مسرح شوقي والأدب المقارن - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836806 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379363 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191145 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2666 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 660 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 945 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1094 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 854 )           »          صحتك فى شهر رمضان ...........يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 837 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى اللغة العربية و آدابها > ملتقى النقد اللغوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16-09-2022, 03:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي مسرح شوقي والأدب المقارن

مسرح شوقي والأدب المقارن 1
د. إبراهيم عوض



جاء في كتاب "المسرح" لمحمد مندور ما يفهم منه أن تأثر شوقي بالأدب الفرنسي وإقباله على الإبداع المسرحي هو حصيلة إقامته في فرنسا أيام طلبه العلم في مدرسة الحقوق بمونبليه (انظر كتابه: المسرح/ سلسلة فنون الأدب العربي - الفن التمثيلي (1)/ دار المعارف/ 70 - 71)، والواقع أنه كان في مصر من قبل ذلك نشاط أدبي مسرحي شعرًا ونثرًا، تأليفًا وترجمة، ومن المؤلفين المسرحيين الغربيين الذين ترجمت بعض أعمالهم في تلك الفترة المبكرة: شكسبير وراسين وكورني وموليير، ومن الأسماء المسرحية التي برزت في تلك الفترة محمد عثمان جلال وسليم النقاش وخليل اليازجي ونجيب الحداد وعبدالله فكري ومصطفى كامل، وكانت هناك كتابات نقدية واعية بهذا الفن تدل على أن أصحابها درسوا المسرح وعرفوا أصول نقده مما قرؤوه في الأدب والنقد الغربيين، وهذه الكتابات متاحة لمن يريدها في مقدمات المسرحيات المنشورة في ذلك الوقت أو في بعض المجلات والصحف، ومن هنا فإني قد لا أشاطر د. مندور رأيه المذكور آنفًا، وأرى أن شوقي قد تأثر بالتأليف المسرحي الذي كان موجودًا ونشِطًا بمصر قبل سفره إلى فرنسا، وبخاصة إذا لاحظنا أنه لم يُقبِل بكل همته على المشاركة في ذلك التأليف إلا في أخريات حياته بعدما عاد من فرنسا بزمن جد طويل، بل بعدما عاد أيضًا من إسبانيا، التي كان قد نفي إليها خلال الحرب العالمية الأولى، ولو أضفنا إلى هذا وذاك أنه لم يقم بترجمة أي من المسرحيات الغربية لتبين أن الرأي الذي ذكرته أحرى أن يكون هو الصواب، وإن لم أستبعد أن تكون إقامته في فرنسا أيام الدراسة، ثم في إسبانيا أيام النفي، قد أغرته بالإقبال على المسرح الغربي قراءة ومشاهدة، مما أسهم في صقل إمكاناته المسرحية.

كذلك يقول د. محمد مندور في سياق انتقاد شوقي:
إن شوقي، حين شرع في الكتابة المسرحية، كان تأثره أوضح ما يكون بالمسرح الكلاسيكي، لكنه لم يكن قد تعمق دراسة المذاهب المسرحية المختلفة، ومن ثم لم يكن قادرًا على اختيار مذهب من تلك المذاهب عن وعي واختيار، بل جاء تأثره بالكلاسيكية بطريقة تلقائية غير منهحية؛ ولهذا لا نراه يتقيد في مسرحه بجميع الأصول الكلاسيكية، بل يأخذ بما هداه إليه إحساسه (المرجع السابق/ 71 - 72).

وبعيدًا عن المستوى الفني لمسرح شوقي نود أن نعرب بقوة عن مخالفتنا للدكتور مندور؛ إذ من الواضح أنه يرى أن مكاننا في الإبداع الأدبي لا بد أن يأتي تابعًا للغربيين، فإذا ذهبوا يمينًا وجب أن نذهب وراءهم ذات اليمين، وإذا راحوا شمالاً كان علينا أن نيمِّمَ وجوهنا ذات الشمال...وهكذا، وبنفس الطريقة لا بد لنا أن نكون إما كلاسيكيين أو رومانسيين أو واقعيين صرفًا ما دامت هناك مذاهب كلاسيكية ورومانسية وواقعية صرف، ولا يحق لنا أن نمزج بين مذهبين، وهذا ما يوجبه النقاد المشايعون لكل ما يأتي من الغرب، فنراهم يعيبون أي ناقد لا يتقيد بمذهب بعينه، ويزعمون أن نقده فاسد وغير منهجي، مع أن تلك المذاهب الأدبية والنقدية ليست نازلةً من السماء، بل هي نتاج بشري فيه الصواب وفيه الخطأ، ومن حق أي أحد أن يتصرف فيها على النحو الذي يراه صحيحًا، ومن ثم فإننا، مبدئيًّا، لا نرى فيما فعله شوقي طبقًا لما يقوله مندور من عدم تعبده لمذهب بعينه على النحو الذي يريده ذلك الناقد شيئًا يعاب، بل كان هو التصرف الأقرب إلى الحكمة، ثم إن شوقي لم يؤلف، وهو في فرنسا، إلا مسرحية واحدة هي مسرحية "علي بك الكبير"، التي أعاد تأليفها بعد ذلك بسنوات طوال في أخريات حياته.

