تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - الصفحة 56 - ملتقى الشفاء الإسلامي
 
اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215324 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 182 - عددالزوار : 61192 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 123 - عددالزوار : 29177 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #551  
قديم 06-05-2021, 03:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى...)
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:124].قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ [النساء:124]، (مَنْ) من ألفاظ العموم، فيدخل الذكر والأنثى، والعرب والعجم، والأولون والآخرون، ماذا يعمل؟ مِنَ الصَّالِحَاتِ [النساء:124]، ولم يقل: من يعمل كل الصالحات؛ لأنه لا يقدر على ذلك. وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124]، أي: والحال أنه مؤمن، أما أن تتصدق بالأموال، وأما أن تصوم، وأما أن توقف الأوقاف، وأما أن تبني المشافي، والقلب خالٍ من الإيمان بالله ولقائه لا ينفع ذلك شيئاً، والآن الجمعيات التنصيرية المسيحية تعمل المشافي، وتجلب الدواء للمرضى، وتأتي بالأطباء، وتوزع الأموال، فلن تغني عنهم من الله شيئاً؛ لأنهم غير مؤمنين، أي: لأنهم كافرون، والكافر الجاحد لله عز وجل وحقه في عباده وهي عبادته وحده، والجاحد للقاء الله والوقوف بين يديه والجزاء لعباده على عملهم في الدنيا، إما بالسعادة أو بالشقاء، والكافر برسوله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، والكافر بكتاب الله وما فيه، فهؤلاء لو عملوا ما عملوا من الصالحات فلن تغني عنهم شيئاً. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124]، أي: والحال: أنه مؤمن، فالجملة حالية ضرورية، والله تعالى أحياناً يقدم الإيمان أولاً لأصالته وأهليته، وأحياناً للمناسبات يقدم العمل الصالح كما هنا، إذ دخول الجنة ما هو بالأماني، بل بالعمل الصالح، لكن والحال أن عامل الصالحات مؤمن ليس بكافر. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124]، يا شيخ! ما هي الصالحات؟ هل هي النساء والجواري لأن جمع الصالحات: صالحة؟ لا، فالصالحات ما أمر الله عباده أن يعقدوه في قلوبهم عقدة لا تنحل، فلو يقتل أو يصلب أو يحرق لا يتبدل ذلك المعتقد ولا يتغير، الصالحات كلمات طيبات كذكر الله عز وجل وتلاوة كتابه، وكالتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكالصلاة والصيام والحج والاعتمار والجهاد والرباط، الصالحات كل ما شرع الله لعباده أن يعتقدوه أو ينطقوا به تعبداً ويقولوه، أو يقوموا وينهضوا به ويعملوه، فذلكم هي الصالحات، فلا يستطيع أحد أن يوجد صالحة من قول أو اعتقاد أو عمل أبداً، فما جعله الله صالحاً لتزكية النفس وتطهيرها هو الصالح، وما لم يصبغه الله بصبغته فهو باطل فاسد وليس بصالح.ولا ننسى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، أي: مردود على فاعله، فمن عمل عملاً ما أذنا فيه وما شرعناه؛ فهو مردود على صاحبه، ولهذا فإن جميع البدع التي ابتدعها الناس وأدخلوها في الدين وأخذوا يتقربون بها إلى الله هي باطلة مردودة لا تعمل في نفوسهم زكاة ولا طهراً، حتى لو يبيت طول الليل وهو يقول: هو، هو، هو، حي، حي، حي، والله لا يكسب حسنة واحدة، إذ ما تعبدك الله بهذا يا عبد الله. وقد جاءني اليوم شاب بقصيدة طويلة عريضة قالوا: إنها لـحسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، وكلها شرك والعياذ بالله، فلم تكذبون على صاحب رسول الله؟ هل يعقل أنه يتوسل بالرسول ويستغيث به فيقول: يا رسول الله! مد يدك، يا رسول الله! افعل لي كذا؟! حاشا حسان وحاشا أهل القرون الأولى أن ينطقوا بهذا الكلام، لكن هذه من مظاهر الهبوط، إي والله قد هبطنا من قرون، فقد كنا في علياء السماء هداة قادة للبشرية نهدي ونقود إلى الكمال والخير، وننقذها من كل شر وفساد، فاحتالوا علينا وهبَّطونا، فلما هبطنا فعلوا بنا ما شاءوا. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124]، فأولاً الإيمان، والإيمان هو تصديق الله جل جلاله وتصديق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر به، فإن رددت خبراً واحداً كفرت ووالله ما أنت بمؤمن، إذ المفروض عليك أنه إذا بلغك خبر الله بكذا أو خبر رسوله الصحيح الثابت عنه بكذا فيجب أن تقول: آمنت به، ودائماً نحن نقول: إن هذا الإيمان هو بمثابة الطاقة الدافعة، وبيان ذلك: أن المؤمن بحق يستطيع أن يصوم في الحر الشديد، والمؤمن بحق ينقطع عشرين سنة وهو يعبد الله ما يفجر ولا يزني بامرأة ولا يتزوج زواج المبطلين أو نكاح العابثين. تعرفون مالك بن أنس رحمه الله إمام دار الهجرة النبوية؟ كان في القرن الثاني بعد المائة الأولى، وشيخه يقال له: ربيعة بن أبي عبد الرحمن شيخ مالك، وأبو عبد الرحمن والد ربيعة كان قد خرج على فرسه عشرين سنة وهو يتنقل من غزوة إلى أخرى وهم يفتحون العالم، ثم رجع بعد عشرين سنة إلى أهله، فقرع الباب وهو على فرسه، فصرخت امرأته: من هذا الذي يدخل علينا الدار؟ فقال: هذا بيتي، وهذه امرأتي! فصاح الجيران: كيف هذا؟! فقال: أنا أبو عبد الرحمن، وهذا منزلي وهذه امرأتي، وقد ترك ولده في بطن أمه أو رضيعاً، فجاء فدخل المسجد فوجد ربيعة حوله الناس يروون الحديث، وأصبح يفيض بالحديث النبوي الصحيح للعرب والعجم. وآخر يجوع فيربط الحجر على بطنه ولا يمد يده، ألا وهو أبو هريرة رضي الله عنه، فقد كان يغمى عليه من الجوع في هذا المسجد النبوي، ويأتي أبناء المدينة فيعلون على صدره ويقولون: جن أبو هريرة، ويقول: والله ما بي من جنون وإنما الجوع فقط. فهل يسرقون أو يكذبون أو يجحدون؟ لا، إذاً فهذا هو الإيمان، ما هي دعوى باللسان والقلب خالٍ وفارغ لا نور فيه، وإنما إيمان ذو طاقة دافعة تحمل صاحبها على الصبر والثبات عشرات السنين، فلا تزل له قدم، ولا يقع في معصية الجبار، فمن يقول: هل أنا مؤمن؟ من يريد أن يعرف هل هو مؤمن بحق أم لا؟ إن دعوى الإيمان دعوى عامة يدعيها كان الناس حتى البلاشفة الحمر يقولون: نحن مؤمنون، فمن منكم يريد أن يعرف هل هو مؤمن أم لا؟ أرشدكم إلى حكيم إذا وقفت عنده وسألته: هل أنا مؤمن أو لا؟ هل هو في الجزائر؟ والجواب: لا، تريد أن تعرف هل أنت مؤمن أو لا؟ إذا وجدت في نفسك حب الله وحب ما يحب الله، وهذا أولاً، وثانياً: إذا وجدت في نفسك الخوف من الله والخشية منه، فأنت والله مؤمن، فإن لم تجد في قلبك حب الله ولا حب من يحب الله، ولم تجد في قلبك خوفاً ولا خشية منه، فوالله ما أنت بمؤمن، وإنما هي دعوى باطلة لا قيمة لها، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28].
صفات المؤمنين الصادقين
إذاً: عرفتم المؤمن؟ هيا أعرض عليكم صورة أو شاشة بيضاء نقية من شاشات القرآن الكريم، إذ أنتم تعودتم على التلفاز والسينما، فإليكم هذه الشاشة أو الصورة الأولى، وانظر هل أنت فيها أم لا؟ إن وجدت نفسك معروضاً بينها وبين أفرادها فقل: الحمد لله، أنا مؤمن، وإن وجدت نفسك غائباً فابك واطرح وقل: علموني كيف نؤمن؟ فاسمعوا! ادعى المنافقون الإيمان في هذه المدينة، وتطاولوا وقالوا: نحن مؤمنون، فقال تعالى: (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ))[الأنفال:2] وهذه الصيغة معروفة، أي: إنما المؤمنون بحق وصدق، لا بالادعاء والنطق.(( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ))[الأنفال:2]، كان منسوب الإيمان عنده مائة وخمسين، فإذا قرئت عليه آيات الله ارتفع منسوب الإيمان إلى المائتين وإلى الثلاثمائة، لكن إن بقي ولم يزد، إذاً ليس هناك إيمان، بل إنسان ميت يمشي على الأرض. (( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ))[الأنفال:2]، متى نعرف هذا؟ (( وَعَلَى رَبِّهِمْ ))[الأنفال:2]، لا على سواه يعتمدون ويفوضون أمرهم، هل نفضح أنفسنا؟ أحدنا قد يتوكل على وظيفة امرأته، وهذا على وظيفة ابنته، وهذا على بيع السجائر، وهذا على عمله في البنك، وهذا على مكره وحيله وخداعه، إذاً فأين التوكل على الله؟ (( وَعَلَى رَبِّهِمْ ))[الأنفال:2]، لا على سواه، (( يَتَوَكَّلُونَ ))[الأنفال:2]، أي: يعتمدون ويفوضون أمرهم إلى الله، وليجوعوا وليعطشوا وليمرضوا وليهجَّروا من بلادهم، إذ كل ذلك غير مهم، وإنما المهم أنهم مع الله، (( وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ))[الأنفال:2].(( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ))[الأنفال:3]، إقامة حقيقية من شأنها أن تولد لهم الطاقات النورانية، فهم بذلك لا يفحشون ولا يمكرون ولا ينكرون معروفاً ولا يتنكرون لجميل، (( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ))[العنكبوت:45]، أي: المقيمين لها، المؤدين لها على أحسن وجه وأكمله وأتمه حتى تولد لهم تلك الأنوار التي تغمرهم فتتجلى في أعينهم، فإذا مر بامرأة يغمض والله عينيه ولا ينظر إليها، وإذا سمع باطلاً أغلق أذنه بأصبعيه، وإذا قُدِّم له حراماً لا يحل له تركه وأعرض عنه، فيتجلى ذلك النور في لسانه، خمسون سنة لا ينطق بسوء ولا يتكلم أبداً بفاحشة أو منكر، فهذا هو المقيم للصلاة، (( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ))[العنكبوت:45].(( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ))[الأنفال:3]، أي: من ذاك الذي رزقناهم من جاه أو سلطان، من علم أو معرفة، من مال صامتاً كان أو ناطقاً ينفقون طول حياتهم.(( أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ))[الأنفال:4] هذا الخبر من أخبر به؟ الله.(( أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ))[الأنفال:4]، لا ادعاءً ونطقاً، ما الجزاء؟ (( لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ))[الأنفال:4] في دار السلام.معاشر المستمعين والمستمعات! فهل رأيتم أنفسكم في هذه الصورة أو هذه الشاشة؟أزيدكم لوحة أو صورة ثانية، إذ ما في القرآن إلا لوحتان أو شاشتان في هذا الباب، قال تعالى: (( وَالْمُؤْمِنُونَ ))[التوبة:71]، إذاً مقابل المنافقين من سورة التوبة القريبة النزول، والآية الأولى من الأنفال كجزء منها.(( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ ))[التوبة:71]، أي: بحق وصدق، لا بالادعاء والنطق. (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ))[التوبة:71]، هل هذه الصفة موجودة فينا؟ ماذا تقولون؟ الجنسية والوطنية والقبلية والحزبية والمذهبية، كل هذه مزقت هذا الولاء، لكن كان المفروض أن المؤمن في الهند كالمؤمن في الأندلس، والمؤمن في الصين كالمؤمن في أمريكا، فالمؤمن يجب أن تحبه وأن تنصره، فمن لم يحب المؤمنين ولم ينصرهم ما هو بمؤمن، ودعواه الإيمان دعوى باللسان؛ لأن الولاء هو الحب والنصرة، فمن يكره المؤمنين ويبغضهم والله ما هو بالمؤمن، ومن يخذل المسلمين ويهزمهم ويكون عليهم لا لهم والله ما هو بمؤمن.(( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ))[التوبة:71]، والولاء هنا فسروه بالحب والنصرة، فالأحزاب والجماعات والمذاهب بيننا متحابون متناصرون؟ لا والله، وإنما تجد الطعن والنقد والتبغيض لبعضهم البعض، فلا إله إلا الله! لا تلمهم يا شيخ! والله ما عرفوا، فهذه هي الحقيقة، إذاً فماذا نصنع؟ يكفينا البكاء فقط، لمَ ما نعرف؟ أقسم بالله لن نعود إلى كمالنا وقيادتنا وسيادتنا وطهرنا وصفائنا إلا إذا رجعنا إلى بيوت ربنا التي بنيناها في قرانا ومدننا، وجبالنا وسهولنا، فنرجع إليها كما كان الرسول وأصحابه، وذلك كل ليلة ما إن نصلي المغرب حتى نجتمع على كتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالنساء من وراء الستائر، والأطفال في الصفوف كالملائكة يرعون ويراقبون، والفحول أمثالكم أمام المربي المعلم، فليلة نأخذ آية من كتاب ربنا، وأخرى نأخذ حديثاً من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهكذا الحال طول العمر، فوالله ليتغير حالنا إلى الأفضل.والعجيب أن اليهود والنصارى والكفار إذا دقت الساعة السادسة أوقفوا العمل وذهبوا إلى الملاهي والمقاهي والمراقص والشر والباطل، والمؤمنون إلى أين يذهبون؟ دلوني بالله عليكم؟ إذاً كيف نتعلم نعرف وقد حرمنا أنفسنا من العلم والمعرفة؟ إذاً: عرفتم الآن أننا نصبح أولياء لبعضنا البعض حباً ونصرة إذا عرفنا وتعلمنا.(( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ))[التوبة:71]، فكل مواطن في القرية بوليس، وأعوذ بالله من كلمة: (بوليس)، أهي يهودية أم ماذا؟ لكن في ديننا آمر بمعروف وناه عن منكر، فأهل القرية كلهم، وأهل الحي كلهم، وأهل المدينة كلهم، آمرون بالمعروف ناهون عن المنكر، وبالتالي فلا نحتاج إلى بوليس وشرطة، إذ كل مؤمن شرطي وبوليس، والمؤمن بحق هل يرضى بمنكر يشاهده في أخيه ويسكت عنه؟ والله ما كان ولن يكون، والمؤمن بحق يرى أخاه ترك معروفاً ليبعد عن رحمة الله، فهل يرض بهذا ويسكت عنه؟ والله ما يسكت.فانظر قوة الأمن عشرة آلاف رجلاً، وقوة الأمن الرباني كل البلاد بملايينها، (( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ))[التوبة:71]، فهؤلاء هم المؤمنون.مرة أخرى: (( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ))، وهذه صفة أولى، (( يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ))، صفة ثانية، (( وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ ))، صفة ثالثة، (( وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ))، صفة رابعة، (( وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ))[التوبة:71]، ما الطريق يا شيخ؟ أن تعود الخلافة؟! هذه أحلام باطلة وكاذبة، والآن المستمعون يراجعون قلوبهم، هل هذا الكلام سرَّهم وأثلج صدورهم أم هم كما عهدنا أنفسنا من قرون؟ دعه يقول: هذا كلام فارغ، هذه دعوة إلى الرجعية! كيف نجتمع في البيوت؟ لم تجتمعون في المقاهي والأباطيل والترهات؟ كل ما نقوله: نريد أن نسكن السماء؟ إن سكنان السماء تتطلب اجتهاد في طاعة الله تعالى، إذ كيف نخترق السموات السبع إن لم نزك هذه النفوس ونطيبها ونطهرها، وذلك بالإيمان والعمل الصالح؟!وصلى الله على نبينا محمد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #552  
قديم 06-05-2021, 03:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (66)
الحلقة (289)

تفسير سورة النساء (7)


