تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 62 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 784 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 131 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 30 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 94 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #611  
قديم 05-06-2021, 04:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

اجتماع الأسباب المبيحة للقتل في وصف الفساد في الأرض
إذاً: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [المائدة:32]، ما الفساد في الأرض في الآية؟ الشرك بعد التوحيد، الكفر بعد الإيمان، أليس هذا هو الفساد؟ والخروج على إمام المسلمين وإثارة الفتنة ليقتل المسلمون بعضهم بعضاً، أي فساد أعظم من هذا؟ وكلمة: أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [المائدة:32]، الرسول بلورها وقدمها في هذه الزهرة المستنيرة، فقال: ( لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس )، قتل نفساً ظلماً وعدواناً يقتل بها، ( والثيب الزاني )، الذي يفسد المجتمع الإسلامي بالزنا، ثالثاً: ( التارك لدينه المفارق للجماعة )، التارك لدينه فارق الجماعة بكفره، ولكن إضافة ( المفارق للجماعة ) يدخل ذاك الذي يعلن الحرب على إمام المسلمين ويخرج عليه؛ ليثير الفتنة والتعب والمصائب والويلات.هذه الآية دلت على هذه المعاني: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ [المائدة:32] الذي عرفتم وهو قتل قابيل أخاه هابيل حسداً -والعياذ بالله تعالى- كتبنا على أولاد إسرائيل إلى يوم القيامة: أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [المائدة:32]، وكلمة أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ [المائدة:32]، عامة، فالشرك فساد، كان موحداً فعلق الصليب أليس هذا بفساد؟ كان مؤمناً فأعلن عن كفره وارتد، فهل هذا فساد أم لا؟ كون عصابة وخرج على الإمام وأزهق الأرواح وقتل، فأي فساد أعظم من هذا؟ دلونا على جماعة خرجت على إمام المسلمين وأقامت دولة إسلامية، وعبد الله وحده ورفعت راية لا إله إلا الله، وأقيمت شريعة الله بين الناس؟ إن الذين خرجوا على علي قتلهم هو، فهم الذين مزقوا، والذين خرجوا على عثمان ماذا فعلوا؟ وقل ما شئت إلى الآن، فأيما جماعة ناشطة تريد أن تخرج على الحاكم وإن كان من كان فخروجها باطل باطل باطل؛ لأنه لا يعقب خيراً، لا يورث خيراً، ما هو إلا باطل؛ لأن الخير له طرق غير هذه.
معنى قوله تعالى: (فكأنما قتل الناس جميعاً )
قال تعالى: فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]، كيف؟ بعبارة واضحة: يعذب عذاباً أليماً في جهنم، عذاب ما فوقه عذاب، والذي يقتل البشر كلهم يعذب عذاباً ما فوقه عذاب، فتفطنوا لهذه الجملة: (فكأنما قتل الناس جميعاً)، أي: في التعذيب، فلو قتل الإنسان مليون واحد فإنه يقتل قتلة واحدة، ولكن يعذبه الله عذاب من قتل؛ لقوله تعالى: فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]، هذا من جهة.ومن جهة أخرى أيضاً -والقرآن كله نور- أن الذي يجرؤ على أن يقتل مؤمناً ظلماً وعدواناً مستعد لأن يقتل البشر كلهم، فالذي تفسد طبيعته ويموت قلبه ويقدم على قتل مؤمن مستعد لأن يقتل كل الناس ولا يبالي، ما دام قد مات قلبه وأقدم على قتل أخيه فهذا قد يقتل كل الناس إذا تمكن من قتلهم وأراد ذلك، ما بقي عنده وازع يمنعه أو يصرفه، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32].
معنى قوله تعالى: (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)
وَمَنْ أَحْيَاهَا [المائدة:32]، أحيا نفساً، والذي يحيي ويميت هو الله، ولكن جعلنا الله نقدر على أن نحيي وعلى أن نميت، فحين يستوجب فلان القتل وأنت قادر على قتله وتتركه لله عز وجل أما أحييه؟إذاً: فيحصل لك الأجر كأنما أحييت الناس جميعاً، فالذي تمكن من قتل ظالم معتد عليه مستوجب للقتل فرحمه لله وترك عبد الله ليعبد الله وأبى أن يقتله من أجل الله، هذا كأنما أحيا الناس جميعاً، فهو أيضاً قادر على أن يحيي الناس كلهم، ونحن ألسنا كذلك؟ ما منا إلا من هو قادر على أن يحيي الناس جميعاً.ويحصل الأجر له كأنما أحيا الناس جميعاً، ما هو بأجر واحد فقط، وواهب الأجر ومعطيه هو الله الملك جل جلاله وعظم سلطانه، فمن أحيا نفساً استوجبت القتل فعفا عنها وتركها لله عز وجل هذا مستعد أن يحيي الناس كلهم إذا فعلوا، وحينئذٍ فجزاؤه جزاء من أحيا الناس جميعاً، هكذا يقول تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]، وهنا باب العفو والصفح مفتوح للمؤمنين، شخص يعتدي عليك ويستوجب القتل وتعفو عنه وأنت قادر؛ لأن الحاكم معك يقطع رأسه أمامك وأنت قادر على العفو فقل: عفونا عنه لله وتركناه لله. هذه حسنة من أعظم الحسنات تعطى عليها أجر من أحيا الناس جميعاً، ولهذا يعفو المؤمنون بعضهم عن بعض ويصفحون.
معنى قوله تعالى: (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات)
ثم قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ [المائدة:32]، وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ [المائدة:32]، من هم هؤلاء؟ اليهود بنو إسرائيل، جاءتهم رسل الله، ورسل الله أعداد كثيرة، من بين رسل الله: موسى وهارون وبعدهما داود وسليمان وآخرهم عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وزكريا ويحيى رسل، وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ [المائدة:32] والله رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ [المائدة:32]، بالحجج بالبراهين القاطعة، بالبيان بالمعرفة، لكن مع الأسف أعرضوا، هل هناك معجزات أعظم من معجزات عيسى عليه السلام؟ جعله يمسح على الأبرص فيصبح جسمه كأحسن ما يكون، والبرص الآن الدنيا كلها فشلت في علاجه، فهل هناك طبيب يداوي البرص في العالم أو مستشفى؟ وأعمى ما يبصر يمسح على عينيه فتعودان على أحسن ما يكون، وميت يقال له فيه: يا روح الله! ادع الله فيدعو له فيقوم حياً! فأية بينة أعظم من هذه؟ ومع هذا كفروا به، كذبوا به، حاولوا قتله ويعتبرون قد فعلوا؛ لأن الجريمة ثبتت عليهم، ما دام أنه ألقى الله الشبه على رئيسهم وأخذوه ظانين أنه عيسى وعلقوه وصلبوه وقتلوه فكأنما قتلوا عيسى، ولهذا بينت لكم غير ما مرة أن اليهود يعتبرون قتلة النبي صلى الله عليه وسلم قضاء؛ لأنها مؤامرات تمت ليقتلوه، وإنما عجزوا وما تابوا فيعتبرون قتلة، والله يقول: وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران:181]، قتلوا زكريا وولده يحيى، نبيان رسولان، قتلوا الأب والابن معاً، فهل هؤلاء فيهم خير؟ يرجى فيهم خير؟ وكيف نصنع؟
سعي اليهود لحكم العالم
إن اليهود يفكرون في أن يحكموكم ويسودوكم ويتحكموا فيكم ويذلوكم ويهينوكم، فأهدافهم ليس أنتم فقط بوصفكم مسلمين، هم يريدون العالم بأسره، يريدون مملكة بني إسرائيل لا من النيل إلى الفرات فحسب، فهذه خطوة أولى، ولكن يريدون العالم كله، هذا الذي جعلهم يعضون على دينهم بأسنانهم، ما يفرطون في اليهودية أبداً ولا يحاولون أن يتخلوا عنها بحال من الأحوال؛ لأنهم يفكرون بأن يسودوا العالم ويحكموه.وأبشركم -وهم على علم- بأن هلاكهم سيكون على أيدي المسلمين، ولا يقل أحد: ما نريد أن يسمعوا هذا، فقد سمعوا قبلك، وهم يدرسونه، وقالوا: لن يفعل بنا ما يفعل إلا المسلمون، فهيا نعمل ما استطعنا على ألا نبقي إسلاماً ولا مسلمين. هذا الكلام يعلمونه ويدرسونه، يعرفون أن نهاية بني إسرائيل تكون على أيدي المسلمين، درسوا الحديث الصحيح في مسلم وعرفوه، وهم يعرفون ذلك أيضاً من كتبهم، إذاً: ماذا يصنعون؟ قالوا: ما نسمح بوجود إسلام حقيقي في الأرض، حتى لا يوجد مسلمون تخاطبهم الأشجار والأحجار.ومن قال: كيف؟ قلنا: أما حاولنا حرب اليهود في فلسطين وعجزنا؟ فكيف نعجز؟ لأننا لسنا بالمسلمين الجديرين بكلمة الإسلام الحق، لو أسلمنا ففي أربع وعشرين ساعة يرحل اليهود، ما يقبلون القتل، يخرجون من فلسطين، نحلف لكم بالله أننا لو نعلن عن إسلامنا -أيها المسلمون الذين هم ألف مليون- فقلنا: لا إله إلا الله، وطبق شرع الله؛ لرحل اليهود بسرعة بدون قتال، لكن هم علمونا وجربونا وانتصروا علينا وهزمونا.
المعجزة النبوية في الإخبار بقتال اليهود
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لتقاتلن اليهود حتى يقول الشجر والحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي فتعال فاقتله، إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود ).الرسول يتحدث عن الله ويخبر بالغيب من الله، كيف يقول: ( لتقاتلن اليهود )، واليهود قد شردهم ومزقهم؟ أين اليهود الذين سنقاتلهم وهم حفنة في الشرق وحفنة في الغرب! كيف يتم هذا؟ الله أكبر! قد تم هذا، إنها معجزة محمد صلى الله عليه وسلم.المجموعة التي كانت هنا منهم بنو قينقاع شردوا، وبنو قريظة قتلوا، وبنو النضير التحقوا بخيبر وفدك والشام، فكيف يخبر فيقول: ( لتقاتلن اليهود )، وتمضي القرون ويعز اليهود بحيلهم ومكرهم وسحرهم وأباطيلهم، ثم يأتي زمان يعرف فيه المسلمون ربهم، ويقبلون على مولاهم في صدق فتتحد كلمتهم وتتحد قوانينهم وشرائعهم ويمشون في سبيل الهدى، ثم بعد ذلك يسلطهم الله على اليهود، نقمة الله على اليهود أعدائه، فيقاتلونهم يتتبعونهم حتى يقول الشجر: يا مسلم! هذا يهودي مختبئ ورائي، ويقول الحجر: يا مسلم! هذا يهودي ورائي، ولا يقول: يا عربي. فعرف هذا اليهود وقالوا: هيا نشيع الشرك والخرافات والضلالات والفسوق والفجور والربا والزنا والباطل وعقوق الوالدين والتكالب على الدنيا وأوساخها والمزامير والأغاني حتى ما يوجد إسلام أهله يقاتلوننا.لو سمعوا هذا الدرس لقالوا: هذا الذي في المدينة دوخنا، فيعملون على قتلي، ولا يستطيعون. وأزيدكم: والله! إن كل مظاهر الفسق والفجور والشرك والباطل أصابع اليهود هي التي تنشئها وتدعو إليها، وإلا فأهل فكيف يصبح أهل القرآن أهل الإسلام ساقطين ماجنين هابطين ضلالاً ضائعين وأنوار الله تغمرهم؟ كيف يتم هذا؟ وجواب ذلك أن نقول: هل عندكم الدشوش في سطوحكم؟ ذلك الذي يلتقط لنا أصوات العواهر والمجرمين والكافرين والضالين ويعرض صورهم على أبنائنا وبناتنا ونسائنا ورجالنا حتى تموت القلوب، ونمد أعناقنا ليركب من شاء أن يركب، هل هذا بلغ المسلمون أم لا؟ والله الذي لا إله غيره لو كان مسلم بحق يسمع هذا الكلام لما بات التلفاز في بيته، وإذا سمع من سمع وهو طائش هائج فلن يبالي بهذا الكلام؛ لأن قلبه فارغ لا نور لله فيه، هذا هو الواقع.هذه الآلات والأغاني والمزامير والملاهي هي مفتاح الزنا والعهر، هي بابه، فكيف يصح هذا؟ ولكن ماذا نصنع؟ لماذا لا تفعلون شيئاً؟ انصحوا لبعضكم، أخوكم زوروه في بيته أو ادعوه إلى بيت أحدكم وقدموا له الحلوى وقدموا له طعاماً لذيذاً وأنتم تبتسمون وتقولون: يا أخي! أو يا أبتي! أو يا بني! أنت أخونا، أنت كذا، أنت في دار الإسلام، وعلمنا أن لك دشاً على سطح بيتك وهو يفسد عليك أسرتك، فهيا تشجع وقل: أعاهدكم ألا يبيت الليلة على سطحنا، فسيزيله، وكذلك الثاني والثالث والرابع، وهذا هو قوله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، فإن لم نفعل هذا فما تعاونا، ما مددنا أيدينا لبعضنا، نرى أخانا ساقطاً فنزيد في سقوطه، وهابطاً فنزيد في هبوطه، كيف يصح هذا إلا إذا كنا منحدرين إلى الهاوية، ومن يردنا؟
أخذ العبرة مما حل باليهود
مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ [المائدة:32]، بنو إسرائيل أفضل منا، أكمل البشر أولاد الأنبياء؛ لتأخذوا العبرة، فإذا كان اليهود بنو إسرائيل أبناء الأنبياء عاملهم الله بهذه المعاملة، فكيف بالمسلمين؟إذاً: وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ [المائدة:32]، ونحن عندنا بينات أم لا؟ كلها عندنا، ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة:32]، ما هو الإسراف هذا؟ أتدرون ما الإسراف؟ الخروج عن العدل وعن القسط وعن الحد المطلوب، الإسراف في الأكل في الشرب في الكلام في النوم في المعاملة في كل شيء: مجاوزة الحد، والذي يتجاوز الحدود يتحطم ويخسر.وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #612  
قديم 05-06-2021, 04:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (9)
الحلقة (319)

