سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله - الصفحة 14 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب فضائل القرآن من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 10 - عددالزوار : 187 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 117 - عددالزوار : 28432 )           »          مجالس تدبر القرآن ....(متجدد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 175 - عددالزوار : 60056 )           »          خطورة الوسوسة.. وعلاجها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          إني مهاجرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          الضوابط الشرعية لعمل المرأة في المجال الطبي.. والآمال المعقودة على ذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 30 - عددالزوار : 827 )           »          صناعة الإعلام وصياغة الرأي العام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          من تستشير في مشكلاتك الزوجية؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          فن إيقاظ الطفل للذهاب إلى المدرسة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #131  
قديم 02-12-2021, 04:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الثالث من سورة الأنبياء




الآية 51: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ يعني أعطينا إبراهيم هُداه، (والمعنى أننا هديناه إلى معرفة ربّه ووجوب عبادته وحده)، وذلك ﴿ مِنْ قَبْلُ أي مِن قبل أن نُوحِي إليه ونجعله من الأنبياء، ﴿ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَأي كنَّاعالمين أنه أهْلٌ لإعطائه الرُشد والنبوة، وأنه جديرٌ للقيام بدعوة التوحيد.

♦ ويُحتمَل أن يكون قوله تعالى: ﴿ مِنْ قَبْلُ ﴾ أي مِن قبل موسى وهارون (اللذين ذَكَرَهما اللهُ في الآيات السابقة)، واللهُ أعلم.



الآية 52، والآية 53: ﴿ إِذْ قَالَ إبراهيم ﴿ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ المشركين:﴿ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَيعني: ما هذه الأصنام التي صنعتموها، ثم أقمتم على عبادتها؟، فـ ﴿ قَالُوا له: ﴿ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ، ونحن أيضاً نعبدها اقتداءً بهم، (وهذا دليل على جَهْلهم، إذ لم يَذكروا بُرهاناً على صحة عبادتها، بل اكتفوا بالتقليد الأعمى لآبائهم مِن غير دليل).



الآية 54، والآية 55: ﴿ قَالَ لهم إبراهيم: ﴿ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ أي في ضلالٍ واضح بسبب عبادتكم لهذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، فـ ﴿ قَالُوا له: ﴿ أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ؟ يعني: أهذا القول الذي جئتَنا به حقٌّ وَجِدٌّ، أم كلامك لنا كلام لاعب مستهزئلا يدري ما يقول؟



الآية 56، والآية 57: ﴿ قَالَ لهم إبراهيم: ﴿ بَل أي لستُ لاعباً، وإنما ﴿ رَبُّكُمْ الذي يَستحق العبادة وحده هو ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ أي الذي خلقهنَّ على غير مثالٍ سابق ﴿ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَيعني: وأنا مِن الشاهدين على أنه لا رَبَّ لكم غيره، ولا معبودَ بحقٍ سواه، ﴿ وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ أي سوف أُلحِق بها الضَرَر ﴿ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ﴾: يعني بعد أن تَذهبوا بعيداً عنها وتتركوها وحدها.



الآية 58، والآية 59: ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ أي: فحَطَّمَ إبراهيم الأصنام وجعلها قطعًا صغيرة، إلا أكبر صنم فيهم فإنه لم يَكسره، بل عَلَّقَ الفأس في عُنُقه ﴿ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ: أي ليَرجع القوم إلى هذا الصنمويسألوه، فعندئذٍ يَتَبيَّن لهم ضَلالهم وعَجْز آلهتهم، وتقوم الحُجَّة عليهم، فيعبدوا اللهَ وحده، ولا يُشركوا به شيئاً.

فلمَّا رجع القوم، ورأوا أصنامهم مُحطَّمة مُهانة، سأل بعضهم بعضًا، فـ﴿ قَالُوا: ﴿ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا؟ ﴿ إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ الذين يتعدون حدودهم ويتجاوزون قَدْرهم.



الآية 60: ﴿ قَالُوا أي قال مَن سمع إبراهيم وهو يحلف بأنه سوف يكيد بالأصنام: ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ أي يَذكر الأصنام بسُوء، وهذا الفتى ﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾.




الآية 61، والآية 62، والآية 63: ﴿ قَالُوا أي قال رؤساؤهم: ﴿ فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ أي على مَرأى من الناس (لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ) أي ليَشهدوا على اعترافه بأنه هو الذي كسر الأصنام، ولكي يَحضروا معاقبته، فيكون عِبرةً لغيره.

فلمَّا أحضروا إبراهيم أمام الناس، (﴿ قَالُوا ﴾) له: ﴿ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ؟ (وهنا حَدَثَ ما أراده إبراهيم مِن إظهار جَهْلهم وقلة عقلهم أمام الناس)، فـ﴿ قَالَ لهم - ليَغلبهم بالحُجَّة -: ﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا يعني: إنّ هذا الصنم الكبير هو الذي كَسَّرها، ﴿ فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴾: أي فاسألوا آلهتكمعن ذلك إن كانت تتكلم.



الآية 64، والآية 65: ﴿ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ يَلومونها، إذ كيف يعبدون هذه الأصنام، وهي عاجزة عن أن تدفع عننفسها شيئًا، أو أن تَرُدّ على مَن يسألها؟! ﴿ فَقَالُواأي قال بعضهم لبعض: ﴿ إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ يعني أقرُّوا على أنفسهم بالظلم والشرك، ﴿ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ أي رجعوا إلى باطلهم (بعد أن اعترفوا بالحق)، فقالوا لإبراهيم: ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ يعني: كيف نسألها يا إبراهيم، وقد عَلِمتَ أنها لاتتكلم؟



من الآية 66 إلى الآية 69: ﴿ قَالَ لهم إبراهيم - مُحَقِّرًا لشأن أصنامهم -: ﴿ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا إذا عبدتموه،﴿ وَلَا يَضُرُّكُمْ إذا تركتم عبادته؟! ﴿ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ ﴾: أي قُبحًا لكم ولآلهتكم التي تعبدونها ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟ يعني أفلا تتفكرونَ بعقولكم فتُدرِكوا سُوء ما أنتم عليه من الباطل؟



فلمَّا بَطلتْ حُجَّتهم وظهر الحق، عادوا إلى استعمال سُلطانهم، فـ ﴿ قَالُوا: ﴿ حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آَلِهَتَكُمْ يعني أحرِقوه بالنار انتصاراً لألهتكم التي كَسَرها ﴿ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ﴾: يعني إن كنتم تريدون نَصْرها حقاً، فلمَّا ألقوه في النار: ﴿ قُلْنَا أي قال اللهُ تعالى للنار: ﴿ يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (فلم تُصِبه النار بأذى، ولم تَحرِق إلا الحبل الذي ربطوه به)، (فسبحان المَلِك العظيم رب النار، وسبحان مَن خضعتْ المخلوقات لأمْره وقدرته، وسبحان مَن يقول للشيء كُن فيكون).



