|
|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#611
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
اجتماع الأسباب المبيحة للقتل في وصف الفساد في الأرض إذاً: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [المائدة:32]، ما الفساد في الأرض في الآية؟ الشرك بعد التوحيد، الكفر بعد الإيمان، أليس هذا هو الفساد؟ والخروج على إمام المسلمين وإثارة الفتنة ليقتل المسلمون بعضهم بعضاً، أي فساد أعظم من هذا؟ وكلمة: أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [المائدة:32]، الرسول بلورها وقدمها في هذه الزهرة المستنيرة، فقال: ( لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس )، قتل نفساً ظلماً وعدواناً يقتل بها، ( والثيب الزاني )، الذي يفسد المجتمع الإسلامي بالزنا، ثالثاً: ( التارك لدينه المفارق للجماعة )، التارك لدينه فارق الجماعة بكفره، ولكن إضافة ( المفارق للجماعة ) يدخل ذاك الذي يعلن الحرب على إمام المسلمين ويخرج عليه؛ ليثير الفتنة والتعب والمصائب والويلات.هذه الآية دلت على هذه المعاني: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32] الذي عرفتم وهو قتل قابيل أخاه هابيل حسداً -والعياذ بالله تعالى- كتبنا على أولاد إسرائيل إلى يوم القيامة: أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [المائدة:32]، وكلمة أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [المائدة:32]، عامة، فالشرك فساد، كان موحداً فعلق الصليب أليس هذا بفساد؟ كان مؤمناً فأعلن عن كفره وارتد، فهل هذا فساد أم لا؟ كون عصابة وخرج على الإمام وأزهق الأرواح وقتل، فأي فساد أعظم من هذا؟ دلونا على جماعة خرجت على إمام المسلمين وأقامت دولة إسلامية، وعبد الله وحده ورفعت راية لا إله إلا الله، وأقيمت شريعة الله بين الناس؟ إن الذين خرجوا على علي قتلهم هو، فهم الذين مزقوا، والذين خرجوا على عثمان ماذا فعلوا؟ وقل ما شئت إلى الآن، فأيما جماعة ناشطة تريد أن تخرج على الحاكم وإن كان من كان فخروجها باطل باطل باطل؛ لأنه لا يعقب خيراً، لا يورث خيراً، ما هو إلا باطل؛ لأن الخير له طرق غير هذه. معنى قوله تعالى: (فكأنما قتل الناس جميعاً ) قال تعالى: فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]، كيف؟ بعبارة واضحة: يعذب عذاباً أليماً في جهنم، عذاب ما فوقه عذاب، والذي يقتل البشر كلهم يعذب عذاباً ما فوقه عذاب، فتفطنوا لهذه الجملة: (فكأنما قتل الناس جميعاً)، أي: في التعذيب، فلو قتل الإنسان مليون واحد فإنه يقتل قتلة واحدة، ولكن يعذبه الله عذاب من قتل؛ لقوله تعالى: فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]، هذا من جهة.ومن جهة أخرى أيضاً -والقرآن كله نور- أن الذي يجرؤ على أن يقتل مؤمناً ظلماً وعدواناً مستعد لأن يقتل البشر كلهم، فالذي تفسد طبيعته ويموت قلبه ويقدم على قتل مؤمن مستعد لأن يقتل كل الناس ولا يبالي، ما دام قد مات قلبه وأقدم على قتل أخيه فهذا قد يقتل كل الناس إذا تمكن من قتلهم وأراد ذلك، ما بقي عنده وازع يمنعه أو يصرفه، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]. معنى قوله تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً) وَمَنْ أَحْيَاهَا [المائدة:32]، أحيا نفساً، والذي يحيي ويميت هو الله، ولكن جعلنا الله نقدر على أن نحيي وعلى أن نميت، فحين يستوجب فلان القتل وأنت قادر على قتله وتتركه لله عز وجل أما أحييه؟إذاً: فيحصل لك الأجر كأنما أحييت الناس جميعاً، فالذي تمكن من قتل ظالم معتد عليه مستوجب للقتل فرحمه لله وترك عبد الله ليعبد الله وأبى أن يقتله من أجل الله، هذا كأنما أحيا الناس جميعاً، فهو أيضاً قادر على أن يحيي الناس كلهم، ونحن ألسنا كذلك؟ ما منا إلا من هو قادر على أن يحيي الناس جميعاً.