كذلك لا أشاطر مندور قوله: إن استقاء شوقي مسرحياته من التاريخ قد وقف حاجزًا بينها وبين الجمهور، الذي كان يفضل أن يرى في المسرحية عرضًا لمشاكله المعاصرة بدلاً من معالجة الأحداث التاريخية التي بعد بها العهد فلم يعد لها تأثير يذكر في حياته واهتماماته (ص74)، وقد فات مندور أن كثيرًا جدًّا من المسرحيات المعاصرة لشوقي كانت مسرحيات تاريخية، وراجت لدى الجمهور المصري أيما رواج، وإلا فلم استمر الشعراء ينسجون مسرحياتهم من خيوط التاريخ؟ إن انحياز شوقي لإبداع المسرحيات التاريخية في كل أعماله تقريبًا إنما هو اتباع لما كان يجري عليه التأليف المسرحي في مصر آنذاك في أغلب الأحيان؛ إذ كان التاريخ والقصص الشعبي أهمَّ مصادر التأليف المسرحي العربي، كما جاء في مادة "المسرحية العربية" في "الموسوعة العربية العالمية"، التي أضافت أن المسرحية العربية تنقسم إلى ثلاثة أنواع: مسرحية تاريخية، ومسرحية تراثية، ومسرحية شعرية، وأن المسرح التاريخي قد شغل حيزًا كبيرًا في التراث الأدبي المسرحي على امتداد الوطن العربي، وفي مختلف مراحل تاريخ المسرحية العربية، ومنه على سبيل المثال في تلك الفترة المبكرة: مسرحية "المروءة والوفاء" لخليل اليازجي (1876م)، و"السلطان صلاح الدين في مملكة أورشليم" لفرح أنطون (1914م)، أما المسرح التراثي في تلك الفترة ذاتها فيمكن الاستشهاد له بمسرحية "أبو الحسن المغفل" لمارون النقاش، وهي مستوحاة من قصص "ألف ليلة وليلة"، وكاد أبو خليل القباني الرائد الثاني لكتابة المسرحية أن يعتمد كليًّا على القصص الشعبي في كتابة مسرحياته المأخوذة في معظمها من قصص "ألف ليلة وليلة"، وقد اعتمدت الموضوعات في هذه الفترة على ما يجد القبول لدى العامة من أحاديث الحب والخيانة والبطولة والشهامة.

ومما قاله د. مندور عن مسرح شوقي أيضًا أنه مسرح كلاسيكي (ص71 - 74)، لكن فاته أن المسرح الكلاسيكي يفصل تمام الفصل بين المأساة والملهاة، فلا يخلط بينهما في العمل المسرحي الواحد، فضلًا عن أن زمن المسرحية فيه ينبغي ألا يتجاوز أربعًا وعشرين ساعة، كما لا ينبغي أن يتسع المحيط المكاني الذي تقع فيه أحداثها عن المحيط الذي يمكن أن يتحرك فيه الإنسان خلال تلك الساعات الأربع والعشرين، ومن ثم فإننا لا نوافق مندور على تصنيفه هذا؛ إذ كانت مسرحيات شوقي تضم أحيانًا عناصر مأساوية وأخرى ملهاوية، كما لم تلتزم بتاتًا بالوحدات الثلاث التي كان المسرحيون الكلاسيكيون يلتزمون بها، فلم يبقَ إذًا إلا أن موضوعات مسرحياته هي في الغالب موضوعات تاريخية، لكن هل يكفي هذا للحكم عليها بأنها مسرحيات كلاسيكية على اعتبار أن المسرحيات الكلاسيكية كانت تعالج موضوعات تاريخية؟ لا أظن هذا سببًا كافيًا للقول بأن شوقي شاعر مسرحي كلاسيكي، بل إن مندور نفسه قد عاد في موضع آخر من ذات الكتاب الذي نحن بصدده فذكر أن شوقي كان حريصًا على أن يضفي على مسرحيته: "مجنون ليلى" مثلًا ما يسمى بـ: "اللون المحلي" و"الطابع التاريخي الشعبي"، وهما سمتان من سمات المسرح الرومانسي (ص78)، كما لا ينبغي أن يفوتنا أن بعض مسرحيات شوقي تشتمل على أبيات رومانسية ينصرف البطل إلى إلقائها فتسكن حركة المسرحية، وينصرف المشاهد إلى استماع تلك القصيدة مغمورًا بالانبهار، وليس في هذا أدنى شيء من الاتجاه الكلاسيكي.

ولعل ما كتبه د. جمال الدين الرمادي عن مسرحيات شوقي من أنها لا تمت بصلة إلى مذهب أدبي محدد، بل تأخذ من هذا المذهب شيئًا، ومن ذاك المذهب شيئًا آخر، فجاء فنه يتأرجح على غير هدى، هو أقرب شيء إلى واقع الأمر (انظر كتابه: "مسرحية كليوباترة بين الأدب العربي والأدب الإنجليزي"/ دار الفكر العربي/ 45)، ومن العجيب أن يكتب مندور في كتابه: "مسرحيات شوقي" أنه إذا كانت الكلاسيكية تحافظ على مبدأ فصل الأنواع؛ أي: جعل المأساة مأساة خالصة، والملهاة ملهاة صرفًا، فإن الرومانسية قد خلطت بين الأمرين، وهو ما صنعه شوقي أيضًا (الكتاب المذكور/ مكتبة نهضة مصر ومطبعتها/ 1956م/ 28)، فضلًا عن تضمينه قصائد غنائية في مسرحياته إرضاءً للذوق العربي والمصري الذي يعشق الطرب والغناء (المرجع السابق/ 29 - 30)، كذلك أكد مندور أن "شوقي لم يتقيد بتيار خاص ولا بمذهب معين، بل جمع بين الشرق والغرب، وبين مذاهب الأدب المختلفة، والظاهر أنه لم يتعمق دراسة فلسفة الأدب، ولم يكن لنفسه حصيلة نظرية من تلك الفلسفة، وإنما كان يستهدي ذوقه الخاص وتفكيره القريب المنال" (ص30 - 31)، ليعود فيقول عكس هذا تمامًا حين قرر أننا "لا ينبغي أن نأخذ بالأصول التي سار عليها هذا المذهب أو ذاك في الأدب الغربي؛ فالكثير من تلك الأصول نسبي لم يتحرج الغربيون من الخروج عليها حتى لو كانت مما نظنه بديهيًّا، مثل ضرورة انتهاء المسرحية إلى خاتمة ما" (ص31)، وهو ما يعني صحة كل ما قلناه آنفًا، وبالمثل نرى د. محمد حامد شوكت يقرر أن شوقي قد تأثر في مسرحياته بالاتجاه الكلاسيكي في فرنسا (ص)78 من كتابه: "الفن المسرحي في الأدب العربي الحديث") رغم أنه عنون الفصل الذي ورد فيه هذا الحكم، وهو الفصل الثاني من الكتاب الذي نحن بصدده، بـ: "المسرح الرومانسي المنظوم" (ص67).

