جبر الخواطر - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أسئلة بيانية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 26 - عددالزوار : 630 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 20 - عددالزوار : 257 )           »          معنى حديث «من ستر مسلماً ستره الله..» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          ركعتا تحية المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          حكم صيام من دخل بعض الماء إلى جوفه دون قصد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 15 - عددالزوار : 366 )           »          قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836997 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28-11-2021, 05:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي جبر الخواطر

جبر الخواطر
الشيخ أحمد أبو عيد





الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدالله ورسوله إمام النبيين؛ أما بعد:

العناصر:

أولًا: فضل جبر الخواطر والترغيب فيه.

ثانيًا: جبر النبي صلى الله عليه وسلم للخواطر.

ثالثًا: نماذج عملية لجبر الخواطر.

رابعًا: وسائل جبر الخواطر.

الموضــوع:

مفهوم جبر الخواطر: الجبر عادة يقال عن العظم، وهو أكثر ما يؤلم عندما يُكْسَر، فنضع له جبيرة كي يلتئم، وعكس الجبر: الكسر، ولكم أن تتخيلوا كم هو مؤلم كسر العظام! ومعروف أنها لا تلتئم بسهولة، وأحيانًا يترك الكسر شروخًا؛ لذا سُمِّي بالجبر؛ لأنه يحتاج وقتًا ولا يأتي ببساطة لأن عادة الجبر يكون لكسر موجع، والخاطر هو القلب أو النفس، فيُقال: أخذ على خاطره: يعني: حزن وقلبه تأثر، وجبر الخواطر بسيط جدًّا، ولكن الإيجو أو الأنا دائمًا عند البشر يطغى، نخشى من أي فعل من ناحيتنا في معظم الأحيان من أجل أنفسنا أو الأنا المتضخمة داخلنا.



وجبر الخواطر خلق إسلامي عظيم يدل على سمو نفسٍ، وعظمة قلبٍ، وسلامة صدر، ورجاحة عقل، يجبر المسلم فيه نفوسًا كسرت، وقلوبًا فطرت، وأجسامًا أُرهقت، وأشخاص أرواح أحبابهم أزهقت، فما أجمل هذه العبادة! وما أعظم أثرها! يقول الإمام سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم".



ومما يعطي هذا المصطلح جمالًا أن الجبر كلمة مأخوذة من أسماء الله الحسنى وهو "الجبار"؛ وهذا الاسم بمعناه الرائع يطمئن القلب، ويريح النفس؛ فهو سبحانه "الذي يجبر الفقر بالغنى، والمرض بالصحة، والخيبة والفشل بالتوفيق والأمل، والخوف والحزن بالأمن والاطمئنان، فهو جبار متصف بكثرة جبره حوائج الخلائق"؛ [تفسير أسماء الله للزجاج (ص: 34)].



أولًا: فضل جبر الخواطر والترغيب فيه:

تفريج الكروب وتيسير الأمور: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسرٍ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))؛ [رواه مسلم].



فإن نفست عن مؤمن كربة ألَا تجبر بذلك خاطره؟ وإن يسرت له ما تعسر من شؤونه ألا تجبر بذلك خاطره؟ وإن سترت عيبه وحفظت سره ألَا تطمئن قلبه وتهدِّئ من روعه وتجبره؟ فجبر الخواطر يمكننا العثور عليه دائمًا في شتى الأمور، وإن لم يذكر صراحةً نستدل عليه من أثره.



من أعظم القربات إلى الله تعالى: يقول الإمام سفيان الثوري: "ما رأيت عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه مثل جبر خاطر أخيه المسلم".



أحب الأعمال إلى الله: عن عبدالله بن عمر رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربةً، أو يقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني: مسجد المدينة - شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له، أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام، [وإن سوء الخلق يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل]))؛ [صحيح الترغيب والترهيب].



كان الصحابة رضي الله عنهم - لحرصهم على الطاعات وما يقرب من رضا الله عز وجل - كثيرًا ما يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، وأكثرها قربةً إلى الله تعالى، فكانت إجابات النبي صلى الله عليه وسلم تختلف باختلاف أشخاصهم وأحوالهم، وما هو أكثر نفعًا لكل واحد منهم.



