خطبة عن العفو والتسامح - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 854799 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 389678 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 48 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          صلاة الوتر بالمسجد جماعة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          قراءة القرآن بغير حفظ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          الإلحاح في الدعاء وعدم اليأس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11-06-2021, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة عن العفو والتسامح

خطبة عن العفو والتسامح



الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذنا الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.

فإن من صفات الله عز وجل أنه عفوٌّ قدير، كريم حليم، فلقد عفا عن بني إسرائيل بعدما عبدوا العجل؛ فقال سبحانه: ﴿ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 52]، وقال سبحانه: ﴿ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 153]، وقال في حق من تخلف عن الهجرة من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان: ﴿ فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 99]، ويعفو سبحانه وتعالى - وهو أهل العفو والغفران - عن أهل العفو عمن أساء: ﴿ إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ﴾ [النساء: 149]، ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى: 25].

إن من الحكمة في سَعَةِ حِلْمِ الله سبحانه وتعالى وكرمه وعفوه تعريفُه سبحانه وتعالى عبدَه سعةَ حاله وكرمه في الستر عليه، وأنه سبحانه لو شاء لعاجَلَهُ بالذنب، ولهتكه بين عباده، فلم يطِبْ له معهم عيش أبدًا، ولولا حلمه سبحانه وكرمه ما استقام أمر، ولفسدت السموات والأرض، ولا سبيل لعبد في النجاة إلا بعفوه ومغفرته، وقبول توبته؛ فالله عز وجل هو الذي وفَّق العبد للتوبة وألهمه إياها؛ [نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (1/ 21)].

وقال سبحانه وتعالى مبينًا عفو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عمن ظلمهم، ومنهم ما تعلمون قصة يوسف عليه السلام، وكيف عفا عن إخوته؛ فقال سبحانه على لسان يوسف عليه السلام: ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ * قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ * قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 89 - 92]، وقال سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وفي الحديث عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًّا من الأنبياء؛ ضربه قومه فأدمَوه، وهو يمسح الدم عن وجهه، ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون))؛ [متفق عليه: (خ) (3477)، (م) 105 - (1792)].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعليه برد نجرانيٌّ غليظ الحاشية - يلبس بردًا نجرانيًّا غليظ الحاشية خشنًا - فأدركه أعرابي فجذبه جذبةً شديدةً - أمسك به من عنقه صلى الله عليه وسلم من البرد من هذه الثياب - حتى نظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال: مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء))؛ [متفق عليه: (خ) (3149)، (م) 128 - (1057)]، هذا هو العفو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عامله بما هو أهله من أخلاق كريمة.

وعن أبي عبدالله الجدلي قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: ((كيف كان خُلُقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهله؟ قالت: كان أحسن الناس خلقًا؛ لم يكن فاحشًا، ولا متفحِّشًا، ولا صخَّابًا بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح))؛ [(أحمد) (26032)، (الترمذي) (2016)].

فليتنا نتخلق بأخلاقه بين أهلينا، وفي الأسواق، فنبتعد عن الفحش والتفحش والصخب، ولا نجزي السيئة بمثلها.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها واصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويا ليتنا نأخذ من هذه الصفات، قالت: ((ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأةً، ولا خادمًا؛ إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعنة تُذكر، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء يؤتى إليه، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن يُنتهَكَ شيء من محارم الله عز وجل فينتقم لله، وما خُيِّرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه))؛ [(خ) (6461) (3367)، (م) 77 - (2327)، (م) 79 - (2328)].