ويحصل الأجر له كأنما أحيا الناس جميعاً، ما هو بأجر واحد فقط، وواهب الأجر ومعطيه هو الله الملك جل جلاله وعظم سلطانه، فمن أحيا نفساً استوجبت القتل فعفا عنها وتركها لله عز وجل هذا مستعد أن يحيي الناس كلهم إذا فعلوا، وحينئذٍ فجزاؤه جزاء من أحيا الناس جميعاً، هكذا يقول تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]، وهنا باب العفو والصفح مفتوح للمؤمنين، شخص يعتدي عليك ويستوجب القتل وتعفو عنه وأنت قادر؛ لأن الحاكم معك يقطع رأسه أمامك وأنت قادر على العفو فقل: عفونا عنه لله وتركناه لله. هذه حسنة من أعظم الحسنات تعطى عليها أجر من أحيا الناس جميعاً، ولهذا يعفو المؤمنون بعضهم عن بعض ويصفحون. معنى قوله تعالى: (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات) ثم قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ [المائدة:32]، وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ [المائدة:32]، من هم هؤلاء؟ اليهود بنو إسرائيل، جاءتهم رسل الله، ورسل الله أعداد كثيرة، من بين رسل الله: موسى وهارون وبعدهما داود وسليمان وآخرهم عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وزكريا ويحيى رسل، وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ [المائدة:32] والله رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ [المائدة:32]، بالحجج بالبراهين القاطعة، بالبيان بالمعرفة، لكن مع الأسف أعرضوا، هل هناك معجزات أعظم من معجزات عيسى عليه السلام؟ جعله يمسح على الأبرص فيصبح جسمه كأحسن ما يكون، والبرص الآن الدنيا كلها فشلت في علاجه، فهل هناك طبيب يداوي البرص في العالم أو مستشفى؟ وأعمى ما يبصر يمسح على عينيه فتعودان على أحسن ما يكون، وميت يقال له فيه: يا روح الله! ادع الله فيدعو له فيقوم حياً! فأية بينة أعظم من هذه؟ ومع هذا كفروا به، كذبوا به، حاولوا قتله ويعتبرون قد فعلوا؛ لأن الجريمة ثبتت عليهم، ما دام أنه ألقى الله الشبه على رئيسهم وأخذوه ظانين أنه عيسى وعلقوه وصلبوه وقتلوه فكأنما قتلوا عيسى، ولهذا بينت لكم غير ما مرة أن اليهود يعتبرون قتلة النبي صلى الله عليه وسلم قضاء؛ لأنها مؤامرات تمت ليقتلوه، وإنما عجزوا وما تابوا فيعتبرون قتلة، والله يقول: وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران:181]، قتلوا زكريا وولده يحيى، نبيان رسولان، قتلوا الأب والابن معاً، فهل هؤلاء فيهم خير؟ يرجى فيهم خير؟ وكيف نصنع؟ سعي اليهود لحكم العالم إن اليهود يفكرون في أن يحكموكم ويسودوكم ويتحكموا فيكم ويذلوكم ويهينوكم، فأهدافهم ليس أنتم فقط بوصفكم مسلمين، هم يريدون العالم بأسره، يريدون مملكة بني إسرائيل لا من النيل إلى الفرات فحسب، فهذه خطوة أولى، ولكن يريدون العالم كله، هذا الذي جعلهم يعضون على دينهم بأسنانهم، ما يفرطون في اليهودية أبداً ولا يحاولون أن يتخلوا عنها بحال من الأحوال؛ لأنهم يفكرون بأن يسودوا العالم ويحكموه.وأبشركم -وهم على علم- بأن هلاكهم سيكون على أيدي المسلمين، ولا يقل أحد: ما نريد أن يسمعوا هذا، فقد سمعوا قبلك، وهم يدرسونه، وقالوا: لن يفعل بنا ما يفعل إلا المسلمون، فهيا نعمل ما استطعنا على ألا نبقي إسلاماً ولا مسلمين. هذا الكلام يعلمونه ويدرسونه، يعرفون أن نهاية بني إسرائيل تكون على أيدي المسلمين، درسوا الحديث الصحيح في مسلم وعرفوه، وهم يعرفون ذلك أيضاً من كتبهم، إذاً: ماذا يصنعون؟ قالوا: ما نسمح بوجود إسلام حقيقي في الأرض، حتى لا يوجد مسلمون تخاطبهم الأشجار والأحجار.ومن قال: كيف؟ قلنا: أما حاولنا حرب اليهود في فلسطين وعجزنا؟ فكيف نعجز؟ لأننا لسنا بالمسلمين الجديرين بكلمة الإسلام الحق، لو أسلمنا ففي أربع وعشرين ساعة يرحل اليهود، ما يقبلون القتل، يخرجون من فلسطين، نحلف لكم بالله أننا لو نعلن عن إسلامنا -أيها المسلمون الذين هم ألف مليون- فقلنا: لا إله إلا الله، وطبق شرع الله؛ لرحل اليهود بسرعة بدون قتال، لكن هم علمونا وجربونا وانتصروا علينا وهزمونا. المعجزة النبوية في الإخبار بقتال اليهود فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لتقاتلن اليهود حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود ).الرسول يتحدث عن الله ويخبر بالغيب من الله، كيف يقول: ( لتقاتلن اليهود )، واليهود قد شردهم ومزقهم؟ أين اليهود الذين سنقاتلهم وهم حفنة في الشرق وحفنة في الغرب! كيف يتم هذا؟ الله أكبر! قد تم هذا، إنها معجزة محمد صلى الله عليه وسلم.المجموعة التي كانت هنا منهم بنو قينقاع شردوا، وبنو قريظة قتلوا، وبنو النضير التحقوا بخيبر وفدك والشام، فكيف يخبر فيقول: ( لتقاتلن اليهود )، وتمضي القرون ويعز اليهود بحيلهم ومكرهم وسحرهم وأباطيلهم، ثم يأتي زمان يعرف فيه المسلمون ربهم، ويقبلون على مولاهم في صدق فتتحد كلمتهم وتتحد قوانينهم وشرائعهم ويمشون في سبيل الهدى، ثم بعد ذلك يسلطهم الله على اليهود، نقمة الله على اليهود أعدائه، فيقاتلونهم يتتبعونهم حتى يقول الشجر: يا مسلم! هذا يهودي مختبئ ورائي، ويقول الحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي، ولا يقول: يا عربي. فعرف هذا اليهود وقالوا: هيا نشيع الشرك والخرافات والضلالات والفسوق والفجور والربا والزنا والباطل وعقوق الوالدين والتكالب على الدنيا وأوساخها والمزامير والأغاني حتى ما يوجد إسلام أهله يقاتلوننا.لو سمعوا هذا الدرس لقالوا: هذا الذي في المدينة دوخنا، فيعملون على قتلي، ولا يستطيعون. وأزيدكم: والله! إن كل مظاهر الفسق والفجور والشرك والباطل أصابع اليهود هي التي تنشئها وتدعو إليها، وإلا فأهل فكيف يصبح أهل القرآن أهل الإسلام ساقطين ماجنين هابطين ضلالاً ضائعين وأنوار الله تغمرهم؟ كيف يتم هذا؟ وجواب ذلك أن نقول: هل عندكم الدشوش في سطوحكم؟ ذلك الذي يلتقط لنا أصوات العواهر والمجرمين والكافرين والضالين ويعرض صورهم على أبنائنا وبناتنا ونسائنا ورجالنا حتى تموت القلوب، ونمد أعناقنا ليركب من شاء أن يركب، هل هذا بلغ المسلمون أم لا؟ والله الذي لا إله غيره لو كان مسلم بحق يسمع هذا الكلام لما بات التلفاز في بيته، وإذا سمع من سمع وهو طائش هائج فلن يبالي بهذا الكلام؛ لأن قلبه فارغ لا نور لله فيه، هذا هو الواقع.هذه الآلات والأغاني والمزامير والملاهي هي مفتاح الزنا والعهر، هي بابه، فكيف يصح هذا؟ ولكن ماذا نصنع؟ لماذا لا تفعلون شيئاً؟ انصحوا لبعضكم، أخوكم زوروه في بيته أو ادعوه إلى بيت أحدكم وقدموا له الحلوى وقدموا له طعاماً لذيذاً وأنتم تبتسمون وتقولون: يا أخي! أو يا أبتي! أو يا بني! أنت أخونا، أنت كذا، أنت في دار الإسلام، وعلمنا أن لك دشاً على سطح بيتك وهو يفسد عليك أسرتك، فهيا تشجع وقل: أعاهدكم ألا يبيت الليلة على سطحنا، فسيزيله، وكذلك الثاني والثالث والرابع، وهذا هو قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فإن لم نفعل هذا فما تعاونا، ما مددنا أيدينا لبعضنا، نرى أخانا ساقطاً فنزيد في سقوطه، وهابطاً فنزيد في هبوطه، كيف يصح هذا إلا إذا كنا منحدرين إلى الهاوية، ومن يردنا؟ أخذ العبرة مما حل باليهود مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ [المائدة:32]، بنو إسرائيل أفضل منا، أكمل البشر أولاد الأنبياء؛ لتأخذوا العبرة، فإذا كان اليهود بنو إسرائيل أبناء الأنبياء عاملهم الله بهذه المعاملة، فكيف بالمسلمين؟إذاً: وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ [المائدة:32]، ونحن عندنا بينات أم لا؟ كلها عندنا، ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة:32]، ما هو الإسراف هذا؟ أتدرون ما الإسراف؟ الخروج عن العدل وعن القسط وعن الحد المطلوب، الإسراف في الأكل في الشرب في الكلام في النوم في المعاملة في كل شيء: مجاوزة الحد، والذي يتجاوز الحدود يتحطم ويخسر.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
__________________
|
#612
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|