الآية 70: ﴿ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا أي أرادوا بإبراهيم الهلاك ﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (حيث أبطل اللهُ كَيدهم، ولم يصيبوه شيء).



الآية 71: ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا ﴾: أي نَجَّينا إبراهيم ولوطًا من "العراق" (التي كان يسكنها أولئك الكفار)، وأخرجناهما ﴿ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ وهي أرض "الشام"التي بارك الله فيها بكثرة الأشجار والأنهار والثمار، كما بارك فيها بكثرة الأنبياء، (فأقام إبراهيم في "فلسطين"، وأقام لوط في قرية "سَدُوم").



الآية 72، والآية 73: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ أي وَهَبنا لإبراهيم ولده ﴿ إِسْحَاقَ ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾: أي ووَهَبنا له حفيدهيعقوب زيادةً على طلبه (إذ طَلَبَ ولداً فأعطاه اللهُ إسحاق، وزاده ولداً مِن إسحاق)، ﴿ وَكُلًّا مِن إبراهيم وإسحاق ويعقوب ﴿ جَعَلْنَا صَالِحِينَ أي جعلهم الله صالحين(مؤدين لحقوق الله تعالى وحقوق الناس)، ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً ﴾: أي جعلناهم قدوة للناس ﴿ يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا أي يدعون الناس إلى توحيد الله وطاعته (وذلك بأمْره تعالى وتكليفه لهم)، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ أي أوحينا إليهم أن يفعلوا الخيرات (وهو كل أمْرٍ نافع يحبه الله تعالى ويَرضاه)، ﴿ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ يعني أمرناهم بأداء الصلاة في أوقاتها (بخشوعٍ واطمئنان) ﴿ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ لمن يَستحقها، ﴿ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾: أي كانوا مطيعين لله وحده،منقادين له لا لغيره.



الآية 74، والآية 75: ﴿ وَلُوطًا آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا أي أعطيناه النُبُوَّة والحُكم بين المتخاصمين، والعِلم بأحكام الدين ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ أي التي كان يعمل أهلها الفواحش، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ أي كانوا قوماً خارجين عن طاعة الله تعالى، ﴿ وَأَدْخَلْنَاهُ أي أدخلنا لوطاً ﴿ فِي رَحْمَتِنَا الخاصة بعبادنا المؤمنين، والسبب في ذلك: ﴿ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ أي كان من الذين يعملون بأمر الله وطاعته، فاستحق الدخول في تلك الرحمة.



الآية 76، والآية 77: ﴿ وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ أي: واذكر أيها الرسول نوحاً حين نادانا - مِن قبل إبراهيم ولوط - فدعانا بأن ننصره على القوم الكافرين ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ دعائه ﴿ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ المؤمنين ﴿ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ وهو الغرق، ﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فلم يُصيبوه بسُوء، ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ أي كانواأهْلَ قُبْح ﴿ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ بالطوفان.



الآية 78، والآية 79، والآية 80: ﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ أي: واذكر أيها الرسول خبر داود وابنه سليمان ﴿ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ ﴾: أي حين كانا يَحكمان في قضيةالزرع التي عرَضَها خَصمان متنازعان ﴿ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ ﴾: أي حين انتشرت غنم أحدهما في زرع الآخر ليلاً فأتلفتالزرع، فحَكَمَ داود بأن تكون الغنم ملْكًا لصاحب الزرع عِوَضاً عَمّا أتلفته، ﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَأي لم يَخْفَ علينا شيءٌ مِن حُكمهم في هذه القضية، ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ﴾: أي فَهَّمنا سليمان مُراعاة مصلحة الطرفين مع العدل، فحَكَمَ على صاحب الغنمبإصلاح الزرع التالف، وفي نفس الفترة يستفيد صاحب الزرع بمنافع الغنم مِن لبنٍوصوف، ثم بعد أن يَتِمّ إصلاح الزرع: تعود الغنم إلى صاحبها والزرع إلى صاحبه.



♦ وحتى لا يظن أحد أن داود عليه السلام كان أقل مِن ولده سليمان في العلم والحُكم، قال تعالى بعدها: ﴿ وَكُلًّا - مِن داود وسليمان - ﴿ آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا أي أعطيناهما النُبُوَّة والحُكم بين المتخاصمين والعلم بأحكام الدين، ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ أي تُسَبِّح معه إذا سبَّح اللهَ تعالى، ﴿ وَالطَّيْرَ أيضاً تُسَبِّح معه،﴿ وَكُنَّا فَاعِلِينَ أي قادرينَ على فِعل ما هو أعجب مِن تسخير الجبال والطير ليُسَبِّحوا مع داود ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ أي عَلَّمه الله صناعة الدروع التي يلبسها المقاتل في الحرب ﴿ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ ﴾: أي لتحمي المحاربين أثناء المعركة، فلا يؤثر فيهم السلاح، ﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ لهذه النعمة التي أجراها الله على يد داود واختصه بها؟، (والغرض من هذا الاستفهام: الأمر، أي فاشكروا اللهَ تعالى على هذه النعمة)، (وفي هذا دليل على جوب شُكر الله تعالى على كل نعمة تُستَجَدّ للعبد).



