ما لم يعرفه الأدب العربي القديم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 850058 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386243 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 59 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 64 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 55 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 56 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-08-2022, 05:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي ما لم يعرفه الأدب العربي القديم

ما لم يعرفه الأدب العربي القديم


د. إبراهيم عوض






تعريف الشعر بين القدماء والمحدثين (31)









أما الجديد حقًّا الذي عرفه القصص العربي في العصر الحديث، ولم يكن له وجود فيما خلفه لنا العرب القدماء في حدود ما نعلم - فهو رواية القصة على لسان عدة أشخاص من أبطالها، كلٌّ يراها من زاويته، ويفسِّر ما يراه تفسيرًا يختلف كثيرًا أو قليلاً عن تفسير الرواة الآخرين، وهذا الشكل الفني أساسه فكرة "النسبية"، التي أفرَزها العصر الذي نعيش فيه، ومن ذلك أيضًا "تيار الوعي"، وهو أحد مظاهر التأثُّر بالدراسات النفسية، ومن هذا الجديد كذلك المزج بين القصة والمسرحية، هذا المزج الذي تمثَّل في "بنك القلق"؛ لتوفيق الحكيم، وسمَّاه صاحبه: "مسرواية"، وإن لم ينتشر كما كان يُرجى له، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإن "السيرة الشعبية" مثلاً، كانت تَمزج هي أيضًا بين الشعر والنثر، وإن اختلَفت في هذا المزج عن طريقة "المسرواية"، التي تتألف من فصل قصصي يتلوه فصل مسرحي...، وهكذا دواليك، أما "السيرة"، فيرد الشعر فيها أثناء السرد والحوار كجزءٍ منهما لا كشيء منفصل، وهذه السمة موجودة - لكن على استحياءٍ - في بعض قصص يوسف السباعي مثلاً.



وهناك أيضًا النقد القصصي والتاريخي للرواية والقصة القصيرة والترجمة لأعلامهما، وهو أمر لم يعرفه الأدب العربي القديم؛ إذ كان النقد آنذاك منصبًّا على الشعر بالدرجة الأولى، ثم الخطابة والرسائل الديوانية بعد ذلك، وها هو ذا مثلاً كتاب "البيان والتبيين"؛ للجاحظ، و"الصناعتين"؛ لأبي هلال العسكري، وكتاب "نقد النثر" المنسوب لقدامة بن جعفر، و"المثل السائر"؛ لابن الأثير، فلنُقلِّب فيها كما نحب، فلن نجد أي كلام في النقد القصصي، وهو ما سنتناوله بالتفصيل بعد قليل، أما الآن، فالدراسات النقدية والتاريخية التي تدور حول فن القصة وأعلامه واتجاهاته وأشكاله، قد بلَغت من الكثرة والتنوع مدًى بعيدًا، وهذا من شأنه أن يساعد أُدباء القصة على التجويد والتطوير المستمر، ولا شك أننا مَدِينون في هذا المجال للنقد القصصي الغربي الذي قرأناه في لُغاته الأصلية أو مترجمًا، وهذا النقد يرجع في أساسه إلى ما كتَبه أرسطو عن المسرحية والملحمة حسبما أوضَحنا، أما كتب النقد والأدب والتراجِم التراثية المعروفة، فالموجود فيها هو كلام انطباعي، أو نقد لغوي بلاغي ليس أكثر، كما أن كلمات "الحكاية" و"القصة" و"الرواية"، لا تستخدم فيها إلا بالمعنى اللغوي العادي كما في قولنا: شرح فلان القصة، أو حكى الحكاية، أو هكذا كانت روايته للكلام...؛ أي: "الخبر" ليس إلا، ولا تستخدم كمصطلح أدبي.



فمثلاً تكلم الجاحظ في كتابه:

"البيان والتبيين" - فيما تكلَّم - عن القصاص، إلا أنه اكتفى بذكر أسماء القصاص البصريين، ولم يَخطُ أبعد من ذلك، فلم يتعرَّض لفنهم من الناحية الأدبية ببنت شَفة، على خلاف ما صنَع مع الخطب مثلاً؛ إذ أفاض فيها القول على مدار الكتاب كله تقريبًا، فأبدع وأدهش، أما هنا فقد خصَّص للموضوع بضع فقرات ليس إلاَّ، لم يتطرَّق فيها إلى الناحية الفنية، التي كانت بحاجة إلى قلم ناقد فحلٍ ذوَّاقة خِرِّيت كالجاحظ، إلا أنه للأسف ضيَّع علينا تلك الفرصة، وهذا ما قاله في كتابه المذكور: "قص الأسود بن سريع، وهو الذي قال:



