سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - الصفحة 3 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4412 - عددالزوار : 850152 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3942 - عددالزوار : 386293 )           »          الجوانب الأخلاقية في المعاملات التجارية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          حتّى يكون ابنك متميّزا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 60 )           »          كيف يستثمر الأبناء فراغ الصيف؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 57 )           »          غربة الدين في ممالك المادة والهوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          أهمية الوقت والتخطيط في حياة الشاب المسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 65 )           »          الإسلام والغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 66 )           »          من أساليب تربية الأبناء: تعليمهم مراقبة الله تعالى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 56 )           »          همسة في أذن الآباء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 2 - عددالزوار : 57 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #21  
قديم 31-05-2021, 04:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟
رامي حنفي محمود




تفسير الربع الثاني من سورة ال عمران بأسلوب بسيط


الآية 19: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ؛ أي: إن الدين الذي ارتضاه الله لخَلقِه، وأرسل به رسله، ولا يَقْبل غيره هو الإسلام، وهو الانقياد لله وحده بالطاعة، والاستِسلام له بالعبودية، والسلامة من الشِّرك، واتباع الرسل فيما بعثهم الله به من التوحيد، حتى خُتِموا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الذي لا يَقبلُ اللهُ مِن أحدٍ دينًا - بَعدَ بِعثتِهِ - سوى الإسلام الذي أُرسِلَ به؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾، ﴿ وَمَا اخْتَلَفَ ﴾: أي: وما وقع الاختلاف بين ﴿ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن اليهود والنصارى، فتفرَّقوا شِيَعًا وأحزابًا ﴿ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾: أي إلا مِن بعد ما تبينوا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو النبي الذي وُعِدوا به في التوراة والإنجيل، وذلك ﴿ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ﴾: أي ظلمًا وحسدًا، وحفاظًا على المنافع التي بينهم، وطلبًا للدنيا؛ لأن كل فرقة منهم كانت تتمنَّى أن يكون هذا النبي الخاتَم مِن عندها، حتى تكون لها الرئاسة والسُّلطة الدينية والدنيوية دونَ غيرها، ﴿ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ؛ أي: فإن الله يُحصِي عليه ذنوبَ كُفره وسيئات عِصيانه، ثم يحاسبه عليها، ويَجزيه بها - وخصوصًا مَن ترك الحق بعدما عرفه - وهو سبحانه سريع الحساب، فلا يَشغله شيء عن آخر، ولا يُتعبه إحصاءٌ ولا عدد).



الآية 20: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ ﴾؛ أي: فإن جادلوك بعد أن أقمتَ عليهم الحُجة، ﴿ فَقُلْ لهم: ﴿ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ ﴾: يعني أخلصتُ قصدي وتوجهي، وأخلصتُ كل أعمالي القلبية والبدنية لله وحده، وانقدتُ له بقلبي ولساني وجميع جوارحي، (وإنما خَصَّ الوجه لأنه أكرم وأشرف الجوارح، وعليه تظهر المَشاعر، وبه يَحصل التوجُّه إلى كل شيء)، فإذا خضع وجهه لله، خضعتْ له جميع جوارحِه، فلا يُشرك بعبادته أحدًا، ﴿ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾؛ أي: وكذلك مَن اتبعني من المؤمنين، أخلَصوا توجههم وأعمالهم لله، وانقادوا لأمره، ﴿ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ، وهم مُشركو العرب: ﴿ أَأَسْلَمْتُمْ ﴾؟ ﴿ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا، إلى الطريق المستقيم، ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا؛ يعني: وإن أعرضوا عن الإسلام ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ؛ أي: فما عليك إلا البلاغ، وقد أبلغتَهم وأقمتَ عليهم الحُجَّة، وحسابُهم على الله تعالى، ﴿ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾.



الآية 21: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ ظلمًا ﴿ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ ﴾؛ أي: ويقتلون الناس الذين يَأمرون بالعدل واتباع طريق الأنبياء ﴿ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ؛ أي: فأخبِرهم بخبرٍ يَظهرُ أثره على بَشرَةِ وجوههم ألمًا وحسرة، وهو العذاب المؤلم - للأبدان والقلوب والأرواح - في النار).



الآية 23: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ ﴾؛ أي: آتاهم اللهُ حظًّا وقِسطًا من التوراة ﴿ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ؛ أي: يُدْعَوْنَ إلى كتابهم الذي يؤمنون به وهو التوراة ﴿ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ﴾؛ أي: ليَفصل بينهم فيما اختلفوا فيه، ﴿ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ ﴾؛ لأن الحُكم لم يوافق أهواءهم، ﴿ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾؛ أي: وهم مِن عادتهم أنهم دائمًا معرضون عن الحق).



الآية 24: ﴿ ذَلِكَ الانصراف عن الحق ﴿ بِأَنَّهُمْ ﴾؛ أي: بسبب أنهم ﴿ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وهي الأيام التي عبدوا فيها العِجل، وهذا اعتقادٌ فاسد ليس عليه دليل، ﴿ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴾: يعني وهذا الافتراء والاعتقاد الفاسد - وهو اعتقادهم بأنهم لن يُعذَّبوا إلا أيامًا قليلة - هو الذي جَرَّأهم على الله تعالى، وعلى استهانتهم بدينه (وهو الإسلام)، وجَرَّأهم كذلك على استمرارهم على دينهم الباطل الذي خَدَعوا به أنفسهم).



الآية 25: ﴿ فَكَيْفَ يكونُ حالهم ﴿ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ في ذلك اليوم ﴿ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾.



الآية 26، والآية 27: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ ﴾؛ أي: تمنح المُلك والمال والتمكين في الأرض ﴿ مَنْ تَشَاءُ مِن عبادك ﴿ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْر لا بِيَدِ غيرك، تُفِيضُهُ على مَن تشاء، وتَمنعه عَمَّن تشاء ﴿ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فلا يَمتنع عليك أمر من الأمور، بلِ الأشياءُ كلها طَوْع مَشيئتك وقدرتك، ومِن دلائل قدرتك - سبحانك - أنك ﴿ تُولِجُ ﴾؛ أي: تُدخِل ﴿ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ فيَطولُ هذا ويَقصُر ذاك، ﴿ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ كإخراج الزرع من الحَب، والمؤمن من الكافر، ﴿ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ كإخراج البيض من الدجاج، والكافر من المؤمن، ﴿ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ.



الآية 28: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ: يَنهى الله المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء - بالمَحبة والتأييد والمَعونة والنُصرة - على إخوانهم المؤمنين، ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ﴾؛ أي: ومَن يَتولهم ﴿ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ﴾؛ أي: فاللهُ برِيءٌ منه، حيث وَالَى أعداءَ الله، وعادَى أولياءه، ومَن بَرِئَ اللهُ منه فقد هَلك ﴿ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾: يعني إلا أن تكونوا ضِعافًا خائفين، تعيشون تحت سلطانهم، فقد رخَّص الله لكم في أن تُعطوهم حلاوة لسانكم (بكلمات المجاملة والمُلاطفة)، مع مُخالفتهم بقلوبكم وأعمالكم، فتَتَّقونَ بذلك شَرَّهُم وأذاهم حتى تقوى شَوكتكم، ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ في أن تتخذوا أعداءه أولياء ضد أوليائه، فاتقوه وخافوه، ﴿ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ﴾.



الآية 29: ﴿ قُلْ للمؤمنين: ﴿ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ من مَحبة الكافرين ونُصرتهم، ﴿ أَوْ تُبْدُوهُ للناس: ﴿ يَعْلَمْهُ اللَّهُ، وسيحاسبكم عليه، ﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾؛ أي: وعِلمُهُ تعالى مُحيطٌ بكل ما في السماوات وما في الأرض، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ أي: وله القدرة التامة على كل شيء).



ورغم أنه كان من المُتوَقع - بعد أنْ ذكر الله عِلمَهُ الخاص (وهو علمه بما في الصدور)، وبعد أن ذكر علمه العام (وهو علمه بجميع ما في السماوات والأرض) - أن يقول بعدها: (والله بكل شيء عليم)، ولكنه سبحانه أراد إثبات صفة القدرة بعد إثباته لصفة العِلم، حتى يَكمُلَ بذلك تحذيرُهُ للعُصاة، فكأنه سبحانه أراد أن يقول: (ويُحذِّركم اللهُ نفسَه، فلا تتجرَّؤوا على عِصيانه ومُوالاةِ أعدائه؛ إذ إنه ما مِن معصية - خَفيةٍ كانت أو ظاهِرة - إلا وهو مُطَّلِعٌ عليها، وقادرٌ على العقاب بها، وإنْ أنظرَ مَن أنظر، فإنه سبحانه يُمهِل، ثم يأخذ أخْذَ عزيزٍ مُقتدِر).



واعلم أن قوله تعالى: ﴿ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ﴾، فيهِ إرشادٌ إلى تطهير القلوب، واستحضار عِلم الله تعالى بما فيها في كل وقت، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: ((إن الله لا يَنظر إلى صوركم وأموالكم، ولكنْ ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم))، فالقلب هو مَحلُّ نظر الرب، فلذلك ينبغي أن يَستحي العبد أن يَرى اللهُ تعالى في قلبه أيَّ فِكرٍ رديء، بل عليه أن يشغل أفكاره فيما يُقربه إلى ربه (مِن نصيحةٍ يَنصحُ بها عباده، أو تدبُّر لآيةٍ من كِتابه، أو تفكُّر في عظمتِهِ تعالى ونِعَمِه، فيَستشعر أن عافيةَ اللهِ فضْل، وأن بلاءهُ عَدْل؛ إذ إنه لو عامله اللهُ بِعَدْلِه لأَهْلَكَهُ في الحال؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ [فاطر: 45]، فبذلك يَشعر أنه لا يَستحق كل ما هو فيه من النِّعم بسبب ذنوبه، فساعتَها ينطقُ قلبُهُ بكلمة: (الحمدُ لله) - التي تملأ الميزان - قبل أن ينطق بها لسانه، وذلك على كل لحظة عافية تمر عليه هو لا يَستحقُّها).



الآية 30: ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا؛ أي: ينتظرها لتُجزَى به، ﴿ وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تجده أيضًا في انتظارها، و﴿ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا ﴾؛ أي: زمنًا ﴿ بَعِيدًا، ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُفاستعدوا لذلك اليوم، وخافوا بَطشَ اللهِ وعقابه إن عصيتموه، ﴿ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ؛ أي: ومع شدَّة عقابه، فإنه سبحانه رءوفٌ بالعباد، إذ لم يعاجلهم بالعقوبة، مع قدرته على ذلك).



الآية 31: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ حقًّا ﴿ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾، فهل هناك شيء أفضل مِن مَحبة الله تعالى لعبده، وغفرانه لذنوبه؟! فوالله لو أيْقنَ العبد ذلك، لكانَ حريصًا - كُلَّ الحِرص - على التمسك بسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، والاقتداء به في أقواله (كالمداومة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وغير ذلك من الأذكار والأدعية التي صَحَّتْ عنه صلى الله عليه وسلم)، وكذلك الاقتداء به في أفعاله (كالصلاة كما كان يُصلي، والوضوء مثل وضوئه، وغير ذلك)، وكذلك التأدُّب بآدابه في الطعام والشراب وغير ذلك، وكذلك التخلق بأخلاقه (قدر المُستطاع)، فقد كان صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه، وإنما كان يغضب إذا انتُهِكَ حَدٌّ مِن حدود الله.



ويُلاحَظُ هنا أن الله تعالى قال: ﴿ يُحْبِبْكُم ﴾، ولم يقل: (يُحِبُّكُم)؛ وذلك لِيُوَضِّح لنا أن هذا الأمر يأتي بالتَدَرُّج، فكلما ازداد اتباعُك للنبي صلى الله عليه وسلم، كلما ازدادت محبة الله تعالى لك، وقد قال الحسن البَصْرِيُّ - رحمه الله - عن هذه الآية: (ادَّعَى قومٌ أنهم يحبون الله، فأنزل الله هذه الآية مِحْنَةً لهم - أي: امتحانًا لهم - إن كانوا صادقين في حب الله تعالى، فليتبعوا سُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم)، فهذه الآية حاكمة على كل مَن ادَّعَى محبة الله تعالى وهو ليس مُتَّبِعًا لسُنَّةِ نَبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وليسَ مُطِيعًا له في أمْرِهِ ونَهْيِه.



واعلم أن هذا الاتباع شرطٌ من شروط قبول العمل (مِثل الإخلاص تمامًا)؛ بحيث إنَّ العبد إذا فعل أمرًا مُبْتَدَعًا - لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه الكِرام مِن بعدِه - فإن ذلك العمل لا يقبله الله منه؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين -: ((مَن عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ))؛ أي: فهو مَردودٌ على صاحبه، وقد أخبر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم - كما في صحيح مسلم - أن هناك أناسًا مِن أمته سوف يُطرَدون عن حَوضه يوم القيامة - رغم شدة الحر والعطش، ورغم حدوث الأمل لهم في النجاة بعدما رأوا الحَوض - فيناديهم صلى الله عليه وسلم: ((ألاَ هَلُمَّ)) فيُقالُ له: ((إنَّهم قد بَدَّلوا بَعدَك))، فيقول لهم: ((سُحقًا سُحقًا - أي: بُعدًا بُعدًا - لمَن بَدَّلَ بَعدي))، ففي هذا دليل على خطورة التفريط في اتباع سُنته صلَّى الله عليه وسلَّم.



الآية 32: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ باتباع كِتابه، ﴿ وَالرَّسُولَ ﴾؛ أي: وأطيعوا الرسول باتباع سُنته في حياته وبعد مماته، ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾؛ أي: فإن أعرضوا عنك، وأصروا على ما هُم عليه مِن كُفرٍ وضلال، فاعلم أنهم ليسوا أهلاً لِمَحَبَّة الله تعالى لهم؛ ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾.





[*] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُها في القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جداً، وهي مُختصَرة من كتاب: (التفسير المُيَسَّر (بإشراف التركي)، وأيضاً من تفسير السَعدي) (بتصرف)، عِلماً بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 31-05-2021, 04:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟
رامي حنفي محمود




تفسير الربع الثالث من سورة ال عمران بأسلوب بسيط









الآية 34: ï´؟ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ï´¾: أي: إن هؤلاء الأنبياء والرسل - وهم آدم ونوح وآل إبراهيم وآل عِمران - هم سلسلة طُهْر متواصلة في الإخلاص لله وتوحيده، والعملبِوَحْيِه، ï´؟ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ï´¾ لأقوال العباد ï´؟ عَلِيمٌ ï´¾ بنيَّاتهم وأفعالهم؛ ولذلك يَصطفي مِنهم مَن يَعلمُ استقامته قولاً وفِعلاً، وهذا مِثل قوله تعالى: ï´؟ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ï´¾ [الأنعام: 124].