الآية 81: ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً ﴾: أي سخَّرنا لسليمان الريح السريعة، لتَحمله ومَن معه من الجنود، فكانت ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وهي أرض "بيت المقدس" بـ "الشام" التي بارك الله فيها بالخيرات وبكثرة الأنبياء، (فكان عليه السلام يَخرج أول النهار غازياً، ثم تعود به الريح في آخر النهار تَحمل بساطه - الذي هو كأكبر سفينة حربية اليوم - إلى أرض الشام التي كانت مَقَرُّه ﴿ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ (ومِن ذلك عِلمنا بما فيه مصلحة سليمان).



الآية 82: ﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ يعني: وسخَّرنا لسليمان بعض الشياطين، ليستخدمهم فيما يَعْجز عنه غيرهم،فكانوا يغوصون في أعماق البحر ليَستخرجوا له اللآلئ والجواهر، ﴿ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ أي: وكانوا يعملون له أعمالاً أقل تعباً من الغوص (كالبناء وصناعة التماثيل والمحاريب وغير ذلك مِمّا أراده منهم)، ﴿ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ أي مَنعهم الله أن يَعصوا أمْره، وكذلك حَفظَ أعمالهم حتى لا يفسدوها، (فقد رُوِيَ أنهم كانوا يريدون أن يُفسدوا ما عملوه - مَكْراً منهم وخِداعاً - حتى لا ينتفع به سليمان عليه السلام، فحَفظه الله مِن ذلك)، واللهُ أعلم.





[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #132  
قديم 02-12-2021, 04:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الأخير من سورة الأنبياء




• الآية 83، والآية 84: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أي اذكر أيها الرسول - في هذا القرآن - خبر أيوب عليه السلام، حينَ ابتليناه بمرضٍ عظيم في جسده، وفَقَدَماله وولده، فصبر واحتسب الأجر عند الله تعالى، ونادى ربه - داعياً متضرعاً -: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ أي قد أصابني الضر، ﴿وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ أي أرحم بي مِن أبي وأمي ومِن كل راحم، فاكشف هذا الضر عني، ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ دعاءه ونداءه، ﴿فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ورفعنا عنه البلاء، ﴿وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ أي: رزقناه أولاداً بعدد ما فَقَد (وزِدناه مِثلهم)، وكذلك أعطيناه مالاً كثيراً، (فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى أنزل عليه جَرَاداً مِن ذهب) (انظر صحيح الجامع حديث رقم: 2863).



♦ وقد فَعَلْنا ذلك ﴿رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا بأيوب - بسبب صبره-﴿وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ يعني: وليكون قدوة للعابدين إذا أصابهم البلاء، فيَصبروا مِثله، ويَحتسبوا الأجر عند ربهم، ليُجازيهم بأحسن الجزاء في جنات النعيم، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).



• الآية 85، والآية 86:﴿وَ اذكر في القرآن ﴿إِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ﴿كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ أي كل هؤلاء الأنبياء كانوا من الصابرين على طاعة الله تعالى، وعن معاصيه، وعلى أقداره، فبذلك استحقوا الثناء الجميل في القرآن الكريم، ﴿وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا بأنْ جعلناهم أنبياء، والسبب في ذلك: ﴿إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ: يعني إنهم كانوا مِمَّن صلح باطنهم وظاهرهم، فأطاعوا أمْر ربهم واجتنبوا نَهْيه.



• الآية 87، والآية 88:﴿وَذَا النُّونِ أي: واذكر - أيها الرسول - قصة صاحب الحوت، وهو يونس عليه السلام، ﴿إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا أي حين أرسله الله إلى قومهفدَعاهم فلم يؤمنوا، فتوعَّدهم بعذاب الله فلم يتوبوا، ولم يَصبر عليهم كما أمَرَهالله، وخَرَجَ مِن بينهم غاضبًا عليهم، مُغضِباً لربه، ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أي ظَنّ أن الله لنيُضَيِّق عليه ويؤاخذه بهذه المخالفة، فابتلاه الله بشدة الضِيق والحبس، والتقمهالحوت في البحر ﴿فَنَادَى ربه ﴿فِي الظُّلُمَاتِ أي في ظلمات الليل والبحر وبطن الحوت: ﴿أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أي لا معبودَ بحقٍ إلا أنت ﴿سُبْحَانَكَ يعني حاشاكَ أن تظلم، فإنّ هذا البلاء أستحقه بمعصيتي﴿إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.




♦ واعلم أنّ هذا الذِكر كانَ غرضه الدعاء (وإن لم يُصَرِّح يونس عليه السلام بالطلب)، فقد اعترف بذنبه، وأثنى على ربه، وتوسَّل إليه بتوحيده، فكأنه قال بعد هذا الذِكر: (فنَجِّني يارب مِمّا أنا فيه)، ولذلك قال تعالى بعدها: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ أي استجبنا دعاءه ونداءه، ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ: أي خلَّصناه مِن غَمّ حَبْسه في الظلمات، مع غَمّ نفسه بسبب ذنبه، ﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ العاملينَ بشرعنا (إذا تضرعوا إلينا بهذا الدعاء عند شدتهم).



• الآية 89، والآية 90:﴿وَ اذكر خبر ﴿زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ ليرزقه الذرية، فقال: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا: أي لا تتركني وحيدًا، لا وارثَ لي يقوم بأمرالدين مِن بعدي، ﴿وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ يعني: وأنت خير مَن يَبقى ويَرث، ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ دعاءه ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى - رغم كِبَر سِنّه - ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ: أي جعلنا زوجته صالحة للحمل والولادة بعد أن كانت عقيماً، ﴿إِنَّهُمْأي زكريا ويحيى ووالدته ﴿كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي فِعل ﴿الْخَيْرَاتِ - وهي كل عمل يُرضي اللهَ تعالى - ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا: أي كانوا يدعوننا راغبينَ فيما عندنا من النعيم، وخائفينَ مِمّا عندنا من العذاب، ﴿وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ أي خاضعينَ متواضعين، مُتذللين للهِ في عبادتهم.



