ألا تحبون أن يغفر الله لكم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         رمضان مدرسة الأخلاق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أمور قد تخفى على بعض الناس في الصيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          دروس رمضانية السيد مراد سلامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 325 )           »          جدول لآحلى الأكلات والوصفات على سفرتك يوميا فى رمضان . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 17 - عددالزوار : 708 )           »          منيو إفطار 18رمضان.. طريقة عمل كبسة اللحم وسلطة الدقوس (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          5 ألوان لخزائن المطبخ عفا عليها الزمان.. بلاش منها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          5 طرق لتنظيف الأرضيات الرخامية بشكل صحيح.. عشان تلمع من تانى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 14 - عددالزوار : 333 )           »          إشراق الصيام وانطلاق القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          الجنة تتزين للصائمين في رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > الملتقى العلمي والثقافي > English forum

English forum every topics about islam and public subjects ... كل ما يختص بالموضوعات الاسلاميه والعامه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 08-03-2022, 08:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,519
الدولة : Egypt
افتراضي ألا تحبون أن يغفر الله لكم

ألا تحبون أن يغفر الله لكم
خالد بن حسن المالكي



السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فتأملوا - رحمكم الله وغفر لكم - كيف بدأ الله تعالى بالنعيم النفسي، قبل النعيم المادي، بدأ سبحانه بوصف سلامة قلوب أهل الجنة، ثم وصف سبحانه جمال مكانهم؛ قال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43].

وقال تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47].

فيا من رمت النعيم الحقيقي، دونك قولَه تعالى: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47].

قال ابن عطية رحمه الله تعالى: "هذا إخبار من الله عزَّ وجلَّ أنَّه ينقِّي قلوب ساكني الجنَّة من الغلِّ والحقد، وذلك أنَّ صاحب الغلِّ متعذِّب به، ولا عذاب في الجنَّة".

وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: "التشاحن ينغص الحياة، فلا يطيب لصاحبه عيش".

اللهم اجعلنا من أهل الجنة، ﴿ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾.

أحبتي الكرام، من أوتي صدرًا سليمًا لإخوانه، فقد تعجَّل شيئًا من نعيم الجنة، سلامةُ صدرِ المرء من الغشَش، وخُلو نفسِه من نزعةِ التشفي للنفس، والانتصار لحظوظِها، لهي سِمَة المؤمن الصالح، الهيِّن اللَّيِّن الذي لا غلَّ فيه ولا حسَد، قيل لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ: أيُّ الناسِ أفضلُ؟ قال: "كلُّ مخمومِ القلبِ صدوقِ اللسانِ"، قالوا: صدوقُ اللسانِ نعرفُه، فما مخمومُ القلبِ؟ قال: "هو التقيُّ النقيُّ، لا إثمَ فيه ولا بغيَ، ولا غِلَّ ولا حسدَ".

مخمومُ القلب - أحبتي الكرام - يؤثر حقَّ الآخرين على حقِّه، ويعلم أنَّ الحياةَ دارُ ممرٍّ، وليسَت دار مَقرٍّ؛ إذ ما الحاجةُ للدنيا إن لم تكُن موصِلَةً إلى الآخرة، بل ما جمال عيشِ المرء، وهو يَكنِزُ في قلبه الأثرة، والغِلظة، والفَظاظَة، ويُفرِزُ بين الحين والآخر، ما يؤكِّد من خلالِه قَسوَةَ قلبِه، وضيق عَطَنِه؟!

معاشر الأحبة، ما أكثَرَ الذين يبحَثون عن مصادرِ العزِّة وسبُلها؟ ويشتغلون بالتنقيب عنها يمنةً ويَسرةً، ويتطلعون إلى الاصطباغ بها، أو بشيءٍ منها، مهما بلَغ الجَهدُ في تحصيلها، غيرَ أنَّ ثمَّةَ مصدرًا عظيمًا من مصادرِ العزَّة، يغفل عنه كثير من الناس، معَ سهولَتِه، وقلَّة المؤونةِ في تحصيله، مِفتاحُه شيءٌ من قوَّةِ الإرادة، وزمِّ النفسِ عن استِتمامِ حظوظها، واستيفاءِ كلِّ حقوقِها، يتمثَّل هذا المِفتاحُ، في تصفِيَة القلب، من شواغلِ حظوظ الذّات، وحبِّ الأخذ دون الإعطاءِ.

هذه العزةُ برمَّتها، يمكِن تحصيلُها، في ولوجِ بابَ العفو والصَّفح، والتسامح والمغفرة، فطِيبُ النفس، وحسنُ الظن بالآخرين، وقَبولُ الاعتذار، وإقالةُ العثرة، وكَظمُ الغيظ، والعفوُ عن الناس، كلُّ ذلك يعَدُّ من أهمِّ ما حضَّ عليه الإسلام، في تعامُل الناسِ مَعَ بعضِهمُ البعض.