لما تقتضيه المواريث من أهمية عظيمة في حفظ حقوق الأفراد المالية فقد تكفل الله عز وجل ببيان تفصيلها، ولم يترك ذلك لاجتهاد أحد، وقد بين سبحانه في هذه الآيات الكريمات صفة التوارث بين الآباء والأبناء، فذكر من الأحكام المتعلقة بها أن نصيب الذكر كنصيب الاثنتين من النساء، وأن ولد الولد حكمه كحكم الولد في الحجب، وأن الأب يأخذ فرضه ابتداء مع أصحاب الفرائض، وما زاد يأخذه بالتعصيب.
فضل حضور حلقات العلم
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الأحد من يوم السبت ندرس كتاب الله عز وجل والليالي الثلاث بعدها؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال فداه أبي وأمي: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).الحمد لله على إفضال الله، الحمد لله على إحسانه، الحمد لله على آلائه وإنعامه، فزتم بها، فهنيئاً لكم، ومن أراد أن ينظر فليقف وينظر الحلقة، هل فيها صخب؟! ضجيج؟ خصومات؟! التفاتات؟! لا شيء؛ لأن السكينة نزلت، والرحمة كذلك. انظر! هل ترى مظهراً من مظاهر العذاب؟ لا شيء.والملائكة تحفنا والله العظيم! لكن عجزنا البصري ما مكننا من النظر إليهم فقط؛ لأننا عاجزون، والقوة التي أعطاناها ربنا في أبصارنا محدودة الطاقة.وتبقى الرابعة، وهل الذي أعطى الثلاث يحرم الرابعة؟ الرابعة: أن يذكرنا الله في الملكوت الأعلى، حاشاه ألا يذكرنا، ومن ذكره الله أكرمه وأعزه وأسعده. الحمد لله! بم نحصل على هذه الفضائل؟ والله لا نقدر على تحصيلها بحال من الأحوال لو أنفقنا العمر كله!
فضل تعلم علم المواريث
معاشر المستمعين! تعرفون أن علم الفرائض يعتبر العلم الثالث، وإليكم ما ورد في هذه القضية.أولاً: هذه الآيات من سورة النساء انتهينا إليها، وهي الآية الأولى، ثلاث آيات فقط اشتملت على علم الفرائض.هذه الآية مبينة لما أجمل في آية: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ [النساء:7] من منكم يذكر ما قلناه في آية سبقت: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ [النساء:7]؟تذكرون سبب نزولها؟ أم كحة ماذا فعلت؟ أخو زوجها جاء يريد أن يأخذ المال، فرفعت أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله هذه الآية، ففرض فيها للنساء نصيباً كما للرجال، أما العرب في الجاهلية فقالوا: المرأة لا تدفع مكروهاً ولا تحمل سيفاً، فأي شيء تأخذه من التركة؟ لا شيء، والطفل الصغير كذلك لا يدفع عن قبيلة ولا يأتي بخير، إذاً: فلما مات هذا الرجل وترك ابنتين ووالدتهما تسمى أم كحة ، جاء أخوه من أبيه ليأخذ المال كله، قالت: لا، بناته، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكي إليه أمرها؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ [النساء:7] فأثبتت إرث النساء والأولاد والرجال، هذه الآية مجملة، نحتاج إلى آية تبين هذه الأنصبة، هذا النصيب كم وما هو؟ فجاءت هذه الآيات الثلاث تبين هذا النصيب.فنريد أن ندرس دراسة عملية وهي: أن نحفظ الآية، والذي ما يحفظها الآن يحفظها في البيت، وغداً إن شاء الله يأتي وقد حفظها، بحمد الله إذا صدقنا في الطلب ما تنتهي هذه الليالي الأربع إلا وكلكم فرضي. وتسمى هذه الآية آية المواريث، وهي من أعظم الآيات قدراً؛ لأن علم الفرائض يعتبر ثلث العلم؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أبي داود وغيره قال: ( العلم ثلاثة، وما سوى ذلك فهو فضل ) أي: زائد. تعرفون الفضل أم لا؟ تتغدى ويبقى شيء من الطعام فهو فضل. [ ( العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل ) ما هي هذه الثلاثة؟ قال: ( آية محكمة ) أي: غير منسوخة؛ لأن القرآن فيه آيات منسوخة وهي معدودة ومعروفة عند أهل العلم؛ لقول الله تعالى: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا [البقرة:106].( أو سنة قائمة ) ما نقول فيها شيء، هذا يقبل وهذا يردها، بل قائمة والمسلمون في ظلها يعملون. والثالثة: ( فريضة عادلة ) ما هي فريضة الصلاة ولا الزكاة، فريضة عادلة وهي ما وهب الله وأعطى عباده من قسمة التركات. العلم ثلاثة: آية محكمة، وسنة قائمة ما هي منحرفة ولا مشكوك فيها، وفريضة عادلة، وقد تولى الله عز وجل بنفسه قسمة المال، ولا توجد قسمة مالية تولاها الله إلا الفرائض، فسبحان الله العظيم! فلهذا الذي يمنعها معناه: أعلن الحرب على الله، أو ادعى أن الله لا يعلم، أو ليس الله بأرحم أو ما هو بأعدل، فهذه قسمة قسمها الله عز وجل.
تفسير قول الله تعالى: (يوصيكم الله في أولادكم ...)
يقول الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، وهذه الآية مع طولها نجتهد أن نحفظها ونفهم معناها. ‏
معنى قوله تعالى: (للذكر مثل حظ الأنثيين ...)
يقول الله تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] فهما تأخذان كل واحدة منهما ألفاً وهو يأخذ ألفين. يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] هذه الخطوة الأولى إلى دار السلام.
معنى قوله تعالى: (فإن كن نساء فوق اثنتين ...)
ثانياً: قال: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ [النساء:11] ما في ولد ذكر فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ [النساء:11] فوق اثنتين، ثلاث أربع أو خمس أو عشر أو سبعين امرأة هذا شرط فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11] ترك ثلاثين ألف لهما عشرون، ترك ثلاثة لهما اثنان والواحد يبقى للورثة، عم وأخ وابن أخ، والورثة الذكور، العصبة. فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11] ثلث الثلاثة كم؟ واحد. وثلثاها كم؟ اثنان. وهكذا. فَإِنْ كُنَّ [النساء:11] أي: المتروكات اللاتي مات الوالد عنهن فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً [النساء:11] بنات ونساء على حد سواء فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ [النساء:11]؛ لأنها لو كانت واحدة فلها النصف، لكن إن كن اثنتين أو عشر فلهما الثلثان. ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11] ترك ثلاثين بقرة فلهن عشرون بقرة، وعشرة لأبناء الإخوة ولأصحاب الفريضة أو العصبة.قال: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً [النساء:11] ما ترك اثنتين ولا ثلاث، بل واحدة وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11] هلك هالك وترك ابنة وأبناء أخ مثلاً، فهذه البنت لها النصف، والنصف للعصبة. يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11] بماذا؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] قاعدة عامة، فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11] ولو كان ملياراً. وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11] يا عامي! وكلنا عوام تشجع وأعد الكلمة وكررها، فإنك تفهمها وتحفظها، ما تقول: أنا ما أقرأ ولا أكتب! آلاف من الصحابة لا يقرءون ولا يكتبون وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11] ولأبويه. وهل للإنسان أبوان؟ أم وأب، من باب التغليب تقول: القمران، أي: الشمس والقمر، والعمران أي: أبو بكر وعمر من باب التغليب.
معنى قوله تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السدس ...)
قال تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ [النساء:11] أبوي الهالك الميت لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11] الهالك الأول ماذا فعل؟ هذا ترك ذكوراً وإناثاً وأعطاهم الله للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن ترك نساء فقط فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فالنصف، ولأبويه -الآن أمه وأباه- السدس مما ترك إن كان له ولد، هلك الهالك وترك أولاداً، وترك أمه وأباه، الأولاد يرثون الذكر مثل حظ الأنثيين، وأمه وأباه يعطيان لكل واحد منهما السدس، الأب له السدس، والأم لها السدس. لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11] أم لا؟ هو الهالك من أول آية واحد، الميت واحد أم لا؟ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] مات الرجل وترك أولاداً بنين وبنات، كيف القسمة؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً [النساء:11] ما في أولاد؟ فلهن الثلثان مما ترك، وإن كانت بنتاً فقط فلها النصف، ولأبويه إن كان له ولد لكل واحد السدس، إذاً: مشينا إلى العلم ووصلنا. وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11] والثلثان للأب. مات زيد وما ترك ولداً ولا بنتاً، ولكن ترك أمه وأباه، كيف يقتسمون التركة؟ للأم الثلث، والأب الباقي وهو ثلثان.إذاً: يقول تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11] ذكر، أنثى، كبير، صغير، لا تلتفت إلى هذا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ [النساء:11] ماذا؟ الثُّلُثُ [النساء:11] والثلثان الباقيان للأب. فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11] فهذا الولد الذي ورثه أبواه إن فرضنا له إخوة فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] . كانت تأخذ الثلث والزوج الثلثان، ولما ترك الهالك هذا ولداً أو أولاداً فإنها تأخذ السدس فقط. فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ [النساء:11] إخوة عدد فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ [النساء:11] كذا. ولماذا؟ قالوا: لأن الأم لا تنفق على إخوة الميت؟ ومن ينفق عليهم؟ والدهم.إذاً: فالوالد الآن أولى بهذا الثلث، فالأم تأخذ السدس فقط والباقي يأخذه الأب، لم؟ لأن الأم لا تنفق على إخوة من مات، الذي مات ترك أمه وأباه وترك إخوة له أم لا؟ من ينفق على هؤلاء الإخوة؟ الأب لا الأم؛ فلهذا العادل الرحيم قال: خذي السدس للبركة فقط، وأما الزوج الأب فإنه يأخذ الباقي.قيل: سر حجب الإخوة لأمهم من الثلث إلى السدس هو: أن والدهم هو الذي يلي نكاحهم، من يزوجهم؟ وينفق على زواجهم؟ الأب، هو الذي ينفق عليهم دون أمهم، وهو رأي حسن، قالوا: ما السر؟ الله حكم، إن أحببنا أن نعرف السر ما هو، لماذا كانت الأم تأخذ الثلث؟ والآن لوجود الإخوة واحد أو أكثر أخذت السدس؟ فما سر هذه القضية؟ الجواب: الأب هو الذي ينفق على أولئك الأولاد، وإذا كبروا هو الذي يزوجهم، والأم لا تفعل شيئاً، إذاً: تحمد الله وتأخذ السدس.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #553  
قديم 06-05-2021, 03:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

معنى قوله تعالى: (من بعد وصية يوصي بها أو دين ...)
قال تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11].هذا تعقيب: فلا تقسم التركة على النحو الذي عرفنا إلا من بعد إخراج الوصية، إذا الهالك أوصى بوصية، عليه دين فلا تقسم التركة حتى يسدد الدين. مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11] ملاحظة قيمة هذه أم لا؟ مات فلان اتركوا المال، ابحثوا. هل وصى لشيء؟ قالوا: وصى لفلان بعشرة نوق، أعطوا العشر النوق والباقي يقسم، أوصى بمليون ريال للمسجد أو لفلان، أولاً: يخرج الوصية والباقي يقسم.إذا لم يكن هناك وصية لكن يوجد دين: لفلان ألف، ولفلان عشرة ألف، ولفلان خمسون. قبل قسمة التركة يجب أن تسدد الديون.هل طبق المسلمون هذا؟ الحمد لله، هذا مطبق، ما استطاعوا يجابهون الله في هذه. كيف؟ معناها: كفروا. اسمع. مِنْ بَعْدِ [النساء:11] أي: ذلك الذي بينه تعالى بعد التقسيم من بعد وصية يوصى بها أو دين.
معنى قوله تعالى: (آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً)
وأخيراً: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11] ختم عجيب هذا! لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا [النساء:11] إذاً: فارض بقسمة الله، وأعط من أعطى الله، وامنع من منعه، آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا [النساء:11] كم من إنسان يظن فلاناً أكبر نفعاً منه، ويصبح عدوه ويؤذيه. فَرِيضَةً [النساء:11] من فرضها؟ من قدرها؟ من قننها؟ الله، إِنَّ اللَّهَ [النساء:11] كان وما زال عَلِيمًا [النساء:11] بخلقه وحاجاتهم وشئونهم، حَكِيمًا [النساء:11] في تصرفاته وإعطائه ومنعه، فما على المؤمنين إلا أن يطأطئوا رءوسهم.
ملخص لما جاء في تفسير الآيات
قال الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] واضح هذا عندكم أم لا؟ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:11] وهل للإنسان أبوان؟ أبوان أي: أم وأب، أب وأم. وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:11] لأن الهالك ترك أولاداً.قال: إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11] أما إذا الهالك ما له ولد فتبقى القضية كما هي، الأم لها الثلث، والأب له الثلثان. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11] والباقي ثلثان للأب. فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] فقط مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11]. يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ [النساء:11] فوق اثنتين ثلاثة أم لا؟ أربعة خمسة إلى التسعين إلى ما لا حد له، فوق الاثنتين يعني: اثنتين فما فوق. فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ [النساء:11] يعني: اثنتان وفوقهما، لو قال تعالى: فإن كن نساء فوق واحدة هذه العبارة ما هي لائقة وما هي سامية، بربرية هذه! لكن فوق اثنتين، اثنتان ثلاثة أربعة خمسة إلى ما حد له فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ [النساء:11] ماذا؟ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] حجبت مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء:11]. أي: فرض الله هذا فريضة.
مناقشة في بعض مسائل المواريث
أسألكم، والله يفتح عليّ وعليكم:إن مات رجل من رجال المؤمنين؛ لأن الكافر لا يرث ولا يورث، (الكافر لا يرث ولا يورث)، هذا حديث في الصحيح، إجماع الأمة: الكافر لا حظ له في التركة، وإن مات المؤمنون لا يرثونه.مات رجل من المؤمنين، وترك أولاداً بنين وبنات، -الأولاد: بنين، وبنات- كيف نقسم التركة عليهم؟ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، بلا خوف ولا وجل، للابن حظ اثنتين أو بنتين.هلك رجل آخر وترك بنات فقط، متزوجات أو صغيرات، نساء فوق اثنتين، كيف تقسمون؟لهما الثلثان، والباقي للعصبة، ما هي اللفظ القرآنية التي قالت هذا؟ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11]، وإن كان ما ترك إلا بنتاً واحدة، فلها كما دلت الآية على هذا وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11]، خطوة عظيمة هذه.هذا الهالك الأول ترك أولاداً بنين أو بنات، الثاني: ترك نساء فقط، الثالث: ترك بنتاً واحدة، أعطيناها النصف، وهذا الرابع، خلف أيضاً أبويه مع الأبناء.لكل من الأبوين السدس والباقي للأولاد بنين أو بنات: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، كلمة السدس، تعني ماذا؟ واحد من ستة.ما هي الآية التي قالت هذا؟ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]، فإن لم يكن له ولد وورثه أمه وأبوه فقط؛ فالأم لها الثلث والأب له الثلثان؛ لقول الله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11]، وستأتي قضية أخرى فيها الثلث الباقي، ما تستطيع تأخذ ثلث على الحقيقة للازدحام.هلكت هالكة وتركت زوجها وأمها وأباها، الزوج له النصف كما سيأتي، والنصف الباقي كيف يقسمه الأم والأب؟الأم لها الثلث والأب له الثلثان.وهنا: النصف أخذه الزوج، النصف الباقي يقسم على ثلاثة، الأم تأخذ ثلث الباقي، والأب يأخذ ثلثين.أي نعم، هذا يسمى الثلث الباقي.أولاً: يأخذ الأب ثلثين، والباقي ثلث تأخذه الأم، والحقيقة هذا نصف التركة، نصف التركة بكاملها قسمناها على ثلاثة، فالظاهر أخذت ثلث، والحقيقة ما هو ثلث من التركة، الثلث الباقي.فإن كان هذا الهالك له إخوة؛ هلك هالك وترك أمه وأباه وإخوته، كيف تقتسمون التركة؟ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] سواء ترك ولد أو أكثر لِم؟ يحجبها ابنها، يمنعها من الثلث؟ يطلع بها إلى السدس؟ إي نعم؛ لأن الوالد يتحمل نفقة الأولاد، وهي لا تتحمل شيئاً.إذاً: يكفيها السدس، ومن الذي قسم هذه القسمة العادلة؟ الله، الآية الكريمة تقول: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11]، كيف نفعل بالوصية والدين، نقدم أو نؤخر؟نقدم الدين؛ لأن الوصية لله والله بر رحيم، وقد يكون صاحبها ميت أو مسجد، وصاحب الدين يبدأ يدعو على الميت بالهلاك والعذاب، وإن قدمت الوصية في الآية؛ لعلم الله تعالى بأن أصحاب الديون ما يسكتون أبداً لا يضعون، طبعهم على هذا.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآيات
يقول المؤلف غفر الله له: [ معنى الآية الكريمة:هذه الآية الكريمة وهي الحادية عشرة من سورة النساء، وهي: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ .. [النساء:11] إلى آخر الآية.والتي بعدها الثانية عشرة، وهي قوله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12].. إلى آخرها، نزلت في تفصيل حكم الآية السابعة، والتي تضمنت شرعية التوارث بين الأقارب المسلمين ]، هذا عرفناه من قبل.قال: [ فالآية الأولى وهي الحادية عشرة، بين تعالى فيها توارث الأبناء مع الآباء، فقال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11]، أي: في شأن أولادكم. لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، يريد إذا مات الرجل وترك أولاداً ذكوراً وإناثاً، فإن التركة تقسم على أساس أن للذكر مثل نصيب الأنثيين، فلو ترك ولداً وبنتاً وثلاثة دنانير، فإن الولد يأخذ دينارين والبنت تأخذ ديناراً، وإن ترك بنات اثنتين أو أكثر، ولم يترك معهن ذكراً -أي: ولداً- فإن للبنتين فأكثر الثلثين والباقي للعصبة، إذ قال تعالى: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ [النساء:11]، وإن كانت بنتاً واحدة، فإن لها النصف والباقي للعصبة، وهو معنى قوله تعالى: وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11]، وإن كان الميت قد ترك أبويه -أي: أمه وأباه- وترك أولاداً ذكوراً أو إناثاً، فإن لكل واحد من أبويه السدس، والباقي للأولاد -أولاد الميت- وهو معنى قوله تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11] -فأكثر- يريد ذكراً كان أو أنثى، فإن لم يكن للهالك ولد ولا ولد ولد ].هذه جديدة: ولد الولد ينزل منزلة الولد في الحكم فيما يأخذ وفيما يمنع ويحجب، ابن الابن: إذا مات الابن وترك ولده، هذا الولد يقوم مقام أباه في الحجب وفي العطاء.قال: [ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]، يريد ذكراً كان أو أنثى، فإن لم يكن للهالك ولد ولا ولد ولد، فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11]، وإن كان له إخوة اثنان فأكثر: فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] . هذا معنى قوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] أي: تسقط من الثلث إلى السدس، وهذا يسمى بالحجب، فحجبها إخوة ابنها الميت من الثلث إلى السدس.وقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11]، يريد أن قسمة التركة على النحو الذي بين تعالى بعد قضاء دين الميت وإخراج ما أوصى به، إن كان الثلث فأقل ]، الوصية بأكثر من الثلث لا تصح، أبداً.[ الثلث فأقل، وهو معنى قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء:11].وقوله تعالى: آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا [النساء:11] معناه: نفذوا هذه الوصية المفروضة كما علمكم الله، ولا تحاولوا أن تفضلوا أحداً على أحد، فإن هؤلاء الوارثين آباؤكم وأبناؤكم، ولا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً في الدنيا والآخرة، ولذا فاقسموا التركة كما علمكم بلا محاباة، فإن الله تعالى هو القاسم والمعطي، عليم بخلقه، وبما ينفعهم أو يضرهم، حكيم في تدبيره لشئونهم، فليفوض الأمر إليه، وليرض بقسمته فإنها قسمة عليم حكيم ].معشر المستمعين والمستمعات! اسألوا الله أن يشرح صدوركم وينور قلوبكم!
هداية الآيات
قال: [ هداية الآية الكريمة: أولاً: إن الله تعالى تولى قسمة التركات بنفسه فلا يحل لأحد أن يغير منها شيئاً.ثانياً: الاثنتان يعتبران جمعاً ] الاثنين يعتبر جمع كما تقدم.[ ثالثاً: ولد الولد حكمه حكم الولد نفسه في الحجب.رابعاً: الأب عاصب فقد يأخذ فرضه مع أصحاب الفرائض، وما بقي يرثه بالتعصيب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقت الفرائض فلأولى رجل ذكر ) ].أتعبناكم الليلة، وغداً إن شاء الله نحاول مرة ثانية.وصلى الله على نبينا محمد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #554  
قديم 06-05-2021, 03:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (67)
الحلقة (290)