♦ واعلم أنّ الخُشوع هو الذل والخوف من اللهِ تبارك وتعالى، فالخاشعون ذليلون مِن كَثرة النِعَم، وذليلون أيضاً من كثرة الذنوب، وهم الخائفون من المَلِك الجبار الذي سَيَحكم عليهم بجنة أو بنار.

• الآية 91، و الآية 92، والآية 93:﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا أي: واذكر - أيها الرسول - خبر مريم ابنة عِمران التي حَفظت فَرْجها من الحرام، ولمتفعل فاحشةً في حياتها، ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا (والمقصود بالروح هنا هو جبريل عليه السلام، الذي قال اللهُ عنه: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾، وقال عنه: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾، فقد أرسل الله جبريل إلى مريم، فنَفخ في جَيْب ثيابها - وهو المكان الذي عند الرقبة - فوصلتْ النفخة إلىرَحِمِها، فخلق اللهُ بتلك النفخة عيسى عليهالسلام، فحملتْ به من غير زوج، ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ أي فكانت هي وابنها آيةً يَستدل بها الناس على قدرة الله تعالى.



♦ وقال الله تعالى للناس: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً يعني: إنّ هؤلاء الأنبياء جميعًا هم أئمتكم، إذ دينهم واحد، وهو الإسلام (الذي هو الاستسلام والانقياد والخضوع لأوامر الله تعالى، وعبادته وحده بما شَرَع) ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ أي خالقكم ورازقكم ومُدَبّر أمْركم، فلذلك لا يَستحق العبادة غيري ﴿فَاعْبُدُونِ أي اعبدوني أيها الناس ولا تشركوا بي أحداً مِن خَلقي، ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ أي: ولكنّ الناس اختلفوا بعد هؤلاء الأنبياء، وجعلوا دينهم مَذاهب تُعادي بعضها بعضاً، وأصبحوا فِرقاً وأحزاباً، وعبدوا المخلوقات والأهواء، و ﴿كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ: أي كلهم راجعونَ إلينا ومُحاسَبونَ على أفعالهم، (ومِن ذلك تقطيعهم للإسلام إلى مِلَل مختلفة، كاليهودية والنصرانية وغيرهما).



• الآية 94: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ - بإخلاصٍ لله تعالى وعلى النحو الذي شرعه - ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ بالله ورُسُله، وبما أخبرت به الرُسُل من الغيب: ﴿فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ أي لا نُكرانَ لعمله، (والمعنى أننا لن نُضيع عمله ولن نُبطله، بل نَجزيه عليه أحسن الجزاء) ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ أي: وسيَجدهذا العمل مُثبَتٌ في كتابه يوم القيامة، لأن الملائكة تكتب أعماله الصالحة بأمر الله لهم، وسيُجزَى بها في جنات النعيم.



• الآية 95:﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ يعني: ولقد حَرَّمَ الله على أهل القرى - التي أهلكها بسبب كُفرهم وظُلمهم - فأولئك حَرَّمَ الله عليهم رجوعهم إلى الدنياليتداركوا أعمالهم السيئة بالتوبة والاستغفار والعمل الصالح، فقد فات أوان ذلك، وليس لهم إلا الحسرة والندم والعذاب والصراخ.



• من الآية 96 إلى الآية 100: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ: أي حتى إذا أَذِنَ الله بفتح سد قبيلتَي يأجوج ومأجوج (وهما قبيلتان عظيمتان موجودتان وراء السد الذي بناه ذو القرنين، والذي سيُفتَح عند اقتراب الساعة)، ﴿وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ أي: وحينئذٍ سيَخرجون مُسرعين من كل المرتفعات (وهي الجبال الموجودة بالقرب من أراضيهم) ليأكلوا ويُدَمِّروا.



♦ والراجح أنّ كلمة (حَتَّى) - المذكورة في أول الآية - مرتبطة بالآية التي قبلها، لأنّ امتناع رجوع الأمم الهالكة إلى الدنيا لا يزول حتى تقوم القيامة، ثم يُرجَعونَ إلى ربهم للحساب.



﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ أي: وحينئذٍ يكون يوم القيامة قد اقترب وظهرت علاماته وأهواله ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا: يعني فإذا بأبصار الكفار مفتوحة مِن شدة الفزع، لا تكاد تَطْرِف، وهم يقولون: ﴿يَا وَيْلَنَا يعني يا هلاكنا ﴿قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا أي كنا غافلين عن الاستعداد لهذا اليوم ﴿بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (فاعترفوا بذنبهم حيث لا ينفعهم الاعتراف).



♦ وقال الله للمشركين:﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ - مِمَن رَضِيَبعبادتكم له - ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ أي حَطَبها الذي تُوقَد به، ﴿أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ: يعني أنتم ومعبوداتكم الباطلة داخلونَ في جهنم جميعاً،و﴿لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ الذين عبدتموهم من دون الله تعالى ﴿آَلِهَةً تستحق العبادة: ﴿مَا وَرَدُوهَا: أي ما دخلواالنار معكم أيها المشركون، ﴿وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ أي: كُلٌّ من العابدين والمعبودين - الذين رضوا بعبادتهم - خالدون جميعاً في نارجهنم ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ أي لهم في النار آلامٌ شديدة يدل عليها زفيرهم (وهو التنفس والأنين الشديد)، إذ كلما أصاب العذاب أجسادهم، صرخوا من شدة الألم، ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ يعني: وهُمفي النار لا يَسمعون، وذلك مِن فظاعة العذاب الذي يُلهِبُ أجسادهم، ولكثرة الصُراخ وشدة الأصوات (نسأل الله العافية).