وفي هذا الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس))؛ أي: أكثر من ينتفع الناس بهم، وهذا لا يقتصر على النفع المادي فقط، ولكنه يمتد ليشمل النفع بالعلم، والنفع بالرأي، والنفع بالنصيحة، والنفع بالمشورة، والنفع بالجاه، والنفع بالسلطان، ونحو ذلك، فكل هذه من صور النفع التي تجعل صاحبها يشرف بحب الله له، ((وأحب الأعمال إلى الله سرور يدخله على مسلم))؛ أي: إن أحب الأعمال هي السعادة التي تدخلها على قلب المسلم، وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأفراد، فقد يتحقق السرور في قلب المسلم بسؤال أخيه عنه، وقد يتحقق بزيارة أخيه له، وقد يتحقق بهدية أخيه له، وقد يتحقق بأي شيء سوى ذلك، الأصل أن تدخل السرور عليه بأي طريقة استطعت، ((أو يكشف عنه كربةً))، والكربة: هي الشدة العظيمة التي توقع صاحبها في الهم والغم، فمن استطاع أن يكشف عن أخيه كَرْبَه، ويرفع عنه غمه، فقد وفق بذلك إلى أفضل الأعمال، ((أو يقضي عنه دينًا))؛ أي: تقضي عن صاحب الدين دينه؛ وذلك فيمن يعجز عن الوفاء بدينه، ((أو تطرد عنه جوعًا))؛ أي: بإطعامه أو إعطائه ما يقوم مقام الإطعام، ((ولأن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني: مسجد المدينة – شهرًا))، ففي قوله هذا إشارة إلى فضل المشي مع المسلمين في قضاء حوائجهم، وتيسير العقبات لهم، حتى جاوز هذا الفضل الاعتكاف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدل هذا إلا على عظيم فضل السعي بين المسلمين لقضاء حوائجهم، ((ومن كف غضبه ستر الله عورته))، وفيه إرشاد إلى ما يجب أن يأخذ المسلم به نفسه وقت الغضب، من كف الغضب وكظم الغيظ، وأن عاقبة ذلك طيبة، وهي ستر الله عز وجل لعورته، ((ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة))، وهذا فضل من كظم غيظه لله، مع استطاعته أن يمضي غيظه، ولكنه كظمه ومنعه لله؛ ولأن هذا الأمر عزيز على النفس، فكان فضله عظيمًا، ((ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له))؛ أي: حتى تقضى له، ((أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام))؛ أي: ثبت الله قدمه يوم القيامة على الصراط، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وإن سوء الخلق يفسد العمل، كما يفسد الخل العسل))، ختم النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العبارات، وهذا الإرشاد، بعد أن أرشد السائل إلى أحب الأعمال إلى الله تعالى، وكأنه أراد أن يقول له: إن فعلت هذه الأعمال الصالحة، فإياك أن يفوتك حسن الخلق؛ فإن سوء الخلق يفسد الأعمال الصالحة فسادًا عظيمًا، كما يفسد العسل إذا وضع عليه الخل، فعليك – إذًا - أن تجتنب سوء الخلق؛ فإن سوء الخلق يحبط الأعمال، ويضيع الثواب.



وفي الحديث: الحث على مكارم الأخلاق والتحذير من سوء الخلق.



من الدعاء الملازم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين السجدتين: ((اللهم اغفر لي، وارحمني، واجبرني، واهدني، وارزقني))؛ [سنن الترمذي (صحيح)].



من صفات الله تعالى: فقد جبر الله تعالى خاطر نبيه يوسف عليه السلام لما ألقاه إخوته في الجب؛ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [يوسف: 15].



فكان هذا الوحي من الله سبحانه وتعالى لتثبيت قلب يوسف عليه السلام ولجبر خاطره؛ لأنه ظُلم وأُوذي من إخوته، والمظلوم يحتاج إلى جبر خاطر؛ لذلك شرع لنا جبر الخواطر المنكسرة.



وجبر الله خاطر أم موسى حين رد موسى عليه السلام إليها لتقر عينها؛ قال تعالى: ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 13].



وجبر الله تعالى خاطر نبيه محمد عليه الصلاة والسلام بعد ما أذاه قومه، فخرج من مكة بأمر الله مهاجرًا إلى المدينة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [القصص: 85]، فرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أحب مكة التي وُلد فيها ونشأ، أُخرج منها ظلمًا، فاحتاج في هذا الموقف الصعب وهذا الفراق الأليم إلى شيء من المواساة والصبر، فأنزل الله تعالى له قرآن مؤكد بقسم أن الذي فرض عليك القرآن وأرسلك رسولًا، وأمرك بتبليغ شرعه، سيردك إلى موطنك مكة عزيزًا منتصرًا، وهذا ما حصل.