فإنْ تَنْجُ منها تَنْجُ من ذي عظيمةٍ

وإلاَّ فإني لا إخَالُك ناجِيَا





وقص الحسن وسعيد ابنا أبي الحسن، وكان جعفر بن الحسن أول مَن اتَّخذ في مسجد البصرة حلقةً وأقرَأ القرآن في مسجد البصرة، وقصَّ إبراهيم التيمي، وقصَّ عبيد بن عمير الليثي، وجلس إليه عبدالله بن عمر: حدثني بذلك عمرو بن فائدة بإسناد له، ومن القصاص أبو بكر الهذلي، وهو عبدالله بن سُلمى، وكان بيِّنًا خطيبًا، صاحب أخبار وآثارٍ، وقصَّ مُطرِّف بن عبدالله بن الشِّخِّير في مكان أبيه.




ومن كبار القصاص ثم من هذيل: مسلم بن جندب، وكان قاص مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وكان إمامهم وقارئهم، وفيه يقول عمر بن عبدالعزيز: من سرَّه أن يسمع القرآن غضًّا، فليسمع قراءة مسلم بن جندب، ومن القصاص عبدالله بن عرادة بن عبدالله بن الوضين، وله مسجد في بني شيبان، ومن القصاص موسى بن سيار الأسواري، وكان من أعاجيب الدنيا، كانت فصاحته بالفارسية في وزن فصاحته بالعربية، وكان يجلس في مجلسه المشهور به، فتقعد العرب عن يمينه، والفرس عن يساره، فيقرأ الآية من كتاب الله، ويُفسرها للعرب بالعربية، ثم يحوِّل وجهه إلى الفرس، فيُفسِّرها لهم بالفارسية، فلا يُدرى بأي لسان هو أبينُ، واللغتان إذا التقتا في اللسان الواحد، أدخلت كل واحدة منهما الضيم على صاحبتها، إلا ما ذكرنا من لسان موسى بن سيار الأسواري، ولم يكن في هذه الأمة بعد أبي موسى الأشعري أقْرأ في محرابٍ من موسى بن سيار، ثم عثمان بن سعيد بن أسعد، ثم يونس النحوي، ثم المُعلَّى، ثم قص في مسجده أبو علي الأسواري - وهو عمرو بن فائد - ستًّا وثلاثين سنة، فابتدأ لهم في تفسير سورة "البقرة"، فما ختم القرآن حتى مات؛ لأنه كان حافظًا للسير ولوجوه التأويلات، فكان ربما فسَّر آيةً واحدةً في عدة أسابيع، كأن الآية ذكر فيها يوم بدر، وكان هو يحفظ مما يجوز أن يلحق في ذلك من الأحاديث كثيرًا، وكان يقص في فنون من القصص، ويجعل للقرآن نصيبًا من ذلك، وكان يونس بن حبيب يسمع منه كلام العرب، ويَحتج به، وخصاله المحمودة كثيرة، ثم قص من بعده القاسم بن يحيى، وهو أبو العباس الضرير، لم يدرك في القصاص مثله، وكان يقص معهما وبعدهما مالك بن عبدالحميد المكفوف، ويزعمون أن أبا علي لم تُسمع منه كلمة غيبة قطُّ، ولا عارض أحدًا قط من المخالفين والحُسَّاد والبُغاة بشيء من المكافأة، فأما صالح المُرِّي، فكان يُكنَّى: أبا بشر، وكان صحيح الكلام، رقيق المجلس، فذكر أصحابنا أن سفيان بن حبيب لما دخل البصرة وتوارى عند مرحوم العطار، قال له مرحوم: هل لك أن تأتي قاصًّا عندنا ها هنا، فتتفرَّج بالخروج والنظر إلى الناس والاستماع منه؟ فأتاه على تَكرُّهٍ كأنه ظنَّه كبعض من يَبلغه شأنه، فلما أتاه وسمِع منطقه، وسمع تلاوته للقرآن، وسمعه يقول: "حدثنا شعبة عن قتادة، وحدثنا قتادة عن الحسن"، رأى بيانًا لم يحتسبه، ومذهبًا لم يكن يظنه، فأقبل سفيان على مرحوم، فقال: ليس هذا قاصًّا، هذا نذير".