تفسير سورة المائدة (17)


شرع الله حد الحرابة حفظاً لدماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، فأيما رجل أو جماعة عملوا على ترويع الناس، والاعتداء عليهم، وقطع السبيل والإفساد في الأرض فقد جاز تطبيق حد الحرابة عليهم، وتكون العقوبة إما بالقتل، أو بالصلب، أو بتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النفي من الأرض، وأهل العلم على أن لولي الأمر اختيار إحدى هذه العقوبات حسب ما يرى من الحاجة إليه.
ذم الإسراف والتبذير
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والتي بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة المائدة المدنية المباركة ذات الأحكام الشرعية، ومعنا في هذه الليلة هاتان الآيتان الكريمتان: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:33-34].قبل الشروع في دراسة الآيتين المباركتين نفي بما وعدنا، وهو أن نتكلم بإجمال على الإسراف وأهله، وذلك لأنا تلونا هذه الآية وهي قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ [المائدة:32].الإسراف: مصدر أسرف يسرف إسرافاً: إذا تجاوز الحد المحدود وتعداه إلى غيره، والله تعالى يقول -وقوله الحق- من سورة الأعراف: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، مولانا سيدنا ربنا لا يحب المسرفين، فمن أسرف في أكله أو شربه أو لباسه أو شئونه في الحياة الدنيا تعرض لبغض الله له، أعوذ بالله.دلوني على عاقل يرضى أن يكرهه الله؟! كيف يسعد، والله يصرح بقوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، إذاً: فهيا نقتصد في أكلنا وشربنا ولباسنا ومراكبنا ومساكننا أولاً.ومعنى الاقتصاد: الأخذ بالوسط لا تقتير ولا إسراف، القصد القصد.
أهمية الاقتصاد في كل أمور الحياة
وقد قدمت لكم أن علينا أن نقتصد حتى في النوم، لا تنم يا عبد الله من صلاة العشاء إلى طلوع الشمس، قم آخر الليل ولو بساعة قبل الفجر ولو مع الفجر، أما أن تنام ليلك كاملاً فما يجوز، اقتصد في نومك.وكذلك السهر والعياذ بالله من سهراتنا، والحمد لله فلا سهر عندنا، الذين يسهرون من الساعة التاسعة بعد صلاة العشاء يتعشون ويجلسون إلى الثانية عشرة أو الواحدة في اللهو وفي الباطل، لا هم مكبون على دراسة العلم والحكمة ولا هم رافعو أكفهم إلى الله يبكون بين يديه، ولكن يسمعون الأغاني ويشاهدون اللهو والأضاحيك ويشربون الشيشة والدخان ويهزءون ويسخرون أهذا عدل؟ أيجوز هذا الإسراف؟ إن الدقيقة الواحدة لن تستطيع أن تشتريها بملء الأرض ذهباً، فالزمن واهبه الله ومالكه، فكيف يجوز أن تبدده؟ كيف تنفقه ضد الله عز وجل واهبه لك؟ الاقتصاد في الكلام في المجلس، لا تتكلم وتضحك دائماً، ما يجوز، أنتم جماعة راكبون السيارة فلا يكن الوقت كله كلاماً، والله لا يجوز، تكلم بالكلمة تراها نافعة مجدية تحقق حسنة أو تحقق قرشاً كما قدمنا وعلمتم، فالإعراض عن كل ما لا يحقق لك حسنة لمعادك يوم القيامة أو درهماً لمعاشك اليوم، وما عدا ذلك لغو يجب الإعراض عنه.وبلغني أن طلبة -إن صدق القائل- يأتون إلى معرض الكتاب في الجامعة ويتصفحون الكتاب للشراء، إذا وجدوا حديثاً لا يعجبهم يمسحونه بالحبر بدون إذن صاحبه، إذا وجدوه كذا يقطعونه ويمزقونه، هذا إسراف، ما سبب هذا؟ دلونا يرحمكم الله؟ سببه أننا ما ربينا في حجور الصالحين، ما عشنا بين أبوين أو بين مشايخ أو أحباء نتلقى الحكمة والمعرفة والآداب والأخلاق الفاضلة من نشوئنا وبداية حياتنا، تركونا وأهملونا حتى بلغنا سن الرشد الخامسة عشرة والسادسة عشرة وأردنا أن ندخل إلى الإسلام وأن نتحمل وأن نكون من أولياء الله، قل من يسلم، لا بد من التربية، لا بد من ملازمة أهل البصيرة والنهى والأخذ عنهم والتلقي عنهم، وعدم التسرع في الرد والانتقاد لهم والطعن.إذاً: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف:31]، وأسرف اليهود في البغض للإسلام والأنبياء والقتل والدمار حتى بلغوا مستوى لا حد له، فكذلك الإسراف في المعاصي، في الزنا، زنى في عشرين سنة مرة فيعفى عنه ويغفر له إن تاب، شرب الخمر مرة في حياته أو مرتين فيتوب منها، أما أن يوالي الجريمة ويسرف فيها فلن يتوب منها، لن ينجو أبداً.فلا بد من القصد، والإسراف في كل شيء حرام، ما هو الغلو في الدين: يبيت طول الليل راكعاً ساجداً وامرأته تتململ على فراشها وأبناؤه يبكون، من كلفك بهذا! قم آخر الليل، صل أول الليل، أو هو طول الدهر صائم وأمه تبكي! ما هذا الصيام؟ لا يجوز فقد أسرفت، فالقصد القصد.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #613  
قديم 05-06-2021, 04:11 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا ...)

