تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 13 - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858313 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 392781 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215468 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #121  
قديم 31-08-2020, 04:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ...)

قال تعالى في الطابع الأخير: أُوْلَئِكَ [البقرة:86] أي: البعداء الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ [البقرة:86] في الدنيا والآخرة، وَلا هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:86] لا في الدنيا، ولا في الآخرة.وقد يقول قائل: هذه الآية في الآخرة؟ نقول: نعم في الآخرة، وفي الدنيا كذلك، وهذا الأسلوب الحكيم.قال: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ أي: أعطوا الآخرة بما فيها من نعيم مقيم وأخذوا الدنيا.وهل لهذا من أمثلة عندنا؟فكم من إنسان يتخبط في الربا .. في الزنا .. في القمار .. في الجرائم، قد نسي الآخرة، ويتلذذ في الدنيا فقط، فيلبس الحرير، ويتختم بالذهب، أما يقال فيه: اشترى الحياة الدنيا بالآخرة وإلا ما معنى: استبدال الدنيا بالآخرة؟!تجده يقول: دعنا يا فلان؛ فالدنيا ماضية، دعنا نتنعم، هي أيام فقط وتنتهي، فكل واشرب وغنِّ وفرفش، فيبيت هو وزوجته وأولاده على الخمر، فهؤلاء من الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة.قال: فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ [البقرة:86] أي: يوم القيامة وَلا هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:86] أي: يوم القيامة، والدنيا أيضاً.وإن قلت: هاهم انتصروا. نقول: هل انتصر اليهود على إيطاليا .. على اليونان .. على سويسرا .. على من انتصروا؟ على المسلمين.لكن السؤال: كيف انتصروا على المسلمين؟الجواب: لأن الله أراد أن يري عباده آية من آياته، فلو انتصر اليهود على إيطاليا فهذا معقول، أما أن ينتصروا على ألف مليون مسلم فهذا لا يعقل؟ وليس هم الذين انتصروا بل الله تعالى هو الذي نصرهم؛ ليرينا آياته فينا علَّنا نفيق ونرجع، ولكن ما زلنا سكرى، فلا إفاقة.وكم قد دعونا إلى اجتماع يعقده رؤساء وحكماء العالم الإسلامي في الروضة، فيتعاهدون ويبايعون خليفة لهم ويطبقون شرع الله.قد يقولون: كيف لنا أن نعرف هذا؟قلنا لهم: هذه الدولة بناها الله، وجاء بـعبد العزيز فطبق شريعة الله وسادها الأمن، وسادها الطهر، والصفاء، والكتاب موجود، والسنة قائمة، فخذوا وتفضلوا.وقد قلت غير مرة: وجدت هذه الدولة في عالم مظلم؛ لتكون حجة الله على المسلمين، فلا يستطيع أن يقول قائل: كيف نعمل؟ كيف نطبق هذه الشريعة؟ لقد مضى عليها الدهر والأحاديث موضوعة وكذا وكذا، فدعونا من هذا، وخذوا القانون الذي يتلاءم مع المجتمع من فرنسا أو إيطاليا، كيف نعرف نحن؟!ولقد أراهم الله هذه الدولة؛ فأهل البادية والإبل والغنم يعيشون في أمن وطهر وصفاء لم تر الدنيا مثله إلا أيام القرون الذهبية، فلا هيدروجين، ولا ذرة، ولا ملايين الجيوش .. ولا ولا، وبدأت هذه الدولة بحفنة الشعير ورأس الماعز فلا بترول، ولا ذهب، ولا فضة، وكانت البلاد فوضى، فالنار مشتعلة: الجرائم .. القتل .. الشرك .. الباطل.. العجب، وفي سنيات معدودة أصبح الرجل يمشي من أقصى الجزيرة إلى أقصاها لا يخاف إلا الله.وفي عشر سنوات .. عشرين سنة قد يقام حد الزنا مرة واحدة، وهذا نادر جداً، فكيف تحقق هذا؟ هل بالسحر أو بالقوة والمدافع؟! الجواب: والله ما تحقق هذا إلا بفضل الله وبتطبيق شرع الله، قال تعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ [الحج:41]، ماذا فعلوا؟ أقاموا الحفلات والزغاريد، وشربوا الخمر، والرقص في حفلات عيد استقلال!!أما تعرفون أعياد الاستقلال أو لا؟ كم يشرب فيها من براميل خمر؟ كم وكم، وكم تترك فيها الصلاة وكم .. هذا هو عيد الاستقلال.أما قرءوا هذه الآية؟!الآن أكثر من خمسة وأربعين عاماً، وجواسيسهم وعيونهم ومسئولوهم يسمعون هذا ويعرفون، ونحن نصرخ: استقل هذا الإقليم من الاستعمار البريطاني، فيجب عليه أن يقيم دولة قرآنية أهلها مسلمون.

دعائم الدولة الإسلامية

فإن قال قائل: كيف نقيم الدولة؟نقول له: تعال نطبق آية واحدة من كتاب الله، فالله يقول: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41]، فإذا استقل الإقليم يقول حاكمهم: اسمعوا أيها المواطنون! خلقنا لنعبد الله، وهذا سر حياتنا، ومن اليوم لو يُشاهد أحد يترك الصلاة يعاقب بالموت، فلا فرق بين عسكري ومدني، وغني وفقير، لا بد وأن نشهد الصلاة في بيوت الله، ولا يتخلف عنها إلا مريض أو ذو عذر، وتقام الصلاة، ولو أقيمت الصلاة أربعين يوماً فقط في أقطارنا التي استقلت لتجلت الأنوار والطهارة والأمور التي هي عجب، لكنهم أماتوها، فما أقيمت الصلاة.أقول: لعلي واهم!من يقوم ويقول: نعم قد أقمنا الصلاة في ديارنا بمجرد أن استولينا على الحكم وأصبحنا حاكمين؟أقول: لا يوجد أحد.آه، يا هؤلاء! يا أهل لا إله إلا الله! إن الله تعالى يقول: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ [الحج:41] أي: حكمناهم، فأصبحوا متمكنين من حكم البلاد، وماذا فعلوا؟ أَقَامُوا الصَّلاةَ [الحج:41]، فلا يتخلف عنها عاقل بلغ سن الرشد؛ رجلاً أو امرأة، كيفما كان.أما كررنا هذه الكلمة في القرى الضائعة!كان إمام المسجد هنا يقرأ كل صباح قائمة بأسماء أهل الحي أو القرية، ويسجل من حضر ومن لم يحضر.لكن تعال معنا وادخل إلى الثكنة العسكرية وشاهد هل تقام الصلاة فيها أو لا إلى الآن؟لو دخلت إلى الثكنات العسكرية في العالم الإسلامي لوجدت خمسمائة يصلون وخمسين ألفاً لا يصلون، ولا تجد جنرالاً أو قائداً يقول: لم ما صلى فلان، أبداً.أما الزكاة في هذه البلاد فقد جبيت، ولو يحدثكم الشيوخ الكبار لقالوا: لقد كانت الزكاة تؤخذ من التمر والشعير ورءوس الغنم، وليس هناك من أموال عند هذا الشعب، فهو مقطوع عن الدنيا تماماً، ومع هذا جبيت الزكاة إيماناً بالله، وطاعة لله ورسوله، وبارك الله في ذلك الصاع، وذلك الغنم.أما دولنا الأخرى فلا زكاة جبيت، ولكن فرضت الضرائب، فأثقلوا كواهل المواطنين بالضريبة، وأما الزكاة فلم ينظروا إليها، لأنها تذكر بالله، فهي تُفهِم أن هناك ديناً وشرعاً ألا وهو الإسلام يجب أن يطبق ويعمل به من أجل إكمال الشعب وإسعاده.وأما الأمر بالمعروف فهل هناك أفراد تسند إليهم هذه المهمة فيقال: يا فلان! أنت في قريتك إذا شاهدت من يتخلف عن الصلاة .. من يغني .. من يعبث .. من يقول كذا فاستدعه إلى المكتب ويؤدب. لكن لا شيء من ذلك، بل من شاء أن يفسق علناً فليفجر كما يحب، دعه فهو مواطن، فالدولة ما منعت هذا.معشر المستمعين! هل نبكي أم نفرح ونضحك؟!أما أصابع الحاقدين والحاسدين فهي في هذه البلاد تعمل ليل نهار أن ينتهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووالله لولا أن الحكام أولاد عبد العزيز -وفيهم هذه البقية من الخير- لانتهى هذا الأمر من عشرين سنة، فهؤلاء الحاقدون يحرضون على ترك الصلاة ويقولون: لم هذا النداء؟! ولم تغلق أبواب المتاجر؟ ولم .. ولم؟ فهم يعملون الليل والنهار.ولهذا نسأل الله أن يبقي هذه البقية، فأولاد عبد العزيز هم بركة الآباء في الأبناء، ولو يكون ما يريده الحاقدون لرأيتم ماذا سيفعل الماسونيون؛ لخرجوا في الشوارع يغنون، ولخرجن النساء كاشفات؛ عاريات.إذاً: نبكي أو نسكت؟! وماذا نعمل مع قول ربنا: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ [البقرة:85] فهذا توبيخ وتقريع. فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ [البقرة:85-86].

تفسير قوله تعالى: (ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل ...)

قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة:87] مَن المخبر؟ إنه الله.يقول تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ هو موسى بن عمران .. موسى الكليم .. موسى رسول الله عليه السلام، آتيناه الكتاب الفخم .. الكتاب الجليل .. الكتاب العظيم، لأن (أل) هنا تدل على هذا المعنى، ألا وهو التوراة، والتوراة مشتقة من النور، مِن: ورى الزند إذا أوقد النار وأشعلها، فهو كتاب نوراني أنزله الله للهداية، ولتبديد الظلام، فهو النور.قال: وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ [البقرة:87] أي: واحداً بعد واحد، فما يذهب رسول إلا ويأتي من بعده رسول ثانٍ، ويأتي بعد الثاني رسول ثالث وهكذا، هم سلسلة من الأنبياء والرسل من أجل ماذا؟ حتى يغني الشعب، ويرقص، ويأكل البقلاوة والبطاطس، ألهذا بعث الرسل؟ لا، إنما من أجل تطهير النفوس .. تزكية الأرواح .. إعداد الأمة إلى السمو والكمال حتى لا ترى منظر سوء، ولا تشاهد حادثة مؤلمة، فلا خيانة، ولا تلصص، ولا إجرام، ولا كذب، ولا كفر، ولا شرك، ولا باطل، كأنهم يعيشون في السماء بطهرهم وصفائهم، فيكملون ويسعدون. وهذه هي مهمة الرسل.

سبب تتابع الرسل

ولم قفّى بالرسل واحداً بعد واحد؟الجواب: لهداية الخلق .. لإصلاح الأمة .. لتطهيرها .. لإعدادها للسماء، والنزول في الملكوت الأعلى بعد نهاية هذه الحياة. فهذه منة الله، وهو المخبر بهذا الخبر، يقول: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ [البقرة:87]، وعدد الرسل -كما علمتم- ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، أولهم نوح، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، أما الأنبياء فبلغ عددهم مائة ألف وأربع وعشرون ألف نبي، فالرسول يُتابع ويُطاع، وأما النبي فيُؤمن به، وتُقبل هدايته وإرشاده، ولكنه لا يقنن، ولا يشرع، ولا ينزل عليه تشريع، بل هو يتبع الرسول الذي أرسل قبله.

سبب نسبة عيسى عليه السلام إلى أمه مريم

قال: وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [البقرة:87] عيسى هذا هو عيسى ابن مريم. ومريم هي العذراء بنت حنة امرأة عمران .فإن قيل: لم قال: عيسى ابن مريم ولم يقل: عيسى بن سعيد أو عثمان؟ والعامة منا يقولون: الله ينادي الإنسان يوم القيامة بأمه، ولا يناديه بأبيه، ويقولون: إن منكراً ونكيراً لما يجلسان العبد يسألانه عن أمه لا عن أبيه: أنت فلان بن فلانة، أو يا فلان بن فلانة، وقال تعالى: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا * يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ [الإسراء:70-71] يعني: بشيخهم فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا [الإسراء:71] ويقولون أيضاً: يدعو الله الناس بأمهاتهم لا بآبائهم ستراً على عيسى حتى لا يفضح في عرصات القيامة أنه ما له أب. وغير ذلك من الكلام الذي ملئوا به الكتب.الجواب: الشاهد عندنا في عيسى ابن مريم أن عيسى لم يكن له أب، فمريم لم يتزوجها فحل، ولم تنجب كما تنجب النساء بواسطة المني، وإنما عيسى كان بكلمة الله: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران:59]. فجبريل روح القدس نزل ونفخ في كم مريم، أي: كم الدرع، فسرت النفخة حتى انتهت إلى رحمها، وقال الله: كن يا عيسى فكان، وفي ساعة واحدة جاءها المخاض يهزها، والطلق يدفعها إلى النخلة لتلد عندها، فلا عام ولا تسعة أشهر أبداً، بل كان بكلمة التكوين، وعيسى ابن مريم هو آخر أنبياء بني إسرائيل، وآخر رسلهم.قال: وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ [البقرة:87] أي: الدلائل .. البراهين .. الحجج .. المعجزات، فكل ما يبين الطريق إلى الله أعطاه الله لعيسى، فمن أراد أن يدخل دار السلام فليمش وراء عيسى، فقد أعطاه الله البينات .. المعجزات .. الحجج .. البراهين، ومنها: أنه يحيي الموتى بإذن الله.ومن الروايات في ذلك: أن ولداً مات وحمل على النعش، فكانت الأم تصرخ، والناس في طريقهم إلى المقبرة فقالت: يا روح الله! ادع الله لي أن يرد عليَّ ولدي. فدعا الله وقال: يا فلان! تعال لأمك. فقام في النعش، وأزال الغطاء، وهبط ومشى مع والدته. فقال اليهود: هذه مؤامرة. فقد تآمرت هذه العجوز مع عيسى وقالت له: تعال في الطريق، وأنا أصرخ بك، وأنت قل له: اهبط واحيا فهو يحيا.

الكفار يقلبون الحقائق

أتعرفون قلب الحقائق؟!والعرب قد بلغوا المنتهى في طريق المكر والحيل، لكن الله أخبر بنفسه: وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي ... [المائدة:110]. أما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد نادى من نادى في المقبرة وأجابه حياً.والشاهد عندنا في قوله: وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ [البقرة:87] أن اليهود قالوا: بسحر ابن مريم، وأنه ابن زنا .. وليس له أب و.. ، مع أنهم يشاهدون الآيات. فلا تتألم يا رسولنا من كفر اليهود، وهذه هي حالهم مع نبي من آبائهم .. نبي من أهلهم .. نبي بعث فيهم، فرسول الله عيسى قالوا فيه: ساحر .. دجال .. ابن زنا، وقالوا وقالوا، فكيف يؤمنون بك يا محمد؟ وهذا كله يسلي به الله، ويسري به عن نبيه من آلامه وحزنه، وقد كان عمر وغيره من أصحاب رسول الله يعجبون: كيف أن اليهود لا يؤمنون بمحمد والإسلام؛ فهم أهل كتاب يقرءون التوراة، ويعرفون كل شيء، ويؤمنون بالله ولقائه؟! والله كانوا يعجبون. أما قرأنا: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [البقرة:75] أي: فكيف تحزن أيها المؤمن من عدم إيمان هذه الأمة التي هذه صفاتها؟!وفي قوله: وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ سؤال: هل بعث رسول من الله واستجاب له اليهود مع التقفية بالرسل؟الجواب: أما على عهد داود وسليمان فقد استجابوا لكن بالهراوة والحديد والنار، فالجن أخضعهم الله لداود ولسليمان. أما اليهود فكانوا يقولون: آمنا. ولكنهم في البيوت يضحكون ويسخرون، وقد قالوا في سليمان: إنه ساحر.فإن قيل لهم: إن سليمان قد أعطاه الله ما لم يعط غيره، فقد سخر الله له الجن يستخدمهم في الصناعة، وفي غوص البحر واستخراج اللآلئ .. وفي كذا وكذا، فما زالوا يقولون: ساحر، وليس برسول. وإلى الآن يقولون: سليمان ساحر، هو منا نعم، ولكنه كان يستعمل السحر، ولهذا هم الآن ينشرون السحر، ووالله لقد وصلوا إلى المدينة، وبلغنا أن بعض السحرة تحاول الهيئة أن تلقي القبض عليهم لكنهم كالشياطين يتلونون، وكل سحر في العالم لا بد أن تجد فيه أصابع اليهود، فهم الذين صنعوه، وقد برزوا في هذا الباب، حتى سحروا النبي صلى الله عليه وسلم، ووجد السحر عند بئر ذروان حتى أصبح الرسول يتكلم بالكلمة ولا يفهم ما يقول، فظل يوماً .. يومين في حيرة، قد سحره لبيد ببناته الشيطانيات.إذاً: اليهود كلما جاءهم رسول كفروا به، وهكذا هم، فقط لا يريدون إلا الدينار، والدرهم، والشهوة، وهذا هو مبدؤهم وما هم عليه، فهم الذين نشروا أنواع الشر والباطل في العالم.أتعرفون أوروبا أو لا؟ لقد شاهدت بعيني امرأة الحاكم الفرنسي لما يأتي إلى القرية والله كان على وجهها هذا الخمار الخفيف الذي عندنا، وتستحي. ومن ثم انسلخت الأوروبيات، وخرجن عاهرات كاشفات! والله إن اليهود هم وراء كل خراب في العالم؛ لأنهم يريدون أن يصلوا إلى هدف عال، وهو أن يحكموا العالم، والطريق أن يفسدوا الأديان، والأخلاق، والآداب، والكمالات الروحية؛ لتصبح البشرية لا همَّ لها إلا الفروج والرقص والطعام، ومن ثَمَّ يسوقونهم لأن المال بأيديهم.وقد نجحوا في ذلك، وما زالوا حتى تظهر أنوار الإسلام ويطأطئ العالم رأسه.

تأييد الله لعيسى بجبريل

ثم قال: وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ [البقرة:87] روح القدس هو جبريل فهو إلى جنبه يسترشده .. يبين له .. يعين له ما يقول .. يشفع له عند الله، فلا يفارقه تأييداً؛ لأنه وحده، فاليهود كلهم أعداؤه، فعيسى كان يعيش مع والدته، ومجموعة من الحواريين على رءوس الأصابع، وبعد ذلك اضطروا إلى الجبال وهربوا، فأيد الله عيسى بسيد الملائكة .. بجبريل عليه السلام .. بروح القدس.كان حسان بن ثابت شاعر الدعوة .. شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان المشركون واليهود يهجون النبي صلى الله عليه وسلم، فمن يدافع عن رسول الله؟! كان حسان بن ثابت يهاجم الشعراء المجرمين والرسول يقول: ( اهجهم، ومعك روح القدس ). فنبينا أيده الله بـحسان ، وحسان أيده الله بجبريل؛ روح القدس.

