطْعُ رَجَائِهِ».







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #63  
قديم 09-12-2021, 11:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,975
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية - بعض الأحكام المستفادة من سورة مريم (63)

- حِكَمٌ وأحكام من أخبار الأنبياء في سورة مريم


د.وليد خالد الربيع


قال -سبحانه-:{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (سورة مريم:58)، ورد ذكر مجموعة من الأنبياء -عليهم السلام- في سورة مريم، منهم زكريا ويحيى وعيسى وأمه مريم وإبراهيم وإسماعيل وإسحق وهارون وإدريس -عليهم السلام-، وهم صفوة البشر، ونخبة الناس الذين اصطفاهم الله -تعالى- لتلقي وحيه وتبليغ رسالته، وفي أخبارهم عبرة وعظة وحكم وأحكام، لذا نبه الله -تعالى- على فضلهم، ولزوم اتباع هديه في هذه الآية الكريمة.

قال الشيخ ابن سعدي: «لما ذكر هؤلاء الأنبياء المكرمين، وخواص المرسلين، وذكر فضائلهم ومراتبهم قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} أي: أنعم الله عليهم نعمة لا تلحق، ومنة لا تسبق، من النبوة والرسالة، وهم الذين أمرنا أن ندعو الله أن يهدينا صراط الذين أنعمت عليهم، وأن من أطاع الله، كان {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} الآية.

خير بيوت العالم

وأن بعضهم {مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} أي: من ذريته {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ} فهذه خير بيوت العالم، اصطفاهم الله، واختارهم، واجتباهم، وكان حالهم عند تلاوة آيات الرحمن عليهم، المتضمنة للإخبار بالغيوب وصفات علام الغيوب، والإخبار باليوم الآخر، والوعد والوعيد، {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} أي: خضعوا لآيات الله، وخشعوا لها، وأثرت في قلوبهم من الإيمان والرغبة والرهبة، ما أوجب لهم البكاء والإنابة، والسجود لربهم، ولم يكونوا من الذين إذا سمعوا آيات الله خروا عليها صما وعميانا».

فمن المسائل المستفادة من هذه الآية الكريمة (مشروعية سجود التلاوة للتالي والمستمع)، وهنا وقفات:

الوقفة الأولى

- ما سجود التلاوة؟ وما حكمه؟

سجود التلاوة هو السجود الذي يؤدى عند قراءة آية من آيات السجدة، وهي خمس عشرة آية في القرآن الكريم، ولها علامة تدل عليها.

واتفق الفقهاء على أن سجود التلاوة مشروع للأدلة الواردة في شأنه، ومنها هذه الآية قال ابن كثير: «إذا سمعوا كلام الله المتضمن حججه ودلائله وبراهينه، سجدوا لربهم خضوعا واستكانة، وحمدا وشكرا على ما هم فيه من النعم العظيمة، فلهذا أجمع العلماء على شرعية السجود هاهنا، اقتداء بهم، واتباعا لمنوالهم».

واختلف الفقهاء في سجود التلاوة هل هو واجب؟ على مذهبين:

- المذهب الأول: سجود التلاوة واجب وهو قول الحنفية ورواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام، ودليلهم:

(1) أن الله -سبحانه- و-تعالى- أمر به في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}، وذمّ من تركه فقال: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ}، مما يدل على وجوبه.

(2) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار» أخرجه مسلم. وهو ظاهر الدلالة على الوجوب لقوله: (أمر).

المذهب الثاني: سجود التلاوة سنة مؤكدة، وهو قول الجمهور، ودليلهم:

(1) عن زيد بن ثابت قال: قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - (والنجم) فلم يسجد فيها. متفق عليه. ولو كان واجبا لما تركه - صلى الله عليه وسلم .

(2) وروى البخاري عن عمر أنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد فسجد الناس معه، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال: «يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه»، ولم يسجد عمر رضي الله عنه وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكروا عليه، مما يدل على عدم وجوبه.

وهو الأظهر، لقوة أدلتهم وصراحتها.

الوقفة الثانية

- ما صفة سجود التلاوة؟

اتفق الفقهاء على أن سجود التلاوة يحصل بسجدة واحدة، والأظهر أنه إذا كان قارئ القرآن في الصلاة فإنه يكبر في أول السجود وعند الرفع منه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر في كل خفض ورفع في الصلاة، وأما إذا كانت القراءة خارج الصلاة فاختلف الفقهاء، والأظهر أنه لا يكبر ولو كبر فلا بأس؛ لأن سجود التلاوة ليس بصلاة؛ ولأن التكبير ذكر يحتاج إثباته إلى دليل ولا دليل، وما ورد لا يخلو من ضعف.

واتفقوا على أنه لا تسليم من سجود التلاوة إذا كان في الصلاة، واختلفوا إذا كان خارج الصلاة والأظهر أنه لا تسليم فيه لعدم ورود ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا في حديث صحيح ولا ضعيف.

الذكر في سجود التلاوة

ويشرع لمن سجد سجود التلاوة أن يقول: «سبحان ربي الأعلى» لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت: {سبح اسم ربك الأعلى} قال: «اجعلوها في سجودكم»، وعن عائشة قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجود القرآن: «سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته» أخرجه أبو داود والترمذي.

وعن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله إني رأيت الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدت، فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجراً وضع عني بها وزراً واجعلها لي عندك ذخراً وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود، قال ابن عباس: فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدة ثم سجد فسمعته وهو ساجد يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة» أخرجه الترمذي وابن ماجه وهو صحيح.

الوقفة الثالثة

- ما حكم سجود السامع والمستمع؟

ما تقدم هو حكم سجود التلاوة في حق تالي القرآن، أما السامع فهو الذي يسمع الصوت دون أن ينصت إليه، والمستمع هو الذي ينصت للقارئ ويتابعه، قال ابن قدامة: «ويسن السجود للتالي والمستمع لا نعلم فيه خلافا»، واستدل بحديث ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد ونسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكانا لموضع جبهته. متفق عليه


أما السامع غير القاصد للسماع فلا يستحب له السجود لما أخرج عبد الرزاق في المصنف عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عُثْمَانَ، مَرَّ بِقَاصٍّ فَقَرَأَ سَجْدَةً لِيَسْجُدَ مَعَهُ عُثْمَانُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: «إِنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَ» ثُمَّ مَضَى وَلَمْ يَسْجُدْ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَقَدْ كَانَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يَجْلِسُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ وَيَقْرَأُ الْقَاصُّ السَّجْدَةَ فَلَا يَسْجُدُ مَعَهُ، وَيَقُولُ: إِنِّي لَمْ أَجْلِسْ لَهَا، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنَ جَلَسَ لَهَا، فَإِنْ مَرَرْتَ فَسَجَدُوا فَلَيْسَ عَلَيْكَ سُجُودٌ».

ويشترط لسجود المستمع سجود التالي فإذا لم يسجد فلا سجود على المستمع لحديث زيد قال: «قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - (والنجم) فلم يسجد فيها «لا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا زيد.

وقال عمر لقارئ: «كنت إمامنا لو سجدت لسجدنا معك»، وأخرج عبد الرزاق عَنْ سُلَيْمِ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ: قَرَأْتُ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ السَّجْدَةَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «مَا تَنْظُرُ أَنْتَ قَرَأْتَهَا، فَإِنْ سَجَدْتَ سَجَدْنَا».