تفسير سورة النساء (70)


تفاخر قوم من اليهود ونفر من الصحابة كل يقول إن دينه هو الدين الحق، فأنزل الله هذه الآيات مبيناً أن الحق لا يكون بالتمنيات والادعاء فقط، ولكن لابد أن يصدق ذلك العمل، فمن عمل الأعمال الصالحة من التوحيد الصادق والطاعات جزي به في الدنيا، ومن عمل الأعمال الطالحة جزي بها أيضاً، وكانت ولاية الله متحققة لأهل الصلاح، محجوبة عن أهل الفساد، لأن سنة الله في تأثير العمل والكسب على مصير الإنسان لا تتبدل ولا تتخلف.
مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة النساء
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا فإنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وها نحن ما زلنا مع سورة النساء المباركة الميمونة المدنية، ومع هذه الآيات الأربع، فأعيد تلاوتها وتأملوا واذكروا ما علمتموه البارحة منها، فقال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:123-124]، والنقير الذي لا يظلمه المؤمن العامل للصالحات هو أصغر شيء، والنقرة في ظهر النواة تسمى النقير، فنواة التمر فيها نقرة في وسطها، فمثل تلك النقرة لا يظلمها العبد المؤمن العامل الصالحات. وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا * وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا [النساء:125-126]، فالله محيط بكل شيء، قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، فكل شيء الله محيط به، فالسموات مطوية طي الصحيفة في يده، والأرض في قبضته، وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ [البروج:20]، فليخافوه وليرهبوه، لكنهم ما استطاعوا؛ لأن العدو كبّلهم وقيدهم، فلم يستطع أن يَرهب المؤمن ربه ويخافه فيعبده ويستقيم على عبادته إلا من نجاه الله من العدو، ألا وهو إبليس عليه لعائن الله، وقد سمعنا البيان السابق منه الذي واجه به الرب تبارك وتعالى، فماذا قال لتعرفوا الحقيقة؟ قال تعالى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا * لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ [النساء:117-118]، أي: الشيطان، لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا * وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا [النساء:118-119]، فلا تظنوا أنكم أحرار في هذه الدنيا، بل إن هناك عدواً قد أخرج أباكم وأمكم من دار السلام، وها أنتم تعيشون لاجئين على هذه الأرض، وداركم الحقيقية والله ما هي هذه، وإنما هي دار السلام في الآخرة.
الجزاء على العمل سنة من سنن الله التي لا تتبدل
نعود إلى الآيات بإيجاز، ثم ندرسها دراسة أخرى في التفسير، فأولاً: تذكرون أن مباهاة ومفاخرة تمت بين المسلمين واليهود في المدينة، فادعى اليهود أن دينهم هو الحق، وأنهم على الحق، وأن كتابهم أول كتاب وأعظم كتاب، ونبيهم قبل نبينا، وقال المسلمون مثل ذلك، وورد أن بعض النصارى ولعلهم من نجران قالوا مثل ذلك، فأنزل الله قوله تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]، إذاً: كيف يا رب؟ قال: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، سواء كان أبيض أو أصفر، عربياً أو عجمياً، يهودياً أو مسيحياً أو مسلماً، وهذه سنة الله عز وجل، فاشرب السم وانظر هل تموت أم لا؟ وأدخل الإبرة في جسمك وانظر هل تتألم أو لا؟ وقل كلمة سوء في أحد واسمع كيف يردها سباً وشتماً؟ وهذا في الدنيا، مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ [النساء:123]، سواء كان من المسلمين أو من اليهود أو من النصارى، وهو حد فيصل، فما بقيت أمانٍ ولا أحلام ولا تمنيات، وهذا قضاء الله وحكمه، وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا [النساء:123] يتولاه وَلا نَصِيرًا [النساء:123] ينصره أبداً.
ما عند الله لا ينال بالتمني ولكن بالإيمان والعمل الصالح
ثم قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ [النساء:124]، والصالحات هي الأعمال والأقوال والاعتقادات التي وضعها الله لتحمل مادة الطهر والصفاء إلى الروح البشرية، فالذي أوجد مادة الغذاء في التمر واللبن والفواكه والخضار وحرم ذلك في التراب والحجارة والصخور، فتأكل التمر فتتغذى، لكن إن أكلت الرمل والتراب لا تتغذى، إذاً: فما من عقيدة قال الله: آمنوا بها واعتقدوها، ولا قولاً أمر الله بقوله أو استحبه، ولا فعلاً أمر الله به إلا وهو والله من الصالحات، والعكس: ما حرم الله ولا منع اعتقاداً ولا قولاً ولا عملاً إلا وهو سيئ يسيء إلى النفس ويفسدها ويخبثها حتى تصبح كأرواح الشياطين، وهذا قضاء الله تعالى.وقد عرفتم الحكم الصادر علينا من قبل ذي الجلال والإكرام، وأنه لا معقب لحكمه، أي: ما فيه محكمة عليا تستأنف القضايا، إذ قال بنفسه من سورة الرعد: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]، فما هو هذا الحكم؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]، فكن ابن من شئت، وكن أباً لمن شئت، ويا مؤمنة كوني امرأة من شئتِ، إذا لم تزك نفسك والله ما نفعكِ ذاك الانتساب إلى أب صالح، أو ولي من الأولياء، أو نبي من الأنبياء، أو زوج من الصالحين، والذي يشك في هذا ما عرف الإسلام بعد. قَدْ أَفْلَحَ [الشمس:9] من؟ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]، من هي التي نزكيها؟ النفس البشرية، وَقَدْ خَابَ [الشمس:9] وخسر من؟ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10].فهل عرفتم بم تزكى النفس البشرية؟ أو ما هي المواد التي تزكي النفس البشرية؟ والجواب: بالإيمان والعمل الصالح، إذاً فمن يعلمنا؟ من يعرفنا كيف نستعمل الصالحات في تزكية أنفسنا؟ والجواب: اطلب تجد، زاحم العلماء بركبتيك وتعلم، أو تريد أن تقول: أنا مسلم وتصبح عالماً، كيف تعبد الله؟ مستحيل، إذ لا يوحى إليك وما أنت بنبي، بل لا بد وأن تعرف كيف تستعمل الصالحات حتى تزكي بها نفسك، ويجب أن تعرف أيضاً المفسدات للنفس وتبتعد عنها وترحل من ساحتها، وتهجر حتى ديارها، وذلك إن كنت تريد أن تنزل دار السلام، أما إن كنت تريد أن تهبط إلى أسفل سافلين فما أكثر الهابطين. وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124]، وبالأمس عرفتم أن النصراني قد يبني المشافي، ويوزع الأدوية والأكسية والأطعمة في الشرق والغرب، لكن والله لا يجد حسنة واحدة يوم القيامة؛ لأنه كافر غير مؤمن. وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124]، أما من كفر بالله وبرسوله ولقائه، فكيف تقبل أعماله الصالحة؟! فَأُوْلَئِكَ [النساء:124] السامون الأعلون يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:124]، أي من حسناتهم وأعمالهم، فإياك أن تفهم أنك تظلم حسنة واحدة، بل معشار حسنة، إذ حسناتك مدونة ومسجلة، فاعمل ما شئت طول حياتك وثق بأنك لا تبخس ولا تنقص من حسناتك شيئاً، وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:124].
فضل الإسلام على سائر الأديان
وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا [النساء:125]، لما عرفنا بطلان دعوى اليهود والنصارى وحتى دعوى المسلمين باللسان، جاء البيان الحق ليقرر ألا دين إلا الإسلام؛ إذ هو دين الأنبياء إبراهيم فمن دونه، ونوح فمن دونه إلى خاتم النبيين، فلا نصرانية ولا بوذية ولا مجوسية ولا يهودية، وإنما الإسلام فقط، فما الإسلام إذاً؟ الإسلام أن تسلم قلبك ووجهك لله تعالى، فتقول: يا رب! أنت الذي وهبتني قلبي ووجهي فخذهما؛ لأن (أسلم) فعل ماض مضارعه (يسلم)، يقال: أسلمت الدار الفلانية لفلان، بمعنى: سلمتها إليه، ويقال: أسلم الشيء، أي: أعطاه.إذاً يقول الجبار تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ [النساء:125]، لا وجود له، مِمَّنْ [النساء:125] أي: من عبد أبيض أو أسود، أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء:125]، والحال وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء:125]، وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [النساء:125] أيضاً، حَنِيفًا [النساء:125]، فهذه ثلاثة قيود، فهل تريد أن تعرف من أحسن ديناً من الناس؟ من يرغب في أن يعرف من أحسن دين في البشرية؟ فالجواب: أن تقول: أحسن ديناً في الناس من أسلم وجهه لله، وذلك بأن لا ينظر إلا إلى الله، فقلبه ووجهه مقبل على ربه، بل كل حياته موقوفة على الله تعالى، فليأكلن من أجل الله، وليشربن من أجل الله، وليبني المنزل ويهدمه من أجل الله، ولينام ويستيقظ من أجل الله، وليتزوج ويلد من أجل الله، فكل شيء أعطاه لله، فهذا هو المسلم الحق.وإن قلت: يا شيخ! كيف هذا؟ يأكل من أجل الله؟! إي نعم، لما يوضع الأكل بين يديه يقول: باسم الله، ولولا أنه أذن له فيه ما أكله، كما أنك ناوٍ أن يأكل ليتقوى بالأكل أو لتستمر حياته على طاعة الله وعبادته، وكذلك لما يحرث ويرمي البذرة من أجل أن يوفر قوتاً له ليعبد الله عز وجل، ويبني هذا المنزل ليستر فيه نفسه وأسرته، وذلك حتى لا يؤذي المؤمنين ولا يؤذونه، ويطلق امرأته لله؛ لأنها مظلومة ما سعدت معه، بل تأذت وما أطاقت المكث معه، فهذه أمة الله طلقتها لأجل الله.فحياة المؤمن الحق كلها موقوفة على الله تعالى، وذلك إن أراد أن يكون أحسن الخليقة ديناً، وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء:125]، والحال وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء:125]، أي: في أداء تلك العبادات، حتى لو كانت ذكراً لله فيجب أن تحسن هذا الذكر فضلاً عن الأعمال التي هي بالأركان والجوارح؛ لأنك إذا أسأت في العبادة ما أنتجت لك النور ولا التزكية المطلوبة، فإذا قام وتوضأ فغسل رجله اليمنى ثم مسح رأسه ثم تمضمض، فماذا يقول له الفقيه؟ أعد وضوءك؛ لأن الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ [المائدة:6]، فلا بد من إحسان العمل والقول، فتأتي تذكر الله فتقول: الله، لا إله! الله، لا إله! لا ينفع هذا، بل قل: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، كذلك تقول: الله، سبحان! ما تنفع، بل قل: سبحان الله، ولذلك الذي لا يحسن صلاته ولا صيامه ولا جهاده ولا صدقاته ولا أذكاره، فإنه يعمل بلا ثمرة ولا نتيجة، وقد علمنا في البارحة كلمة الرسول الباقية الخالدة: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )، أي: من عمل عملاً ما أمرنا به، ما أذنا فيه، ما شرعناه، فهو مردود على صاحبه، ولا يقبله الله ولا يثيب عليه ولا يجزي به.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #555  
قديم 06-05-2021, 03:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