وهذه هي القضية الأولى من قضايا الأدب المقارن في مسرح شوقي، أما القضية الثانية فتتعلق بمسرحيته عن كليوباترا (69 - 30 ق.م)، وهي، كما نعرف، ملكة من ملكات مصر القديمة، ومن أكثر النساء اشتهارًا بالسحر والجاذبية على مدى التاريخ رغم أنها لم تكن صارخة الجمال، لكنها اشتهرت بالذكاء والفطنة والحصافة والطموح، وكانت تتصف في بعض الأحيان بقسوة القلب، وقد أحبت يوليوس قيصر ومارك أنطوني القائدين الرومانيين المشهورين في زمنها، وكانت لها معهما علاقات غرامية، وكانت هي الملكة الأخيرة في الأسرة الحاكمة التي أنشأها بطليموس الأول عام 323 ق.م، وهو أحد القواد في جيش الفاتح المقدوني الشهير الإسكندر الأكبر، واسمها كاملاً: كليوباترا السابعة؛ إذ كانت ملكة مصر السابعة التي تحمل هذا الاسم نفسه من السلالة المقدونية.

وقد اعتلت كليوباترا العرش عام 51 ق.م، بعد وفاة والدها بطليموس الثاني عشر، وأصبح أخوها بطليموس الثالث عشر، الذي كان في العاشرة من عمره حينئذ، شريكها في الحكم وزوجها كذلك، جريًا على ما كان شائعًا في ذلك الزمان من جواز اقتران الأخ بأخته، وانفرد الأوصياء الذي كانوا يتولَّون رعاية بطليموس الصغير بالسلطة دونه عام 48 ق.م، وخلعوا كليوباترا عن العرش، وفي ذلك الوقت وصل يوليوس قيصر إلى الإسكندرية، عاصمة مصر حينئذ، حيث التقى بكليوباترا وربط الحب بينهما، فوقف إلى جانبها ونصرها على معارضيها، وغرق أخوها بطليموس الثالث عشر وهو يحاول الهرب، وأعادها قيصر إلى العرش مع شقيق آخر لها هو بطليموس الرابع عشر، وقد وضعت بعيد ذلك طفلاً عام 47ق.م، وسمته قيصرون، وأعلنت أنه ابن قيصر، وفي عام 46 ق.م لبت دعوة قيصر وذهبت هي وقيصرون وبطليموس الرابع عشر إلى روما، وظلت هناك حتى عام 44 ق.م حين قامت مجموعة من أشراف روما الأرستقراطيين بقتل قيصر، وحينئذ عادت إلى مصر، حيث دبرت مقتل أخيها بطليموس الرابع عشر حتى يتمكن قيصرون من الحكم.

وفي عام 41 ق.م وجه مارك أنطونيو دعوة إلى كليوباترا لزيارته في طرسوس في آسيا الصغرى (تركيا الآن)، وكان أنطونيو في ذلك الوقت أحد حكام روما مع جايوس أوكتافيوس (أوغسطس) وماركوس ليبيدس، وكان قد التقى بكليوباترا أثناء إقامتها في روما في ضيافة قيصر، وكان يود أن يحكم روما وحده، ويأمل أن يحصل على مساعدة مادية من كليوباترا، وقد ربط الحب بينهما عام 40 ق.م، ووضعت كليوباترا مولودين توءمين.

أحب أنطونيو كليوباترا وطفليها إسكندر هيليوس وكيلوباترا سيلين (التوءمين)، ولكنه ترك الجميع ليتزوج أوكتافيا شقيقة أوكتافيوس شريكه في الحكم، وكان زواجه بمثابة وسيلة سياسية للوصول إلى السلطة، إلا أنه افتقد كليوباترا، فترك أوكتافيا، وعاد إلى حبيبة قلبه وتزوجها عام 37 ق.م، وبعد ذلك بعام رزقت كليوباترا بغلام آخر منه، هو بطليموس فيلاديلفوس، وقد تعاون الاثنان لتحقيق أهدافهما، وكان هو يعتقد أن ثروة مصر ستساعده ليصبح الحاكم الوحيد لروما، أما هي فكانت تأمل أن تجعل من أولادها، وخصوصًا قيصرون، حلقات في سلسلة حكام روما، وفي عام 34 ق.م عينها حاكمًا على مصر وقبرص وكريت وسوريا، ومنح أبناءه منها كثيرًا من الأراضي التي كان يحكمها الإسكندر الأكبر، مما أغضب مشاركيه ومنافسيه في الحكم، وكان أوكتافيوس يرى أن كليوباترا امرأة جشعة ذات أطماع واسعة، وأحس أنها حولت أنطونيو إلى شخص مسلوب الإرادة تحركه كما تشاء.

وفي عام 32 ق.م أعلن أوكتافيوس الحرب على أنطونيو، ودارت معركة بين الفريقين عند أكتيوم على الشاطئ الغربي من بلاد اليونان، خسرها أنطونيو وكليوباترا، فعاد الاثنان إلى الإسكندرية، حيث حضر أوكتافيوس بعد بضعة أشهر لملاحقتها، وبعد أن وصل بقواته إلى مصر عام 30 ق.م أشاعت كليوباترا أنها انتحرت، وسمع أنطونيو بالنبأ فقتل نفسه بالخَنجَر حزنًا عليها، وحمله أتباعه إلى كليوباترا، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة بين ذراعيها.