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #64  
قديم 09-12-2021, 11:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,975
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (64)

- الأحكام المستفادة من قصة إبراهيم عليه السلام

- حكم المعاريض


د.وليد خالد الربيع


قال -تعالى-: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} (سورة الأنبياء:63)، أخبرنا الله -سبحانه وتعالى- في سورة الأنبياء عن جانب من حياة إبراهيم الخليل -عليه السلام-؛ حيث أقام الحجة على قومه، وألزمهم أن يقروا على أنفسهم بأنهم كانوا ظالمين بعبادة غير الله -تعالى-، وذلك حين كسر أصنامهم وترك الفأس برقبة كبيرهم، فلما سألوه أجابهم بما ذكره الله في هذه الآية، قال الشيخ ابن سعدي: «فقال إبراهيم والناس شاهدون: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} أي: كسرها غضبا عليها، لما عبدت معه، وأراد أن تكون العبادة منكم لصنمكم الكبير وحده، وهذا الكلام من إبراهيم، المقصد منه إلزام الخصم وإقامة الحجة عليه، ولهذا قال: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} وأراد الأصنام المكسرة اسألوها لم كسرت؟ والصنم الذي لم يكسر، اسألوه لأي شيء كسرها، إن كان عندهم نطق، فسيجيبونكم إلى ذلك، وأنا وأنتم، وكل أحد يدري أنها لا تنطق ولا تتكلم، ولا تنفع ولا تضر، بل ولا تنصر نفسها ممن يريدها بأذى».

وقد أخذ العلماء من هذه الآية (مسألة حكم المعاريض): قال القرطبي: «وكان قوله من المعاريض، وفي المعاريض مندوحة عن الكذب».

تعريف المعاريض

قال ابن الأثير: «المعاريض جمع معراض من التعريض، وهو خلاف التصريح من القول».

وفي اللسان: المعاريض: التورية بالشيء عن الشيء، والتورية: هي أن يريد المتكلم بكلامه خلاف ظاهره، قال الفيومي: «أن تطلق لفظا ظاهرا في معنى وتريد معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ لكنه خلاف ظاهره».

حكم المعاريض

معلوم أن الكذب وهو قول مخالف للواقع محرم ومن الكبائر كما دلت عليه نصوص كثيرة، وقد يضطر المرء إلى التخلص من بعض المواقف الخطيرة أو المحرجة باستعمال المعاريض والتلاعب بالألفاظ، وهو مخرج حسن إذا لم يكن سبيلا للتوصل إلى الحرام أو أخذ حقوق الناس أو إسقاط الواجبات، فعن عمران بن حصين قال: «إنَّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب» أي: فيها سَعَةٌ وفُسحة ما يغني عن الكذب. رواه البخاري في الأدب المفرد.

وقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: «ما في المعاريض ما يغنى الرجل عن الكذب» رواه البيهقي، وقال ابن عباس: «ما أحب بمعاريض الكلام حمر النعم».

وقال النخعي: «لهم كلام يتكلَّمون به إِذا خشوا من شيء يدرؤون به عن أنفسهم».

وقال ابن سيرين: «الكلام أوسع من أن يكذب ظريف».

وقرر النووي أن التورية والتعريض ضرب من التغرير والخداع، إلا إن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب، أو حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب، فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه وليس بحرام، إلا أن يتوصل به إلى أخذ باطل أو دفع حقٍّ، فيصير حينئذ حرامًا.

قال ابن مفلح في الآداب الشرعية: «ومهما أمكن المعاريض حرم (الكذب)، لعدم الحاجة إذاً». ثم ذكر أن الإمام أحمد سئل المعاريض فقال: «المعاريض لا تكون في الشراء والبيع، وتصلح بين الناس» قال ابن مفلح: فلعل ظاهره أن المعاريض فيما استثنى الشرع من الكذب، ولا تجوز المعاريض في غيرها.

هل كذب إبراهيم -عليه السلام- أم ورّى؟

في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لَمْ يَكْذِبْ إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ إلَّا ثَلَاثَ كَذَبَاتٍ، ثِنْتَيْنِ منهنَّ في ذَاتِ اللَّهِ -عزَّ وجلَ-ّ؛ قَوْلُهُ {إِنِّي سَقِيمٌ}، وقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وقالَ: بيْنَا هو ذَاتَ يَومٍ وسَارَةُ، إذْ أَتَى علَى جَبَّارٍ مِنَ الجَبَابِرَةِ، فقِيلَ له: إنَّ هَاهُنَا رَجُلًا معهُ امْرَأَةٌ مِن أَحْسَنِ النَّاسِ، فأرْسَلَ إلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقالَ: مَن هذِه؟ قالَ: أُخْتِي، فأتَى سَارَةَ قالَ: يا سَارَةُ، ليسَ علَى وجْهِ الأرْضِ مُؤْمِنٌ غيرِي وغَيْرَكِ، وإنَّ هذا سَأَلَنِي فأخْبَرْتُهُ أنَّكِ أُخْتِي، فلا تُكَذِّبِينِي» الحديث.

وقد جرى بحث بين العلماء في حقيقة ما وقع من إبراهيم عليه السلام هل هو كذب حقيقي رُخِصَ له فيه أم كان كلامه على سبيل التورية والمعاريض؟

ذكر ابن الجوزي في تفسيره القولين:

- أحدهما: أنه وإِن كان في صورة الكذب، إِلا أن المراد به التنبيه على أن من لا قدرة له، لا يصلح أن يكون إِلهاً، ومثله قول الملَكين لداود: {إِنَّ هذا أَخِي} ولم يكن أخاه {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً}، ولم يكن له شيء، فجرى هذا مجرى التّنبيه لداود على ما فعل، أنه هو المراد بالفعل والمَثَل المضروب، ومِثْل هذا لا تسمِّيه العرب كذباً.

- والثاني: أنه من معاريض الكلام، (قال ابن حجر: «وَفِي الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ الْمَعَارِيضِ»)

قال ابن الأنباري: كلام إِبراهيم كان صدقاً عند البحث، ومعنى قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: «كذب إِبراهيم ثلاث كذبات» قال قولاً يشبه الكذب في الظاهر، وليس بكذب.

قال ابن مفلح: «وقد ذهب جماعة من العلماء إِلى هذا الوجه، وأنه من المعاريض، والمعاريض لا تُذم، خصوصاً إِذا احتيج إِليها» وذكر عدة مواقف نبوية استعمل فيها التورية منها قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعجوز: «إنّ الجنّة لا يدخلها العجائز» أراد قوله -تعالى-: {إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً}، وقال لامرأة: «مَنْ زوجُك؟» فسمَّته له، فقال: «الذي في عينيه بياض؟» وقال لرجل: «إِنا حاملوك على ولد ناقة».

وقد أيد ابن حجر هذا الاتجاه فقال: «هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ؛ إِنَّهُ قَالَ تَوْبِيخًا لِقَوْمِهِ أَوْ تَهَكُّمًا بِهِمْ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلِهَذَا لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ فِي الْكَذَبَاتِ، وَأَمَّا إِطْلَاقُهُ الْكَذِبَ عَلَى الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ فَلِكَوْنِهِ قَالَ قَوْلًا يَعْتَقِدُهُ السَّامِعُ كَذِبًا لَكِنَّهُ إِذَا حُقِّقَ لَمْ يَكُنْ كَذِبًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمَعَارِيضِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْأَمْرَيْنِ فَلَيْسَ بِكَذِبٍ مَحْضٍ».

ومن قبله قال النووي: «قَالَ الْمَازِرِيُّ: أَمَّا الْكَذِبُ فِيمَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ مِنْهُ سَوَاءٌ كثيره وقليله.

قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الْكَذَبَاتِ الْمَذْكُورَةَ

وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْكَذَبَاتِ الْمَذْكُورَةَ إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَهْمِ الْمُخَاطَبِ وَالسَّامِعِ، وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَيْسَتْ كَذِبًا مَذْمُومًا لِوَجْهَيْنِ:

- أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَرَّى بِهَا فَقَالَ فِي سَارَةَ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ.

- والثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ كذبا لا تورية فِيهِ لَكَانَ جَائِزًا فِي دَفْعِ الظَّالِمِينَ، وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَاءَ ظَالِمٌ يَطْلُبُ إِنْسَانًا مُخْتَفِيًا لِيَقْتُلَهُ أَوْ يَطْلُبُ وَدِيعَةً لِإِنْسَانٍ لِيَأْخُذَهَا غَصْبًا وَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ وَجَبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ إِخْفَاؤُهُ وَإِنْكَارُ الْعِلْمِ بِهِ، وَهَذَا كَذِبٌ جَائِزٌ بَلْ وَاجِبٌ لِكَوْنِهِ فِي دَفْعِ الظَّالِمِ فَنَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْكَذَبَاتِ لَيْسَتْ دَاخِلَةً فِي مُطْلَقِ الْكَذِبِ الْمَذْمُومِ».

وقد أيد الطبري الاتجاه الأول فقال معترضا: «وهذا قول خلاف ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أن إبراهيم لم يكذب إلا ثلاث كذبات كلها في الله»، وغير مستحيل أن يكون الله -تعالى- ذكْره أذن لخليله في ذلك، ليقرِّع قومه به، ويحتجّ به عليهم، ويعرّفهم موضع خطئهم، وسوء نظرهم لأنفسهم، كما قال مؤذّن يوسف لإخوته:{أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} ولم يكونوا سرقوا شيئا».

وأجاب النووي بقوله: «أَمَّا إِطْلَاقُ لَفْظِ الْكَذِبِ عَلَيْهَا فَلَا يُمْتَنَعُ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ بِهِ، وَأَمَّا تَأْوِيلُهَا فَصَحِيحٌ لَا مَانِعَ مِنْهُ».







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #65  
قديم 10-08-2022, 12:58 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,975
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية



الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (65)
- بعض المسائل المستفادة من سورة لقمان
(حكم بر الوالدين غير المسلمين )


د.وليد خالد الربيع



قال الله -عز وجل-: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (لقمان: 14-15).


بعض المسائل المستفادة من الآيات الكريمة مسألة (حكم بر الوالدين غير المسلمين):


الوالدان سبب وجود الولد بإذن الله، وهذا السبب لا يختص بالمسلمين، بل هو سبب إنساني عام، قال ابن كثير: «لهما عليه غاية الإحسان؛ فالوالد بالإنفاق، والوالدة بالإشفاق»؛ لذا لم يقتصر بر الوالدين على الأبوين المسلمين فحسب، بل يمتد لغير المسلمين، كما قال -تعالى- في هذه الآية: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}.

لا طاعة للوالدين في الكفر والشرك

قال ابن كثير: «إن حرصا عليك كل الحرص على أن تتابعهما على دينهما، فلا تقبل منهما ذلك، ولا يمنعنك ذلك من أن تصاحبهما في الدنيا معروفا، أي: محسنا إليهما»، وقال -سبحانه-: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (العنكبوت: 8)، فدلت الآيتان أن الوالدين الكافرين اللذين يجاهدان ولدهما المسلم لحمله على الكفر والشرك لا يطاعان في معصية الله -تعالى-، ومع ذلك لهما حق البر والرفق والإحسان إليهما.

لا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين

قال القرطبي: «لا يختص بر الوالدين بأن يكونا مسلمين، بل إن كانا كافرين يبرهما ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد، قال الله -تعالى-: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}، وفي البخاري عن أسماء قالت: قدمت أمي وهي مشركة في عهد قريش ومدتهم إذ عاهدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيت النبي -صلى الله عليه وسلم فقلت إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصلها؟ قال: «نعم صلي أمك».

ضوابط بر الوالدين غير المسلمين

ولكن لبر الوالدين غير المسلمين ضوابط منها: إذا أمر الوالدان الكافران ابنهما المسلم بترك مستحب أو فعل مكروه فإن كان مرادهما توهين الدين من غير أن تتحقق لهما في ذلك مصلحة مشروعة فلا طاعة عليه لهما، أما إذا قصدا بذلك بعض مصالحهما فيجب طاعتهما.

الدعاء للوالدين الكافرين

وأما الدعاء للوالدين الكافرين فقد دل ظاهر قوله -تعالى-: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} على مشروعية الدعاء للوالدين مطلقا سواء أكانا مسلمين أم كافرين، في حين منع الله -تعالى- الاستغفار للمشركين في قوله -تعالى-: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}، وقد اختلف الفقهاء في التوفيق بين الآيتين على مذاهب:

المذهب الأول: أن آية الإسراء منسوخة بآية التوبة، وممن قال ذلك ابن عباس وعكرمة وقتادة.

المذهب الثاني: أن آية الإسراء مخصوصة بآية التوبة، واختلفوا في محل التخصيص:

فقال الطبري: معنى الكلام: وقل رب ارحمهما إذا كانا مؤمنين كما ربياني صغيرا.

وقال القرطبي: هو دعاء بالرحمة الدنيوية للأبوين المشركين ما داما حيين لا رحمة الآخرة.

الإنفاق على الوالدين

ومن المسائل المستفادة مسألة (حكم الإنفاق على الوالدين): قال الشيخ ابن سعدي: «فأولى الناس به، أي (الإنفاق) وأحقهم بالتقديم، أعظمهم حقا عليك، وهم الوالدان الواجب برهما، والمحرم عقوقهما، ومن أعظم برهما، النفقة عليهما، ومن أعظم العقوق، ترك الإنفاق عليهما».

وقد اتفق الفقهاء على وجوب نفقة الأصول المباشرين، وهم الآباء والأمهات على الأبناء، قال ابن المنذر: «أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين الذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد»، ومما استدلوا به: قوله -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، ومن الإحسان الإنفاق عليهما عند حاجتهما، وقال -تعالى-: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، ومن المعروف القيام بكفايتهما عند حاجتهما، وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه «أخرجه أبو داود وصححه الألباني.

نفقة الوالدين واجبة على الولد

قال الخطابي: «فيه من الفقه أن نفقة الوالدين واجبة على الولد إذا كان واجدا لها، ووجه ذلك أن قوله: «وإن ولده من كسبه» أي من المكسوب الحاصل بالجد والطلب ومباشرة الأسباب، ومال الولد من كسب الولد، فصار من كسب الإنسان بواسطة، فجاز له أكله».

وعن جابر - رضي الله عنه- أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي مالا وولدا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «أنت ومالك لأبيك» أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني، فأضاف مال الابن إلى الأب بلام التمليك، وظاهره يقتضي أن يكون للأب في مال ابنه حقيقة الملك، فإن لم تثبت الحقيقة فلا أقل من أن يثبت له حق التملك عند الحاجة.

شروط وجوب نفقة الأصول المباشرين على الأبناء

ولوجوب نفقة الأصول المباشرين على الأبناء شروط، منها:


- الشرط الأول: يسار المنفق: فقد ذهب عامة الفقهاء إلى أن يسار المنفق شرط لوجوب نفقة الأصول على الأبناء.

- الشرط الثاني: حاجة المنفق عليه: وذلك بأن يكون فقيرا لا مال له، فإن كان له مال لم تجب نفقته على غيره، وهذا ما ذهب إليه عامة الفقهاء؛ لأن النفقة تجب على سبيل المواساة، والموسر مستغن عن المواساة.


وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه تجب النفقة على الأبناء ولو كان الأصل فقيرا وهو قادر على الكسب؛ لأن الشرع نهى عن إيذاء الوالدين؛ فإلزام الأب بالكسب مع غنى الولد من الإيذاء فيكون منهيا عنه، ولأنه يقبح بالإنسان أن يكلف أصله بالكسب مع اتساع ماله.


وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يشترط اتحاد الدين، فتجب نفقة الأصول ولو اختلف دينهما، ومما استدلوا به ما يلي:


1-قوله -تعالى-:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} قال القرطبي: «والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين».

2-عن أسماء -رضي الله عنها- قالت: قدمت أمي وهي مشركة، فاستفتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إن أمي قدمت وهي راغبة أفأصل أمي؟ قال: «نعم صلي أمك «أخرجه البخاري، قال ابن حجر: «ويستنبط منه وجوب نفقة الأب الكافر والأم الكافرة وإن كان الولد مسلما».