موقف اليهود من الرسل

وكل هذه الآيات يذكرها الله تعالى من باب كشف عورات اليهود، وإزاحة الستار عن أمراضهم وأسقامهم ومحنهم لعلهم يرجعون، وهذا هو السر، فهو لا يريد التعيير والانتقام منهم، ولو أراد أن ينتقم لمسخهم قردة وخنازير كما فعل بأسلافهم على ساحل البحر، ولكن رجاء أن يهتدوا لتقوم الحجة عليهم بهذه البينات.ثم قال لهم: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ [البقرة:87] أي: كلما جاءهم رسول بما لا تحبه أنفسهم كأن يأمرهم بالتقوى، والصبر، والصلاة فالكبر سبيلهم، فإذا جاءهم بما لا تهوى أنفسهم أي: بالأمر بالصلاة، والطهر، والصفاء، والعدل، والرحمة، ففريقاً كذبوه وفريقاً يذبحونه.ولم ما قال: ففريقاً كذبتم وفريقاً قتلتم، إنما قال: تَقْتُلُونَ [البقرة:87]؟الجواب: لأنهم ما زالوا مستعدين للقتل، فلو يبعث الله ألف رسول فإنهم يحاولون قتله، والبرهنة على هذا أنهم حاولوا قتل نبينا صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، فمرة سقوه السم بالفعل، ومرة سحروه، ومرة تآمروا على قتله بأن يطلقوا عليه صخرة رحى من السطح على رأسه وهو جالس تحت الأرض، وهذا يعتبر في مقام القتل، فلهذا نحن لا ننكر أن اليهود أرادوا قتلوا نبينا، ولكن الله ما مكنهم.أما السحر فقد أخبر الرسول عنه وقال: ( هذه أكلة فلانة في خيبر، تكاد تعمل في أبهري كذا ) الحديث.والشاهد عندنا، انظر ماذا يقول تعالى عنهم: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أَنفُسُكُمُ [البقرة:87] والآن العرب والمسلمون إذا جاء الحاكم بغير ما يهوون تجدهم يقومون عليه بانقلاب في الليل ويقولون: كيف يأمر بالصلاة والزكاة والمعروف؟ وقد فعلوا وإن كنا لا نسمي، فقد ظهر حاكم في يوم من الأيام ودعا إلى الإسلام والصلاة .. وما شعرنا إلا وقد قلبوا عصاه، وجعلوه بهلولاً في الشوارع، لا يعرف الحق من الباطل؛ لأنهم ألفوا الرقص، والعبث، والحرام، واللهو، فهم لا يريدون إسلاماً أبداً، وهذا طبع من يألف الشر والمنكر فيصبح وصفاً لازماً له، فلا يرضى بما يقوله العلماء، فإذا جاء العالم إلى بلدهم يأمرهم بالتوحيد يقولون: هذا وهابي، ويعلنون الحرب عليه في أي بلد إسلامي.وفي بداية الدعوة الإصلاحية كان الذي يدعو إلى التوحيد يقولون عنه: هذا وهابي ويلعنونه. لكن لما انتشرت الدعوة بوسائط جعلها الله من: ظهور الإذاعة، وانتشار الكتاب، واستقلال العرب والمسلمين، وتطور الاتصالات زالت تلك الأوهام والخرافات.وعندنا هنا العقبي مات وما زالوا يقولون عنه: إنه وهابي. والعوام يحكون فقط، يقولون: هذا مذهب وهابي خامس.وهنا حكاية: فعندما كنا أطفالاً ندرس في الكُتَّاب، ولما بدأت الدعوة جاء بعض الإخوان من الحج ومعهم كتاب للشيخ محمد بن عبد الوهاب تغمده الله برحمته الذي يسمى الأصول الثلاثة، وهي رُسيلة صغيرة يفهمها العامي والطالب، فيها ثلاثة أصول ينجو بها صاحبها من الشرك والخرافة والضلالة.فأحد أقربائنا كان في العاصمة فجاء بهذه الرسالة ووزعت، بل وطبعت في مطبعة في الجزائر. فقدمتها للشيخ الذي نتعلم عنده القرآن، رحمة الله عليه، فتصفحها وقلبها ونظر فيها ثم قال: يا أبا بكر ! هذه الرسالة طيبة .. وهي حق، ولكن صاحبها يقولون عنه: إنه صاحب مذهب وهابي خامس. والله كما تسمعون!إذاً ما الفرق بيننا وبين بني إسرائيل؟ ولو كانت فيها مدائح وقصائد وأباطيل وو .. لغنينا بها، أما أن تحمل لا إله إلا الله والتوحيد فلا وألف لا.المهم نستغفر الله لنا ولهم ولسائر المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #122  
قديم 31-08-2020, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (67)
الحلقة (74)




تفسير سورة البقرة (37)

ما أتعس الإنسان الذي يرى النور والهدى فيغطي عينيه وقلبه، وما أضلّه حين يبحث عن الأعذار الواهية، هكذا كان اليهود، يعتذرون بصمم قلوبهم، فكانت عاقبتهم اللعنة، لم لا، وهم يجدون القرآن مصدقاً لما عندهم من الحق. لم لا، وهم يعرفون رسول الله أكثر من أبنائهم. لم لا، وهم كانوا يستفتحون قتالهم بذكره ونبوته، وبدل أن يسارعوا إلى الإيمان بعد هذا كله إذا بهم يكفرون ويجحدون ويعرضون.

تفسير قوله تعالى: (وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، ومع الآيات المباركات التي ما زلنا نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ * وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ * بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ [البقرة:88-90] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زال الحديث عن بني إسرائيل الذين كانوا يسكنون هذه المدينة الطيبة المباركة، والقرآن كتاب هداية وإصلاح، فلهذا إذا ذم الله عز وجل خُلق إنسان فهو مذموم في كل إنسان، وإذا أثنى الله على خُلق إنسان فهو أيضاً محمود في كل إنسان، فالقرآن كتاب هداية وإصلاح للبشرية عامة؛ لأن المنزل عليه والمبعوث به أرسله الله إلى الناس عامة كافة، وحسبنا أن نقرأ قول الله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ:28]، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158] فلا يفهمن فاهم، ولا يقولن قائل: هذا نزل في بني فلان، أو نزل في فلان ونحن لا علاقة لنا بذلك، فهذه النظرية باطلة، وقد اعتنقها وقال بها من سبقنا من علمائنا ممن هبطوا وأصبحوا يقرءون القرآن كأنما يقرءون على الموتى، ولا علاقة للأحياء به، وهذا خطأ كبير، وله ظروفه وعوامله وأسبابه، والحمد لله أن فتح الله علينا، وعرفنا أن هذا الكتاب كتاب هداية وإصلاح لكل البشرية.

معنى قوله تعالى: (قلوبنا غلف )

قال تعالى: وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ [البقرة:88] وقرأ ابن عباس : (غُلُفْ). والمعنى إما أنهم قالوا: قلوبنا مملوءة بالعلم والمعرفة، قلوبنا أوعية مملوءة تفيض بالمعارف، فلسنا في حاجة إلى ما يقوله هذا الرسول. ومعنى هذا: أنهم يريدون التخلص .. التنحي .. البعد من القرآن الكريم؛ ليبقوا على كفرهم والعياذ بالله تعالى.وقطعاً أن الذين يقولون هذا هم علماؤهم .. أحبارهم .. رجال الدين عندهم والعلم، أما العوام فهم يساقون كالبهائم، لا يستطيعون أن يستقلوا برأي ولا بفهم. وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ [البقرة:88] وقد فسر هذا بمعنيين: إما أنها في أغطية وأغشية لا تستطيع أن تسمع ما تقول ولا تفهم، فلا تتعب نفسك يا محمد.أو أنهم يقولون: قلوبنا ملأى بالعلوم والمعارف قد ورثناها عن آبائنا وأسلافنا، وهذا كتاب الله بين أيدينا فلسنا في حاجة إلى أن نسمع لك أو نأخذ عنك. وعلى كلا الحالين هم لا يريدون الإسلام بل يريدون البقاء على اليهودية والبدعة التي ابتدعوها، والله ما جعل يهودية ولا نصرانية، فقد قالوا هذه القولة فرد الله تعالى عليهم بقوله: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67] فكلمة يهودية .. نصرانية بدعة ابتدعها اليهود والنصارى، أما الله فما شرع يهودية ولا نصرانية قط.فهم يتهربون بقولهم: إن قلوبنا عليها أغطية وأغشية لا تستطيع أن تصل إليها يا محمد بكلامك، وقد يقول هذا عالم، ويقول الآخر: لسنا في حاجة إلى ما تقول، فقلوبنا ملأى بالعلوم والمعارف ورثناها عن الأنبياء من بني إسرائيل، ومعنى هذا: اصرف عنا وجهك، ولا توجه إلينا هذا الكلام. وكل هذا من أجل الحفاظ على ملتهم الهابطة الباطلة، ولتبقى اليهودية اللعينة، ويبقى لهم ما ادعوه من أنهم شعب الله المختار.وقد علم المستمعون والمستمعات القضية التي ما زلت أعيدها تذكيراً للناسين وتعليماً لغير العالمين: وهي أنهم مصممون على عودة مملكة بني إسرائيل، وهذه هي الحقيقة، فقالوا: إن نحن دخلنا في الإسلام ذبنا فيه، وما بقي لنا وجود، وهو كذلك؛ فالإسلام من دخل فيه انتهت عنصريته ووطنه وكل ذلك، فهو مسلم أبيض .. أسود .. طويل .. قصير .. عربي .. عجمي .. شريف .. وضيعمسلم: أي: أسلمت قلبي ووجهي لله، فإذا أمرني أن أصوم صمت، وإذا أمرني أن أفطر أفطرت، وإذا أمرني أن أسكت سكت الدهر كله، وإذا أمرني أن أتكلم تكلمت لأني عبده، فقد أسلمت له قلبي ووجهي: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:92] فللهروب من هذه الحقيقة أخذوا يصطنعون الدعاوى والأباطيل، وهم في حقيقة أمرهم يريدون أن يعيدوا مملكة بني إسرائيل، إذ لو قبلوا الإسلام ودخلوا فيه ما بقيت مملكة ولا ملك لبني إسرائيل.فإن قيل: هل هناك من برهنة أو تدليل على هذه الحقيقة؟الجواب: الواقع أكبر دليل، أما كونوا دولة إسرائيل، وأوجدت في قلب العالم الإسلامي .. في أرض القدس .. في المسجد الأقصى؟فإن قيل: ولم -إذاً- ما قالوا: مملكة، وقالوا: دولة إسرائيل؟قلنا: لم يقولوا: مملكة؛ حتى يتحقق لهم الأمل يوم يحكمون العرب من النيل إلى الفرات، فيومئذ يعلنون عن مملكة إسرائيل، ومنذ سنوات كان معنا طالب استشهد في الأفغان من الصالحين المربين، وبأذنه سمع موشي ديان وقد قام خطيباً في المجلس اليهودي، فلما خطب بهر السامعين من رجال اليهود، فقام أحدهم وقال: أنت الملك .. أنت .. فقال: اسكت اسكت، لم يحن الوقت بعد. لا تقل: ملك ولا مملكة. لكن ذلك يوم يحكمون من النيل إلى الفرات، وهذه خطوة أولى فقط، فمملكتهم إمبراطورية عالمية، وسليمان عليه السلام قد حكم العالم الموجود يومئذ من الشرق إلى الغرب كـالإسكندر .فهذا الأمل يعملون له الليل والنهار، وقد مشوا فيه خطوات عجيبة فتحقق لهم وجود دولة إسرائيل ولم يكتمل بعد حتى يطلق عليها مملكة بني إسرائيل، فلهذا فاوضوهم .. صالحوهم .. ادخلوا معهم في ما شئتم، فلن تنتفعوا قط لما يحملونه من أمل في إعادة مملكة بني إسرائيل.والحمد لله من عشرات السنين ونحن في الدرس نقول للعرب: تفاوضوا معهم .. صالحوهم .. خذوا فرصة على الأقل تزيلوا آلامكم وأتعابكم، ويأمن إخوانكم، فإن اليهود لن يستمروا على مصالحة، ولا عهد، ولا عقد، فكلما عاهدوا عهداً نقضوه، فخذوا فقط فرصة حتى يلتئم إخوانكم، وتعالج جراحاتهم، وإذا تقويتم، واتفقتم، وسدتم فسوف تقاتلون، لكنهم يقولون: لا، هم الذين يقاتلون. فيضحك العرب، فهم لا يفهمون هذا. وهذا شأن من يعرض عن كتاب الله عز وجل، ويصبح أجهل الخلق.

معنى قوله تعالى: (بل لعنهم الله بكفرهم)

قال الله تعالى: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ [البقرة:88] ليس الأمر كما يقولون، وإنما طبع الله على قلوبهم بسبب كفرهم، فأبعدهم عن الرحمة .. أبعدهم عن ساحة الخير .. أبعدهم من أن يدخلوا في رحمة الله، ويصبحوا أولياء مع المسلمين والمسلمات، وهذا هو السر، فليس السبب أن قلوبهم غلف، بل السبب أن الله لعنهم بسبب كفرهم، وعنادهم، ومكرهم، فطبع على قلوبهم فهم لا يؤمنون.

معنى قوله تعالى: (فقليلاً ما يؤمنون)

قال: فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ [البقرة:88] إما أن تقول: الإيمان القليل هو إيمانهم بالله عز وجل أو إيمانهم بالبعث الآخر، أو إيمانهم برسل الله على التخير والاختيار، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، أو قل: قليلاً من يؤمن بالرسل، فالذين آمنوا ودخلوا في الإسلام عدد لا يزيد عن العشرة وإن صاروا عشرين، وهم يعرفون معرفة حقيقية، ورضي الله عن عبد الله بن سلام وأخيه، فهم مجموعة قليلة وهم كذلك إلى الآن.أما النصارى فيدخلون في الإسلام، والله لو وجدوا دعاة حق وعليهم النور لدخل الناس في دين الله أفواجاً، لكن اليهود تمضي مائة سنة ولا يدخل واحد في الإسلام، ومع أنهم يفهمون لغة الإسلام فإنهم لا يدخلون؛ لأنهم يريدون إعادة مملكتهم، وإعادة مجدهم، وأنى لهم ذلك، فهذا من باب المستحيل، وقد لعنهم الله، وأخزاهم، وأذلهم إلى يوم القيامة.
ظهور دولة بني إسرائيل من جديد

أما إن قال قائل: هاهم ظهروا من جديد وسادوا وحكموا في مكان ما؟فالجواب: أما قال تعالى وقوله الحق: وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:163-167]، فهنا أعلم الله عز وجل: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ [الأعراف:167] يا رسول الله، أعلم بماذا؟ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167] فمن قال: هاهم قد ارتفعوا نقول له: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112].والشاهد عندنا في حبل الله أن يدخلوا في الإسلام، وحبل الناس أن يتفقوا مع دولة كبيرة كبريطانيا أو فرنسا فتؤمنهم، وهذا الذي حصل، فما أقاموا دولة إسرائيل إلا بالمعاهدات التي كانت تربطهم ببريطانيا، وفرنسا، وأوروبا وأمريكا، ولو أن الأوربيين والأمريكان يتخلون عن اليهود ساعة واحدة للصقوا بالأرض. إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112] والحبل هو ما به يربط العهد والميثاق: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112].فإن قال قائل: إن الله تعالى يقول: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167] أليس كذلك؟ فها هم قد حكموا وسادوا ورفعت الذلة عنهم، فما هو الجواب؟الجواب: قول الله تعالى: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112]، وحبل الله هو الإسلام، فلو دخلوا في الإسلام ما بقي ذل، ولا هون، ولا دون، ونجوا، لكنهم ما دخلوا في الإسلام، ومع ذلك عزوا في هذه الأيام بسبب حبل من الناس، فبريطانيا هي التي شجعتهم وقوتهم، وأتت بهم وساعدتهم، وأعطتهم دولة إسرائيل، وأوروبا الآن كلها تدين لهم، وهي خاضعة لسلطانهم، وأمريكا فوق ذلك؛ لأنهم ملكوا قلوب الرجال، وتسلطوا عليهم بالأموال، وسادوا العالم بالمال، فهذا حبل قوي، فقولوا: صدق الله العظيم، آمنا بالله .. آمنا بالله.ولو تكتشف أمريكا مؤامرة يهودية لنسفها وتدميرها فإنها سترفع يدها وتلعنهم، وتلعنهم كذلك أوروبا فوالله سيصبحون أذل الخلق، ولن يستطيعوا أن يثبتوا وجودهم وعزهم كما هم اليوم، فقط لو يتمزق هذا الحبل، ونحن ننتظر تمزقه، وذلك عندما يستقيم أمر المسلمين، ويعودون إلى الله عز وجل.فلهذا لما ترفع القضايا إلى الأمم المتحدة، وتجد العجب من الناس بمناشدتهم أمريكا .. أمريكا، والصحيح أن يقولوا: يا ألله! يا ألله! ولا يقولوا: أمريكا. فيا ألله! لو أن المسلمين عادوا إلى الطريق المستقيم، وأسلموا حق الإسلام والله لتتخلين عنهم أمريكا وأوروبا. وإنما هي أسباب، كأن يكتشفوا مؤامرة أن اليهود يريدون أن ينسفوا أوروبا، فإذا تخلت عنهم أوروبا وأمريكا فمن لهم؟! قد وقعوا بين أيدي المسلمين أذلاء، مهانين، مداسين بالنعال.هل عرفتم هذه القضية السياسية المحضة؟فالله عز وجل يخبرنا في سورة الأعراف فيقول: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ [الأعراف:167] يا رسولنا لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [الأعراف:167] ومعنى سوم العذاب: ألوان العذاب.فإن قال قائل: ها هم أعزة، فأين وعد الله؟ لم ما نفذه الآن؟الجواب: أنسيت قوله من سورة آل عمران: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا [آل عمران:112] ووجدوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:112] فهذه الآية مخصصة لعموم آية الأعراف ولا نقول: ناسخة، فهي مخصصة لذلك العموم وهو: إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ فيرفع الذل والمسكنة عليهم، وحبل الله هو وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103] ألا إنه الإسلام الحق، فلو دخل اليهود في الإسلام لأصبحوا أطهاراً، أصفياء .. لله أولياء .. سادة العالم، لأنهم أبناء الأنبياء وأولاد المرسلين، لكن هذا الحبل رفضوه .. مزقوه .. حاربوه، وأعلنوا الحرب عليه منذ أن بعث رسول الله إلى اليوم؛ كل ذلك خشية أن يذوبوا في نور الإسلام، وينتهي أمر وجود بني إسرائيل.يا أيها المستمعون! اليهود يحاربون الإسلام خشية أن يذوبوا فيه، ويعلِّمون أطفالهم، والله لكتب اللغة عندهم ككتب اللغة عندنا، من القاموس وغيره، فيأتون بعبارات تهاجم الإسلام والمسلمين، وتحذر اليهودي واليهودية من قبول هذه الملة أو الرضا بها أو السكوت عنها، فإنها تقضي على وجود بني إسرائيل.وكتبنا مرة رسالة في هذا الباب، فكتب اللغة عندهم إذا ذكروا محمداً أو أحمد أو إسلام يأخذون في شرحها والتنكير لها، وتقبيحها، وتحذير بني إسرائيل منها.إذاً: حبل الناس موجود، وسبب وجوده: فسقنا .. فجورنا .. جهلنا .. ضلالنا .. هبوطنا .. تمزقنا فهو الذي أوجد الحبل. أرأيتم لو كنا كما كنا في القرون الذهبية أمة واحدة، فلا حزبية، ولا فرقة، ولا انقسام، ولا تشتت، فقط مسلم، وأمرنا واحد: لا إله إلا الله، ونحن على ذلك ثلاثمائة سنة، فهل يستطيعون أن يوجدوا حبلاً يربطهم أو يشد من أعصابهم؟ لا يستطيعون، لكن لما تعاونوا علينا فضللونا، وجهلونا، وأبعدونا عن نصر الله ورحمته، وأصبحنا بدل الدولة دويلات، وبدل الأمة أمما، وبدل المذهب الواحد مذاهب.ويكفي أن القرآن يقرأ على الموتى، فالروح الذي فيه الحياة صرفناه إلى الموتى، وحرمنا منه الأحياء، والسنة لا تقول: قال الرسول! اسكت، قل: قال سيدي فلان، وقال الشيخ الفلاني.فمن هم الذين أعطوا اليهود حبلاً متيناً وخنقونا به؟ إنهم نحن وبأيدينا.لكن متى يتمزق هذا الحبل؟ ومتى تتنكر أوروبا لليهود كما تنكر هتلر ؟هذا ضربنا به مثل، فهتلر غضب على اليهود وأذلهم، وقتل منهم الآلاف لما أراد الله ذلك، فلو أن المسلمين فزعوا إلى الله عز وجل ولاذوا بجنابه، وعادوا إلى طريقه المستقيم لكانت مؤامرة تظهر في العالم ضد أمريكا سببها اليهود، فيقضون على اليهود.كذلك أوروبا لو اكتشفت أن اليهود يعدون حرباً ذرية للقضاء على أوروبا، وتظهر البينات، فإن أوروبا سيطاردون اليهود ويذبحونهم، ويقلونهم في الزيت كما كانوا يفعلون معهم، وينتهي أمر اليهود، لكن لن يكون هذا حتى توجد أمة الإسلام، وتستحق ولاية الله عز وجل، فالقضية -إذاً- بأيدينا، والله أعطانا هذا، فإن شئنا قوينا اليهود وورثناهم وملكناهم، وإن شئنا أذللناهم وأهناهم، فالأمر جعله الله في أيدينا، الحمد لله.هذه نعمة الإسلام .. أنوار الإسلام .. بركة الإسلام الذي جهلناه، وحاربناه في أنفسنا وفي بيوتنا وأسرنا وفي ديارنا. وسنفيق متى يأذن الله عز وجل.قول ربنا عز وجل وهو يقول لرسوله ولنا: وَقَالُوا أي: اليهود قُلُوبُنَا غُلْفٌ قال تعالى: لا، بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ [البقرة:88] فليس في قلوبهم العلم الفياض الزائد عن الحاجة، وليست قلوبهم مربوطة ومغشى عليها، وإنما القضية هي أن الله لعنهم فطبع على قلوبهم حتى لا يدخلوا في رحمة الله، بل طبع على قلوبهم فهم لا يفقهون. قال: بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ وبناءً على هذا: فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ [البقرة:88] أي: قليلاً ما يؤمنون بالمعنيين السابق ذكرهما: إما لا يؤمن منهم إلا أفراد قلائل وهذا هو الحق، وإما إيمانهم قليل، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، يؤمنون بالرسالات الإلهية والأنبياء والرسل، لكن كفروا بعيسى، وكفروا بمحمد، وجعلوا سليمان ساحراً، وقتلوا الأنبياء، أو يؤمنون بالبعث الآخر، والدار الآخرة، والجنة والنار، ولكن لا يؤمنون بالعمل لها، وإعداد النفوس طيبة طاهرة لتدخل الجنة وتنجو من النار، فهو إيمان جزئي، بنسبة واحد إلى ألف.


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #123  
قديم 31-08-2020, 04:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ...)