الآية 35: ï´؟ إِذْ ï´¾: أي: اذكر حينَ ï´؟ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ï´¾: أي: جعلتُ لك ï´؟ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا ï´¾: أي: خالصًا لك، لخِدمة بيتالمقدس، ï´؟ فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ ï´¾ وحدك ï´؟ السَّمِيعُ ï´¾ لدعائي ï´؟ الْعَلِيمُ ï´¾بنيَّتي).

الآية 36: ï´؟ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى ï´¾ لا تصلح للخدمة فيبيت المقدس، ï´؟ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ ï´¾ وسوف يَجعل لها شأنًا، ثم قالت امرأة عِمران: ï´؟ وَلَيْسَ الذَّكَرُ ï´¾ الذي أردتُ للخدمة ï´؟ كَالْأُنْثَى ï´¾ في ذلك؛ لأن الذكر أقوى على الخدمة، ï´؟ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا ï´¾: أي: أحَصِّنها ï´؟ بِكَ ï´¾ ï´؟ وَذُرِّيَّتَهَا ï´¾: أي: وكذلك أحَصِّن ذريَّتها بك ï´؟ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ï´¾: أي: المطرود من رحمتك).

الآية 37: ï´؟ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ ï´¾: أي: فاستجاب اللهُ دعاءها، وقَبِلَ منها نَذرها أحسن قَبول - ولم يَقبل أنثى مَنذورة غيرها - وعصم ابنتها مريم وولدها مِن مَسِّ الشيطان عند الولادة، قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين -: ((ما مِن مولودٍ يُولد إلا والشيطان يَمَسُّهُ حين يُولد، فيَستَهِلُّ صارخًا مِن مس الشيطان، إلا مريم وابنها))؛ وذلك استجابةً لدعائها: ï´؟ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ï´¾، واعلم أن كلمة: ï´؟ بِقَبُولٍ حَسَنٍ ï´¾ توضح أن هناك زيادة في رضاه تعالى عن امرأة عمران).

ï´؟ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ï´¾: أي: وتولَّى ابنتها مريمبالرعاية والتربية منذ ولادتها؛ وذلك لأن الله تعالى جعل زكريا عليه السلام كافلاً لها، قال تعالى: ï´؟ وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ï´¾، فأسكَنها في مكان عبادته؛ ليربيها على أكمل الأحوال، فنشأت في عبادة ربها، وكان ï´؟ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ ï´¾ - وهو مكان صلاته - ï´؟ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ï´¾ هنيئًا مُعَدًّا فـ ï´؟ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا ï´¾: أي: مِن أين لكِ هذا الرزق الطيب؟ ï´؟ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ï´¾.

الآية 38: ï´؟ هُنَالِكَ ï´¾: أي: في هذا المكان المبارك الذي حدثت فيه هذه الكَرامة لمريم: ï´؟ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ï´¾ فـ ï´؟ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ï´¾: أي: ولدًا صالحًا مباركًا، وإنما قلنا بأن المقصود بالذرية هنا هو الذكر وليس الأنثى؛ لأنه سبحانه قد أخبرَ في آيةٍ أخرى أن زكريا دعاهُ فقال: ï´؟ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ï´¾ [مريم: 5، 6]، ثم أتَمَّ زكريا دعاءه، فقال: ï´؟ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ï´¾: أي: لِمن دَعاك).

وفي هذا إرشادٌ إلى اغتنام الدعاء في الأماكن المباركة (كالمساجد بصفة عامة)، (وكالبيت الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى) بصفة خاصة، وكذلك في الأزمِنة المباركة (كشهر رمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجة، وعند نزول المطر، وقُبَيْل طلوع الفجر، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة، وغير ذلك).

الآية 39: ï´؟ فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ ï´¾: أي: يُخبركبخبر يَسُرُّك، وهو أنه رزقك ï´؟ بِيَحْيَى ï´¾ الذي سيكونُ ï´؟ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ ï´¾: أي: مُصَدِّقًا بعيسى ابن مريم عليه السلام - الذي سيكونُ وُجودُهُ بكلمةٍ مِن الله، وهي كلمة: "كُن" -، ï´؟ وَسَيِّدًا ï´¾: أي: وسيكون يحيى سيدًافي قومه، له المكانة والمنزلةالعالية، ï´؟ وَحَصُورًا ï´¾: أي: لا يأتي الذنوب والشهوات الضارة، ï´؟ وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ï´¾ الذين بلغوا الذروة في صلاحهم).

الآية 40: ï´؟ قَالَ ï´¾ زكريا فرِحًا متعجبًا: ï´؟ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ï´¾: أي: أدركتني الشَّيخوخة وأضعفتني ï´؟ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ ï´¾: أي: عقيم، ï´؟ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ï´¾: يعني: هذا الذي يَحدث لكِ ليس بمُستبعَد على الإله القادر الذي يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ من الأفعال الخارقةللعادة).

الآية 41: ï´؟ قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً ï´¾: يعني: علامةً علىوجود هذا الولد؛ ليَحصل لي السرور والاستبشار، ï´؟ قَالَ آيَتُكَ ï´¾ التي طلبتَها هي ï´؟ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا ï´¾: يعني: ألاَّتستطيع التحدث إلى الناس ثلاثة أيام إلا بالإشارة إليهم، مع أنك سَوِيٌّ صحيح، ï´؟ وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا ï´¾: يعني: وفي هذه المدة أكثِرْ مِن ذِكر ربك، ï´؟ وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ï´¾: أي: أواخِر النهار وأوائله).

الآية 42: ï´؟ وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ ï´¾: والمُراد بهذاالاصطفاء أنه سبحانه اختارها لطاعته، وفرَّغَها لعبادتِه؛ ولذلك خَصَّها بأنواع الهِداية والعِصمة واللُّطف، فقد كفاها أمْرَ عَيْشها، فكانَ رِزقها يأتيها من عند الله، وأنه تعالى أسْمَعَها كلام الملائكة شَفَاهَة، ولم يَحدث هذا لأنثى غيرها، ï´؟ وَطَهَّرَكِ ï´¾ مِن الكُفر والمَعصية والأخلاق الرذيلة، ï´؟ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ï´¾: والمُراد بهذا النوع منالاصطفاء أنه تعالى وَهَبَ لها عيسى عليه السلام من غير أب،وأنطقَ عيسى حالَ انفصالِهِ منها ليَشهد لها ببراءتها مِن التُّهمة،فبذلك جعلها وابنها آية للعالمين).

الآية 43: ï´؟ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ ï´¾: أي: داوِمِي على الطاعة لربك، وقومي في خشوع وتواضع، شكرًا له على ما أعطاكِ مِن نِعَمِه، ï´؟ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ï´¾، ويُلاحَظ هنا أنه سبحانه لم يقل: (واركعي مع الراكعات) مع أنها أنثى، وقد قال عنها - أيضًا - في آيةٍ أخرى: ï´؟ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ ï´¾ [التحريم: 12]؛ وذلك لأنه تعالى لمَّا كان يريد أن يَمدحَ عبدًا من عباده - رجلاً كانَ أو امرأة - كان يَمنحه درجة الرجال، قال تعالى: ï´؟ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ï´¾ [البقرة: 228].

الآية 44: ï´؟ ذَلِكَ ï´¾ الذي قصَصْناهُ عليك هو ï´؟ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ ï´¾ الذي ï´؟ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ï´¾ ï´؟ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ ï´¾: أي: وما كنتَ معهم حين اختلفوا في كَفالة مريم أيُّهم أحَقُّ بها وأوْلَى، فأجْرَوُا القرعة، وألقَوْا أقلامهم التي يكتبون بها التوراة، فوقع الاختيار على قلم زكريا عليه السلام، ففاز بكفالتها، ï´؟ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ ï´¾: أي: حين وقع بينهم هذاالخصام).

الآية 45: ï´؟ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ ï´¾: أي: يُبشركِ بمولودٍ يكون وجوده بكلمةٍ من الله، وهي كلمة: "كن"، وهذا المولود ï´؟ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ï´¾، وسيكون ï´؟ وَجِيهًا ï´¾: أي: له الجاه والشرف والقدْر ï´؟ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ï´¾ عندالله يوم القيامة)، واعلم أن لفظ: (المَسيح) هو لقب من الألقاب المُشَرَّفة كالصِّدِّيق والفاروق، وأصلُهُ بالعِبرانية: (مشيحا)، ومعناه: المبارك).

الآية 46: ï´؟ وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ ï´¾: أي: بعد ولادته، ï´؟ وَكَهْلًا ï´¾: أي: وكذلك يكلمهم في حال كُهُولتهبعد أن ينزل من السماء في آخر الزمان ويَقتلالدَّجَّال، (قال الحسين بن الفضل رحمه الله: "وفي هذه الآية نَصٌّ في أنه عليه الصلاة والسلامسينزل إلى الأرض)، فقد رُفِعَ عيسى عليه السلام إلى السماء وَعُمْرُهُ ثلاثٌ وثلاثون سنة (أي وهو في شبابه)، ï´؟ وَمِنَ الصَّالِحِينَ ï´¾: أي: وهو مَعدود من أهل الصلاح والفضلفي قوله وعمله).


الآية 47: ï´؟ قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ï´¾؟! ï´؟ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ï´¾: أي: هذا الذي يحدث لكِ ليس بمُستبعَد على الإله القادر،الذي يُوجِدُ ما يشاء من العدم، و ï´؟ إِذَا قَضَى أَمْرًا ï´¾: أي: إذا قدَّرَ أمرًا، وأراد إيجاد شيء: ï´؟ فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ï´¾.

ويُلاحَظ هنا أن الله تعالى قال في قصة مريم: ï´؟ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ï´¾؛ لأن الأمر كان مُعجِزًا وخارقًا للعادة، مِن غير وجود السبب الطبيعي للإنجاب، أما في أمر زكريا عليه السلام فإنه قال: ï´؟ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ï´¾؛ لأن الأمر كان طبيعيًّا بين الرجل والمرأة، وكانت أسباب الإنجاب موجودة، ولكنها كانت مُعَطَّلَة).

الآية 48: ï´؟ وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ ï´¾: أي: ويعلمه الكتابة، ï´؟ وَالْحِكْمَةَ ï´¾: أي: وسُنَن الأنبياء عليهم السلام، والفِقه، والسَّداد في القول والفعل، ï´؟ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ï´¾.

الآية 49، والآية 50، والآية 51: ï´؟ وَرَسُولًا ï´¾: أي: ويَبعثهرسولاً ï´؟ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ ï´¾ قائلاً لهم:ï´؟ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ï´¾ تدلُّعلى أني مُرْسَلٌ مِن الله، وهي ï´؟ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ ï´¾: أي: أصنع لكم ï´؟ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ ï´¾: أي: مِثل شَكل ï´؟ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ï´¾ ï´؟ وَأُبْرِئُ ï´¾: أي: وبإذن الله تعالى أشفِي ï´؟ الْأَكْمَهَ ï´¾ وهو الأعمى، ï´؟ وَالْأَبْرَصَ ï´¾ وهو الذي أصابه مَرَضُ البَرَص فتغيَّر لونُ جلدِه، ï´؟ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ï´¾ ï´؟ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ ï´¾ ï´؟ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ï´¾: أي: إن كنتم مُصَدِّقين حُجَجَ اللهِ وآياتِه، مُقرِّين بتوحيده).

وهنا ينبغي أن نعرف الفرق بين المُعجِزات وبين ما يُسمونه بـ (السِّحر والشَّعْوَذَة): وهو أن المعجزة التي تحدث على يد النبي فإنه لا يَتباهَى بها، بل يَستدِلُّ بها لتقريب الناس إلى ربهم عَزَّ وجَلَّ، ولِدَعوَتِهم إلى التوحيد الخالص، وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك من أعمال الخير والصلاح، أما التي تحدث على يد الكاهن أو الساحر فإنه يَدعو بها لنفسه وللشياطين، وللشِّرك بالله عَزَّ وجَلَّ، وفِعل المُنكَرات، وأكْل أموال الناس بالباطل.

ثم قال لهم عيسى عليه السلام: ï´؟ وَمُصَدِّقًا ï´¾: أي: وجئتُكُم مُصَدِّقًا ï´؟ لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ï´¾ المُنَزَّلة على أخي موسى عليه الصلاة والسلام، لأحُثَّكُم على العمل بها، ï´؟ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ ï´¾ مِن الأطعِمة بسبب ذنوبكم، ثم أعادَ تذكيرهم بالمعجزات مرة أخرى، فقال: ï´؟ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ï´¾؛ وذلك ليكون كلامه مؤثرًا في قلوبهم وطباعهم الغليظة، ولِيُؤكد أنها مِن عند الله، وليست من عند نفسه، فكأنه أراد أن يقول: "وجئتُكم بآيةٍ تدل على أن الله هو ربي وربكم، وعلى أني رسولٌ من عنده".

ï´؟ فَاتَّقُوا اللَّهَ ï´¾ ï´؟ وَأَطِيعُونِ ï´¾ فيما أبَلغُكُم به عن الله، ï´؟ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ ï´¾: أي: إن الله - الذي أدعوكم إليه - هو وحده ربي وربكم فاعبدوه، فأنا وأنتم سواءٌ فيالعُبودية والخضوع لله تبارك وتعالى، وإلاَّ، فدَعونا نتسائل: (أين قال عيسى في الإنجيل: (اعبدوني لأنني أنا ربُّكُم)؟! وأين هو - أصلاً - إنجيل عيسى ابن مريم عليه السلام؟! وهل يُعقلُ أن ينزل الإله مِن عَليائِهِ لِيَعيشَ في بطن امرأة، ثم يَخرج منه ليَعيش على الأرض، فيَرضع مِن أمِّهِ، ويحتاجَ إلى الطعام والشراب، وينام، ويحتاجَ إلى قضاءِ حاجته، ويَنشغلَ بأمر نفسِه؟! هل هذا إلهٌ يَستحق أن يُعبَد؟!) تعالى اللهُ عن ذلك عُلُوًّا كبيرًا؛ ولذلك قال عيسى عليه السلام بعدها: ï´؟ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ï´¾: يعني: وهذا - أي عبادة الله تبارك وتعالى وحده لا شريك له - هو الطريق الصحيح الذي لا اعْوِجاجَ فيه)، وهذا مُطابقٌ تمامًا لِما دعا إليه جميع الأنبياء والرسل منتوحيد الله تعالى، وإخلاص العبادة له.