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #66  
قديم 10-08-2022, 01:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,975
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (66)
- بعض المسائل المستفادة من سورة لقمان


د.وليد خالد الربيع


الإحسان للوالدين




قال الله -عز وجل-: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير} (سورة لقمان:13-14)، وصايا لقمان من حكم القرآن العظيمة، جاءت في سياق نصيحة أبوية حانية، تناولت ثوابت الدين الراسخة في العقيدة والعبادة والأخلاق مع الخالق والمخلوق، وبينت الآداب العامة والخاصة، فهي منهج حياة سوية، وخطة مجتمع رباني مستقيم، ومن المسائل المستفادة من الآيات الكريمة مسألة (الإحسان للوالدين).

والإحسان إلى الوالدين كلمة جامعة، تعني إيصال كل خير مستطاع إليهما، ومنع كل ما يمكن منعه من أذى عنهما، واقتران ذلك بالشفقة والعطف والتودد، ويوضح ابن عباس كيفية الإحسان إلى الوالدين بأنه البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، ولا يحدّ النظر إليهما، ولا يرفع الصوت عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللاً لهما.

ويضاد الإحسان إلى الوالدين (العقوق)، وضبطه ابن حجر بأنه كل ما يصدر من الولد مما يتأذى به أحد الوالدين من قول أو فعل إلا ما كان في ترك طاعتهما في شرك أو معصية.

حكم بر الوالدين


وأما حكم بر الوالدين فقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على تأكيد هذا الحق العظيم، وبيان أنه من أعظم الواجبات على العباد بعد القيام بواجب العبودية لله -تعالى-، ومن ذلك: قوله -تعالى-: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} (سورة الإسراء:23).

قال الشيخ ابن سعدي: «لما نهى -تعالى- عن الشرك به أمر بالتوحيد، ثم ذكر بعد حقه القيام بحق الوالدين فقال: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} أي: أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي؛ لأنهما سبب وجود العبد، ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر».

قال القرطبي: أمر الله -تعالى- بعبادته وتوحيده وجعل بر الوالدين مقرونا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره فقال: {أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير}.

وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها» قلت: ثم أي؟ قال: «بر الوالدين» قلت: ثم أي؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»، قال القرطبي: «فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام».

وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رغم أنفه» ثلاثا، قيل: من يا رسول الله؟ قال: «من أدرك والديه عند الكبر أو أحدهما ثم لم يدخل الجنة».

عقوق الوالدين من أكبر الكبائر

وأما عقوق الوالدين فهو من أكبر الكبائر باتفاق الفقهاء، فقد أخرج الشيخان عن أبي بكر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثا، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «الإشراك بالله وعقوق الوالدين»، وكان متكئا فجلس فقال: «ألا وقول الزور وشهادة الزور» فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت.

المسألة الثانية: ما حدود طاعة الوالدين؟

طاعة الوالدين ليست مطلقة كطاعة الله -تعالى- وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هي مقيدة بحدود، فذكر ابن حجر أنه يجب على الولد طاعة والديه فيما أمرا به من المباحات فعلا أو تركا، ما لم يترتب على طاعتهما ضرر بالغ أو هلاك محقق.

فإن أمرا بمعصية بترك واجب أو فعل محرم فلا طاعة لهما، لقوله - صلى الله عليه وسلم - «إنما الطاعة في المعروف» وقوله: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

إذا أمراه بترك مندوب

فإن أمرا بترك مندوب وفي ذلك مصلحة لهما، كأن يطلبا من الولد مصاحبتهما وفي ذلك تركه لقيام الليل أو قراءة القرآن، فإنه تجب طاعتهما، ودليل ذلك استجابة الله -تعالى- دعاء أم جريج في ابنها الصالح حيث عاقبه الله لعدم تلبيته لندائها، قال النووي في فقه الحديث: «فيه قصة جريج وأنه آثر الصلاة على إجابتها فدعت عليه فاستجاب الله لها، قال العلماء : هذا دليل على أنه كان الصواب في حقه أن إجابتها لأنه كان في صلاة نفل والاستمرار فيها تطوع لا واجب، وإجابة الأم وبرها واجب، وعقوقها حرام، وكان يمكنه أن يخفف الصلاة ويجيبها ثم يعود لصلاته».

إذا أمراه بترك واجب كفائي

وإذا أمراه بترك واجب كفائي كترك غسل الميت أو ترك الجهاد ونحو ذلك، فإن تعين عليه القيام بذلك العمل لعدم وجود غيره أو لأن القائمين به لا يكفي جهدهم لإقامته فلا يطاعان في ذلك، أما إذا وجد من يكفي فإنه يجب برهما وطاعتهما.

إذا وجب الجهاد على الولد

وإذا وجب الجهاد على الولد وتعين لم يعتبر إذن الوالدين؛ لأنه صار فرض عين وتركه معصية، وكذلك كل ما وجب مثل الحج وصلاة الجماعة والسفر للعلم الواجب، قال الأوزاعي: لا طاعة للوالدين في ترك الفرائض والجمع والحج والقتال؛ لأنها عبادة تعينت عليه.

أما إن كان الجهاد فرض كفاية فجمهور الفقهاء يرون وجوب استئذان الوالدين قبل الخروج وعليه ترك الخروج إذا منعاه من ذلك، ودليلهم ما رواه الشيخان عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد فقال: «أحي والداك؟» قال نعم قال: «ففيهما فجاهد».

قال ابن حجر: «أي: إن كان لك أبوان فابلغ جهدك في برهما والإحسان إليهما، فإن ذلك يقوم مقام قتال العدو»، وفي رواية لأبي داود: جاء رجل فقال: جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبوي يبكيان، قال - صلى الله عليه وسلم -: «فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما»، وعن أبي سعيد: أن رجلا من أهل اليمن هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له: «هل لك أحد باليمن؟» قال: أبوي، قال: «أذنا لك» قال: لا، قال: «فارجع إليهما فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما» أخرجه أبو داود.

قال ابن قدامة: «لأن بر الوالدين فرض عين، والجهاد فرض كفاية، وفرض العين مقدم على فرض الكفاية».

المسألة الثالثة: كيف يبر الولد الوالدين إذا تعارض أمراهما؟

ظاهر الآية يدل على التسوية بين الأبوين في البر والقيام بحقوقهما على حد سواء، ولكن ثبت في البخاري عن أبي هريرة أن رجلا قال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: «أمك «قال: ثم من؟ قال: «أمك «قال: ثم من؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «أبوك».

قال القرطبي: فهذا الحديث يدل على أن محبة الأم والشفقة عليها ينبغي أن تكون ثلاثة أمثال محبة الأب، لذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأم ثلاث مرات وذكر الأب في الرابعة فقط، وذلك أن صعوبة الحمل وصعوبة الوضع وصعوبة الرضاع والتربية تنفرد بها الأم دون الأب، فهذه ثلاث منازل يخلو منها الأب.


وبناء على هذا إذا تعارض أمراهما وأمكن الجمع بين الحقين فذاك، فإن تعذر الجمع بينهما ينظر:

فإن كان أحدهما يأمر بطاعة والآخر يأمر بمعصية، فيقدم طاعة من أمر بالطاعة؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وإن كانا يأمران بطاعة أو مباح فحق الأم مقدم على الأب، ومن ذلك لو وجبت النفقة على الولد لأبويه ولم يقدر إلا على نفقة أحدهما، فتقدم الأم على الأب عند الجمهور؛ لما لها من عظيم الحق، ولأنها أضعف وأعجز.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #67  
قديم 10-08-2022, 01:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,975
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (67)
- بعض الأحكام المستفادة من قصة لوط عليه السلام

د.وليد خالد الربيع
- حكم الهجرة



قال -سبحانه وتعالى-: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة العنكبوت:26) من المسائل المستفادة من الآية الكريمة (حكم الهجرة)، قال الشنقيطي: «وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تُشِيرُ إِلَى هِجْرَةِ إِبْرَاهِيمَ وَمَعَهُ لُوطٌ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ فِرَارًا بِدِينِهِمَا»، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ -تَعَالَى-: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي الْهِجْرَةِ وَالْعُزْلَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ».