مجيء القرآن مصدقاً لما مع اليهود في كتبهم

قال تعالى: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ [البقرة:89] التنكير في كتاب للتفخيم والتعظيم، فهو كتاب لا يوزن بميزان، وكتابه هذا هو القرآن العظيم. وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [البقرة:89] فقد جاءهم به رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، من عند الله، فقد أوحاه إليه في ثلاث وعشرين سنة، فالوحي ينزل، والقرآن يتوالى حتى كمل، وأصبح كتاب الله في الأرض كما هو في السماء، في اللوح المحفوظ، عدد سوره مائة وأربعة عشر سورة، فيها ستة آلاف ومائتان وأربعون آية، وأما كلماته فعشرات الآلاف، فهذا كله كلام الله، جاءهم من عند الله.قال: مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ [البقرة:89]، ما مع اليهود؟ معهم أن الله لا إله إلا هو، ولا رب سواه .. أن الله عز وجل أعد دار النعيم لأوليائه، ودار العذاب لأعدائه، فهذا الكتاب فيه الدعوة إلى الإخاء .. إلى المودة .. إلى الصدق .. إلى العدل .. إلى الرحمة .. إلى .. وما معهم من عقائد سليمة صحيحة بقيت في التوراة إلا جاء بها القرآن، ما تنافى معها ولا أبطلها أبداً، بل صدقها، وما ابتكروه واخترعوه ولفقوا به وشرحوا به التوراة وأضافوا إليها فالقرآن بريء منه، بل كشف الباطل وأبانه للناس. وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ عظيم مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ أي: لما في التوراة من أصول الإيمان وحقائق الدين.

اليهود يستفتحون على العرب قبل الإسلام

قال: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ [البقرة:89] أي: من قبل أن يأتيهم الكتاب العظيم وهو القرآن الكريم.وقوله: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ لماذا ( قبلُ ) مرفوعة؟ أليست (مِن) جارة؟ والأصل أن تقول: من قبلِ، فمِن حرف جر؟الجواب: هنا قاعدة خاصة في (قبل وبعد): فإذا ذكر المضاف بعدهما جرتا، فمثلاً نقول: وإن كانوا من قبلِ نزول الوحي، فلا بد أن نقول: من قبلِ، وإذا حذف المضاف، ونوي معناه دون لفظه بنيت قبل وبعد على الرفع، فنقول: وإن كانوا من قبلُ، والمعنى: من قبل وجود الرسول ونزول الوحي.قال: يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:89] معنى يستفتحون عليهم: يخبرونهم بالنصر والفتح عليهم، وقد كان اليهود في المدينة إذا غاضبهم العرب أو دخلوا معهم في صراع ولو جدلي يقولون: اسمعوا! إن نبياً قد أظل زمانه، ولاح في الأفق تباشير وجوده، وسوف نؤمن به، وننضم إلى أمته، ونقاتلكم وننتصر عليكم، فانتظروا، ولا تستعجلونا. وكانوا يقولون هذا على علم واعتقاد؛ لأنهم ما تبين لهم أن هذا النبي سيكون من أولاد إسماعيل، وقد كانوا يحلمون أنه يكون منهم.فكان اليهود يقولون: إن نبياً قد أظلنا زمانه وقرب منا، وسوف نؤمن به ونقاتلكم، وننتقم منكم، وأنتم الآن تستضعفوننا لأنا أقلية بينكم، ومحصورين في دياركم، لكن انتظروا يوماً سيأتي يبعث فيه نبي آخر الزمان، ونقاتلكم معه قتال عاد وإرم، فهذا معنى قوله: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ أي: من قبل نزول الوحي المحمدي وبعثة الرسول النبي الأمي، ومعنى يَسْتَفْتِحُونَ : يطلبون الفتح، والفتح هو النصر.وأنتم تعلمون أن فرنسا فتحت ألمانيا، ومعنى فتحتها: أنها دخلت بلادها، وانتصرت عليها.لكن يستفتحون على من؟ قال: عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:89] أي: الذين كفروا بالله وبتوحيده، وهم المشركون من كل فئات العرب وقبائلهم، الذين كانوا يعايشونهم ويعيشون معهم قبل البعثة المحمدية.والعرب كانوا قد كفروا، فما كانوا كما كانوا على عهد إسماعيل وأحفاده وأولاده، فقد جاءتهم الأصنام والتماثيل فعبدوها، ولعنة الله على عمرو بن لحي فهو الذي جاء بها من الشام.إذاً: فهذا القرآن يسجل كفر العرب قبل الإسلام: وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا .

الحسد أورد اليهود مهالك الخزي والهوان

قال تعالى: فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ [البقرة:89] فلما جاء اليهود ما عرفوا وما كانوا ينتظرونه، ووجدوه من أولاد إسماعيل قالوا: لن نؤمن به، فلا ينتقل الشرف من أولاد إسحاق إلى أولاد إسماعيل أبداً.فإن قيل لهم: هؤلاء بنو عمكم؟قالوا: وإن كانوا بني عمنا.وهذا هو الحسد الذي مزقنا كما مزقهم، وشتتنا كما شتتهم، فوالله لولا الحسد لدخل المسلمون كلهم تحت راية لا إله إلا الله، أما يريدون الإسلام؟ فرفعت راية لا إله إلا الله فأصبح كلهم مسلمين، لكن الحسد: كيف يصبح هؤلاء يحكموننا؟!وقد سمعنا مداحاً يمدح: يا سعودي يا يهودي!!لا إله إلا الله، سبحان الله العظيم! الحسد يفعل هكذا؟ نعم.يا شيخ! لا تعجب، أما قتل هابيل قابيل، أخاه ابن أمه وأبيه؟ فقتله الحسد: كيف أنت يقبل الله منك صدقتك وأنا لا يقبلها مني؟ هل أنت أفضل مني؟ هل أنت خيراً مني؟ فقتله.فكذلك اليهود ما منعهم من الدخول في الإسلام إلا الحسد، فالحسد عامل قوي، وها أنتم تعيشون بين إخوانكم في الشرق والغرب حتى أهل البيت الواحد يتحاسدون.وخذوا قاعدة: الحسود لا يسود، وإن ساد اليوم فسوف يتحطم ويذل غداً. ولهذا أنزل الله سورة كاملة يعلمنا فيها كيف نتعوذ من الحسد، بسم الله الرحمن الرحيم: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:1-5].

قراءة سورة الفلق تمنع الحسد بإذن الله

أيها المستمعون! هل لكم في فائدة عظيمة خير لكم من أن تعودوا إلى بلادكم بشيك فيه خمسمائة مليون دولار أمريكي؟! وهذا فيما أظن هو أغلى شيء هذه الأيام.إن أولي النهى والبصائر -والله- ليفرحون بهذه الفائدة كفرحنا بالبقلاوة والدجاج المشوي والشاي الأخضر و.. أو أشد.لما سُحِر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم، وقد سحره حاسده اليهودي لبيد بن الأعصم عليه لعائن الله وبناته شيطانات السحر، وقد قلت لكم: إن السحر موجود في المدينة، ونعجب لوجوده؛ لأن الساحر يقتل حيث بان سحره، ولكن لمكرهم ما استطاعت الهيئة أن تعثر عليهم، فهم يهاجمون البيوت ولا يعرفون. فاليهود هم الذي ينشرون السحر في العالم، وهم ممتازون في هذا الباب.فلما سحر النبي صلى الله عليه وسلم وتأثر به عدة أيام والله عاصمه، أنزل الله هذه السورة: الفلق، فما تعوذ متعوذ بمثلها قط، وهذه السورة ما إن تلاها الرسول صلى الله عليه وسلم حتى ذاب ذلك السحر والحسد، وهي خمس آيات.قال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] رب الفلق هو الذي يفلق رءوس اليهودي، ويسلطنا عليهم عما قريب، وذلك لما نسلم.فالله يفلق الظلام الدامس فيفجر منه الضياء، وإذا الأنوار تلح، والأضواء في الشرق والغرب.ومن رب الفلق؟ الله. ولو اجتمع العالم كله على أن يستعجلوا الليل بساعتين قبل انقضائه فيفجرون الفجر لا يستطيعون، فرب الفلق هو الله.فهذا المتعوذ قد تحصن بالله، والذي يقوى على هذا الكون يستطيع أن يحفظك إذا لذت بجنابه، واحتميت بالإيمان.قال: مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ [الفلق:2] هل الله تعالى يخلق الشر؟ نعم الله يخلق الشر والخير، أما خلق النار والجنة؟! أما خلق الظمأ والعطش والري وو؟! فهو خالق كل شيء لحكم عالية. مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ من الشرور.قال: وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:3] أي: إذا كان القمر في السماء فإنه يضيء المنطقة أو البلد، وإذا به يغيب ويحل محله الظلام، فأتيحت الفرصة للسراق، والمجرمين، واللصوص، والحيات، والعقارب، والثعابين في الظلام، وهنا عليك أن تفزع إلى الله، فتتعوذ من شر غاسق إذا وقب.وهنا فائدة يذكرها بعض أهل التفسير من السلف فيقولون: إن هذا يشمل أيضاً إذا انتصب ذكر الفحل وحينئذ عليه أن يستعيذ بالله منه، فقد يوقعه في معصية الله، وإذا هاجت الغريزة والشهوة وانتصب ذكر الفحل ففي هذه الحال عليه أن يفزع إلى الله وإلا حمله على الفسق، ومن هنا استعذ بالله دائماً بهذه السورة: وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ [الفلق:3].قال: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ [الفلق:4] والنفاثات هن الساحرات اللاتي ينفثن في العقد والخيوط بتعليم شياطين السحر لذلك، والنفاثات جمع نفاثة، فتجدها تعقد العقدة وتنفخ فيها وتقول كلمات الكفر، والشيطان يقويها، وتسحر بها من شاءت، إلا من عصمه الله، وقد سُحر حتى نبي الأنبياء ورسول المرسلين.قال: وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:5] فهذه خمس آيات أنزلها الله لعباده المؤمنين من أجل أن يستعيذوا بربهم من هذه الشرور العامة، الطامة، الهالكة، المهلكة.

ما يمنع العين

إذا رأيتَ عائناً يحمل السم في عينيه، فالله هو الذي خلق ذلك فيه كما خلق السم في العقرب والأفعى، فالعقرب ليست هي التي أوجدت سمها، بل هو الله الذي أوجده بتدبيره وقضائه في خلقه، فإذا وجد شخص في القرية .. في المدينة .. في الفصل .. في المسجد عنده هذا المرض، فنقول له: يا عبد الله! كف أذاك وشرك عن عباد الله. فإن قال: لا أستطيع؟ نقول له: لا، خذ هذا الدواء، فإذا نظرت إلى شيء وأعجبك فقل: تبارك الله .. ما شاء الله. وهنا سمك لا يتحرك، ولا ينطلق، ولا ينفع شيئاً، قال تعالى: وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ [الكهف:39] فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من أعجبه شيء ولو كان طفلاً رضيعاً .. ولو مشيك .. ولو عمامتك على رأسك، فعليه أن يبادر إلى هذه الكلمة فيقول: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله، تبارك الله! فلا يصل إلى ذلك الشيء المعجب به شيء، فقد أمن.فيا عباد الله! من أعجبه شيء مثل: بناية .. سيارة .. أكلة لذيذة .. شخص جميل .. كذا، فليبادر بكلمة: تبارك الله .. ما شاء الله، ويضع سداً مانعاً لا يصل إليه حسده.وهل هذا العلاج يوجد عند غيرنا؟ والله لا يوجد، ولكننا ما طلبناه .. ما سألنا عنه وما عرفناه، فألف مليون لا يعرف هذا! ممكن مليون من الألف مليون؛ لأنهم لا يجتمعون على كتاب الله.إذاً من أعجبه شيء فليبرك وليقل: ما شاء الله، ولا يضره حينئذ شيء، فيأمن.الحمد لله أنّى ما خلقت هذا في عيني، بل الله خلقه، فلله الحمد والمنة، وحتى لا يعذبني أعطاني هذه المناعة، فقل: تبارك الله ما شاء الله! لن يضر أخاك شيئاً.فمن هنا إذا وجدت حاسداً ورأيته لم يترك، وخفت من بلائه وعذابه فإنك تقرأ هذه السورة: بسم الله الرحمن الرحيم: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [الفلق:1-5] ولن يضرك، فهو لو استعمل هذه المناعة لانتهينا، لكن أكثرهم لا يستعملها.وكنا نعرف في القرى: فلاناً معيان، فإما أن تمر بغنمك وإلا عليك أن تذهب بعيداً. فما عندنا المناعة.أما الآن فقد أعطانا الله المناعة بأن نقول: تبارك الله .. ما شاء الله.ونحن إذا ما قالوها نقرأ هذه السورة، فكان المؤمنون والمؤمنات يتحصنون بها من أذى الحسدة إذا شاهدوهم.إذاً: مضى زمان ونسي المسلمون هذه المناعة مع أنها خمس آيات، لكن الكسل والعجز بدل ما يقرأ هذه السورة تجده يقول: خمسة في عينيك، فمن التعب لا يقول: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ [الفلق:1] ويقرأها كاملة بل يقول: خمسة في عينيك. فمضت قرون، ونسوا أن هذه الآيات الخمس هي التي تدفع الحسد، وظنوا أنها الأصابع، فيقولون: خمسة في عينيك.وجاءت أيام فمن التعب صوّروا الكف فقط عند باب البيت أو وراء السيارة، فما تتعب حتى تقول: خمسة، اجعلها صورة، وقد وجدت هذه الكف في أمام المنازل الجميلة، وفي السيارات لتدفع الحسد .. لتدفع العين، وهي والله لا تدفع أبداً، والذي يدفع هو أن تقرأ الخمس الآيات إيماناً ورجاءً في الله أن يدفع عنك العين والحاسد بهذه الآيات، لكن كونك من الكسل تقول هكذا، ولا تقرأ فلا تنتفع، حتى ولو كنت تعرف أن معناها خمس آيات في عينيك، لكن مع الأسف أنسانا الشيطان هذا كله، وأبقى لنا الأصابع، فإذا قلت هكذا هل يرد العين؟ والله ما يردها.ونتائج كل ذلك أن أمتنا هبطت. أما كانت تستخدم الآيات لصلاحها، فجهلتها وما عرفتها، وأصبحت تشير بالأصابع، وعجزت حتى عن الإشارة بالأصابع فجعلتها صورة في البناء أو في غيره.

معنى قوله تعالى: (فلعنة الله على الكافرين)

قال تعالى: فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ [البقرة:89] فما قال: فلعنة الله عليهم أي اليهود، لا. لعنة الله على الكافرين من يهود، أو نصارى، أو عرب، أو كل كافر، وهذا من عجائب القرآن، فما قال: لعنة الله عليهم، بل كل كافر؛ لأن لعنة الله كانت من أجل الكفر؛ فإذا كفر الشريف كما يكفر الوضيع فالكل لعنة الله عليه، إذ نسبتنا إلى الله واحدة: عبيد لمالك واحد، وسيد واحد. وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #124  
قديم 31-08-2020, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (68)
الحلقة (75)




تفسير سورة البقرة (38)

يكشف القرآن عن صفة قبيحة لازمت اليهود، وهي التعصب المطلق، فبدلاً من قبول الحق، وهو الإسلام والقرآن، عاندوا وجحدوا لا لشيء إلا لأن التوراة أنزلت عليهم، وأنها كتابهم، بخلاف القرآن الذي أنزل على غيرهم! وتصرفهم هذا ليس مستغرباً فقد عبدوا عجلاً صنماً رغم معايشتهم لمعجزات موسى، وكان أخذهم للتوراة والتسليم بما فيها بعد أن رفع جبل الطور على رءوسهم، لكن رءوسهم هذه لم تعقل!

تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، ومع الآيات المباركات التي ما زلنا نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ * وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:91-93].معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! ما زال السياق الكريم في الحديث مع بني إسرائيل، وهو حديث التأنيب والتقريع إلى جانب الدعوة إلى الحق والانخراط في سلك المؤمنين، والله يدخل في رحمته من يشاء.فقول ربنا جل ذكره: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ [البقرة:91] القائل هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضوان الله عليهم، إذ هم الذين كانوا مع اليهود في المدينة، وإلى الآن لو قلت ليهودي: آمن بما أنزل الله، فإنه يقول لك: أنا مؤمن بما أنزل الله، أي: بالتوراة، وأنا لست في حاجة إلى غيرها، وإلى أن تقوم القيامة؛ لأن شأنهم واحد .. كلمتهم واحدة .. وجهتهم واحدة، فلهذا تخاطب هذا بما تخاطب به الأولين من أربعة آلاف سنة، وهذا شأن بني إسرائيل.قال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ [البقرة:91] أي: بالقرآن، وهم يعرفون أن القرآن أنزله الله، ويعرفون أن النبي أمِّي، والأمي أنى له أن يتكلم بالعلوم والمعارف، ثم إن القرآن قد احتوى على ما في التوراة من حقائق الشرع والدين، كالإيمان بالله، ولقائه، والبعث الآخر، والجزاء بالنعيم المقيم والعذاب الأليم، فكل هذا حواه القرآن وهو في التوراة.ولا ننسى أنهم لحسدهم لبني إسماعيل، وللخوف من أن يذوبوا في روح الإسلام كرهوا الإسلام وحاربوه وحاربوا أهله إلى اليوم، وتقدم هذا في السياق الكريم، وكل ذلك بغياً وحسداً من عند أنفسهم: كيف نصبح أتباعاً لولد إسماعيل، ونحن أشرف أولاد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.قال: قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا [البقرة:91] انظر إلى العصبية في قولهم: (علينا) أي: نحن بني إسرائيل، أما عليكم يا أبناء إسماعيل فلا وألف لا. والدين لا يرضى بالعصبية، فالبشرية كلها نسبتها إلى الله واحدة، وهم عبيد لمالك واحد هو الله، والتحيز من اليهود ظاهر: نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا .قال: وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ [البقرة:91] لم ما قال: وكفروا أو ونكفر بما وراءه؟ الجواب: لأن كفرهم مستمر فيقولون هذه الكلمة، ويكفرون بما وراء القرآن.قال: وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ [البقرة:91] القرآن حق، ومصدق للذي معهم في التوراة كما قدمنا من عقيدة البعث والجزاء يوم القيامة .. من وجود عالم شقاء وعالم سعادة .. من التوحيد وألا يعبد إلا الله .. من الإيمان بكتب الله ورسل الله، فهذه كلها موجودة في التوراة.إذاً: كفرهم بالقرآن يلزم منه كفرهم بالتوراة؛ لأن القرآن يقرر ما في التوراة ويثبتها، وهم يقولون: القرآن باطل لا نؤمن به، فإذاً كفروا حتى بالتوراة، وهكذا السيئة تجر سيئة، والخطأ يقود إلى خطأ.قال: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا فقط وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ [البقرة:91] أي: بما ادعوه أنه أنزل عليهم من التوراة وهو القرآن الكريم، كأنهم قالوا: نكفر بالقرآن، ولا نعترف به، ولا نأخذ به في هدايتنا وصلاحنا.قال: وَهُوَ الْحَقُّ والحال أنه الحق مُصَدِّقًا من ربهم، وكررنا القول في مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ أن الذي معهم في التوراة لا إله إلا الله، وأن الإيمان بالملائكة، والكتب، والرسل مقرر في التوراة .. وأن الإيمان بالبعث الآخر في التوراة .. وأن الحق، والعدل، والخير، والمعروف، والإحسان، والبر كلها موجودة في التوراة، فالقرآن مصدق لما معهم، فالمفروض لا يكفرون به، إذ ما فيه منافاة بين ما يؤمنون به وبالقرآن الذي دعوا إلى الإيمان به، ولو كان هناك تصادم أو تعارض فقد يعذرون، فالقرآن مصدق لما معهم.إذاً: بكّتهم، وأخزهم، وقل لهم: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ [البقرة:91] فهل التوراة فيها الإذن بقتل الأنبياء والعلماء؟ والله ليس فيها، فلم -إذاً- تقتلون الأنبياء، وقد قتلوا زكريا وولده يحيى، وتآمروا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، وادعوا أنهم قتلوا عيسى، وبالفعل صلبوا من شبه لهم، بل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم في بعض الأيام كانوا يقتلون سبعين نبياً، وفي المساء كانت أسواقهم قائمة للبيع والشراء كأن شيئاً ما وقع. إذاً فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ [البقرة:91] وهم يعترفون بأنهم قتلوا عيسى؛ لأنه ساحر وكذا وكذا، وقتلوا زكريا، وقتلوا يحيى، وقتلوا غيرهم، فهل الإيمان الحق بكتاب الله التوراة النورانية يسمح بقتل الأنبياء؛ إذاً ما أنتم بالمؤمنين بالتوراة، وحقاً هم كفار بالقرآن وبالتوراة؛ لأن إيمانهم صوري، فهم مؤمنون بالتوراة لكن هل صدقتم الله فيما جاء فيها؟ وهل امتثلتم أوامر الله فيها؟ وهل امتثلتم نواهي الله فاجتنبتموها في التوراة؟ إذاً ما معنى هذا الإيمان بالتوراة؟فهذا هو التقريع والتوبيخ، فقل لهم يا رسولنا: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:91].
تفسير قوله تعالى: (ولقد جاءكم موسى بالبينات ...)