وهنا اعتقدت كليوباترا أن أوكتافيوس سوف يهينها على الملأ في روما، فحاولت أن تعقد السلام معه، ولكنها فشلت، فدفعها اليأس إلى الانتحار بأن وضعت حية سامة على صدرها أو ذراعها، وبعد وفاتها قتل الرومان قيصرون خشية أن يطالب بالإمبراطورية الرومانية بوصفه وريثًا لقيصر وولي عهده.

وترجع شهرة كليوباترا في التاريخ إلى وجهة نظر أوكتافيوس الذي وصف أنطونيو بأنه ضحية لصدمة حبه من امرأة ساحرة لعوب، وتبنى الشاعران الرومانيان فيرجيل وهوراس هذه النظرة، وتناولها تناولاً قصصيًّا عدد من الأدباء حول العالم، كما ألفت حولها مسرحيات متعددة، منها: مسرحية "أنطونيو وكليوباترا" (1607م) لوليم شكسبير، ومسرحية "كل شيء من أجل الحب" (1677م) للإنجليزي جون درايدن، ومسرحية "قيصر وكليوباترا" (1898م) للأيرلندي جورج برناردشو، ومسرحية "مصرع كليوباترا" للشاعر أحمد شوقي (نقلاً عن "الموسوعة العربية العالمية" بشيء من التصرف، وانظر أيضًا "الموسوعة البريطانية 2009م"، و"موسوعة اليونيفرساليس 2009م"، وموسوعة "الويكيبيدا" بنسختيها الإنجليزية والعربية، وموسوعة "الإنكارتا" بنسختيها الإنجليزية والفرنسية).

ولسوف نشرع الآن في المقارنة بين مسرحية شكسبير ونظيرتها لشوقي، فماذا نجد؟ نجد أن كلتا المسرحتين قد بدأت أحداثها في غرفة من غرفات قصر كليوباترة: فأما لدن شكسبير فهي غرفة مجهَّلة لم تحدد: "Alexandtia، Aroon in Cleopatra palase"، وأما لدن شوقي فهي المكتبة تحديدًا، ومع هذا فالفرق بين المكانين هو فرق غير ذي قيمة، كما هو بين لا يحتاج إلى توضيح، فهل هذا الأمر تم عفوًا؟ أم هل تأثر شوقي بمسرحية شكبير، التي كان قد قرأها قبل أن يؤلف مسرحيته هو فكان أن بدأ مسرحيته على هذا النحو؟ (انظر في قراءته مسرحية شكسبير كتاب د. ماهر حسن فهمي: "أحمد شوقي"/ أعلام العرب/ العدد 106/ 171).

وقد وصفت كليوباترة في النظرات التحليلية التي ذيلت بها مسرحية "مصرع كليوباترة" بـ: "الملكة المصرية المظلومة"، مؤكدًا كاتبها أنها اكتسبت مصريتها من واقع حكم أسرتها لأرض الكنانة ثلاثة قرون هي عمر الدولة البطلمية، التي وفدت إلينا من اليونان واحتلت بلادنا (ص119)، كذلك انبرى كاتب النظرات يدافع عن كليوباترة أيما دفاع؛ إذ نعتها بالوفاء والإخلاص لمصر، ورد ما اتهمها به مؤرخو الرومان في عرضها وعقلها واصفين إياها بأنها "حية النيل العجوز"، مبينًا أنه إذا كان شوقي قد أخذ على عاتقه مهمة كتابة مسرحية تنصف "هذه المصرية المضطهدة" وتثبت لها "سمو الغاية ونبالة المقصد" على حد تعبيره، فهذا أمر طبيعي استوحي فيه المنطق واتجاه البحث العلمي الذي يكشف كل يوم من أمر كليوباترة شيئًا جديدًا ينسخ ما كان متعارفًا من قبل (ص120).

والواقع الذي نعرفه ولا نعرف سواه، حتى الآن على الأقل، هو أن كليوباترة كانت امرأة لعوبًا حسبما رأينا من ترجمتها الآنفة، فضلًا عن أنها ليست مصرية أبدًا، فكيف يقلب شوقي حقائق التاريخ ويصيرها مصرية طاهرة الذيل؟ لقد أطلق للسانه في المسرحية العنان، فوصف الشعب المصري بأنه شعب ثرثار رعديد يسمع كلام حاكميه ولا يفكر يومًا في الثورة عليهم، بل يخرج للهتاف بحياتهم والتصفيق لهم مهما استبدوا به وأجحفوا بحقوقه وساموه سوء العذاب، ولم نجد في ذلك ما يقدح في وطنيته؛ إذ ليس مطلوبًا من الأديب أن يزيف حقائق الأمور فيرسم لشعبه صورة براقة نظيفة في الوقت الذي ليست صورته الحقيقية براقة ولا نظيفة، فكيف انقلبت الأمور على يديه بالنسبة إلى كليوباترة، فحرص على تطهيرها وتصويرها في أبهى حلة وأنقاها، وهي ليست كذلك؟ ترى هل السبب في ذلك يرجع إلى أن في عروق شوقي شيئًا من الدم اليوناني وأنه ليس مصريًّا بالجنس بل بإقامة أسرته فيها زمنًا مثلما هو الوضع في حالة كليوباترة؟

لكن كيف فات شوقي أن ثمة فرقًا هائلًا بين البطالمة، الذين اقتحموا مصر بالقوة الغشوم محتلين، وحكموها مستبدين، ولثرواتها مستنزفين، ولشعبها قاهرين، وبينه هو وأمثاله ممن أتوا إلى مصر بوصفهم أفرادًا، وامتزجوا بالمصريين امتزاجًا، وصاروا جزءًا منهم بالطريق الطبيعي وبالرضا؟ ثم إن كليوباترة خاضت بركة من الدماء في سبيل التشبث بالسلطان، وقتلت أخاها، وفرطت في عِرضها، واتبعت سبيل شهواتها، واستغلت جسدها من أجل الإيقاع بقادة روما في غرامها واحدًا وراء الآخر غير عابئة بمبدأ أو قيمة، وما هكذا تخدم الأوطان! إن الأوطان إنما تخدم بالشرف والكرامة والعزة والعفة، لا بإذالة العِرض وابتذاله!