وقال تعالى: ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ [الضحى: 5].



فانظر لروعة العطاء المستمر في هذه الآية حتى يصل بالمسلم لحالة الرضا، فهذه الآية رسالة إلى كل مهموم ومغموم، وتسلية لصاحب الحاجة، وفرج لكل من وقع ببلاء وفتنة أن الله يجبر كل قلب لجأ إليه بصدق.



وعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تعالى في إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ﴾ [إبراهيم: 36]، وقول عيسى عليه الصلاة والسلام: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي، وبكى، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله: ما يبكيه؟ فأتاه جبريل، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، وهو أعلم، فقال الله تعالى: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك))؛ [رواه مسلم].



ويجبر الله كل الخلق ويجبر من يدعوه باستجابة الدعاء وكشف الضر؛ كما قال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ﴾ [النمل: 62].



ثانيًا: جبر النبي صلى الله عليه وسلم للخواطر:

أبو أمامة: كان صلى الله عليه وسلم يرشد الصحابة للحل، ويدلهم على الطريق، ويطيب خاطرهم؛ ((فقد دخل عليه الصلاة والسلام ذات يومٍ المسجدَ، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني، وديون، يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همَّك، وقضى عنك دينك، قلت: بلى يا رسول الله قال: قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال، قال أبو أمامة: ففعلت ذلك، فأذهب الله عز وجل همي، وقضى عني ديني))؛ [سنن أبي داود].



فقراء المهاجرين: عندما جاؤوا مكسوري الخاطر، وقالوا: ((يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقةً، وكل تكبيرة صدقةً، وكل تحميدة صدقةً، وكل تهليلة صدقةً، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بَضْعِ أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر))؛ [رواه مسلم].



الأطفال: كان لهم من جبر الخاطر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيب؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير – أحسبه قال: كان فطيمًا - قال: فكان إذا جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآه، قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير؟ قال: فكان يلعب به))؛ [رواه مسلم]، والنُّغير: طائر صغير كالعصفور.



زيد بن أرقم رضي الله عنه: أنه لما سمع قول عبدالله بن أُبَيٍّ لأصحابه وكان بمعزل عن جيش المسلمين، ولم يأبهوا لذلك الغلام، فقال عبدالله المنافق لأصحابه: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، أبلغ زيد عمه، وأبلغ العم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلمة خطيرة جدًّا، أرسل النبي عليه الصلاة والسلام لعبدالله بن أبي، جاء، وحلف، وجحد، قال زيد: فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصار اللوم على زيد، كيف تنقل مثل هذا الكلام الخطير، أنت غلام لا تعلم ماذا يترتب على مثل هذا الكلام؟ قال زيد: فوقع عليَّ من الهم ما لم يقع على أحد، فبينما أنا أسير قد خفقت برأسي من الهم، (هذا غلام انكسر قلبه وخاطره من جراء رد قوله، ولوم الناس له وهو صادق)؛ إذ أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرك أذني، وضحك في وجهي، فما كان يسرني أني لي بها الخُلْدُ في الدنيا، وهو سبب نزول قول الله تعالى في سورة المنافقون: ﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ﴾ [المنافقون: 8]؛ [سنن الترمذي].



المحبون والمشتاقون: بل إنه عليه الصلاة والسلام جبر بخواطرنا نحن الذين نحبه ونشتاق إليه، ونتمنى لو كنا إلى جانبه، نذود عنه وننافح عن دعوته؛ فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، ووددت أنا قد رأينا إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: بل أنتم أصحابي، وإخواننا لم يأتوا بعد، فقالوا: كيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك يا رسول الله؟ قال: أرأيتم لو أن رجلًا له خيل غر محجلة بين ظهراني خيل دُهْمٍ بُهْمٍ، ألا يعرف خيله؟ فقالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون غرًّا محجلين من الوضوء، وأنا فَرَطُهم على الحوض))؛ [رواه مسلم].