مجيء موسى بالبينات

هنا الآن جولة أخرى أيضاً مع اليهود، قال تعالى: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ [البقرة:92] ولك أن تقول: قل يا رسولنا لهم: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ [البقرة:92] أي: بالمعجزات، ومعجزات موسى عليه السلام تسع آيات.وأولى تلك الآيات أن العصا تستحيل إلى حية تهتز كأنها جان، وأما يوم المباراة العظمى فإن تلك العصا ابتلعت وتلقفت كل ما ألقاه السحرة في تلك الساحة من الثعابين والحيات، فتلقفتها بكاملها، ويده يدخلها في جيبه ويخرجها بيضاء كأنها -والله- فلقة قمر.وأعظم آية شاهدوها في صالحيهم مع فرعون كانت هي انفلاق البحر، وهي كونه يضرب البحر الأحمر بعصاه: باسم الله، فينفلق اثنتي عشرة فلقة، أي: اثني عشر طريقاً، لكل قبيلة تسلك طريقها. فأية آية أعظم من هذه؟والحجر الذي يحملونه معهم يضربه بعصاه فتتفجر منه اثنتا عشرة عيناً حتى لا يصطدم بعضهم ببعض، وكل قبيلة تشرب من عينها الخاصة.فهل هذه الآيات وغيرها جاءتكم فآمنتم؟!وهذا هو التقريع .. التوبيخ.. التأنيب، ولكن من لم يشأ الله هدايته ما اهتدى.

اتخاذ بني إسرائيل للعجل إلهاً

قال تعالى بعد ذلك: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ [البقرة:92] بعدما خرجوا من البحر ونجوا من فرعون وحكمه، ونزلوا بالساحل، استدعي موسى عليه السلام -كما عرفتم- إلى جبل الطور لمناجاة الله تعالى، بل ذهب ليأتي بالدستور الذي يحكم به بني إسرائيل.وهذه الجملة الحمد لله كررناها مئات المرات، لعلها تنقل إلى العرب والمسلمين لكن ليس هناك من ينقل.لما استقل بنو إسرائيل، وقد كانوا محكومين بحكم فرعون دهراً طويلاً، فلما خرج بهم موسى بعد أن ظهر على فرعون وقهره نزلوا على الساحل، فكيف يحكمهم موسى؟ وما هو الدستور، وما هو القانون؟ فقال: اجلسوا أنا أذهب إلى ربي وآتيكم بالدستور.ونحن نقول لإخواننا المسلمين: لما استقل الإقليم الفلاني من هولندا وبريطانيا وفرنسا فهل بلغكم أن إقليماً استقل فقال: يجب علينا أن نطلب دستور الإسلام فنذهب إلى العلماء: يا علماء الأزهر! يا علماء الحرمين! اجتمعوا وضعوا لنا دستوراً، وعجلوا كيف نحكم هذه الأمة .. هذا الشعب؟ هل فعلوا؟ ما فعلوا.إذاً: موسى أذكى منهم، وأعلم منهم، ولكن نحن أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق بهذا، ولكن إلى الآن ما اجتمع علماء أي بلد وقالوا: لابد من وضع دستور إسلامي، مصدره قال الله وقال رسوله، وما أجمع عليه أئمة الفقه الإسلامي من تلك الزمرة النورانية في العهد السالف، ويحكمون المسلمين بشرع ربهم، فإن افتقروا فهذا الذي أعطاهم .. وإن استغنوا فهذا الذي أعطاهم .. وإن مرضوا وصحوا فيقول لهم: نحن الحاكمين غير مسئولين عنكم، هذا دينكم وشريعتكم، ونحن حكمناكم بها فلا تلومونا، وليس هناك من يلومهم. فسبحان الله! مظهر من مظاهر القرآن الكريم أن يترك موسى بني إسرائيل على الساحل -والخليفة فيهم هارون عليه السلام- ويقول لهم: اجلسوا حتى آتيكم بالدستور.واسمعوا قوله تعالى: وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ [البقرة:92] فما هذا العجل الذي اتخذوه من بعد موسى؟سبق أن عرفنا هذا وكررناه مع المستمعين والمستمعات ونعيد تذكيراً للناسين وتعليماً لغير العالمين: كان بينهم رجل -وما من حقنا أن نقول: رجل أبداً فهو ممسوخ- هو السامري ، فجاء إلى نساء بني إسرائيل وقال لهن: هذا الحلي الذي عندكن هو حلي القبطيات. ولا يبعد أن نساء بني إسرائيل لما أعلمن بالرحيل والخروج من مصر احتلن على القبطيات الغافلات، واستعرن منهن الحلي من الذهب والفضة، ولما خرجن خرجن بذلك الحلي، واليهود كما تعرفون يحبون الذهب.فـالسامري قال: هذا الحلي لا يحل لكنَّ استعماله، فكيف تستعملن ما حرم الله، فهذا غش وخيانة، وأنصح لكن أن تجمعن هذا الذهب وأحرقه أنا، وتبرأ بذلك ذممكن. وهذا كلام معقول، لكن هو يريد غير هذا، فجمع الحلي وصاغ منه عجلاً -الذي هو ابن البقرة وليس شرطاً أن يكون ثوراً- فصنعه بالصياغة صياغة الذهب، ولما ذهب موسى قال لهم: هذا هو إلهكم وإله موسى، قد نسيه.وانظر إلى بلاهة اليهود وغباوتهم، وإلى الآن كما قلت: فيهم أغبياء العجب؛ كيف قال لهم: هذا هو إلهكم وإله موسى، قد نسيه؟! أما قال تعالى: أَفَلا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا [طه:89] ولو كان رباً حقاً لسألوه: أنت الله؟ لقال: نعم. أين ذهب موسى؟ ذهب إلينا مثلاً. لكن قبلوا، والتفوا حوله يعبدونه.أما هارون عليه السلام فهو مسئول الخليفة الذي استخلفه فيهم، وقد صاح فيهم: يا عباد الله! لا تكفروا، يا عباد الله! هذه فتنة .. هذا كذا، فكانوا يضحكون، إلا من نجَّى الله عز وجل من ذاك الشعب الذي قوامه ستمائة ألف، وما نجى إلا القليل.فهذا الذي أراده تعالى بقوله: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ [البقرة:51] أي: اتخذتموه إلهاً، لكن الله ما قال: إلهاً، فهو معروف، وهل يصح أن تقول في العجل: إله؟ والآدمي أو السلطان لا يقال فيه: إله، فكيف بالعجل! وهذا من عجائب القرآن.قال: ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ [البقرة:51] أي: من بعد غياب موسى؛ لأن موسى ذهب إلى جبل الطور، ولا أدري كم المسافة من هذه المنطقة التي نزلوا فيها إلى جبل الطور وقطعاً هي في سيناء.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #125  
قديم 31-08-2020, 04:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تعريف الظلم

قال: وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ أي: والحال أنكم ظالمون، نعم ظالمون؛ لأن الظلم -كما عرفتم زادكم الله معرفة- وضع الشيء في غير موضعه.لم لا يحفظ أبناؤنا وإخواننا هذه الكلمة، ولماذا يتركونها فقط للطلاب؟! يعني: هل يتعب أحدنا إذا قال: الظلم وضع الشيء في غير موضعه؟وهنا مثال على ذلك: لو قام أحدكم الآن ودفع إخوانه: خلوني أنام هنا، ويطرح في حلقة العلم نائماً. فهذا ظلم ووضع للشيء في غير موضعه.كذلك الذي يأتي إلى باب المسجد ويشمر عن ثيابه ويأخذ يتغوط، تقول له: كيف تفعل هذا؟ يقول لك: أنا خرجت من المسجد، والشارع ممر المسلمين والمسلمات يجوز تلويثه، تقول له: وهذا المرحاض في الحمام لماذا وضع؟! فوضع البول في هذا الموضع ظلم، وهو وضع للشيء في غير موضعه.كذلك الذي يدعو غير الله فيقول مثلاً: يا سيدة! الغوث الغوث. هذا وضع للنداء في غير موضعه؛ لأن الذي ناداه لا يسمعه، ولا يراه، ولا يقدر على إمداده وإعطائه، فهذا النداء ينبغي أن يكون للسميع العليم، الذي يسمع نداءك ويراك في مكانك، ويقدر على إسعافك وإنقاذك، والذي يعكف على صنم أو كوكب أو قبر أو إنسان يعبده، فهذه العبادة ما وضعها في موضعها؛ لأن هذا المخلوق لا يعبد. إذاً: هذا ظلم.ولقمان الحكيم كان يقول لابنه وهو يربيه: يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ [لقمان:13] لم يا أبتاه؟ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، فالظلم يتفاوت، فالذي يبول في المسجد ظلم، والذي يذبح فلاناً ظلم، لكن شتان ما بين هذه وهذه، فالظلم وضع الشيء في غير موضعه، ولكنه يتفاوت.فأعلى مستويات الظلم الشرك؛ لأنه أخذ حق الرب تعالى الذي استوجبه بخلقه للعوالم وما فيها، وبخلقك أنت وإيجادك وإمدادك، ثم هذا الحق الذي من أجله خلقك وهو أن تعبده كيف تصرفه إلى غيره، فأي ظلم أفظع من هذا؟فالله هو الذي خلقني ورزقني وخلق كل شيء في الكون من أجلي خلقني لأعبده، وتركته يخلقني ويرزقني ويحفظني وو.. ثم إذا بي أعبد غيره، فهذا أفظع أنواع الظلم.إذاً اسمعوا الله تعالى يقول: وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ والحال أنكم ظالمون بوضعكم العبادة في عجل، وهي ملك لله الرحمن الرحيم الخالق الرازق المدبر.فإياك أن تظلم، وهذا إعلان أبي القاسم صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح يقول: ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، وحملهم على سفك دمائهم واستحلال حرماتهم ).
تفسير قوله تعالى: (وإذا أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ...)

أخذ الميثاق على بني إسرائيل

قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ [البقرة:93] أي: اذكروا يا بني إسرائيل أو اذكر لهم يا رسولنا وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ [البقرة:93] أتدرون ما الميثاق؟ ليس بميثاق الأمم المتحدة، إنما الميثاق هو العقد الموثق بالأيمان، فهو حبل متين، والله عز وجل هو الذي أخذ الميثاق من اليهود: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ [البقرة:93] بأن لا تعبدوا إلا الله .. بأن تحلوا ما حرم الله وتحلوا ما حرم الله .. بأن تطيعوا موسى وأنبياء الله، فهذا عهد وميثاق أن يعبدوا الله بما شرع لهم، وكلفهم به.

قصة رفع الطور

قال: وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ [البقرة:93] الطور جبل بسيناء، فما رفعه عليهم أجمعين، ولا على الذين في المدينة، والزمان كان ثلاثة آلاف سنة، وإنما كما قلت وعلمتم أنهم نحلة وملة واحدة يؤاخذون به كلهم، فذنب أحدهم اليوم يؤاخذ به الأولون، والأولون يؤاخذون بذنوبهم؛ لأنهم على عقيدة واحدة. وهذه القضية هي أن موسى عليه السلام لما وقعت فتنة عبادة العجل، وتورطوا، وجاء موسى وصاح فيهم ووبخهم، وقرعهم، وتابوا، وندموا، وقد قام موسى فيهم كالأسد، وأخذ العجل وأحرقه، ثم برده بالمبارد ونشره حتى أصبح تراباً وذره في البحر؛ حتى لا يبقى للعجل أثر يتعلق به قلوبهم.فهنا اختار موسى منهم سبعين رجلاً من خيارهم يذهب بهم إلى الله عز وجل ليكلمه في جبل الطور، ويطلب التوبة لهؤلاء الذين زلت أقدامهم، فهؤلاء يمثلون الشعب الإسرائيلي، فلما وصلوا وسمعوا كلام الله ما ارتضوا وقالوا: نريد أن نرى وجه ربنا. وعرض عليهم تحمل المسئولية فرفضوا، فما كان من الله تعالى إلا أن رفع الجبل فوق رءوسهم؛ نقضه من أسفله ورفعه كالسحابة: هيا خذوا، وتعهدوا والتزموا، فخروا ساجدين، وهي سجدة إلى الآن يفضلونها على الذهب، فسجدوا على خدهم الأيمن أو الأيسر، وتركوا الآخر ينظرون إلى الجبل من جبنهم وخوفهم، وهم الآن يسجدون في بِيعهم -أي: مساجدهم- هذه السجدة.فالتزموا باللسان وقالوا: سمعنا وعصوا، فهذا ما أخبر تعالى به عنهم في هذا السياق وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ [البقرة:93] أي: جبل الطور.وقلنا لكم: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا [البقرة:93] بمعنى أطيعوا، يقال: فلان لا يسمع لي، أي: لا يطيعني، وليس من السماع بالأذن. وقوله: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ هي التوراة فيها حكم الله .. فيها شرائع الله .. فيها ما تقوم به الحياة .. فيها ما تكملون وتسعدون عليه، فالتزموا، وجاء من سورة الأعراف: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأعراف:171].فأعطوا عهداً وهم تحت الحجر أو تحت الجبل ثم نقضوه كأن لم يكن شيء والعياذ بالله، فهم أنقض الخلق للعهود.ونعود للسياسة؛ فمنذ أربعين سنة ونحن نقول للعرب: يا عرب! عاهدوا اليهود -وإن كان هذا الكلام لا يعرفه إلا العقلاء- فعاهدوهم معاهدة سلمية حتى تتقووا وتتجمعوا وتصبحوا أمة واحدة ربانية قوية، ولا تقولوا: إذاً كيف ننقض عهد الله؟ لا، لا. والله لينقضونه لكم، فهم مفطورون ومجبولون على نقض العهود. فلا تخافوا، أعطوهم فرصة لتستفيدوا منها، فإخوانكم يُرفع عنهم العذاب، والبلاء، والشقاء، وأنتم تتقوون وتصنعون وتتحدون، فإذا قويتم على نسفهم وإبادتهم فحينئذ سوف ينقضون العهد، ولا تخافوا أنتم وتقولوا لي: كيف نعطيهم عهداً وميثاقاً، وبعد ننقض هذا؟! نحن لا ننقض العهد أبداً، وإذا عاهدنا نموت ولا ننقض، لكن العدو هو الذي سينقضه؛ وذلكم لأن الله تعالى قال: أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ [البقرة:100] فهذا شأنهم، وانظر كيف رفع الجبل فوقهم، وأعطوا العهود والمواثيق أن يفعلوا بما في التوراة، وما هي إلا أن خرجوا وإذا بهم يحلون ويحرمون ويعطلون بما تقول أهواءهم وشهواتهم. قال: قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا [البقرة:93] فهم لا يقولون هكذا: سمعنا، بل يقولون: سمعنا وعصوا، وهذا أمر مفروغ منه.

معنى قوله تعالى: (وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم)

قال تعالى بعد ذلك: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [البقرة:93] ومعنى أشربوا: تغلغل حب العجل في نفوسهم كما يشرب الثوب من الماء، ويدخل في كل جزئياته.وأي عجل هذا؟هذا العجل هو الذي صنعه الحداد أو الصائغ السامري .. هذا العجل الذي ادعى أنه هو الله .. هذا إله بني إسرائيل وموسى ضاع عنه وتاه وما عرفه، وهذا العجل قد عبدوه قرابة الشهر؛ لأن غيبة موسى كانت أربعين يوماً، فتمكن حب العجل من قلوبهم. فإن قال قائل: يا شيخ! هل هذا صحيح؟نقول: لا تسأل، نسأل الذين يشربون الشيشة والأفيون وو.. هل تمكن حبها من قلوبهم أو لا؟ ومن قال: لا، فليرم بالتجارة خارج المسجد.فهذه سنن الله في الخلق، والذي عرف أن هذا الأمر باطل ومنكر ثم يفعله ويستمر يفعله فسوف يأتي بطابع خاص به، ولا يتحول عنه أبداً.فتلك النظرة، وتلك الالتفافة، وذلك الاجتماع حول العجل وهم يصرخون، وينادون، ويرقصون، حتى قيل -وهو حق-: إن حفلات المتصوفة مأخوذة من الحفلات اليهودية، فتجد الرقص والرقص حتى تصعق المرأة، وهم يستغيثون بالأولياء، وفي الأخير يقولون: هذه عبادة، أي: مأخوذة عن بني إسرائيل، عبدة العجل .. وقد بقيت عند اليهود أيضاً.والشاهد في قوله تعالى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ [البقرة:93] أي: عجل الذهب، ولهذا إلى الآن اليهود هم الشعب أو الأمة التي لا تعرف أبداً إلا الذهب، وهم الذين أسسوا البنوك.مع العلم أن الله عز وجل حرم عليهم الربا في التوراة بصراحة اللفظ ووضوحه، وندد القرآن بهم، واستحلوا الربا بعد علمهم بحرمته، ولكن قد يعذرون؛ لأنهم يريدون أن يحققوا أملهم في مملكة بني إسرائيل، فكيف الوصول إليها وهم شعب عدد سكانه خمس ملايين فقط، فلا يعادلون سكان القاهرة ولا باريس، فكيف يحكمون العالم؟!

وسائل اليهود في إخضاع العالم

إذاً لابد من استعمال وسائل من شأنها أن تخضع العالم لهم، فاستعملوا:أولاً: السحر، وكثيراً ما أقول بدون علم- أنا متوقع ولا تقولوا: الشيخ جازم-: أنهم يسحرون بعض الساسة والمسئولين في العالم الإسلامي؛ لأنهم متنكرون؛ فلديهم جوازات عديدة: فرنسي .. سويسري .. أمريكاني، ويجتمعون في اجتماعات الأمم المتحدة، وممكن يكلفون من يصب الشاي أو القهوة، ويجعل فيها مادة مسحرة، هذا ممكن، فهم أهل السحر، والسحر هو تحويل القلب من كرهه إلى حبه، فكما يكره الرجل امرأته، والمرأة تكره الرجل، فهم أيضاً سحروا الناس من الأوروبيين وغيرهم، وجعلوهم يحبونهم، وعلى الأقل لا يسبون، ولا يشتمون، ولا يتغيضون، ولا ولا ولا.. وهذا حاصل، ولا يبعد.ثانياً: استعملوا المال من الدينار والدرهم، فعرفوا أن العالم يخضع لسلطان المادة والمال، فابتكروا فكرة البنوك وأسسوها، ووضعوها، وهم قائمون عليها في الشرق والغرب، وضربوا العالم ضربة ليس لها نظير، فالربا إذا شاع وأصبح من مبادئنا ومن سياستنا السياسية والاجتماعية، فهو الذي يقضي على المحبة، والألفة، والأخوة، والولاء بين المسلمين.ولو فعلوا من السحر ما فعلوا فإنهم لا يستطيعون أن يفرقوا بين المؤمنين كلهم، نعم قد يسحر شخص أو عشرة ألف، لكن الربا معناه: لا تبقى سلفة، ولا قرض، ولا مضاربة، ولا تعاون ولا ولا.. وكل ما نحتاج إليه هو البنك. فتلك الرابطة القوية التي تربط بين المواطنين في أي شبر من الأرض لما حل محلها البنك ما أصبح هناك من يسلف أحداً، ولا من يقرض أحداً، وحتى الذين يسلفونهم أو يقرضونهم لا يردّون، فهناك دعوة شيطانية: يأتيك ويقول: أقرضني. فتقرضه، ولا يرجع أبداً، وبذلك تمزقت أواصر الأخوة بين المسلمين. أرأيتم لو كان المسلمون على حقيقتهم فهذا المال الذي لا يودعونه في البنك ماذا سيصنعون به؟إذا جاءني إبراهيم أو سليمان أو عثمان وهو أخي المؤمن عبد الله الذي لا يفارق بيت الله وقال: أريد أن تقرضني كذا إلى سنة، والله ليفرحن المؤمن، فيحصل على أجر أعظم من أجر الصدقة، واستراح من ذلك المال الذي هو مودع في صندوقه، وانتفع به أخوه، وذلك الذي استقرض يعيش ليل نهار يحافظ على عهده وميثاقه، فما إن يحين وقت القضاء، وتدق الساعة إلا وهو يقرع الباب: هذا مالك يا أخي. فانظر إلى الصلة كيف قويت.كذلك لو رغبت في أن ينمو مالك، فيأتيك أخوك الحاذق، اللبيب، الفطن، الصابر، الصادق يقول: أريد أن أفتح متجراً فأعطني ما عندك، لا تبقه هكذا، ولك نصف الربح أو ثلثه. فيفرح المؤمن ويبتسم، ويقول: الحمد لله؛ لم يبقى هذا المال مدفوناً عندي أو مودعاً في البنك لا قدر الله؟! فيعطيه أخاه ويبارك الله فيه، وينفعه، وينفع نفسه.لكن هذه الحال الآن قد انتهت، فأصبح الذين لهم أموال يضعونها في البنوك، ولا يوجد قرض ولا سلفة، فهبطنا، حتى أن من أقرضته لله لا يرد أو يماطلك، وتقطعت صلات الأخوة الإسلامية بيننا، وكل ذلك بسبب بنوك الربا.ثم أنا أعجب من هذا الصوت! ففي كل البلاد الإسلامية لا يوجد واحد من الخطباء والمدرسين وغيرهم يقول: يا مسلمون! تعاملوا بالربا إن كنتم تريدون كسب المال وجمع الثروة، فوالله ما قال هذا أحد، لا في العجم، ولا في العرب ولا ولا .. فكيف وقعنا في هذا؟ من يعلل لنا هذه الظاهرة؟ولو كانت هناك فتاوى أذنت وأباحت فإنه قد يعذر الناس، فالله قال، وقالت العلماء، لكن ليس هناك.إذاً: كيف نعرف هذا ونعصي الله، ونفسق عن أمره، ونخرج عن طاعته ونتحداه، ونرابي مع المرابين؟!الجواب عندنا: لأننا أعرضنا عن الله فأعرض الله عنا، فعيشوا كما تريدون. وقوله تعالى: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ [البقرة:93] هذه الباء هي باء السببية؛ إذ لو كانوا مؤمنين موقنين ربانيين والله ما أحبوا العجل، ولا عبدوه.والآن نقول: الذين يعلمون ويرتمون في الربا ما سببه؟ والله إنه لكفرهم بشرائع الله وتعاليمه، فما عرفوا وما أيقنوا، وما كل من قال: أنا مؤمن فهو مؤمن، فالإيمان نور في القلب يولد طاقة تجعل المؤمن حياً، فيسمع ويبصر ويعطي ويمنع، فإذا اهتز ذاك الإيمان، وتحلل وتخلل، وأصبح ضعيفاً كالذي يؤمن ببعض ويكفر ببعض فإنه لا ينتفع به.قال: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بسبب ماذا؟ بِكُفْرِهِمْ فالباء باء السببية فلما كفروا بنعم الله عليهم .. كفروا برسالاته ورسله .. كفروا بلقائه، وتنكروا له .. غطوا .. جحدوا .. فحصل هذا بكفرهم.