التسليم لله وإحسان العمل هو سبيل الوصول إلى الله
إذاً: أسكتَ الله كل من ادعى أنه على الدين الحق، وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النساء:125]، أي: ووحد الله في عباداته كلها، عقائد وأقوالاً وأفعالاً؛ لأن ملة ودين إبراهيم قام على أساس ألا يُعبد إلا الله، فهو مال عن كل العبادات، وأعرض عن كل الآلهة والباطل إلى الحق فقط.واستعرضوا مواقف إبراهيم في القرآن، قال تعالى: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67]، وهذا رد على اليهود والنصارى لما ادعوا أنهم على ملة إبراهيم، وأن إبراهيم كان يهودياً أو نصرانياً، إذ أين اليهودية والنصرانية؟ بينهم وبين إبراهيم أكثر من ألفين سنة، لكن أكبتهم الله وأخزاهم بقوله: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا [آل عمران:67]، إذ ما كانت اليهودية إلا على عهد موسى، فكيف كان إبراهيم يهودياً أو نصرانيا؟ فهذه ردود الله تعالى على دعاوى اليهود والنصارى.والشاهد عندنا هو قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الزخرف:26-28].فإبراهيم كان حنيفاً مسلماً ووالله ما كان من المشركين، وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء:125]، فأولاً وقف حياته على الله عز وجل، فلا يتزوج إلا لله، ولا يطلق إلا لله، ولا يطلب وظيفة إلا لهه، ولا يترك وظيفة إلا لله تعالى.واقرءوا لذلك قول الله عز وجل: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:162-163]، وهذه الآية قد سميناها آية الوقفية، إذ إن حياة المؤمن وقف على الله تعالى، وكما قدمنا ازرع واحصد من أجل الله، وابن واهدم من أجل الله؛ إذ حياتك كلها لله، وهكذا أمر الله رسوله أن يعلنها ليتبعه أتباعه والمؤمنون به، إِنَّ صَلاتِي [الأنعام:162]، ويدخل فيها كل العبادات، وَنُسُكِي [الأنعام:162] كذلك، وإن كان المراد به الذبح لله، فكل العبادات نسك؛ لأنها تطهر النفس وتزكيها، وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي [الأنعام:162]، هل بقي شيء؟ لا، لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام:162].قال: وَهُوَ مُحْسِنٌ [النساء:125]، أتدرون ما الإحسان؟ هل الإحسان يعني التصدق على الفقراء والمساكين؟ اليهود والنصارى يتصدقون! إذاً ما هو الإحسان؟ الإحسان فسره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل: ما الإحسان يا رسول الله؟ فقال: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه )، فإن عجزت ولم تكن تراه فلتعلم أنه يراك، فهاتان مرتبتان، الأولى عليا والثانية دنيا، فإن عجزت عن الأولى فلا تفوتك الثانية، فإذا توضأت وكأنك تنظر إلى الله لينظر إلى وضوئك كيف يتم، ولما تكبر وتدخل في الصلاة صل كأنك تنظر إلى الله وأنت تصلي أمامه، فلا تستطيع أن تلتفت بعينك وأنت مع الله، ومن ثم تحسن أداء العبادة، ولا تغشها ولا تدخل فيها ما ليس منها، والذي يدخل العبادة وليس من هذا النوع فلن يستفيد شيئاً.( أن تعبد الله كأنك تراه )، لما يختبرك المعلم كيف يكون حالك ساعة الاختبار؟ تجتهد في أن تؤدي ذلك العمل على ما يحب هذا المختبر، وذلك خشية أن تخيب وتخسر، ولذلك لو عرفنا هذا وكنا من أهله ما نزلنا من علياء السماء إلى هذه الأرض.قال: وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [النساء:125]، أي: مائلة عن كل ألوان الباطل وصنوف الشرك والضلال إلى الحق المبين وهو عبادة الله وحده، وأخيراً: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء:125]، وما دام الله قد جعله خليلاً له إذاً فملته من أكمل الملل وأعظمها؛ لأن الله اتخذ صاحب هذه الملة خليلاً له.
إخبار الله سبحانه عن سعة ملكه وعلمه وقدرته
ثم قال تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [النساء:126]، لا تفهموا أن الله محتاج إلى إبراهيم، فلهذا صاحبه وأحبه واتخذه خليلاً! والخليل من تخلل حبه قلب المحبوب، فإبراهيم تخلل حبه قلبه، والدليل على أن الله ما اتخذ إبراهيم خليلاً لحاجته إليه وافتقاره إليه: أن له ما في السموات وما في الأرض، والذي يملك ما في السموات والأرض يزاحمك على غرفة أو على سيارة؟! وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا [النساء:126]، احتراس من أن يقال: إذاً الله في حاجة إلى إبراهيم، فقد اتخذه خليلاً له ليعينه أو يساعده، فهذا الكلام باطل؛ لأن الله ليس بعاجز وليس بمحتاج أو فقير، بدليل أن له ما في السموات وما في الأرض، وهو بكل شيء محيط؛ لعظم ذاته وقدرته.
قراءة في تفسير قوله تعالى: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب ...) وما بعدها من كتاب أيسر التفاسير
والآن بعدما درسنا هذه الآيات فهيا نسمعها من التفسير؛ ليتأكد علمنا الذي علمناه بإذن الله تعالى.
معنى الآيات
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ روي أن هذه الآية: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123] نزلت لما تلاحى مسلم ويهودي وتفاخرا ] والملاحاة: كلمة من هذا وكلمة من هذا، قال: [ فزعم اليهودي أن نبيهم وكتابهم ودينهم وجد قبل كتاب ونبي المسلمين ودينهم فهم أفضل، ورد عليه المسلم بما هو الحق، فحكم الله تعالى بينهما ]، أي: اختصما فحكم الله بينهما، [ بقوله: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]، أيها المسلمون، وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ]، وإنما مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123].قال: [ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123] من يهود ونصارى، أي: ليس الأمر والشأن بالأماني العذاب، وإنما الأمر والشأن في هذه القضية ] هو [ أنه سنة الله تعالى في تأثير الكسب الإرادي على النفس بالتزكية أو التدسية، فمن عمل سوءاً من الشرك والمعاصي، كمن عمل صالحاً من التوحيد والطاعات يجز بحسبه، فالسوء يخبث النفس فيحرمها من مجاورة الأبرار، والتوحيد والعمل الصالح يزكيها فيؤهلها لمجاورة الأبرار ويبعدها عن مجاورة الفجار ]. مرة أخرى، قال: [ وإنما الأمر والشأن في هذه القضية أنه سنة الله تعالى في تأثير الكسب الإرادي ]، ما معنى الكسب الإرادي؟ أن تعمل العمل وأنت واع لست بسكران ولا مجنون ولا نائم، أما الخطأ والنسيان والنوم والجنون فلا يؤاخذ به الإنسان إن عمل عملاً، فالكسب الإرادي هو الذي يسلب إرادتك.قال: [ في تأثير الكسب الإرادي على النفس ] بماذا؟ [ بالتزكية أو التدسية ] فإذا كانت الكلمة طيبة أنتجت حسنة، وإن كانت الكلمة خبيثة أنتجت سيئة، وكذلك كل حركة يعملها الإنسان.قال: [ فمن عمل سوءاً من الشرك والمعاصي، كمن عمل صالحاً من التوحيد والطاعات يجز بحسبه ] أي: بحسب عمله، [ فالسوء يخبث النفس فيحرمها من مجاورة الأبرار ] في الدار الآخرة، [ والتوحيد والعمل الصالح يزكيها فيؤهلها ] ويعدها [ لمجاورة الأبرار، ويبعدها ] في نفس الوقت [ عن مجاورة الفجار ] والكفار.قال: [ وقوله تعالى: وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123]؛ لأن سنن الله كأحكامه لا يقدر أحد على تغييرها أو تبديلها، بل تمضي كما هي، فلا ينفع صاحب السوء أحد، ولا يضر صاحب الحسنات أحد. فقوله تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا [النساء:124]، فإنه تقرير لسنته تعالى في تأثير الكسب ]، أي: العمل [ على النفس والجزاء بحسب حال النفس زكاة وطهراً وتدسية وخبثاً، فإنه من يعمل الصالحات وهو مؤمن تطهر نفسه ذكراً كان أو أنثى، ويتأهل بذلك لدخول الجنة، ولا يظلم مقدار نقير فضلاً عما هو أكثر وأكبر. وقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء:125]، إشادة منه تعالى وتفضيل للدين الإسلامي على سائر الأديان؛ إذ هو قائم على أساس إسلام الوجه لله، وكل الجوارح تابعة له تدور في فلك طاعة الله تعالى مع الإحسان الكامل، وهو إتقان العبادة وأداؤها على نحو ما شرعها الله تعالى، واتباع ملة إبراهيم بعبادة الله تعالى وحده والكفر بما سواه من سائر الآلهة.وقوله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء:125]، فيه زيادة تقرير فضل الإسلام الذي هو دين إبراهيم الذي اتخذه ربه خليلاً.وقوله تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا [النساء:126]، زيادة على أنه إخبار بسعة ملك الله تعالى وسعة علمه وقدرته وفضله؛ فإنه رفعٌ لما قد يتوهم من خلة إبراهيم أن الله تعالى مفتقر إلى إبراهيم أو أنه في حاجة إليه، فأخبر تعالى أن له ما في السموات والأرض خلقاً وملكاً، وإبراهيم في جملة ذلك، فكيف يفتقر إليه أو يحتاج إلى مثله وهو رب كل شيء ومليكه؟! ].
لطيفة
لطيفة: فاز إبراهيم عليه السلام بالخلة، فهل هناك خليل للرحمن سوى إبراهيم؟ نعم وهو رسولنا صلى الله عليه وسلم. قال: [ وقد شرُف بالخلة محمد صلى الله عليه وسلم ]، والخلة هي الحب الذي يتخلل القلب ويسري في كل أجزائه.قال: [ وقد شرف بالخلة محمد صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين ] أي: البخاري ومسلم، [ أنه صلى الله عليه وسلم خطبهم آخر خطبة ] أي: خطب المؤمنين آخر خطبة في حياته، [ فقال: ( أما بعد: أيها الناس! فلو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله ) ]. أتعرفون أبا بكر ؟ ملايين من إخوانكم المسلمين يكفرونه ويبغضونه ويلعنونه، ويتقربون بذلك إلى الله! فأي عمى أكثر من هذا العمى؟! وأي موتٍ أعظم من هذا الموت؟! ولا يسألون ولا يفكرون بعقولهم، إذ إن أبا بكر هو صاحب رسول الله في الغار، والشاهد عندنا هو الجهل الذي غطى هذه الأمة وعماها وأضلها.
هداية الآيات
والآن مع هداية هذه الآيات الأربع، قال المؤلف: [ من هداية الآيات: أولاً: ما عند الله لا ينال بالتمني ولكن بالإيمان والعمل الصالح أو التقوى والصبر والإحسان ]، وأخذنا هذا من قول الله تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]. قال: [ من هداية الآيات: أولاً: ما عند الله ]، أي: من النصر والفوز، ومن النعيم المقيم في الجنة، [ لا ينال بالتمني، ولكن بالإيمان والعمل الصالح ]، وإن شئت فقل: [ أو التقوى والصبر والإحسان]، وأخذناها هذا من قوله تعالى: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [النساء:123]، بل مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123]. قال: [ ثانياً: الجزاء أثر طبيعي للعمل ]، فلو تأخذ إبرة وتغرزها في لحمك فإنك تتأذى، ولو تشرب سماً فإنك تهلك، ولو تقوم الآن وتسب أحد الإخوان فإنه سيرد عليك، إذاً فالجزاء أثر طبيعي لا يتخلف أبداً، [ وهو معنى: مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [النساء:123-124].ثالثاً: فضل الإسلام على سائر الأديان ]، وأخذنا هذا من قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [النساء:125]، فمن يسلم وجهه لله سوى المسلم؟ المسلم الذي يعطي قلبه ووجهه لله، وكل حياته وقف على الله عز وجل حتى يموت، وفي نفس الوقت هو موحد لا يلتفت إلى غير الله، ولا يعرف من يدعوه أو يناديه أو يستغيث به غير الله، فهو على ملة إبراهيم عليه السلام.قال: [ رابعاً: شرف إبراهيم عليه السلام باتخاذه ربه خليلاً ]، وسبب اتخاذ ربه له خليلاً أنه أول من هاجر في سبيل الله، فترك دياره وأهله وأولاده وأمواله، وذلك لما حُكِم عليه بالإعدام فنجاه الله وسلمه، وقال: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات:99-100]، وترك أرض بابل والعراق واتجه غرباً حتى وصل إلى مصر، وهذه واحدة، والثانية: أنه امتحن بأن يبني لله بيتاً في جبال فاران، وأعظم من هذه أن الله ابتلاه بأن يذبح ولده، فهل تردد إبراهيم؟ لا والله، بل أخذت هاجر إسماعيل وطيبته وألبسته أحسن الثياب، ثم أتى به إبراهيم إلى منى وتله على جبينه على الأرض والمدية في يده وأراد ذبحه؛ لأن الله أمره بذلك. قال: [ خامساً: غنى الله تعالى عن سائر مخلوقاته، وافتقار سائر مخلوقاته إليه عز وجل ]، وأخذنا هذا من قول الله تعالى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا [النساء:126]، والله تعالى أسأل أن يرد إخواننا وأمتنا إلى كتاب الله عز وجل، فيجتمعون عليه في مساجدهم ويتعلمون الكتاب والحكمة، فتنتهي المذهبية والفرقة والعنتريات وأوضار الحياة وأوساخها؛ إذ والله لا نجاة إلا بهذا، إما أن نعود إلى كتاب الله وسنة رسوله بصدق، فإذا أذن المغرب لن تجد رجلاً في الأسواق ولا في الشوارع ولا في البيوت، إذ كل المؤمنين في بيت ربهم، وطول العمر وهم كذلك، فهل يبقى جاهل؟ لا والله، بل إذا انتفى الجهل لا يبقى الظلم والشر والخبث، ولا حيلة إلا هذه، ولنذكر أن الشيوعية لما بدأت كانت تلزم المواطنين بأن يجتمعوا حتى في الصحراء ليتلقوا معارف البلشفية الحمراء، حتى في عدن فعلوا بهم هذا، ونحن يؤذن المؤذن لصلاة فتجد هذا يغني، وهذا يلعب، وهذا يرقص، إذاً فكيف نرجع إلى الله؟ مستحيل بدون علم، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، ومن شك فلينظر أعلمنا في أي قرية أتقانا لله عز وجل والله العظيم، وأجهلنا بالله أخبثنا، أتريد بياناً أعظم من هذا؟فهيا نعود على الله تعالى، ما نستطيع، لم؟ مقيدون مكبلون؟! لا والله، وإنما شهواتنا وأطماعنا وشياطيننا، وإلا فالأصل أنه إذا دقت الساعة السادسة توضأ واحمل زوجتك وأولادك إلى المسجد القريب منك، وصلوا المغرب واجلسوا جلوسنا هذا لتتعلموا الكتاب والحكمة، وعند ذلك لا يبقى جاهل أو ظالم، وهذا هو الطريق، فاللهم اهد هذه الأمة إليه.وصلى الله على سيدنا محمد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #556  
قديم 09-05-2021, 03:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (68)
الحلقة (291)

تفسير سورة النساء (71)


كان العرف السائد عند العرب في الجاهلية منع الميراث عن المرأة والطفل، وعدم مراعاة حق اليتيم، فجاء الإسلام مقرراً حق المرأة والطفل في الإرث، وحض على المحافظة على مال اليتيم، وأنزل الله آيات تتلى بهذا الشأن من أول النساء، ولا زالت تساؤلات بعض الصحابة حول هذا الشأن قائمة، فأنزل الله مرة أخرة الآيات المتعلقة بهذا الأمر قطعاً للتساؤلات، وتأكيداً على هذه الحقوق.
فضل طلب العلم وأهميته لتزكية النفس
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فحقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك.وما زلنا مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، ومعنا أربع آيات لو كنا صادقين في الطلب والحصول على العلم فلا نتجاوزها حتى نحفظها عن ظهر قلب، ونفهمها فهماً صحيحاً سليماً، ووطنا النفس على أن نعمل بها عملاً صحيحاً سليماً، ولكن للأسف أننا هبطنا، فمن قرون كنا في علياء السماء نقود البشرية ونسودها، لكن احتالوا علينا فهبطنا، فإذا قرأنا لا نفهم، وإذا سمعنا لا نحفظ، وإذا علمنا لا نعمل إلا من رحم الله.فهيا نجرب أنفسنا في هذه الآيات الأربع، فنتناول كل ليلة آية منها، ونجدُّ في حفظها وفهمها، لا سيما الذين ما حفظوا من القرآن شيئاً كالعوام، والعجب أنهم يسمعون كلام الناس فيحكونه كما سمعوه، وتتعدد الأحاديث بينهم فيرددونها، ويسمع أحدهم آية تكرر أربعين مرة ما يحفظها! ففسروا لنا هذه الظاهرة يا علماء النفس! يا علماء الاجتماع!فهذه أم الفضل رضي الله تعالى عنها أم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما تقول: ( صليت المغرب وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ بالمرسلات فحفظتها )، فائتني بمرأة أو رجل من عوام المسلمين يسمع المرسلات عشرة أيام، والله ما يحفظها، كيف هذا؟! لأنهم كانوا طالعين ونحن هابطون، والآن قد عرفنا جيلاً عايشناه يسمع أغنية لعاهرة أو ماجن في الإذاعة أو في التلفاز فيحفظها بألفاظها ولهجتها، وإن شئتم حلفت لكم، فما هو السر؟ أولئك كانوا طالعين ونحن هابطون، وكلمة الحق والخير ما نحفظها ولا نُعنى بها! وكلمة الشر والطعن والسب تحفظ بصورة جيدة ونحكيها ونعيدها!مرة أخرى: كيف الخروج من هذه الظلمة التي وقعت فيها أمة النور؟ والجواب وليس سواه من جواب: أن نعود كما بدأ رسول الله وأصحابه، فقد قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ [الجمعة:2]، أي: العوام، رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [الجمعة:2]، فأهل القرية من قرانا المنتسبة إلى الإسلام يتعاهدون أنه إذا دقت الساعة السادسة مساءً وقف العمل، فيا فلاح! الق بالمسحاة من يدك وتوضأ وتعال إلى المسجد، ويا تاجر! أغلق باب تجارتك، ويا صانع! ارم الحديد من يدك، ويا أم فلان! اتركي ما في يدك، فيؤذن للمغرب وأهل القرية كلهم في المسجد، رجالاً ونساء وأطفالاً، فيصلون المغرب كما صلينا، ويجلسون جلوسنا هذا، فالنساء وراء الستار تحفظهن وتسترهن، والبنون الأطفال كالملائكة صفوف، والفحول كما أنتم، والمعلم والمربي أمامهم، فليلة يتعلمون آية ويتغنون بها ويحفظونها، وتشرح لهم وتفسر لهم، ويتذوقونها وتملأ قلوبهم نوراً ومعرفة، وفي اليوم الثاني سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغنون بها ويحفظونها ويبين لهم المراد منها، والكل عزم وتصميم على أن يعمل بما علم، وهكذا يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، وعاماً بعد يوم، فتصبح تلك القرية كالملائكة، ولاختفى كل مظاهر الشر والخبث والفساد، وحل محل ذلك الإخاء والمودة والطهر والصفاء، وكأنهم أسرة واحدة.وأهل المدن ذات المناطق المتعددة، وأهل كل حي ومنطقة يوسعون جامعهم حتى يتسع لهم، ثم يلتزمون بهذه الرجعة الصادقة إلى منهج أبي القاسم صلى الله عليه وسلم، فإذا دقت الساعة السادسة وقف العمل، فتطهر الرجال والنساء وأقبلوا على بيت ربهم ليتعلموا الكتاب والحكمة، وأقسم بالله الذي لا إله غيره لتختفي مظاهر الخيانة والغش والشح والكبر والكذب والباطل، وتصبح تلك البلاد كأنهم أيام الحبيب صلى الله عليه وسلم، ولم يبق مظهراً من مظاهر الشح ولا البخل ولا الشحاذة ولا التعاسة ولا السرقة، بل كل هذا ينتهي؛ لأنهم بعد عام أو عامين يصبحون علماء، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، ومن أراد البرهنة فلينظر في عالمهم في قريته أو مدينته، أليس هو أتقاهم لله؟ والله لأتقاهم لله، وأقسم بالله على ذلك، والسر والسبب هو العلم، أي: عرفوا ربهم فأحبوه وخافوه، أما أن نعيش في ظلمة الجهل ونريد أن نكمل ونسعد ونسود فمستحيل هذا.لكن قد يقول القائل -وقالوها حتى في الحلقة-: ما هذا التأخر؟! أيريدون منا أن نعود من جديد إلى كذا فنترك العمل ونأتي كلنا للمسجد؟! فقلنا لهم: إن أئمتكم وهداتكم الذين اتبعتموهم وقلدتموهم ومشيتم وراءهم من اليهود والنصارى إذا دقت الساعة السادسة وقف العمل، فهيا نمشي إلى باريس عاصمة الكفر، أو إلى لندن، أو إلى برلين، أو إلى مكان شئت من بلاد الكفر، إذا دقت الساعة السادسة وقف العمل وذهبوا إلى المراقص والملاهي والملاعب والعبث حتى نصف الليل، ونحن لا نذهب إلى بيوت ربنا! مسحورون أم عميان أم ماذا أصابنا؟! ولذلك لن ترتفع مظاهر الظلم والخبث والشر والفساد، بل والشرك والبدع والضلالات والهلاك إلا إذا سلكنا مسلك رسول الله وأصحابه.وهذا طبيب عظام وقلب يجلس معنا يقول: ما إن رجعنا إلى هذه الحلقة حتى طبنا وطهرنا! إي نعم، إذ كيف تسمع عن الله وتعيش عاماً أو عامين أو ثلاثة ويبقى ظلمة في نفسك؟ مستحيل، فالماء والصابون يطهران الأبدان، والحكمة والكتاب تطهران القلوب والأرواح، فكل الجرائم والموبقات والشر والفساد هي نتيجة الجهل وظلمته، ولا لوم على ذلك.
تفسير قوله تعالى: (ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن ...)
فهيا بنا نتغنى بهذه الآية الأولى من الأربع، وتلاوتها بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا [النساء:127]. وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ [النساء:127]، أي: يطلبون الفتيا في شأنهن، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ [النساء:127]، أي: قل يا رسول الله: الله يفتيكم فيهن.وهذه الآية الكريمة نزل بيانها في أول السورة، وبقي بعض المستضعفين أو بعض ضعفاء الإيمان يترددون، إذ ما أطاقوا التشريع المفاجئ الذي يقضي على عادات عاشوا عليها قروناً، فكانوا يستفتون من جديد، أي: يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبر تعالى الرسول فقال له: وَيَسْتَفْتُونَكَ [النساء:127]، أي: يطلبون الفتيا منك يا رسول الله، فقال الله له: قل لهم: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ [النساء:127]، أي: في النساء. وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ [النساء:127] أولاً، وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا [النساء:127]، يجزيكم به كاملاً وافياً.
أمر الله لأوصياء اليتامى أن يعطوا اليتامى أموالهم إذا بلغوا سن الرشد
نعود إلى الآيات التي أحالهم الله تعالى عليها، وقد تقدمت في أول السورة، فقال تعالى: وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ [النساء:2]، أي: أعطوا اليتامى أموالهم يا أولياء، وهذا أمر من الله تعالى؛ لأنهم ما كانوا يعتبرون اليتيم أهلاً للمال، وإنما اليتيم يأكل ويشرب حتى يكبر وهم مسئولون عنه، ولا يعترفون بإرث لليتيم أبداً، وقد عاشوا على هذا قروناً كثيرة، فجاء القرآن يبطل الجاهلية ويوجد العدل والإسلام.