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوةً قِبَلَ نَجْدٍ، فلما قفل - أي: رجع - رسول الله صلى الله عليه وسلم قفلنا معه، فأدركتنا القائلة - وقت القيلولة في شدة حر الشمس - في وادٍ كثير العِضاه - أي: كثير الأعشاب - فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت سَمُرَةٍ، وعلق بها سيفه، وتفرق الناس يستظلون بالشجر، ونمنا نومةً - أي: أنهم كانوا متعبين مجهدين، فناموا نومة ذهبت بهم بعيدًا - فجاء رجل من المشركين، وسيف النبي صلى الله عليه وسلم معلق بالشجرة، فأخذ سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترطه - أي: سحبه من غمده - ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أيقظه قال: أتخافني؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا، قال: فمن يمنعك مني؟ قال صلى الله عليه وسلم: الله عز وجل، فسقط السيف من يده، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني؟ قال: كن كخير آخذٍ، فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: لا، ولكني أعاهدك ألَّا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، قال جابر: فبينما نحن نيام، إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا فجئناه، فإذا أعرابي قاعد بين يديه، فقال: إن هذا أتاني وأنا نائم، فأخذ السيف، فاستيقظت وهو قائم على رأسي، فلم أشعر إلا والسيف في يده صلتًا - أي: مجردًا من غمده - فقال لي: من يمنعك مني؟ فقلت: الله، فخلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيله، ولم يعاقبه، فذهب الرجل إلى أصحابه فقال: قد جئتكم من عند خير الناس))؛ [(خ) (2753) (3906) (3908)، (م) (843)].
هذا هو عفوه صلى الله عليه وسلم في أهله، وهذا عفوه مع المشركين، بل مع من أراد قتله.

وأمر سبحانه وتعالى المسلمين بالعفو؛ فقال سبحانه: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 34، 35].

وهذه هي صفة الله عز وجل؛ وهذه صفة الأنبياء؛ العفو، وهذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يعفو في أهل بيته، ويعفو عن من أراد قتله.

وامتثل الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين هذا الخلق العظيم، خلق التسامح والعفو والرحمة؛ ثبت أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: ((قدم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر - وهذا كان به شدة عندما يتكلم، وهو من قادة قومه - فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس - وكانت عنده حكمة ويختلف عن عمه مطلقًا في حلاوة الكلام ونحوه - وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كُهُولًا كانوا - أي: بلغوا الأربعين فما فوق - أو شبانًا - تجاوزوا الثلاثين - فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير - ما قال عند أمير المؤمنين، أو عند عمر، لا، بل قال عند هذا الأمير - فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذِنَ له عمر، فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجَزْلَ، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر، حتى همَّ أن يُوقعَ به، فقال له الحر: يا أمير الـمؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين - ماذا يفعل؟ يريد أن ينجي عمه - قال أنس: والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله))؛ [رواه البخاري (4642)].

وقال بعضهم: "ليس الحليم من ظُلم فحلم حتى إذا قدر انتقم، ولكن الحليم من ظُلم فحلم حتى إذا قدر عفا"؛ [إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي (3/ 196)].

وقال البخاري [ج: 6، ص: 127] في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34]، وقال ابن عباس: "﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ : الصبر عند الغضب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوه، عصمهم الله، وخضع لهم عدوهم".

وعند الغضب ينسى الإنسان الغضبان العفوَ، ولا ينتبه للمسامحة، ولا يفكر في رحمة من أمامه، لكن إذا ذكر عليه أن يغلب شيطانه فيتذكر، إذا ذُكِّر بالله؛ عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ذُكِّرتم بالله فانتهوا))؛ [رواه البزار في مسنده (8541)، الصحيحة (1319)].

فالعفو هو التجاوز عن الذنب، وترك العقاب عليه عن عموم الناس، خصوصًا من لم يُعرفوا بالشر، فيزِلُّ أحدهم الزلة فيُعفى عنه ويُتسامح معه؛ فهذا ما ثبت عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، إلا الحدود))؛ [رواه أبو داود (4375)، الصحيحة (638)].

قال الألباني [الصحيحة (638)]: روى البيهقي عن الشافعي رحمه الله أنه قال: "وذوو الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يعرفون بالشر، فيزل أحدهم الزلة".

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه إلى يوم الدين؛ أما بعد: فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].

ومن كظم غيظه عن إساءة أو ظلم وُجِّهَ نحوه، ربما يأخذ بحقه، وربما ينتقم منه، كظم غيظه في تلك اللحظة، فإذا أخذ حقه كان من الكاظمين الغيظ.