معنى قوله تعالى: (بئسما يأمركم به إيمانكم ...)

أخيراً يوجه الله تعالى لرسوله هذا الأمر فيقول لهم: قل يا رسولنا أيها المبلغ عنا، قل: بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ [البقرة:93] فإذا كان إيمانكم يأمركم بالربا، وقتل الأنبياء، وعبادة دون الله فبئس هذا الإيمان، فقبحه بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة:93] أي: كما تزعمون وتدعون.

تحذير المسلمين من مشابهة ومتابعة بني إسرائيل في مخالفاتهم الشرعية

ما أحوج المسلمين إلى هذه الآيات أن يجتمعوا عليها ويقرءوها ويتفهموها، فهذا من باب: (إياك أعني واسمعي يا جارة)، فإذا كان بنو عمنا قد تورطوا فهبطوا، ولعنوا، واحترقوا، والقرآن يذكر ما أنزل الله بهم؛ أليس معنى هذا: إياكم أن تسلكوا مسالكهم! إياكم أن تمشوا في طريقهم! إياكم أن تقفوا مواقفهم! فإنكم ستهلكون كما هلكوا.هذه ورقة أعطانيها مؤمن يتألم، وفيها أن هذا الكاتب في هذه الجريدة يقول: صوت المرأة عورة! خرافة شائعة. كم من مرة قلنا: إن صوت المرأة عورة آلاف المرات، فهل نكذب أن صوت المرأة عورة، وما معنى عورة؟ هل هو شيء يستحى من سماعه فينبغي أن يستر كما تستر العورات، والعورة ليس معناها السوءة.أيها العامي! كل ما يستحى من كشفه هو عورة تستر كعورة البيت، وهي النافذة، وهذا قال: صوت المرأة عورة خرافة!اسمعوا! روى الشيخان ومالك وأهل الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من أنابه شيء في صلاته فليسبح ) أي: يقول: سبحان الله، فإذا قرع عليك الباب أحد أو ناداك بأعلى صوته: يا فلان! وأنت في الصلاة فلا تقطع الصلاة، واحذر فإنك تتكلم مع الله فلا تعرض عنه وتقبل على هذا المخلوق، فهذه مصيبة لا حد لها، وقد أرشدنا العليم الحكيم صلى الله عليه وسلم أن نقول: سبحان الله، فيفهم طالبك ومناديك بأنك مشغول مع الله فيسكت وينتظر. ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( التسبيح للرجال والتصفيق للنساء )، وفي لفظ: ( والتصفيح )، هكذا، ممكن هذا الصوت يطرب. اسمع! الصوت هكذا يطرب أو لا؟ هذا هو التصفيق، أما التصفيح فهو يضرب بظهر اليد فلا يطرب، والتصفيح للنساء.أيكم أيها الفحول واصدقوني: يرضى أن تتحدث امرأته مع أجنبي؟الجواب: والله لا نرضى أن يسمع صوتها أجنبي.فأين قولهم: من ادعى أن صوت المرأة عورة أنه يقول بالخرافة، وهذه جريدة إسلامية تكتب هذا العنوان، ولا ندخل معهم في كلام، فلقد هبطوا ونزلوا من علياء الكرامات إلى حضيض التراب، أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ [النحل:21] فلهذا نتركهم لله.وصوت المرأة عورة عندنا.تقول الصديقة : الديوثة من النساء التي يسمع ضيفها صوتها في حجرتها. وما زالت الطاهرات إلى الآن ما يرفعن أصواتهن إذا هناك ضيوف في البيت.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #126  
قديم 04-09-2020, 02:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (69)
الحلقة (76)




تفسير سورة البقرة (39)

ادّعى اليهود أن الجنة خالصة لهم، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم للمباهلة، فلم يفعلوا، ولن يفعلوا؛ لأنهم يدركون فداحة سيئاتهم، وعظم جرائمهم، ولهذا يتمسكون بالحياة، ويعضون عليها بأسنانهم، ولا فرق عندهم بين حياة كريمة وأخرى دنيئة، المهم أن يبقوا على ظهر البسيطة، يتنفسون، ويأكلون، ويشربون، ولا يدركون هم وغيرهم من المشركين أنهم لو عمّروا ألف سنة فإن مصيرهم في نهاية المطاف إلى جهنم وبئس المصير.

تفسير قوله تعالى: (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة. من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، ومع الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها، سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ * وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:94-98] إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! بالأمس كنا مع ربنا تعالى وهو يقرّع اليهود ويؤنبهم، ويكشف الستار عنهم، ويضعهم أمام ما تأهلوا له من الخزي، والهون، والدون.ولا بأس أن يؤنب أو يقرع أو يؤدب من يطغى، ويتمرد، ويفسق، ويفجر، فهذه سنة الله في الناس، وقد قرّع اليهود وأنّبهم كما في الآيات.

مباهلة الرسول صلى الله عليه وسلم لليهود

ها نحن الآن مع قول ربنا جل وعز وهو يقول لنبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم: قُلْ أي: لليهود الذين يجادلون ويعاندون، إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:94] فاليهود قد ادعوا أن الآخرة لهم وقالوا: لسنا في حاجة إلى هذا الدين، وإلى هذا الرسول والكتاب، فنحن شعب خصنا الله عز وجل بنعيم الجنة والدار الآخرة، ولسنا في حاجة إلى أن نؤمن بك، ولا إلى أن نمشي وراءك، وإلى أن نأخذ بكتابك وما جئت به من الدين، لسنا في حاجة إلى هذا كله.أما قال اليهود: قُلُوبُنَا غُلْفٌ [البقرة:88] أي: مملوءة بالعلم والمعرفة فما نحن في حاجة إلى ما تدعونا إليه.أما ادعوا أنهم هم أهل الجنة، وأنهم إن دخلوا النار لا يبقون فيها أكثر من أربعين يوماً، وهي مدة عبادتهم للعجل: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [آل عمران:24]. فأحبارهم يكذبون، ويلفقون الكذب، ويكتبونه، ويهمشونه على التوراة، والعوام يقلدون ويقولون: لن تمسنا النار أكثر من أربعين يوماً، ولهذا إن فجرنا .. إن رابينا .. إن قتلنا الأنبياء .. إن عذبنا العلماء كل هذا مغفور لنا، وقد نؤاخذ به مدة محدودة أربعين يوماً ثم نعود إلى الجنة. والرب تبارك وتعالى يقول لرسوله قل لهم: إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ [البقرة:94] والدار الآخرة هي نعيم الدار الآخرة في دار السلام، فالمعنى: إن كانت لكم الدار الآخرة -لا لغيركم- خالصة من دون الناس؛ أبيضهم وأسودهم .. أولهم وآخرهم فهيا تمنوا الموت، وهذا يسمى بالمباهلة، فتعالوا واسألوا الله تعالى أمامنا الموت: اللهم أمتنا -يا ربنا- لندخل الجنة؛ دار السلام. فاسألوها صادقين من قلوبكم لتوافق ألسنتكم، وانظروا فإنكم تموتون.فوالله ما استطاعوا، وعجزوا، وخافوا، ولو وقفوا في صف واحد وقالوا أمام رسول الله: اللهم إنا نسألك أن تتوفانا الآن لنستريح من أعباء الدنيا وتكاليفها، ومحنها، ولندخل الجنة دار السلام، لو قالوها لما بقيت فيهم عين تطرف.

مباهلة الرسول صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران

حدث للنصارى مباهلة -أيضاً- في مسجدنا هذا؛ ليتقرر عندنا أن اليهودية بدعة من البدع، ما جاء بها كتاب ولا بعث بها رسول، وأن النصرانية -والله- ما هي إلا بدعة مبتدعة، ما جاء بها عيسى ولا غيره.والنصارى كانوا يسكنون في جنوب الجزيرة؛ في نجران، فسمعوا بالدعوة الإسلامية، فجاء وفد منهم مؤلف من ستين فارساً، جلّهم علماء، ونزلوا ضيوفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوزعهم على المؤمنين، ودعاهم للمباهلة، فقالوا: باسم الله، فمن كان منا على الحق لا يموت، ومن كان منا على الباطل يهلك.وبالفعل خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بـفاطمة والحسنين إلى المسجد، فما إن شاهد النصارى تلك الزمرة النورانية حتى انهاروا وقالوا: لا نباهل، وقال قائلهم: والله لو باهلتم هؤلاء ما بقيت فيكم عين تطرف.فذلوا، وخضعوا، وضرب عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية، وعادوا إلى ديارهم، وقد جاء هذا من سورة آل عمران، إذ قال تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ [آل عمران:59-61]. فخافوا كما خاف الآن اليهود، وما استطاعوا المباهلة.
دعاء اليهود على أنفسهم بالموت

الله تعالى يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ أي: الجنة خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ [البقرة:94] فالآن موتوا لكي تستريحوا، فلم الحصاد والزرع، والتجارة، والآلام، والأمراض، والأوجاع وأنتم أهل الجنة، فمن الآن: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:94].
تفسير قوله تعالى: (ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم ...)

اليهود بين تمني الموت وما قدمته أيديهم

سبق الله تعالى اليهود إلى ما في صدورهم .. إلى ما يريدونه فقال لرسوله: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ [البقرة:95] بـ(لن) الزمخشرية إن شئتم: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا لم؟ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ، فما من جريمة إلا اقترفوها، وحسبهم من ذلك قتلهم الأنبياء والعلماء .. استباحتهم الربا والمحرمات، فالخبث بكامله قد انغمسوا فيه، ومع ذلك يتمنون الدار الآخرة، فهم مؤمنون بها، فكيف يتمنون الموت، أليلقوا في أتون الجحيم؟!فأخبر تعالى بما يعلمه من قلوبهم، ومن طبائعهم، وما فطروا عليه: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [البقرة:95] أي: لا يخفى عليه من أمرهم شيء، وهم ظالمون، فسجل عليهم الظلم، ووالله إنهم لظالمون.والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، فالله أرسل الرسل وأمر بحبهم، وتبجيلهم، وتعظيمهم، واتباعهم، والانقياد لهم، وهم ذبحوهم .. كذبوهم .. قتلوهم .. مكروا بهم، وهذا ظلم.والله تعالى أمرهم بطاعته وطاعة رسله، ففسقوا عن طاعته وعن طاعة رسله، وأي ظلم أفظع من هذا؟!وهم ظالمون والله عليم بهم، فلهذا لا يستطيعون أبداً أن يتمنوا الموت وأن يقولوا: اللهم توفنا الآن، فإنا أولياؤك وعبيدك، مع أنهم كانوا يدّعون أنهم أولياء الله، والبشرية كلها نجس، وهم أقرب الناس إلى الله، فلهذا ترفعوا وسادوا وارتفعوا ولم يرضوا لأحد أن يدخل في دينهم.لكن الله أبطل فريتهم .. أبطل دعواهم فقال: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا [البقرة:95] أي: إلى يوم القيامة، فما جاء يوم من الأيام وتمنوا الموت، فما هناك من هو أجبن من اليهودي، لا يقوى على الموت أبداً؛ لما يعرف من مصيره المظلم؛ ولما يعرف أين ينزل بعد موته في الدركات السفلى من عذاب الله.قال: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا [البقرة:95] بسبب: بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [البقرة:95].

لا تمايز بين الخلق إلا بالتقوى والعمل الصالح

نحن أيها المستمعون والمستمعات ماذا قدمت أيدينا؟ أو نقول هذا في بني إسرائيل فقط!وكذلك نحن إذا قدمنا الخير نثاب عليه، وإذا قدمنا الشر نجزى به، وليس عندنا امتيازات خاصة أو وعود من الله عز وجل أو صكوك أننا إذا فسقنا .. فجرنا .. كذبنا .. ترابينا .. سببنا .. شتمنا فلا نؤاخذ، ليس هناك من ذلك شيء.وقد قيل: الدنيا مزرعة الآخرة، فمن زرع الآن البرتقال، والرطب، والعنب فسوف يحصد ذلك يوم القيامة، ومن زرع الشوك، والسدر، والحنظل وما إلى ذلك فسوف يجني ما زرع، فمن زرع اليوم الإيمان وصالح الأعمال سوف يحصد رضوان الرحمن، وسكنى الجنان. ومن زرع الكذب، والخيانة، والكبر، والحسد، والتعالي، والظلم، والشر، والفساد والله لن يحصد إلا مثيله، ولسنا بأشرف من اليهود أبداً.والحقيقة أن نسبتنا إلى الله واحدة فنحن عبيد إلى سيد، فكونه بيَّضك وسوَّدني .. قصَّرك وطوَّلني .. أغناك وأفقرني هذا لا قيمة له، فهو ابتلاء فقط في العمل، أما نسبتنا فهي أننا عبيد لله، فمن أطاعوا سيدهم، وخنعوا، وخضعوا له، وذلوا، واستكانوا رفعهم، ومن تكبروا عنه، وتعالوا، وحاربوه أذلهم وأهانهم. ولا فرق بين أحد وأحد إلا بتقوى الله عز وجل، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قرر هذه الحقيقة وعلمناها فقال: ( لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى )، وقال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #127  
قديم 04-09-2020, 02:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

النفس البشرية بين التزكية والتدسية

قد قررنا وعرفنا -أيها السامعون- حكم الله في البشرية، واسمعوا الله تعالى يحلف لكم لتطمئن نفوسكم، وتسكن قلوبكم إلى صدق هذا الخبر، بسم الله الرحمن الرحيم: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس:1-8]. فإن قال قائل: لم تحلف يا ربنا؟ فالجواب: لتعرفوا حكمنا في البشرية، فتسلكوا سبل النجاة، وتبتعدوا عن طرق الهلاك والخسران، فمن أجلكم حلف الرب تعالى.لكن ما هذا الحكم الذي حلف من أجله؟اسمع واحفظ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10] واطوِ الصحيفة.فقوله: (قد أفلح) هل الرئيس .. الشريف .. الغني؟! الجواب: ( من زكاها) أي: زكى نفسه، ومعنى (زكاها): طيبها وطهرها بأدوات التزكية والتطهير التي وضعها الله لذلك، والفلاح هو الفوز، يقال: فلان فاز أي: نجح في الصفقة التجارية الفلانية .. نجح في الامتحان، ومعناه هنا: أُبعد عن النار، وأُدخل الجنة؛ دار الأبرار.والله سبحانه وتعالى هو الذي بين لنا هذا الفوز، وقد قال من سورة آل عمران: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185] هل هناك: إلا نفس فلان وفلان أو إلا أنفس بني فلان؟ لا يوجد، وهذا الحكم لم يتخلف، ولذلك الحكم الثاني أيضاً -والله- لا يتخلف قال تعالى: وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]. فوجب على كل مؤمن ومؤمنة .. عرب وعجم أن يحفظوا هذا الحكم الإلهي.إذاً صدر الحكم على البشرية ونصه: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. فهنا يتم تقرير المصير وليس في يوم القيامة، وكل عاقل مكلف بلغ سن الرشد هو الذي يقرر مصيره بيده، قال الحاكم العدل رب العالمين: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9] فأسند الفلاح والتزكية له، أي: أفلح من زكى نفسه وخاب من دسى نفسه؛ لأن النفس الزكية، الطاهرة، النقية هي التي يقبلها الله في جواره، وهي التي يرضى بأن تسكن في دار السلام.أما النفس الخبيثة المنتنة العفنة فلا يرضاها الله أبداً، ولا يتلاءم معها الطهر والكمال في دار السلام، إنما يتلاءم معها حفر الجحيم، ولظاها، ولهبها، ودخانها.وهنا مثل عامي: فلو يدخل الآن علينا رجل قد تلطخت ثيابه بالبول، والخر، والأوساخ، والدموع، والدماء فهل تفسحون له ليجلس معكم؟ أكثركم سيقول له: اذهب .. اخرج .. خذوه .. طهروه، هذا لا يدخل هنا! وهذا المعنى واضح.كذلك الذي يأتي بنفس عفنة، منتنة، كيف يدخل الجنة؟! وقد قال تعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار:13-14].فإن قال قائل: لم الأبرار في النعيم، والفجار في الجحيم؟فالجواب: الأبرار لبرورهم، والفجار لفجورهم، فالأبرار المطيعون الذين زكوا أنفسهم وطهروها مآلهم إلى الجنة، والفجار الذين فجروا عن تعاليم الله، وفسقوا، ولطخوا أرواحهم، وخبثوها، هؤلاء يتلاءم معهم أتون الجحيم.اسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما نادى بني هاشم رجع إلى ابنته وقال: ( يا فاطمة ) فيناديها باسمها العلم وهي تسمع ( إني لا أملك لك من الله شيئاً فأنقذي نفسك من النار )، أي: آمني واعملي الصالحات.إذاً: هذه الآيات كلها هي فينا، وهي كذلك في اليهود، فإنهم لما ادعوا أن الجنة لهم قال تعالى لهم: هيا اطلبوا الموت حتى تدخلوا، لكنهم -والله- لا يطلبونه.ولو نطالب به نحن فإن الصالحين الطاهرين يفرحون بدار السلام، ولو ندعى إلى الجهاد لتسابق المؤمنون إلى دار السلام.

سوء ما قدمه اليهود من أعمال

نعود إلى السياق الكريم: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ [البقرة:95] أي: الموت، أبداً لم؟ بما والباء سببية، أي: بسبب ما قدمته أيديهم من ذبح الأنبياء والعلماء، وأكل الربا، وإباحة الزنا، والخيانة والغش، والخداع، وكل أنواع الجرائم التي انغمسوا فيها، وما زالوا فيها إلى الآن.

سعة علم الله بأحوال عباده

قوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [البقرة:95] فيجزيهم بحسب ظلمهم يهوداً كانوا أو غير يهود .. عرباً أو عجماً .. في الأولين أو الآخرين.وهل هناك ظالمون لا يعلم الله بهم؟!يقول قائل: بعض الظالمين عندهم حيل وستائر عجيبة لا يطلع الله عليها.تقول له: يا هذا! الله تعالى يقول: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:154]، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].ومن ذلك على سبيل المثال أن تظهر فتاة من على السطح، أو ينكشف الستار عنها وهي على الجمل فتجد من الناس من يتكلم معك وهو يخون ويسترق النظر.فإن قال قائل: يا شيخ! كيف تقول هذا؟! هل هذا معناه أنه لا يجوز لنا أن ننظر إلى النساء؟! وقد قالت إحدى الصحف: القول بأن صوت المرأة عورة خرافة، فدعوها تغني.أقول: نحن نمشي مع بني إسرائيل خطوة خطوة إلا من سلم الله عز وجل، فالذين يقولون: صوت المرأة ليس عورة، أما يعلمون أن الله يقول: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ [غافر:19] فالعين تخون، وخيانة العين تكون بالنظر إلى شيء حرمه الله، ولقد كتب الله تعالى صالحات الصالحين وسيئات المسيئين في كتاب المقادير قبل أن يخلقهم، فكيف هذا يسأل: كيف أن الله يعرف أو لا يعرف؟!
تفسير قوله تعالى: (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا ...)