• من الآية 101 إلى الآية 104:﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى: يعني إن الذين كَتَبَ الله أنهم من أهل الجنة - بسبب إيمانهم وعملهم الصالح -﴿أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَأي مُبعَدون عن النار، فلا يدخلونها، ولا يكونون قريبًا منها، و﴿لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا: أي لا يَسمعون صوت لهيبها واحتراق الأجساد فيها، فقد سكنوا منازلهم في الجنة﴿وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ - مِن نَعيمها ولَذّاتها - ﴿خَالِدُونَ،﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ: أي لا يُقلِقهم الهول العظيم يوم القيامة، بل يَخرجون من قبورهم آمنينَ غير خائفين، ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ عند قيامهم مِن قبورهم لتُبَشِّرهم: ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ أي هذا يومكم الذيوَعَدَكم الله فيه بالكرامة والسعادة وحُسن الثواب.



♦ ويَتِمّ لهم ذلك الوعد ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ - وذلك حين تُبَدَّل الأرض بغيرها والسماوات بغيرها - فحينئذٍ يَطوي سبحانه السماوات السبع بيمينه ﴿كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ أي كما تُطْوَىالورقة على ما كُتب فيها لتدخل في المظروف، ونَبعث الخلائق في ذلك اليوم ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ أي على هيئة خَلْقِنا لهم أول مرة (كماولدتهم أمهاتهم)، وقد وَعَدْنا بذلك ﴿وَعْدًا حقًا، ﴿عَلَيْنَا الوفاء به، ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ أي نفعل دائمًا ما نَعِدُ به، ولا يتخلف وَعْدنا أبداً.



♦ واعلم أنّ هذه الآيات: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ...﴾ قد نزلتْ رداً على أحد المشركين عندما قال: (إنْ كانَ ما يقوله محمدٌ حقاً بأننا وآلهتنا في جهنم، فإن الملائكة معنا في جهنم لأننا نعبدهم، وعيسى والعُزَير في جهنم لأن اليهود عبدوا العُزَير، والنصارى عبدوا المسيح)، فأخبر تعالى أنّ مَن عَبَدَه الناس وهو غير راضٍ عن عبادتهم له، وكانَ هو يَعبد اللهَ وحده ويتقرب إليه بالطاعات التي شَرَعها، فهو مِمّن كَتَبَ اللهُ لهم الجنة كالمسيح عليه السلام.



• الآية 105:﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أي كَتَبنا في الكتب المُنَزَّلة بعد أن كَتَبنا في اللوح المحفوظ: ﴿أَنَّ الْأَرْضَ أي أرض الجنة ﴿يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (وهم الذين قاموا بما أمَرَهم الله به، واجتنبوا ما نهاهم عنه).



• الآية 106:﴿إِنَّ فِي هَذَا القرآن ﴿لَبَلَاغًا أي عِبرة كافية تَبلُغ بمن يَعمل بها إلى الجنة ﴿لِقَوْمٍ عَابِدِينَ أي يَعبدون ربهم، بما شَرَعه لهم.



• الآية 107:﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ - أيها الرسول - ﴿إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ أي رحمةً لجميع الخَلق، فمَن آمَنَ بك سَعِد ونجا،ومَن لم يؤمن بك خابَ وخَسر، (واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أيضاً رحمةً لكُفار قريش من عذاب الإبادة والاستئصال الذي أصاب المُكَذبين قبلهم، كما قال تعالى له: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)).



• الآية 108:﴿قُلْ أيها الرسول لهؤلاء المشركين: ﴿إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ- مِن ربي - ﴿أَنَّمَا إِلَهُكُمْ أي مَعبودكم الحق هو ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ وهو اللهُ الأحد الصمد، المستحق وحده للعبادة ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ؟ (والمعنى: فأسلِموا له، وانقادوا لعبادته).



• الآية 109، والآية 110، والآية 111:﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا: يعني فإنْ أعرض هؤلاء المشركون عن الإسلام ﴿فَقُلْ لهم: ﴿آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ: يعني أبلغتكم جميعًا ما أوحاه الله إليَّ، فأنا وأنتم متساوون في العلم والإنذار، ﴿وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ يعني: ولستُ أدري أقَريبٌ ما تُوعدونَ به من العذاب أم مُؤجَّلٌ إلى يوم القيامة، ﴿إِنَّهُ سبحانه ﴿يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ: أي يَعلم ما تُعلِنونه من أقوالكم (ومِن ذلك طَعْنكم في الإسلام ونَبِيِّه)، ﴿وَيَعْلَمُ سبحانه ﴿مَا تَكْتُمُونَ في نفوسكم مِن عداوتي وإرادة المكر بي (وسوف يُعاقبكم على ذلك).



﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ يعني: ولستُ أدري، لعل تأخير العذاب الذي استعجلتموه هو استدراجٌ لكم ﴿وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ أي: وحتىتتمتعوا في الدنيا إلى وقت انتهاء آجالكم، لتغتروا بإمهال الله لكم فتزدادوا كفرًا، فيكون ذلك أعظم لعقوبتكم في جهنم، (واعلم أنّ الاستدراج: هوالأخْذ بالتدريج، واستدراجُ اللهِ تعالى لأهل الضلال - الذين يُصِرُّونعلى المعاصي ولا يتوبون منها -: أنهم كلّما جَدَّدُوا للهِ معصيةً، جَدَّدَاللهُ لهم نعمة، حتى يأخذهم بذنوبهم وهم لا يشعرون، كما قال صلى الله عليه وسلم: )إذارأيتَ اللهَ تعالى يعطي العبدَ من الدنيا ما يحب وهو مُقيمٌ على معاصيه: فإنما ذلك منه استدراج) (انظر صحيح الجامع حديث: 561).



• الآية 112:﴿قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ أي افصل بيننا وبين قومنا المُكَذِّبين بالقضاءالحق (وذلك بنَصري عليهم في الدنيا)، وقال صلى الله عليه وسلم للكفار: ﴿وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ (وذلك لأنهم أنكَروا أن يكون الرحمن اسماً لله تعالى حين قالوا: (وما الرحمن؟))، وهو سبحانه ﴿الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ أي الذي نستعين به على إبطال ما تَصِفونه - أيها الكفار - منالشرك والتكذيب والافتراء على الله ورسوله.