أما إن عفا؛ فالعفو أمر آخر فوق كظم الغيظ، فـ"عفا" تعني أنه لا يريد منه شيئًا، بل سامحه، وأفضل من ذلك أن يحسن إليه؛ أن يقدم له هدية، أن يعطيَه شيئًا، هذه هي مراتب الناس، فكظم الغيظ أجره عظيم، أما العفو فأعظم، وأعظم منهما الإحسان إلى خلق الله ولو أساؤوا إليك.

عن عبدالله بن الزبير قال: ((أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأخذ العفو من أخلاق الناس ...))؛ [رواه البخاري (4644)].

ويأخذ العفو من أخلاق الناس؛ كقبول أعذارهم إذا اعتذروا، والمساهلة معهم، والصبر عليهم؛ قالت عائشة رضي الله عنها عندما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأدعية التي تقال في ليلة القدر - قالت: ((قلت: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ أيَّ ليلةٍ ليلةَ القدر، ما أقول فيها؟ قال: قولي: اللهم إنك عفوٌّ تحب العفو فاعفُ عني))؛ [رواه الترمذي (3513)، وابن ماجه (3850)].

فمن أراد العزة في الدنيا والآخرة، فعليه بالعفو عن إخوانه ومسامحتهم؛ هذا ما ثبت عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا))؛ [رواه مسلم 69 - (2588)]، وفي رواية: ((ولا عفا رجلٌ عن مظلمة إلا زاده الله بها عزًّا))؛ [رواه أحمد (7206)].
إذًا؛ الذي يعفو عزيزٌ، وأهل العزة هم أهل العفو إن شاء الله.

إن أردت أن تحرم النار على جلدك يوم القيامة، فعليك أن تكون قريبًا من الناس، متساهلًا معهم في غير معصية الله، لينًا في معاملاتهم؛ هذا ما ثبت عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار، على كل قريب هين سهل))؛ [رواه الترمذي (2488)]، وفي رواية: ((حُرِّم على النار كل هين لين سهل قريب من الناس))؛ [رواه أحمد (3938)].

فأبشر يا من تكظم غيظك، أبشر بفرج من الله في الدنيا والآخرة؛ عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كفَّ غضبه كف الله عنه عذابه، ومن خزن لسانه ستر الله عورته، ومن اعتذر إلى الله قَبِلَ الله عذره))، وعن سهل بن معاذ عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كظم غيظًا وهو قادر على أن يُنفِذَه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يخيره الله من الحور العين ما شاء))؛ [رواه أبو داود (4777)].

هكذا كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ليس عندهم فظاظة ولا غلظة على المسلمين، ويدعون لمن ظلمهم ولا يدعون عليه؛ ثبت عن أبي وائل قال: ((رُميَ رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم - سواء بسهم أو حجر من أعدائه - يُقال له: أبو نحيلة، فقيل له: ادعُ الله - يطلبون منه أن يدعو الله على من رماه - فقال: اللهم أنقص الوجع، ولا تنقص من الأجر - كان من دعائه الذي رباه عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أنقص الوجع ولا تنقص الأجر - فقيل له: ادعُ ادعُ، فقال: اللهم اجعلني من المقربين، واجعل أمي من الحور العين))؛ [صحيح الأدب المفرد (387)]، أين هذه الأخلاق عند المسلمين في هذا الزمان؟ ليس مع أعداء الله بل بين أنفسنا يا عباد الله، انظر إلى صفحات الفسبكة والتوترة، وما شابه ذلك سب وشتم فيما بيننا، نسأل الله السلامة، وهذا الرجل الصحابي يقول: ((اللهم أنقص الوجع ولا تنقص الأجر، اللهم اجعلني من المقربين، واجعل أمي من الحور العين))، فأين نحن من هذا في هذا الزمان يا عباد الله؟ أين نحن يا عباد الله من هذه الصفات التي ذكرها الله في كتابه، وحث عليها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، وتمثلها الصحابة رضي الله تعالى عنهم؟

هكذا كانوا، وهكذا رباهم ذو الخلق العظيم، الرسول الكريم محمد بن عبدالله، الذي صلى عليه الله، وصلَّت عليه ملائكة الله، وأمر الله المؤمنين بالصلاة عليه؛ فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.


اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في ديننا ودنيانا وأهلينا وأموالنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم احفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.

﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.54 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]