حرص اليهود والمشركين على أي حياة

قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم إذ هو الذي يجابه هؤلاء الطغاة من اليهود قال له: وَلَتَجِدَنَّهُمْ وهذه اللام موطئه للقسم المقدر: وعزتنا، وجلالنا يا رسولنا لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:96]. وإخواننا الفلسطينيون هم الذين يعرفون أن اليهودي أجبن وأذل ما يكون. لم؟ لأنهم خائفين من الموت؛ لأن وراء الموت جحيماً، وسموماً، وعذاباً أليماً، وهم موقنون أشد اليقين بأن جزاءً لابد منه للكسب الدنيوي، فلما تلطخوا بكل أنواع الجرائم لا يتمنون الموت، ولا يرضى أحدهم أن يموت.أما أهل دار السلام فوالله إنهم يطربون، وقد كان أحدهم يرقص فرحاً بالموت كما في بدر وأحد.إذاً: كل من كان ملطخاً بالذنوب والآثام فإنه لا يفرح بالموت، ولا يطرب له فضلاً عن أن يتمناه، وكل من زكت نفسه، وطابت، وطهرت فهو يفرح بالموت، ولو رأى رؤيا تبشره بالموت لفرح، فالجنة خير، فالدنيا فيها مشاق وآلام، وأتعاب، وأمراض، وسقم، وفي الجنة نعيم مقيم، يأكلون ويشربون تفكهاً فقط، لا يمرضون، ولا ينامون .. ولا يكبرون، ولا يهرمون، ولا ولا .. أما طعامهم وشرابهم فيتحول إلى عرق وجشاء رائحته أطيب من ريح المسك، قد خلقهم الله على هيئة لا تقبل الفناء أبداً، فكيف لا يفرح العاملون الصالحون بالجنة والموت.قال: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:96] هل قال: (على حياة) أو (على الحياة)؟ قال: (على حياة) أي: ولو كانت أخس حياة وأرخصها، فهي نكرة في سياق نفي تفيد العموم، فهم أحرص الناس على أوسخ حياة، وأقلّها، وأدناها، فليست حياة العز والكمال والسعادة، وهذه لا يلامون عليها، فأرخص حياة يقبلونها: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:96].وهناك نوع آخر من البشر يحبون الدنيا، والحياة، والخلود قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ [البقرة:96] فمن المشركين والمجوس والنصارى و.. من يود أن يعيش ألف سنة، وممكن أن يوجد حتى بين المسلمين الضائعين من يود أن يعيش ثمانين عاماً .. مائة عام.قوله: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا [البقرة:96] فما قال: وكل المشركين، فهذا العليم العظيم يعرف النفسيات والطباع، فيوجد من المشركين من يود أن يعيش ألف سنة، أما اليهود فلا يريدون الموت أبداً، لا يتمنونه، ولا يريدونه بحال من الأحوال؛ لعلمهم بالمصير المظلم الذي سيصيرون إليه بعد أخذ أرواحهم؛ لأنهم يؤمنون بالبعث والجزاء والدار الآخرة.أما المشركون فمنهم من لا يؤمن بلقاء الله بالمرة، فلهذا يكره الموت ويريد أن يعيش ألف سنة.قال تعالى: وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ [البقرة:96] لو يعمر الإنسان مليون سنة ممكن لا يعذب لهذا العمر؟ فلا ينفع، فمن الآن أحسن، وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ والزحزحة هي الإبعاد.قال: وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ أَلْفَ سَنَةٍ فلو عمر أحدهم ألف سنة، فهل هذا التعمير، وهذا الطول في العمر يبعده عن النار؟ لا يبعد عن النار، طال العمر أو قصر، إنما يبعده عنها زكاة النفس وطهارتها فقط.

وسائل تزكية النفس

إن قال قائل: يا شيخ! أنت تقول: زكاة النفس، فدلنا يرحمك الله على أدوات التزكية أين توجد وأين تباع وفي أي صيدلية؟ وهذا السؤال ضروري للعقلاء الذين ما علموا: ما دامت القضية منوطة بتزكية أنفسنا فمن فضلك دلنا على هذه الأدوات والعقاقير التي نزكي بها أنفسنا، أو ليس هناك عقاقير ولا أدوية؟الجواب: والله توجد، والصيدلية هي صيدلية الله ورسوله، وقال الله، قال رسوله؛ الكتاب والسنة، فإنك تجد فيهما كل أدوات التزكية من كلمة: لا إله إلا الله إلى إماطة وإزالة الأذى من طريق المؤمنين والمؤمنات.فكل عبادة من أعمال القلوب أو الألسن أو الجوارح هي عبارة عن أداة تزكية للنفس البشرية وتطهيرها، ولا بد من استعمالها حسب الشروط التي وضعت لها؛ إذ لابد من مراعاة الكيفية فلا تقدم ولا تؤخر، ومراعاة الزمن فلا توقعها في غير زمانها، ومراعاة العدد، فلا تزيد ولا تنقص وإلا ما تنتج.وأعظم أداة في تزكية النفس البشرية وتطهيرها ذكر الله، قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] وذكر الله شرطه أن تكون في مكان طاهر، وأن يتحد قلبك ولسانك معاً، فعندما تقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم فلابد أن يكون قلبك مع لسانك، فإن قلت بلسانك وقلبك غافل فإن ذلك لا ينتج، ولا يولد الطاقة، وإن ذكرت فقط بالقلب واللسان فذلك لا ينفع، ولا ينتج.إذاً لابد من توافق القلب واللسان، ومن هنا كانت الصلاة أعظم مولد للنور أو للطاقة النورانية، فلا توجد عبادة أكثر توليداً للحسنات وللطاقة النورانية من الصلاة أبداً، وبعض السامعين لا يعرفون كيف تولد الصلاة النور؟ كالماكينة الصغيرة التي تولد الكهرباء وتدور الآلات، فإذا خربت لا تولد.فالصلاة أعظم مولد للطاقة النورانية، واقرءوا إن شئتم: وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45] لم يا ألله؟ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45] أي: في توليد هذه الطاقة، إلا أن الصلاة لا تنتج نتاجها، وتؤدي ثمارها إلا إذا استوفت شروطها.وقد بينا سابقاً أن للصلاة شروطاً لابد من استيفائها، ومن ذلك الطهارة، والتي تشمل: طهارة المكان، وطهارة البدن، وطهارة الثياب، فأنت في الصلاة كيف تقف أمام الله، وتتكلم معه، وأنت نجس؟ هذا لا يجوز، وكيف تقف في مكان نجس وتناجي الله في الصلاة، فهذا لا يصح، وكيف تقف في الصلاة وجسمك ملطخ بالقذى والأذى، وتتكلم مع الله، هذا حرام -يا عبد الله- وعليك أن تتطهر.والصلاة إذا كان لها وقت معين كصلاة العشاء بقي عليها ثلثها فلو قلتم: هيا نصلِّها الآن، فهذه الصلاة لا تولد لك النور، ووالله لا تولد حسنة، فهي كالعملية الفاشلة؛ لأنه يشترط لها وقت تقع فيه، وإلا ما أنتجت. والوقت ضروري لأية عبادة مربوطة بوقتها، ومن ذلك أيضاً: ( الحج عرفة ) الذي هو تاسع شهر ذي الحجة، فلو اتفقت الأمة بملوكها ورؤسائها أن الحج هذا العام يقع في المدينة، وعلى جبل أحد الذي هو أشرف من عرفات، فوقف الحجاج على جبل أحد لقلنا لهم: حجكم غير صحيح، ولا يصح هذا الحج.وكذلك لو قالوا: هذا العام الحر شديد، فدعنا نعمل الحج هذا العام في الشتاء، ووقفوا فعلاً في الشتاء فهل يقال: حجوا؟ كلاء والله ما حجوا.وهكذا كل عبادة وضعت لتزكية النفس وتطهيرها بما تولده من الحسنات لابد وأن يراعى فيها أن يكون الله قد شرعها لذلك، ولهذا لو أن مليون بدعة أنفقت فيها مالك كله، وتبدد طاقاتك وجهدك كله، فهذه والله لا تولد جرام حسنة؛ لأن البدعة ما شرعها الله، والذي لم يشرعه الله من يوجد فيه المادة النورانية؟ من يقوى؟ وهذا والله ليس بممكن.وهل يستطيع أحدنا أن يوجد مادة الغذاء في الرمل .. في الحصى .. في الطين .. في التراب؟ لا يستطيع؛ لأن الله ما أودعها هناك، إنما أودعها في البطيخ، والعنب، واللحم، والخبز.وهل يستطيع البشر -لو اجتمعوا كلهم- أن يوجدوا عبادة ولو بالقول على أن من عملها تزكو نفسه عليها وتطيب وتطهر؟ الجواب: لن يستطيعوا، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54] فهذا الأمر لله وحده.ولهذا الصلاة لو توقعها في غير وقتها فإن الفقيه يقول: بطلت، ونحن نقول: ما أنتجت. فالصلاة عندما تنقص شروطها أو تقدم أو تؤخر فيها يقول الفقيه: صلاتك باطلة يا ولد. ولو تصلي أمام فقيه، ولا تطمئن في الركوع، ولا السجود يقول الفقيه: صلاتك باطلة. ونحن لا نقول: باطلة، إنما نقول: لا تزكي نفسك، ولا تولد لك النور الذي هو الحسنات، فأعد صلاتك.وهكذا كل العبادات.

أهمية الإيمان والعمل الصالح

نعود إلى السياق الكريم قال: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ [البقرة:96] أي: تعميره الألف سنة والمليون لا يزحزحه من عذاب الله.وما الذي يزحزح عن العذاب؟الجواب: الإيمان وصالح الأعمال؛ لأن الإيمان يدفع إلى اكتساب الحسنات، والحسنات هي التي تزكي النفس وتطهرها. واقرءوا: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الكهف:107]، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [البروج:11]، فتجد الإيمان والعمل الصالح، فالإيمان يقوي نفسك وقدرتك على أن تصلي وتصوم وتجاهد وتتصدق، وتلك الأعمال الصالحة هي أدوات التزكية .. هي التي تنظف القلب البشري وتطهره. والسيئات هي التي تصيب القلب بالظلمة، والنتن، والعفونة.واسمع رسول الله يقول: ( إذا أذنب العبد ذنباً ) أي: اقترف خطيئة سيئة، وسمي الذنب ذنباً لأنه يؤخذ به الإنسان كما يؤخذ الحيوان من ذنبه، ونحن نؤاخذ بذنوبنا، والحيوانات تؤخذ بذيولها وأذنابها.قال: ( إذا أذنب العبد ذنباً وقع نكتة سوداء في قلبه )، كهذه، ( فإذا تاب ونزع صقل ذلك المكان وطهر ) كالزجاجة المشرقة إذا وقع فيها شيء ما لطخها، ومن الممكن أن تمسحها ويزول على الفور، ويبقى النور والإضاءة، وكذلك قلب الإنسان أو نفسه.قال: ( وإذا لم يتب وأذنب ذنباً آخر وقع إلى جنب النكتة الأولى )، وهكذا تتزايد الذنوب حتى تتسع الرقعة، فالذنب إلى الذنب إلى الذنب بلا توبة، ولا مسح ولا صقل حتى يلطخ القلب كله، ويحجب عن الإيمان، وعن عمل الصالحات.قال صلى الله عليه وسلم: ( فذلكم الران الذي قال الله فيه: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14] ) ولهذا من لطف الله بأوليائه ورحمته بعباده المؤمنين أنه شرع لهم التوبة الفورية، فإذا شعرت بالذنب فعلى الفور قل: أستغفر الله وأتوب إليه. وابتعد عن الخطيئة ينمحي ذلك الأثر، وقل: آمنت بالله.فإن أنت أصررت وما باليت، وواصلت الذنب إلى الذنب، فسيأتي يوم لو تعرض عليك التوبة -والله- ما تقبلها، بل لو قيل لك: استغفر الله. تهزأ وتسخر. أما سمعنا الله تعالى يقول من سورة النساء: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ [النساء:17] لمن؟ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:17]. قال: (من قريب) لأنه إذا واصل في الذنب فإنه سينطبع في نفسه طابع، ويصبح لا يرضى إلا ذلك الذنب. واسألوا الذين تعودوا الأفيون والكوكاين تجدوهم يقولون إنهم الآن يستعملون الإبر، ولا ينفع أن يأخذ بدلها حبة.وكذلك هو حال الذي قد تعود اللواط .. السرقة .. الخيانة، فهذا شأنه.قال بعض علماء النفس: الذي تعود السرقة وتمرن عليها، لما يلقى عليه القبض، وتوضع الحديدة في يده ويمشي، فتعرفه بأنه سارق، وأنت في ذلك الوقت تخاف وترتعد وتقول: يا ويله. لكن السارق في ذلك الوقت يفكر كيف يسرق مرة ثانية! وكذلك عندما يصل إلى السجن تجده يفكر كيف يسرق إذا فكوه بعد عام أو عامين؟ فانظر بماذا يفكر هو، وبماذا تفكر أنت، فتجد العكس.والله سبحانه وتعالى خالق الأنفس، وطابع الطبائع، وغارز الغرائز هو الذي يقول: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ [النساء:17].وإذا واصل الجريمة فقد يحال بينه وبين التوبة قال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18]، الآن! لا، قد فات الوقت .. فات الأوان يا بني: ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر )، فإذا حشرجت في الصدر، وقال الطبيب: ودعوا أخاكم، فلو استغفر وتشهد، فوالله لا ينفع، فقد انتهى أمره.وهذا من باب الرحمة المحمدية، يقول: ( إن الله يقبل توبة العبد .. )، والله لحق، لكن لا يستطيع أن يتوب عبد غرق في بحور الآثام والذنوب، فسفك الدماء، ومزق الأعراض، ودلوني على واحد تاب من هذا النوع، فما عنده قابلية التوبة، لكن إن تاب هل يرده الله؟ لا والله: ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر )، فإن حشرجت في الصدر، وعرف المودعون والزوار فحينئذٍ لا عودة، قد انتهى أمره.وهكذا يقول تعالى وقوله الحق: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ [البقرة:96] أي: التعمير: وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [البقرة:96]، فالله أسأل أن يتوب علينا وعليهم، وأن يغفر لنا ولهم، وأن يرحمنا وإياهم، وصل اللهم على نبيك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #128  
قديم 04-09-2020, 02:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (70)
الحلقة (77)




تفسير سورة البقرة (4)

أخبر سبحانه وتعالى عن المنافقين أنهم إذا قال لهم المؤمنون: لا تفسدوا في الأرض بالمعاصي وموالاة الكافرين كان جوابهم بأنهم هم المصلحون لا غيرهم، وأن صلاحهم ظاهر للعيان، فلا يمكن إنكاره، فإذا قال لهم المؤمنون: آمنوا كما آمن الناس، أجابوا بأن من آمن هم سفهاء العقول، الذين لا رشد لديهم ولا بصيرة، فرد الله عليهم دعواهم بأنهم هم أهل السفه والجهل، ونفاه عن المؤمنين.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إن السياق الكريم ما زال في كشف عورات المنافقين، وإظهار ما هم عليه من الخبث والنفاق.وقبل ذلك نشير إلى ما سبق من أن الناس ثلاثة أصناف: مؤمنون أتقياء، كافرون مشركون، منافقون يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر.

طائفة المؤمنين المتقين

الطائفة الناجية الكاملة السعيدة هي طائفة المؤمنين المتقين، الذين قال تعالى فيهم: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:3-5]، أي: الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار.إيمان، وتقوى، وإنفاق في سبيل الله عز وجل، وإيمان بكل ما أمر الله بالإيمان به من الكتب والرسل، والدار الآخرة وما فيها من حساب وعقاب وجزاء، فالمتصفون بهذه الصفات هم المفلحون، وهم الذين يجدون في القرآن الكريم الهداية، ويهتدون بها وينتفعون.

صنف الكفار

الفريق الثاني: الكفار، أي: الجاحدون لله تعالى في وحدانيته، في إلوهيته، في أسمائه، في صفاته، في عباداته، وكل كافر مشرك، وكل كافر ظالم.وخلاصة القول: أن من لم يؤمن بالله ولقائه وما أمر الله تعالى بالإيمان به من شأن الغيب، فهذا هو الكافر، بمعنى الجاحد المكذب، وقد يكون كافراً كفر عناد، والعياذ بالله.وهذا الصنف من الكفار قد علم الله أن منهم من يموت على كفره، فيصر على الجحود والمكابرة والتكذيب، حتى يموت على كفره فيخلد في عذاب النار.والرسول صلى الله عليه وسلم عندما يقول له ربه تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة:6-7]، علمنا: أنه ليس من حق أحد أن يقول: إذاً من ينذر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم ينذر الذين كفروا فمن ينذر؟ وعلمنا أن الله عز وجل أخبره بأن بين الكافرين أفراداً ختم على قلوبهم وعلى سمعهم، وعميت أبصارهم، فلا يدخلون في رحمة الله.إذاً: واصل دعوتك وإنذارك للناس، وإن أصر أناس على الكفر فلا تحزن؛ لأن منهم من كتب الله أزلاً شقوتهم وشقاءهم على بعض.ولا يقولن قائل: إذاً: لِم الإنذار والتخويف والترغيب والترهيب ما دام قد حكم الله بشقائهم وموتهم على الكفر؟نقول: لا تقل هذا، فلم يقل الله تعالى: إن أبا لهب ، إن عمرو بن فلان .. إن فلاناً، لو أنزل تعالى فيهم قرآناً بأسمائهم ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتعب، ولا يشقى ولا يأتيهم إلى أبوابهم، ولا يطالبهم، لكن الله عز وجل أمره بأن ينذر ويبلغ ويدعو، فلما رأى أناساً مصرين معاندين مكابرين هون عليه تعالى ذلك، وقال: لا تحزن ولا تأسف عليهم، فقد كتب الله شقوتهم أزلاً.ثم ذكرنا -ولا ننسى- أنهم ما ولدوا كفاراً معاندين، وإنما ولدوا على الفطرة، ثم أخذت الشياطين تزين لهم الباطل وتحسنه لهم، فكفروا وأشركوا، ثم تعمدوا حرب الرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام، وأخذوا يتوغلون في الفتنة، ويسعون فيها ليل نهار، يستهزئون، ويسخرون، ويكذبون، ويعاندون، فما زالوا كذلك والنور ينطمس، والفطرة تفسد شيئاً فشيئاً، حتى ختم الله على قلوبهم، فما أصبح يجد الإيمان منفذاً إلى قلوبهم، فقد ختم عليها بالكامل، وعلى سمعهم ما يسمعون، أي: ما أصبحوا يرتاحون لسماع الحق، فيسمع كل شيء إلا إذا ذكرت لا إله إلا الله أو محمد رسول الله أو الإسلام فلا يسمع.وقد جاء من سورة هود قول الله تعالى: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ [هود:20]. وأيام الطفولة والصبا والطلب، كنا نعجب كيف ما يستطيعون السماع؟! كيف له أذن يسمع وما يقدر وما يستطيع؟ً وما وجدنا من نسأل، فبقي في أذهاننا العجب: كيف لا يستطيعون السماع؟ وتمضي الأيام، وبلغنا أشدنا وعاصرنا الأحداث والمشكلات، فتحقق ذلك، فأصبحنا لا نقدر على سماع هذا الكلام، والله ما أستطيعه.وشاء الله أن أسافر من المدينة إلى الديار المغربية بطريق البر، فركبنا السيارة من القاهرة إلى تونس، وفي طريقنا ليلاً في الأراضي الليبية سمعنا إذاعة صوت العرب، وفيها أكاذيب وأباطيل وحقائق، فسمعت لأول مرة أن الملك سعود -تغمده الله برحمته- مر بموكب من مواكبه وإذا ببدوية على حمارة فأمرهم فاختطفوها له! والله لا إله إلا الله، كيف يقال هذا الكلام! كيف يسمع؟ لصالح من هذا الكلام؟! فمن ثم ما أصبحت والله العظيم أطيق سماع صوت العرب.وأنتم تعرفون إذا أبغضتَ إنساناً أو إنسانة -كما يقولون- ما ترتاح لكلامهم، يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ [البقرة:19] لِم؟ ما يقدرون أن يسمعوا الكلام الحق.إذاً: له سمع وما يستطيع، له بصر وعليه غشاوة وبياض فما يبصر، ما سبب هذا؟ المشي خطوة خطوة في الضلال، وفي الخبث، وفي الشر، وفي الفساد، حتى يأتي الطبع والختم، وحينئذٍ يصبح لا يعقل، ولا يفهم، ولا يفكر.فما هي -إذاً- زبدة هذا؟ أن نتحاشى الإسرار والاستمرار في الباطل، فإنه يقودك إلى أن تصبح تنكر الحق، وهذه هي الثمرة التي يجنيها أهل القرآن، فمن أذنب ذنباً ووقع فيه فليعجل بالتوبة إلى الله، حتى يمحى ذلك الأثر ويزول، أما الاستدامة والاستمرار فيؤدي به إلى أن يفقد حاسة السمع والبصر والعقل، والآيات تكشف هذه الحقيقة.