كذلك كان البطالمة يعملون على نشر الثقافة الإغريقية ويقربون إليهم أبناء بلادهم الأصلية دون المصريين، وإلى القارئ ما كتبته "الموسوعة العربية العالمية" في المادة الخاصة بـ: "بطليموس الأول" مؤسس دولة البطالسة في مصر: "أسس أسرة من الحكام الذين حكموا مصر بين 323 و30 ق.م، وعرفت هذه الأسرة بالبطالسة، وقد حكم بطليموس، الذي اتخذ لقب ملك مصر، من 305 ق.م حتى عام 285 ق.م، ولد بطليموس في مقدونيا، وهي منطقة شمال اليونان، وصار قائدًا بارزًا في جيش الإسكندر الأكبر، وهو الملك المقدوني الذي أنشأ إمبراطورية ضمت مصر وأغلب بلاد غرب آسيا، وبعد موت الإسكندر عام 323 ق.م استولى بطليموس على مصر، وبسط حكمه إلى جزيرة قبرص وجنوب فلسطين وبرقة، وهي مستعمرة إفريقية في شمال إفريقيا...جند بطليموس المقيمين من الإغريق والمقدونيين في جيشه وبحريته وإدارته، ومنح المستوطنين الأراضي، وشجع على تنمية الثقافة الإغريقية".


وعلى العكس مما كتبه صاحب النظرات التحليلية تمامًا يرى فتحي سعيد أن شوقي، حين اختار كليوباترة موضوعًا لمسرحيته، كان حريصًا على "ألا يغضب ولي النعم أو جناب السلطان الأكبر؛ فكليوباترة سليلة البطالمة، وليست بنت مصر" (فتحي سعيد/ شوقي أمير الشعراء - لماذا؟/ دار المعارف/ سلسلة "تابك"/ العدد 54/ 28).



يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 19-09-2022 الساعة 03:37 PM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16-09-2022, 03:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مسرح شوقي والأدب المقارن

مسرح شوقي والأدب المقارن 1
د. إبراهيم عوض




أما شكسبير فيصورها، حسبما كتب صاحب المادة الخاصة بها في الموسوعة المشباكية الحرة: "الويكيبيديا"، امرأة مغرورة متصنعة، تستثير الضيق والاحتقار، متهالكة لا تعرف الوفاء ولا ترعى العهود؛ فهي تخون أنطونيو في الحب وفي الحرب على السواء؛ إذ ما إن يأتيها رسول أوكتافيوس ليبلغها رسالة ذلك القائد خصم أنطونيو التي يطلب فيها منها أن تسلمه أنطونيو حتى تنسى أنطونيو وتشرع في مغازلة الرسول، كما أنها قد تخلت عنه في ميدان القتال مرتين، وانسحبت بسفنها تاركة إياه يواجه عدوه وحده رغم ما كان بينها من اتفاق بأن يحارباه معًا، وعزم أنطونيو على أن ينتقم منها لتلك الخيانة ويقتل تلك المصرية الدنسة، كما جاء في المسرحية، إلا أنها تشيع أنها قد انتحرت، وأن اسمه كان آخر ما تلفظت به، وذلك بغية استحثاثه على الإسراع إليها والترامي على عتباتها بحبه القديم، إلا أن خطتها فشلت بانتحار أنطونيو حزنًا عليها، أما في مسرحية شوقي فالمسؤول عن إشاعة الانتحار هو الطبيب لا كليوباترة، وقد أراد أمير الشعراء إبراءها من تهمة دفع أنطونيو إلى الانتحار.

ولقد أشرنا من قبل إلى ما كتبه صاحب النظرات التحليلية الملحقة بمسرحية شوقي من أن الصورة السئية التي اشتهرت لكليوباترة سببها ما كتبه المؤلفون الرومان عنها بعد هزيمتها، وبالذات بلوتارك، ويا ويل التاريخ من أقلام المنتصرين! ومعروف أن شكسبير إنما اعتمد في صياغة مسرحيته على ما كتبه بلولتارك عن كليوباترة في كتابه: "Lives of rhe noble Grwciams and Romams Compared Together"، وهذا هو السبب في اختلاف النظرتين إلى تلك المرأة؛ فقد أراد شوقي أن يقدم للقراء والمشاهدين كليوباترة أخرى غير التي كتب عنها بلوتارك وأمثاله من المؤلفين الرومان، فرسم صورة ملكة مصرية تحب بلادها، وتعمل بكل سبيل لمصلحتها، وتضحي بنفسها في سبل رفعتها، وهو لا يستند في هذا الموقف إلى شيء سوى رغبته في تقديم صورة مغايرة للملكة البطليموسية؛ إذ ليس فيما بين أيدينا من الكتابات التاريخية ما يقول شيئًا من هذا، ولو على سبيل التلميح (انظر "النظرات التحليلية" في نهاية مسرحية "مصرع كليوباترة"/ 118 - 121).