نهي الله لأوصياء اليتامى أن يستبدلوا أموال اليتامى الجيدة بأموالهم الرديئة

وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2]، وهذا قد عرفناه فينا لما جهلنا، وذلك أن الولي أو الوصي كان يأخذ مال اليتيم الجيد وينسب إليه الرديء، فمثلاً: الشاة السمينة لليتيم يذبحها الولي له ويترك لليتيم الشاة الهزيلة الضعيفة! وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2]، أي: تعطوا اليتامى الرديء من الغنم والإبل والتمر، بل ومن كل الأموال المتنوعة، وتأخذوا أنتم الجيد بحجة أن اليتيم ما له قيمة، أو ليس له حاجة إلى ذلك، فأبطل الله تعالى هذا نهائياً. وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء:2]، فمال اليتيم طيب يبقى له، ومالكم خبيث يبقى لكم، أما أن تستبدلوا الطيب بالخبيث فلا، وأما كونهم يعطون الطيب لليتيم ويأخذون الخبيث فهذا مستحيل، إذ ما يخطر هذا ببالهم، وإنما الذي يعملونه أنهم يأكلون الطيب من مال اليتيم ويستبدلونه بغير الجيد.
نهي الله لأوصياء اليتامى أن يخلطوا أموالهم بأموال اليتامى فيأكلوها جميعاً
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ [النساء:2]، فيخلطونها مع أموالهم ويأكلونها. وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ [النساء:2]، أي: افصلوا بين مالكم وبين مال اليتامى؛ لأن هذا الخلط يسهل عليهم أن يأكلوا أموال اليتامى، وبالتالي فلا بد من فصل المال.ثم قال تعالى: إِنَّهُ [النساء:2]، أي: هذا الخلط وهذا الأكل، كَانَ حُوبًا [النساء:2]، والحوب هو الإثم العظيم، وهي كلمة أفظع من كلمة: إثم وذنب.
إرشاد الله لأولياء اليتامى إلى ترك الزواج منهن وطلب ما طاب من النساء من غيرهن
ثم قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:3]، أي: يكون عند الرجل يتيمة دميمة ما يرغب فيها، ولكن مالها كثير، فيرغب أن يتزوجها ليأكل مالها، فأمره الله تعالى أن يزوجها غيره وأن يعطيها مالها، وله أن ينكح ما طاب ولذ من النساء، سواء اثنتين أو ثلاث أو أربع، أما أن يحتكر هذه المرأة لمالها فلا يتزوجها ولا يحسن إليها، وذلك لأجل أنها ذات مال، فهذا لا يصلح من المسلم ولا ينبغي أن يكون بعد اليوم، فقد أبطل الله تلك العادة أو ذلك الخلق السيئ. وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا [النساء:3]، والقسط والإقساط هو العدل، يقال: أقسط يقسط إذا عدل، وقسط ويقسط إذا جار وظلم، وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ [النساء:3]، كما تيسر لكم، واتركوا هذه المؤمنة الدميمة ومالها. وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ [النساء:127]، وقد قلنا: إن اليتيمة الدميمة ذات المال لا يزوجها لغيره، وإنما يتزوجها لأجل مالها، فيسيء إليها ولا يحبها ولا يعطيها حقها، إذاً فما هو الإرشاد الصحيح؟ أن يزوجها غيره ويعطيها مالها. فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ [النساء:127]، وشيء آخر وهو أن تكون عنده اليتيمة وما عندها مال فيحرمها من المهر، فبدل أن يعطيها مهر المثل يعطيها شيئاً تافهاً، ويقول لها: أنتِ ابنتي، أنت من عائلتي، لم نعطيك الخمسين والستين ألفاً؟! لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ [النساء:127]، أي: من المهور وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127].وهذا كله تقدم في أول السورة، وما زالت الاستفهامات، فهم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم فأجابه الله فقال: قل لهم يارسولنا: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ [النساء:127]، أي: القرآن فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ [النساء:127]، أي: من المهور وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ [النساء:127]، والمستضعفون من الولدان هم اليتامى الذين لا حق لهم في هذا المال، فالوصي أو الولي هو الذي يتصرف فيه، فينفق كما شاء، والولد لما يكبر يأخذ ماله، والمهم أنهم كانوا لا يحترمون أموال اليتامى، ولا يعرفون حظاً لها أبداً عند الله، فجاء القرآن الكريم فبين لهم الطريق، وهو أن المستضعفين من الولدان يجب أن ترعى أموالهم وتحفظ وتنمى، ولا يؤكل منها إلا بقدر الحاجة كما قال تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا [النساء:5]، والسفهاء هم الأطفال الصغار والنساء وفاقدي العقل والحصافة العقلية، فهؤلاء عيال الله يجب أن تحافظوا على أموالهم.
المال عصب الحياة فلا يعطى إلا لمن يحسن التصرف فيه
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5]، وذلك كأن يكون عندك يتيم لا يعرف أن يبيع ويشتري، فلا يصح أن تعطيه المال، وإنما احجر عليه، وكذلك أخوك -وإن كان أكبر منك سناً- إن كان لا يحسن التصرف بالمال، وإنما يبذره ويفسده، فلا يحل لك أن تعطيه هذا المال، وأيضاً زوجتك -والمرأة أضعف في هذا الباب- إن كانت لا تحسن التصرف في المال، فلا يجوز لك أن تعطيها هذا المال، فهؤلاء هم السفهاء الذين لا يحسنون التصرف في المال لا بالبيع ولا بالشراء ولا بالأخذ ولا بالعطاء، وبالتالي فلا تعطوهم أموالكم. الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5]، أي: حياتكم قائمة على المال، أما يقولون: المال قوام الأعمال؟ فإذا كان هناك امرأة أو ولد أو رجل وكان سفيهاً ليس بحكيم ولا عاقل، فلا تعطوهم أموالهم، وإنما تصرفوا أنتم فيها ونموها لهم واحفظوها. ثم بعد ذلك وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، أي: إذا بلغ اليتيم الثامنة عشرة أو بلغ سن البلوغ فامتحنه أولاً، كأن تعطيه ألفاً ليشتري لكم ما تحتاجون إليه من الأطعمة، أو أعطه شاة ليبيعها في السوق، وانظر كيف يتصرف؟ وهل يجيد الشراء والبيع أم لا؟ فإذا ابتليته وامتحنته واختبرته ونجح فأعطه ماله، أما ما دام سفيهاً فلا يحل لك أن تعطيه المال، وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6]، أي: أن بعض الأوصياء على مال اليتيم يكثر من النفقة والأكل والشرب من مال اليتيم قبل أن يكبر اليتيم، وذلك خشية أن يكبر ويتسلم ماله، وهذه طباع بعض البشر، فإذا لم يهذب الإنسان نفسه ويؤدبها ويصلحها فهذه هي حقائقها. وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا [النساء:6]، فبدل أن يذبح شاة يذبح شاتين، وبدل أن يأتي بقنطار من الدقيق يأتي بقنطارين، وَبِدَارًا [النساء:6]، أي: مبادرة، أَنْ يَكْبَرُوا [النساء:6]، أي: مخافة أن يكبروا، وهكذا في اليتامى قال تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]، فما ترك الله شيئاً تتعلق بحياة المؤمنين إلا بينه في كتابه وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته، وإنما جهل الناس القرآن فما قرءوه.ومع هذا وبعد الذي سمعتموه في أول السورة قال تعالى يخاطب حبيبه صلى الله عليه وسلم: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ [النساء:127]، ما لهن وما عليهن قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ [النساء:127]، وقد أفتاكم في الآيات السابقة وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ [النساء:127]، وقد بينه تعالى اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ [النساء:127]، أي: اليتامى والسفهاء وإن كانوا أولادك، وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ [النساء:127]، قل أو كثر، فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيمًا [النساء:127]، فيجزي به لعلمه به، فأدبهم وعلمهم طرق الخير ودعاهم إليها، وواعدهم بالجزاء الأوفى، فهذا هو الله رب العالمين.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #557  
قديم 09-05-2021, 03:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