صنف المنافقين

الصنف الثالث: المنافقون. من هم المنافقون؟قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، يعلنون عن إيمانهم: آمنت بالله وبلقائه، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ومع ذلك الله يحكم بعدم إيمانهم؛ لأنه خالق طباعهم وغارز غرائزهم، فهو الذي يقلب القلوب، فعلم أنهم ما هم بمؤمنين، يقولون: مؤمنون، مسلمون، آمنا، في المجامع والمحافل وبين الناس. وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]. أي: ما اعتقدوا عقيدة الحق، أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن هذا الكلام كلام الله، وأن لقاء الله حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، فما اعتقدوا وما صدقوا، ما استساغوا أبداً العقيدة الصحيحة، واضطرتهم الظروف التي يعيشون فيها، حيث ظهر الإسلام وعلا، وأصبح له دولة في المدينة، وهم منافقون من المشركين ومن اليهود، ومنافقو اليهود أكثر.إذاً: فها هو تعالى يكشف الستار عنهم من أجل علاجهم، وهل نفعهم هذا؟ إي نفعهم، فما مات الرسول صلى الله عليه وسلم -وهي عشر سنوات فقط- وما بقي منافق في المدينة، وما سبب ذهابهم؟ عدد قليل منهم مات، وأكثرهم عرفوا الحق واتبعوه بواسطة هذه الدعوة الربانية، وهذه الآيات القرآنية.قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ [البقرة:8] ناس، ما يسميهم مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8]، إذاً: لِم يقولون هذا؟ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:9]، يظهرون الإيمان باللسان وبالأركان، أما العقد والجنان فهو فارغ، ففيه الكفر، ما آمنوا أبداً بلقاء الله، ولا أن هذا رسول الله، ولا أن هذا كلام الله.إذاً: يخادعون الله، فيظهرون له وللمؤمنين أنهم مؤمنون، وهو يخادعهم، فهو ما أنزل قرآناً فيه: إن فلاناً وفلاناً منافقون كافرون، بل ستر عليهم وما فضحهم حتى يمضي أمر الله وحكمه فيهم.قال تعالى: وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة:9]، فلو كانوا يحسون أو يعقلون أو يفهمون ما يرضون بالنفاق، فإما أن يصرحوا بكفرهم ويلتحقوا بالكافرين، أو يقاتلوا وإن تحطموا وخسروا، أو يؤمنوا ويسلموا، لكنهم فقدوا الشعور الحي الحق النافع، والإحساس الحقيقي ما عندهم، وسببه ظلمة الجهل وأنهم جهال، وأكثرهم مقلدون أتباع لرؤساء الفتنة من شياطين المنافقين من العرب واليهود في المدينة.وزادهم بياناً فقال تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [البقرة:10]. مرض الشك والشرك والنفاق والحسد والكبر، وتلك العلل والأسقام إذا تجمعت في القلب حالت بين العبد وبين الاستقامة على منهج الله.إذاً: فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [البقرة:10] هذه الجملة ليست دعائية، بل هي الواقع، لماذا؟ المرض إذا لم يعالج ويترك وتزيد أسبابه وعوامله يزيد ويزيد حتى يهلك صاحبه: فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا [البقرة:10] حسب سنته؛ في أن من يصاب بمرض في جسمه وقلبه إذا لم يعالج فيبرأ ويشفى، واستمر على استعمال عوامل المرض وأسبابه ينمو ويزداد المرض، فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا حسب سنته، أكل ملعقة ثم مات، فإذا زاد ملعقة أخرى وثالثة ورابعة هلك.وتوعدهم الله علهم يرجعون إلى الحق ويئوبون إلى الصواب، فأخبر وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:10]، أي: موجع يذهب بعذوبة حياتهم، لم يستعذبوا طعاماً، ولا شراباً، ولا مناماً، ولا نكاحاً، ولا راحة أبداً، فهو عذاب من شأنه أن يذهب تلك العذوبة، ولهذا يسمى العذاب الأليم الموجع، الذي يحمل الألم الشديد، وعلل تعالى ذلك؛ لأنه يريد هدايتهم، فقال: بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ [البقرة:10]، أي: بسبب كذبهم على الله وعلى المؤمنين وعلى رسول الله، والمنافق إذا حدث كذب، وذلك الكذب كان حائلاً بينه وبين قبول دعوة الحق والاندماج في جماعة المسلمين، فهم يصرفون أنفسهم عما طلب منهم من الهدى بالكذب، فكانت النتيجة هذا الوعيد الشديد، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة:10] بسبب ماذا؟ بتكذيبهم، قرئ: (يُكذِّبون) و(يَكذِبون).
تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)
قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ [البقرة:11]، من القائل لهم؟ الله. وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ [البقرة:11]، ننظر أن هناك رؤساء النفاق يوجدون في حي بني فلان في بني فلان، هؤلاء لهم صلات بالمشركين في مكة وفي غيرها، ويعملون على تأليبهم على رسول الله والمسلمين.أو شخص مؤمن صادق الإيمان وأخوه، أو أبوه، أو عمه، أو جاره، يشاهد فيه مظاهر الاستهزاء والتلاعب وعدم الإيمان، فينصح له: يا فلان! لا تفسد في الأرض، فهذه الأرض أرض الطهر، كيف توالي الكافرين؟! كيف تخلو بهم وتتحدث معهم؟! كيف توءاكلهم؟! ما حالك؟ ما شأنك؟ ما أنت بمؤمن؟!يردون عليهم: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11]، لِم؟ نحن ما ندري هل هذه الدعوة تنتصر؟ غداً تنكسر ويحكمنا الفلانيون والفلانيون، كيف يكون موقفنا وموقف أولادنا ونسائنا؟ فنحن نريد أن نعمل عملاً يجدينا وينفعنا، فاتصالنا بفلان وفلان من أجل أنه ربما يقع الذي يحوجنا إليهم، فنحن في هذا مصلحون ولسنا بمفسدين. وليس الرسول هو الذي يقول لهم هذا، هذا يقوله المؤمنون لبعضهم، ممن له أخ أو قريب من المنافقين: لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ [البقرة:11].والإفساد في الأرض معاشر المستمعين والمستمعات! لا يكون بحفر الأرض أو إسقاط المباني أو هدم الجبال، بل الإفساد في الأرض يكون بمعصية الله ورسوله، فارتكاب المعاصي، وغشيان المحرمات، وترك الواجبات والله لهو الفساد.وجاء في غير ما موضع: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا [الأعراف:56] فالفساد في الأرض هو أن يعطل شرع الله وقوانينه التي شرعها وأنزلها لإسعاد البشرية وإكمالها .. لإبعاد البلاء والشقاء عنها .. لتحقيق سعادتها في الدنيا والآخرة، فمن رفض تلك القوانين الإلهية والشرائع الربانية وعمل بضدها، فأحل ما حرم الله، وحرم ما أحل الله، وترك ما أوجب الله، وفعل ما حرم الله فهذا هو المفسد في الأرض. وهذا القرآن عجب، جملة كهذه: وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ [الأعراف:56] كيف يفسدون فيها؟ بموالاتهم للكافرين ولرؤساء النفاق، وهذا ينتج عنه ترك طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وينتج عنه الإصرار على الكفر وزيادة النفاق والمنافقين، وهذا فساد في المدينة أو لا؟ هو الفساد بعينه، لكن بعبارة موجزة العجب: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11].وهل هذا الآن موجود؟ إيه، ما أكثر الرؤساء والزعماء والفنيون وأرباب العلوم و.. و.. و.. يعتقدون أن بنوك الربا مما تفتقر إليه الأمة وتحتاج إليه، وهذا إصلاح وليس بفساد أبداً، ويفتحون مصانع للخمور ويصدرونها ويبيعونها ويدعون أن حياة الأمة متوقفة على هذا: هل تريدون أن تلصق الأمة بالأرض أو تمد يديها للكفار؟ فيستبيحون الربا: صنعاً، وشرباً، وبيعاً.يصرفون المؤمنين عن تعاليم الله ورسوله، ويضعون خططاً في مناهج التعليم، حتى أصبح في العالم الإسلامي حصة التوحيد؟ لا، حصة الدين حصة أو حصتين في الأسبوع -باستثناء هذه المملكة- فيأخذ الطالب الشهادة الأولى والثانية والثالثة وهو ما عرف معنى لا إله إلا الله، ويدعون أنهم في هذا مصلحون: كيف يرتقي الشعب؟ كيف يخرج من دائرة التخلف إذا لم نحفظ ونعمل ونقرأ ونتعلم؟ ودعونا من كلمة دين، واعبدوا الله كما شئتم.فأفسدوا مناهج التربية والتعليم في العالم الإسلامي تحت هذا الشعار: نحن مصلحون. نريد رقي الشعب وتحركه وتحرره لا اللصوق بالأرض والهبوط. فهمتم هذا أو لا؟ لأن هذا القرآن ما نزل لثلاثة أيام فقط أو لأيام المدينة: عشر سنوات، هذا كتاب الهداية الإلهية إلى يوم القيامة.فكثير من المعاصي الكبيرة والجرائم أوقعوا فيها أمة الإسلام تحت هذا الشعار: نحن مصلحون، أنتم تتصورون أننا نفسد بل نحن نصلح، وهذا لصالح الأمة، وصالح الشعب.يبقى: هل هم على علم؟ منهم من يعرف أن هذا العمل ضد شرع الله وقوانينه، ومنهم المقلدون الجامدون يقلدون غيرهم ويقولون ما لا يعلمون.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #129  
قديم 04-09-2020, 02:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون)

قال تعالى: أَلا [البقرة:12] ألو. لماذا دائماً نقول: ألو؟ أسري عليكم، لأنكم ألفتموها، فبناتكم ونساؤكم ورجالكم حتى الطفل الصغير: ألو، فهم معناها، وتأتي (ألا) شبيهة لها، لكن ما فهمنا. أَلا [البقرة:12] اسمع، أحضر مشاعرك وحواسك فالأمر والخطب عظيم، فهي تقال عند إلقاء الأخبار باستعداد النفوس لقبولها وأخذها، فاسمع ماذا قال تعالى؟ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ [البقرة:11-12] هذه الكلمة ما قالها علي بن أبي طالب أو أبو بكر ، وما قالها حتى رسول الله، هذه قالها الله ربهم ورب كل شيء ومليكه والأعلم بهم أكثر من أنفسهم. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ [البقرة:12] المفسدون لأي شيء؟ إذا عرفنا الإصلاح بم يكون نعرف الفساد بم يكون. وأصل الفساد هو ما يفقد الشيء ثمرته الطيبة، تقول: فسد الطعام، فسد الخبز، فسدت الفاكهة، بمعنى: طرأ عليها ما أفقدنا طعمها ولذتها ومنفعتها، فأصبحت لا تجدي ولا تنفع.إذاً: العمل بشرع الله وقوانينه يسعد الإنسان في هذه الدنيا وفي الدار الآخرة وإذا أعرضنا عن ذلك القانون وأهملناه وتركناه واستبدلنا به غيره فمعنى هذا أننا نعمل على الفساد، ونحن المفسدون، ولا تتردد.قال: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:12] لم ما يشعرون؟ ماتت أحاسيسهم، وتجمدت، وتلبدت، فما يذكرون الله، ولا يناجون الله، ولا يقفون ساعة بين يديه، ولا يقرءون كتابه، ولا يذكرون لقاءه، ولم يطلبوا حبه ولا معرفته، فمن أين لهم العلم والمعرفة والشعور؟ فقد فقدوا حتى الشعور كالبهائم.عرفتم هذه؟ من المخبر يرحمكم الله؟ الله. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ [البقرة:12].وكل من أراد أن يعطل شرع الله فيبطل الصيام، الصلاة، الزكاة، الحجاب، الأمن وغير ذلك، فمعناه أنه يفسد في البلاد وهو لا يشعر بذلك، وكل من يعمل على أن يعبد الله في القرية .. في البلد .. في الإقليم بما شرع بعد معرفة لا إله إلا الله محمد رسول الله فهو عامل على إصلاح البلاد، وهو من المصلحين والصالحين، ومن أراد أن يحول المسلمين إلى أن يصبحوا كالكافرين حتى في الزي والذوق والفطرة والطعم فهذا -والله- يفسد بمعاول الفساد، ويدمر البلاد.

تفسير قوله تعالى: (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ...)

ثم قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا [البقرة:13] من القائل؟ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ [البقرة:13] المنافق اليهودي يقول له أخوه ممن آمن: آمن كما آمن عبد الله بن سلام، أنت أعلم منه؟ وأنت أعرف منه بدين الله؟ فيقول: نعم، نؤمن كما آمن السفهاء! ماذا أصابنا! هل أصابنا الجنون؟ كيف نؤمن إيمان فلان وفلان؟!فيردون هذه الدعوى على إخوانهم بهذه الجملة التي ذكرها الله، والله حرفياً قالوها: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ [البقرة:13].أقسم لكم بالله! إن كثيرين من العرب والمسلمين إذا قيل لهم: لم ما تحجبون بناتكم ونساءكم كما في السعودية؟ يقولون: هم متخلفون. لم ما تجبون الزكاة؟ يقولون: دعك من هذه المسائل الرجعية، فالضرائب سدت مسدها وهي أقوى وأكثر نفعاً. لم ما تصومون مع السعودية؟ يقولون: دعنا من المتخلفين والرجعيين، ونحن عندنا آلات وعندنا مراصد وعندنا.. كيف نمشي وراءهم؟ والله كما تسمعون. لمَ ما تطبقون حدود الله؟ يقولون: نطبق حدود الله، نقطع اليد! نترك المواطن يعيش هكذا بيد واحدة! كيف يشتغل؟ كيف يعمل؟ هذه السعودية تفعل، يقولون: دعنا من هؤلاء الرجعيين الجامدين، سوف يأتي يوم يفيقون ويخرجون من هذه الورطة.فهمتم أو ما فهمتم؟ والله إني لعلى علم مما أقول.لكن ما هو السبب؟ جهال، فما بكوا ليلة بين يدي الله، وما جلسوا في حجور الصالحين، ولا تربوا بين أيديهم. كيف يعلمون؟ كيف يشعرون؟ كيف يوقنون؟ ما هي أسباب ذلك؟ من مدرسة مدنية أو عسكرية أصبح جنرالاً أو وزيراً، فكيف يعرف الله؟ كيف يخشى الله؟ قد تتحدث معه وتذكره فلا يتذوق لكلامك طعماً أبداً، بل يتهمك بالقصور: أنت هابط، وإن جاملك يقول: الظروف.وما العلاج يا شيخ؟العلاج أن نتوب إلى الله، وأن نطرح بين يدي الله، آمنا به رباً، يملك كل شيء ويدير الكون كله، اطرحنا بين يديه: ارفعنا، أعزنا، أكرمنا، سودنا، وقد فعل، أيام لا فلسفة ولا كذب ولا ولا.. وإنما قال الله وقال رسوله، فرفع الله تلك الأجيال الثلاثة إلى سماء الكمال البشري، وقد قلت وحلفت: ما اكتحلت عين الوجود بأمة أعدل، وأرحم، وأطهر، وأعز، وأقوى، وأكمل من تلك الأمة التي ما كانت تعرف إلا قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم. أأنتم مصدقي أو لا؟ راجعوا التاريخ الحقيقي، وليس المزور.إذاً هيا نجرب، والله! لو أن أهل قرية في العالم الإسلامي، عدد سكانها ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف، واسمحوا لنا أن نجرب: هل صحيح أن هذا النور الإلهي يهدي .. هذا الروح الإلهي يحيي؟ حتى نعرف الحقيقة. ويتعانق أهل القرية وباسم الله فقط إذا مالت الشمس إلى الغروب وضع الفلاح المسحاة ووضع المنجل فتوضأ وجاء بامرأته وبناته وأولاده إلى المسجد، والصانع رمى المرزبة أو الحديدة وتوضأ وجاء، والتاجر أغلق باب المتجر، وجاءوا بنسائهم وأطفالهم ورجالهم إلى بيت ربهم، إلى المسجد الجامع، فيجلسون جلوسنا هذا، والنساء وراء الستائر، ومكبرات الصوت عندهن، والأولاد في صفوف بين النساء والرجال في آداب، وليلة آية، وليلة حديثاً، فيمر العام الأول والثاني والثالث، يا شيخ! كثير؟ والله ما هي إلا سنة، وما نحتاج إلى سنين، سنة فقط يذوقون طعم الإسلام، ويعرفون لذة الإيمان، فتتجلى فيهم حقائق منها: ألا يبقى بينهم من يفكر في أن يزني بامرأة أخيه أو بنته، ولا يبقى فيهم من يأتي بالحشيشة ويوردها ويبيعها لأفراد القرية، ولا يبقى بينهم من يمد لسانه فيسب أو يشتم أخاه، ولا يبقى بينهم من يترف أو يسرف وحوله فقراء ما شبعوا، ولا يبقى بينهم من يهجر بيت الله أو يقال: فلان لا يصلي أو امرأته لا تصلي، وكل هذه المظاهر تنتهي.كيف هذا يا شيخ؟ كيف! ألم يسم الله كتابه روحاً؟ أما سماه نوراً؟ فالذي حيي وأنار الله الطريق أمامه تقول: كيف يسعد أو كيف يكمل؟! ما هو معقول هذا أبداً! أيمكن أن تقول في الذي يأكل: كيف يشبع؟! وفي الذي يشرب الماء: كيف يرتوي؟! تعطل سنن الله أنت؟وهذا فقط ما استطاع المسلمون يفعلونه، ولعل هذه الدعوى ما بلغتهم، أنا أعرف أنها ما بلغت، فهذا الصوت جديد، كتاب (المسجد وبيت المسلم) كم له عندهم؟ سنة وبعض الأشهر. ولو طبقنا هذا في قرية من قرانا في العالم الإسلامي لشاهدنا أنوار كتاب الله وهدي رسوله، وعرفنا كيف نتقاسم آلامنا وسعادتنا.إذاً: ما دمنا هكذا لم نلوم الحكام؟ لم ما طبقوا الشريعة؟ لم ما نفذوا كتاب الله؟ نلوم في الهواء، ما هم أهل مثلنا. هل عرفوا كما عرفت أنا وأعرضوا؟ هؤلاء يحرقون بالنار، لأنهم ما عرفوا. جلسوا بين يدي من؟أسألكم بالله: تعرفون زعيماً، رئيساً، وزيراً .. جلس مجلسكم هذا؟ سنتين، ثلاث يتعلم الهدى؟ هات، أتحداك. فلو جلس هذا لكان بصيص نور في تلك الوزارة، فلا يسمع عنه إلا الهدى، ولا يعرف عنه إلا الخير، وإن كان في حدود ضيقة؛ لأنه وحده.عوامنا ضلال، فجار، فاسدون أفسد من الحكام، ما السبب؟ الجهل، فما عرفوا الله حتى يحبوه، وما عرفوا الله حتى يخافوه، وما عرفوا محاب الله حتى يتملقوا بها إليه، وما عرفوا مكارهه يسمعون فقط كلاماً هنا وهناك، وما استقر في أذهانهم، ولا أنار قلوبهم، كيف تريد منهم ذلك؟! وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ [البقرة:13] من هم السفهاء؟ أصحاب العقول الخفيفة التي ما تحسن التصرف ولا التدبير كالمرأة في المال والولد، قال تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ [النساء:5] من هم؟ المرأة والولد. قالوا: اسكت، أعط المرأة، الآن ذوقوها، فالمرأة الآن تتحكم، وهي التي في يدها المال، وما يعاني أزواج الموظفات، عندنا بلاد النور والرحمة، أما البلاد الأخرى إذا ما تصفعه على خده هو في خير.. ولما رضي واحد منا أن يعلم ابنته لتتوظف، أعلمها لتعبد الله، تريد الوظيفة؟ لا، لا أحرق ابنتي أبداً، ولا أشقي زوجها ولا أقاربها.هذا الكلام تتذوقونه؟ والله إني لأقول على علم: لو يحضر هنا ألف خريج كليات السياسة والله ما استطاع أن يقف أمام الحق، هذا ليس كلاماً عادياً، وما نحن في حاجة إلى هذا، نحن في حاجة إلى ربانية، وإلى أن نكون أولياء الله، فإذا رفعنا أكفنا إلى الله لن يردها خائبة، ونريد أن نشعر بسعادة وطهر وصفاء، وتصبح الآخرة أحب إلينا من أوساخ الدنيا.قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13] سبحان الله! وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13] مع أنهم ساسة لهم اتصالات بقريش واتصالات بالكافرين حتى بالروم والشام، أليس كذلك؟ ومع هذا قال: لا يعلمون، ما عندهم علم حقيقي يقيني، فما عرفوا الله، وما عرفوا ما عند الله ولا آمنوا بلقاء الله، فمن أين يأتيهم العلم؟ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ [البقرة:13] لا الذين قالوا لهم: أنتم سفهاء أو نؤمن كما يؤمن السفهاء. وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ [البقرة:13].قال تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43]، وقال: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] اللهم لا لا، لا يستوون. وقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه:114]. قالوا: نعم. العلم علم الهندسية والفيزياء والتقنية وعلم وعلم.. تلك صناعات، ما نجمع الأمة كلها بنسائها وأطفالها على مواد كهذه، ولا ينجح منها إلا خمسة في المائة، نختار مائة شاب ونغمسه في مادة من هذه المواد يتخرج تقني، أما أن نجعل مواد الهدى والنور من الابتدائي إلى الجامعة كلها عن المادة، فأين الروح، وأين الإسلام؟ عرفتم أو لا.والله العظيم! إن المواد المادية التي تدرسونها أربع سنوات في روسيا أو بريطانيا، والله العظيم ليتعلمها المؤمنون أصحاب النور في أربعين يوماً. وقد مررت هذه الأيام وزوروني جزاهم الله خيراً مدننا الصناعية عندنا -زادها الله قوة- وتجولنا فيها، قالوا: انظر هذا الفريق، هذه المهنة في أيديهم، قال: قالوا لنا: يحتاج إلى أربع سنوات حتى يتعلمها أولادكم أو أفرادكم. قال: والله تعلموها في أربعة أشهر، وهم الذين أمامك، لتعرفوا أني أتكلم عن علم. التمريض، الطب، اجمع لك مائة بنت وأكثر ما يكون ثلاثة أشهر إلا وهي ممرضة، وتدرس الأخرى عشرين عاماً ممرضة وهي لا تطيع الله ولا رسوله، ولا تحسن العمل، أليس كذلك؟ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ [البقرة:13] فلان وفلان. قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ [البقرة:13] قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ .. [البقرة:13] لو علموا أنهم سفهاء: لا رشد، ولا بصيرة، ولا علم، ولا هدى ما وقفوا هذا الموقف، لكن ما علموا.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال المؤلف: [شرح الكلمات: الفساد في الأرض: الكفر وارتكاب المعاصي فيها]. ما الفساد في الأرض يا شيخ؟ الكفر، وارتكاب المعاصي فيها بترك الواجبات وفعل المحرمات من الغش إلى الخدع إلى اللواط إلى الجرائم.قال: [الإصلاح في الأرض] ما هو؟ بالفئوس والحراثات، أما كيف الإصلاح؟ قال: [يكون بالإيمان الصحيح والعمل الصالح]، بالإيمان الصحيح الذي إن عرضناه على الكتاب وقع عليه: أنت مؤمن. الإيمان الصحيح والعمل الصالح، أي عمل صالح؟ كل ما شرع الله لنا أن نقوله وأن نعمله طول حياتنا فهو العمل الصالح، وما عداه فاسد. قال: [وترك الشرك والمعاصي]، لو نؤمن ونعمل صالحات ونحن نأتي الشرك ونأتي المعاصي، فهذا ليس بصلاح، ولا بد من التخلي أولاً عن هذه المصيبة وهي الشرك في عبادة الله والذنوب والمعاصي، وبعد الإيمان والعمل الصالح ينير الحياة.ما معنى: (لا يشعرون)؟ قال: [لا يدرون ولا يعلمون].ما معنى: (السفهاء)؟ قال: [جمع سفيه، خفيف العقل لا يحسن التصرف والتدبير]، كالسفهاء الذين عندهم مال ولا يعرفون كيف يتصرفون، بعد عام أو عامين أنفق كل الذي عنده.