معنى قوله تعالى: (لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم)
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33]، خزي في الدنيا، فهؤلاء إن كانوا مؤمنين غير كافرين وأقيم عليهم الحد وقطعت أيديهم ففي الآخرة يغفر لهم؛ لأن الحدود كفارة لأصحابها، أما إذا كانوا مع الجريمة كافرين فلهم عذاب عظيم يوم القيامة في الآخرة: وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33].لاحظ: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا [المائدة:33]، من هؤلاء الذين لهم خزي فقط في الدنيا؟ إنهم مؤمنون ومع هذا أجرموا وقتلوا، وأقيم الحد عليهم، فيطهرهم الحد، وإن كانوا غير مؤمنين: وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33]، مع خزي الدنيا وذلها وعارها.
تفسير قوله تعالى: (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ...)
ثم قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34]، جماعة حاربونا وعجزنا عنهم، وبعد ذلك تابوا وتركونا، وبعد عامين أو ثلاثة قالوا: نحن الفلانيون وتبنا، فماذا نفعل معهم؟قال تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34]، نحن طلبناهم فما استطعنا، قهرونا، بعد سنة تابوا وقالوا: نحن الفلانيون، فننظر: إذا أخذوا المال ردوه أو تقطع أيديهم، إذا فجروا بالنساء يقام عليهم الحد، إذا قتلوا يقام عليهم الحد، إلا أن يعفو صاحب المال أو صاحب النفس فله ذلك، والله غفور رحيم.فهؤلاء المجموعة عجزنا عن التسلط عليهم وفشلنا، سنة أو سنتين وهم يحاربوننا، بعد فترة انقطع ظلمهم ما وجدناهم، وبعد عامين عرفناهم فقالوا: تبنا إلى الله عز وجل، فكيف العمل معهم؟ إن قتلوا ننظر هل أهل المقتول سيعفون عنهم أو لا؟ إن قالوا: عفونا عنهم عفا الله عنهم، وأهل المال إذا قالوا: تنازلنا، فهؤلاء كانوا في جهالة وكذا والآن عفونا فكذلك عفا الله عنهم، وإن قال أصحاب النفس نريد أن يقتص منهم فإنه يقام عليهم الحد، والحدود كفارة لأصحابها، ومن تاب تاب الله عليه، هذه قاعدة، التوبة تجب ما قبلها على شرط أن تكون توبة صادقة ناصحة، ما فيها تردد.
معنى قوله تعالى: (لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم)
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33]، خزي في الدنيا، فهؤلاء إن كانوا مؤمنين غير كافرين وأقيم عليهم الحد وقطعت أيديهم ففي الآخرة يغفر لهم؛ لأن الحدود كفارة لأصحابها، أما إذا كانوا مع الجريمة كافرين فلهم عذاب عظيم يوم القيامة في الآخرة: وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33].لاحظ: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا [المائدة:33]، من هؤلاء الذين لهم خزي فقط في الدنيا؟ إنهم مؤمنون ومع هذا أجرموا وقتلوا، وأقيم الحد عليهم، فيطهرهم الحد، وإن كانوا غير مؤمنين: وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33]، مع خزي الدنيا وذلها وعارها.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
والآن نسمعكم هداية الآيتين؛ لتذكروا ما قلت لكم.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ هداية الآيتين: من هداية الآيتين: أولاً: بيان حكم الحرابة ] ما الحرابة؟ قال: [ وحقيقتها: خروج جماعة اثنان فأكثر ويكون بأيديهم سلاح ولهم شوكة، خروجهم إلى الصحراء بعيداً عن المدن والقرى، يشنون هجمات على المسلمين فيقتلون ويسلبون ويعتدون على الأعراض، هذه هي الحرابة وأهلها يقال لهم: المحاربون، وحكمهم ما ذكر تعالى في الآية ].وهنا محنة الآن تحت شعار الجهاد في بلاد المسلمين، يهجمون على المواطنين ويسلبونهم ويأخذون نساءهم، فهل هؤلاء محاربون أو مجاهدون؟ إن المجاهد يقاتل المقاتل، أما المؤمن الذي في يده مسحاته أو قلمه كيف يقاتل؛ ألأنه مع الحكومة؟ إذا كنت تقاتل فقاتل الجيش، أما أنك تقتل أفراد الشعب وتسلب أموالهم وتعتدي على نسائهم فوالله ما هو هذا بالجهاد، وإنما هي الحرابة، وافهموا هذه.[ ثانياً: الإمام مخير في إنزال العقوبة التي يرى أنها مناسبة لاستتباب الأمن إن قلنا (أو) في الآية للتخيير، وإلا فمن قتل وأخذ المال وأخاف الناس قتل وصلب، ومن قتل ولم يأخذ مالاً قتل، ومن قتل وأخذ مالاً قطعت يده ورجله من خلاف، فتقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، ومن لم يقتل ولم يأخذ مالاً يُنفى ] ويبعد من البلاد وكفى.[ ثالثاً: من تاب من المحاربين قبل التمكن منه يعفى عنه، إلا أن يكون بيده مال سلبه فإنه يرده على ذوي أصحابه، أو يطلب بنفسه إقامة الحد عليه فيجاب لذلك ]، إما أن يرد المال، أو يقول للحاكم: أقم الحد علي وطهرني ولا بأس.[ رابعاً: عظم عفو الله ورحمته بعباده لمغفرته لمن تاب ورحمته له ]، هذا معنى قوله تعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا [المائدة:33]، ما جزاؤهم؟ أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34]، أما إذا ألقينا القبض عليهم وفي أيديهم السلاح فأمرهم كما قدمنا، لكن تابوا قبل القدرة عليهم: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:34]، يغفر لهم ويرحمهم.وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #614  
قديم 05-06-2021, 04:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (10)
الحلقة (320)

تفسير سورة المائدة (18)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم حقق لنا هذا الخير، إنك ولينا وولي المؤمنين.

ما زلنا مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [المائدة:35-37].

نداء الله تعالى عباده المؤمنين


حقيقة الفلاح


مقاصد وأغراض نداء المؤمنين


إذاً: عند قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا) نقول: لبيك اللهم لبيك، والخير بيديك، لو أن مؤمناً ما شعر حتى قال: لبيك اللهم لبيك، فهل يحمد على هذا أم لا؟ يحمد على هذا، سمع نداء ربه موجهاً إليه فقال: لبيك ربي، مر أفعل، انه أترك، حبب إليَّ أحب، بغض إليَّ أبغض، إني عبدك ولا هم لي إلا طاعتك.
وقد علم أهل هذه الحلقة المباركة -وزادهم الله علماً- أن الله تعالى حاشاه أن ينادينا للهو واللعب أو للباطل، لا ينادينا إلا لواحدة من أربع: ينادينا ليأمرنا بوصفنا عبيده خلقنا لطاعته، يأمرنا بأمرٍ من أجل إسعادنا وإكمالنا، وأما هو فلا يستفيد منه شيئاً، وليس في حاجة إلى شيء اسمه فائدة، إذ هو خالق كل شيء، يأمرنا بفعل أو قول أو اعتقاد ما من شأنه يزكي أنفسنا ويطهر قلوبنا ويعدنا لسعادة الدنيا والآخرة، أو ينادينا لينهانا: لا تفعلوا، لينهانا عما من شأنه أن يعوقنا عن السعادة والكمال، والله! ما نهانا الله عن شيء إلا لأنه يعوقنا عن الفوز والنجاح والسداد، فلهذا إذا نهاك مولاك فاستجب، كأنما قال لك والسم بين يديك وتريد أن تبتلعه: عبد الله! لا تأكل السم. فكل ما نهى الله عنه من اعتقاد فاسد أو قولٍ سيء أو عمل غير صالح؛ والله لضرره أكثر من ضرر السم؛ لأنه سيدنا ومولانا، ما ينهانا إلا عما فيه ضررنا وهلاكنا وشقاؤنا.
إذاً: ينادينا ليرغبنا، ليبشرنا؛ لأننا أولياؤه؛ لنزداد في الصالحات والتنافس فيها، وهو في صالحنا، أو ينادينا ليخوفنا، ليحذرنا مما من شأنه أن يضر بنا ويفسد علينا قلوبنا وحياتنا.
وينادينا ليعلمنا ما نحن بحاجة إلى العلم به والمعرفة؛ لما فيه كمالنا وسعادتنا، أما أن ينادينا لا لشيء فتنزه الله عن ذلك، وتعالى عن اللهو واللعب، (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الدخان:38-39].


ذم الإعراض عن نداء الله تعالى


معشر المستمعين! هل يليق بعبدٍ يرغب في أن يخترق السبع السماوات وينزل في دار السلام أن يسمع هذا الكلام ولا يبالي به، ولا يحفظه ولا يهتم به؟
أنا أقول: لولا الغفلة لقلت: إن الذي يسمع هذا الكلام ولا يريد أن يفهمه ولا أن يعمل به والله ما له رغبة صادقة في النزول بالملكوت الأعلى، أو ما عرف الملكوت الأعلى ولا آمن به.
لقد نادانا ربنا في كتابه القرآن الكريم بتسعة وثمانين نداء: (يا أيها الذين آمنوا)، إما أن يأمرنا أو ينهانا أو يبشرنا أو ينذرنا أو يعلمنا.
وواجبنا أن نعلم تلك النداءات كلها، وأن نعرف كل نداء منها، وأن نعمل بما أمرنا بالعمل به، وأن ننتهي عما نهانا عن فعله، وأن نستبشر بما بشرنا، وأن نحذر ونخاف مما حذرنا، ونتعلم ما أراد أن يعلمنا، وهذا طريق السلام، وهذا سبيل السعادة في الدنيا والآخرة.
هل عرف المسلمون هذا؟ ما سمعوا به قروناً عديدة، ما سبب ذلك؟ فروا من بيوت الله وهجروها، أعرضوا عن كتاب الله، وضعوه على الرفوف فقط، أو حفظوه في الصدور ليقرءوه على موتاهم، من أجل أن يأكلوا طعاماً أو يتقاضوا أجوراً، وأكثر من ثمانمائة سنة وهم هكذا.

أمر المؤمنين بالتقوى


وهنا نادانا جل جلاله فقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ )[البقرة:278]، نادانا ليأمرنا أولاً بتقواه: اتقوا الله، لو كان هناك سبع مفترس حول بيتك، أو في الحي الذي أنت فيه وناداك منادٍ فقال: يا فلان! احذر فالسبع موجود أمامك، فهل ستضحك ولا تبالي، ماذا تصنع؟ هل تفزع أم لا؟ لو ناداك منادٍ: يا عبد الله! انتبه، فبعد أربع وعشرين ساعة لن تبقى قطرة من الماء، فاحتفظ بما عندك من الماء أو تموت عطشاً وظمأً، فماذا ستقول؟ ستخاف على نفسك العطش والموت.

إذاً: فكيف يقول الجبار جل جلاله وعظم سلطانه: يا عبادي المؤمنين! اتقوني ثم لا نبالي؟ أعوذ بالله، أعوذ بالله أن نقف هذا الموقف.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ )[البقرة:278]الذي بيده كل شيء، وإليه مصير كل شيء، يملك الحياة والموت، والإعزاز والإذلال، والفقر والغنى، والصحة والمرض، وبيده كل شيء، يأمرنا أن نتقيه، فكيف نتقيه؟

بلغنا أن عالماً في جبال التبت يعرف معنى تقوى الله فهيا نمشي إليه، من منكم يسافر إلى جبال التبت ليعلمنا معنى قوله: اتقوا الله؟
والله لو كنا مؤمنين صادقي الإيمان، وقد سمعنا عنه هذا وأمرنا، ولكن لا نعرف كيف نتقيه، وقيل لنا: إن فلاناً يعلم ذلك؛ والله لرحلنا إليه، أو هل نقول: ما نعرف، ونقوم نرقص ونأكل؟ إذاً: فنحن بهائم، كفار ومشركون، لا وزن لنا ولا قيمة.
ولم يأمرنا بتقواه؟ علمنا قبل أنه هو الذي يحيي ويميت، يعز من يشاء ويذل من يشاء، يعطي ويحرم من يشاء، بيده كل شيء وإليه المصير، الجبار، العزيز، إذاً: كيف لا يتقى وقد طلب إلينا أن نتقيه؟

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #615  
قديم 05-06-2021, 04:13 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

وسيلة تقوى الله تعالى

كيف نتقي الله؟ بماذا؟ ما هي الآلات والأدوات التي نتقي الله بها وهو فوقنا ونحن بين يديه لا يخفى عليه من أمرنا شيء، ظاهرنا كباطننا، وهو معنا يرانا ويقضي علينا، فكيف نتقيه؟ هل بلباس قوي، بكهوف في الأرض، بجبال فوق الأرض نصعد فوقها، بم تقي؟ كيف نتقي الله؟
من منكم -معاشر المستمعين- يقوم ويقول: بم نتقي الله يا شيخ؟ لنا رغبة في أن نتقيه، فعلمنا بم نتقي الله؟ أمرنا الله تعالى بتقواه فما أدوات الاتقاء حتى ننجو من غضبه وسخطه وعذابه؟
الجواب: معشر الأبناء والإخوان! الله يتقى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا لباس ولا حصون ولا سلاح، يتقى غضبه تعالى وسخطه وعذابه بطاعته، أطعه وأطع رسوله فيما يأمرانك به وينهيانك عنه، لقد اتقيت غضب الله حينئذ، وجعلت بينك وبينه وقاية أعظم من السماوات والأرضين، فإن لم تطعه فلا وقاية، ولو كان لك كل العسكر في العالم فوالله ما نفعوك في شيء.
الآن -والحمد لله- عرفنا بم نتقي الله، نتقيه بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر الواجبة التي ألزم بها، وفي النواهي الدالة على التحريم والممنوعة عندنا، بهذا نتقي الله.