[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُها في القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من كتاب: (التفسير المُيَسَّر (بإشراف التركي)، وأيضًا من تفسير السعدي) (بتصرف)، عِلمًا بأنَّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 31-05-2021, 04:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟
رامي حنفي محمود



تفسير الربع الرابع من سورة ال عمران بأسلوب بسيط



الآية 52: ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ أي: من اليهود ﴿ الْكُفْرَ ﴾: أي: التصميم على الكفر برسالته: نادَى في أصحابه المخلصين، فـ ﴿ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ﴾: أي: مَن يكونمعي في نُصرة دين الله؟، ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ وهم أصفياء عيسى (الذين اختارَهم لِصُحبته): ﴿ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ﴾: أي: نحن أنصار دين اللهِ والداعون إليه، ﴿ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾: أي: وَاشْهَدْ يا عيسى بِأَنّنَا مستسلمون للهِ تعالى بالتوحيدوالطاعة).



وفي هذا دليل على أن دينَ الله واحدٌ وهو الإسلام، وذلك على مُختلف الأزمان والعصور، قال تعالى: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾، ولكنّ الشرائع هي التي اختلفت، كما قال تعالى: ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾، ثم خُتِمَت بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم التي نَسخت جميع الشرائع المُنزَّلة، قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾، ولذلك تَعهَّد اللهُ تعالى بحِفظ القرآن، قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾، وقال تعالى: ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ﴾، أما الكتب السماوية الأخرى فإنّ الله لم يتعهد بحفظها، ولكنه وَكَلَ حِفظَها إلى الأحبار والرُهبان، قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾، ولذلك أصابها التحريف).



الآية 53، والآية 54: ﴿ رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ ﴾: أي: عيسى عليه السلام، ﴿ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾: أي: فاجعلنافي الآخرة مع مَن شَهِدوا لك بالوحدانية ولأنبيائك بالرسالة، وهم أمة محمد صلى الله عليهوسلم، الذين يَشهدون للرسل بأنهم قد بلَّغوا أمَمَهم)، فلما قام الحواريون مع عيسى بنُصرة دين الله وإقامة شَرعه: آمنَتْ طائفة مِن بني إسرائيل بعيسى، وكفرتْ طائفة أخرى، فاقتتلت الطائفتان، فلهذا قال تعالى: ﴿ وَمَكَرُوا ﴾: أي: ومَكر الذين كفروا - من بني إسرائيل - بعيسى عليه السلام، بأن وَكَّلوا به مَن يَقتله، ﴿ وَمَكَرَ اللَّهُ بهم، فألقى شَبَه عيسى على رجلٍ دَلَّهم عليه، فأمسَكوا به، وقتلوهوصلبوه (ظناً منهم أنه عيسى عليه السلام)، ﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾.



وفي هذا إثباتصفة المَكْر لله تعالى على ما يَليقُ بجلاله وكماله، لأنه مَكْرٌ بحق، وفي مقابلةمَكْر الماكرين)، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: (وامكُر لي ولا تمْكُر عليّ) (انظر صحيح الترمذي: 3551)، ومما يَجب أن يُعلَم أنَّ أفعالَ الله تعالى لا تُشبه أفعال العباد، لأنّ ذاتَهُ سبحانه لا تُشبه ذَواتِهم.



الآية 55: ﴿ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ﴾: يعني: ومكر الله بهم حين قال لعيسى: ﴿ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ ﴾: أي: إني قابضك من الأرض - حياً - مِن غير أن يَنالك سُوء، ومُتمِمٌ لك ما كُتِبَ لك مِن أيام بقاءك مع قومك، ﴿ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ببدنك وروحك، (واعلم أن بعض المُفسرين قد فسَّروا قوله تعالى لعيسى: (إني متوفيك): أنه ألقَى عليه النوم، ثم رفعه إليه، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ ﴾، فأطلق سبحانه لفظ الوفاة على النوم)، ﴿ وَمُطَهِّرُكَ ﴾: أي: ومُخلصك ﴿ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴿ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ ﴾: أي: الذين هم على دينك الحق (مِن توحيد الله تعالى، ومِن البِشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم)،فآمَنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد بعْثَته، والتزموا شريعته، فأولئك سأجعلهم ﴿ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وبالفعل، فقد أخبر سبحانه - في آيةٍ أخرى - بأنه أيَّد المؤمنين منهم على عدوهم، فأصبحوا ظاهرين عليهم، حتى بعث الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، فكان المسلمون هم المُتبعين لعيسى حَقيقةً، فأيَّدهم اللهُ تعالى ونصرهم على اليهود والنصارى وسائر الكفار، وإنما يَحصل في بعض الأزمان انتصار الكفار على المسلمين، وذلك حِكمةًً مِن الله تعالى، وعقوبةً للمسلمين على تَرْكِهم العمل بكتاب ربهم، وسُنَّة رسولهم صلى الله عليه وسلم، ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ مِن أمْر عيسى عليه السلام).



واعلم أنّ في قولِهِ تعالى: (وَرَافِعُكَ إِلَيَّ): دليلٌ على عُلُوّ اللهِ تعالى واستوائِهِ على عرشهِ حَقيقةً، كما دَلَّت على ذلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، مِن غير تشبيهٍ - لهذا الاستواء - ولا تَكييف، (يعني مِن غير أن نقول: كيف استوى على العرش؟)، وسيأتي تفصيل ذلك في مَوضعه بإذن الله تعالى.



الآية 56: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا بالمَسيح من اليهود، أو غَلَوا فيه من النصارى (يعني جاوَزوا الحَدّ في تعظيمه)، ﴿ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا بالقتل وسلْبِ الأموال وإزالة المُلك، ﴿ وَالْآَخِرَةِ ﴾: أي: وأعذبهم في الآخرةبالنار، ﴿ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ يَنصرونهم ويَدفعون عنهم عذاب الله).



الآية 58: ﴿ ذَلِكَ الذي ﴿ نَتْلُوهُ عَليْكَ ﴾: أي: نقصُّه عليك في شأن عيسى هو ﴿ مِنَ الْآَيَاتِ ﴾: أي: من الدلائل الواضحة على صحة رسالتك، وذلك باعتراف علماء النصارى أنفسِهِم، مثل النَجاشِي (مَلِك الحَبَشة)، وَمَن معه، فحِينما تلا عليهم جعفر بن أبي طالب آياتٍ مِن سورة مريم، حتى وصل إلى قول الله تعالى - حِكايةً عن عيسى -: ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾، قال النَجاشيُّ لِجعفر: (إنَّ الذي قلتَ - (وهو القرآن) -، والذي قال عيسى - (وهو الإنجيل) - لَيَخرُجُ مِن مِشكاةٍ واحدة)، وهو اللهُ تبارك وتعالى.



﴿ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ﴾: يعني: وهذا الذي نتلوه عليك هو من الدلائل الواضحة على صحة هذاالقرآن الحكيم الذي يَفصل بين الحق والباطل).



الآية 59: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ﴾: أي: إنَّ خَلْقَ الله لعيسى مِن غير أب، مَثَلُُهُ كَمَثل خَلْق الله لآدم من غير أب ولاأم، إذ خَلَقَهُ من تراب الأرض، (﴿ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ ﴾) بَشراً (﴿ فَيَكُونُ ﴾)، فدَعوَى ألوهية عيسىلكونه خُلِقَ من غير أب دَعوَى باطلة، لأن آدم عليه السلام خُلِقَ من غير أب ولا أم،وقد اتفق الجميع على أنه عَبْد من عباد الله، وإلاَّ، فقد كانَ آدمُ هو الأوْلَى بهذا الادِّعاء).



ويُلاحَظ هنا أن الله تعالى قال: (﴿ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾)، رَغمَ أنه كانَ مِن المُتوَقَّع أن يقول: (خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَكان)، أي بصيغة الماضي، اتفاقاً مع سِياق الآية، ولكنه سبحانه أراد أن يُوضح أن هذا الأمر - وهو أمْر: (كُن فيكون) - يَتحقق في كل وقتٍ وحِين (في الماضي وفي المُستقبَل)، فكأنه سبحانه أراد أن يقول: (خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَكان، وكذلك يكونُ أيّ شيءٍ يُريده، في أيّ وقتٍ يُريده).



الآية 60: ((﴿ الْحَقُّ ﴾): يعني: الذي جاءك أيها الرسول في أمر عيسى هو الحقُّ (﴿ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾): أي: فاستمِرّ علىيَقينك، ولا تكن من الشاكِّين، وفي هذاتثبيتٌ وطَمأنَة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأمّته).



الآية 61: ((﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ ﴾): أي: فمَن جادَلَك في أمر عيسى - مِن أهل الكتاب - (﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ﴾)، فنجتمعُ جميعاً في مكانٍ واحد، (﴿ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾): أي: ثم نتجه إلى الله بالدعاء أن يُنزل عقوبته ولَعْنتهعلى الكاذبين مِنّا، المُصِرِّين على عِنادهم، فيَهلَكوا على الفور) وبالفِعل، فقد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغَد، ومعه الحسن والحسين وفاطمة (رضي الله عنهم)، إلاَّ أنّ علماء نصارى نَجران (الذين جاءوا يُجادلونه في أمر عِيسى) هَربوا من هذه المُلاعَنة، وذلك لأنهم عرفوا الحق، وخافوا إن لاعَنوا أن يَهلكوا، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأبَوْا، ورَضوا بالكفر (إبقاءً على زَعامتهم ودُنياهم)، ورضوا بالمُصالحة، فالتزموا بأداء الجِزيَة للمسلمين، (ففي هروب علماء نصارى نجران مِن المُلاعَنة: دليلٌ قاطع على أن محمداً هو رسول الله، وأنَّ دِينَهُ هو الدين الحق، وما سِواهُ باطل).



الآية 62: ((﴿ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ ﴾) (﴿ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ ﴾): أي: وما مِنمَعبودٍ يستحق العبادة إلا الله وحده، (﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾).



الآية 63: ((﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ): يعني: فإن أعرَضوا عن تصديقك واتباعك فهم المفسدون، والله عليمٌ بهم، وسيُجازيهم علىذلك.



الآية 64: ((﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ﴾): أي: إلى كلمةِ عدلٍ وحَقٍّنلتزم بها جميعًا، وهي (﴿ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ﴾): يعني: ولا نتخذ أيَّ شريك معه،مِن وَثَنٍ أو صَنَمٍ أو صليب أو غير ذلك، (﴿ وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾): أي: ولا يَدِينُ بعضُنا لبعضٍ بالطاعة مِندون الله، (﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا ﴾) علينا (﴿ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾): أي: منقادون لربنا وحده بالعبودية والإخلاص).



الآية 65: ((﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ ﴾) بأن يَدَّعِي كلُ فريقٍ منكم أنه كان على مِلَّتِه، (﴿ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ ﴾): أي: وقد علمتم أناليهودية والنصرانية قد حدثت بعد وفاته بزمن؟ (﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾)؟).



الآية 67: ((﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا ﴾) (﴿ وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا ﴾): أي: مائلاً عن أي دين باطل، فكان عليه السلام (﴿ مُسْلِمًا ﴾): أي: مستسلمًا لربه، مُتَّبعًا لأمرِهِ وطاعته، (﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾).



الآية 68: ((﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ﴾): أي: لَهُمُ الذين اتبعوه على التوحيد مِن أمَّته، وآمَنوا برسالته، (﴿ وَهَذَا النَّبِيُّ ﴾): أي: وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم، (﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ﴾) بهِ هم أحَقّ الناس بإبراهيم، وأوْلَى بهِ مِن غيرهم، لأنهم هم الذين اتبعوه على مِلَّتِه، وأما مَن نَبذ مِلَّتَهُ وراءَ ظهره كاليهود والنصارى والمشركين، فليسوا من إبراهيم، وهو ليس منهم، (﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾)).



واعلم أنَّ اللام التي في قوله تعالى: (﴿ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ﴾) تُسَمَّى: (لام التوكيد) واعلم أيضاً أن هذه الآيات قد اشتملت على النَهي عن الجدال بغير علم.



الآية 69: ((﴿ وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ ﴾) عن الإسلام، (﴿ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ﴾) وأتباعهم (﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾) بذلك لفساد قلوبهم).



الآية 70: ((﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ﴾): يعني: لِمَ تجحدون - حسداً وعِناداً - بآيَاتِ اللَّهِ التي أنزلها في كتبكم،وفيها أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو الرسول المُنتظَر، وأنَّ ما جاءكم به هوالحق، (﴿ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ﴾) بذلك في أنفسكم، ولكنكم تُنكرونه أمام الناس).



الآية 72: ((﴿ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا ﴾): أي: أظهِروا الإيمان (نِفاقاً) (﴿ بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ ﴾): أي: أولالنهار، (﴿ وَاكْفُرُوا ﴾) به (﴿ آَخِرَهُ ﴾): أي: آخرالنهار (﴿ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾): أي: لعلهم يتشكَّكون في دينهمفيَرجعونَ عنه).



الآية 73: ((﴿ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾): يعني: ولا تُصدِّقوا تصديقًا صحيحًا إلا لمَن آمَنَ بدينكم، (﴿ قُلْ إِنَّ الْهُدَى ﴾) والتوفيق هو (﴿ هُدَى اللَّهِ ﴾) وتوفيقه للإيمان الصحيح، وقالوا: لاتظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين (﴿ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ﴾): أي: حتى لا يتعلموا منكم فيُساوُوكم في العلم، (﴿ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ ﴾): يعني: أو يتخذوا هذا العلم - الذي عندكم - حجة عليكم عند ربكم، فيغلبونكم بها، (﴿ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾) (﴿ وَاللَّهُ وَاسِعٌ ﴾) يَسَعُ بعلمهوعطائه جميعمخلوقاته، (﴿ عَلِيمٌ ﴾) بمَن يستحق فضله ونِعَمَه).



واعلم أن هذه الجُملة: (﴿ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ ﴾): هي مَعطوفة على قولهم في أول الآية: (﴿ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ ﴾)، فكأنهم يقولون: (﴿ وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، ولا تُظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين، حتى لا يُؤْتَوا من العلم مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ بهذا العلم عِنْدَ رَبِّكُمْ ﴾)، وبهذا تكون الجُملة: (﴿ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ﴾): هي جملة اعتراضية بين الجملتين، للتأكيد على أن التوفيق للهُدى إنما هو بيد الله تعالى وحده.