معنى الآيات

قال: [معنى الآيات: يخبر تعالى عن المنافقين]. من هم المنافقون يا أبناء الإسلام؟ الذين يبطنون ويخفون الكفر ويظهرون الإيمان. بلسانه يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وقلبه يقول: لا إله والحياة مادة.قال: [يخبر تعالى عن المنافقين أنهم إذا قال لهم أحد المؤمنين: لا تفسدوا في الأرض بالنفاق وموالاة لليهود والكافرين، ردوا عليه قائلين: إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [البقرة:11] في زعمهم، فأبطل الله تعالى هذا الزعم، وقرر أنهم هم وحدهم المفسدون لا من عرَّضوا بهم من المؤمنين] كـعبد الله بن سلام وغيره، بل هم المفسدون، فدافع الله عن أوليائه، [إلا أنهم لا يعلمون ذلك، لاستيلاء الكفر على قلوبهم]، ما يعلمون أنهم مفسدون، ولا أن المؤمنين مصلحون بسبب أن الكفر استولى على قلوبهم، غشاها وغطاها ما أصبحوا يعلمون ولا يفهمون.قال: [كما أخبر تعالى عنهم بأنهم إذا قال لهم أحد المؤمنين: اصدقوا في إيمانكم وآمنوا إيمان فلان وفلان مثل عبد الله بن سلام ] تعرفون عن عبد الله بن سلام شيء؟ هذا حبر اليهود في المدينة، ورزقه الله كان يرتقب متى يأتي محمد المدينة، من يوم ما سمع به في مكة وهو ينتظر، وما إن جاء الرسول صلى الله عليه وسلم حتى جاءه وطرح عليه ثلاثة أسئلة فقط فآمن، ولما آمن وحسن إيمانه وإسلامه قال للرسول: تعال! نمتحن اليهود، أجلسني وراء الستارة واسألهم عني، فجاء كبار اليهود. ما تقولون في عبد الله بن سلام ؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، أعلمنا، أشرفنا. فقال لهم عبد الله بن سلام : إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قالوا: هذا كلام ما يقال، ولهذا قال الرسول: ( إنهم قوم بهت ).وعبد الله بن سلام بشره الرسول بالجنة، فقد رأى رؤيا أن السلسلة نزلت من السماء فيها حلقة، فأخذ فيها وتمسك، فعبر له الرسول صلى الله عليه وسلم بأنك على الإسلام وتموت عليه فأبشر بالجنة.قال: [ردوا قائلين: أنؤمن إيمان السفهاء] أي: الذين لا رشد لهم ولا بصيرة؟ [فرد الله تعالى عليهم دعواهم وأثبت السفه لهم، ونفاه عن المؤمنين الصادقين، ووصفهم بالجهل وعدم العلم]، وهو كذلك.

هداية الآيات

قال: [من هداية الآيات: أولاً: ذم الادعاء الكاذب، وهو لا يكون غالباً إلا من صفات المنافقين]. فهذه الآيات تهدينا، تبصرنا، تعلمنا بأن الادعاء الكاذب الذي يدعي ما ليس عنده، هذا الادعاء الكاذب صاحبه يتصف بصفات المنافقين، فلهذا ما ندعي ادعاء الكاذب، نحن أهل الصدق، ولا نعرف إلا الصدق.تعرفون أنه لما هزمتنا إسرائيل كم من مرة كنا نقول: قواتنا الضاربة. كلام نتعجب منه، وإذا بجماعة اليهود في ليلة من الليالي سلبوهم كل شيء، أين قواتنا الضاربة في الأرض؟ هذا الادعاء الكاذب باطل، فاعرف منزلتك وقدرك، ما عندك قوة اتصل بذي العرش، بت راكعاً ساجداً يمدك بالقوة، أما أن تتنكر، وتغمض عينيك، وتظل في المعاصي والجرائم وتقول: قوانا الضاربة في الأرض. نفعت؟ ما نفعت. والآن لولا الله ثم وجود مؤمنين ومؤمنات في العالم الإسلامي لكانت الفرصة متاحة لليهود والنصارى أن يسودوننا أسوأ سيادة. انتبهتم؟ ولن نستطيع أن ندفعهم، لم؟ لأن الله غير راضٍ عنا، إذاً يسلطهم كما سلطهم أمس، سلطهم أو لا؟ أما حكمونا؟ أما سادونا؟ أين ممالك الهند؟ أين الممالك الإسلامية؟ ما هي ألف ومائة ألف، ملايين وضعتها بريطانيا تحت رجليها. أين ملايين المسلمين في إندونيسيا؟ هولندا العجوز وضعتها تحت رجليها. أين أبطال المغرب الإسلامي؟ أين هم؟ أذلوهم، وكسروهم، وحطموهم. أين أين أين؟ فعل الله ما فعل، هو الذي فعل، ما هي بريطانيا ولا فرنسا، والله لو كنا أولياءه فاجتمعوا كلهم ما نالوا منا منالاً. هل عرف الناس هذه السنة الإلهية؟ ما عرفوا.في أُحد ثلاثون مؤمناً جعلوا رماة في جبل، فعصوا رسول الله ونزلوا فضربهم الله ضربة ما ذاقوا مثلها، ونبيهم كسرت رباعيته، وشج وجهه، ونحن نعيش على الفسق والفجور وينصرنا الله، والله لولا لطف الله ورحمته ووجود مؤمنين ومؤمنات يبكون بين يديه لكانت الفرصة متاحة لليهود ولغيرهم، الهزيمة مرة.يا شيخ! لم تقول هذا؟ توبوا، أقبلوا على ربكم، وتجردوا له، وادخلوا بيوته، وتخلوا عن معاصيه، ستكونون أنتم سادة الدنيا، ويركع لكم العالم ويسجد. قال: [ثانياً: الإصلاح في الأرض يكون بالعمل بطاعة الله ورسوله، والإفساد فيها يكون بمعصية الله ورسوله.ثالثاً: العاملون بالفساد في الأرض يبررون دائماً إفسادهم بأنه إصلاح وليس بإفساد].وصلى الله على نبينا محمد.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #130  
قديم 04-09-2020, 02:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (71)
الحلقة (78)




تفسير سورة البقرة (40)

اعتذر بعض اليهود عن الدخول في الإسلام ببغضهم لجبريل، وزعموا أنهم يحبون ميكائيل، وأنه لو كان هو من ينزل بالوحي على رسول الله لآمنوا، فقرعهم الله بأن من يعادي ملكاً فإنما يعادي الله سبحانه، وأن الوحي الذي ينزل به جبريل فيه الهدى والنور، والبشرى للمؤمنين، وفيه التصديق بالكتب السابقة، فما قاله هؤلاء فيه معاداة لله ومشيئته، ورسله وكتبه، ومن كان كذلك فإن الله عدو له.

القرآن كلام الله المعجز

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، ومع الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها؛ سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها؛ إنه قريب مجيب سميع الدعاء.قراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ * وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ * أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [البقرة:97-100] .. إلى آخر ما جاء في هذا السياق القرآني المبارك الكريم.معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!هذا الكلام الذي سمعناه هو كلام الله، وملايين الناس لا يؤمنون بالله.كلام الله .. أيعقل أن يوجد كلام بدون متكلم؟ والله ما كان، ولن يكون.لكن كيف ينكر وجود الله؟الجواب: المنكرون لوجود الله هم اثنان:أحدهما: ينكر بلسانه، ليستمر في غيه وضلاله .. في شهواته وأطماعه، حتى لا يقف عند حد.وآخر ما عرف .. ما بلغته الدعوة واضحة صريحة .. ما حملت إليه الدعوة المحمدية، فهو لا يعرف.ثم هذا الكلام الذي نسمع قد حواه كتابه، وليس مجرد كلمات تقال هنا وهناك، بل هو كتاب كريم.ومما يدلك على كرم هذا الكتاب: أن البكر تستطيع في خدر بيتها أن تقرأه أمام أبيها وبين إخوتها، ولا تشعر أبداً بأن هناك ما ينبغي أن تستحيي منه، فهو مثلاً يعبر عن الجماع بالمباشرة: وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ [البقرة:187]، ولن تجد في القرآن -وهو عشرات الآلاف- كلمة واحدة تسيء وتؤذي أبداً، فهذا كلام الله.وفيه آلاف الأخبار، وعشرات الآلاف، ولا يمكن أن لا يصدق في تلك الأخبار خبر واحد.وفيه من الحكم ما تعجز العقول البشرية حتى عن محاكاته، فهذا كلام الله.ثم كيف ينكر ويكذب برسالة الذي نزل عليه هذا القرآن .. هذا الكلام الإلهي، وهو أمي؛ لا يقرأ ولا يكتب، فكيف يكذب برسالته، ويقول القائل: لست رسولاً، ولن نؤمن برسالتك ولا بنبوتك، ولكن الأطماع .. الشهوات .. الأغراض .. حب الحياة والدنيا، هي التي تحمله على هذا، وإلا لو نظرنا من حيث العقل، والمنطق، والذوق، والفطرة البشرية فهو أمي يقرأ كلام الله، ونحن نسمع ذلك الكلام الطاهر، الحكيم، العزيز، البين، فهل نستطيع أن نقول: أنت لست برسول الله، وهذا الكلام ممن؟!

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

ها هم اليهود -عليهم لعائن الله- تورطوا في حب الحياة .. وقعوا في فتنة حب الحياة الدنيا، وإن أحدهم يود أن يعيش ألف سنة، بل آلاف السنين، حتى لا يموت، ولنستمع إلى ما سبق أن قرأناه من كتاب ربنا في شأنهم.

دعوة اليهود إلى المباهلة وتمني الموت

قال تعالى في المباهلة العظيمة، تلك المباهلة التي أسكتتهم وقطعت ألسنتهم، فهم يتبجحون بأنهم أولياء الله .. أحباء الله .. الجنة لهم .. هم شعب الله المختار .. أبرّ الخليقة .. البشرية نجس، وهم.. وهم، فقيل لهم: تعالوا نتباهل، ونرفع أكفنا إلى الله، ونسأله: من كان منا على باطل فليهلكه الله على الفور. فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المباهلة في مجمع بين الناس، فتمنوا بقلوبكم واسألوا الله تعالى الموت ينزل بكم الآن إن كنتم صادقين فيما تدعون وتقولون، وتهرفون، وتكذبون من الدعاوى الباطلة.نعم هم يدعون أن الجنة لهم، وأنهم شعب الله المختار، وأنهم أحباء الله، وأنهم أولياؤه، وأن البشرية كلها سافلة وهابطة لا قيمة لها عند الله، فإذا كنتم كما تزعمون فتمنوا الموت لتموتوا الآن، وتستريحوا من أعباء الدنيا، وتستريحوا من المعاش الضيق .. من الآلام والأمراض .. من الحروب والفتن، فالجنة خير من الدنيا بمليون مرة، بلا مناسبة: ( إن سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها ).فلما أكثروا من التبجح بين العرب بأنهم.. وأنهم، أنزل الله تعالى فيهم هذه الآية، فقال لرسوله صلى الله عليه وسلم، قل لهم: قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ [البقرة:94] وقطعاً هي الجنة، أما الدار الآخرة ففيها النار أيضاً .. عالمان: عالم الشقاء، وعالم السعادة.قال: قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ [البقرة:94] فلا يدخل الجنة أبيض ولا أصفر، لا عرب ولا عجم إلا أنتم، فتعالوا: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:94]، وليحضروا بعلمائهم، وليرفعوا أكفهم، وليسألوا الله تعالى أن يميتهم ليدخلوا الجنة إن كانوا صادقين. فوالله ما استطاعوا .. فشلوا، وخافوا، وهربوا.

كراهية اليهود تمني الموت لسوء ما قدمت أيديهم

يقول الله: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [البقرة:95]، ولن يتمنوه يا رسولنا، فاتركهم، ودعهم وحالهم، فلا يصلحون للمباهلة، فإنهم لن يتمنوا الموت أبداً إلى يوم القيامة، ولا يأتي يوم يتمنون فيه الموت، حتى ولو كان أحدهم في أعماق السجون والزنازن يقول: لا أريد الموت. ولو كان أحدهم قد قتله الفقر، والتعب، والذل، والمهانة، ولا يزال يقول: لا.. لا، ولا يتمنى الموت. لِم؟ لعلمهم بجرائمهم التي تدخلهم جهنم، وتصليهم نارها، وأنهم ليسوا بأهل للجنة، لقد قدموا من الجرائم ما لا يتفق أبداً مع دخول الجنة بحال من الأحوال.وقد عرفنا من كتاب ربنا أنهم قتلوا الأنبياء والرسل، أرأيتم من يقتل نبياً كيف يسعد؟!فقتلوا زكريا عليه السلام وقتلوا ولده يحيى عليه السلام، وحاولوا قتل عيسى، وصلبوا من شبه لهم وقتلوه، وحاولوا قتل محمد صلى الله عليه وسلم، فمرة بإطعامه السم، ومرتين بالمؤامرة عليه ليقتلوه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم في بعض الظروف كانوا يقتلون سبعين نبياً في اليوم، وفي المساء كانت أسواقهم عامرة، طافحة بالبيع والشراء والضحك، كأن شيئاً ما وقع، وقد قتلوا سبعين نبياً.كما أنهم استباحوا ما حرم الله عليهم، ومن أعظم ما ندد القرآن بهم في أكلهم الحرام: الربا، فهم الذين استباحوه وأباحوه، وهم الذين ورطوا العالم فيه أيضاً، وقد قلت لكم: إن البنوك العالمية منشؤها أصابع اليهود، حتى لا تبقى رحمة، ولا صلة، ولا سلف، ولا قرض، ولا تعاون بين الناس؛ لأنهم عبدة الدينار والدرهم، ويكفي أنهم قد عبدوا العجل.قال: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا لِم يا رب؟ بسبب ما .. قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [البقرة:95]، وقد قدمت أيديهم الجرائم: الفسوق، والفجور، والكفر، والباطل، والشر، وذنوب لا تعد ولا تحصى، وأصحابها مكتوب عليهم: أنهم في جهنم، فكيف يتمنون أن يدخلوا النار؟! ولو يبقى في الدنيا مليون سنة جائعاً مريضاً ولا يدخل جهنم، وهو كذلك: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [البقرة:95] من الظلم، والشر، والخبث، والفساد. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [البقرة:95] فسوف يجزيهم بظلمهم، قد أشركوا بالله .. كفروا بالله .. قتلوا الأنبياء .. حاربوا الأولياء، ما تركوا جريمة إلا ولغوا فيها، وانغمسوا في أوضارها، فكيف يتمنون الموت؟ لن يتمنوه أبداً؛ ولهذا يلاحظ خوفهم من الموت بصورة عجيبة، والذين يخالطونهم ويعايشونهم ويساكنونهم يشاهدون هذا، فما يريد أن يموت.

حرص اليهود والمشركين على أدنى حياة في الدنيا

قال تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة:96] أدنى حياة .. أرخصها .. أقلها .. أدناها .. أسفلها يحرصون عليها، كما قلت لكم: أحدهم مريض، فقير، في السجن، ولديه آلام ولكن لا يقول: الموت خير أبداً، يريد أن يعيش على أية حال كان، فهو حريص على الحياة. وَلَتَجِدَنَّهُمْ يا رسولنا! إن طلبت ذلك، وأردت الوقوف عليه لتجدنهم أَحْرَصَ النَّاسِ مطلقاً عَلَى حَيَاةٍ وإن كانت رخيصة، والنكرة هنا تدل على عموم فأدنى حياة المهم لا يموت؛ لأنه إذا مات انتقل إلى عالم الشقاء ليخلد فيه أبداً، ولا أمل في الخروج، فلا شفاعة تنفع ولا شافع يوجد؛ لأنهم كفروا.وقوله تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [البقرة:96]، فهذا الحب للحياة يشاركهم فيه الكفار الذين لا يؤمنون بالله ولقائه، ولا يؤمنون بما عند الله، وما أعده لأوليائه من نعيم مقيم فوق السماوات السبع في دار السلام، وهؤلاء الكفار كذلك يود أحدهم لو يعمر ألف سنة.فأمثال هؤلاء لو قاتلهم المؤمنون ينتصرون عليهم، فالذي يحب الحياة مهزوم، ولا شجاعة له، ولا إقدام، ولا .. ولا، يقتله خوفه، بخلاف المؤمن بالدار الآخرة وما فيها من النعيم المقيم، تجده يتمنى على الله متى يقرع باب دار السلام، فهذا يرقص عند قدومه على المعركة، وقد شوهد كثير من الصحابة يهتزون اهتزازاً فرحاً بلقاء الله.وهذا السياق وقفنا عليه ودرسناه في الدرس الماضي.
تفسير قوله تعالى: (قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله ...)

كراهية اليهود لجبريل عليه السلام

الآن مع قول ربنا جل ذكره: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ [البقرة:97]، قل يا رسولنا، أيها المبلغ عنا، قل لـابن صوريا الأعور ومجموعة من علماء اليهود الذين جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد، وقالوا: يا محمد! ما من نبي نبأه الله، ولا رسول أرسله الله إلا أوحى إليه، وأعطاه من الآيات والمعجزات ما تسد به رسالته، وأنت من الذي يوحي إليك ويأتيك بالوحي، فعلمنا حتى نؤمن برسالتك، ونتبعك، ونمشي معك؟فقال لهم: أنا كذلك يأتيني رسول ربي؛ جبريل عليه السلام.قالوا: يأتيك جبريل؟قال: نعم.قالوا: إذاً: لن نتابعك، لو قلت: ميكائيل، نعم، أما جبريل فلا، هو عدونا، لا ينزل إلا بالحروب والدماء والقتال، فلهذا لا نستطيع أبداً أن نؤمن بك، ولا أن نتابعك.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 293.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 288.01 كيلو بايت... تم توفير 5.83 كيلو بايت...بمعدل (1.98%)]