فائدة التقوى والطاعة

وسؤال آخر: هل فعل الأوامر التي أمر الله بها ورسوله، وترك المنهيات التي نهى الله عنها هل في ذلك فائدة الله، أم فائدتنا؟ لا شك أن فيه فائدتنا.
والله! لا نسعد ولا نكمل ولا نتحاب ولا نتوالى ولا نتصافى في الدنيا قبل الآخرة إلا على هذا الأمر وهذا النهي، لسعادتنا في الدنيا وكمالنا قبل الآخرة، فلا يأمرنا بفعل شيء إلا ليحقق سعادتنا وكمالنا، ولا ينهانا عن ترك شيء إلا من أجل أن يبعدنا عن شقائنا وخسراننا؛ لأنه العليم الحكيم.
من يبين لنا سر الأمر والنهي، ما فائدة طاعة الله ورسوله؟ الجواب: أن نتقي غضب الله وعذابه وسخطه، أليس كذلك؟
فيجب على كل مؤمن ومؤمنة من عقلاء المؤمنين والمؤمنات أن يتعلموا أوامر الله ونواهيه، وأوامر رسول الله ونواهيه، ولا محالة، على كل من دخل في رحمة الله في الإسلام أن يعلم أوامر الله كيف هي وما هي، ونواهيه أيضاً ما هي وكيف هي، وأوامر الرسول ونواهيه تابعة لأوامر الله ورسوله.
فهل هذا الأمر واضح؟ هل يجوز لمؤمن أو مؤمنة أن يعيش بعد البلوغ السنة والسنتين والعشر السنين أو الأربعين وهو لا يعرف ما أمر الله به ولا ما نهى الله عنه؟ فإذا كان ما عرف الأمر والنهي فهو كافر، أو فاسق أو فاجر من أهل الشقاء والخسران.


المساجد باب لتحصيل التقوى


يا ساسة! كيف الحل؟ هنا مشكلة تواجه العالم الإسلامي، دعنا من الذل والهون والفقر والضعف والفتن، اسكت عن هذا، فقط قل لي: كيف نطيع الله ورسوله لنكمل ونسعد؟
الجواب: يجب أن نتعلم ونعرف أوامر الله التي هي في العقيدة وفي القول وفي العمل، وأوامر رسوله كذلك في العقيدة والقول والعمل، ونواهي الله المتعلقة بالعقيدة الفاسدة والقول السيئ والعمل غير الصالح، فكيف نحصل على هذا؟
لقد بحثنا عن الطريق ونقبنا وفتشنا، حللنا وسرنا، وقعدنا وقمنا أكثر من أربعين سنة، فما الطريق؟
الطريق واحد: أن نسلم قلوبنا ووجوهنا لله في صدق: أسلمت لك يا ربِّ وجهي، ونجتمع في بيوت ربنا المساجد، سواء كنا في المدن أو كنا في القرى، كنا عرباً أو عجماً؛ لأننا دخلنا في الإسلام، كل ليلة لا يتخلف رجل ولا امرأة عن بيت الله في الحي أو في القرية، إلا المريض أو الممرض، والحيض من النساء يجعل لهن ستار وراء الجدار، ومكبر الصوت يبلغهن ويبلغ الصوت إليهن، كل ليلة نتعلم الأوامر والنواهي الإلهية والنبوية، وكيف نفعل وكيف نترك، وذلكم هو العلم، وبعد عام أو عامين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة -والله- ما يبقى جاهلٌ ولا جاهلة أبداً، ولسنا في حاجة إلى قرطاس ولا قلم ولا دواة، ولا مدرسة أبداً، طول النهار والمحراث في يدي وأنا أحرث الأرض، أو الحديد وأنا أصنع، وفي الليل نجتمع على كتاب الله وسنة رسوله طول العام، فلن يبقى بيننا جاهل ولا جاهلة، لا جاهل بالله وأسمائه وصفاته، ولا جاهل بما عند الله لأوليائه، وما لدى الله لأعدائه، ولا جاهل بأوامر الله ورسوله ولا نواهي الله ورسوله، ولا كيف يفعل المأمور ويتجنب المنهي، هذا هو الحل، وليس هناك حل آخر، والله لا وجود له.


دلائل انعدام التقوى في غير التربية المسجدية


ومن باب الاستدلال القريب نقول: إن الأبناء والإخوان الذين لازموا الحلقة سنين يعرفون الحلال والحرام، والواجب والمكروه، ما قرءوا ولا كتبوا، لكن سمعوا كلام الله وكلام رسوله، وحفظوه وفهموا مراد الله منه.
وبرهان آخر ودليل آخر: لو أراد المسئولون أن يطهروا البلاد بنظام خاص حتى لا يبقى لصٌ ولا مجرم، ولا زانٍ ولا كذاب، ولا سارق، ولا ساحر، ووضعوا أنظمة حديدية بالنار، فجعلوا في كل شارع خمسين عسكرياً، وقالوا:: سنعطي لكل من يستقيم على منهجنا راتباً كل شهر؛ فوالله! ما يتحقق أمنٌ ولا طهرٌ ولا صلاة، ولكن يتحقق بالعلم والمعرفة بالله عز وجل، أما جربنا الاشتراكية في عالمنا العربي والإسلامي أكثر من خمس وعشرين سنة؟ فما هي نتائجها؟ أعوذ بالله، أعوذ بالله! هل حققت الغنى؟ هل حققت العدل والقسط بين الناس؟ هل حققت الطهر والصفاء؟
الجواب: والله! لقد حصل العكس: الفقر والخبث، والظلم والشر والفساد، مع أننا تبجحنا وقلنا: اشتراكيتنا نوالي من يواليها، ونعادي من يعاديها! وصفقت الدنيا، فأين آثارها؟ أين هي؟
والتصوف، الطرقية، الزوايا، المشايخ في كل مكان، هل حققت تلك الطرق الصوفية شيئاً؟ هل رفعت ظلمة الجهل أم زادتها ظلمة أخرى؟
والدليل والبرهنة الصادقة قول ربنا جل ذكره: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )[فاطر:28]، والله! إن مشايخ طرق يفجرون بنساء إخوانهم، ويقدمها الرجل الفحل من أجل أن تنجب من شيخه ولداً! إلى هذا المستوى هبطت هذه الأمة!

لقد استقللنا وأخرجنا فرنسا من بلادنا وإيطاليا وأسبانيا وألمانيا وبلجيكا وبريطانيا، فماذا حصل؟ هل سار الطهر فما أصبحت تسمع بجريمة؟ ما أصبحت تسخر من آخر ويسخر منك؟ ما بقي حسد في النفوس؟ ما الذي بقي؟ ما الذي حصل؟ قولوا: لا إله إلا الله.
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )[فاطر:28] العارفون به تعالى وبأوامره ونواهيه، وما عنده لأوليائه، وما لديه لأعدائه، أولئك الذين يخافون الله؛ لمعرفة سلطانه وقدرته وغضبه ورضاه، أما الجاهل فأنى له أن يستقيم؟!


خطوات عملية لتحصيل التقوى


لقد بلغنا أن الله عز وجل نادانا وأمرنا بتقواه في ذلك النداء، فهيا يا أبناء الإسلام نتقي الله، فكيف نصنع؟
أولاً: نعزم ونصمم على أن نتقي الله، هذه الخطوة الأولى، فإذا امتلأ القلب بهذا الخوف فحينئذٍ سوف نسأل: نتقي الله بأي شيء؟ ما هي الأوامر التي نعبد الله ونطيعه بها، وما هي النواهي؟ في صدق وفي علم، ونتعلم كيف نطيعه ونتعلم كيف نتجنب معاصيه في صدقٍ وجدٍ، فما يمضي علينا أربعون يوماً إلا وقد عرفنا الكثير من الأوامر والنواهي، واستجبنا لله وأصبحنا تضيء أنوارنا وتلوح في الأفق، كلام طيب، نظرة سليمة، معاملة صادقة، وينتهي الحسد والغل والغش والبغض والكبر، والأمراض كلها تنجلي.
معاشر الأبناء! لا أكثر عليكم، إننا مأمورون بأن نتقي الله، ولا بد من معرفة ما يحب الله وما يكره، فلنسأل أهل العلم، ما نكتفي بالكتاب، نسأل ونعلم، نجالس العلماء ونزاحمهم، ونطبق كل ما سمعنا وعلمنا حتى نرتقي يوماً فيوماً ونصبح في أيام عالمين بالله، متقين له، وذلك هو الفوز العظيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #616  
قديم 09-06-2021, 02:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (11)
الحلقة (321)

تفسير سورة المائدة (19)


الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- والليالي الثلاث بعدها ندرس إن شاء الله كتاب الله؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
معاشر المستمعين والمستمعات! مازلنا مع سورة المائدة المدنية المباركة الميمونة، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ )[المائدة:35-37].

حياة المؤمنين وشرفهم بنداء الله تعالى لهم

العلم بالتكاليف والقيام بها وسيلة تحقيق التقوى

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:35] عرفنا بم نتقي الله، إننا نتقيه بطاعته وطاعة رسوله، أي: بفعل ما أمرنا الله بفعله، واجتناب ما أمرنا باجتنابه، بهذا يتقى الله، أي: يتقى عذابه وسخطه وغضبه على عصاته، بم تتقي الله يا عبد الله؟ هل بسور عالٍ وبحصن حصين وبجيش عرمرم؟ بم تتقي الله وأنت بين يديه؟ الجواب: لا ينتقي الله إلا بطاعته، من أطاعه اتقى غضبه وسخطه، ومن عصاه وتمرد عنه وخرج عن طاعته ما اتقى الله أبداً، وتعرض للغضب الإلهي والسخط الرباني والعذاب والعياذ بالله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ )[المائدة:35]، وطاعة الله وطاعة الرسول توجب أن تعرف أوامر الله ونواهيه، وأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونواهيه، وإلا فلن تستطيع أن تتقي الله، فهل تريد أن تتقي عذاب الله وسخطه؟ إن ذلك بطاعته وطاعة رسوله. في أي شيء؟ في الأمر والنهي. ما هي أوامره وما هي نواهيه؟ اطلب هذا من أهل العلم أو من كتاب الرب وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، أما أن تشتغل بتجارتك وأعمالك ودنياك، وتقول: ما عرفت أوامر الله ونواهيه؛ فهذا ما ينبغي! والكلمة الخالدة كلمة الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )، والمسلمة تابعة، وإنما لم تذكر تنزيهاً لها، واعترافاً بحرمتها أو احتراماً للفحول أن يذكر نساؤهم بينهم.