تطييب قلوب المنكسرين: عن جابر بن عبدالله رضى الله عنه قال: ((لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا جابر، ما لي أراك منكسرًا؟ قلت: يا رسول الله، استشهد أبي قُتل يوم أحد، وترك عيالًا ودينًا، قال: أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: ما كلم الله أحدًا قط إلا من وراء حجابه، وأحيا أباك، فكلمه كفاحًا، فقال: يا عبدي، تمنَّ عليَّ أعطِك، قال: يا رب، تحييني فأقتل فيك ثانيةً، قال الرب تبارك وتعالى: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: وأنزلت هذه الآية: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ﴾ [آل عمران: 169]))؛ [سنن الترمذي (حسن)].



ثالثًا: نماذج عملية لجبر الخاطر:

الإمام أحمد بن حنبل لم ينسَ من صبره وجبر خاطره وقت المحنة أبا الهيثم، فكان يدعو له في كل صلاة: "اللهم اغفر لأبي الهيثم، اللهم ارحم أبا الهيثم، قال ابن الإمام له: من يكون أبو الهيثم حتى تدعو له في كل صلاة؟ قال: رجل لما مدت يدي إلى العقاب، وأُخرجت للسياط، إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي، ويقول لي: تعرفني؟ قلـت: لا، قال: أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق، وصبرت في ذلك على طاعة الشيطان لأجل الدنيا، فاصبر أنت في طاعة الرحمن لأجل الدين"؛ [مناقب الإمام أحمد، ابن الجوزي].



موقف إنساني مع طفل مصاب بمتلازمة داون:

وفي لقطة إنسانية تجسد معنى جبر الخواطر، فاجأ طفل مصاب بمرض "متلازمة داون" الجميع، بنزوله إلى أرض ملعب جامعة الملك سعود، خلال مباراة الهلال والقادسية، وتسبب هذا الطفل بتأخير المباراة عن موعدها المحدد بدقائق؛ حيث حاول أكثر من شخص إقناع الطفل بطريقة ودودة بالخروج من الملعب إلا أنه رفض.



وبينما كان الطفل يصر على البقاء داخل الملعب، حاول العماني علي الحبسي حارس الهلال تبادل لعب الكرة معه في سبيل إقناعه للخروج، إلا أنه تمسك بالبقاء أيضًا.



وفي لفتة إنسانية طيبة من لاعبي الهلال، قاموا باصطحابه إلى منتصف الملعب وقدموا له الكرة، وهو ما منحه شعورًا كبيرًا بالسعادة، وقرر بعدها الخروج من الملعب بكامل إرادته، ما أثار إعجاب الجماهير الذين قاموا بالتصفيق بحرارة كإشادة بتصرف لاعبي الهلال مع الطفل.



وأشعل الموقف الإنساني تفاعلًا كبيرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، في عدم إجبار الطفل على الخروج من الملعب، والتعامل معه بروح طيبة وودٍّ واضحين.



وقالت شقيقة الطفل سعود العصيمي، البالغ من العمر عشر سنوات: إن هذا الموقف أثر بشكل إيجابي على شقيقها؛ حيث إنه كان فرحًا بالكرة التي حصل عليها من لاعبي الهلال.



وأكدت أنه ظل حاملًا الكرة طوال الوقت منذ انتهاء المباراة، مشيرة إلى أنه رغم إصابته بمتلازمة داون فإنه يتفاعل بشكل كبير مع المجتمع باستمرار.
يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28-11-2021, 05:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,626
الدولة : Egypt
افتراضي رد: جبر الخواطر