[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.

(كما نحب التنبيه على أنَّ بَلاغة القرآن كانت في إيجازِهِ مع وُضوحِهِ، بمعنى أنه نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وقد يَحذِفُ اللهُ تعالى أحياناً بعض الكلمات (بَلاغةً)، ولكنْ.. لأنَّ كثيراً مِن الناس لا يَفهمون لغة الحَذف والإيجاز، فإننا أحياناً نوضح هذه الكلمات المحذوفة (بَلاغةً)، وكذلك نوضح المعاني التي لا تُفهَمُ إلا بإيضاح هذه الكلمات، وذلك حتى نفهم لغة القرآن).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 31-05-2021, 04:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟{*}
رامي حنفي محمود




تفسير الربع الخامس من سورة ال عمران بأسلوب بسيط











الآية 75 ، والآية 76: (﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ ﴾): أي تأمَنْهُ على مالٍ كثير، فـ (﴿ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ ﴾) منغير خيانة، (﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ ﴾) واحد، فـ (﴿ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ﴾): أي إلا إذا بذلتَغاية الجهد في مُطالبته، و (﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ﴾): أي بسبب أنهم (﴿ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ ﴾): أي ليس علينا في أكل أموال العربإثمٌ ولا مؤاخذة، لأن الله قد أحَلَّهالنا، وهذا كَذِبٌ على الله، ولذلك قال سبحانه بعدها: (﴿ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾) أنهم كاذبون، (﴿ بَلَى ﴾): يعني ليس الأمر كما زعم هؤلاء الكاذبون، فإنّ المُتَّقِي حقاً هو (﴿ مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ ﴾) الذي عاهدَ اللهَعليه مِن أداء الأمانة، ومِن الإيمان به وبرسله، (﴿ وَاتَّقَى ﴾): أي وخافَ اللهَ عَزَّوَجَلّ، فامتثلَ أمْره، وانتهى عَمَّا نَهى عنه، (﴿ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ﴾).



الآية 77: (﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ﴾): أي يَستبدلون بعهد الله ووصيته التي أوصاهم بها في كتبهم، وكذلك يستبدلون بحَلِفِهم باللهِ (﴿ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾): أي عَرَضَاً زائلاً مِن الدنيا، (﴿ أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ ﴾): أي لا نصيبَ لهم (﴿ فِي ﴾) نعيم الدار (﴿ الْآَخِرَةِ ﴾)، (﴿ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ ﴾) يوم القيامة غضَباً عليهم، لتقديمهم هَوَى أنفسِهم على رضا ربهم، (﴿ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾) بعَين الرحمة، (﴿ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ﴾): أي ولا يُطهِّرُهم مِن دَنَسذنوبهم وكُفرهم،(﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾) دائمٌ مُقيم في دار الشقاء).



ولذلك يجب ألاَّ يطمئن المسلمون إلى اليهود أبداً، وألاَّ يثقوا فيهم - حتى ولو حلفوا لهم -، وذلك لِما عُرِفوا بهِ من الغدر والخيانة، واعلم أنه يدخل أيضاً في هذه الآية ما يُلزِمُ الرجل به نفسه من عبادةٍ وغير ذلك، لأنّ كل ذلك مِن عهْد الله الذي يَجب الوفاء به.



الآية 78: (﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ ﴾) - أي من أهل الكتاب - (﴿ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ ﴾): أي يُحَرِّفون الكلام - الذي في كتابهم - عن معناه الحقيقي، وكذلك يُحَرِّفون ألفاظه، بل ويَزيدون فيه مِن كلامهم، ثم يُمِيلون ويَعْوِجُون أَلْسِنَتَهُمْ بهذا الكلام الذي أضافوه، وذلك (﴿ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ ﴾): أي ليُوهِموكم أن هذا من الكتاب، (﴿ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ ﴾) (﴿ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾)، وهُممن أجل دنياهم: (﴿ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾): أي يقولون على الله الكذب، مع عِلمهم أنهم يَكذبون على الله، وهذا أعظم جُرماً ممن يقولُ على الله بغير علم).



الآية 79: (﴿ مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ ﴾): أي يُنَزِّل الله عليه كتابه، (﴿ وَالْحُكْمَ ﴾): أي ويجعله حَكمًا بين خلقه، (﴿ وَالنُّبُوَّةَ ﴾): أي ويؤتيه النُبُوَّة، (﴿ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾)، فهذا يستحيل أن يَصدر مِن أحدٍ مَنَّ اللهُ عليه بالنُبُوَّة، (﴿ وَلَكِنْ ﴾) يقول لهم: (﴿ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾): أي كونوا حكماءفقهاء علماء (﴿ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ ﴾): أي: بسبب تعليمكم الكتاب للناس، وهذا التعليم يَستلزِمُ بالضرورة أن تكونوا أنتم على عِلمٍ بالكتاب، وأن تكونوا قدوة للناس (عِلماً وعَملاً)، (﴿ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ﴾): يعني وبما تدرسونه من الكتابِحِفظًا وعلمًا وفقهًا).



الآية 80: (﴿ وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ﴾): أي آلهة تَعبدونهم مِن دون الله تعالى، (﴿ أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾): يعني أَيُعْقَلُ - أيها الناس - أن يأمركم بالكفر بالله، بعد أن أمَركم أن تنقادواله؟، وبعد أن كنتم على فِطرَتِكم الأولى (وهي التوحيد)؟، وبعد تعاليم الرُسل التي قبله بتوحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له؟ هذا لا يُعقَلُ أبداً، ولا يكونُ بأي حال).



الآية 81: (﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ﴾): أي واذكر حين أخذ الله العهد المؤكَّد على جميع الأنبياء، فقال لهم: (﴿ لَمَا آَتَيْتُكُمْ ﴾): يعني لَئِنْ آتيتكم (﴿ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ ﴾) مِن عندي (﴿ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ﴾) (﴿ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي ﴾): يعني فهل أقررتم واعترفتم بذلك، وأخذتم عليه عهدي المُوَثق؟ (﴿ قَالُوا أَقْرَرْنَا ﴾) (﴿ قَالَ فَاشْهَدُوا ﴾): أي فليشهدْ بعضكم على بعض، واشهدوا على أمَمِكم بذلك، (﴿ وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾) عليكم وعليهم (وفي هذا أن الله قد أخذ العهد على كل نبي أن يؤمنبمحمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ العهد أيضاً على أمم الأنبياء بذلك).



الآية 82: (﴿ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ ﴾): أي فمن أعرض عن الإسلام بعد هذا العهد الذي أخذه الله علىأنبيائه (﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾).



الآية 83: ((﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ ﴾): يعني هل يريدون ديناً غير الإسلام؟ (﴿ وَلَهُ ﴾): أي وللهِ تعالى (﴿ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا ﴾): أي طَواعِيَةً (كالمؤمنين)، (﴿ وَكَرْهًا ﴾): أي ورغمًا عنهم عند الشدائد، حِينَ لا ينفعهم ذلك (وهمالكفار)، مثل إسلام " فرعون " عند موته، (﴿ وَإِلَيْهِ ﴾) وحده (﴿ يُرْجَعُونَ ﴾) جميعاً (مؤمنهم وكافرهم)، فيُجازي كُلاًبعمله، وفي هذا تحذير من الله تعالى لخلقه أن يرجع إليه أحدٌ منهم على غير مِلَّةالإسلام).



الآية 86: (﴿ كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ﴾): أي كيف يُوَفِّق اللهُ - للإيمان به وبرسوله - قومًا جحدوا نُبُوَّة محمد صلى الله عليه وسلمبعد إيمانهم به، (﴿ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ ﴾): يعني وبعد أن شهدوا أن محمدًا صلى الله عليه وسلم حق، وأن ما جاء به هو الحق، (﴿ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾): أي وبعد ما جاءتهم الحُجَج والدلائل من عند الله بِصِحَّة ذلك، (﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾).



الآية 90: (﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا ﴾): أي ثم استمروا على كفرهم حتى الممات، فأولئك (﴿ لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ﴾) عند حضور الموت، (﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ ﴾).



الآية 92: (﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ ﴾): أي لن تبلغوا درجة الأبرار، ودرجة البر (الذي هو كمال الخير، والمُوصِل صاحبَه إلى الجنة)، قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحيْن - : (وإن البر يَهدي إلى الجنة)، فلن تبلغوا هذه الدرجة (﴿ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾) أي: حتى تنفقوا من الأشياء التي تحبها نفوسكم (سواء كانَ مالاً أو طعاماً أو غير ذلك)، (لأنكم إذا قدَّمتم محبة الله على ما تحبه أنفسكم: دَلَّ ذلك على إيمانكم الصادق)، واعلم أنه يدخل في ذلك أيضاً: الإنفاق في حال حاجة المُنفِق إلى ما أنفقه)،(﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ﴾)، وسيُجازيكم بهِ أوْفَر الجزاء).





[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.

(كما نحب التنبيه على أنَّ بَلاغة القرآن كانت في إيجازِهِ مع وُضوحِهِ، بمعنى أنه نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وقد يَحذفُ اللهُ تعالى أحياناً بعض الكلمات (بَلاغةً)، ولكنْ.. لأنَّ كثيراً مِن الناس لا يَفهمون لغة الحَذف والإيجاز، فإننا أحياناً نوضح هذه الكلمات التي حذفها اللهُ تعالى (بَلاغةً)، وكذلك نوضح المعاني التي لا تُفهَمُ إلا بإيضاح هذه الكلمات، وذلك حتى نفهم لغة القرآن).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #25  
قديم 08-06-2021, 04:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟{*}
رامي حنفي محمود





تفسير الربع السادس من سورة ال عمران بأسلوب بسيط




الآية 93: ﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا ﴾: أي: حلالاً ﴿ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِلِمرضٍ نَزل به، وذلكَ ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ، فلما نُزِّلتالتوراة، حَرَّم اللهُ فيها - على بني إسرائيل - بعض الأطعمة التي كانت حلالاً لهم، وذلكبسبب ذنوبهم وظُلمهم، ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَفي دعواكم الكاذبة (مِن أن الله هو الذي حَرَّمَ على يعقوب هذه الأطعمة، وأنه أنزل في التوراة هذا التحريم على يعقوب)، وذلك حتىتعلموا صِدْقَ ما جاء في القرآن مِن أن الله لم يُحَرِّم على بني إسرائيل شيئًا قبل نزول التوراة، لا على يعقوب ولا على غيره، إلا ما حرَّمه يعقوب على نفسه).

الآية 94: ﴿ فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾: أي: فمَن كذبَ على اللهِ بعدَ قراءة التوراة ووضوح الحقيقة: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾.

الآية 95: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴿ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ ﴾: أي: فإن كنتم صادقينفي مَحبتكم وانتسابكم لإبراهيم عليه السلام، فاتبعوا مِلَّتَهُ التيشرعها الله على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فإنها الحق الذي لا شك فيه، وقد كانَ إبراهيم عليه السلام ﴿ حَنِيفًا ﴾: أي: مائلاً عن أي دينٍ باطل، فكانَ عليه السلام مُسلماً لله تعالى، ﴿ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾.

الآية 96: ﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ﴾: أي: بُنِيَ لعبادة الله في الأرض: ﴿ لَلَّذِي بِبَكَّةَ ﴾: أي: لَهُوَ بَيتُ اللهِ الحرام الذي بمكة، ﴿ مُبَارَكًا ﴾: يعني: وهذا البيت مُبارك تتضاعف فيه الحسنات، وتتنزَّل فيه الرحمات، ﴿ وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾: أي: (وفي استقباله فيالصلاة، وكذلك في قصْدِهِ لأداء الحج والعمرة): صلاحٌ وهداية للناس أجمعين).

الآية 97: ﴿ فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ﴾: أي: في هذا البيت دلالاتٌ ظاهراتٌ على أنه مِن بناء إبراهيم، فمِن هذه الدلالات: مَقامُ إبراهيم عليه السلام، وهو الحَجَر الذي كان يَقف عليه حين كان يَرفعالقواعد مِن البيت، هو وابنه إسماعيل، ﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ ﴾: أي: ومَن دخل المسجد الحرام: ﴿ كَانَ آَمِنًا ﴾: أي: كان حقاً عليكم أن تؤَمِّنُوه، فلا يَحِلّ أنيَناله أحدٌ بسُوء، ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ﴾: يعني: وقد أوْجَبَ الله قَصْدَ هذاالبيت على المستطيع (بمالِهِ وبدنه) لأداء مناسك الحج، ﴿ وَمَنْ كَفَرَ ﴾: أي: ومَن جحد فريضة الحج فقد كفر، ومَن كفر ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ ﴾ عنه وعنحجِّه وعمله، و ﴿ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾.

الآية 99: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ ﴾: أي: لم تصدون مَن أراد الدخولفي سبيل الله (وهو دين الإسلام)، و﴿ تَبْغُونَهَا له ﴿ عِوَجًا ﴾: يعني: وتريدون له زَيغًا ومَيلا عن الاستقامة والهدى، وذلك بتشكيكه وتضليله، حتى يَضِلّ، ﴿ وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ ﴾: أي: وأنتم تعلمون أن ما جئتُ بههو الحق؟، ﴿ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.

واعلم أن الهاء التي في كلمة: (تبغونها) عائدة على (سبيل الله)،لأن كلمة: (السبيل) تؤنَّث وتُذَكَّر، وبذلك يكون المعنى: (وتَبغون العِوَجَ لِسالِكِها (أي: سالِك سبيل الله)).

الآية 100: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾: أي: يُضِلُّوكم، ويُلقوا إليكم الشُبُهات فيدينكم، لترجعوا جاحدين للحق بعد أن كنتم مؤمنين به، فلا تأمَنوهم على دينكم،ولا تقبلوا لهم رأيًا أو مَشورة).

الآية 102: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾، وذلكبأن يُطاع فلا يُعصَى، وبأن يُشكَر فلا يُكفَر، وبأن يُذكَر فلا يُنسَى، ﴿ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾: أي: وداوِموا على تمَسُّكِكُمبإسلامكم إلى آخر حياتكم، لتلقوا اللهَ وأنتم عليه).

الآية 103: ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ﴾: أي: وتَمَسَّكوا جميعًا بكتاب ربكم وهَدْي نبيكم، ﴿ وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾: أي: ولا تفعلوا ما يؤدي إلى فُرقَتِكم، ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ﴿ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ ﴾: أي: بفضله ﴿ إِخْوَانًا، ﴿ وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ ﴾: أي: على حافة نار جهنم، ﴿ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَابأنْ هَداكم للإسلام، ﴿ كَذَلِكَ ﴾: أي: وكما بَيَّنَ الله لكم مَعالم الإيمانالصحيح: ﴿ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ إلى كل ما فيه صلاح دينكم ودنياكم).