أولاً: تعريف الهجرة

- الهجرة في اللغة: هي الِانْتِقَال مِنْ مَوْضِع إِلَى مَوْضِع.

- وفي الاصطلاح: هي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام.

ثانيا: أنواع الهجرة

- يتبادر إلى الذهن ويغلب على التصور أن الهجرة حقيقة واحدة، وقد ذكر ابن القيم أن الهجرة هجرتان:

- الأولى: هجرة بالجسم من بلد إلى بلد.

- والثانية: الهجرة بالقلب إلى الله ورسوله، فيهاجر بقلبه من محبة غير الله إلى محبته، ومن عبودية غيره إلى عبوديته، ومن خوف غيره إلى خوفه.

ويوضح الشيخ ابن سعدي تفصيل الحكم بقوله: «وفسر - صلى الله عليه وسلم - الهجرة التي هي فرض عين على كل مسلم بأنها هجرة الذنوب والمعاصي يعني حديث: «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه»، وهذا الفرض لا يسقط عن كل مكلف في كل حال من أحواله؛ فإن الله حرم على عباده انتهاك المحرمات، والإقدام على المعاصي.

والهجرة الخاصة التي هي الانتقال من بلد الكفر أو البدع إلى بلد الإسلام والسنة جزء من هذه الهجرة وليست واجبة على كل أحد، وإنما تجب بوجود أسبابها المعروفة.

ثالثاً: حكم الهجرة

ذهب عامة العلماء إلى أن حكم الهجرة باق إلى يوم القيامة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها «رواه أحمد، وأبو داود، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو» أخرجه النسائي وصححه الألباني.

ووجه الدلالة من الحديثين ظاهر؛ حيث قرر - صلى الله عليه وسلم - بقاء حكم الهجرة ما بقيت التوبة وبقي الجهاد، وكلاهما محكم غير منسوخ، مما يدل على أن حكم الهجرة أيضا غير منسوخ.

حكم هجرة المسلم من دار الكفر

وفي المسألة تفصيل ذكره العلماء في حكم هجرة المسلم من دار الكفر مراعين بذلك وضع المسلم وقدرته، على النحو الآتي:

الأول: من تجب عليه الهجرة

وهو من يقدر عليها، ولا يمكنه إظهار دينه، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة لقوله -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء:97)، وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : «أنا بريء من مسلم بين مشركين، لا تراءى ناراهما «أخرجه أبو داود وصححه الألباني، ومعناه: لا يكون بموضع يرى نارهم ويرون ناره إذا أوقدت، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من يقدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، ومالا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

الثاني: من لا تجب الهجرة عليه

وهو من يعجز عنها إما لمرض أو إكراه على الإقامة أو ضعف من النساء والولدان وشبههم، فهذا لا هجرة عليه، لقوله -تعالى-: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} (سورة النساء:98)، قال ابن عباس: «كنت أنا وأمي من المستضعفين ممن عذر الله، هي من النساء وأنا من الولدان». أخرجه البخاري.

الثالث: من تستحب له ولا تجب عليه

وهو من يقدر عليها، لكنه يتمكن من إظهار دينه وإقامته في دار الكفر، فتستحب له ليتمكن من جهادهم وتكثير المسلمين ومعونتهم، ويتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم ورؤية المنكر بينهم، ولا تجب عليه لإمكان إقامة واجب دينه دون الهجرة، وقد كان العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - مقيما بمكة مع إسلامه.

ومما يستدل به أيضا:

1- عن أبي سعيد الخدري أن أعرابيا أتى النبي فسأله عن الهجرة فقال: «ويحك إن الهجرة شأنها شديد، فهل لك من إبل؟» قال: نعم، قال: «فتعطي صدقتها؟» قال: نعم قال: «فهل تمنح منها؟» قال: نعم قال: «فتحلبها يوم ورودها؟» قال: نعم قال: «فاعمل من وراء البحار فإن الله لن يترك من عملك شيئا». متفق عليه، ووجه الدلالة من الحديث ظاهر؛ حيث لو كانت الهجرة واجبة عليه لما صرفه النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها.

2- أخرج مسلم عن بريدة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال: «اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله» إلى أن قال: «ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين» الحديث أخرجه مسلم.

قال النووي: «معنى هذا الحديث أنهم إذا أسلموا استحب لهم أن يهاجروا إلى المدينة، فإن فعلوا ذلك كانوا كالمهاجرين قبلهم في استحقاق الفيء والغنيمة وغير ذلك، وإلا فهم أعراب كسائر أعراب المسلمين الساكنين في البادية من غير هجرة ولا غزو».

الهجرة في أول الإسلام

ومما يزيد الأمر وضوحا أن الهجرة كانت في أول الإسلام واجبة لنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعد فتح مكة سقط الوجوب فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا هجرة بعد الفتح» متفق عليه، قال ابن قدامة: «أراد بها لا هجرة بعد الفتح من بلد قد فتح»، وقال النووي: «معناه: لا هجرة بعد الفتح فضلها كفضلها قبل الفتح، كما قال الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا}. وأخرج البخاري عن عطاء بن أبي رباح قال: زرت عائشة مع عبيد بن عمير الليثي، فسألناها عن الهجرة فقالت: «لا هجرة اليوم، كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله -تعالى- وإلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - مخافة أن يفتن عليه، أما اليوم فقد أظهر الله الإسلام، واليوم يعبد ربه حيث شاء، ولكن جهاد ونية».


قال ابن حجر: «أشارت عائشة -رضي الله عنها- إلى بيان مشروعية الهجرة، وأن سببها خوف الفتنة، والحكم يدور مع علته، فمقتضاه أن من قدر على عبادة الله في أي موضع لم تجب عليه الهجرة منه، وإلا وجبت، ومن ثم قال الماوردي: إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها، لما يرتجي من دخول غيره في الإسلام».

وقال الخطابي: «كانت الهجرة أي: إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول الإسلام مطلوبة، ثم افترضت لما هاجر إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين، وقد أكد الله ذلك في آيات عدة حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال -تعالى-: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلَايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}، فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل سقطت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب».



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #68  
قديم 29-08-2022, 11:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,975
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (68)
- بعض المسائل المستفادة من سورة لقمان
- مدة الرضاع ووقت فطام الرضيع
د.وليد خالد الربيع



قال الله -عز وجل-: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (سورة لقمان: 14)، من المسائل المستفادة من الآية الكريمة مدة الرضاع ووقت فطام الرضيع. قال ابن كثير: «وقوله: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} أي: تربيته وإرضاعه بعد وضعه في عامين، كما قال -تعالى-: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (البقرة: 233)، ومن هاهنا استنبط ابن عباس وغيره من الأئمة أن أقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لأنه قال -تعالى- في الآية الأخرى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (الأحقاف:15)، قال القرطبي: «الْفِصَال وَالْفَصْل: الْفِطَام، وَأَصْله التَّفْرِيق، فَهُوَ تَفْرِيق بَيْن الصَّبِيّ وَالثَّدْي، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْفَصِيل، لِأَنَّهُ مَفْصُول عَنْ أُمّه.

ما تعريف الرضاع؟

الرضاع في اللغة: هو شرب اللبن من الضرع أو الثدي.

وفي الاصطلاح: هو اسم لوصول لبن امرأة أوما حصل من لبنها في جوف طفل بشروط مخصوصة.