الإمام الشعراوي والدكتور حسام موافي، هو واحد من أشهر دكاترة الباطنة في مصر والوطن العربي، يحكي هذا الحوار الذي دار بينه وبين فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله فيقول: إنه ذات مرة اتصل عليه الشيخ الشعراوي رحمه الله ليحجز للكشف في العيادة، فقال: لا والله يا مولانا، أنا سآتي إلى بيتك، وبعد الكشف سأله الدكتور عن أفضل عبادة تقربه من الله، سيما أنه في أواخر عمره، فقال له الشيخ: فكِّر أنت، فقال الدكتور حسام: الصلاة، قال له الشيخ: لا، قال الدكتور: الصيام، قال له الشيخ: لا، قال الدكتور: العمرة، قال: لا، أفضل عبادة هي جبر الخاطر، قال الدكتور: كيف يا مولانا؟ وما دليلك؟ قال الشيخ: مَن ألعن ممن يكذب بالدين؟ قال الدكتور: لا أحد، قال الشيخ: يقول الله: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾ ﴿ الماعون: 1]، ماذا يفعل؟ ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ [الماعون: 2]؛ يعني: يكسر خاطر اليتيم، ﴿ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ [الماعون: 3]، يعني: يطرد المساكين، ولا يجبر خواطرهم، ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ [الماعون: 4]، فجعل أمر الصلاة الأمر الثالث بعد أمرين كان فيهما جبر للخواطر، ثم يتابع الدكتور موافي أنه في يوم إجازته تذكر مكالمة جاءت من جاره يقول له: "اجبر خاطر يا دكتور حاول الذهاب إلى حماتي عندك في المستشفى مريضة، اطمن عليها وطمنا"، يقول: فتذكرت نصيحة الشيخ الشعراوي: (اجبر خاطرًا)، وجاءت كلمة جبر الخاطر على لسان جاري، فأحسست أنه إشارة من الله، فقررت الذهاب إلى المستشفى لأطمئن على حماته، وعندما كنت في المستشفى، شعرت بألم شديد في صدري، لقد كانت جلطة في الشريان التاجي، فأعطاني الدكتور الدواء وأنقذني من الجلطة، فلو أن تلك الجلطة جاءتني ولم أكن في المستشفى، لكنت ميتًا، فكأن الله يقول لي: كما جبرت بخاطر جارك، جبرتُ أنا بخاطرك وأنقذت حياتك.



مواقف لا تنسى: لا شك أن كل إنسان منا قد حُفر في ذاكرته أشخاص كان لهم الدور الفاعل والعمل الدؤوب بمواقف سطرت وحفظت، سواء بالقول أو الفعل أو رسالة أو فكرة أو كلمة خير، جبرت نفوسًا، وأثلجت صدورًا، فهذه المواقف تحفظ ولا تنسى، كما لم ينسَ النبي عليه الصلاة والسلام موقف المطعم بن عدي حين أدخله في جواره يوم عودته من الطائف حزينًا أسيفًا، فقال يوم أسر أسرى بدر: ((لو كان المطعم بن عدي حيًّا، وكلمني في هؤلاء النَّتْنَى لأجبته فيهم))؛ [صحيح البخاري].



مواقف يومية: فما أجمل أن نتقصد الشراء من بائع متجول في حر الشمس، يضطر للسير على قدميه، باحثًا عن رزقه مساعدة له وجبرًا لخاطره! وما أروع أن نقبل اعتذار المخطئ بحقنا وخصوصًا عندما نعلم أن خطأه غير مقصود، وأن تاريخ صحبتنا معه طيب نقي، فالصفح عنه ومسامحته تطيب نفسه وتجبر خاطره! وتبادل الهدايا بين الأقارب والأصدقاء والأحباب من أجمل ما يدخل الفرحة للقلب والهناء للنفس وهي سبيل الحب، وبساط الود، وطريق الألفة، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((تهادوا تحابوا))؛ [البخاري].



والبر بأرقى صوره أن تشتري لوالديك ما يحتاجون وتفاجئهم بما يفقدون، دون طلب منهم أو سؤال، بل كرم منك وتبرع، ففي هذا الفعل أجمل ما يسطر من جبر الخواطر، وإدخال الفرح والسرور على قلوبهم، كما لا ننسى صاحب الحاجة والمسكين الذي انكسر قلبه، وذلت نفسه، وضاق صدره، ما أجمل أن نجعل له من مالنا نصيبًا ومن طعامنا ولو الشيء القليل، ومن دعائنا ما نستطيع! بذلك نجبر كسرهم، ونطيب قلوبهم، ولا نشعرهم بالنقص؛ قال أحمد بن عبدالحميد الحارثي: "ما رأيت أحسن خلقًا من الحسين اللؤلؤي، كان يكسو ممالكيه كما يكسو نفسه"؛ [سير أعلام النبلاء (10/ 544)].



وفي هذا الزمان تشتد الحاجة إلى مواساة الناس والتخفيف عنهم وتطييب خاطرهم؛ لأن أصحاب القلوب المنكسرة كثيرون، نظرًا لشدة الظلم الاجتماعي في هذا الزمان، وفساد ذمم الناس واختلاف نواياهم، ففي مجتمعاتنا ترى أن هذه معلقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة، وهذه أرملة، وذاك مسكين، وهذا يتيم، والآخر عليه ديون وغم وهم، وهذا لا يجد جامعة، وذاك لا يجد وظيفة، وهذا لا يجد زوجة، أو لا يجد زواجًا، وذاك مريض والآخر مبتلى... والهموم كثيرة.