قراءة في كتاب أيسر التفاسير
فهيا نسمع هذه الآية من التفسير لنتأكد من صحة ما علمنا.
معنى الآيات
قال المؤلف: [ معنى الآيات: هذه الآيات الأربع ]، ونحن قد قرأنا منها آية فقط، [ كل آية منها تحمل حكماً شرعياً خاصاً ]، يجب على المؤمنين أن يعرفوه وأن يطبقوه.قال: [ فالأولى: نزلت ]، أي: هذه الآية، [ إجابة لتساؤلات من بعض الأصحاب ] أي: هذه الآية نزلت استجابة الله لعباده المؤمنين لما أخذوا يتساءلون، فأنزلها الله ليبين لهم حكمه فيما هم شاكين فيه أو مترددين.قال: [ نزلت إجابة لتساؤلات من بعض الأصحاب ]، أي: أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، [ حول حقوق النساء ما لهن ]، أي: من حقوق، [ وما عليهن ]، أي: من حقوق، [ لأن العرف-المعتاد-الذي كان سائداً في الجاهلية كان يمنع النساء والأطفال من الميراث بالمرة ]، إذ ماذا تصنع المرأة بالمال؟ فهي زوجة والزوج ينفق عليها! وكذلك الأولاد الصغار لا يدفعون عن الحي ولا يقاتلون عدواً، وبالتالي فلا حاجة لهم إلى المال! إذاً فأطعموهم واسقوهم واكسوهم، فهذا هو العرف في الجاهلية.قال: [ لأن العرف الذي كان سائداً في الجاهلية كان يمنع النساء والأطفال ] من ماذا؟ قال: [ من الميراث بالمرة، وكان اليتامى لا يراعى لهم جانب ولا يحفظ لهم حق ]؛ لأنهم صغار ما يدافعون ولا يكسبون، [ فلذا نزلت الآيات الأولى من هذه السورة ] التي تدارسناها، [ وقررت حق المرأة والطفل في الإرث، وحضت على المحافظة على مال اليتيم، وكثرت التساؤلات لعل قرآناً ينزل إجابة لهم، حيث اضطربت نفوسهم لما نزل ] في أول السورة.قال: [ فنزلت هذه الآية الكريمة تردهم إلى ما في أول السورة ]، وارجعوا إلى أول السورة، [ وأنه الحكم النهائي في القضية، فلا مراجعة بعد هذه ] والحكم الموجود هناك في أول السورة هو الحكم النهائي، فليس هناك تردد.قال: [ فلا مراجعة بعد هذه، فقال تعالى وهو يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ [النساء:127]، أي: وما زالوا يستفتونك في النساء ]، لماذا قال: وَيَسْتَفْتُونَكَ [النساء:127] بصيغة المضارع؟ والجواب: جاء بصيغة المضارع ليشير إلى أن السؤال يتجدد، [ وما زالوا يستفتونك في النساء، أي: في شأن ما لهن وما عليهن من حقوق، كالإرث والمهر وما إلى ذلك، قل لهم أيها الرسول: اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ [النساء:127] ] واسترح أنت يا رسولنا، [ وقد أفتاكم فيهن وبين لكم ما لهن وما عليهن ]، فلمَ هذا التردد وهذا الشك؟قال: [ وقوله تعالى: وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127] ] أي: لا تعطونهن ما كتب لهن من واجب، وترغبون أن تنكحوهن، أي: تتزوجوا بهن.قال: [ وقوله تعالى: وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ [النساء:127]، أي: وما يتلى عليكم في يتامى النساء في أول السورة شافٍ لكم لا تحتاجون معه إلى من يفتيكم أيضاً؛ إذ بين لكم أن من كانت تحته يتيمة دميمة-غير جميلة-لا يرغب في نكاحها فليعطها مالها وليزوجها غيره وليتزوج هو من شاء ] من النساء، [ ولا يحل له أن يحبسها في بيته لأجل مالها ] فلا يتزوجها ولا يزوجها، ويبقى كلما جاء من يخطبها يرد عليه: ما هي مستعدة للزواج! أو أن هذا الزوج غير صالح!... اتق الله، ومشى خطوتين ثم عاد إليك فقال: ما هي أوامر الله؟ إذاً تعال ابق معنا شهراً أو شهرين حتى تعرف أوامر الله، ثم بعد أن عرف أوامر الله، قال: وما هي نواهي الله؟ فيقال له: اجلس معنا أيضاً وسنعلمك نواهي الله، فالخمر والزنا والربا والكذب والغش والخداع والكبر والعجب والشرك وغيرها من نواهي الله عز وجل، وعند ذلك تستطيع أن تتقي الله، أما ترون في أمة الإسلام من ألف سنة هل تحققت لها ولاية الله؟ لأفراد فقط، والسبب في ذلك أنهم ما عرفوا الله ولا عرفوا ما يحب ولا ما يكره.وأخيراً: هل نحن مستعدون لأن نطلب العلم من هذه الليلة؟ يا إخواننا! إذا دقت الساعة السادسة مساء فأغلق الدكان، سواء كنت حلاقاً أو قصاراً، يا صاحب المقهى! أغلقها وتوضأ وائت إلى مسجد حيك أو قريتك، فتجلس أنت وكل أهل الحي والقرية كجلوسنا هذا، وتأخذون تتعلمون الكتاب والحكمة، وبعد أن صليتم العشاء امش إلى دكانك وإلى مقهاك إن شئت، أما هذه الساعة فلا بد من أن نطلب العلم فيها، ووالله لا نجاة من هذه المحنة ومما يتوقع لهذه الأمة إلا إذا عادت إلى هذا الطريق، فتتخلى عن الكبر والعجب والدعوى الباطلة وحب المال، وتعكف في بيوت ربها بين يدي علمائها تتلقى الكتاب والحكمة.إذاً: وصانا ربنا فهيا فلننفذ وصية ربنا، فالذين يعرفون أوامر الله ونواهيه يتقونه، والذين ما يعرفون أوامر الله ولا نواهيه يجب عليهم أولاً أن يعرفوه.
تفسير قوله تعالى: (ولله ما في السموات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ...)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا [النساء:131]. وَإِنْ تَكْفُرُوا [النساء:131]، أي: وإن جحدتم الله ولم تتقوه، فماذا يحصل؟ قال: فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [النساء:131]، أي: أنه ليس في حاجة إليكم، فهو غنى عنكم، فلا يحتاج إلى عبادتكم ولا طاعتكم، إذ ما شرعها إلا من أجلكم فقط. وَكَانَ اللَّهُ [النساء:131] وما زال، غَنِيًّا [النساء:131]، عن كل ما سواه، حَمِيدًا [النساء:131]، أي: محموداً في الأرض والسماء، إذ كل الكون يحمده، فأنت لما تنظر في أي آلة تقول: إن الذي صنعها عليم، فحمدته وتشكره، فانظر إلى أي شيء في هذا الكون فتقول: إن خالقه عظيم، وهو الغني الحميد.
تفسير قوله تعالى: (ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا [النساء:132]. وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [النساء:132]، معشر المستمعين! عرفتم أن لله ما في السموات وما في الأرض، وموقنون ومؤمنون بهذا؟ إذاً عليكم ألا تتزلفوا ولا تتملقوا ولا تذلوا ولا تهونوا إلا له هو سبحانه، بل لا ترجوا ولا تطمعوا ولا ترغبوا ولا تسألوا ولا ترفعوا أيديكم ولا تطلبوا شيئاً أبداً إلا من الله، إذ ليس هناك من يملك شيئاً إلا الله، وفهمك واعتقادك أن لله ما في السموات وما في الأرض يصرفك عن الخلق كلهم صرفاً كاملاً، ويربطك بالله ارتباطاً وثيقاً، فلا تبرح أن تسأل وتتضرع إليه في كل حاجاتك؛ لأنه هو الذي له ما في السموات وما في الأرض، ولو عرف إخوانكم هذا فهل سيبيعون الخمر من أجل القوت؟ وهل سيتعاطون الربا من أجل المال؟ وهل سيسبون أو يشتمون العلماء من أجل الوظيفة؟ لا والله، لكنهم ما عرفوا ذلك، إذ لو عرفه كما عرفنا والله ما أصبح قلبه يتقلب إلا في الله، فهو الذي يغنيه، وهو الذي يرزقه، وهو الذي يشفيه، وهو الذي يعزه، وهو الذي يعطيه، وهو الذي يميته، وهو الذي يحييه، إذ الله مالك ما في السموات وما في الأرض، وما بقي سيدي عبد الرحمن ولا عبد القادر ولا رسول الله ولا خديجة ولا فاطمة ولا الحسين ولا البدوي؛ لأن هؤلاء لا يملكون شيئاً، بل والله ولا ذرة في الكون، إذاً فكيف تقبل عليهم بقلبك وتناديهم بلسانك: يا سيدي فلان! يا رجال البلاد!وعندنا مظاهر عجيبة ولا نلومهم؛ لأننا ما علمناهم، فهم جهلاء يعيشون في ظلمة الجهل، فمن علمهم؟ ومن عرفهم؟ ومن قرع أبوابهم وناداهم: أن احضروا بيوت الله لتتعلموا الكتاب والحكمة؟ لا أحد.ومن هذه المظاهر: تجد الرجل في يده المسبحة وهو يذكر الله بأعظم ذكر: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ولما تأخذه غفوة من النوم فتسقط المسبحة من يده فيقول: يا سيدي فلان! فهو يصرخ: لا إله إلا الله، لا معبود إلا الله، لا مغني ولا معطي ولا ضار ولا نافع إلا الله، ولما تسقط المسبحة من يده: يا سيدي فلان! فأين معنى لا إله إلا الله؟ إنه ما عرف الله، وآخر يكتب على السيارة: يا فاطمة، أو يا حسين، فلا إله إلا الله!فلا لوم عليهم لأننا ما علمناهم، وهم كذلك ما طلبوكم حتى تعلموهم، فقد أعرضوا وأدبروا وأكبوا على دنياهم وأوساخهم، إذاً فالورطة عامة لنا ولهم إلا من شاء الله.
تفسير قوله تعالى: (إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين ...)
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا [النساء:133]. إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ [النساء:133]، إي والله العظيم، أما أذهب عاداً وثمود؟ يا سكان الجزيرة أين عاد؟ في حضرموت وما حواليها إلى عدن والشحر، تلك الأرض كانت لأعظم دولة في الكون، واقرءوا: وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ [الفجر:1-2]، هل الله يحلف؟ إي والله، فهذه يمين وقسم، وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ [الفجر:1-5]، أي: لصاحب عقل، أما الذي لا عقل له كالبهيمة لا يفهم اليمين ولا القسم، وقال تعالى أيضاً: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * ارم ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:6-8]، فقد كان طول الرجل اثنين وثلاثين ذراعاً، فإذا كان طوله ثلاثين ذراعاً أو ستين ذراعاً فكم ستكون طول وعرض الغرفة؟! بل البيت كم سيكون طوله وعرضه؟! الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:8]، ومع ذلك فقد انتهت وأزالها الله وأبادها، وما زال التاريخ البشري إلى الآن عند الفلاحين يسمونها: قرة العجوز، والقَرة والقِرة بالعامية تعني: آخر يوم في الشتاء شديد البرودة، وذلك لأن عجوزاً من هذه الأمة دخلت في داخل جبل وظنت أنها نجت، ففي اليوم الثامن دخلت إليها الريح حتى أخرجتها وفلقت رأسها على باب الجحر، ثم رحل المؤمنون مع نبيهم هود صلى الله عليه وسلم وتركوا الديار ونجاهم الله بإيمانهم، فنزلوا بمدائن صالح، وهي إلى الآن موجودة وكأنك تشاهدها وتشاهد صناعاتهم وعجائبهم، فالجبال كانوا يتخذونها غرفاً وحجرات، وامش لتنظرها، لكن لا يسمح لك أن تمر بها وأنت تغني أو تضحك، والرسول قد قال: ( إذا مررتم بها فلا تضحكوا وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا )، ثم كثر عددهم وأصبحوا أمة عظيمة، فبعث الله فيهم رسوله صالحاً، فكفروا به وعقروا الناقة فأبادهم الله تعالى، فأين هم الآن؟!أما قوم لوط في غربهم، فالآن هناك بحيرة لوط موجودة عند الأردن وفلسطين تسمى بالبحر الميت، إذ تحولت البلاد إلى بحيرة، وحتى هذه البحيرة ليس فيها حوت ولا حيوان، جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا [هود:82].ونحن للأسف آثارنا الباطل فانتشر فينا الشرك والوثنيات والفجور، فمضت فترة ما بين قرية وقرية في بلاد المسلمين لا تجتازها إلا بعملة، بل والقرية الواحدة تجد فيها الثلاث الطرق والأربع الطرق!إذاً: انتظروا، فسلط الله علينا أعداءنا، وها هو تعالى قد نفعنا بدعوة الإسلام وعاد الاستقلال، وهانحن نضحك على الله، فأعرضنا عن ذكره وكتابه إعراضاً كاملاً، فلا إله إلا الله! فلو تنظر بعين القلب لقلت: لا إله إلا الله، إن يوماً عجباً سينزل بديار المسلمين، بل أعظم من محنة تسليط اليهود والنصارى علينا؛ لأننا نضحك على الله، فقلنا: تحررنا واستقللنا، والإسلام ليس تطبيق في بلاد المسلمين، بل إن أكثر البلاد بهذه الطريقة من انتشار الشر والخبث فيها. إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ [النساء:133]، إما أن يذهب قوتكم ووجودكم، أو يذهب أموالكم، أو يذهب ما عندكم من نعم أخرى. وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا [النساء:133]، و(قدير) أبلغ من قادر، وقد فعل، ولننظر ما حولنا وما بعدنا وما قبلنا.
تفسير قوله تعالى: (من كان يريد ثواب الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة ...)
مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:134]. مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134]، تريدون الدنيا؟ اعبدوا الله يعطيكم الدنيا والآخرة، فإذا كنتم صادقين تريدون الغنى والمال والراحة والسعادة فهذا موجود عند الله، فأطيعوه يتحقق لكم ويزيدكم الآخرة أيضاً، وما دمتم راغبين في الدنيا وتريدونها حتى أعرضتم عن الله وكتابه وذكره أُعلمكم بأن الله عز وجل عنده ثواب الدنيا والآخرة، فاطلبوا منه تعالى، فإن قيل: يا شيخ! وكيف نعبده؟ هذا كتابه وهذا رسوله وما قال: اعتقدوه بقلوبكم اعتقدناه، وافق عقولنا أو خالفها، أمرنا أن نقول قلنا، أمرنا أن نسكت سكتنا، أمرنا أن نعمل عملنا. مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا [النساء:134]، واسمع بعدها فقال: فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النساء:134]، أي: ليس فقط ثواب الدنيا عند الله، بل الآخرة أيضاً، والدنيا فانية وثوابها دنانير ودراهم وطعام، وينتهي كل ذلك بمرض أو بموت، لكن ثواب الآخرة وجزاؤها دائم.إذاً: أيها العاملون! أيها المتكالبون على الدنيا! ندلكم على أن الله عنده دنياكم بكاملها والآخرة أيضاً، إذاً فأطيعوا الله تحصلوا على السعادتين: الدنيا والآخرة، وهذا كلام الله سبحانه وتعالى. وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:134]، فكل الأصوات يسمعها الله تعالى حتى أصوات النمل، فقد سجل لنا القرآن خطبة النملة بالحرف الواحد، واقرءوا قوله تعالى من سورة النمل: قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18]، فقد كان سليمان يستعرض قواه العسكرية ليغزو ويفتح العالم ولينشر دين الإيمان والطهر والصفاء والعدل والرخاء، فاستعرض يوماً جيوشه والجيوش ماشية وإذا بنملة عند قرية من قراها ترفع صوتها فتقول: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18]، فلا إله إلا الله! ما أذكاها! ما أفطنها! ما أجل أدبها! حين قالت: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18]، أما لو كانوا يشعرون بكم ما يطئونكم ولا يقتلونكم، لكن وهم لا يشعرون، فاتخذوا لأنفسكم حماية ووقاية من ذلك، فادخلوا قصوركم ومساكنكم، فلما سمعها سليمان ضحك، قال تعالى مصوراً ذلك المشهد: فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل:19]، وهذا الذي ينبغي أن نقوله عندما كنا نستقل، استقلت البلاد الفلانية بريطانيا، واستقلت البلاد الفلانية عن فرنسا وإيطاليا، وكلما يستقل إقليم نقرأ هذه الآية، لكن كسر، دمر، هذا عميل يستحق العقاب! ما عرفوا الله ولا القرآن، فهذا سليمان عليه السلام سخر الله له الإنس والجن والطير وعلمه لغة الطير بكامله، لما حصلت له هذه النعمة قال: هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ [النمل:40]، ونحن استقللنا وأعرضنا عن الله وكتابه، بل وعذبنا أولياءه وسخرنا من دينه!وصل اللهم على نبينا محمد وآله وأصحابه وسلم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #558  
قديم 09-05-2021, 03:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (69)
الحلقة (292)

تفسير سورة النساء (72)