أما شكسبير فلم تشغله مسألة الدفاع عن كليوباترة على الإطلاق، بل رأيناه يرسم لها صورة امرأة غادرة لا تبالي بمبدأ أو تحترم قيمة، وقد علق د. محمد غنيمي هلال على موقف كتَّاب الغرب الزاري على كليوباترة عازيًا إياه إلى أنهم كانوا يرون فيها صورة للعقلية الشرقية في نظرهم، التي تميل إلى لذة العيش ومتاعه والانتصار بالخديعة لا الجهد، وسلوك سبل المكر والحيلة، وأنهم طالما هاجموا الشرق فيها وهاجموا مصر في القديم (انظر كتابه: "الأدب المقارن"/ 312)، والعجيب أنها لم تكن مصرية، بل لم تكن شرقية البتة؛ إذ كانت من بلاد اليونان، فهي إذًا أوربية صرفة، وكان ينبغي أن يضعوا هذا في حسبانهم، لكنهم إنما كانوا يريدون الزراية على الشرق، وكأنهم طول تاريخهم ناس متحضرون ورَاقُون، وكأن الشرق كان على الدوام متخلفًا منحطًّا، وذلك رغم أنهم، إلى ما قبل عدة قرون، كانوا في غاية التخلف والتوحش والانحطاط، في الوقت الذي كنا فيه سادة لهم في مختلف مناحي الحضارة.

ولقد سماها أنطونيو بـ: "المصرية"؛ إذ قال: "إن هذه المصرية القذرة قد خانتني: "The foul Eguptian harh betrayed me"، لكن دون أن يدل هذا بالضرورة على أنها مصرية بالمعنى الذي قصده شوقي؛ إذ قد يكون كل المقصود هو الإشارة إلى أنها تعيش في مصر وتحكم المصريين، لا أنها تنتمي إليهم، ولقد عرفنا شكسبير بها في بداية المسرحية فقال: "ملكة مصر: "Clepatra، Queen of Egypt"، كما أنها هي أيضًا تسمي نفسها: "ملكة مصر: Egypts queeen"، وعلى نفس الشاكلة نسمع ألكساس يناديها بـ: "عاهلة مصر: Sovereign of Egypt"، وهذا كل ما نجده لدى شكسبير.

ومع هذا فمن الغريب في مسرحية الشاعر الإنجليزي أن كليوباترة التي قُدمت لنا بوصفها امرأة لا تبالي بأية قيمة كريمة، تؤثر أن تقتل نفسها على أن تستسلم لأوكتافيو؛ كيلا يذلها بعَرضها أسيرة في موكبه الانتصاري في روما، وأغرب منه كثيرًا أن يصورها شكسبير في موتها سعيدة رغم أنها ماتت في المسرحية بلدغة صِلٍّ مصري، فهل يمكن أن يستعلي المنتحر بهذه السهولة على آلام السم البشعة التي لا تحتمل، ويموت ميتة نشوى كما جاء في مسرحية شكسبير، فضلًا عن أن يكون ذلك المنتحر هو كليوباترة الملكة المترفة التي لم تتعود تحمل الآلام قط؟ وهذا ما صنعه شوقي أيضًا؛ فقد أنطقها، عقب لدغ الأفعى لها في صدرها، بأبيات تخاطب فيها وصيفتيها اللتين كانتا حاضرتين تنفيذ الانتحار، وتشف عن فرح خالص لا شائبة فيه، ويؤكد هذا ما قاله في نفس المعنى الكاهن أبوبيس حين رآها عقب موتها بسم الصل، فهل هذا كله توارد خواطر؟ أم هل تأثر شوقي بمسرحية نظيره الإنجليزي؟


فإذا ما عدنا إلى ما أراد شوقي إقناعنا به من أن كليوباترة إنما كان يحركها حبها لمصر لا رغبتها في الرجال والعبث بألبابهم، رأينا أمير الشعراء العرب لا يعُدُّ تركها أنطونيو في المعركة يواجه غريميه وحده خيانة وغدرًا، بل سياسة تستهدف مصلحة مصر، وهو ما كتبه صاحب النظرات التحليلية في ذلك الموضوع (ص142 - 147)، ولقد كانت كليوباترة في مسرحية شوقي تتوقع ما سوف يقال عنها بعد مماتها حسبما تذكر هي ذلك تفصيلاً وفي وضوح تام يخلو تمامًا من أية غمغمة في أواخر المسرحية.

كذلك من الغريب أن ينقلب أوكتافيو، الذي كان قد أغراها من قبل بالتخلي عن أنطونيو في الحرب وإسلامه إياه له، فيمجدها هي وأنطونيو، ويأمر بدفنهما في قبر واحد قائلاً: إنه ليس ثمة قبر في الدنيا يضم مثل هذين الحبيبين، فضلًا عن أن يتم الدفن بمراسم رسمية تكريمية، كما هو الأمر في المسرحية الشكسبيرية، وبالمثل نرى أوكتافيو في مسرحية شوقي يغير موقفه من أنطونيو فور تحققه من موته، ويشرع في تمجيده ووصفه بكل كريم من الفعال، ومرة أخرى هل كان هذا توارد خواطر بين الشاعرين الكبيرين؟ أم هل كان شوقي يجري في أعقاب الشاعر الإنجليزي، الذي قرأ مسرحيته قبل أن يضع هو "مصرع كليوباترة"؟

وبالإضافة إلى هذه الملاحظات التي قمنا بها يذكر د. محمد غنيمي هلال ملاحظات أخرى، منها: أن شوقي في مشهد الوليمة، وهو يشغل معظم الفصل الثاني من مسرحيته، قد تأثر بشكسبير، الذي جعل جوها كله مرحًا وشرابًا ورقصًا، وإن اختلف زمان الوليمة ومكانها بين المسرحيتين: فعلى حين نجدها في مسرحية شكسبير مصنوعة في إيطاليا فوق ظهر سفينة، فإنها في مسرحية شوقي قد صنعت في الإسكندرية في قصر كليوباترة، كذلك نسمع أحد الجنود الرومان ينال من الملكة واصفًا إياها بـ: "البغي"؛ لما تلفظت به من إهانة لروما، وهو ما نجده أيضًا في مسرحية الشاعر الإنجليزي؛ إذ يدعوها أحدهم في الفصل السادس والسابع من تلك المسرحية: "بغيًّا"، وللوليمة، كما ذكر د. هلال، أصل فيما سجله قلم بلوتارك في كتابه المعروف (انظر د. محمد غنيمي هلال/ الأدب المقارن/ دار نهضة مصر/ 344 - 350).