وبالمثل كتب أبو هلال العسكري في "الأوائل" في نفس الموضوع قائلاً: "وقالوا: أول من قص عبيد بن عمير الليثي بمكة، ويقال: أول من قص الأسود بن سريع التميمي - صحابي - وكان يقول في قَصصه:



فإن تَنجُ منها، تَنجُ من ذي عظيمةٍ

وإلاَّ فإني لا إِخالُك ناجِيَا






وفي عدد من كتب الأدب القديم زِراية على القصاص المسجديين الذين يتصدون لوعظ الجماهير، بأسلوب التهويل الكاذب، والمبالغات الفاسدة، والروايات التي ليس لها أصل، فيُفسدون على العامة أمر دينهم، بخلاف المُدققين منهم، فقد كتب أبو هلال العسكري مثلاً في "الأوائل": سمع أبو نواس أن القصص بدعة، فسار إلى مسجد بعض القصاص؛ ليعبث به، ومعه أصحاب له، فجلس وأخرج يده من ذيله ينتف إبطه، فقال له القاص: ما هذا موضع ذا، فصاح به أبو نواس: ويْلك! أترد علي وأنا في سُنة، وأنت في بدعة؟ فضحِكوا منه"، وفي "البصائر والذخائر"؛ لأبي حيان التوحيدي، "قال يونس بن عبدالأعلى (عن عالم من العلماء): قدِم على الليث بن سعد منصورُ بن عمار يسمع الحديث منه، فقال له: إني قد أتيت شيئًا أريد أن أعرضه عليك، فإن كان حسنًا، أمرتني أن أُذيعه، وإن كان مما تكرهه، انزَجرت، قال: ما هو؟ قال: كلام الفقه ومواعظ القصاص، قال: ليس شيء غير القرآن والسنة، وما خالف ذلك، فليس بشيء، قال: فتستمع وتتفضَّل، وكان عنده جماعة، فأشاروا عليه بأن يسمع منه، فابتدأ بمجلس القيامة، فلم يزل الليث يبكي ومَن معه، وأمره أن يُذيعه ولا يُضمره، ولا يأخذ عليه أجرًا، ووهب له ألف دينار".



وفي "العقد الفريد"؛ لابن عبد ربه عن مجانين القصاص: "قال أبو دِحية القاص: ليس فيّ خير ولا فيكم، فتبلغوا بي حتى تجدوا خيرًا مني، وقال في قصصه يومًا: كان اسم الذئب الذي أكل يوسف "هملاج"، قالوا: إن يوسف لم يأكله الذئب، قال: فهذا اسم الذئب الذي لم يأكل يوسف.



وقال ثمامة بن أشرس: سمعت قاصًّا ببغداد يقول: اللهم ارزقني الشهادة أنا وجميع المسلمين، ووقع الذباب على وجهه، فقال: ما لكم؟ كَثَّر الله بكم القبور، قال: ورأيت قاصًّا يحدِّث الناس بقتل حمزة، فقال: ولما بقَرت هند عن كبد حمزة، استخرَجتها فعضَّتها ولاكَتها، ولم تَزدردها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو ازدَردتها ما مسها النار، ثم رفَع القاص يديه إلى السماء وقال: اللهمَّ أطْعِمنا من كبد حمزة".



وفي "المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر"؛ لابن الأثير: "وبلغني عن الشيخ أبي محمد بن أحمد المعروف بابن الخشاب البغدادي، وكان إمامًا في علم العربية وغيره، فقيل: إنه كان كثيرًا ما يقف على حِلَق القصاص والمشعبذين، فإذا أتاه طلبة العلم، لا يجدونه في أكثر أوقاته إلا هناك، فلِيمَ على ذلك، وقيل له: أنت إمام الناس في العلم، وما الذي يبعثك على الوقوف بهذه المواقف الرذيلة؟ فقال: لو علمتُم ما أعلم، لَما لُمْتُم، ولطالما استفدت من هؤلاء الجُهال فوائد كثيرةً، فإنه يجري في ضمن هَذيانهم معانٍ غريبة لطيفة، ولو أردت أنا وغيري أن نأتيَ بمثلها، لَما استطعنا ذلك".



أما في "ثمار القلوب في المضاف والمنسوب"؛ للثعالبي، فقبل أن يُورد مؤلفه بعض الروايات عن الإسكندر المقدوني، نجده يقول على سبيل التمهيد: "وهذه جملة من سِيَره مأخوذة من تواريخ يونان وفارس، وأما روايات القصاص وأهل المبتدأ، فمرفوضة عند أهل التحصيل".