الآية 104: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ ﴾: أي: جماعة ﴿ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴿ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وهو ماعُرفَ حُسْنُهُ (شَرعًا وعُرفاً بين الناس)، ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وهو ما عُرف قُبْحُهُ (شرعًا وعُرفاً بين الناس)، ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾: أي: الفائزون بجنات النعيم).

الآية 105: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا شِيَعًا وأحزابًا،ة ﴿ وَاخْتَلَفُوا في أصول دينهم ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ﴾: أي: من بعد أن اتضح لهم الحق، ﴿ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾.

واعلم أن كلمة: (البيّنات) ليست مُؤنّثاً حقيقياً، بمعنى أنه يجوز تذكيرها ويجوز تأنيثها، فيجوز أن تأتي مع الفِعل المُذَكَّر: (جاءهم)، كما يجوز أن تأتي مع الفِعل المُؤنَّث: (جاءتهم)، ولذلك نجد أن الله تعالى أحياناً يقول: (جاءهم البيّنات)، وأحياناً يقول: (جاءتهم البيّنات).

الآية 107: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ وهم أهل السعادة، الذين آمنوا بالله ورسوله، وامتثلواأمْرَه: ﴿ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ ﴾: أي: فأولئك فيجنة الله ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾.

الآية 108: ﴿ تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ﴾: أي: بالصِدقواليقين، ﴿ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ﴾: أي: وما اللهُ بظالمٍ أحدًا مِن خَلقِه، ولا بمُنقِصهم شيئًا من أعمالهم).

الآية 110، والآية 111: ﴿ كُنْتُمْ ﴾: أي: كَتَبَ الله أنكم ستكونونَ ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾: أي: خُلِقَت لِنفع النَّاسِ، وذلك لأنكم ﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴿ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ إيماناً صادقاً يُؤّيِّدُهُ العمل، ﴿ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِبمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به مِن عندِ الله، كما آمنتم ﴿ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ في الدنيا والآخرة، ﴿ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ برسالة محمد صلى اللهعليه وسلم العاملون بها، وهم قليل، ﴿ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَالخارجون عن دين الله وطاعته، وهؤلاء ﴿ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ﴾: أي: إلا ما يُؤذي أسماعكم من ألفاظ الشركوالكفر وغير ذلك، كما قال تعالى: ﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾، ﴿ وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ﴾: أي: يُعطونكم ظهورهم فِراراً منكم، ﴿ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ عليكم).

الآية 112: ﴿ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ﴾: يعني: أحاطت بهم ﴿ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا ﴾: أي: فهم أذِلاَّءُ مُحتقَرونأينما وُجِدوا، فلا يكون اليهود إلا تحت أحكام المسلمين، تُؤخَذ منهم الجِزْيَة ويُسْتَذَلُّون، أو تحت أحكام النَصارَى، ﴿ إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ ﴾: أي: إلا بعد أن يُوفوا بعهد الله الذي أخذه عليهم مِن الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم متى بُعِث، والدخول في الإسلام، فبذلك يَزول ذلك الذل عنهم، ﴿ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ﴾: يعني: أو بعهدٍ من الناس يأمَنون به على أنفسهموأموالهم، كحماية دولة قوية لهم، أو مُعاهَدةٍ يفعلونها، أو غير ذلك).

﴿ وَبَاءُوا ﴾: أي: ورجعوا ﴿ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ مُستحقين له، ﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ﴾: وهي فقر النفوس، فلا ترى اليهوديَّ إلاوعليه الخوف والرعب مِن أهل الإيمان، ﴿ ذَلِكَالذي جعله الله عليهم، ﴿ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ﴿ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ﴾: أي: ظلمًا واعتداءً، ﴿ ذَلِكَ ﴾: أي: الجُرأة على قتل الأنبياء كانت ﴿ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾: أي: بسبب ارتكابهم للمعاصي، وتجاوُزِهِم لحدود الله).

الآية 113: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً ﴾: أي: ليس أهل الكتاب متساوين، فإنَّ ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ ﴾: يعني: مستقيمة على أمر الله، مؤمنة برسوله محمدصلى الله عليه وسلم ﴿ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ ﴾: أي: وهم يقومون الليل مُرَتِّلينَ آيات القرآن الكريم، (وغالباً يَكتُمُ هؤلاء إيمانهم، خوفاً من بطش أعدائهم)،﴿ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾: أي: وهم خاضعون لله، ذليلون له،مُقبلون علىمُناجاتِهِ في صلواتهم).

الآية 115: ﴿ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ ﴾: يعني: فلن يَضِيعَ ثوابه عند الله، بل يُشكَرُ لهم، ويُجازونَ عليه، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ ﴾.



[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #26  
قديم 08-06-2021, 04:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [1]








تفسير الربع السابع من سورة آل عمران بأسلوب بسيط







رامي حنفي محمود








الآية 117: (﴿ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ ﴾): أي: مَثَلُ ما يُنفق الكافرون في وجوه الخير (﴿ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾) (﴿ كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ ﴾): يعني: فيها بَرْدٌ شديد فـ (﴿ أَصَابَتْ ﴾) هذه الريح الباردة (﴿ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ﴾): أي: إنها هَبَّتْ على زرع قومٍ كانوا يَرجون خيره، ولكنْ بسببذنوبهم لم تُبْقِ الريح منه شيئًا، (وكذلك هؤلاء الكافرون لا يجدون في الآخرةثوابًا، ولكن يُعَجِّلُ الله ثوابهم في الدنيا، حتى لا يَجعل لهم حظاً في الآخرة)، (﴿ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾).







الآية 118: (﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً ﴾) كافرة، والمقصود ألاَّ تتخذوا الكافرين أولياء (﴿ مِنْ دُونِكُمْ): أي: من دون المؤمنين، ولا تُطْلِعوهم على أسراركم، لأنهم (﴿ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ﴾): أي: لا يُقَصِّرونَ جهداً في إفسادحالكم، و (﴿ وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ ﴾): أي: وهم يفرحون بَعَنَتِكم، يعني: بما يصيبكم من ضرر ومكروه، (﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾): أي: وقد ظهرت شدة البُغض في كلامهم، (﴿ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾) مما يظهرونه لكم من الكراهية، (﴿ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ ﴾) المُتَضَمِّنة لبيان أعدائكم وأحوالهم وصفاتهم لتعتبروا (﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾) لأن العاقل هو الذي يُفرِّق بين الصديق والعدو).







الآية 119: (﴿ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ ﴾): أي: وها هو الدليل على خطأكم في مَحبتهم، فأنتم تحبونهم وتحسنون إليهم، وهم لايحبونكم ويحملون لكم العداوة والبغضاء، (﴿ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ ﴾): أي: وأنتم تؤمنون بالكتب المُنَزَّلة كلهاومنها كتابهم، وهم لا يؤمنون بكتابكم، فكيف تحبونهم؟، (﴿ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا ﴾) (﴿ وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ﴾): أي: ظهر عليهم الغم والحزن،فعَضُّوا أطراف أصابعهم من شدة الغضب، لِمَا يرون مِن ألفة المسلمين واجتماعكلمتهم، وعزة الإسلام، وإذلالهم به، (﴿ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾).







الآية 121: (﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ ﴾): أي: واذكر حين خَرَجْتَ من بيتك في الصباح، لابسًا عُدَّة الحرب، و (﴿ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ ﴾): أي: وتنظم صفوفأصحابك، وتُنْزِل كل واحد في منزله للقاء المشركين في غزوة "أُحُد"، (﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ﴾) لأقوالكم، (﴿ عَلِيمٌ ﴾) بأفعالكم).







الآية 122: (﴿ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ ﴾) وهم بنو سَلِمة وبنو حارثة، (﴿ أَنْ تَفْشَلَا ﴾): يعني: فقد حدثتهم أنفسهمبأن يَجْبنوا، ويَهربوا من القتال، ويرجعوا مع زعيمهم المنافق (عبد الله بن أُبَيٍّ) خوفًا من لقاء العدو، (﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا ﴾): أي: ولكنَّاللهَ عَصَمَهُم وحَفظهم وثَبَّتَهم، فساروا معك متوكلين على الله، (﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾).







واعلم أن التوكل على الله: هو الأخذ بالأسباب - تعبُّداً لله تعالى - لأنه هو الذي أمرنا بذلك، ولكنْ مع الاعتماد على الله وحده، ومع الاعتقاد الجازم بأنّ كل شيء بيده سبحانه وتعالى، فلا يُعَلِّقُ العبد قلبه بالأسباب أبداً، وإلاَّ، فإنَّ هناك مَن يأخذ بنفس الأسباب ورغم ذلك يفشل في قضاء حوائجه، فالتوفيق كله بيد الله تعالى، فهو سبحانه الذي يُيَسِّرُ لعبده الأمور، وهو الذي يُلهمه أسباب الرشاد، ويُسَخِّر له مَن يُرشده للصواب، ويُهيئ له الأسباب الصالحة والأوقات المناسبة لقضاء حاجاته ومصالحه، وهو الذي يُسَخِّر قلوب العباد لخدمة المتوكلين عليه، إذ إنَّ قلوب العباد بين يديه سبحانه، قال تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلبٍ واحد، يُصَرِّفه حيث شاء) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 2141)، (فهو سبحانه المتصرف في الأمور كلها)، قال تعالى - في شأن العبد التَقِيّ -: ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾، وقال أيضاً - في شأن العبد الشَقِيّ -: ﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾.







الآية 123: (﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾): أي: وأنتم ضعفاء، قليلواالعَدَد والعُدَة، (﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾).







الآية 124، والآية 125: (﴿ إِذْ ﴾): أي: اذكر ما حدث في بدر حينَ (﴿ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾) - عندما بَلَغَهُم أثناء المعركة أن "كرز بن جابر المُحاربي" يريد أن يَمُدّ المشركين برجاله ليقاتلوا معهم، فشَقَّ ذلك على أصحابك، فقلتَ لهم -: (﴿ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴾) مِن السماء إلى أرض المعركة، يُثبِّتونكم،ويقاتلون معكم؟، (﴿ بَلَى ﴾): أي: يَكفيكم هذا المَدَد، وهناك بشارة أخرى، وهي أنكم (﴿ إِنْ تَصْبِرُوا ﴾) على لقاء العدو (﴿ وَتَتَّقُوا) اللهَ في جميع أحوالكم، فتفعلوا ما يُرضيه وتنتهوا عما يُسخِطه، (﴿ وَيَأْتُوكُمْ ﴾) أي: مَدد المشركين (﴿ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا ﴾): أي: على الفورمُسرعين لقتالكم (يظنون أنهم سوف يستأصلونكم)، فحينئذٍ سوف (﴿ يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ﴾) (﴿ مُسَوِّمِينَ ﴾): أي: إن هؤلاء الملائكة قد عَلَّموا أنفسهم وخيولهم بعلاماتٍ واضحات).







فلما قعد "كرز" عن إمداد قريش بالمقاتلين: لم يَمُدّ اللهُ تعالى رسوله والمؤمنين بهذا العدد من الملائكة، لأنه سبحانه وعدهم أن يَمُدَّهم بذلك العدد في حالة مَجيء هذا المَدد المُشرك مِن فورهم مُسرعين، فلما لم يأتوا: لم يَزدهم الللهُ على الألف التي أمَدَّهم بها عندما استغاثوه في أول المعركة، كما قال تعالى في سورة الأنفال: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ.







الآية 126، والآية 127، والآية 128: (﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ ﴾): أي: وما جعل الله هذا الإمداد بالملائكة يوم بدْر (﴿ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ ﴾) (﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾)، وقد جعل تعالى ذلك النصر (﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا ﴾): أي: لِيَهْلِكَ فريقًا (﴿ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾) بالقتل، (﴿ أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ ﴾): يعني: ويجعل مَن نَجا منهم - منالقتل - يرجع حزينًا، قد ضاقت عليه نفسه، يَظْهر عليه الخِزي والعار، ثم قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾): أي: ليس لك مِن أمْر العباد شيء، بل إنّ الأمر كله لله تعالى وحده لاشريك له، (﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾): أي: ولعل بعض هؤلاء الذين قاتَلوك تنشرح صدورهم للإسلام فيُسلِموا، فيتوبالله عليهم، وقد كان، فيَكفيك إسلام عمرو بن العاص، وخالد بن الوليد (الذي كان أحد أسباب هزيمة المسلمين في غزوة "أحد")، (﴿ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾): يعني: ومَن بَقي على كُفره منهم بعد أن نَجا من القتل، فإن الله يعذبه في الدنيا والآخرة بسبب ظلمه وكفره).







واعلم أن الجملة: ﴿ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ هي معطوفة على الجملة: ﴿ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ ﴾، يعني: كأنّ الله تعالى أراد أن يقول: (وقد جعل تعالى ذلك النصر لِيَقْطَعَ فريقًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالقتل، أَوْ يَكْبِتَ مَن نجا منهم فَيَنْقَلِبُوا إلى أهلهم خَائِبِينَ يَظْهر عليه الخزي والعار، أَوْ يَتُوبَ عَلَي مَن شاء منهم، أَوْ يُعَذِّبَ مَن بَقي منهم على كُفره فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)، وبهذا تكون الجملة: (﴿ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ﴾): هي جملة اعتراضية بين الجملتين، للتأكيد على أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له من أمر العباد شيئ، فلا يَملك لهم ضراً ولا نفعاً، فكيف بمَن هو دونَهُ صلى الله عليه وسلم؟!، فلذلك لابد أن يعلم العبد أنه لا يُقصَدُ في الدعاء، وقضاء الحوائج إلا الله تبارك وتعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنتَ فاستعِن بالله) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 7957).







[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.

(واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه، حتى نفهم لغة القرآن).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 08-06-2021, 04:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [1]








تفسير الربع الثامن من سورة آل عمران بأسلوب بسيط







رامي حنفي محمود






الآية 133، والآية 134: ﴿ وَسَارِعُوا بطاعتكم لله ورسوله ﴿ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ واسعةٍ ﴿ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، وهم ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أموالهم ﴿ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ﴾: يعني: في حال يُسرهم، وكذلك في حال عُسرِهم، ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ﴾: أي: والذين يُمسكون ما في أنفسهم من الغيظبالصبر.