وتطييب الخاطر لا يحتاج إلى كثير جهد ولا كبير طاقة، فربما يكفي البعض كلمة: من ذكر، أو دعاء، أو موعظة، وربما يحتاج الآخر لمساعدة، وينقص ذاك جاه، وينتظر البعض قضاء حاجة، ويكتفي البعض الآخر بابتسامة، فعلينا أن نجتهد بإدخال الفرح والسرور إلى قلوب إخواننا، ولا نبخل على أنفسنا، فالصدقة والخير نفعه يعود إليك.



نحتاج اليوم إلى تطييب الخاطر، وقد تكون مواقع بعض الناس الاجتماعية مؤهلة لهم لذلك: كالمفتي، والعالم، والإمام، والخطيب، والطبيب، وهكذا المدير، فإن المدير يقوم بدور عظيم في تطييب خواطر الموظفين، والكلمة اللطيفة منه، والتشجيع، والدعم النفسي والمعنوي لا شك أن له أثرًا عظيمًا في نفوس من تحته، وقد يصبح المريض صحيحًا بمثل هذا، ويصلح المخطئ، ويزول حزن المهموم، والكلام يجب أن ينتقى بمثل: التذكير برحمة الله، سعة فضله، إن مع العسر يسرًا، وبعد الهم فرجًا، ومن يتقِ الله يجعل له مخرجًا، انتظار الفرج عبادة، رحمة الله بالمضطرين، أمن يجيب المضطر إذا دعاه، المعونة تنزل على قدر الشدة، وهكذا من الكلام الطيب الذي جاء في الكتاب والسنة.



رابعًا: وسائل تطييب الخواطر:

مواساة المنكسرين وتطيب خواطرهم لا يقتصر على الكلام فقط، بل قد تكون المواساة وتطييب الخواطر بالمال، وقد تكون بالجاه، وقد تكون بالنصيحة والإرشاد، وقد تكون بالدعاء والاستغفار لهم، وقد تكون بقضاء حوائجهم، فعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلما قوي قويت؛ [الفوائد (17) بتصرف].



فمن وسائل تطييب النفوس ما يلي:

المواساة عند فقد الأحبة أو عند حدوث المصائب: فإن مما يجبر كسر النفوس المصابة عند فقد الأحبة: لطيف التعزية، فإن الكلمة الطيبة للمصاب يثبت بها بإذن الله، ويغدو صبره عليها سهلًا يسيرًا، فإن العبد ضعيف بنفسه، فإذا وجد هذا يعزيه، وهذا يسليه، سهلت عليه الأمور العظام.



وعندما توفيت ابنة المهدي جزع عليها جزعًا لم يُسمَع بمثله، فجلس الناس يعزونه فجاءه ابن شيبة يومًا فقال له: أعطاك الله يا أمير المؤمنين على ما رزئت أجرًا، وأعقبك صبرًا، ولا أجهد الله بلاءك بنقمة، ولا نزع منك نعمة، ثواب الله خير لك منها، ورحمة الله خير لها منك، وأحق ما صبر عليه ما لا سبيل إلى رده؛ [وفيات الأعيان].



فلم يروا تعزية أبلغ ولا أوجز من هذه التعزية، وكان مما سرى على المهدي بها.



ومن لطيف التعزية ما قيل من بعض الأعراب عندما دخل على بعض ملوك بني العباس، وقد توفي له ولد اسمه العباس، فعزاه ثم قال:

خير من العباس أجرك بعده ♦♦♦ والله خير منك للعباسِ



ابن لهيعة قاضي مصر حين احترقت مكتبته العظيمة، واحترقت داره، بعث إليه الليث بن سعد من الغد بألف دينار، الدينار أربعة غرامات وربع من الذهب؛ أي: أربعة آلاف ومائتين وخمسين غرامًا من الذهب.



عروة بن الزبير رجع من سفر، مات ولده بالعين، وقطعت رجله بالغرغرينا، وقال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، سمع إبراهيم محمد بن طلحة بما حصل لعروة بن الزبير، فذهب إليه يواسيه، فقال: والله ما بك حاجة إلى المشي، ولا أرب في السعي، وقد تقدمك عضو من أعضاءك، وابن من أبنائك إلى الجنة، والكل تبع للبعض إن شاء الله، وقد أبقى الله لنا منك ما كنا إليه فقراء، من علمك ورأيك، والله ولي ثوابك والضمين بحسابك.