وفي "ربيع الأبرار ونصوص الأخيار"؛ للزمخشري:

"خبَّاب بن الأرت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن بني إسرائيل لما قصُّوا، هلَكوا)).



روي أن كعبًا - رضي الله عنه - كان يقص، فلما سمع هذا الحديث، ترَك القصص.



ابن عمر - رضي الله عنه -: لم يقص على عهد رسول الله، ولا على عهد أبي بكر، ولا على عهد عمر وعثمان، وإنما كان القصص حين كانت الفتنة.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-08-2022, 05:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ما لم يعرفه الأدب العربي القديم

مرَّ علي - رضي الله عنه - بقاص، فقال له: ما اسمك؟ قال: أبو يحيى، قال: أنت أبو "اعرفوني أيها الناس".



عن أبي قلابة: ما أمات العلم إلا القصاص: يجلس الرجل إلى القاص السنة، فلا يتعلم منه شيئًا، ويجلس إلى العالم، فلا يقوم إلا وقد تعلَّق منه بشيء.



نهى إبراهيم النخعي إبراهيم التيمي عن القصص، فقيل له: رجع يقص، قال: لِم؟ قيل لرؤيا رآها، قال: وما هي؟ قيل: رأى كأنه يقسم على جلسائه ريحانًا، قال: ما أعلم الريحان إلا طيب الرائحة حَسن المنظر، إلا أن طَعمه مُرٌّ، وكان يقول: ما أحد يبتغي بقصصه وجه الله إلا إبراهيم التيمي، ولوَدِدت أنه يفلت منه كِفافًا.



ابن المبارك: سألت الثوري: من خير الناس؟ قال: العلماء، قلت: من الأشراف؟ قال: المتقون، قلت: من الملوك؟ قال: الزهاد، قلت: من الغوغاء؟ قال: القصاص الذين يستأكلون أموال الناس بالكلام، قلت: من السفلة؟ قال: الظلمة.



سُئل فُضيل عن الجلوس إلى القاص، قال: ليس هذا لله، ليس هذا لله، هذا بدعة، ما كان على عهد رسول الله ولا عهد أبي بكر وعمر قاص، ولكن إذا كان الرجل يذكر الله ويُخوِّف، فلا بأس أن يُجلَس معه.



معاوية بن قُرَّة: لتاجر يجلب إلينا الطعام أحب إلي من قاصين.



قدِم سفيان الثوري البصرة، فنزل بمرحوم العطار، فقال: ألا أذهب بك إلى قاص تَسمعه؟



فكأنه تَكره، ثم مضى معه، فإذا هو بصالح المُرِّي، فقال: ليس هذا بقاص، هذا نذير.



قيس بن جبر النهشلي: هذه الصعقة التي عند القصاص من الشيطان.



قيل لعائشة - رضي الله عنها -: إن قومًا إذا سمعوا القرآن صُعِقوا، فقالت: القرآن أكرم من أن تَنزف منه عقول الرجال، ولكنه كما قال الله: ﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 23].



ورُوي أن قاصًّا أنشد:

أمِن ذِكر خَودٍ دمعُ عينيك يَسفَحُ؟



ولطَم وجهه وبكى بكاءً شديدًا، فسئل عن "خَود"، فقال: وادٍ في جهنم يا حَمقى".



ولا يعود هذا الموقف حيال القصاص إلى كراهية أو احتقار لفن القصص في حد ذاته، بل إلى أن كثيرًا من طائفة القصاصين كانوا عوام الفكر، يعتمدون في وعظهم على الخرافات والمبالغات والتهويلات التي لا يقبلها العقل، ولا تُصدقها تجارب الحياة، ناسبين خرافاتهم ومبالغاتهم إلى الدين ذاته، موهمين الناس أنها من أحاديث النبي - عليه السلام - كما كان بعضهم يتَّخذ من هذا العمل سبيلاً إلى الرواج لدى العامة، وإلا فقد رأينا الجاحظ مثلاً يعلي من شأن القصاص المخلصين.