أمر الشهادة عظيم، فبها تؤخذ الحقوق، وتقام الحدود، وقد أمر الله عز وجل عباده المؤمنين بأداء الشهادة على وجهها ابتغاء وجه الله، فيشهد المؤمن حتى على نفسه أو والده أو ولده أو أخيه، ومتى ما دعي لأداء الشهادة فلا يعرض عنها، ولا يلوي بالكلام فيها حيث لا يفهم مقصوده منها، أو يفهم على وجه غير مراد أصلاً، لما في ذلك من الإضرار بالمتخاصمين أو أحدهما، وأكل الحقوق بين الناس بالباطل.
التفقه في الدين وطلب العلم سبيل السعادة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي وصلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، فأهنئكم بهذه الفضيلة العظيمة، وأزيدكم أخرى: قال الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )، وثالثة وهي: أن الملائكة تصلي عليكم فتقول: اللهم اغفر لهم، اللهم ارحمهم حتى تصلوا العشاء، فماذا تريدون بعد هذا؟! الحمد لله، الحمد لله.وما زلنا مع سورة النساء المباركة الميمونة المدنية، وهي التي نزلت بعد البقرة مباشرة، وهي سورة الأحكام الفقهية، ومعنا هذه الآيات الأربع، فهيا نتغنى بها أولاً ثم نأخذ في بيان مراد الله تعالى منها؛ لنعلم محابه فنعزم على إتيانها، ولنعلم مكارهه فنعزم على تركها والبعد عنها، إذ قد علمتم من قبل أنه لا يستطيع امرؤ رجل أو امرأة أن يتقي الله بدون أن يعلم محاب الله ومكارهه، ولهذا كان طلب العلم فريضة على كل مؤمن ومؤمنة، فنطلب الذي يحبه ربنا من الاعتقادات والنيات، من الأقوال والكلمات، من الأفعال والأعمال، من الصفات والذوات، حتى نعرفها ونتملق ونتزلف بها إليه، ونعرف ما يكره وما يسخط من قول أو اعتقاد أو صفة أو ذات؛ لنتجنب ذلك ونبتعد عنه ليبقى لنا ولايتنا بربنا، ولكن للأسف فقد صرفونا عن القرآن وأبعدونا عن السنة، وحالوا بيننا وبين أن نجتمع في بيوت الله، وأصبحنا نجتمع في المقاهي والملاهي ومجالس اللهو واللعب والعبث، والذين نجوا من هذا هم في الدكاكين مربوطين! فهم طول العام في الدكان، فلا يسأل عن الله ولا على ما عند الله، فلا إله إلا الله! ما الذي يمنعنا إذا دقت الساعة السادسة مساء أن نترك العمل ونلقي بآلاته ونتطهر ونتطيب ونأتي بنسائنا وأطفالنا إلى بيوت ربنا، فنستمطر رحماته، ونتلقى المعرفة عنه، ونعرف محابه ومساخطه؟ إن هذا هو الأصل في نظام حياتنا، ولذلك اليهود والنصارى والمشركون والشيوعيون وكل الكفار إذا دقت الساعة السادسة أوقفوا العمل وذهبوا إلى المراقص والملاهي والملاعب يروحون على أنفسهم، ونحن ما نأتي إلى بيوت الله! فما المانع؟ لا شيء، إذاً كيف نعرف ما نتقي به ربنا؟ إننا إذا لم نتق الله عز وجل خسرنا خسراناً أبدياً؛ لأن ولاية الله التي هي الهدف الأسمى والغاية المثلى لكل مؤمن، ومن يظفر بها فقد فاز، والتي يتنافى معها خوف المؤمن وحزنه، متوقفة على الإيمان والتقوى، واسمعوا إلى قول الله عز وجل: أَلا [يونس:62]، ألو، فإن قال قائل: يا شيخ! لم تقول: ألو؟ لأن نساءنا وأطفالنا ورجالنا أصبحوا يستسيغونها أكثر من (ألا)، فالطفلة الرضيعة التي ما زالت تحبو إذا سمعت: ألو، تعرف أن هناك من يتكلم في التلفون، وفي لسان العرب وفي كتاب الله: أن (ألا) أداة استفتاح وتنبيه، ومعنى هذا: أنت معي؟ أنت تسمع كلامي؟ أنت متهيئ لأن تأخذ ما أقول؟ فيؤديه لفظ: (ألا) مع الجمل الاسمية، لكن نحن وللأسف سمعنا النصارى قالوا: ألو، فقلنا: ألو! أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، لا في الحياة هذه، ولا في البرزخ بعدها، ولا يوم القيامة، والله لا خوف ينتابهم ولا حزن يملأ قلوبهم، إذاً فمن هم أولياء الله؟ سيدي عبد القادر؟! سيدي مبروك؟! سيدي عبد الحميد؟! الأموات! أما ولي في السوق فلا، ولذلك لو تدخل إلى دمشق أو بغداد أو القاهرة المعزية، ما عن تنزل من طائرتك أو من باخرتك وتستقبل رجلاً من البلاد وتقول له في أدب: أنا جئت أريد أن أزور ولياً من أولياء هذه البلاد، والله ما يأخذ بيدك إلا إلى ضريح، ولا يفهم أن في القاهرة ولياً في السوق أو في المسجد، وأنا أتكلم بهذا على علم، كذلك تدخل مراكش عاصمة المغرب فتقول: أنا جئت لهذه البلاد وأريد أن أزور ولياً من أولياء الله، والله ما يأخذ بيدك إلا إلى ضريح، وكأنه لا يوجد أبداً في تلكم الأمة ولي، وبالتالي إذا لم يكونوا أولياء فماذا عسى أن يكونوا؟ أعداء، فحصروا الولاية في الأموات.وسر ذلك أن الثالوث الأسود المكون من اليهود بني عمنا والمجوس جيراننا والنصارى الضالين بيننا، فهم الذين مكروا بهذه الأمة، ومن مظاهر ذلك: أن القرآن حوِّل إلى الأموات والمقابر، وذلك قبل قرابة ألف سنة، واسمعوا ما قررت لكم: قال في حاشية الحطاب: تفسير القرآن ثوابه خطأ وخطأه كفر، أي: أن تفسير القرآن خطأ وذنب، وإن فسرت فأصبت فأنت مخطئ مذنب، وإن أخطأت فقد كفرت، فألجموا أمة القرآن، فلا تقل: قال الله، إذاً ماذا نصنع بالقرآن؟ حولوه إلى الموتى ليقرا عليهم، فإذا مررت بحي من أحياء المسلمين وسمعت القرآن فاعلم أن هناك ميتاً، فسبحان الله! أصبح القرآن الذي ينذر به الرسول من كان حياً حولناه لمن كان ميتاً، ومددنا أعناقنا وقبلنا بذلك، فكيف عم الجهل وظلمته وأصبحنا أشباه مؤمنين ولسنا بالمؤمنين بحق؟ لأنهم أطفئوا هذا النور، إذ القرآن روح لا حياة بدونه، ونور لا هداية بدونه، لكن عرف هذا الثالوث أو رؤساء اليهود والنصارى والمجوس، فهم يتآمرون في كل مكان على هذا النور لإطفائه، وعلى هذه الروح لانتزاعها، وقد وفقوا في ذلك وهداهم إبليس إلى هذه فاستطاعوا أن يحولوا المسلمين عن كتاب الله، فلا تقل: قال الله ولا تفسر، وإنما اسكت، فالقرآن فيه الخاص والعام، والناسخ والمنسوخ وغير ذلك من المباحث، لكن لا تتكلم.حتى السنة أيضاً، إذ إن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم والله لا تقرأ إلا للبركة فقط؛ لأن السنة فيها الخاص والعام، وفيها المجمل والمفصل والمبين، فيكفينا مصنفات علمائنا، فالأحناف لهم مصنفات، والمالكية لهم مصنفات، والحنابلة لهم مصنفات، والشافعية لهم مصنفات، حتى الطوائف الخارجة عن السنة لها مصنفات، أما قال الله وقال رسوله فلا.
الفهم الخاطئ لمعنى الأولياء وأثر ذلك في نشر الشرك والابتداع
وأزيدكم برهنة على ذلك فأقول: بعد أن يدخل رمضان تعالوا للروضة فستجدون مشايخ يدرسون البخاري للبركة، فيجتمعون: حدثنا حدثنا، ولا تسأل عن معنى حديث من الأحاديث، أو ماذا يريد الرسول منا؟ أو ماذا يحمل هذا الحديث من نور أو هداية؟ لا، وإنما اسكت، وإن قلت: ما الأدلة على ما تقول يا هذا؟والجواب: هل هبطنا بعدما كنا سادة وقادة الدنيا؟ هبطنا والله، وهل حكمتنا دول الكفر وسادتنا ومسختنا؟ لو كنا أولياء الله والله ما استطاعوا ولا قدروا ولا ساقهم الله إلى أن يذلونا أو يهينوننا، لكن للأسف احتالوا علينا، وأعظم شيء هو القرآن والسنة، إذ إنهم علموا أن القرآن روح الحياة، فلا حياة بدون القرآن، وأنه نور الهداية، فلا هداية بدون القرآن، فقالوا: إذاً نصرفهم عن القرآن والسنة، فالقرآن يقرأ على الموتى والسنة تقرأ للبركة، وللأسف ففي بعض البلاد توجد هناك نقابات، وعمل هذه النقابات أنها تؤجر قراء ليقرءون على الموتى، فإذا مات لك قريب فيمكنك أن تتصل بالنقابة وتقول لها: أريد خمسة من طلبة القرآن يقرءون القرآن على ميتنا! فيرد عليك قائلاً: من فئة ريال أو خمسة؟ يعني: على حسب غنى الميت وفقره! والله يقول: لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:70] لا ميتاً.ونقرأ كون القرآن روحاً ونوراً آية من آخر سورة الشورى من آل حميم، قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا [الشورى:52]، فسماه روحاً لأن الحياة لا تقوم إلا به، وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، وقال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، فالقرآن نور، لكن أبعدوه عن المسلمين ليعودوا إلى الظلام، وقد نجحوا في ذلك.فهل فهمتم قضية الولاية أو لا؟ وهل الولي الذي عليه قبة بيضاء أو خضراء وهناك حرس وفيه النقود ويُعبد كما يعبد الله بل أشد؟ أستغفر الله، إنهم لا يطرحون بين يديه، ولا يبكون في صلاتهم ولا خشوعهم كما لو أنهم بين ذلك الضريح، لكن الأضرحة بكاء وتمرغ ودعاء ونداء في صدق، أما الله: يا رب بلا حرارة ولا إجابة، وهذا هو الحال من إندونيسيا إلى موريتانيا، وهذا هو العالم الإسلامي، وللأسف ما أفقنا إلى الآن، وإننا لنتعرض لضربة إلهية ما عرفناها ولا عرفها أسلافنا.وقد سئل أحدهم: أين ربك؟ فقال: بالمرصاد، وصدق الله إذ يقول: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ [الفجر:14]، فهم حصروا الأولياء في الموتى، وذلك ليستبيحوا فروج المسلمات وأموال المؤمنين وأعراضهم ودماءهم، فهل هناك مؤمن يستحي من الله أن ينظر إلى مؤمن آخر نظرة احتقار وسخرية؟ وهل هناك مؤمن ترتعد فرائصه أن يقول كلمة يؤذى بها ولياً من أولياء الله؟ لا أبداً، إذ الموجودون الأحياء كلهم أعداء الله، فانكحوا نساءهم وبناتهم، واسرقوا أموالهم، وسبوهم واشتموهم، وتعرضوا لهم بالباطل، بل وافعلوا بهم ما شئتم، إذ ليسوا بأولياء الله، إنما ولي الله هو الذي دفنتموه وبنيتم عليه القبة! وقد سمعت بهذه الأذن مجموعة في القرية يتحدثون فقال أحدهم: سبحان الله! فلان إذا زنا لا يمر بسيدي فلان وهو جنب بالزنا، وإنما يمر من جهة أخرى! فانظر خاف من الولي ما لم يخف من الله! فمن ركز هذه العقيدة في قلوبنا؟ إنه الثالوث الأسود المكون من اليهود والنصارى والمجوس، وذلك رؤساؤهم وأعيانهم وقادتهم، لا عوامهم فهم كالأبقار.فهل عرفتم السر في حصر الولاية في الموتى؟ حتى نستبيح دماءنا وفروجنا ونكذب ونخون كل شيء بيننا؛ لأننا لسنا بأولياء الله، إذ أولياء الله هم الأموات، أما الأحياء فاصفعه وسبه واشتمه وهكذا يفعلون، ولو عرف أن هذا ولي الله والله ما يستطيع أن يرفع صوته عليه، فكيف إذاً يزني بامرأته، أو يفسد عليه ولده، أو يعمل ما يعمل، ونحن نشاهدهم يرتعدون أمام الولي في قبره؟ فهل فهمتم؟ وهل ممكن أن تبلغوا هذا؟ لا، لسنا بمستعدين أبداً، إذاً كيف نسمع كلامك هذا وما نتحدث به في مجالسنا؟! من يمنعنا؟! إنه الشيطان، وذلك حتى لا ينتشر النور، وإنما يبقى الجهل والظلمة، ولذا فإن المفروض أنه إذا سمع المؤمن كلمة كهذه أن ينشرها ويبلغها لا أن يكتمها، لكن نحن نسمع ولا نتحرك، فلا إله إلا الله! آمنا بالله.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #559  
قديم 09-05-2021, 03:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط...)
فهيا مع هذه الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:135-137].
مناداة الله تعالى لعباده المؤمنين بأن يعدلوا في شهاداتهم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:135]، هذا أمر الله تعالى، وقد نادى المؤمنين به، فلبيك اللهم لبيك وسعديك، فماذا يطلب منا؟ والجواب: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [النساء:135].فهل عرف المؤمنون هذا؟ والله إن بعضهم يجلسون أمام المحكمة فيقول أحدهم لمن لديه قضية: هل تريد شاهداً؟ فيعطيه عشرة ريالات أو مائة ويشهد له! وهذا في محاكم العالم الإسلامي، فيجيء الرجل فيشهد عن ابن عمه ويلوي الشهادة ويحرفها حتى يفتن القاضي، بل أحياناً عشرون واحداً من القبيلة يشهدون بالباطل، ويعتزون فيقولون: نحن خلصناه ونجيناه من العقاب؛ لأنهم ما عرفوا الله حتى يخافوه أو يحبوه فيطيعوه.فهذا نداء الله لنا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ [النساء:135]، و(قوامين) جمع قوام على وزن فعَّال، كـ(أكَّال) و(شرَّاب)، ومعنى قوامين بالقسط: أي: بالعدل، إذ القسط هو العدل، شُهَدَاءَ لِلَّهِ [النساء:135]، أي: شهداء لله لا لغيره، فإن شهدت فاشهد لله ليحق الحق ويبطل الباطل، ولا تشهد لقبيلتك ولا لنفسك ولا لولدك.
أمر الله لعبده أن يشهد بالقسط ولو على نفسه
وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ [النساء:135]، فتشهد أمام المحكمة بأنك فعلت، أو أنك أخذت، أو أنك قلت، وتعترف على نفسك أو على ولدك أو على والديك، بل أقرب قريب إليك وهي نفسك؛ لأنك نائب عن الله عز وجل في هذه الشهادة، إذ هو سبحانه الذي أقامك شاهداً وجعل الحق يعطى بشهادتك، وبالتالي فاستح من الله عز وجل أن تخونه، إذ كيف ينصبك شاهداً باسمه ليحق الحق ثم تخونه؟!
حرمة شهادة الزور
ولهذا كان أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه الكتاب والحكمة، فقال لهم يوماً: ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك بالله )، فالرسول يخاف على أصحابه أن يشركوا بالله! وجماعتنا وعلماؤنا من ألف سنة يقولون: المؤمن لا يكون مشركاً أبداً! وهو يعبد القبر ويستغيث بالموتى وغير ذلك من الشركيات، فهل العلماء هم الذين ورطوا هذه الأمة؟! ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً -لكبره وتعبه- فجلس ثم قال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وقول الزور، حتى قال الصحابة: ليته سكت )، أي: أتعبناه وأرهقناه وخافوا أن ينزل ما ينزل من عذاب الله تعالى، لكن اذهب الآن إلى المحاكم في العالم الإسلامي عرباً وعجماً، واسمع إلى الشهادات والشهود على الدماء وعلى الأموال، فلا تحصل على واحد في المائة يشهد لله عز وجل، ولا لوم عليهم؛ لأنهم ما عرفوا الله حتى يشهدوا له، ثم من علمهم؟ وهل سألوا حتى عرفوا؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ [النساء:135]، فهيا من الآن نكون قوامين بالقسط الذي هو العدل، وشهداء إذا حكمنا بين اثنين حكمنا بالعدل، أو حكمنا بين الزوجتين فبالعدل، أو في كل قضية فنقضي فيها بالعدل، بل وإذا دعينا للشهادة فلنشهد ولو على أنفسنا وأبنائنا ووالدينا، وهذا هو الإسلام، لكن قد نسي هذا المسلمون وضاعوا قروناً حتى أصبح الكفار المسيحيون في أوروبا أكثر عدالة من المسلمين في محاكمهم وقضاياهم، بل وأكثرهم لا يشهد شهادة الزور أبداً ولا يتورط بالباطل، ونحن أهل القرآن لا تسأل عن حالنا، وسر ذلك أننا ما عرفنا هذا أبداً ولا تعلمناه، لا أمهاتنا ولا آباؤنا ولا أجدادنا قروناً عديدة. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [النساء:135]، كالأبناء والإخوة وما إلى ذلك.
وجوب أداء الشهادة على وجهها دون التفريق بين غني وفقير
إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا [النساء:135]، أي: إن دعيت للشهادة فلا تلتفت إلى غنى الرجل أو إلى فقره، وتقول: هذا فقير فلنشهد معه لأنه في حالة ضعف، وهذا غني فلنشهد معه؛ لأنه ممكن أن يحرموني من كذا، أو يقف يوماً من الأيام ضدي، لا تلتفت إلى هذا أبداً. إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا [النساء:135]، فليس أنت الذي تحارب الغني أو ترحم الفقير، وعند ذلك والله لا يبقي مجال أبداً لأن يشهد مؤمن شهادة باطل، أو أن يقضي قاض بالباطل، وذلك لمحاباة للفقير لفقره أو للغني لغناه، فقد أبطل الله هذا كاملاً، فإن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بفقره وغناه، فما أنت بمسئول عنه، إذ قال تعالى: فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا [النساء:135]. فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا [النساء:135]، والهوى -ليس الهواء بالمد- هو ميل النفس وانكسارها وانعطافها على الشهوات والأطماع الفاسدة، فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا.
علم الله بمن يلوي أو يعرض عن الشهادة
وَإِنْ تَلْوُوا [النساء:135]، بالكلمة، أَوْ تُعْرِضُوا [النساء:135]، عن بعض الكلام في الشهادة، فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:135]. فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى [النساء:135]، أي: عند الحكم وعند الإشهاد؛ كراهة أو خشية أَنْ تَعْدِلُوا [النساء:135]، أي: تميلوا عن الحق، وَإِنْ تَلْوُوا [النساء:135]، واللي أن يلوي لسانه فيحرف الكلمة، أو أن القاضي يلوي وجهه عن هذا الخصم ويلتفت إلى هذا، ولذلك يجب على القاضي أنه إذا وقف أو جلس الخصمان أمامه أن ينظر إليهما نظرة متساوية، فلا يضحك مع هذا ويغضب على هذا، أو أن يتكلم مع هذا ويسكت مع الآخر، بل حتى النظر لابد أن يكون نظر القاضي إلى الخصمين متساوياً.والمقصود: لا تلووا في الكلام أو تعرضوا عن الشهادة بالمرة، أو عن المقصود منها بالمرة، إذ إن هناك من يلوي الكلام في شهادته فلا يثبت بها حقاً لصاحبها، إذ ما صدق، أو ما صرح تصريحاً كاملاً، بل زاد كلمة أو نقص أخرى، وهذا هو المقصود بقوله تعالى: وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:135]، والخبير أكثر من العليم، إذ الخبير هو الذي يعرف أجزاء القضية من أولها إلى آخرها، وبالتالي فخافوه واعرفوا سلطانه، إذ هو الذي يميت ويحيي، وهو الذي يفقر ويغني، وهو الذي يمرض ويشفي، وهو الذي يعطي ويمنع، فهل هناك من يدير الكون سواه؟! تعيش سبعين سنة ما تكذب كذبة واحدة، وما تشهد شهادة زور ولا كلمة باطل؛ لأنك تعلم أن الله بما تعمل خبير، فيجزيك بصنيعك الذي صنعت.فهذا هو تفسير الآية الأولى، واسمعوا تلاوتها مرة أخرى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ [النساء:135]، إذا حكمتم، شُهَدَاءَ لِلَّهِ [النساء:135]، إذا استشهدتم، ثم قال: وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ [النساء:135]، ثم: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا [النساء:135]، ليس بشاهد، فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:135].ومن هنا ما بقي في عهد الرسول وأصحابه وأحفادهم وأولادهم من يشهد شهادة الزور، أو يحكم حكم ظلم وجور، فهذا علي بن أبي طالب أيام خلافته في السنوات الأربع النورانية، ينازعه يهودي في درعه، وكان القاضي الذي يحكم بينهم هو شريح القاضي، فأجلس القاضي علياً وأجلس اليهودي بجواره، وتكلم معهم بلغة واحدة، وكان ينظر إليهم نظرة متساوية، والشاهد عندنا: أن القاضي قال لـعلي: من يشهد لك أن الدرع ملكك؟ فقال: ولدي، فقال القاضي: شهادة الولد لا تقبل للوالد، إذ من الجائز أن يحابي أو يخاف والده، فلما رفض شريح شهادة الحسين بكى اليهودي وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، إمام المسلمين لا تقبل شهادته والدرع درعه! آمنا بالله، إنها مواقف للأمة الإسلامية في العصور الذهبية الثلاثة فوق ما تقدر أو تفكر. وعلة هذا أن القرآن روح ونور، إذ لما كانوا يقرءونه يبكون ويفهمون ما يقرءون ويعملون، فقد كانوا أطهر الخلق وأصفاهم وأعدلهم وأكرمهم، بل وقل ما شئت من الكمالات، ووالله ما اكتحلت عين الوجود بأمة على سطح الأرض من آدم إلى يوم القيامة بأفضل من تلك الأمة في قرونها الثلاثة، ( خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم )، فما سبب كمالهم؟ البترول؟! الأموال؟! إنه القرآن والسنة النبوية، الهداية الربانية.
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله...)
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:136]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النساء:136]، ناداكم مولاكم، لبيك اللهم لبيك، فهل بلغكم أن لله تسعين نداء في القرآن؟ لقد نادى الله عباده المؤمنين تسعين مرة، وكل مرة يأمرهم أو ينهاهم أو يبشرهم أو ينذرهم أو يعلمهم، واسلوا المسلمين ما نسبة من تعرف هذا؟ ولا واحد في المليون، فنادانا الله ليأمرنا باعتقاد وقول وعمل يزكي أنفسنا ويسعدنا في دنيانا وأخرانا، إذ حاشاه أن يأمرنا باللهو والباطل واللعب، أو الفساد والشر، ونادانا لينهانا عما يضر بنا ويفسدنا ويعوقنا عن السعادة والكمال في الدنيا والآخرة، ونادانا ليبشرنا بنتائج وثمار صالحات أعمالنا لنزداد وراء ذلك عملاً، ونادانا لينذرنا من عواقب السلوك المنحرف والعقيدة الفاسدة، ونادانا ليعلمنا ما لم نعلم، وكل ذلك بالتتبع والاستقراء للتسعين نداء.وقد درسنا هذه النداءات هنا وقلنا للمسلمين: ترجموا هذه النداءات بلغات العالم الإسلامي ووزعوها يا أغنياء على الفنادق، وكل سرير يكون عنده كتيب، وذلك قدوة بالنصارى الذين يضعون الإنجيل الأعمى عند كل سرير، ولذلك إذا جاء أحدهم لينام فإنه يستمع إلى نداء من نداءات ربه، فيفرح بذلك؛ لأنه ربه ناداه ليعلمه وليهذبه، ولذا ينبغي على كل أهل بيت أن يعرفوا هذه النداءات، إذ كيف ينادينا ربنا وما نسمع؟ أو نسمع ونقول: قل ما شئت فلن نطيع! أعوذ بالله، أنرضى بالكفر بعد الإيمان؟!وأخيراً: خلاصة الشريعة بكاملها عقائد وآداب وعبادات وأخلاق وسياسات شرعية في الحرب وفي السلم، بل وفي كل الأحوال هي في تسعين نداء، فمن صرف المسلمين عن هذا؟ إنه الثالوث الأسود من اليهود والنصارى والمجوس، ووالله لو كنا صادقين على أن نعود إلى سيادتنا ما إن صدرت هذه النداءات حتى انتشرت في العالم بكامله، فماذا يكلفنا؟ الترجمة باللغات الحية ولغات المسلمين الفارسية إلى الأردية، ولكن صدق الشاعر عندما قال:لقد أسمعت لو ناديت حياًولكن لا حياة لمن تنادي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ [النساء:136]، ألا وهو القرآن، وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ [النساء:136]، ألا وهو التوراة والإنجيل والزبور، وهذا النداء صالح لنا ولليهود بني عمنا، وبعض الإخوان يقول: كيف اليهود بنو عمنا؟ إي نعم، أليسوا أولاد إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم؟ ونحن ألسنا أولاد إسماعيل بن إبراهيم؟ بلى.أزيدكم فضيحة على علم: لو حكم اليهود إقليماً من أقاليم المسلمين لكان حكمهم أرحم من حكم هؤلاء المسلمين إلا من رحم الله، وليس فوق هذا شيء أبداً.والشاهد عندنا: أن هذا النداء صالح للمؤمنين ولأهل الكتاب، فالمؤمنون بأن يزيدوا في طاقات إيمانهم ليصبحوا موقنين بما أنزل الله وشرع، واليهود يدعون أنهم مؤمنون، فهذا هو الإيمان الصحيح، فصححوا إيمانكم أيها اليهود! وهم يدخلون في هذا لأنهم مؤمنون بالله ولقائه والدار الآخرة. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النساء:136]، محمد صلى الله عليه وسلم، وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ [النساء:136]، ولم يقل: أنزل، وإنما (نزل)، لأنه نزله مقسطاً آية بعد أخرى لظرف ثلاثة وعشرين سنة، أما التوراة فقد نزلت جملة واحدة، وكذلك الإنجيل، أما القرآن فقد نزله يوماً بعد يوم، وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ [النساء:136]، ألا وهو القرآن، عَلَى رَسُولِهِ [النساء:136]، محمد صلى الله عليه وسلم، وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ [النساء:136]، الإنجيل والزبور. وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا [النساء:136]، فلا يعود إلى السعادة والكمال أبداً، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
تفسير قوله تعالى: (إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ...)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:137].ثم عقب على ذلك: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا [النساء:137]، يتلاعبون، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:137]، وهذه الحقيقة واضحة عندنا، فالشخص إذا اعتاد جريمة معينة وبالغ فيها ما انقطع عنها وما تاب منها أبداً، بل يأتي يوم ويصبح لا يستطيع أن يتركها أبداً، وهؤلاء لن يتوبوا أبداً، آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا [النساء:137]، يتوبون بعد هذا؟ والله ما كان، وهذه هي سنة الله في الخلق.إذاً: فهؤلاء ما حكمهم؟ حكم الله فقال: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا [النساء:137]، أي: طريقاً للكمال والسعادة.وصلى الله على سيدنا محمد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #560  
قديم 09-05-2021, 03:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة النساء - (70)
الحلقة (293)