الاعتذار للآخرين، وقبول أعذار المعتذرين: فالحرص على الاعتذار عند الخطأ من وسائل تطييب النفوس؛ لأن الإنسان يرد عليه الخطأ في تعامله مع الناس، وكفارة ذلك الذنب هو الاعتذار.



وكذلك هو الحال (لمن أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته، حقًّا كانت أو باطلًا، وتكل سريرته إلى الله)؛ [مدارج السالكين].



تبادل الهدايا: للهدية أثر واضح في تطييب النفوس، وتصفية القلوب من الأدغال والأحقاد؛ فعن أنس رضي الله عنه أنه قال: ((يا بني، تباذلوا بينكم؛ فإنه أود لما بينكم))؛ [رواه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني].



الابتسامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تبسمك في وجه أخيك لك صدقة))؛ [رواه الترمذي وصححه الألباني]؛ يعني: إن إظهارك البشاشة والبشر إذا لقيته تؤجر عليه كما تؤجر على الصدقة؛ [فيض القدير].



فضلًا عن كونها تطيب النفوس، وتزيد المحبة.



قال ابن عيينة رحمه الله: "البشاشة مصيدة المودة"، فقد يصادفك شخص في الطريق وأنت مهموم مغموم حزين، فيبتسم في وجهك، فتشعر أن همك قد زال، وحزنك قد رحل.



وجاء في الأثر أن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: "ما من مسلمين يلتقيان"؛ أي: يجتمعان في طريق أو نحوه، "فيتصافحان"؛ أي: فيسلم أحدهما على الآخر مصافحةً باليد، "إلا غفر لهما"؛ أي: كان ثوابهما مغفرةً من الله تعالى، "قبل أن يفترقا"؛ أي: يغفر لهما في ذلك الموقف قبل أن يترك أحدهما الآخر، فيفترقا في الطرق"؛ [رواه أبو داود]، فالابتسامة - إذًا - تنشر المحبة بين المسلمين، وتطيب خواطرهم، وتبعث الاطمئنان في نفوسهم وقلوبهم.



قضاء حوائج الناس: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة))؛ [رواه النسائي، وصححه الألباني].



قال حكيم بن حزام رضي الله عنه: "ما أصبحت وليس ببابي صاحب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها"؛ [سير أعلام النبلاء].



ومشى بقيُّ بن مخلد مع ضعيف في مظلمة إلى إشبيلية، ومشى مع آخر إلى إلبيرة، ومع امرأة ضعيفة إلى جيان؛ [سير أعلام النبلاء]، هذا مع كثرة عبادته، وكثرة طلابه وانشغاله بالعلم والتأليف.



التزاور: زيارة المريض حال مرضه، وزيارة الإخوان بين حين وآخر له أثر كبير في تطييب النفوس، وتنمية المودة والألفة.



فهم النفسيات: النفس البشرية كالبحر، والنفوس تختلف باختلاف أصحابها، فما يصلح لهذه قد لا يصلح للأخرى، ولله در شبيب بن شيبة حينما قال: "لا تجالس أحدًا بغير طريقه، فإنك إذا أردت لقاء الجاهل بالعلم، واللاهي بالفقه، والعي بالبيان آذيت جليسك"؛ [آداب العشرة]، وهذا المنيعي حسان بن سعيد المخزومي عندما أراد أن يبني جامعًا أتته امرأة بثوب لتبيعه وتنفق ثمنه في بناء ذلك الجامع، وكان الثوب لا يساوي أكثر من نصف دينار، فطيب خاطرها، واشتراه منها بألف دينار، وخبأ الثوب كفنًا له؛ [سير أعلام النبلاء].



إخفاء الفضل والمنة عند جبر الخواطر: كان القعقاع بن شور إذا قصده رجل، وجالسه، جعل له نصيبًا من ماله، وأعانه على عدوه، وشفع له في حاجته، وغدا إليه بعد المجالسة شاكرًا؛ [الكامل للمبرد].



إعطاء اليتامى والفقراء من الميراث عند حضور قسمة الميراث: عند مشاهدة بعض الفقراء أو اليتامى شيئًا من قسمة الميراث، فمن الأفضل أن يخصص لهم من المال شيئًا يجبر خاطرهم، ويسد حاجتهم؛ حتى لا يبقى في نفوسهم شيء؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [النساء: 8].