ولكي تتَّضح الصورة ويَعرف القارئ أن ذلك الموقف من القصاص، لم يكن تعبيرًا عن رفْض القصص بوصفه فنًّا أدبيًّا، بل رفضًا للخرافات والمبالغات، وإفساد الدين واستغلاله في الرواج عند العامة، وأكل الدنيا به ما قاله عدد من علماء الدين في تلك العصور، فقد قال ابن قتيبة مثلاً في "تأويل مختلف الحديث": إن "الحديث يدخله الشوب والفساد من وجوه ثلاثة؛ منها: الزنادقة واجتيالهم للإسلام، وتهجينه بدسِّ الأحاديث المُستشنعة والمستحيلة...، والوجه الثاني: القصاص على قديم الزمان، فإنهم يُميلون وجوه العوام إليهم، ويَستدِرُّون ما عندهم بالمناكير والغريب والأكاذيب من الأحاديث، ومن شأن العوام القعود عند القاص ما كان حديثه عجيبًا خارجًا عن فِطَر العقول، أو كان رقيقًا يُحزن القلوب ويَستغزِر العيون، فإذا ذكر الجنة، قال: فيها الحوراء من مسك أو زعفران، وعَجِيزتها ميل في ميل، ويُبوِّئ الله تعالى وليَّه قصرًا من لؤلؤة بيضاء، فيه سبعون ألف مقصورة، في كل مقصورة سبعون ألف قُبة، في كل قبة سبعون ألف فراش، على كل فراش سبعون ألف كذا، فلا يزال في سبعين ألف كذا وسبعين ألفًا، كأنه يرى أنه لا يجوز أن يكون العدد فوق السبعين ولا دونها، ويقول: لأصغر من في الجنة منزلةً عند الله مَن يعطيه الله تعالى مثل الدنيا كذا وكذا ضِعفًا، وكلما كان من هذا أكثر، كان العجب أكثر، والقعود عنده أطول، والأيدي بالعطاء إليه أسرع، والله - تبارك وتعالى - يخبرنا في كتابه بما في جنته بما فيه مَقنع عن أخبار القصاص وسائر الخلق، حين وصف الجنة بأن عرضها السموات والأرض...، فكيف يكون عرضها السموات والأرض، ويعطي الله تعالى أقل مَن فيها منزلةً فيها مثل الدنيا أضعافًا؟



ثم يذكر آدم - عليه السلام - ويصفه، فيقول: كان رأسه يبلغ السحاب، أو السماء ويحاكها، فاعتراه لذلك الصلع، ولما هبط إلى الأرض، بكى على الجنة حتى بلغت دموعه البحر، وجرت فيها السفن، ويذكر داود - عليه السلام - فيقول: سجد لله تعالى أربعين ليلةً، وبكى حتى نبت العشب بدموع عينيه، ثم زفر زفرةً هاج لها ذلك النبات، ويذكر عصا موسى - عليه السلام - فيقول: كان نابها كنخلة سحوق، وعينها كالبرق الخاطف، وعرفها كذا، والله - تعالى - يقول: ﴿ كَأَنَّهَا جَانٌّ ﴾ [النمل: 10]، والجان: خفيف الحيات.



وحدثني الرياشي قال: نا عبدالله بن مسلمة عن أنس بن عياض، عن زيد بن أسلم، قال: وجد في حجاج رجل من العماليق ضَبُع وجِراؤها.



وأما الوجه الثالث الذي يقع فيه فساد الحديث، فأخبار متقادمة كان الناس في الجاهلية يروونها تُشبه أحاديث الخرافة؛ كقولهم: إن الضب كان يهوديًّا عاقًّا، فمسَخه الله تعالى ضبًّا؛ ولذلك قال الناس: أعق من ضَبٍّ، ولم تقل العرب: "أعق من ضب" لهذه العلة، وإنما قالوا ذلك؛ لأنه يأكل حسوله إذا جاع...، وكقولهم في الهدهد: إن أمه ماتَت، فدفَنها في رأسه؛ فلذلك أُنْتِنت ريحه...، وكقولهم في الديك والغراب: إنهما كان متنادمين، فلما نفِد شرابهما، رهَن الغراب الديك عند الخَمَّار، ومضى فلم يرجع إليه، وبقِي الديك عند الخمار حارسًا...، وكقولهم في السِّنور: إنها عطسة الأسد، وفي الخنزير: إنه عطسة الفيل، وفي الإربيانة: إنها خياطة كانت تسرق الخيوط، فمُسِخت....".