إذاً: الحبيب يقول: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم )، والمسلمة يا رسول الله؟ الجواب: هي كذلك. فلم ما قلت: والمسلمة؟ الجواب: احتراماً لكم وتقديراً لمواقفكم لا نذكر نساءكم، فما الفرق بينكم وبينهن؟ الكل يريد دار السلام والنجاة من الخزي والعذاب.
إذاً: هل يستطيع رجل أو امرأة أن يطيع الله ورسوله وهو لم يعرف أوامر الله وأوامر رسوله، ونواهي الله ونواهي رسوله؟ مستحيل. إذاً: وجدنا أنفسنا أمام الأمر الواقع، يجب أن نطلب العلم، كل يوم تعلم أمراً، اليوم عرفت من أوامر الله إقام الصلاة، فإياك أن تعصي الله، إياك أن تفرط فيها أو تؤديها على غير الوجه المطلوب أداؤها عليه، غداً عرفت وجوب الزكاة، بعده عرفت وجوب الحج، ثم عرفت بر الوالدين، ثم عرفت طاعة أولي الأمر، ثم عرفت الآداب.. وهكذا، ما هو بشرط أن يكون في يوم واحد، الليلة عرفت أن الغيبة حرام، قال تعالى: ( وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا )[الحجرات:12]، بعد شهر عرفت أن النميمة حرام، بعد غدٍ عرفت أن الكذب حرام، وهكذا.

إذاً: يجب على كل مسلم ومسلمة أن يعرف أوامر الله وأوامر رسوله ونواهيهما؛ ليفعل المأمور على الوجه الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولينتهي عن المحرم نهياً كاملاً وانتهاء تاماً.

معنى قوله تعالى: (وابتغوا إليه الوسيلة)

وسائل مشروعة في طلب مرضاة الله


فباسم الله نستعرض الوسائل المشروعة:
اغتسل أحدكم قبل صلاة الفجر وصلى الصبح في طريقه إلى مكة ليعتمر، فهذه العمرة وسيلة تقربه من الله؛ لأن الله أحب ذلك ودعا إليه وأمر به فقال: ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )[البقرة:196].

أحدكم في منزله توضأ وأتى إلى المسجد ليسمع العلم ويحضر حلق الدرس تملقاً إلى الله وتزلفاً، أو من أجل أن يعرف ما يحب الله وما يكره، فهل هذا المجيء وسيلة أم غير وسيلة؟ إنه وسيلة.
شخص من الصالحين يمشي في شوارع المدينة، وكلما رأى شوكاً أو حجرة تؤذي المؤمنين أو عقرباً أزالها، لم يا عبد الله؟ قال: أتملق ربي في تنظيف الطريق لعباده، يتوسل إليه.
طبيب يضع كرسيه أمام المسجد بعد الصلاة: من أراد أن يشكو مرضه إلي فليتفضل، يضع يديه على قلبه على جسده، ثم يدفع إليه المريض مالاً فيقول: لا، نحن نتملق إلى الله فقط، يتوسل بعلاج أولياء الله ومداواتهم.
بل هنا طباخ يقول: لأحسنن طبخ هذا الأزر اليوم ليأكله الصالحون ويتلذذوا به، وأنا أتقرب بذلك إلى ربي، فهذا توسل.
إذاً: كل قول أو عمل أو نية صالحة تريد بها وجه الله أنت متملق إلى الله متزلف من أجل أن يقربك وتحظى بالقرب منه تعالى.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #617  
قديم 09-06-2021, 02:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

وسائل محرمة في طلب مرضاة الله

والوسيلة الممنوعة التي عرفها المؤمنون في عصور الجهل من مظاهرها: أنه يركب من المدينة على بعيره إلى قبر سيدي عبد القادر الجيلاني في بغداد، آلله أمرك بهذا تتوسل به إليه؟ لا؛ لأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى )، فكونك أنت تأخذ تذكرة بالطائرة من المغرب الأقصى أو من السودان أو من الشام لزيارة سيدي عبد القادر الجيلاني هذه وسيلة والله ما تصل بك إلى رضا الله، ما هي بوسيلة هذه، ما شرعها الله.
إن الوسيلة أنك -مثلاً- بعدما استراح الناس وصلوا العشاء وطعموا وأرادوا أن يناموا ذهبت إلى البقيع ووقفت على جداره وسلمت على أهله: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، أنتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون، وإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اغفر لأهل البقيع وارحمهم، اللهم اغفر لأهل البقيع وارحمهم، ودمعت عيناك دموعاً ورجعت، فلم فعل هذا؟ فعله يتملق إلى الله يتزلف إليه؛ لأنه يسلم على أوليائه الموتى ويدعو لهم ويترحم عليهم، هل فعل هذا لأجل دينار أو درهم؟ فهذه وسيلة.
أما أن تأتي إلى قبر إدريس أو قبر البدوي أو العدناني -وما أكثرهم- وتحبو حبواً للوصول إليه، ما يستطيع أن يمشي، فلو مشى لقالوا: ما فيك تقدير للسيد، فيحبو وينزل على القبر يتمرغ ويتمسح، ويقول ويدعو: يا سيدي، يا كذا أنا كذا أنا كذا، ويكفر حتى ما يبقى له علاقة بالله، ويقول: توسلت! أهذا التوسل الصالحين؟! هل الميت يدعى، وإذا دعي فهل يجيب؟ الجواب: لا؟ ما قال تحت السماء إنسان: إن الميت إذا دعي سمعك وأجابك وقال: سأعطيك، فكيف إذاً تأتيه من قريتك من بلادك البعيدة، وتتململ حول قبره، وتدعو وتستغيث وتقول: أتوسل إلى الله عز وجل؟ أنت الآن تبتعد من الله وما تتوسل، أنت تتوسل للبعد من الله وعدم القرب منه، وعلة هذا الجهل، ما عرفوا، ما علمناهم، ما علموا، هذا هو السبب، لا سبب غيره، لو عرف أنه بهذه عصى الله ورسوله، وخرج عن طاعة الله ورسوله، وأنه في عداد المشركين والله ما يفعل هذا أبداً، إلا إذا كان قلبه ميتاً لا يؤمن بالله ولا بلقائه، مسلم صوري أراد أن يأكل أو يشرب بهذه العملية فهذا ممكن، أما من آمن بالله وعرف الله ثم يفعل هذا الشرك والباطل ليتقرب به إلى الله فلا!
وكذلك الذين يذبحون للأولياء ويجعلون لهم الأغنام والأشجار: هذه شاة سيدي عبد القادر ! اشترى مجموعة من الشياه في هذه الأيام؛ لأن الأمطار غزيرة والنباتات ظهرت، يريد أن يكتسب، فاشترى عشرين شاة وقال: هذه شاة سيدي فلان، ما تلده له وهي له، جعل شاة للولي توسلاً حتى يحفظ الله عز وجل باقي الغنم وتنجب وتلد، هذه رغبته، آلله أمر بهذه الوسيلة وأذن فيها؟ الجواب: لا، إذاً: هذه وسيلة باطلة، هذه تبعدك عن القرب من الله، ولا تعطيك أبداً درجة عند الله بحال؛ لأنك ابتدعت بدعة وأتيت بعمل الشرك.
وآخر أراد أن يغرس في وقت الغرس في الخريف خمسين نخلة من العجوة، قال: هذه نخلة سيدي رسول الله، وهذا أحسن من سيدي عبد القادر ، ومع هذا فوالله ما يجوز ذلك، وتبقى النخلة كلما تثمر لا يأكله هو ولا أهله، هذه لسيدي فلان! لم فعلت هذا؟ يقول: من أجل أن يبارك الله في النخل وينتج ويكون صالحاً، فهذا يسميه العلماء توسلاً، لكنه باطل ما ينفع وما يجدي أبداً.
قال تعالى عنهم: ( وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ )[الأنعام:136]، المشركون كانوا يقولون: هذه الشاة للات وهذه الشاة لربنا عز وجل، هذه النخلة للعزى وهذه النخلة لربنا تعالى، ومع هذا ما قبل الله هذا وما رضي به، ثم سلكوا مسلكاً قبيحاً وهو التحيل؛ فالتي جعلوها لله إذا أنتجت -سواء كانت نعجة أو ناقة أو بقرة أو نخلة أو شجرة- وما أنتجت التي جعلوها لغير الله يأخذون التي لله فيعطونها للأخرى، والعكس لا، فإذا نتجت ناقة العزى وناقة الله ما نتجت لا ينقلون حقها، يتركونها لأوليائهم، فعابهم تعالى على هذا التصرف، ساء ما يحكمون من الحكم الباطل.

وكذلك النذور، يقول: يا سيدي عبد القادر، يا سيدي فلان، يا رسول الله! إذا تيسر أمري وأنجبت امرأتي ولداً فعلت كذا وكذا، وهذه وسيلة باطلة لا تبتغى ولا تطلب لله.


تعدد الوسائل المشروعة بتعدد الطاعات

وعدنا من حيث بدأنا: فتوسل إلى الله بمحابه، بالذي يحبه، افعله من أجله تزلفاً إليه وتقرباً، توسل إلى الله بترك مكارهه، ما يكرهه ونفسك تشتهيه أو أبوك يشتهيه اتركه لله تملقاً إلى الله وتزلفاً، ولن يكون التوسل بغير هذا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ )[المائدة:35]، هل عرف المؤمنون والمؤمنات كيف يتوسلون إلى الله، كم هي الوسائل؟ بلا عد، كل طاعة لله ورسوله وسيلة، تتوسل بها إلى الله، تذكر الله: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، عشراً، مائة، مائتين، مائة ساعة وأنت تحظى بالقرب من الله؛ لأن الله يحب هذه الكلمات، وهكذا.

أما البدع والخرافات والضلالات والشركيات بالذبح والنذر والعكوف على القبور والرحلة إليها لمسافات بعيدة فهذا من باب الشرك والباطل، ولا يصح لمؤمن ولا مؤمنة أن يأتيه أبداً.

معنى قوله تعالى: (وجاهدوا في سبيله)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:35]، ( وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35] والسبيل معروف: الطريق الموصل إلى رضا الله عز وجل، ما هو سبيل الله؟ هو أن يعبد الله وحده بما شرع لعباده من أجل أن يكملوا ويسعدوا في دنياهم وأخراهم، سبيل الله طريق الله الموصل إلى رضا الله عز وجل.