[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #133  
قديم 02-12-2021, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الأول من سورة الحج


الآية 1: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ أي احذروا عقابَ ربكم، فـ ﴿ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ أي زلزلة الأرض عند مَجيء الساعةِ ﴿ شَيْءٌ عَظِيمٌ لا يُقْدر قَدْره إلا رب العالمين.

الآية 2: ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا يعني يوم ترون قيام الساعة: ﴿ تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ أي تَنسى رَضيعها بسبب الكرب الذي نزلبها، ﴿ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ﴾: أي تُسْقِط الحامل حَمْلها من الرعب، ﴿ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى أي غابت عقولهم، فيكونواكالسُكارَى من شدة الهول والخوف، ﴿ وَمَا هُمْ بِسُكَارَى من الخمر، ﴿ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ أي: ولكنّ أهوال القيامة - كالحَرّ الشديد وشِدّة الرُعب - قدأفقدتهم عقولهم وإدراكهم.

الآية 3، والآية 4: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ أي: ومِن الكفار ﴿ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ أي يُجادلون ويُشَكِّكون في قدرة الله على البعث ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي جهلاً منهمبحقيقة هذه القدرة، ﴿ وَيَتَّبِعُ هؤلاء الكفار ﴿ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ ﴾: أي يَتَّبعون كل شيطان متمرد على أوامر الله تعالى، وهذا الشيطان قد ﴿ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ ﴾: أي قضى الله على ذلك الشيطان بأنه يُضِل كل مَن اتَّبعه ﴿ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾:أي يَسوقه إلى عذاب جهنم الموقدة.

الآية 5: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ أي في شَكٍّ ﴿ مِنَ الْبَعْثِ بعد الموت، فإليكم ما يُزيل شَكَّكم ويَقطع حِيرتكم: ﴿ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ﴾: أي فاعلموا أننا قد خلقنا أباكم آدممن تراب، ثم تناسلت ذريته مِن نطفة (وهي ماء الرَجُل)،﴿ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ أي: ثم يَتحول هذا المَنِيّ بقدرة الله إلى عَلَقة (وهي قطعة من الدم الغليظ متعلقة بالرَحِم)، ﴿ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ أي: ثم تتحول هذه العَلَقة بقدرة الله إلى مُضغة (وهي قطعةلحم صغيرة قَدْر التي تُمْضَغ)، فتكون أحياناً مُخَلَّقة (أي تامة الخَلق تنتهي إلىخروح الجنين حيًا)، وأحياناً تكون غير تامة الخَلق (فتَسقط من الرَحِم)، كل ذلك بأمر الله تعالى ومشيئته.

وقد أخبرناكم بهذا ﴿ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ تمام قدرتنا على الخَلق، ولتعلموا أن الذي ابتدأ خَلْقكم بهذه الصورة قادرٌ على إعادتكم بعد الموت، بل إنَّ إعادة الخَلق أهْوَنُ عليه سبحانه (لأنّ إعادة الشيء كما كان، أسهل من إيجاده أول مرة)، ﴿ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني إننا نُبقِي الجنين في الأرحام - المدة التي نشاؤها - إلىوقت ولادته (فمنهم مَن يُولد قبل تسعة أشهر، ومنهم مَن يُولد بعد ذلك)، ﴿ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ من بطون أمهاتكم ﴿ طِفْلًا أي أطفالا صغارًا ﴿ ثُمَّ نُنَمِّيكم ونُرَبِّيكم ﴿ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ (وهو وقت الشباب والقوة واكتمال العقل)، ﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى يعني: وبعض الأطفال يموتون قبل الوصول لفترة الشباب،﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ يعني: وبعضهم يَكبر حتى يَبلغ أردأ العُمر (وهو سِن الهِرَم)، حيثُ يَفقد الإنسان ما كانَ له مِن قوةٍ وعقل ﴿ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾: أي حتى يَصير لا يَعلم شيئًا مِمَّا كانَ يَعلمه (كما كانَ في طفولته)، (واعلم أنّ اللام التي في قوله تعالى: ﴿ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ ﴾ تسمى: (لام العاقبة) أي ليَصير الإنسان إلى هذه الحالة).

ثم ذَكَرَ سبحانه دليلاً آخر على قدرته على الإحياء فقال: ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً أي يابسةً مَيِّتة لا نباتَ فيها ﴿ فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ تراها قد ﴿ اهْتَزَّتْ أي تحركت وتشققت ليَخرج منها النبات، ﴿ وَرَبَتْ أي ارتفعت وزادت لارتوائها بالماء ﴿ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾: أي أخرجتْ من كلنوع من أنواع النبات الحَسَن الذي يَسُرُّ الناظرين.

الآية 6، والآية 7: ﴿ ذَلِكَ أي ذلك المذكور مِن آيات قدرة الله تعالى، فيه دلالة قاطعة ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ أي الذي يَستحق العبادة وحده ﴿ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى ﴿ وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ - التي تقوم فيها القيامة - ﴿ آَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا أي لا شك في مَجيئها، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ أي يَبعث الموتى مِن قبورهم لحسابهموجزائهم.

الآية 8، والآية 9، والآية 10: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ أي: ومِن الكفار ﴿ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ أي يُجادلون في توحيد الله تعالى واختياره لرسوله محمد صلى الله عليهوسلم مِن بينهم، وجِدالهم هذا يكون ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي جهلاً منهم بحكمة الله تعالى في اختياره، ﴿ وَلَا هُدًى أي: يُجادلون مِن غير وَحْيٍ مِن الله تعالى، ومِن غير عقلٍ رَشيد، ﴿ وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ أي: يُجادلون مِن غير الاستناد إلى كتاب سماوي مُنير (يعني فيهنورٌ يَكشف الظُلُمات، بِبَيَان الحُجَج وكَشْف الحقائق)، فليس لهذا المُجادل حُجَّة عقلية، ولا حُجَّة مكتوبة في كتابٍ سابق، وإنما هي وساوس من الشيطان يُلقيها إليه ليُجادلكم بها.