واعلم انَّ أفضل وسيلة لكظم الغيظ وطرد الغضب بإذن الله تعالى هي:

أولاً: (أن تُكثِر - وبقوة - من الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم، بشرط أن تقول الاستعاذة بصِدق اللُّجوء إلى الله تعالى، وطلب العِصمة والحِفظ منه سبحانه).



ثانياً: (احتقار النفس، وعدم رؤيتها وتعظيمها، لأنها عاصية لله تعالى، بمعنى أن تكره نفسك العاصية، لأنها هي التي أوقعتك في الذنوب والمعاصي، وهي التي جَرَّأتكَ على حُرُمات ربك، وهي السبب فيما أنت فيه من البلاء، فلذلك هي لا تستحق أن تَغضب لها، ولا أن تَنتصر لها، لأنها أخَسّ وأحقر مما قيل فيها، فلذلك تقول لها: (مَن أنتِ حتى أدافع عنكِ) (لا شيء)، وكذلك تتذكر أنه إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يغضب لنفسه، فهل تغضبُ لها أنت؟!).



ومِن لَطيفِ ما يُذكَر أنّ أحد الدُعاة كانَ إذا قيل له: (إنَّ فلاناً قد قال في حقك كذا وكذا) - مع أن هذا الفعل خاطئ، لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ(الإسراء: 53) - المهم أن هذا الداعية كان إذا قيل له ذلك، تذكَّرَ احتقاره لنفسه، فكان يقول: (أنا في الوَحْل والطين، دَعْكَ مِنِّي)، وهذه نقطة هامة جداً، لأنّ تذكُّر حَقارة النفس عند الغضب، يَجعلك تتحكم في أعصابك، حتى تكون ردود أفعالك مُنضبطة.



﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾: أي: والذين إذا قَدَروا أن يعاقبوا مَن ظلمهم: عَفَوا عنه، لأنهم يعلمون أن الله يَغفرُ لهم ما فعلوه في حقه، فلماذا لا يغفرون هم ما يفعله الخلق في حقهم؟!، كما قال تعالى: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ ﴾؟، ولكنْ بشرط أن تكون نتيجة هذا العفو: إصلاحٌ، كما قال تعالى: ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾، بمعنى أنك إذا وجدتَ هذا الشخص (الذي قد عفوتَ عنه) يَتمادى في الإساءة والإيذاء، فهذا لا ينفع معه العفو، لأنه يظن بذلك أنك ضعيف، ولا يَفهم أنك تعفو عنه لله، فهذا من الممكن أن تقول له: (الله يسامحك)، ولكنْ تقولها له بشدة، وبِوَجْهٍ غاضب، وذلك لأنّ تغيُّر الوجه بالغضب عند قوْل كلمة: (الله يسامحك)، يُوحي لمَن أمامك بأنك قادرٌ على مُعاقبته، وإنما يمنعك من ذلك خوفك من الله، وكذلك تُعَلِّم ابنك الصغير أن يفعل ذلك - أي: قوْل: (الله يسامحك) بوجهٍ غاضب - مع أصدقائه إذا شتموه، أو أهانوه.



وأما الذي ينفع معه العفو فهو الذي - إذا عفوتَ عنه - يتوقف عن ظلمه وأذاه وإساءته، ويَعتبر أنّ عفوك هذا جميلٌ يحمله في رقبته إلى يوم القيامة.



ومِن لَطيفِ ما يُذكَر أن أحد الناس كانَ قد التقى في العُمرة بأحد الأشخاص الذين ظلموه وآذوه أشد الإيذاء، فقال له ذلك الشخص الظالم: (سامحني)، فقال له: (لا أستطيع أن أسامحك بعد كل ما فعلته معي، لا أقدر)، ثم لمَّا طاف شوطاً بالكعبة: لَقِيَهُ مرة أخرى أمامه، فقال له: (اعلم أنني قد سامحتك حتى يسامحني الله، وإلاَّ، فماذا سأستفيد أنا إذا أنت دخلتَ جهنم؟)، وكانَ أحد الناس يقول لِخُصومه (الذين اغتابهم وآذاهم): (إن لم تسامحوني، فأنا أشْهِدُ اللهَ أنني قد سامحتكم فيما كان منكم في حقي)، فكان بذلك يُرَقق قلوبهم، فيسامحوه.



﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾: يعني: وهذا هو الإحسان الذي يحب اللهأصحابه).



الآية 135: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ﴾: أي: ارتكبوا ذنبًا كبيرًا، ﴿ أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بارتكاب صغائر الذنوب: ﴿ ذَكَرُوا اللَّهَ ﴾: أي: ذكروا وَعْدَاللهِ ووعيده، فتذكروا أنهم قد يُحرَمون من الجنة إذا خُتِمَ لهم بذلك، وماتوا على المعاصي مِن غير توبة، وتذكروا أنهم لا يتحملون أقلّ قدْر من عذاب الله، وهو لِبس النعلين الذين تغلي الدماغ من شدة حَرّها وسخونتها، فعندما تذكروا ذلك، وخافوا عقاب الله، وخافوا حرمانهم من نعيم الجنة: ﴿ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ ﴾: أي: فلجأوا إلى ربهم تائبين، مستغفرين نادمين، يطلبون منه أن يغفر لهم ذنوبهم، ﴿ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾: أي: وهمموقنون أنه لا يغفر الذنوب إلا الله، فليسَ لأحدٍ من البشر أن يَدَّعِي أنّ معه (صَكّ غفران) يغفر به الذنوب، وإلاَّ، فليَغفر ذنوبه هو، ﴿ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا ﴾، واعلم أن الإصرار: هو البقاء على المخالفة، والعزم على المعاودة، كأن ينوي أن يفعل معصية معينة في الأسبوع القادم، فهذا ليس بتائب، وليس من المتقين، ﴿ وَهُمْ - أي: المتقون - ﴿ يَعْلَمُونَ أنهم إن تابوا بصِدق: تاب الله عليهم).



الآية 137: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ ﴾: يخاطب الله المؤمنين لـمَّا أُصيبوا يوم "أُحُد" تَعْزِيَةً لهم بأنّ سُنَن الله تعالى قد مضت في أممٍقبلكم، فابتُلِيَ المؤمنون منهم بقتال الكافرين، فكان النصر في النهاية للمؤمنين، وإن شَكَكْتم في ذلك: ﴿ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِبأبدانكم وقلوبكم، وتأملوا في الهالكين كعادٍ وثمود، وفي ديارهم ﴿ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾،فإنكم لن تجدوهم إلا مُعَذَّبين بأنواع العقوبات الدنيوية، قد خَوَت ديارهم، وذهب عِزُّهم ومُلْكُهم، وزالَ بَذَخُهم وفخرهم، أليس في هذا أعظم دليل على صِدْق ما جاءت به الرُسُل؟).



الآية 138: ﴿ هَذَا القرآن﴿ بَيَانٌ لِلنَّاسِ ﴾: أي: يتبينون به الحق من الباطل، والهدى من الضلال، ﴿ وَهُدًى ﴾: أي: وإرشاد إلى طريق الحق، ﴿ وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴾: أي: وتذكيرٌ تَخْشَع له قلوب المتقين، وهمالذين يخشون الله تعالى، وقد خُصُّهم الله بتلك الموعظة لأنهم هم المنتفعون بها دون غيرهم).



ولذلك نلاحظ أن الله تعالى عندما يذكر فضائل القرآن ومنافعه، فإنه يخص بها عباده المؤمنين، وعباده المتقين، كما قال تعالى: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ﴾، وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ﴾، أما عندما ذكَرَ سبحانه فوائد العسل قال: ﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ.



الآية 139: ﴿ وَلَا تَهِنُوا ﴾: أي: ولا تضْعُفوا - أيها المؤمنون - عن قتال عدوكم، ﴿ وَلَا تَحْزَنُوا لِمَا أصابكم في" أُحُد"، ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ ﴾: أي: وأنتم الغالبون والعاقبة لكم ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بالله، ومطيعين له ولرسوله).



الآية 140: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ ﴾: يعني: إن أصابتكم أيها المؤمنون جِراح وقتل في غزوة "أُحُد" فحزنتم لذلك، فقد أصاب المشركين جراح وقتل مثل ذلك في غزوة "بدر"، ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾: أي: وتلك الأيام يُصَرِّفها الله بين الناس (نصرٌ مَرة وهزيمة مَرة)، لِما في ذلك من الحكمة، ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾: أي: وحتى يظهر ما علمه الله في قديم الأزل، ليتميَّز المؤمن الصادق مِن غيره، ﴿ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ﴾: يعني: ولِيُكْرِمَ أقوامًا منكم بالشهادة، ﴿ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ لأنفسهم، الذين قعدوا عن القتال في سبيله).



الآية 141: ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾: أي: وقد كانت هذه الغزوة اختبارًا وتصفية للمؤمنين من ذنوبهم وعيوبهم، وتخليصًالهم من المنافقين المُخالطين لهم، ﴿ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾: أي: بإذهابهم وإنهاء وجودهم، فإنّ هذا الدرس قد نفع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بعد، فلم يخرجوا عن طاعة نبيهم، وبذلك توالت انتصاراتهم حتى أذهبوا ريح الكفر والكافرين من أرض الجزيرة العربية كلها، بل وخارج الجزيرة، فالفتوحات التي فتحها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغرب والشرق لم يفتحها غيرهم مِمَّن جاء بعدهم (لا من التابعين ولا من غيرهم)، وهذا إنجازُ وَعْدِ الله تعالى لهم في قوله: ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.



الآية 142: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ دونَ أن تُبْتَلُوا بالقتال والشدائد؟ ﴿ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ ﴾: أي: ولابُدَّ أن تبتلوا بذلك حتى يعلم الله - عِلماً ظاهراًللخلق - المُجاهدين منكم في سبيله، ﴿ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ على مقاومة الأعداء.



الآية 143: ﴿ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ ﴾: يعني: ولقد كنتم تتمنون لقاء العدو، لتنالوا شرفالجهاد والاستشهاد (الذي ناله إخوانكم في غزوة "بدر")، ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ ﴾: يعني: مِن قبل أن تلقوا الموتَ، وتروهُ أمام أعيُنِكم في غزوة "أُحُد"، ﴿ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ﴾: يعني: فها هوذا قد حصل لكم الذي تمنيتموه وطلبتموه، فقاتِلوا واصبروا).



الآية 144: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ﴾: أي: إنه مِثل باقي الرسل، مهمتهم واحدة، وهي تبليغ رسالات ربهم وتنفيذ أوامره، ليسوا بمُخلَّدين، وليس بقاؤهم شرطاً في امتثال أوامر الله، بل الواجب على الأمم عبادة ربهم في كل وقت وبكل حال، ﴿ أَفَإِنْ مَاتَ بانقضاءأجله، ﴿ أَوْ قُتِلَكما أشاع الأعداء: ﴿ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾: أي: رجعتم عن دينكم وتركتم ما جاءكم به نبيكم؟، ﴿ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا، إنما يَضر نفسه ضررًا عظيمًا، أما مَن ثبت على الإيمان وشكر ربه على نعمة الإسلام، فإن الله يشكر له سَعْيَهُ وعمله، ﴿ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ أحسنالجزاء).



الآية 145: ﴿ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَدَره، فقد كتب تعالى ذلك ﴿ كِتَابًا مُؤَجَّلًا ﴾: وهو اللوح المحفوظ الذي كُتِبَت فيه آجال الناس بمواقيتها، فلا تتقدم عنه ولا تتأخر، ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ﴾: يعني: ومَن يطلب بعمله عَرَض الدنيا والثناء من الناس، نُعطِهِ ما قسمناه له مِن رِزق، وليسَ لهحظَّ في الآخرة، ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا ﴾: يعني: ومَن يطلب بعمله ثوابَ الله في الآخرة، نؤته جزاءه وافرًا في الآخرة، مع ما لَه في الدنيا مِن رزقٍ مقسوم، فهذا قد شَكَرَنابطاعته وجِهاده، ﴿ وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ خير الجزاء).



الآية 146، والآية 147: ﴿ وَكَأَيِّنْ ﴾: يعني: وَكَم ﴿ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ ﴾﴿ ﴾: يعني: قاتل معهم جُموعٌ كثيرة مِن أتباعهم الصالحين، ﴿ فَمَا وَهَنُوا ﴾: يعني: فما ضعفوا نفسياً ولا قلبياً ولا إيمانيا ﴿ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِن قتلٍ وجِراح، ﴿ وَمَا ضَعُفُوا ﴾: يعني: وما عَجَزوا جسدياً عن مقاتلة الأعداء بعد ذلك، ﴿ وَمَا اسْتَكَانُوا ﴾: أي: ولا خضعوالعدوهم، إنما صبروا على ما أصابهم، ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، ﴿ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ في أثناء المعركة ﴿ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا فلا تخذلنا أثناء القتال بسببها، ﴿ وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا ﴾: أي: واغفر لنا ما وقع منامِن تجاوُز في أمْر ديننا، ﴿ وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا حتى لا نَفِرَّ من قتال عَدُوِّنا، ﴿ وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ الذين جحدوا وحدانيتك ونُبُوَّة أنبيائك).



الآية 148: ﴿ فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وذلك بالنصر على أعدائهم، وبالتمكينلهم في الأرض، ﴿ وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ ﴾: أي: وآتاهم الجزاء الحسن العظيم في الآخرة، وهو رضوانه الذي أحَلَّهُ عليهم وهم في جنات النعيم المقيم، الذي قد سَلَمَ مِن جميع المُنَكِّدات والمُنَغِّصات، ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ الذين أحسنوا عبادتهم لربهم، وأحسنوا معاملة خلقه).



الآية 149، والآية 150: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾: يعني: يُضِلوكم عن طريق الحق، وترتدُّوا عن دينكم، ﴿ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾: أي: فتعودوابالخُسران المُبين والهلاك المُحَقَّق، إنهم لن ينصروكم، ﴿ بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ ﴾: أي: ناصركم، ﴿ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ﴾.



الآية 151: ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ في الدنيا ﴿ بِمَا أَشْرَكُوا ﴾: أي: بسبب إشراكهم ﴿ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾: يعني: آلهةمزعومة، ليس لهم دليل أو برهان على استحقاقها للعبادة مع الله، ﴿ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ﴾: يعني: ومكانهم الذي يأوون إليه في الآخرة هوالنار، ﴿ وَبِئْسَ مَثْوَى ﴾: أي: وَبِئْسَ مُقام ﴿ الظَّالِمِينَ جهنم).