إذاً: جاهدوا في سبيله لا تخرجوا عن محابه ومساخطه، جاهدوا الكافرين المشركين الظالمين، حتى يعبدوا الله وحده، وحتى يتخلوا عن الظلم ويبتعدوا عن الشر والفساد، هذا الجهاد لا بد له من إمام يقود المجاهدين، إذا قال: قفوا وقفوا، إذا قال: سيروا ساروا، وإذا قال: ارجعوا رجعوا، لا يصح فيه العمل الفردي أبداً بحال من الأحوال، لا بد من إمام يقود المؤمنين إلى الجهاد في سبيل الله، أي: من أجل أن يعبد الله وحده ولا يشرك به سواه، من أجل أن تطبق قوانينه وشرائعه بين الناس ليطهروا ويكملوا ويسعدوا في دنياهم وأخراهم.
والآن إمامنا -أطال الله عمره وحفظه- لنا ما أعلن عن جهاد، فنحن الآن آمنون، ما علينا تبعة ولا مسئولية، لكن لو قال غداً: التعبئة العامة، العدو داهمكم فقد وجب، وحصل هذا في حرب الخليج واندفع الرجال، لكن إذا ما أمر إمام المسلمين فهذا يعود إليه لعدة أسباب:
أولاً: ضعفه وعدم قدرته على غزو أو فتح بلاد أعظم منه وأكبر، فاضطر إلى معاهدتهم، معاهدة السلم وعدم الاعتداء ليدفع شرهم عنا، أما عاهد الرسول صلى الله عليه وسلم؟
ثانياً: لسنا بقادرين على أن نغزو ونفتح لضعفنا وعجزنا وقوة من نريد كذلك غزوهم ودخول ديارهم، هذه حالات وظروف ممكن أن تبقى سبعين سنة ما هناك جهاد، وقد يترتب الجهاد في كل سنة مرة، كلما يغزونا العدو يجب أن نغزوه.


نقد الجهاد بنية تحرير الوطن

(وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35]، هنا ألفت النظر: جاهدنا في سبيل الوطن لتحرير البلاد من إندونيسيا إلى موريتانيا، وما استطعنا أن نقيم دولة لله، ولا أن ننصب إماماً يؤمنا ويقودنا إلى رضا الله؛ لأن النية الدافعة الباعثة على الجهاد هي التحرير، تحرير الوطن من الاستعمار، وإني آسف لأن رجال السياسة غير موجودين عندنا، لكن نتكلم مع البهاليل ولا حرج، والله عز وجل يسمعنا، قاتلنا بريطانيا، قاتلنا فرنسا، هولندا، قاتلنا أسبانيا، إيطاليا، وما قاتلنا قتالاً في سبيل الله، فمن ثم لم ينتج لنا دولة إسلامية، ولا إماماً إسلامياً يقودنا، ما إن نخرج العدو حتى نكون الحكومة من ماذا؟ أمن أهل العلم والبصيرة والولاية لله؟ فسادتنا حكومات أشبه بالجاهلية، والله إن الحالة الدينية في بلادنا حين كان الاستعمار فيها أفضل منها الآن في الاستقلال، وأتكلم على علم وعلى بصيرة، أيام الاستعمار الفرنسي كان الخمر ممنوعاً ولا يباع، ما كانوا يلزمون مؤمنة أن تكشف عن وجهها أبداً، أو يسخرون منها، والآن أين نساء المؤمنين؟ في الشوارع غاديات رائحات، والخمر تصنع وتباع.. وقل ما شئت، وليس معنى هذا أني أرغب أن يعود الكفر إلى ديارنا، الذي يفهم هذا الفهم مسكين ضائع، نقول: لما جاهدنا ما جاهدنا على الأساس الذي وضع الله عز وجل في قوله: ( وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35]، ما قال: في تحرير البلاد، في إقامة الحكم الوطني، قال: ( فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35]، أي: من أجل أن يعبد وحده، وأن تطبق شرائعه، وتظهر أنوار دينه لتعم العالم وتغطيه.

عظمة جهاد النفس

الجهاد الثاني: جهاد النفس، وتذكرون حديث: ( رجعتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر )، وإن ضعف الحديث فما يضرنا هذا، فجهاد النفس أصعب من جهاد العدو، جهاد العدو تحمل فيه سلاحك شهرين أو أربعة وترجع، ونفسك تجاهدها الليل والنهار طول العام حتى تموت وأنت في هذا الجهاد إن كنت من المجاهدين، أما إذا استسلمت لها فهي تقود إلى كل وبال ومفسدة، لكن من أراد أن يستقيم على منهج الله لا يتكلم بكلمة حتى يعلم أن الله أذن له فيها، لا ينظر نظرة حتى يعلم أن الله أذن له فيها، لا يأكل لقمة حتى يعلم أن الله أذن فيها، وهنا تواجه النفس، تدعوه إلى الطعام والشراب والنكاح والقول والعمل، فكيف يقهرها إذا لم يجاهدها الجهاد المرير.
(وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35]، نجاهد من؟ تقدير المفعول: أنفسنا، ونجاهد الكفار من أجل أن يطهروا، أن يصفوا، أن يكملوا، أن يسعدوا بعبادة الله وحده وبالتخلي عن الشرك والكفر، أليس كذلك؟

وبالمناسبة أقول وأستثني المملكة: لو أراد إقليم من أقاليم المسلمين أن يغزو بلاداً كافرة ليدخلهم في الإسلام، أليس يصبح جهادهم معرة؟ أنت ما أقمت الإسلام في ديارك، لا طهر ولا صفاء، لا مودة ولا إخاء، لا حب ولا ولاء، وتريد أن تدخل إيطاليا في هذا، أهذا عمل؟
إذاً: أنت لا تقيم دعوة الله ولا دينه في بلادك، وتطالب أن تدخل البلاد الأخرى، ففيم تدخل؟ أتريد أن يصبحوا سكارى كإخوانك أنت وعشاقاً وضلالاً ومشركين وخرافيين في كل مكان، هذا الذي تدخلهم فيه؟ ما يجوز أن تطلق ولا رصاصة من أجل هذا، ومعنى هذا: أن من أراد من ديار العالم الإسلامي أن يجاهد فليبدأ بنفسه، يطهر أمته بأساليب الطهارة، يزكيها، يرفع قيمها، يوحدها حتى تصبح ككتلة من نور حيثما توجهت أنارت الأرض.
(وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ )[المائدة:35]، لماذا يا رب؟ رجاء أن تفلحوا، لتستعدوا للفلاح: ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:35]، فمن يفلحنا؟ الله الذي جاهدنا من أجله، ينجينا من الخزي والذل والعار والفرقة والخلاف وعذاب النار يوم القيامة، ويدخلنا الجنة دار الأبرار بعد أن تصفو أنفسنا وأرواحنا ونتحاب ونتوالى ونتعاون في ديارنا هذه، هذا هو الفلاح: ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:35]، هذه (لعل) الإعدادية؛ لنعدكم بذلك ونهيئكم للفلاح.


الخطوات الإعدادية لجهاد النفس

معاشر المستمعين! هيا نجاهد، ادخلوا في هذه المعركة، ما دام أنه قد أمنكم الله وأراحكم فلا تحمل سيفاً ولا تشتريه أيضاً ولا يوجد في بيتك، فهيا نجاهد أنفسنا، أول خطوة: ألا نصلي صلاة إلا في جماعة المسلمين، جهاداً لهذه النفس الماكرة الخبيثة، فمن الليلة لا أصلي فريضة إلا في جماعة المؤمنين.
الخطوة الثانية: ألا نتكلم بكلمة لم نعرف أنها فيها رضا الله، ونلتزم الصمت، وإذا بالبلاد تتغير، إذا لازمنا الصمت بقيد ألا نتكلم إلا إذا أذن الله لنا في تلك الكلمة وكانت من مرضاته فلا تسأل عما يسقط من الشر ويتهدم من الفساد والبلاء بحفظ اللسان فقط.
نجاهد أنفسنا على ألا نقضي ساعة في لهو أو باطل أبداً، أيامنا كدقائقنا كساعاتنا لله، نجلس جلسة نذكر الله، نتعلم الهدى، نعبد الله، أما أن نجلس لنضحك ونتكلم بالباطل أمام التلفاز أو نلعب الورق فهل هذا جهاد للنفس؟ هذا انهزام للنفس، فلنجاهد أنفسنا لنتهيأ للفلاح الموعود بكتاب ربنا، نجاهد أنفسنا بحملها على طاعة الله وطاعة رسوله، فلا ترانا إلا نفعل المأمور ونتخلى ونبتعد عن المنهي غير المأمور، هذا هو الجهاد والفلاح مضمون: ( لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )[المائدة:35].

والله تعالى أسأل أن يجعلنا من المفلحين المجاهدين طول حياتهم، وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #618  
قديم 09-06-2021, 02:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (12)
الحلقة (322)

تفسير سورة المائدة (2)


أمر الله عز وجل المؤمنين باحترام شعائره سبحانه، فلا يصدون من أتى من المشركين قاصداً بيت الله الحرام سائقاً معه هديه وقلائده، ولا يتعاملون معهم كما فعلوا هم بالمؤمنين في عمرة الحديبية، حين صدوا النبي ومن معه من المؤمنين عن دخول بيت الله الحرام ونحر هديهم عنده، إلا أن الحكم بدخول المشركين إلى الحرم قد نسخ فيما بعد، فحرم الله دخولهم الحرم لأن عليهم نجاسة الشرك ورجسه.

تابع تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه اليوم والأيام الثلاثة بعده ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع فاتحة سورة المائدة، وقد تناولنا بالدراسة منها الآيتين الأوليين، وما استوفيناهما دراسة وفهماً وعملاً وتطبيقاً، فإليكم تلاوة الآيتين وتأملوا وتدبروا:
بسم الله الرحمن الرحيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )[المائدة:1-2].

ذكر خبر الفيلسوف الكندي في الدلالة على إعجاز نظم القرآن الكريم

بين يدي شرح الآيتين: ذكر القرطبي في تفسيره القصة الآتية؛ لتعرفوا عظمة هذا القرآن وما احتوت عليه هاتان الآيتان من العجب والبيان.قال: إن أصحاب الكنديالكندي هذا من فلاسفة العرب- قالوا له: أيها الحكيم! اعمل لنا كتاباً مثل القرآن، فقال: نعم أعمل مثل بعضه. تلطف، ما ادعى الدعوى الكاملة، فاحتجب أياماً كثيرة في بيته، ثم خرج إلى الناس إلى أتباعه وتلامذته من المشركين فقال: والله ما أقدر ولا أطيق ولا يطيق هذا أحد، قال: إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة، قال: فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث، وحل تحليلاً عاماً ثم استثنى استثناءً بعد استثناء، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا إلا في أجلاد! ما هو في جلد واحد بل في عدد من الجلود، وهو تعالى جاء به في سطرين! هذا قول حكيم من حكماء العرب.