وفي "الموضوعات"؛ لابن الجوزي: "صلى أحمد بن حنبل ويحيى بن مَعين في مسجد الرصافة، فقام بين أيديهم قاص، فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن مَعين، قالا: حدثنا عبدالرزاق عن مَعمر عن قتادة عن أنس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال لا إله إلا الله، خلَق الله من كل كلمة طيرًا، منقاره من ذهب، وريشه من مَرجان، وأخذ في قصته نحوًا من عشرين ورقةً! فجعل أحمد بن حنبل ينظر إلى يحيى بن مَعين، وجعل يحيى بن معين ينظر إلى أحمد، فقال له: حدَّثته بهذا؟ فيقول: والله ما سمعت هذا إلا الساعة، فلما فرَغ من قَصصه وأخذ العطيَّات، ثم قعَد ينتظر بقيَّتها، قال له يحيى بن معين بيده: تعالَ، فجاء متوِّهمًا لنوال، فقال له يحيى: من حدَّثك بهذا الحديث؟ فقال: أحمد بن حنبل ويحيى بن مَعين، فقال: أنا يحيى بن معين، وهذا أحمد بن حنبل، ما سمِعنا بهذا قط في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمقُ، ما تحقَّقت هذا إلا الساعة، كأن ليس فيها إلا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما، وقد كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن مَعين، فوضع أحمد كمَّه على وجهه وقال: دَعه يقوم، فقام كالمستهزئ بهما".



وفي "القصاص والمذكرين"؛ لابن الجوزي أيضًا أنهم: "ينسبون ما يسمعونه من الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخلطون الأحاديث بعضها ببعض، ويتصنعون البكاء والرِّعْدة، ومنهم من يصفرُّ وجهه ببعض الأدْوِية، وبعضهم يُمسك معه ما إذا شمَّه سال دمعه، ويتظاهرون بالصعقة..."، وفي ضوء ما مر يُمكننا أن نعرف لِمَ كان بعض الحكام يمنعون القصاص من الجلوس في المساجد والقص على الناس؛ تجنُّبًا للشغب الذي كان يحدث جرَّاء اجتماع الطغام، وما يمكن أن يحصل عن ذلك من جدال وضجيجٍ ومشاحنات.



ويؤكد أيضًا ما قلناه من أن هذه النقول ليست دليلاً على كراهية القصص في ذاته، بل القصص المراد به خداع العوام، وترويج الخرافات بينهم؛ للضحك عليهم، واستدرار ما في جيوبهم.



إن هناك كُتابًا كبارًا من القدماء قد أثنوا على مقامات الحريري مثلاً ثناءً عظيمًا، ووقفوا بقوة في وجه من يحاول التقليل من شأنها لحساب الرسائل، لكننا للأسف لا نجد في كلامهم رغم ذلك شيئًا يتعلق بالناحية الفنية في هذه الإبداعات العجيبة، بل ليس فيما كتَبه الحريري نفسه في مقدمة "مقاماته" عن إنجازه في هذا الميدان شيء عن ذلك الجانب بتاتًا؛ إذ قال: "وأرجو ألاَّ أكون في هذا الهذر الذي أورَدته، والمورد الذي تورَّدته، كالباحث عن حَتفه بظِلفه، والجادع مارِنَ أنفِه بكَفِّه، فألحق بالأخسرين أعمالاً الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.



على أني، وإن أَغْمَض لي الفَطِنُ المتغابي، ونضَح عني المحب المحابي، لا أكاد أخلُص من غُمْرٍ جاهل، أو ذي غُمْرٍ متجاهل، يضع مني لهذا الوضع، ويُندِّد بأنه من مناهي الشرع، ومن نقد الأشياء بعين المعقول، وأنعم النظر في مباني الأصول - نظم هذه المقامات في سلك الإفادات، وسلَكها مسلك الموضوعات، عن العجماوات والجمادات، ولم يسمع بمن نبا سمعه عن تلك الحكايات، أو أثم رواتها في وقت من الأوقات، ثم إذا كانت الأعمال بالنيات، وبها انعقاد العقود الدينيات، فأي حرج على من أنشأ ملحًا للتنبيه، لا للتمويه، ونحا بها منحى التهذيب، لا الأكاذيب؟ وهل هو في ذلك إلا بمنزلة من انتُدِب لتعليمٍ، أو هُدِي إلى صراط مستقيم؟




على أنني راضٍ بأن أحملَ الهوى

وأَخلُص منه لا عليَّ ولا لِيَا






نعم لم يتطرَّق الحريري البتة إلى الناحية الفنية القَصصية في عمله، بل اكتفى بالدفاع عن نفسه ضد ما ناله بسببه من الاتِّهام بأنه رجل مِهذار يخالف الشرع في هَذره الذي يُضيِّع به وقته.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 75.85 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 73.46 كيلو بايت... تم توفير 2.38 كيلو بايت...بمعدل (3.14%)]