[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه، حتى نفهم لغة القرآن.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 08-06-2021, 04:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]








تفسير الربع التاسع من سورة آل عمران بأسلوب بسيط







رامي حنفي محمود









الآية 152: ï´؟ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ ï´¾ مِن نَصْرٍ على المشركين في أول القتال في غزوة "أُحُد" ï´؟ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ï´¾: أي حين كنتم تقتلون الكفار، وذلك بإذنه تعالى بقتالكم لهم، ï´؟ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ ï´¾: يعني حتى إذا جَبُنتم وضعفتم عن القتال، ï´؟ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْر ï´¾: أي واختلفتم: هل تبقون فيمواقعكم؟، أو تتركونها لجمع الغنانم مع مَن يجمعها؟، ï´؟ وَعَصَيْتُمْ ï´¾ أمر رسولكم حينأمركم ألا تفارفوا أماكنكم بأي حال، فساعتها حلَّت بكم الهزيمة ï´؟ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ï´¾ مِن النصر (في أول المعركة)،وتبيَّن أنّï´؟ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ï´¾، وقد أصابكم الخوف والرعب، حينما رأيتم أنفسكم محصورين بين رُماة المشركين ومُقاتلِيهم، ï´؟ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ï´¾: يعني ثم صرفكم الله عن عدوكم، بأن فررتم من القتال لتنجوا بأنفسكم، وقد قدَّرَ اللهُ حدوث ذلك كله ï´؟ لِيَبْتَلِيَكُم ï´¾: أي ليختبركم، فيرى المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، ويرى الصابر من غيره، ï´؟ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُم ï´¾ بعد أنْ عَلِمَ سبحانه ندمَكم وتوبتكم، ï´؟ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ï´¾.



الآية 153: ï´؟ إِذْ تُصْعِدُونَ ï´¾: أي اذكروا حين كنتم تَصْعَدون الجبل هاربين منأعدائكم، ï´؟ وَلَا تَلْوُونَ ï´¾ رؤوسكم ï´؟ عَلَى أَحَدٍ ï´¾ يعني ولا تلتفتون إلى أحدٍ لِمَا اعتراكم من الدهشة والخوف والرعب، ï´؟ وَالرَّسُولُ ï´¾ ثابت في الميدان، و ï´؟ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ) ï´¾: أي يناديكم مِن خلفكم قائلاً: (إليَّ عبادَالله)، وأنتم لا تسمعون ولا تنظرون،ï´؟ فَأَثَابَكُمْ ï´¾: أي فكان جزاؤكم على فِعلكم أن أنزل الله بكم ï´؟ غَمًّا بِغَمٍّ ï´¾: يعني غَمَّاً يَتبَعُ غَمَّاً: (إذ أصابكم غَمٌّ بفوات النصر وفوات الغنيمة، وغَمٌّ آخر بانهزامكم، وغَمٌّ ثالث أنساكم كل غَمّ، وهو سماعكم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قُتِل)، (وقد جعل الله اجتماع هذه الأمور من باب التربية لعباده المؤمنين لمكانتهم عنده)، ثم لَطَفَ الله تعالى بكم، فجعلكم تتأكدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُقتَل، فهانت عليكم تلك المصائب، وفرحتم بوجوده المُهَوِّن لكل مصيبة ومِحنة، وذلك ï´؟ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ ï´¾ مِن نَصرٍ وغنيمة، ï´؟ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ï´¾ مِن خوفٍ وهزيمة، ï´؟ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ï´¾.



الآية 154: ï´؟ ثُمَّ ï´¾ كان من رحمة الله بكم أيها المؤمنون المخلصون أن ï´؟ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً ï´¾ أي ألقى في قلوبكم اطمئنانًا وثقة في وعد الله تعالى، مِن بعد ما نزل بهامِن همٍّ وغمٍّ، وكان مِن أثر هذا الأمن والاطمئنان أن أنزل عليكم ï´؟ نُعَاسًا يَغْشَى ï´¾: أي يُغطي ï´؟ طَائِفَةً مِنْكُم ï´¾ وهم أهل الإخلاص واليقين، ï´؟ وَطَائِفَة ï´¾ أُخرى ï´؟ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ ï´¾ أي أهمَّهم تخليص أنفسهم خاصَّةً دونَ المؤمنين، و ï´؟ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّة ï´¾: أي إنهم أساؤوا الظن بربهم وبدينه وبنبيه صلى الله عليه وسلم،وظنوا أن الله لن يُتِمُّ أمر رسوله، وأن الإسلام لن تقوم له قائمة، ولذلكتراهم نادمين على خروجهم للقتال، فـ ï´؟ يَقُولُونَ ï´¾ لبعضهم: ï´؟ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ï´¾ يعني هل كان لنا مِن اختيار في الخروجللقتال؟، ï´؟ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ï´¾ فهو الذي قدَّرَ خروجكموما حدث لكم، وهم ï´؟ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَك ï´¾ من الحسرة على خروجهمللقتال، فـ ï´؟ يَقُولُونَ ï´¾ سِرَّاً فيما بينهم:ï´؟ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ï´¾: يعني لو كان لنا الاختيار، ما خرجنا ولا قاتلنا ولا أصابنا الذي أصابنا، فأطْلَعَ الله رسوله على سِرِّهِم، وقال له: ï´؟ قُلْ ï´¾ لهم: إن الآجالبيد الله و ï´؟ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ï´¾، وقدَّر الله لكم أن تموتوا: ï´؟ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِم ï´¾ أي لخرج الذين كَتب اللهعليهم الموت إلى حيث يُقْتلون، ï´؟ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ ï´¾: أي وما جعل الله ذلك الذي حدث في "أُحُد" إلا ليختبر ï´؟ مَا فِي صُدُورِكُمْ ï´¾ منالشك والنفاق، ï´؟ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ï´¾: أي ولِيَمِيزَ الخبيث من الطيب، ويَظهر للناس أمر المنافق (مِنأقوالِهِ وأفعالِه)، ï´؟ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ï´¾.



الآية 155: ï´؟ إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ï´¾: أي فرُّوا عن القتال يوم التقى المؤمنونوالمشركون في غزوة "أُحُد": ï´؟ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا ï´¾: يعني إنما أوقعهم الشيطان في هذا الذنب العظيم (وهو الفرار من الجهاد)، بسبب بعض ما اكتسبوهمِن مُخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث تركوا مواقعهم، ونزلوا لطلب الغنيمة، فخذلهم الله بسبب ذلك الذنب، فلم يُثبِّت أقدامهم في القتال، ï´؟ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ ï´¾: أي تجاوز عنهم فلم يعاقبهم، ï´؟ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ï´¾، فيُمهِلُ عَبدَهُ حتى يتوبَ فيتوب عليه ويغفر له، ولو لم يكن حليماً: لعاقب مِن أول ذنب، فلا يُمَكِّنُ أحداً من التوبة والنجاة).



الآية 156: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْض ï´¾: أي إذا خرجوا يبحثون في أرضالله عن معاشهم،ï´؟ أَوْ كَانُوا غُزًّى ï´¾: يعني أو كانوا مع الغُزاة المقاتلين (ثم ماتوا أو قُتِلوا)، فإنهم يُعارضون القدَر، ويقولون: ï´؟ لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا ï´¾: أي لو لم يخرجهؤلاء، وأقاموا معنا ï´؟ مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا ï´¾ï´؟ لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ ï´¾: يعني: وعندما يتذكر المنافقون الذين أُصِيبوا (أنهم لو كانوا قعدوا عن القتال مع أصحابهم المنافقين: ما أصابهم شيئاً)، فإنهم بذلك يزدادون حُزنًا وحسرة تُمزقهم، بسبب سخطهم على قضاء الله وقدره.



أما المؤمنون فإنهم يعلمون أنّ ذلك بقدرالله تعالى، فيَهدي الله قلوبهم، ويخفف عنهم المصيبة، ï´؟ وَاللَّهُ يُحْيِي ï´¾ مَن قدَّر له الحياة -وإن كان مسافرًا أو غازيًا،ï´؟ وَيُمِيتُ ï´¾ مَنِ انتهى أجله - وإن كان مقيمًا، ï´؟ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ï´¾، وسيرى سبحانه: هل ستنتهون عَمَّا نَهاكم عنه أو لا، وسيُجازيكم على ذلك).



الآية 157: ï´؟ وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ ï´¾ مَوتةً (طبيعية) بانقضاء آجالكم أثناء المعركة: ï´؟ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ ï´¾: أي لَيَغفِرَنَّ الله لكم ذنوبكم، وليَرحَمَنَّكم رحمة مِن عندِه، فتفوزون بجناتالنعيم، وذلك ï´؟ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ï´¾: أي خيرٌ من الدنيا وما يَجمعه أهلها فيها).



الآية 158: ï´؟ وَلَئِنْ مُتُّمْ ï´¾ بانقضاء آجالكم في هذه الحياة الدنيا، فمُتُّم على فُرُشكم، ï´؟ أَوْ قُتِلْتُمْ ï´¾ في ساحةالقتال: ï´؟ لَإِلَى اللَّهِ ï´¾ وحدهï´؟ تُحْشَرُونَ ï´¾ فيُجازيكم بأعمالكم).



الآية 159: ï´؟ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ï´¾: يعني فبسبب رحمةٍ مِن الله لك ولأصحابك، مَنَّ اللهُ عليك فكنتَ رفيقًا بهم، وهذا يُوضح كمال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخُلُقِي، ويوضح أيضاً فضل الصحابة، وكرامتهم عند ربهم، ï´؟ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ï´¾: أي ولو كنت سيِّئ الخُلق قاسي القلب، لانْصَرَفَ أصحابك من حولك،ï´؟ فَاعْفُ عَنْهُمْ ï´¾: أي فلا تؤاخذهمبما كان منهم في غزوة "أُحُد"، ï´؟ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ï´¾ ï´؟ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ï´¾ الذي يحتاج إلى مشورة، ï´؟ فَإِذَا عَزَمْتَ ï´¾ على أمر من الأمور - بعدالاستشارة - ï´؟ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ï´¾ : يعني فأَمْضِ هذا الأمر معتمدًا على الله وحده، ï´؟ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ï´¾ عليه).



الآية 161: ï´؟ وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُل ï´¾: أي يأخذ الغُلول، وهو أخْذ شيء من الغنيمة قبل تقسيمها، ï´؟ وَمَنْ يَغْلُلْ ï´¾ منكم: ï´؟ يَأْتِ بِمَا غَلَّ ï´¾ حاملاً له ï´؟ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ï´¾ لِيُفضَحَ بهفي الموقف المشهود، ï´؟ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ï´¾.



الآية 162 ، والآية 163: ï´؟ أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ ï´¾ أي أفمن كان مُتبعاً لما يُرضي الله من الأقوال والأفعال والنيَّات، ï´؟ كَمَنْ ï´¾: أي هل يستوي مع مَن ï´؟ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ ï´¾: أي رجع بغضب من الله، لانغماسه في المعاصي، ï´؟ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ï´¾:يعني فاستحق بذلك سكن جهنم ï´؟ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ï´¾؟ لا يستويان أبداً، ï´؟ هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ ï´¾: يعني أصحاب الجنة المتبعون لما يُرضي الله متفاوتون في الدرجات، وأصحاب النارالمتبعون لما يُسخِط الله متفاوتون في الدركات، كما قال تعالى: ï´؟ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ï´¾، ï´؟ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ï´¾).



الآية 165: ï´؟ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ ï´¾ وهي جراحكم وقتلكم يوم "أُحُد"،ï´؟ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا ï´¾ مِن المشركين في يوم بدْر، ï´؟ قُلْتُمْ ï´¾ متعجبين: ï´؟ أَنَّى هَذَا ï´¾: يعني كيف يكون هذا ونحن مسلمون،ورسول الله فينا، وهؤلاء مشركون؟، ï´؟ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ï´¾: يعني قد أصابكم ذلك بسبب مخالفتكم أمْرَ رسولكم وإقبالكم علىجمع الغنائم، ï´؟ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾، فيفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا مُعَقِّب ‌‌‌‌‌‌لِحُكمه).



الآية 166، والآية 167، والآية 168: ï´؟ وَمَا أَصَابَكُمْ ï´¾: يعني وكل ما أصابكم مِن جراح أو قتلٍ ï´؟ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ï´¾ في أُحُد: ï´؟ فَبِإِذْنِ اللَّه ï´¾: أي فذلك كله بقضاء اللهوقدَره، ï´؟ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ ï´¾: أي وليظهر ما عَلِمَه اللهُ في قديم الأزَل لِيَتميَّز المؤمنون الصادقون منكم، ï´؟ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ï´¾، وهم الذين كشف الله ما في قلوبهم عندما: ï´؟ وَقِيلَ لَهُمْ ï´¾: أي حين قال المؤمنون لهم: ï´؟ تَعَالَوْا قَاتِلُوا ï´¾ معنا ï´؟ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ï´¾ المشركين عنا بتكثيركم لعددنا، حتى وإن لم تقاتلوا، ï´؟ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ ï´¾: أي لَوْ نَعْلَمُ أنكم تقاتلون أحدًا لَكُنَّا معكم عليهم، ï´؟ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ ï´¾: أي في هذا اليوم ï´؟ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ï´¾ لأنهمï´؟ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ï´¾ ï´؟ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ ï´¾: أي بما يُخفون فيصدورهم، وهؤلاء المنافقون هم(الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ) الذين أصيبوا مع المسلمين أثناء قتالهم المشركين يوم "أُحُد" ï´؟ وَقَعَدُوا ï´¾ هم عن القتال: ï´؟ لَوْ أَطَاعُونَا ï´¾ وقعدوا معنا: ï´؟ مَا قُتِلُوا ï´¾، ï´؟ قُلْ فَادْرَءُوا ï´¾: أي فادفعوا ï´؟ عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ï´¾ في دعواكم أنهم لو أطاعوكم ماقتِلوا، وأنكم قد نجوتم من الموت بقعودكم عن القتال).





[*] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 08-06-2021, 04:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [1]

تفسير الربع العاشر من سورة آل عمران بأسلوب بسيط

رامي حنفي محمود

الآية 169: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾: أي: في جوار ربهم (الذي جاهدوا مِن أجله، وماتوا فيسبيله)، ﴿ يُرْزَقُونَ ﴾: أي: يَجري عليهم رزقهم في الجنة، ويُنعَّمون).

الآية 170: (﴿ فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾: يعني: لقد عَمَّتهم السعادة حين مَنَّ الله عليهم، فأعطاهم من النعيم والرضا ما تَقَرُّ به أعينهم، ﴿ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ﴾: يعني: وهم يفرحون بإخوانهم المجاهدين(الذين فارقوهم وهم أحياء)، لِعِلْمِهم أن إخوانهم إذا استُشهِد في سبيل الله مُخلِصين له، فإنهم سوف ينالون منالخير الذي نالوه، و﴿ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يَستقبلونه مِن أمرالآخرة، ﴿ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم من أمور الدنيا).