وهذا المُجادل يكونُ ﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ ﴾: أي لاويًا عُنُقه، مُعرِضًا عن الحق في تَكَبُّر، فليس جِداله لطلب الهدى، بل ﴿ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي ليَصُدّ غيره عنالدخول في دين الله تعالى، فلذلك تَوَعَّده الله بأنّ ﴿ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ﴾: أي له ذلٌ ومَهانة في الدنيا بافتضاح أمْره ﴿ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (في نار جهنم)، ويُقال له وهو يُعَذَّب فيها: ﴿ ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ أي بسبب ما فَعَلتَه من الشرك والمعاصي، وليس بظلمٍ مِن اللهِ تعالى، لأنّ اللهَ هو الحَكَمُ العدل ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (فلايَظلمسبحانه أحدًا مِن خَلْقه مِثقال ذرة، وذلك لغِناه وكمال قدرته).

الآية 11، والآية 12، والآية 13: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ أي يَدخل في الإسلام على ضَعفٍ وشكٍّ، فيَعبد اللهَ على تردد، ويَربط إيمانه بدُنياه: ﴿ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ يعني: فإنْ عاشَفي صحةٍ وسَعَة رِزق: استمَرّ على عبادته، ﴿ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ يعني: وإنْ حصل له ابتلاءٌ وشِدّة: رَجَعَ عن دينه وتوبته، وبذلك يكون قد ﴿ خَسِرَ الدُّنْيَا إذ لا يستطيع أن يُغيِّر ما قُدِّر له فيها، ﴿ وَالْآَخِرَةَ خَسِرَها أيضاً بدخوله النار، ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُأي ذلك هو الخُسران الواضح.

وذلك الخاسر ﴿ يَدْعُو أي يَعبد ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ إذا تَرَكَ عبادته ﴿ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ إذا عَبَده، ﴿ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ عن الحق، وتراهُ ﴿ يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ ﴾: أي يَدعو مَن ضَرَرُه يوم القيامة أقرب إليهمِن نَفْعه (لأنه سيَدخل النار بسبب عبادته له، ولن يَدفع عنه شيئًا من العذاب، بعدَ أنْ ظَنّ أنه سيَشفع له عند ربه)، ﴿ لَبِئْسَ الْمَوْلَى ﴾: أي قَبُحَ ذلك المعبود العاجز الذي اتخذوه نصيرًا مِن دون الله تعالى، ﴿ وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ أي: وقَبُحَ ذلك المُعاشِر والصاحب المُلازم، الذي يَضُرّ مَن التزمه وعَكَفَ على عبادته.

الآية 14: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا أي آمَنوا بالله ورسوله وبكل ما أخبر به رسوله من الغيب ﴿ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وهي الفرائض والنوافل وأفعال الخير (فأدَّوْها بإخلاصٍ لله تعالى وعلى النحو الذي شَرَعه)، أولئك يُدخلهم اللهُ ﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ (ومِن ذلك ثواب أهل طاعته، وعقاب أهل معصيته).

الآية 15: ﴿ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ يعني: مَن كان يعتقد أنّ الله لن يَنصر رسوله محمدًا ﴿ فِي الدُّنْيَا(بإظهار دينه والنصر على أعدائه)، ﴿ وَ في ﴿ الْآَخِرَةِ (بإعلاء درجته وعذابِ مَن كَذَّبه): ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ﴾: أي فلْيَمدُدْ بحبلٍ إلى سقف بيته (لأنّ العَرَب كانت تُسَمِّي كل ما يَعلُوها: سماء)، ﴿ ثُمَّ لِيَقْطَعْ ذلك الحبل بعد أن يَخنق به نفسه، ﴿ فَلْيَنْظُرْ أى فليَتفكر: ﴿ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ؟ يعني هل ذلك الفِعل سوف يُذهِب ما في نفسه من الغيظ على النبي محمد؟ (والجواب: لا)، فإن الله تعالى ناصرٌ رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم لا مَحالة، (ولعل اللهَ تعالى قد وَصَفَ هذا الفِعل بالكيد، على سبيل الاستهزاء بهذا الكافر، لأنه لم يَكِد به إلا نفسه، واللهُ أعلم).

وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: ﴿ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ ﴾ أي فليَصعد بحبلٍ إلى السماء، حتى يَصِل به إلى الأبواب التي ينزل منها النصر فيَسُدَّها - وذلك على سبيل الفرض والتعجيز - فإنّ هذا لن يَمنع نَصْرَ الله لرسوله محمد.

الآية 16: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ يعني: وكما وَضَّح اللهُ لعباده أدلة قدرته على البَعث، فكذلك أنزل هذا القرآن، وجعل آياته واضحة في ألفاظها ومَعانيها، تَحمل الهدى والخير، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ يَهْدِي بهذه الآيات ﴿ مَنْ يُرِيدُ هدايته (وذلك بأن يوفقه سبحانه للتفكر فيها، فيَعرف الحق، فيؤمن به، ويَعمل بما فيه من شرائع وأحكام).

الآية 17: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا (وهم المسلمون الذين آمنوا بالله تعالى وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم)، ﴿ وَالَّذِينَ هَادُوا (وهم اليهود)، ﴿ وَالصَّابِئِينَ (والراجح أنهم قومٌ باقون على فِطرتهم (أي على التوحيد) وليس لهم شَرْعٌ مُعَيّن يَتَّبعونه)، ﴿ وَالنَّصَارَى (وهم عَبَدة الصليب)، ﴿ وَالْمَجُوسَ (وهمعَبَدَة النار)، ﴿ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا (وهم عَبَدَة الأصنام)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ أي يَحكم بين هؤلاء جميعًا ﴿ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فيُدخل المؤمنين الجنة، ويُدخل الكافرين النار)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (إذ شَهِدَ سبحانه على أعمال عباده في الدنيا، وسيُجازيهم بها في الآخرة).