ومَن كانت هذه صفَته، فهو خليقٌ بأن يكونَ من أهل العزَّة والرفعة؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما نقَصَت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلاَّ عِزًّا، وما تواضَعَ أحدٌ للهِ إلا رفعَه"، فهذِه هي العِزَّة يا باغيها، وهذه هي الرِّفعة يا من تنشُدُها.

إنها - معاشر الأحبة - رِفعة وعِزَّة في الدنيا والآخرة، كيف لا؟ وقد وعد الله تعالى المتَّصفِين بها بقولِه: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 133، 134].

ومن كانت هذه سجيَّته، فليُبشِر بمحبَّةِ الله تعالى له، حيث بلَغه مقامًا من مقاماتِ الإحسان، ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾.

معاشر الكرام، العفوُ شِعارُ الصالحين الأنقِيَاء، ذوِي الحِلم والأناة، والنفوس الرضية، والصفحُ دثارهم؛ لأنَّ التنازلَ عن الحقِّ إيثارٌ للآجلِ على العاجل، وبسطٌ لخُلُقٍ نقيٍّ تقيٍّ، ينفُذ بقوّةٍ إلى شِغاف قلوب الآخرين، فلا يملِكون أمامه إلا محبةَ وإكبارَ من هذه صفتُه، وهذا ديدَنُه.

معاشر الأحبة، إنَّ العفو عن الآخرين ليس بالأمرِ الهيِّن؛ إذ له في النّفسِ ثِقَلٌ لا يتِمّ التغلُّب عليه، إلاّ بمصارعةِ حبِّ الانتصار والانتقامِ للنفس، ولا يكون ذلك إلا للأقوياءِ الذين أيدهمُ الله تعالى ﴿ بِرُوحٍ مِنهُ ﴾، ومِن هنا يأتي التميُّزُ والبَرازُ عن العُموم، وهذا هو الشَّديد الممدوحُ، في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "ليسَ الشَّدِيدُ بالصُّرَعَةِ، إنَّما الشَّدِيدُ الذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن كَظَمَ غيظًا وهو قادرٌ على أن يَنْفِذَه، دعاه اللهُ عزَّ وجلَّ على رؤوسِ الخلائقِ يومَ القيامةِ، حتى يُخَيِّرُه اللهُ مِن الحُورِ ما شاءَ".

إخوتي الكرام، إنَّ شريعتَنا الغرّاء، يوم حضَّت المسلمِين على التخلُّق بخلقِ العفو والتجاوُز، لم تقصِر هذا الحضّ في نطاقٍ ضيق، أو دائرة مغلَقَة، بل جعلتِ الأمرَ فيه موسَّعًا، ليشمَلَ جوانبَ كثيرةً من شؤونِ التّعامُل، بل إنَّ الحضَّ على العفوِ، قد تعدَّى إلى ما يخصّ تبايُعَ الناس وشراءَهم، ومدايناتِهم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا. فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ"، ولقد تعدَّى الحضُّ على ذلك إلى أبوابِ الدِّماء والقِصاص، كما في قولِه تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [المائدة: 45].

وثَمَّة تأكيدٌ على عموم الحضِّ على العفوِ في التعاملِ مع الآخرين، في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم".

قال المُناوي رحمه الله تعالى: "لأنَّه سبحانه وتعالى يحب أسمائَه وصفاتِه، التي منها الرحمةُ، والعفو، ويحب من خلقه من تخلق بها".

أحبتي الكرام، إن العفو والتجاوز، لا يقتضِي الذِّلَّةَ والضعف، بل إنه قمَّةُ القوة والشجاعة، وغلَبَةِ الهوى، قال الفضيل بنُ عياض رحمه الله تعالى: "إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلًا، فقل: يا أخي، اعفُ عنه، فإنَّ العفو أقرب للتقوى، والعفو باب واسع، ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [الشورى: 40].

عباد الله، إنَّ بعض الناس قد بلغ من القسوةِ ما لا يمكن معها أن يعفوَ لأحد، أو يتجاوَز عنه، لا يظهر في حياته إلاّ الانتقامُ والتشفِّي، كمثَل سماءٍ إذا تغيَّم، لم يُرجَ صَحوُه، وإذا قَدر لا يُنتَظَر عفوه، يُغضِبُه الجرمُ الخفيّ، ولا يُرضيه العذرُ الجليّ، حتى إنّه ليرَى الذنبَ، وهو أضيقُ من ظلِّ الرمح، ويَعمَى عن العذرِ، وهو أبيَنُ من وَضَحِ النهار، يسمَع بإحدى أذنيه القولَ، فيشتطّ ويضطرب، ويُحجبُ عن الأخرَى العذرَ، ولو كان له حُجّةٌ وبرهان.