التعامل مع اليتيم والسائل برفق: قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ﴾ [الضحى: 9، 10]، أجمل تطييب للخاطر وأرقى صورة للتعامل؛ قال ابن قدامة رحمه الله: "وكان من توجيهات ربنا سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، فكما كنت يتيمًا يا محمد صلى الله عليه وسلم، فآواك الله، فلا تقهر اليتيم، ولا تذله، بل: طيب خاطره، وأحسن إليه، وتلطف به، واصنع به كما تحب أن يصنع بولدك من بعدك، فنهى الله عن نهر السائل وتقريعه، بل أمر بالتلطف معه، وتطييب خاطره، حتى لا يذوق ذل النهر مع ذل السؤال"؛ [تفسير ابن كثير].



وقد عاتب الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أعرض عن ابن أم مكتوم وكان أعمى، عندما جاءه سائلًا مستفسرًا قائلًا: علمني مما علمك الله، وكان النبي عليه الصلاة والسلام منشغلًا بدعوة بعض صناديد قريش، فأعرض عنه، فأنزل الله: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى ﴾ [عبس: 1 - 4]؛ [التفسير البسيط للواحدي].



إعطاء المطلقة حقها في المتاع، وهو حق على المحسنين، متاعًا بالمعروف، فإذا لم يفرض لها مهر كان المتاع والتمتيع واجبًا على المطلِّق، وإذا كان لها مهر أخذته، فإن تمتيعها بشيء تأخذه معها، وهي ترتحل من مال غير المهر، أو ثياب، أو حلي، ونحو ذلك؛ جبرًا لخاطرها، وتطييبًا للقلب المنكسر بالطلاق؛ ﴿ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 236]، ﴿ فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28]، لماذا؟ لأن القلب قد حصل فيه انشعاب، والنفس قد كسرت وكسرها طلاقها، فجبر الكسر بالمتاع من محاسن دين الإسلام.



وسائل أخرى: لنعلم أن المريض، والمهموم، والحزين، والطبيب، والموظف، والداعية، والغني، والفقير، والصغير، والكبير، الكل يحتاج إلى الكلمة الطيبة، والابتسامة المشرقة، والتعامل الحسن، فجميعنا يحتاج إلى هذه العبادة.



ولذلك ينبغي على الجميع إحياء هذه العبادة، وتفعيلها مع الصغار والكبار، مع المرضى والأصحاء، مع الطلاب والمعلمين، مع العالم والجاهل، مع المصيب والمخطئ.



فقد يصبح الطفل من العلماء والعظماء النابهين النافعين لأمته بكلمة تشجيعية يسمعها من معلمه، أو أحد والديه.



وقد يصبح المريض الذي أعياه الألم صحيحًا سليمًا معافًى بعبارة مشجعة، ودعوة طيبة، وابتسامة صادقة من زائريه.



وقد يصبح المخطئ والمقصر والمسرف على نفسه صالحًا مصلحًا بموعظة حسنة وذكرى نافعة وتوجيه سديد.



ولا بد من استثمار موقف الضعف عند العبد؛ لربطه بالله وحده، فهو سلوة المنكوبين، وملاذ المنكسرين، وهو الذي يملك كشف الضر: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62]، وتذكيره بالثواب العظيم لأهل البلاء؛ كما جاء عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المسلم من نصب ولا وصبٍ، ولا هم ولا حزن، ولا أذًى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه))؛ [رواه البخاري].



وكم من أناس تبدلت أحوالهم، وتغيرت أمورهم، بسبب فتنة أو محنة ألمت بهم، وتصبيرهم وتثبيتهم حتم وواجب؛ حتى لا يكونوا ممن تعصف بهم الأزمات والفتن، وتموج بهم رياح الابتلاء والمحن.



نسأل الله أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يؤلف بين قلوبنا، ويصلح ذات بيننا، ويجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.



نسأل الله تعالى أن يجعلنا من القائمين بحقوق إخواننا، ونسأله سبحانه أن يؤلف بين قلوبنا ويصلح ذات بيننا.




وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا وعلى آله وصحبه وسلم.



والحمد لله رب العالمين.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 86.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 84.17 كيلو بايت... تم توفير 2.34 كيلو بايت...بمعدل (2.71%)]