سر نداء المؤمنين بلفظ الإيمان

بسم الله نراجع إجمالاً قبل الشرح:

أولاً: عرفنا أن الله عز وجل تفضل علينا -وله الحمد والمنة- إذ نادانا بعنوان الإيمان: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:1]، قلنا: لبيك اللهم لبيك.

وقد لا يشعر بعضنا بفضيلة نداء الرب تبارك وتعالى، فالبشر لو يناديه ملك من الملوك أو سلطان من السلاطين يكاد يطير من الفرح، وذو الجلال والإكرام رب السموات والأرض رب العالمين ينادينا وما نفرح؟! من نحن وما نحن حتى ينادينا؟ لو اجتمعنا كلنا ما كنا ككوكب في السماء.
ونادانا بعنوان الإيمان لسر عرفناه والحمد لله: وهو أن المؤمن حي يسمع النداء، والكافر ميت، المؤمن الصادق في إيمانه والله إنه لحي يعي ويفهم ويسمع ويبصر وينطق ويأتي ما يدعى إليه ويفعل، وينتهي عما نهي عنه ويترك، وذلك لكمال حياته، أما الكافر فهل يجيب إذا ناديته؟ يسمع (حي على الصلاة) على المآذن فهل يجيب النداء ويشهد صلاة الجمعة؟ الجواب: لا.
وبعبارة واضحة: المسلمون إذا كان تحت رايتهم ذميون من أهل الكتاب هل يكلفونهم بأعمال الإسلام؟ يأمرونهم بالصيام والصلاة والحج والجهاد والرباط والزكاة؟ والله ما يأمرونهم، لماذا؟ هل هم خائفون منهم؟ إنهم تحت دولتهم، فلماذا ما يأمرونهم؟ ما أمرهم الله ورسوله بذلك، لماذا؟ لأنهم أموات، والميت لا يكلف أبداً لا بأمر ولا نهي، فإذا نفخت فيهم روح الإيمان وسارت في أجسادهم أصبحوا أهلا لأن يفعلوا ويتركوا وذلك لكمال إيمانهم.

وجوب الوفاء بالعقود والعهود

نادانا الله تعالى ليأمرنا بما فيه خيرنا وسعادتنا وطهرنا وصفاؤنا وقل ما شئت من ألفاظ الكمال؛ إذ قال: ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )[المائدة:1]، من عقد عقداً مع امرأته مع جاره مع أخيه مع كافر من أعدائه يجب أن يفي، من عقد عقد نكاح، إيجار، حرب، سلم يجب الوفاء، هذا نظام حياة أهل الإيمان، إذا عاهدوا لن ينكثوا العهد أبداً حتى يكون غيرهم هو الناكث والناقض، لأنهم أحياء شرفاء كمل أقوياء لا يهبطون إلى تلك مستويات الأموات من أهل الكفر والشرك والنفاق. إذا عقد المؤمن عقداً فلن يحله أبداً، وإذا عاهد فلن يخون عهده ولن ينكثه، وحسبنا أن يأمرنا الله تعالى بقوله: ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )[المائدة:1]، ما بقي مؤمن ينكث عهداً ولا ينقض عقداً ولا يحل عقداً، وهذا هو الواقع الذي نعرفه.
منة الله تعالى على عباده بحل بهيمة الأنعام عدا ما حرمه

ثانياً: ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ )[المائدة:1]، يا عباد الله المؤمنون! ( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ )[المائدة:1]، كلوا لحوم الإبل والبقر والغنم واشكروا الله واذكروه على نعمه وآلائه، هذه منة أم لا قيمة لها عندنا؟ لولا أنه أذن لنا في أكل لحوم الإبل والبقر والغنم فهل سنأكل لنتعرض لغضب الله وسخطه والخلود في عذاب الشقاء أبداً؟ لا والله، إذاً: هذه منة من أعظم المنن، ونعمة من أعظم النعم.وشيء آخر: من خلق الإبل والبقر والغنم؟ هل أمهاتنا وآباؤنا؟ هل نحن الذين أخرجناها من المصانع؟ من يملكها؟ الله، وقد أذن لنا في أكلها، إذاً: فالحمد لله.
(إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1]، هذا الاستثناء اللطيف الذي تعجب منه الحكيم: ( إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ )[المائدة:1] أي شيء يتلى علينا مما حرم علينا أكله، وقال: ( يُتْلَى )[المائدة:1]، وبعد آيتين فقط يأتي ما يتلي عليكم، في قوله تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ )[المائدة:3]، فهذه العشر تلاها علينا أم لا؟ تحمل بيان محرمات اللحوم.
تحريم صيد البر على المحرم وصيد حيوان الحرم

( إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، لا إله إلا الله! ما هذا الاستدراك وهذا الاستثناء؟ ( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، إياكم أن تصيدوا محرمين بحج أو عمرة، ما أحل الله ذاك ولا يحله لكم؛ لأن المحرم داخل في أعظم عبادة وأشرفها وأكملها، قلبه مع الله، جوارحه مسخرة لعبادة الله، فكيف يشتغل بالصيد فيصيد، حتى ولو كان جائعاً يقتله الجوع لا يصح له أن يصيد، ولا يأمر أحداً أن يصيد له أبداً وهو متلبس بهذه العبادة الجليلة العظيمة: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، أما إن كنتم حلالاً فصيدوا فقد أذن لكم في الصيد، وأي صيد؟ هو ما أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكله، كل الصيد حلال إلا ما كان من ذوات الأنياب كالسباع وذوات المخالف، إذ النبي صلى الله عليه وسلم ( حرم أكل كل ذي ناب من السباع، وذي مخلب من الطيور )، حرم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله تعالى له بذلك أنابه عنه في أن يحرم على المؤمنين والمؤمنات أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطيور؛ لحكمة يعلمها الله عز وجل.
إذاً: ( غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ )[المائدة:1]، وهنا أيضاً علمنا أن الحرمين الشريفين مكة والمدينة لا يحل لنا الصيد فيهما ولو جعنا، لا يحل لنا الصيد، أي: لا يحل لأحدنا أن يصيد حمامة أو طائراً أو يصيد أي حيوان في الحرمين، بل الواجب إذا مررت بذئب أو بثعلب أو بأي حيوان تحت ظل شجرة ألا تزعجه، دعه في ظله، إلا ما كان يؤذي، فالذي يؤذي المؤمنين يقتل، لا يسمح له بالبقاء.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #619  
قديم 09-06-2021, 02:52 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

صور من إحداث المحرم في الحرمين

أحد الإخوان جاءني يعقب على كلمة أمس يقول: أنت قلت: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( المدينة حرم من عير إلى ثور، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً )، فهل الطريقة التجانية تعتبر من الأحداث المنهية؟قلت له: نعم.
فقال: لم ما بينت؟
فقلت: في الحقيقة نحن ما بينا؛ لأننا لسنا دارسين لهذا الحديث، ولكنه عارضة عرضت، ولا بأس أن نبين فنقول:
الذي يفتح استوديوهاً في مكة أو المدينة للتصوير هذا والله لقد أحدث حدثاً من أقبح الأحداث، وهو كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، إما أن يتوب ويتوب الله عليه وإلا فهو آيس من الرحمة، لقوله: ( فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً )، لا فرض ولا نفل.
فهل يسمح الرسول لأحد أن يحدث في مدينته هذا الحدث، وهو الذي يقول: ( إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون )، من هو المصور الحق؟ أليس الله؟ اقرءوا آخر سورة الحشر في أسمائه تعالى، فهل يرضى أن يقال لك: أنت المصور؟تنازع الله عز وجل؟ فهذه وحدها كافية.
والذي يفتح دكاناً لبيع أشرطة الأغاني أغاني العواهر وفجار الرجال، ويبيع ذلك في المدينة ويشيعه بين بيوتها أما أحدث حدثاً؟ أي حدث أقبح من هذا الحدث؟!
والذي يفتح صندوقاً مالياً ويقول: تعالوا لترابوا معنا! خذوا العشرة بأحد عشر إلى شهر أو سنة، أليس هذا قد أحدث حدثاً؟
والذي يفتح صالون الحلاقة يحلق وجوه الرجال، صالون حلاقة مهمته أن يحلق وجوه الفحول، أما أحدث هذا؟ أيرضى الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الحدث؟ هل كان موجوداً هذا؟ هل أذن الله به؟
إذاً: والذي يأتي بطريقة من طرق الهابطين ويأخذ يدعو الناس إليها في الحرمين، وعلى سبيل المثال: التجانية التي يقولون فيها: إن صلاة الفاتح مرة واحدة تعدل سبعين ختمة من القرآن، صلاة الفاتح تلك الصيغة التي ابتدعها من ابتدعها يقول: تعدل سبعين ختمة من القرآن، ومعنى هذا: لا تقرءوا القرآن أبداً، لا حاجة إليه.
وصلاة الفاتح هي: اللهم صل على محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، والهادي إلى الصراط المستقيم، وعلى آله حق قدره ومقداره العظيم. هذه الصيغة تعدل سبعين ختمة من القرآن، فهل يبقي من يقرأ القرآن؟! ما الفائدة؟ نقرأ سبعين ختمة حتى نعطى أجر هذه الصلاة!
ومعنى هذا إغلاق الباب عن كتاب الله حتى ما يقرأ، وأعظم من هذا أنهم يقولون: إن صلاة الفاتح أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً للشيخ فلان، خرج في اليقظة وأعطاه صلاة الفاتح! كذبوا على رسول الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار )، وكذبوا على المؤمنين والمؤمنات.
هذا مثال وإلا فكل الطرق فيها من الباطل والشرك ما لا يذكر، فمن الخير أن نسلك سبيل سلفنا الصالح، ما عندنا طريقة إلا طريقة محمد صلى الله عليه وسلم، أنا مسلم فقل لي: قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم.
والذي يسلك الطريقة الحديثة طريقة التكفير والهجرة، ويأخذ ينشرها في الحرمين، وعثر عليهم وهم يوقدون نيران الفتنة في العالم، أليس هذا من أعظم الأحداث؟! هذه تكفر المؤمنين، قالوا: الحكام يحكمون بغير ما أنزل الله فهم كفار، والعلماء علموا ذلك وسكتوا فهم كفار، والأمة علمت بذلك وما حاربت فهي كافرة، ولم يبق من مسلم إلا ذلك الرجل الذي يحمل هذه البدعة!
وقد قلت غير ما مرة: من لم يستطع أن يستقيم في الحرمين فليخرج، يلتحق بأي بلاد، أما أن ينزل في مكة والمدينة ويتعاطى الخمر والحشيش والربا والزنا والباطل والمنكر؛ فهذا غير مسموح له أن يدخل في الحرمين الشريفين إلا عن توبة صادقة، ما استطعت أن تستقيم فالتحق ببلاد أخرى، هذا حرم رسول الله، وذاك حرم الله عز وجل.
اختصاص الله تعالى بحكم ما يريد

( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ )[المائدة:1]، أرأيتم كيف ختم هذه الآية بقوله: ( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ )[المائدة:1]، يحل ما يشاء ويحرم ما يشاء ويأذن فيما يشاء ويمنع ما يشاء؛ إذ هو الرب العليم الحكيم لا اعتراض عليه؛ لعلمه الذي أحاط بكل شيء، ولحكمته التي ما خلا منها شيء، ولقدرته التي لا يعجزها شيء، فلهذا يحكم ما يريد، إياك أن تعترض على حكم الله وتقول: لم أحل الله هذا؟ أو لم حرم الله هذا؟ إنك تقول: لم أحللت يا فلان لأنه إنسان عاجز علمه محدود وطاقته محدودة، أما الله العليم الحكيم العزيز الحكيم فما تقول: لم؟! انتبه! من اعترض على الله كفر وخرج من الإسلام.( إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ )[المائدة:1] هو لا ما تريدونه أنتم، مع العلم أنه لا يحل إلا ما فيه خير البشرية وسعادتها، ولا يحرم إلا ما فيها خسرانها وشقاؤها؛ لأنه ربهم مولاهم سيدهم، عبيده لا يريد لهم إلا السعادة والكمال.