وهناك فرق آخر، وهو أن شكسبير قد وسع رقعة مسرحيته بحيث شملت مصر وروما معًا، أما شوقي فقد اقتصرت جغرافية مسرحيته على مصر وحدها، وبالتحديد على الإسكندرية وأرباضها، ولا أظن السبب في هذا تمسك شوقي بوحدة المكان المقننة في المسرح الكلاسيكي، كما يقول بعض من كتبوا عن هذه المسرحية؛ إذ إنه لم يتقيد في أي من مسرحياته عمومًا بالوحدات الثلاث على ما هو معروف، ولو كان يتقيد بهذه الوحدات لحصر أحداث مسرحيته هذه في أربع وعشرين ساعة، ولكنه مطها أطول من ذلك فغطت الأيام التي تشمل وقعة أكتيوم البحرية بين أنطونيو وكليوباترة وبين أوكتافيو وما تلا ذلك، وصولاً إلى انتحارها.

أما بالنسبة إلى المناظر التي أبدع فيها شوقي شعرًا يمكن تحويله إلى قصائد غنائية شجية مستقلة إذا أحببنا، وهو ما فعله في بعض الأحيان محمد عبدالوهاب، فليس له نظير في مسرحية شكسبير، التي تخلو تمامًا من مثل تلك القصائد الغنائية، بل إن المسرحية كلها قد صِيغت بأسلوب الشعر المرسل؛ أي: الشِّعر الموزون غير المقفى.

هذا، وقد كتب الناقد الإنجليزي وليم هازلت عن المسرحية قائلاً:
"This is a vety noble play، Though not in the forst class of shakespaeres productions، it stands next to then، and is، we think، the fimest of hisl historical plays، thtis، of those in which he made poetry the organ of history"، إلا أن د. جمال الدين الرمادي قد ترجم حكم هازلت على المسرحية الشكسبيرية على النحو التالي: "إن مسرحية شكسبير: "أنطوني وكليوباترة" لتعد في المرتبة الأولى من إنتاج شكسبير..." (د.جمال الدين الرمادي/ مسرحية كليوباترة بين الأدب العربي والأدب الإنجليزي/ دار الفكر العربي/ 25) رغم أن الناقد الإنجليزي لم يقل كذلك، بل قال، كما هو بين تمامًا من النص الإنجليزي الذي أمامنا، إنها، وإن لم تأتِ في المرتبة الأولى بين مسرحيات الشاعر، تجيء تالية لها، لكن الدكتور الركادي سها، فيما يبدو، ولم يتحرز تحرز هازلت.

وبتلك المناسبة نشير إلى ما يذكره التاريخ من أن أستاذ الأدب الإنجليزي في الجامعة المصرية في ثلاثينيات القرن الماضي قد حاول أن ينال من اللغة العربية أمام طلبته المصريين قائلاً: إنها لا يمكن أن تتسع للإبداع المسرحي الشعري؛ نظرًا لما يلتزم به شعرها من قيود الوزن والقافية، فما كان من الطالب علي أحمد باكثير إلا أن أتاه في اليوم التالي وقد ترجم في أسلوب شعري، ولكن دون التقيد بالوزن والقافية على النحو القديم، بل بطريقة ما صار يسمى بعد ذلك بـ: "الشعر الجديد" أو "شعر التفعيلة"، بعض مشاهد من المسرحية التي كانوا يدرسونها أوانذاك مع هذا الأستاذ لوليم شكسبير.

كذلك لا ينبغي أن يفوتنا دلالة العنوان في كل من المسرحيتين: فمسرحية شوقي تسمى: "مصرع كليوباترة"، أما شكسبير فأعطى مسرحيته عنوان "أنطونيو وكليوباترة"، وواضح أن التركيز في مسرحية شوقي على كليوباترة، وهذا صحيح؛ إذ المسرحية تدور حول تلك المرأة التي لعبت بألباب ثلاثة من قادة روما الكبار، أما باقي أبطال المسرحية فيأتون في المركز الثاني، على عكس مسرحية شكسبير؛ إذ كان تركيزها على أنطوينو، الذي أتى اسمه في العنوان قبل اسم كليوباترة، علاوة على أنه هو وحده الذي ورد ذكره في المسرحية من بين من أرادت كليوباترة أن توقعهم في عشقها.

.. ولقد لاحظت في "مصرع كليوباترة" أن أنوبيس الكاهن يحلف بإيزيس بوصفها إلهة يقسم باسمها، وهو ما لاحظته أيضًا في مسرحية شكسبير؛ إذ كان يتم القسم فيها بإيزيس كذلك، فهل تم ذلك عند شوقي عفوًا وتوارد خواطر ليس إلا؟ أم هل أخذها عن شكسبير حتى لو كان تأثرًا دون قصد واعٍ؟ من الصعب علي أن أتصور شوقي لا يخطر على باله من آلهة مصر القديمة إلا إيزيس، وبالذات بالنسبة إلى عصر كليوباترة غير المصرية من جهة، والمتأخر كثيرًا جدًّا جدًّا عن عصر إيزيس وأوزيريس من جهة أخرى، وبخاصة أن المصريين القدماء كان لهم آلهة متعددة، ولم تكن إيزيس أشهرهم، ولا من أشهرهم، بل إن الوعي بألوهيتها عند الناس بوجه عام ليس حاضرًا، ولو كان شوقي قد استبدل رع بها مثلًا لما بدا الأمر غريبًا على الإطلاق، ومن هنا نجد برنارد شو في مسرحيته عن كليوباترة: "Caesar and Cleopatr" يأتي بالإله رع في أول المسرحية كي يلقي على الجمهور خطبة عصماء، وإن جاء ذكر إيزيس لدى ذلك الأيرلندي الساخر رغم هذا مرة، وذلك في قول فتاتاتيتا: "we shall see Whom Isis loeves best: her setvant Ftatateeta or a dog of a Roman".