الآية 171، والآية 172، والآية 173: (﴿ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ﴾: يعني: وإنهم لفي فرحة غامرة بما أُعطاهم الله مِن عظيم جُودِه وواسعكرمه، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ ﴾: أي: وَبأن الله (﴿ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾: أي: الذين لبُّوا نداء الله ورسوله، وخرجوا في أعقاب المشركين إلى "حمراء الأسد"، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أن يَرفع معنويات أصحابه الذين جُرحوا وهُزِموا بأحُد، وأن يُرهِب أعداءه، فأمر مؤذناً يؤذن بالخروج في طلب أبي سُفيان وجيشه، فاستجاب المؤمنون وخرجوا معه (﴿ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ ﴾):أي: رغم ما كان بهم من آلام وجراح، وبذلوا غاية جهدهم،والتزموا بطاعة نبيهم، (﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ ﴾): أي: مِن هؤلاء المؤمنين، (﴿ وَاتَّقَوْا ﴾) ربهم، فلم يُشركوا به، ولم يَعصوه فيما أمرهم به أو نهاهم عنه، فأولئك لهم (﴿ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾)، وهؤلاء المؤمنون هم (﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ﴾): أي: قال لهم بعض المشركين: (﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ﴾): أي: إنَّ أبا سُفيان ومَن معه قد أجمعوا أمرهم على الرجوع إليكم لقتلكم، فاحذروهم واخشوا لقاءهم، فإنه لا طاقة لكم بهم، (﴿ فَزَادَهُمْ ﴾) ذلك التخويف (﴿ إِيمَانًا ﴾): أي: يقينًا وتصديقًا بوعد الله لهم بالنصر عليهم، ولم يَثْنِهم ذلك عن عزمهم، فساروا إلى حيث شاء الله، (﴿ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ ﴾): أي: هو سبحانه كافينا شَرّ ما أرادوه بنا من الأذى، (﴿ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾) الذي نُوكل إليه أمورنا، ونفوضها إليه).

فلما قالوا ذلك، مَرَّ أحد حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعسكر أبي سفيان، فسأله أبو سفيان عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبره أنه قد خرج في طلبكم ومعه جيش كبير وكُلُّهُم تَغَيُّظٌ عليكم، ونصحهم أن يرحلوا، فألقى الله الرعب في قلب أبي سفيان، فانهزم وهرب برجاله إلى مكة، خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

واعلم أنّ في قوله تعالى: (﴿ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ﴾): دليلٌ على أن الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية.

الآية 174: ((﴿ فَانْقَلَبُوا ﴾) من "حمراء الأسد" إلى "المدينة" مع نبيهم (﴿ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ ﴾): أي: بالثواب الجزيل، وبالمنزلة العالية،وبالنصر على أعداء الله، وبالتوفيق للخروج بهذه الحالة، و (﴿ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾): أي: وفازوا بالسلامة من القتل والقتال، (﴿ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ﴾) وذلك بطاعتهم له ولرسوله، (﴿ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ﴾) عليهم وعلى غيرهم).

الآية 175: ((﴿ إِنَّمَا ﴾) المُثبِّط لكم (الذي يصيبكم بالإحباط والكسل عن الجهاد) هو (﴿ ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ ﴾) الذي جاءكم (﴿ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ ﴾): أي: يُخوِّفكم أنصاره، (﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ ﴾) لأنّهم ضِعافٌ لا ناصرَ لهم، (﴿ وَخَافُونِ ﴾) بالإقبال على طاعتي (﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾) بي ومُتبعينَ لرسولي).

الآية 176: ((﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ﴾): أي: لا تحزن بسبب هؤلاء الكُفار لمسارعتهم في الجحودوالضلال، (﴿ إِنَّهُمْ لن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا ﴾) بذلك الكُفر، إنما يضرون أنفسهم بحرمانها من الجنة ونعيمها، فأولئك (﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا ﴾) أي: نصيباً من الخير (﴿ فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾)).


الآية 178: ((﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ ﴾): يعني: ولا يَظُنَنَّ الجاحدون أننا إذا أَطَلْنا أعمارهم, ومتعناهم بمُتع الدنيا, ولمنؤاخذهم بكفرهم وذنوبهم, أنهم قد نالوا بذلك خيرًا لأنفسهم، (﴿ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ﴾): يعني: إنما نؤخر عذابهموآجالهم؛ ليزدادوا ظلمًا وطغيانًا، (﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾): أي: يُهينهم ويُذلُّهم في الآخرة).

الآية 179: ((﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ) مِن التباس المؤمن منكم بالمنافق، (﴿ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾) وذلك بالمِحَن والابتلاءات والتكاليف الشاقة (كالجهاد والهجرة والزكاة وصلاة الفجر)، (﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ﴾) الذي يعلمه مِن عباده، فتعرفوا المؤمن منهم من المنافق،(﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾): يعني: غير أن الله تعالى يصطفي من رسله مَن يشاءلِيُطلِعَهُ على بعض علم الغيب بِوَحْيٍ منه سبحانه، (﴿ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾)).


الآية 181: ((﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ﴾) يطلب منا أن نُقرِضَهُأموالا(﴿ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ﴾) (﴿ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا ﴾) (﴿ وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾): أي: وسنكتب أيضاً أنهم راضون بما كانمِن قَتْل آبائهم لأنبياء الله ظلمًا وعدوانًا، وسوفنؤاخذهم بذلك في الآخرة، (﴿ وَنَقُولُ ﴾) لهم وهم في النار يُعَذَّبون: (﴿ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾)).

(وقد أوضحنا معنى قول الله تعالى: (﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾)، في تفسير الآية رقم (245)، في الربع السادس عشر من سورة البقرة، فراجعها إن شِئت).

الآية 182: ((﴿ ذَلِكَ ﴾) العذاب الشديد - وهو عذاب الحريق (﴿ بِمَا قَدَّمَتْ ﴾): أي: بسبب ما قدمته (﴿ أَيْدِيكُمْ ﴾) في حياتكم الدنيا من المعاصي القوليةوالفعلية والاعتقادية، وأن عذابكم ليس ظلما من الله لكم، (﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾)).


الآية 183: ((﴿ الَّذِينَ قَالُوا ﴾): يعني: هؤلاء اليهود هم الذين قالوا - حين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام -: (إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا):أي: أوصانا في التوراة، (﴿ أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ ﴾):أي: حَتَّى يَأْتِيَنَا بصدقةٍ يتقرب بها إلىالله، فتنزل نارٌ من السماء فتحرقها، (﴿ قُلْ ﴾): أنتم كاذبون فيقولكم لأنه (﴿ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ ﴾) (﴿ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾) في دَعواكم).

الآية 184: ((﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا ﴾) أقوامهم (﴿ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾): أي: بالمعجزات الباهراتوالحجج الواضحات، (﴿ وَالزُّبُرِ ﴾): أي: وجاءوهم بالكتب السماوية، (﴿ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾): أي: وهذه الكتب السماوية هي نورٌ يكشف الظلمات، ببيانها ووضوحها).

واعلم أن حرف الواو الذي بين كلمة: (﴿ الزُّبُرِ ﴾)، وبين كلمة: (﴿ الْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾): تسمى (عطف بيان)، يعني: عطف توضيح، لتبين أن هذه الكتب هي كتب منيرة، وليس معناها أن (﴿ الزُّبُرِ ﴾)، شيئٌ، (﴿ وَالْكِتَابِ الْمُنِير ﴾) شيئٌ آخر، (فكأن المعنى: (وجاؤوا أقوامهم بالزُبُر التي هي كتب منيرة)، وهذا مِثل قوله تعالى: (﴿ الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ ﴾) يعني: (الكتاب الذي يفرق بين الحق والباطل)، ومِثل قوله تعالى: (﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ﴾) يعني: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ، وهو هذا الكتاب المبين).

الآية 185: ((﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾) (﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ﴾): يعني: فمَن أكرمهربه ونجَّاه من النار وأدخله الجنة، فقد نال غاية ما يَطلب،(﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾): أي: متعة زائلة، فلا تغترُّوا بها).


[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 16-06-2021, 03:44 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [1]
رامي حنفي محمود



تفسير الربع الأخير من سورة آل عمران بأسلوب بسيط


الآية 186: ((﴿ لَتُبْلَوُنَّ ﴾): أي: لَتُخْتَبَرُنَّ أيها المؤمنون (﴿ فِي أَمْوَالِكُمْ ﴾) بإخراج النفقات الواجبةوالمُستحَبَّة، وبالمصائب التي تصيبها (بالفقدان والسرقة وغير ذلك(﴿ وَأَنْفُسِكُمْ ﴾):أي: وَلَتُخْتَبَرُنَّ فيأَنْفُسِكُمْ بما يجب عليكم من الطاعات،وما يَحلُّ بكم مِن جراحٍ أو قتلٍ أو فَقْدٍ للأحباب، وذلك حتى يتميَّز المؤمنالصادق من غيره،(﴿ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا ﴾):أي: ما يؤذي أسماعكممن ألفاظ الشرك والطعن في دينكم، (﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا ﴾) على ذلك كله، (﴿ وَتَتَّقُوا ﴾): أي: وتنشغلوا بتقوى الله تعالى، وذلك بلزوم طاعته واجتناب معصيته، (﴿ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾): يعني: إن الصبر والتقوى من الأمور التي يُعزَمُعليهاعزماً قوياً، ويُنافَسُ فيها، ولا يُوَفَّقُ لها إلا أهل العزائم والهِمَم العالية، وكذلك إن تصبروا وتتقوا لا يَضركم أذى مكرهم وكيدهم لكم، كما أخبر تعالى بذلك في آية أخرى، فجعل الله تعالى (الصبر والتقوى): شرطان اشترطهما على عباده حتى يَكفيهم شر أعداءهم ومكرهم، وكذلك حتى ينصرهم عليهم، قال تعالى: (﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾).

الآية 187: ((﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)، فقال لهم: (﴿ لَتُبَيِّنُنَّهُ ﴾) أي: الكتاب (﴿ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ﴾) عنهم، (﴿ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ ﴾:أي: فتركوا ذلك العهد ولم يلتزموابه،(﴿ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾): أي: وأخذوا ثمنا قليلاً مقابل كتمانهم الحق وتحريفهم الكتاب،(﴿ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾):أي: فبئس هذا الشراء الذييُضَيِّعون به ميثاق ربهم).

الآية 188: ((﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا ﴾) مِن أفعالٍ قبيحة كاليهود والمنافقين وغيرهم، (﴿ وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا ﴾): أي: يُثني عليهم الناس (﴿ بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ﴾): أي: بالخير والإصلاح الذي لم يفعلوه، والحق الذي لم يقولوه، (﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ ﴾) فيالدنيا (﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾) في الآخرة).

الآية 193: ((﴿ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا ﴾) وهو نبيك محمد صلى الله عليه وسلم،(﴿ يُنَادِي ﴾) الناس (﴿ لِلْإِيمَانِ ﴾) بك، والإقرار بوحدانيتك، والعمل بشرعك، فأمَرَهُم (﴿ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ ﴾)، (﴿ فَآَمَنَّا ﴾): أي: فأجَبنا دَعْوَتَه، وصدَّقنارسالته، (﴿ رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا ﴾) الكبيرة، (﴿ وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا ﴾) الصغيرة (﴿ وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ﴾):أي: وألحِقنا بالصالحين في درجاتهم العالية في الجنة).

الآية 194: ((﴿ رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى ﴾) ألسنة(﴿ رُسُلِكَ ﴾) مِن نَصرٍ وتمكين وتوفيق وهداية، (﴿ وَلَا تُخْزِنَا ﴾): أي: ولا تفضحنا أمام خلقك بذنوبنا(﴿ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾) (﴿ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾)).

الآية 195: ((﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴾) (﴿ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾): يعني: والذكر والأنثى هم سَواءٌ في أُخُوَّة الدين، وقَبول الأعمال والجزاء عليها، وكذلك في التكليف بالأحكام الشرعية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما النساء شَقائق الرجال) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 2333)، (﴿ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي ﴾): أي: أوذوا في عبادتهم لربهم والدعوة إليه،(﴿ وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا ﴾) لإعلاء كلمته: (﴿ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾): أي: لأسترنَّ عليهم ما ارتكبوه من المعاصي، كما سترتُها عليهم في الدنيا، فلا أحاسبهم عليها، (﴿ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾) (﴿ ثَوَابًا ﴾): أي: جزاءً(﴿ مِنْ عِنْدِ اللَّه ﴾) (﴿ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ ﴾): يعني: خير الجزاء وهي الجنة).

الآية 196: ((﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ﴾): أي: لا يَخدعَنَّك ما عليه أهل الكفر مِن سعةٍ في الرزق والعيش، ومن انتقالهم من مكان إلى مكان للتجارة وطلب الأموال، فإن هذا كلُّه (﴿ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ﴾)، وسوف يزول عنهم عن قريب، (﴿ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَاد ﴾)).


الآية 198: ((﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) (﴿ نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾): يعني: هي منزلهم الدائم لا يخرجون منه، (﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ ﴾) مما يتقلب فيه الكافرون مِن نعيم الدنيا).

الآية 199: ((﴿ وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ﴾) ربًّا واحدًا وإلهًا معبودًا، (﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ ﴾): أي: ويؤمنون بما أنزل إليكم وهو القرآن، (﴿ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ ﴾): أي: ويؤمنون بما أنزل إليهم، (﴿ خَاشِعِينَ لِلَّهِ ﴾): يعني: متذللينلله تعالى، خاضعين له،(﴿ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾)مِن حُطام الدنيا، ولايكتمون ما أنزل الله إليهم، ولا يحرفونه كغيرهم من أهل الكتاب،(﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾)).

الآية 200: ((﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا ﴾) (﴿ وَصَابِرُوا ﴾): أي: واغلبوا أعدائكم في الصبر، (﴿ وَرَابِطُوا ﴾): أي: وأقيموا على جهاد عدوي وعدوكم، (﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾)).


[1] وهي سلسلة تفسير للآيات التي يَصعُبُ فهمُهافي القرآن الكريم (وليس كل الآيات)، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو شرحُ الكلمة الصعبة في الآية.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه، حتى نفهم لغة القرآن

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 262.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 256.49 كيلو بايت... تم توفير 6.11 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]