نهي المؤمنين عن استحلال شعائر الله

ثم النداء الثاني: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:2]، لبيك اللهم لبيك، ( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ )[المائدة:2]، هذه محكمة غير منسوخة: ( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ )[المائدة:2]، ما شعائر الله؟ أعلام دينه، حتى قلم الأظافر، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقصها ويبدأ بكذا، فائتها كذلك، ولا تقل: أيش في خلافه؟ حتى تناول الشراب والطعام، تناوله كما كان يتناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تقل: أيش في خلافه؟ إياك أن تحل شعيرة من شعائر الإسلام بإبطالها وإبعادها وتركها.ومن شعائر الإسلام مناسك الحج كلها، من (لبيك اللهم لبيك) إلى تعرية الرأس إلى أن تعود إلى بلدك، ( لا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ )[المائدة:2]، أية شعيرة من دين الله يجب أن لا تهمل ولا تضيع وألا يصرف عنها الناس، يجب أن يقام بها في الناس ليعبدوا الله بها.

منة الله تعالى على العرب بوضع القتال في الأشهر الحرم وبيان نسخ ذلك

وقوله: ( وَلا الشَّهْرَ الْحَرَامَ )[المائدة:2]، هذا منسوخ، كان الشهر الحرام لا يحل حمل السلاح فيه، لا يحل القتال؛ لحكم عالية، بالأمس ذكرنا بإيجاز أنه كانت هذه البلاد لا سلطان لها ولا ملك ولا حاكم قروناً عديدة وهي تعيش على الفوضى، بلاد حارة فيها رمال وصحارى لا يأتيها ملك من الروم ولا من الشام ولا من غيرهما، ولكن لما كان فيها حرم الله بلد الله بيت الله دبر الحكيم العليم لسكان الحرم ليعيشوا سعداء أعزة كرماء؛ لأنهم حماة حماه وسكان حرمه، فقال تعالى: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ )[المائدة:97]، معاشهم، أهل الجزيرة في الحج والعمرة يتجرون في مكة ويربحون. ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ )[المائدة:97]، وأشهر الحرم أربعة، إذا كان الشهر الحرام لا تسمع قعقعة السلاح أبداً، أهل الجزيرة يتجولون من شرقها إلى غربها لا يخافون أحداً؛ لأن القتال حرام، ألقى الله في قلوبهم هذا.

النهي عن استحلال الهدي المهدى إلى البيت يإشعار أو تقليد

قال تعالى: ( وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ )[المائدة:2]، كما قال تعالى: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ )[المائدة:97]، إن أردت أن تهدي إلى سكان الحرم بعيراً أو بقرة أو قطيعاً من غنم، فماذا تصنع؟ أشعرها وأعلمها بأنها مهداة واخرج بها من أقصى الجزيرة لا يعترضك معترض ولا يأخذ إبلك أو غنمك أحد؛ لأنها مشعرة معلمة أنها للحرم.والإشعار -كما علمتم-: أن يجرح سنام البعير من الجهة اليمنى ويلطخ بالدم الوبر، إذا رآها العربي يقول: هذه مهداة، ولا يعترضها أبداً.
والقلائد أن توضع في رقبة الشاة قلادة لأنها لا تشعر، يقولون: هذه مهداة إلى الحرم، والرجل نفسه إذا علق لحاء من شجر الحرم في عنقه في كتفه في يده يمشي بين القبائل العربية لا يؤذيه أحد، يلتقي بقاتل أبيه أو أخيه فيغمض عينيه ولا يلتفت إليه، وبذلك يسود الأمن وتستريح الأمة فترة من الزمن، وهذا تدبير الله: ( جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )[المائدة:97].
إذاً: حرمة القتال في الشهر الحرام نسخت، أذن الله لرسوله والمؤمنين أن يقاتلوا في الشهر الحرام إذا قوتلوا، وأما فالحرم فحرمته باقية على ما هي عليه.

نسخ الإذن للمشركين بإتيان البيت للنسك والتجارة
ثم قال تعالى: ( وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا )[المائدة:2]، هذا أيضاً نسخ، أعلن الرسول بقوله: ( لا يحج بعد العام مشرك )، كان مسموحاً لهم بأن يأتوا يبتغون فضلاً من ربهم يسترزقون الله ويطلبون الرزق في حجهم وعمرتهم ويتجرون ويربحون، لكن هذا نسخ، فلا يحل لكافر مشرك أن يدخل الحرم أبداً.
نهي المؤمنين عن العدوان على من صدهم عن البيت في عمرة الحديبية

( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا )[المائدة:2]، هذا موجه إلينا عامة، وبخاصة الذين أوذوا في صلح الحديبية، حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم مع ألف وأربعمائة رجل يريدون العمرة في السنة السادسة من هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم، لما سمعت قريش بخروجهم أعدت عدتها وأعلنت الحرب، وقالت: لن يدخل محمد مكة أبداً، وتمت مفاوضات وسفارات شيبت الأطفال في الحديبية، وانتهت بأن يعود الرسول إلى المدينة ورجاله على أن يسمح لهم العام المقبل بالعمرة، فلا شك أن أولئك المؤمنين بقي في نفوسهم شيء وتألموا، فقال لهم تعالى: ولا يحملنكم ( شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا )[المائدة:2]، يجيء القرشي المكي ماشياً فما تعتدي عليه تقول: هذا ممن صرفونا عن العمرة! فلهذا لا نعتدي على أحد مشركاً كان أو مؤمناً، وإذا كان الكافر ما نعتدي عليه فهل نعتدي على مؤمن؟! إن الذين يفعلون ذلك ما عرفوا الله ولا آمنوا الإيمان المطلوب، أمؤمن ويقتل أخاه؟ أمؤمن ويسلب مال أخيه؟ أمؤمن ويروع أخاه المؤمن؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً )، ( كل المسلم على المسلم حرام ) ما هناك جزء حلال، دمه، عرضه، ماله.

معنى قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ...)

ثم قال تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) [المائدة:2] تعاونوا يا عباد الله أيها المؤمنون على البر والتقوى، فإن قلنا: ما نستطيع، ما هناك تعاون فقد عصينا ربنا. وتعاونوا على ماذا؟ على الخير وفعله، وعلى تقوى الله باجتناب ما حرم الله وفعل ما أمر الله، والذي يلهم هذه يسعد في الدارين، الذي يأتي البر وينشره بين الناس ويتقي الله عز وجل يسعد ويكمل في الحياتين معاً.
(وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) [المائدة:2]، إياكم أن تتعاونوا على فعل الذنوب والآثام كما بينا، هذا يستورد كذا وهذا ينشر كذا وهذا يعمل كذا، والعدوان: الاعتداء، اعتدى أحد على أحد نوقفه عند حده، نقف إلى جانب المعتدى عليه حتى نرفع العدوان عنه.

وأخيراً يقول تعالى: ( وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )[المائدة:2] إي والله إنه لشديد العقاب، أما ذقنا عذابه؟ أما أذل الله المسلمين وسلط عليهم الكافرين، فاستعمروهم واستغلوهم واستعبدوهم وأذلوهم وأهانوهم؟ فهل هو شديد العقاب أم لا؟ وكل مؤمن ومؤمنة يخرج عن طاعة الله يعذبه الله ويذيقه عذابه في الدنيا قبل الآخرة.

(وَاتَّقُوا اللَّهَ ) [المائدة:2] لا تخرجوا عن طاعته، فإنه تعالى شديد عقابه، إذا عاقب فعقابه قاس وشديد.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #620  
قديم 09-06-2021, 02:53 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (13)
الحلقة (323)
تفسير سورة المائدة (20)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة واللتين بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ). اللهم لك الحمد على ما أوليت، ولك الحمد على ما أعطيت، ولك الشكر يا رب العالمين.
ما زلنا مع سورة المائدة المباركة الميمونة، وما زلنا مع الآيات الثلاث التي درسنا الآية الأولى منها، وها نحن مع باقي الآيات.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ )[المائدة:35-37].

نداء المؤمنين وأمرهم بتقوى الله تعالى

معشر الأبناء والإخوان والمؤمنات الصالحات! عرفنا هذا النداء: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )[المائدة:35]، فمن المنادي ومن المنادى؟ المنادي: هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، والمنادون عباده المؤمنون والمؤمنات، الذين آمنوا بالله رباً وإلهاً لا رب غيره ولا إله سواه، وآمنوا بكتبه ورسله وآمنوا بلقائه، هؤلاء المؤمنون يعتبرون أحياء، إي والله، والحي يسمع ويبصر، ويعطي إذا طلب منه ويأخذ إذا أعطي؛ وذلك لكمال حياته، فلهذا أمرهم بما يلي: أولاً: بتقواه عز وجل. ثانياً: بطلب الوسيلة إليه. ثالثاً: بالجهاد في سبيله.

الأولى: التقوى، والتقوى عرفناها ولا حاجة إلى تكرارها، وكيف نتقي الله؟ الجواب: أن تخافه بقلبك خوفاً يحملك على أن تطيعه ولا تعصيه، وبهذا تتقي غضبه وعذابه.
وهل علمنا أوامر الله ونواهيه حتى نفعل المأمور ونترك المنهي؟ الجواب: المفروض أننا عرفنا هذا، من ساعة أن دخلنا في الإسلام وشهدنا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونحن نتعلم في كل يوم -بله في كل ساعة- أوامر الله ما هي وكيف نؤديها، ونواهي الله وكيف نتركها ونتجنبها، والقرآن يفيض بهذه الأوامر والنواهي، وما التبس علينا فرسوله صلى الله عليه وسلم يبين ويشرح، إذ من المستحيل أن تتقي الله وأنت لم تعرف أوامره ولا نواهيه، ومن هنا تقررت القاعدة النبوية: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ).

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 4 ( الأعضاء 0 والزوار 4)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 261.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 254.96 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]