ما مدة الرضاعة؟

لا خلاف بين الفقهاء في أن مدة الرضاع حولان كاملان، وفطام الطفل قبل ذلك حق للوالدين معا بشرط عدم الإضرار بالطفل، فالتحديد بالعامين ليس تقديرا شرعيا حتميا لا يجوز الزيادة أو النقص منه، فعند اتفاق الزوجين على الفطام قبل ذلك أو بعده فلا مانع ما لم يضر ذلك بالرضيع، وعند الاختلاف كما لو كان الأب يريد الفطام مبكرا لتقليل النفقات، أو كانت الأم تريد تأخير الفطام لزيادة نفقة الرضاعة فهنا يلزم الأبوان بالمدة المقررة شرعا وهي الحولان.

قال القرطبي: «قوله -تعالى-: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} دَلِيل عَلَى أَنَّ إِرْضَاع الْحَوْلَيْنِ لَيْسَ حَتْمًا، فَإِنَّهُ يَجُوز الْفِطَام قَبْل الْحَوْلَيْنِ، وَلَكِنَّهُ تَحْدِيد لِقَطْعِ التَّنَازُع بَيْن الزَّوْجَيْنِ فِي مُدَّة الرَّضَاع، فَلا يَجِب عَلَى الزَّوْج إِعْطَاء الْأُجْرَة لِأَكْثَر مِنْ حَوْلَيْنِ. وَإِنْ أَرَادَ الْأَب الْفَطْم قَبْل هَذِهِ الْمُدَّة وَلَمْ تَرْضَ الْأُمّ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَالزِّيَادَة عَلَى الْحَوْلَيْنِ أَوْ النُّقْصَان إِنَّمَا يَكُون عِنْد عَدَم الْإِضْرَار بِالْمَوْلُودِ وَعِنْد رِضَا الْوَالِدَيْنِ».

رضاع الطفل من غير أمه

وهنا تأتي مسألة أخرى متعلقة بمدة الرضاع، وهي رضاع الطفل من غير أمه وما يتبع ذلك من أحكام الرضاع المحرم الذي ينشر المحرمية بين المرضع والطفل الرضيع، وهي مسألة كثيرة الفروع، عديدة الشروط.

شرط (مدة الرضاع)

وموضع البحث هنا عن شرط (مدة الرضاع) التي تثبت بها الحرمة، وهو موضع خلاف بين الفقهاء على مذاهب:

المذهب الأول

يشترط ألا يبلغ الطفل حولين، فمتى بلغ حولين فلا أثر لارتضاعه، وهو قول الشافعية والحنابلة والصاحبين من الحنفية، ونسب القرطبي هذا القول للإمام مالك وَهُوَ قَوْل عُمَر وَابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود، ومما استدلوا به:

1- قوله -تعالى-: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين} قال القرطبي: «اِنْتَزَعَ مَالِك -رَحِمَهُ اللَّه تعالى- وَمَنْ تَابَعَهُ وَجَمَاعَة مِنْ الْعُلَمَاء مِنْ هَذِهِ الْآيَة أَنَّ الرَّضَاعَة الْمُحَرِّمَة الْجَارِيَة مَجْرَى النَّسَب إِنَّمَا هِيَ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلَيْنِ تَمَّتْ الرَّضَاعَة، وَلَا رَضَاعَة بَعْد الْحَوْلَيْنِ مُعْتَبَرَة، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَلا حُكْم لِمَا اِرْتَضَعَ الْمَوْلُود بَعْد الْحَوْلَيْنِ».

2- قوله -تعالى-:{وفصاله في عامين} قال القرطبي: «أَيْ: وَفِصَاله فِي اِنْقِضَاء عَامَيْنِ، وَالْمَقْصُود مِنْ الْفِصَال الْفِطَام، فَعَبَّرَ بِغَايَتِهِ وَنِهَايَته».

3- عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: «لَا رَضَاع إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ» أخرجه الدارقطني.

4- عن عمر - رضي الله عنه - قال: «لا رضاع إلا في الحولين في الصغر» أخرجه الدارقطني.

المذهب الثاني

يرى أصحاب هذا المذهب أنه لا يضر زيادة شهرين على الحولين. وهو قول المالكية.

المذهب الثالث

يرى أصحاب هذا المذهب أنَّ أكثر مدة للرضاع المحرم سنتان ونصف، وهو قول أبي حنيفة، لقوله -تعالى-: {وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}، ووجه الدلالة من الآية أن الله -تعالى- ذكر شيئين: الحمل والفصال، وضرب لهما مدة ثلاثين شهرا، وكل ما كان كذلك كانت المدة لكل واحد منهما بكاملها، كالأجل المضروب للدينين على شخصين بأن قال الدائن: أجلت الدين الذي لي على فلان والدين الذي على فلان سنة، يفهم منه أن السنة بكمالها لكل منهما.

ونوقش بما قاله ابن قدامة: «وقول أبي حنيفة تحكم يخالف ظاهر الكتاب وقول الصحابة، فقد روينا عن علي وابن عباس أن المراد بالحمل حمل البطن، وبه استدل على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وقد دل على هذا قوله -تعالى-:{وفصاله في عامين}، فلو حمل على ما قاله أبو حنيفة لكان مخالفا لهذه الآية».

المذهب الرابع

يرى أصحاب هذا المذهب أنَّ رضاع الكبير يحرم، فلو رضع بعد الحولين تنشر المحرمية بينهما، وهو قول عائشة - رضي الله عنها - وعطاء والليث والظاهرية وقال به شيخ الإسلام ابن تيمية عند الحاجة، ودليلهم حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءت سهلة بنت سهيل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن سالما قد بلغ ما يبلغ الرجال، وعقل ما عقلوا، وإنه يدخل علينا، وإني أظن أن في نفس أبي حذيفة من ذلك شيئا فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أرضعيه تحرمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة»، فرجعت فقالت: إني قد أرضعته فذهب الذي في نفس أبي حذيفة. أخرجه مسلم، قال القاضي عياض: «لعلها حلبته ثم شربه من غير أن يمس ثديها ولا التقت بشرتاهما».

ونوقش هذا الاستدلال بما قاله ابن قدامة: «يتعين حمل خبر أبي حذيفة على أنه خاص له دون سائر الناس، كما قال أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -»، كما جاء في صحيح مسلم عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أبى سائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا».

رجحان المذهب الأول

والذي يظهر هو رجحان المذهب الأول لقوة أدلتهم وسلامتها من المعارضة وضعف أدلة المخالفين، وقد جاءت نصوص شرعية تدل على أن رضاع الكبير لا يؤثر في المحرمية بالرضاع منها:


1-عن أم سلمة أنه - رضي الله عنها - قال: «لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي، وكان قبل الفطام» أخرجه الترمذي وصححه الألباني صحيح الترمذي1/338، ومعنى قوله: «في الثدي» أي في وقت الحاجة إلى الثدي أي في الحولين، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: «إن ابني إبراهيم مات في الثدي» أي وهو في زمن الرضاع.

2- عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشر العظم» أخرجه مالك.

3- عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنما الرضاعة من المجاعة» أخرجه البخاري.

فهذه الأحاديث تدل على أن الرضاع الذي تثبت به المحرمية هو الذي يكون في الصغر قبل الفطام؛ حيث يسد اللبن جوع الصغير، وينمو منه عظمه ولحمه.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #69  
قديم 01-11-2022, 11:38 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,975
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

من أ الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (69)
- بعض الأحكام المستفادة من قصة موسى عليه السلام
- الألفاظ الت
د.وليد خالد الربيع

قال -تعالى-: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} (سورة القصص:27) من المسائل الفقهية المستفادة من الآية الكريمة (مسألة الألفاظ التي ينعقد بها النكاح). فمن المعلوم أن الرضا شرط لصحة العقود والتصرفات كما قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ} (النساء: 29)، وفي الحديث:»إنما البيع عن تراض» أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني، ومن ضمن ذلك عقد النكاح بل هو أولى بهذا الشرط لما فيه من استباحة الأعراض والاطلاع على العورات وما يتبعه من آثار خطيرة تتعلق بالأفراد والأسر، والرضا أمر قلبي يعبر عنه اللسان بما يعرف بصيغة العقد.