كذلك نرى أنوبيس الكاهن في مسرحية شوقي يبتهل إلى إيزيس امتثالاً لأمر كليوباترة، التي طلبت منه الدخول إلى الهيكل والصلاة من أجلها، كما نسمعه في ختام مسرحية شوقي يبتهل أيضًا إليها، وبالمثل يجري على لسان كلوباترة اسمها أول ما رأت الأفاعي التي أطلعها عليها ذلك الكاهن حين صارحته بأنها تعتزم الانتحار وسألته عن أفضل وسيلة لذلك، كما جرى اسمها على لسان الكاهن جوابًا على طلب كليوباترة منه أن يكون مستعدًّا بالأفاعي عندما تقرر الانتحار فعلاً، كذلك نراها، حين تهم كليوباترة بتنفيذ الانتحار، تجثو أمام تمثال إيزيس وتأخذ في الابتهال إليها، وبالمثل نسمع كليوباترة، في مسرحية شكسبير، تقسم بها قائلة: "By Isis، I will jive thee bloodu teethe، If thou with Caesar paragon again My man of mem"، وتقول شيرميان في مسرحية شكسبير مبتهلة لإيزيس: "O، let him matty a woman that cannot go، sweet Isis، Ibeseech thee!"، و"Good Isis، hear me this prayer، though thou deny me a matter of more weight; good Isis، Ibesee thee!".

وكان بلوتارك قد ذكر، أثناء ترجمته لمارك أنطونيو في كتابه المذكور سابقًا، إيزيس عدة مرات، من بينها ما كتبه عن كليوباترة من أنها، خلال تتويجها على يد أنطونيو ملكة على مصر وغيرها، كانت ترتدي ملابس الإلهة إيزيس، وهذا هو نص ما قاله المؤرخ الإغريقي في الترجمة الإنجليزية التي أنجزها قلم الشاعر المعروف جون دريدان: "Cleopatra was then، as at other times when she appeared in public، dressed in the habit of the goddess Isis، and gave audience to the people under the mane of the New 2005، Annorared by Davide Trumbull and" "Isis Patreick McNamara"، وثم إشارة في الكتاب إلى وجود معبد لإيزيس: "the temple of Isis" في ذلك العصر، إلا أن مادة "Isis" في "معجم الآلهة والإلهات: "Dictionary of Gods and goddesses" (لمحرره Michaesl Jorden/ ط2/ 2004م) تحدد الفترة التي كانت تبعد فيها بأرض مصر بعام 2700 قبل الميلاد تقريبًا، وربما قبل ذلك، إلى العام 400 بعد الميلاد: "Eary dynasic period (crica 2700 BC) and jprobably earlier until the aend of Egyptioan history (circa AD 400)".

كذلك لاحظ النقاد أن كثيرًا من عبارات شكسبير في مسرحيته قد أخذها أخذًا مباشرًا من كتاب بلوتارك: "Lives of the Noble Greciand and Romans Comrared Together"، الذي اعتمد عليه في أحداث المسرحية ورسم شخصية كليوباترة، وهذا نص العبارة التي قرأتها في بعض المواقع عن مسرحية الشاعر الإنجليزي: "Large number of phrases taken directly from "lifes" of the Noble Gravians and Romans Compared Together translateon by sir theomas North - 1579".

أما شوقي فاقتبس من القرآن المجيد ومن الشعر العربي القديم جميعًا؛ كقوله:
يا سماء احفظي، ويا أرض صوني، أظهرت عطفها على زينون.
فالشطر الأول من البيت يذكرنا بقوة بقوله تعالى في سورة "هود": ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي ﴾ [هود: 44]، الذي استلهمه شوقي مع بعض التحويرات في السياق والتركيب والألفاظ، وكقول أنطونيوس:
جنود أكتاف، أدركوني يا ليتني مت قبل هذا.

فهو مأخوذ من قوله سبحانه على لسان العذراء مريم في السورة المسماة باسمها عليها وعلى ابنها ألف سلام: ﴿ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾ [مريم: 23]، وكالبيت التالي:
لا ترى في المجال غير سبوح مقبل مدبر مكر مفر.

الجاري على نمط بيت امرئ القيس الشهير في معلقته:
مِكَرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدبِرٍ معًا كجُلمودِ صخرٍ حطَّه السَّيلُ مِن عَلِ

وكالبيت التالي أيضًا:
اليوم شرب وغدًا حرب
وهو نفسه عبارة الملك الضليل حين جاءه نعي أبيه وهو يشرب الخمر، فكان المتوقع أن يترك ما هو فيه ويهب لأخذ ثأر أبيه، إلا أنه استمر في الشرب قائلاً قولته المشهورة: "اليوم خمر، وغدًا أمر"، فذهبت مثلًا، وفي الصفحة 84 وما بعدها من كتاب د. جمال الدين الرمادي: "مسرحية كليوباترة بين الأدب العربي والأدب الإنجليزي" يلفي القارئ شواهد أخرى غير قليلة، ويبقى ما قاله يسري عبدالغني من أن شوقي ينقل في مسرحيته عن شكسبير أحيانًا مشاهد كاملة، ولكن دون أن يورد على ما يقول شواهد تصدقه، فظل كلامه مجرد دعوى لا تستند إلى دليل يعضدها (انظر مقاله: "أثر المذاهب الأدبية الغربية على الأدب العربي الحديث - دعوة للمراجعة والتقييم" في "دنيا الوطن" الضوئية - قسم "الثقافة" بتاريخ 18/ 9/ 2008م).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 19-09-2022 الساعة 03:38 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 87.02 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 84.63 كيلو بايت... تم توفير 2.40 كيلو بايت...بمعدل (2.76%)]