ومَن كانت هذه حالُه، فهو عدوُّ نفسه، وقد استولى عليه سلطان الهوَى، فصرفَه عن الحَسَنِ بالعفوِ، إلى القبيحِ بالتَّشفِّي؛ تقول عائشة رضي الله عنها: "ما ضَرَبَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ شيئًا قَطُّ بيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إلَّا أَنْ يُجَاهِدَ في سَبيلِ اللهِ، وَما نِيلَ منه شيءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ، إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شيءٌ مِن مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: "فإذا كان هذا خيرَ خلق الله، وأكرمَهم على الله، لم يَنتقِمْ لنفسِه، مَعَ أن أَذَاه أَذَى الله، ويتعلّقُ به حقوق الدين، ونفسهُ أشرف الأنفُس، وأزكاها وأبرُّها، وأبعدُها من كل خُلُقٍ مذمومٍ، وأحقُّها بكل خُلُقٍ جميلٍ، ومع هذا فلم يكن يَنتقِم لها، فكيف يَنتقِمُ أحدنا لنفسِه؟ التي هو أعلم بها، وبما فيها من الشرور والعيوب؟ بل الرجل العارف، لا تُساوِي نفسُه عنده أن ينتقم لها، ولا قدرَ لها عنده، يُوجِبُ عليه انتصارَه لها".

اللهم ارزقنا الاقتداء بعبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم، والائتساء بهديه بمنك وكرمك.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فيا معاشر الأحبة، ينبغي علينا أن نسعى للإصلاح بين الناس، فإذا علمت أخي الحبيب بين شخصينِ خلافًا، فبادر للإصلاح بينهما، استمع إلى قولِ الله عز وجل: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، وقولِه تعالى: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 1].

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ألا أخبرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى، قال: إصلاحُ ذاتِ البينِ، وفسادُ ذاتِ البينِ الحالِقةُ".

سل نفسك أخي الحبيب: متى كانت آخر مرة سعيت فيها للإصلاح بين متخاصمين؟

فدونك بابًا من الأجر عظيم، يغفل عنه كثير من الناس، إلا من وفقه الله تعالى، وشرح صدره للقيام به.

واعلَموا - أيها المؤمنون - أنَّ تحضيضَ الشريعة على العفوِ والتجاوُز، لم يكن مقتصِرًا على العفو في الظاهرِ دون الباطن، بل إنَّ الحثَّ عمَّ الظاهر والباطنَ معًا؛ فحضت الشريعة على التجاوز عن الذنبِ بالكلية، واعتبارهِ كأن لم يكن، وبدايةِ صفحةٍ بيضاءَ جديدةٍ، في العلاقة مع المخطئ، وإسقاطِ اللوم الظاهر والباطن، ولذا أمَر الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم، بذلك في قولِه: ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ [الحجر: 85]، وقولِه تعالى: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 13]، وقال تعالى: ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [البقرة: 109]، وقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التغابن: 14]، قال السعدي رحمه الله تعالى: فمن عفا عفا الله عنه، ومن صفح صفح الله عنه، ومن غفر غفر الله له، ومن عامل الله فيما يحب، وعامل عباده كما يحبون وينفعهم، نال محبة الله ومحبة عباده، واستوثَق له أمرَه.

تقول عَائِشَةُ رضي الله عنها: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ؛ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ، وَفَقْرِهِ -: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ ﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النور: 22]، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَى وَاللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي. فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ، لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.

قال الشافعي رحمه الله تعالى:
لما عفوتُ ولم أحقِدْ على أحدٍ
أرحتُ نفسي مِن همِّ العداواتِ



عباد الله، إن خلق العفو والصفح الرفيع، أمارةٌ من أمارات القائدِ الناجحِ، كما أمرَ الله تعالى نبيَّه صلى الله عليه وسلم به في قولِه: (خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ)، وكما في قوله تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].

معاشر الأحبة:
هذا هو خلق النبي صلى الله عليه وسلم، فأين المشمِّرون المقتَدون؟! أين من يغالبون حبُّ التشفي والانتقام؟! سئِلَت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "لم يكن فاحِشًا ولا متفحِّشًا، ولا صخَّابًا في الأسواق، ولا يجزِي بالسيِّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح".

قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت: 34].


اللهم ربَّنا لك الحمدُ مِلْءَ السَّمواتِ والأرضِ، ومِلْءَ ما شِئتَ مِن شيءٍ بعدُ، اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما صَلَّيْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كما بَارَكْتَ علَى إبْرَاهِيمَ وعلَى آلِ إبْرَاهِيمَ؛ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10].

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 - 182].





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.26 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.37 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]