صيغة العقد

فصيغة العقد: هي ما صدر من المتعاقدين من قول أو فعل يدل على الرضا بالعقد. ولها حالان:

الحال الأولى

أن يكون الإيجاب والقبول بلفظ الإنكاح أو التزويج وما اشتق منهما: كأن يقول الولي: زوجتك ابنتي أو أنكحتك ابنتي، فيقول الخاطب قبلت، أو يقول الخاطب: تزوجت ابنتك أو نكحت ابنتك، فيقول الولي: قبلت، وهذه الصيغة ينعقد بها الزواج بالإجماع، قال ابن قدامة:» وَيَنْعَقِدُ النِّكَاحُ بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ. وَالْجَوَابُ عَنْهُمَا إجْمَاعًا». وعلل ذلك بأنهما اللفظان اللَّذَانِ وَرَدَ بِهِمَا نَصُّ الْكِتَابِ فِي قَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ-: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} (الأحزاب: 37)، وَقَوْلِهِ -سُبْحَانَهُ-: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} (النساء: 22).

الحال الثانية

أن يكون الإيجاب والقبول بلفظ غير هذين اللفظين: كأن يقول الولي: ملكتك ابنتي، أو وهبتك ابنتي، أو أعطيتك ابنتي ونحو ذلك من ألفاظ، وهنا اختلف الفقهاء في انعقاد الزواج بمثل هذه الألفاظ:

المذهب الأول

لَا يَنْعَقِدُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ

وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَرَبِيعَةُ، وَالشَّافِعِية والحنابلة، لخبر مُسْلِمٍ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ»، قَال في مغني المحتاج: «وَ(كَلِمَةُ اللَّهِ) هِيَ التَّزْوِيجُ أَوْ الْإِنْكَاحُ، فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ سِوَاهُمَا فَوَجَبَ الْوُقُوفُ مَعَهُمَا تَعَبُّدًا وَاحْتِيَاطًا؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْزَعُ إلَى الْعِبَادَاتِ لِوُرُودِ النَّدْبِ فِيهِ، وَالْأَذْكَارُ فِي الْعِبَادَاتِ تُتَلَقَّى مِنْ الشَّرْعِ، وَالشَّرْعُ إنَّمَا وَرَدَ بِلَفْظَيْ التَّزْوِيجِ وَالْإِنْكَاحِ».

لفظ الهبة في النكاح

وَذهب ابن قدامة إلى أن لفظ الهبة في النكاح خاص بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كما في قَوْله -تعالى-: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (الأحزاب: 50). فَذَكَرَ ذَلِكَ خَالِصًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم .

وعلل بأَنَّ غير لفظ الإنكاح أو التزويج غير صريح في الدلالة على إرادة عقد النكاح ويحتمل غيره فلم ينعقد به، وَأيضا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ، وَالْكِنَايَةُ إنَّمَا تُعْلَمُ بِالنِّيَّةِ، وَلَا يُمْكِنُ الشَّهَادَةُ عَلَى النِّيَّةِ، لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَيْهَا، فَيَجِبُ أَنْ لَا يَنْعَقِدَ، وَبِهَذَا فَارَقَ بَقِيَّةَ الْعُقُودِ وَالطَّلَاقَ.

وذكر القرطبي أن أصحاب الشافعي استدلوا بقول الرجل الصالح لموسى -عليه السلام- في الآية:{إني أريد أن أنكحك} على أن النكاح موقوف على لفظ التزويج والإنكاح، ورد عليهم بأنه لا حجة لهم في الآية؛ لأنه شرع من قبلنا، وهم لا يرونه حجة في شيء في المشهور عندهم.

وقال ابن العربي في الرد عليهم:» هذه الآية فيها أن النكاح بلفظ الإنكاح وقع، وامتناعه بغير لفظ النكاح لا يؤخذ من هذه الآية ولا يقتضيه بظاهرها ولا ينظر منها، ولكن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد قال في الحديث:»قد ملكتكها بما معك من القرآن» وروي:»أمكناكها بما معك من القرآن» وكل منهما في البخاري، وهذا نص».

وأما دعوى الخصوصية فالجواب أن الذي خص به النبي - صلى الله عليه وسلم - خلو النكاح من العوض لا النكاح بلفظ الهبة.

المذهب الثاني

يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ ما دام يقصد عقد النكاح الشرعي

وَبه قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَدَاوُد والحنفية والمالكية، قال القرطبي:» وقال علماؤنا أي المالكية في المشهور: ينعقد النكاح بكل لفظ، وقال أبو حنيفة: ينعقد بكل لفظ يقتضي التمليك على التأبيد».

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:»إنَّ أصَحَّ قولَيِ العلماء أنَّه (أي: النكاح) ينعقِدُ بكلِّ لَفظٍ دَلَّ عليه، لا يختَصُّ بلفظِ الإنكاحِ والتزويجِ، وهذا مذهَبُ جمهورِ العلماءِ، كأبي حنيفة، ومالك، وهو أحدُ القولينِ في مذهبِ أحمدَ». ومما استدلوا به:

1- أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً، وقَالَ:» قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وهو ظاهر الدلالة على المقصود حيث عقد النبي - صلى الله عليه وسلم - عقد النكاح بلفظ التمليك وهو غير لفظ الإنكاح والتزويج مما يدل على جواز ذلك.

2- وَلِأَنَّهُ أي التزويج بالهبة لَفْظٌ يَنْعَقِدُ بِهِ تَزْوِيجُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كما دلت عليه الآية المتقدمة، فَانْعَقَدَ بِهِ نِكَاحُ أُمَّتِهِ، كَلَفْظِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ.


3- واستدل ابن القيم بأن ألفاظ العقود ليست توقيفية كألفاظ بعض العبادات، فقال:»كذلك عقدُ النِّكاح، وليس ذلك من العباداتِ التي تعبَّدَنا الشارعُ فيها بألفاظ لا يقومُ غيرُها مقامَها، كالأذانِ، وقراءة الفاتحةِ في الصلاة، وألفاظِ التشهد، وتكبيرة الإحرام، وغيرها، بل هذه العقودُ تقع من البَرِّ والفاجر، والمسلِم والكافِرِ، ولم يتعبَّدْنا الشَّارعُ فيها بألفاظٍ معينة، فلا فرقَ أصلًا بين لفظِ الإنكاح والتزويج وبين كلِّ لفظٍ يدُلُّ على معناها».

وتمسك الشيخ ابن عثيمين بالإطلاق الوارد في النصوص الشرعية كقوله -تعالى-: {فانكحوا ما طاب لكم من النساء}(النساء:3) قال الشيخ: «فأطلق النكاح، وعلى هذا فكل ما سمي نكاحا عرفا فهو نكاح، ولم يقل: فانكحوا ما طاب لكم من النساء بلفظ الإنكاح أو التزويج»، وضرب مثلا لذلك بالبيع في قوله -تعالى-: {وأحل الله البيع}(البقرة:275) فهو مطلق، وهم يجيزون البيع بكل لفظ دل عليه عرفا وبالمعاطاة ولم يقيدوا ذلك بلفظ البيع كما جاء بالآية الكريمة، فكذلك النكاح.

واستدل أيضا بالأصول المستقرة فقال: «ليس هناك دليلٌ، لا في القرآنِ، ولا في السُّنَّة أنَّه لا يصِحُّ النِّكاح إلا بهذا اللفظ» وقرر القاعدة الكلية وهي: أنَّ جميع العقود تنعَقِدُ بما دلَّ عليها عُرفًا، سواءٌ كانت باللفظ الوارد أو بغيرِ اللفظ الوارد، وسواءٌ كان ذلك في النِّكاحِ أو في غير النِّكاح، هذا هو القَولُ الصحيحُ».