تفسير سورة النساء (73)

جاء في عدد من المواضع في القرآن الكريم بيان حال المنافقين في هذه الأمة، وذلك لشدة خطرهم ونكايتهم في المسلمين، فهم يظهرون ولاءهم للمؤمنين وهم في حقيقة أمرهم يوالون الكافرين، كأنهم بذلك يبتغون عندهم العزة، ونسوا أن العزة إنما هي لله ولعباده المؤمنين، وإذا أصاب المؤمنون خيراً سارعوا إلى المطالبة بنصيبهم منه، وإذا كان للكافرين نصيب سارعوا إليهم يطلبون مكافأتهم على إعانتهم لهم على المسلمين، فهم عبيد للمصلحة، ومصيرهم يوم القيامة الدرك الأسفل من النار، جزاء كذبهم وخداعهم.
تفسير قوله تعالى: (بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة والليالي الثلاث بعدها ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله؛ يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وها نحن مع سورة النساء المدنية المباركة الميمونة، ومع هذه الآيات الأربع النورانية، فهيا نتغنى بتلاوتها ثم نأخذ في بيان مراد الله تعالى منها، إذ إن هذا القرآن قد سماه الله نوراً، فلا هداية بدونه قط، وسماه الله روحاً فلا حياة طهر وكمال بدونه قط، وقد عرف هذا خصومنا من الثالوث الأسود فصرفوا أمة الإسلام عن القرآن، فأصبح القرآن يقرأ ويحفظ من أجل أن يقرأ على الموتى، أما الأحياء فلا يجتمع اثنان أو ثلاثة ليقرءوا آية ويتدبروا معناها وليقوموا بما أوجب الله أو ينتهوا عما نهى الله طيلة قرون عديدة، فهيا نعد من جديد، والآن الحمد الله نقرأ القرآن ونتدارسه، لكن قبل هذه الفترة فهذا لا يقبل، إذ إنهم كانوا إذا سمعوا من يقول: قال الله يغلقون أذانهم بأصابعهم خشية أن تنزل الصواعق عليهم، كما أنهم قالوا: تفسير القرآن صوابه خطأ وخطؤه كفر، فماتت أمة الإسلام، ولما ماتت سادها الغرب والشرق وأذلوها وأهانوها، وها هي ذا تابعة كالذيل لهم، فلا استقلال ولا وعي ولا كرامة إلا من رحم الله، والسبب هو أنهم تركوا القرآن الذي هو روح، واقرءوا قول الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [الشورى:52]، وقال: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا [التغابن:8]، فهل تهتدي أمة في الظلام بدون نور؟ مستحيل.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا * الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:138-141].كلام من هذا؟ إنه كلام الله تعالى، فهل هناك من ادعى فقال: إن هذا كلامي؟ لا الإنس ولا الجن، إذاً فالحمد لله أننا نسمع كلام ربنا وخالقنا ومحيينا ومميتنا وباعثنا، وبلايين البشر ما سمعوه ولا علموا به، فلا إله إلا الله! فأية نعمة أعظم من هذه؟! ثم إن هذا الكلام ماذا تسمع منه؟ السياسة الحربية، السلمية، الاجتماعية، الاقتصادية، الروحية، البدنية، فلا إله إلا الله! وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44].فهيا نتأمل قوله تعالى: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء:138]، من منا ما فهم هذه الجملة من العرب؟!
تفسير قوله تعالى: (الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين...)
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء:139]. الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:139]، أي: يحبونهم وينصرونهم دون المؤمنين. أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ [النساء:139]، أي: أن هؤلاء المنافقون يطلبون العزة عند الكافرين! فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء:139]، إذ لا تطلب إلا من مالكها ومن هي في يده، أما الكافرون لا يملكون العزة ولا يعطونها.
تفسير قوله تعالى: (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ...)
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء:140]. وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ [النساء:140]، أي: القرآن العظيم في سورة الأنعام. أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ [النساء:140]، وإنما قم وأغلق أذنيك واخرج من المجلس. حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [النساء:140]، أي: غير الحديث الذي يسبون ويشتمون وينتقدون ويطعنون فيه. إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140]، أي: في الحكم، إذ إنك لو رضيت بأن يسب الله ورسوله أو يسخر بدينه وكتابه أو بأوليائه فأنت منهم، وهذا حكم الله تعالى. إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا [النساء:140]، فما هناك فرق بين الكافر والمنافق إلا أن خزي المنافق وعذابه أشد، إذ المنافقين في الدرك الأسفل من النار.
تفسير قوله تعالى: (الذين يتربصون بكم...)
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]. الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ [النساء:141]، فاسهموا لنا من الغنيمة. وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ [النساء:141]، من الانتصار والغنيمة قالوا لهم: ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين، إذاً فأعطونا، ولهذا فإن المنافق يمسك العصا من وسطها، أي: إن كان المؤمنون ناجحون فهو معهم، وإن كان الكافرون ناجحون فهو معهم، وإن صالت الدنيا وضجت فهو معها، وإن بكت وصرخت فهو مع الآخرين. الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ [النساء:141]، وهذا أيام رسول الله والغزو الإسلامي والفتوحات. قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ [النساء:141]، فلم تحرموننا من الأجر، أي: من الغنيمة. وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ [النساء:141]، أي: نصيب من الأنصار، وما قال: فتح، إذ ماذا يفتحون؟ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ [النساء:141]، أي: في المعركة وحطنا بكم حتى دفعنا عنكم المسلمين، وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النساء:141]، فرد الله عليهم فقال: فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [النساء:141]، يا معشر المؤمنين والمنافقين. وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء:141]، أي: لإذلالهم والسيطرة عليهم والتحكم فيهم، وهذه وحدها آية من آيات الله تقول: إن العالم الإسلامي الذي حكمته أوروبا من شرق الدنيا إلى غربها في تلك الأيام ما كان المؤمنون مؤمنين بحق وصدق؛ لأن إخبار الله تعالى لا يتطرق إليه الكذب أو النقص أبداً. وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النساء:141]، أي: المؤمنين الصادقين في إيمانهم، المؤمنين بحق، وإن شككت في تلك الأيام كيف كان حال المسلمين؟ الشرك والظلم والتسلط والخبث منتشر في البلاد الإسلامية، حتى إن أولياء الله هم الذين بنوا عليهم القباب وعبدوهم مع الله، أما أولياء لله في السوق أو في المسجد أو في المزرعة فلا، وإنما انكح نساءهم، وكل أموالهم، واضرب أولادهم؛ لأنهم ما هم بالأولياء، إذ الأولياء هم الذين بنيت على قبورهم القباب ووضعت التوابيت والأزر، وتوقد الشموع وتؤخذ الأجور، فهؤلاء هم الأولياء! ولا يستطيع مؤمن في العالم الإسلامي أن يسب ولياً من أولئك، أو يقول كلمة سوء فيهم، والرسول يقول عن الله: ( من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب )، فأولياء الله وإن كانوا رعاة إبل.وعندنا قصة أبو حمارة وجماعة كلبي، فأما قصة جماعة كلبي فهي أن مستعمِراً في بلد إسلامي من كان له كلب، والنصارى دائماً يعيشون كالكلاب مع الكلاب، إذ لا يفارقوهم أبداً، وشاء الله أن يموت هذا الكلب، فدفنه هذا المستعمر في حديقة قصره ومنزله، ثم بعد فترة مرت بعض عجائز البلاد فشاهدوا قبراً فأخذوا يدعونه من وراء الجدار ويقولون: هذا سيدي فلان، وهذا ولي الله، وأخذوا يستغيثون به ويدعونه، وكان المسلم الحارس يشاهد العجائز يفعلن ذلك، وبعد حين من الزمان قالوا للحارس: يا سيد! لو تفتح لنا الطريق فنزور هذا السيد ونتمرغ بتراب قبره، فقال: إن المعلم لا يسمح بذلك، وهو الآن غائب في أوروبا، فقالوا له: تشجع أنت وكن كذا وكذا، وبعد عدة محاولات معه فتح لهم الطريق إلى القبر، ثم جاء ذاك المستعمر بعد كذا شهراً ووجد النساء في يوم الخميس والاثنين جماعات يزرن القبر! فقال للحارس: ماذا يصنعن هؤلاء؟ فرد عليه فقال: هذا قبر سيد وولي وهم يزورونه، فقال: أليس هذا قبر كلبي؟! ثم أمر بإغلاق الباب وسُدَّ الطريق، وجاء المؤمنات فقلن: كيف يمنعنا هذا الكافر من زيارة ولي الله، إن هذا كافر لا يؤمن بالله، ورُفعت شكوى إلى البلدية، فقضى القضاء بأن ينبش القبر، فإن وجد كلب فالحق لهذا الأوروبي المستعمر، وإن وجد إنسان فهو ظالم ويجب أن يخرج حتى من البستان، فجاءت سيارة الإسعاف والمسئولون ونبشوا القبر وإذا كلب بأنيابه! وأما قصة قبر سيدي أبو حمارة فهي أن هذا شخصاً كان له حمار يركبه ما بين بلد وبلد آخر، وذلك أيام ما كان المركوب هو الحمار والفرس والبغل في العالم بأسره، وشاء أن مات هذا الحمار في الطريق، فدفنه صاحبه في مكان موته، وبعد فترة من الزمن مر به أناس فقالوا: هذا قبر ولي من الأولياء! وأصبحوا يمرون به ويدعونه ويضعون الفلوس والشموع عنده، وأصبح صاحب الحمار يكثر ماله من ذلك، والشاهد عندنا هو أن صاحب الحمار سافر وترك واحداً ليأخذ المال من الزوار والزائرات، وعند عودته فاجأه ذلك الرجل قائلاً: أنا صاحب الحمار! فاختصموا، فنبش القبر فوجدوا حماراً!إذاً فهذه هي أمة الإسلام، وهذا النوع مئات الفجرة والسرق واللصوص والسحرة والدجالون والمشعوذون يدعون أنهم أولياء الله تعالى، والآن النكتة السياسية الاجتماعية ما هي؟ من فعل بهم هذا؟ إنه الثالوث المكون من المجوس واليهود والنصارى الذين فقدوا سيادتهم وسلطتهم في العالم الإسلامي، وعرفوا أن ولاية الله محترمة معظمة، وأن أولياء الله معظمون مبجلون، فماذا صنعوا؟ أوجدوا لهم فكرة الأولياء الأموات، أي: سيدي فلان وفلان، وفي خلال خمسين سنة ما بقي ولي بين الناس إلا إذا مات ودفن، ومن هنا أصبح المسلمون بدواً وحضراً، في الشرق والغرب، عرباً وعجماً، لا يحترمون ولياً بينهم إلا إذا كان ميّتاً ويُعبد مع الله بالذبح والنذر له والعكوف عليه والبناء عليه، ومن ثم ما بقي المؤمنون يحترمون بعضهم البعض، وإنما يزنون بنسائهم، ويسرقون أموالهم، ويكذبون ويخدعون بعضهم البعض. فكيف ولي الله يُسب أو يشتم؟! ما يستطيع أن يقول في ولي منسوب إلى الولاية كلمة سوء، إذ إنه يخاف أن تنزل به الصاعقة، وأولياء الله الأحياء لا وجود لهم، فيفعل ما يشاء، فهذه هي تعاليم الثالوث الأسود، وإلى الآن ما أفقنا، ولكن خف الجهل بعض الشيء، مع أنه ما زلنا لم نعي هذا الوعي أبداً.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 297.24 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 291.31 كيلو بايت... تم توفير 5.93 كيلو بايت...بمعدل (1.99%)]