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #70  
قديم 01-11-2022, 11:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,975
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الأحكام الفقهية من القصص القرآنية

الأحكام الفقهية من القصص القرآنية (70)
- بعض الأحكام المستفادة من قصة لوط عليه السلام
- اختلاف الفقهاء في

د.وليد خالد الربيع

تقدم في المقالة السابقة ذكر اختلاف الفقهاء في حكم صناعة التماثيل الكاملة لذوات الأرواح، وترجح القول بالحرمة، ويستثنى من ذلك لعب الأطفال فقط، وهو مذهب عامة الفقهاء، وقد اختلف الفقهاء في علة منع التصوير، على مذاهب لخصها د. محمد واصل في رسالته الجامعية (أحكام التصوير في الفقه الإسلامي) نذكرها في هذه المقالة.
المذهب الأول
العلة هي المضاهاة لخلق الله -تعالى-، وتشبيه فعل المخلوق بفعل الخالق، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله».
المذهب الثاني
العلة هي كون التصوير وسيلة إلى الغلو وعبادة غير الله، وذلك لحديث ابن عباس - رضي الله عنه - في تفسير ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسرا، قال: «هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون إليها أنصابا وسموهم بأسمائهم، ففعلوا، فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت».أخرجه البخاري، ولقوله - صلى الله عليه وسلم-: «إن أولئك كانوا إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا تلك الصور» متفق عليهقال الخطابي: «إنما عظمت عقوبة المصور؛ لأن الصور كانت تعبد من دون الله، ولأن النظر إليها يفتن، وبعض النفوس إليها تميل».
المذهب الثالث
العلة هي المنع من دخول الملائكة، لقوله - صلى الله عليه وسلم-: «إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تماثيل أو صورة»، والامتناع هنا بسبب الصور المحرمة التي يحرم اقتناؤها، بخلاف الصور الممتهنة أو الضرورية، لأن مثل هذه الصور وجدت في بيته - صلى الله عليه وسلم - كما قالت عائشة لما قطعت الستر وجعلته وسادتين توطآن قالت: «فقد رأيته متكئا على إحداهما، وفيها صورة».
المذهب الرابع
العلة هي التشبه بفعل المشركين الذين يصنعون الصور والتماثيل ويعبدونها من دون الله -تعالى-، ولو لم يقصد المصور ذلك، ولو لم تعبد الصور التي صورها؛ إذ يكفي أن الحال شبيهة بالحال، كما نهينا عن الصلاة في أوقات النهي؛ لأن الكفار يسجدون للشمس حينئذ؛ فنهينا عن الصلاة ولو لم نقصد ذلك؛ لما تجره المشابهة إلى الموافقة.
الحالة الثانية: صناعة التماثيل الناقصة أو المشوهة
ذهب عامة الفقهاء إلى جواز صناعة تماثيل ذوات الأرواح إذا كانت مقطوعة الرأس قطعا كاملا يزيل الرأس عن الجسد؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم-: «الصورة الرأس، فإذا قطع فلا صورة»، وقول جبريل -عليه السلام- للنبي - صلى الله عليه وسلم-: «فمر برأس التمثال فيقطع فيصير كهيئة الشجرة».واختلفوا في حكم صناعة التماثيل إذا كان الرأس باقيا، وكانت الصورة ناقصة عضوا مما لا تبقى الحياة بفقده على مذهبين:
المذهب الأول
يحرم مطلقا ما دام الرأس باقيا، ودليلهم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن الصورة إذا قطع رأسها كان باقيها كهيئة الشجرة، مما يدل على أن المسوغ لبقائها هو خروجها عن شكل ذوات الأرواح ومشابهتها للجمادات، والصورة إذا قطع أسفلها فقط لا تكون كذلك لبقاء الرأس فيها.
المذهب الثاني
تباح الصورة لو قطع منها أي عضو لا يمكن بقاء الحياة مع فقده، ودليلهم: قياس بقية الأعضاء على الرأس بجامع أن الحياة لا تبقى مع فقد كل منها. ويجاب: بأن الرأس فيه الوجه وهو أشرف الأعضاء ومجمع المحاسن، وهو أعظم فارق بين الحي والجماد، وبطمسه تذهب بهجة الصورة، فغير الرأس لا يساويه، وقياس غيره عليه قياس مع الفارق.
وبهذا يظهر رجحان المذهب الأول لقوة أدلتهم وسلامتها من المناقشة، ولاسيما وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الصورة الرأس».
الحالة الثالثة: صناعة الصور المسطحة مما يوطأ ويمتهن كالسجاد والفرش
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على مذهبين:
المذهب الأول: التحريم مطلقا
ودليلهم ما يلي:1-عموم الأحاديث الدالة على وعيد المصورين.2-عن جابر - رضي الله عنه - قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصورة في البيت، ونهى أن يصنع ذلك (أخرجه أحمد)، والإطلاق صريح ولم يرد ما يقيد ذلك بنية المضاهاة أو نية العبادة أو التعظيم.
المذهب الثاني: يجوز ذلك وهو خلاف الأولى.
ودليلهم ما يلي:1- حديث الشيخين عن بسر بن سعيد حدثه أن زيد بن خالد الجهني حدثه ومع بسر عبيد الله الخولاني أن أبا طلحة حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة»، قال بسر: فمرض زيد بن خالد، فعدناه فإذا نحن في بيته بستر فيه تصاوير، فقلت لعبيد الله الخولاني: ألم يحدنا في التصاوير؟ قال: إنه قال: «إلا رقما في ثوب» ألم تسمعه؟ قلت: لا، قال: بلى قد ذكر ذلك».فهذا الحديث مخصص للنصوص العامة في النهي عن التصوير.ويجاب: بأنه يحتمل أن المراد بالاستثناء ما كانت الصور فيه من غير ذوات الأرواح، أو أن الجواز كان قبل النهي عن التصوير. وهناك فرق بين الصناعة والاستعمال، فيحرم التصوير ويباح الاستعمال إذا كان مهانا، قال العلامة ابن باز: «الصورة التي تكون في البسط ونحوها فيداس ويمتهن كالوسائد فهذا معفو عنه؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عفا عنه، والمقصود العفو عن استعماله أما التصوير فلا يجوز».المسألة الرابعة: ما حكم اقتناء الصور؟ اقتناء الصور على أنواع:
النوع الأول: أن تكون الصورة مجسمة
أي ذات جسم فاقتناؤها حرام، وقد نقل ابن العربي الإجماع عليه، وقال: هذا الإجماع محله في غير لعب البنات. قال النووي: «وأما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان فإن كان معلقا على حائط أو ثوبا ملبوسا أو عمامة ونحو ذلك مما لا يعد ممتهنا فهو حرام، وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام». قال: «ولا فرق في هذا كله بين ماله ظل وما لا ظل له، هذا تلخيص مذهبنا في المسألة وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم».
النوع الثاني: أن تكون الصورة غير مجسمة
بأن تكون رقمًا على شيء، فهذه أقسام:
1- أن تكون معلقة على سبيل التعظيم، فهذا حرام؛ لما فيه من الغلو بالمخلوق. 2- أن تكون معلقة على سبيل الذكرى، فهذه محرمة أيضا لحديث البخاري عن أبي طلحة قال سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة».
3- أن تكون معلقة على سبيل التجميل والزينة، فهذه محرمة أيضا لحديث عائشة قالت: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هتكه وقال: «أشد الناس عذبا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله» قالت: فجعلته وسادة أو وسادتين. 4- أن تكون ممتهنة كالصورة التي تكون في البساط والوسادة، فنقل النووي عن جمهور العلماء من الصحابة والتابعين جوازها. 5- أن تكون مما تعم به البلوى ويشق التحرز منه كالصور المنقوشة على النقود وغيرها، فالذي يظهر أن هذا لا حرج فيه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 195.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 189.26 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (3.11%)]