الآية 18: ﴿ أَلَمْ تَرَ يعني ألم تعلم - أيها الرسول - ﴿ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ من الملائكة ﴿ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ مِن سائر المخلوقات ﴿ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ (كل هؤلاء يسجدون له ويخضعون لأمره) ﴿ وَالدَّوَابُّ (وهي جميع الحيوانات) ﴿ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وهم المؤمنون الذين يسجدون لله تعالى طاعةً واختيارًا، ﴿ وَكَثِيرٌ من الناس ﴿ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ أي وَجَبَ عليه العذاب المُهين - بسبب جحوده وضلاله - ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ يعني: وأيُّ إنسان يُهِنه الله ويُعَذِّبه، فلا يستطيع أحد أنيُكرمه ويُسعِده ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ فمَن شاء أهانه (بعدله وحكمته)، ومَن شاء أكرمه (بفضله ورحمته)، إذ أفعاله سبحانه تدور بين العدل والفضل والحكمة.

وعلى الرغم مِن أن الشمس والقمر والنجوم تَدخل ضِمن قوله تعالى: ﴿ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ إلا إنه سبحانه قد أفرَدَها بالذِكر لشُهرتها، ولأنّ هناك مَن كان يَعبد هذه الكواكب، (وهذا ما يُعرَف بعطف الخاص على العام)، وكذلك الحال في قوله تعالى: ﴿ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ﴾، فإنها معطوفة - عطفاً خاصاً - على قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ فِي الْأَرْض ﴾.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #134  
قديم 02-12-2021, 04:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الثاني من سورة الحج


من الآية 19 إلى الآية 24: ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ ﴾: أي هذان فريقان ﴿ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ﴾: أي اختلفوا في توحيد ربهم (وهم أهل الإيمان وأهل الكفر)، ﴿ فَالَّذِينَ كَفَرُوابتوحيد ربهم ﴿ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ ﴾: أي يُحيط بهم العذاب في هيئة ثياب مُفَصَّلة من نار، يَلْبَسونهافتَشوي أجسادهم، و﴿ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ أي يُصَبُّ على رؤوسهم الماء الساخن، فيُحدِث ثُقباً في رؤوسهم - بسبب شدة غليانه - ثم يَنزِل مِن خلال هذا الثُقب إلىبطونهم، فـ ﴿ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ ﴾: أي يُذِيب أمعاءهم وجلودهم فتَسقط مِن شدة الحرارة، ﴿ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ أي تَضربهمالملائكة على رؤوسهم بمطارق من حديد، و﴿ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ ﴾: أي كلما حاولوا الخروج من النار - لشدةغمِّهم وكَرْبهم - ﴿ أُعِيدُوا فِيهَا أي تُجبِرهم ملائكة العذاب على العودة إليها ﴿ وَ يقولون لهم - توبيخاً - وهم يُعَذَّبون: ﴿ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾.


وأما أهل التوحيد فقد قال تعالى عنهم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ أي بساتين عجيبة المنظر ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي تجري أنهار الماء واللبن والعسل والخمر من تحت أشجارها، ﴿ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ﴾: أي يَتزيَّنون فيها بأساور من ذهب وأساور من لؤلؤ ﴿ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾: أي لباسهم المعتاد في الجنة - رجالاً ونساءً - هو الحرير، ﴿ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ يعني: لقد هداهم الله في الدنيا إلى القول الطيب (وهو قول كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، وسائر الأذكار المشروعة، وكل كلام طيب)، ﴿ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾: أي كما وفقهم سبحانه إلى الثبات على الإسلام، الذي هوطريق الله الحميد (ومعنى الحميد: أي الذي يَستحق الحمد والثناء في كل حال، لِكَثرة نِعَمِه على جميع مخلوقاته، ومعنى أن الإسلام هو طريق الله، أي هو الذي يُوصل إلى رضاه وجَنَّته).

الآية 25: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بوحدانية الله تعالى، وكَذَّبوا بما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي: ويَمنعونغيرهم من الدخول في دين الله، ﴿ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أي: ويَصُدّون الرسول والمؤمنين- في عام "الحُدَيبية" - عن دخول المسجد الحرام ﴿ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً أي الذي جعلناه مكان تَعَبُّد لجميع المؤمنين على سواء: ﴿ الْعَاكِفُ فِيهِ أي سواء الذي جاء إلى مكة ثم أقام فيها للتعبد في المسجد الحرام، ﴿ وَالْبَادِ أي: وكذلك القادم إليه للعبادة ثم خرج منه، (وقد يكون المقصود بالعاكف فيه: أي الساكن بمكة، فهؤلاء يتساوون مع غيرهم في ثواب العبادة في المسجد الحرام).

وهؤلاء الكفار - الذين يَمنعون الناس عن دخوله - لهم عذاب أليمٌ في الآخرة، ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ يعني: ومَن يُرِد المَيْل عن الحق في المسجد الحرام- وذلك بأن يَظلم نفسه (بارتكاب شِرك أو معصية)، أو يَظلم غيره - فهذا ﴿ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ، (فمُجَرَّد إرادة الظلم في الحَرَم تستوجب العذاب، فكيف بمن أتى فيه أعظم الظلم، وهو الشرك بالله تعالى ومَنْع الناس من زيارته؟!) (وفي هذه الآية وجوب احترام الحَرَم وشدة تعظيمه، والتحذير من إرادة المعاصي فيه أو فِعلها).

الآية 26، والآية 27، والآية 28: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أي اذكر أيها الرسول لكفار قريش - المُنتسبين إلى إبراهيم كَذِباً وباطلاً - حين أنزلنا إبراهيم بمكة وبَيَّنّا له مكان البيت(لأنّ مكانه كان غير معروف)، وأمَرنا إبراهيم ﴿ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا في عبادتي، ﴿ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ أي طَهِّر المسجد الحرام من الشِرك والنجاسات، (وذلك من أجل الطائفين به) ﴿ وَالْقَائِمِينَ عنده - وهم المعتكفين فيه - ﴿ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (وذلك حتى لا يَتأذّوا بأيّ أذى مادي أو معنوي وهم في بيت ربهم).
فاذكر هذا لقومك الذين نَصَبوا الأصنام والتماثيل حول البيت، وحارَبوا كل مَن يقول لا إله إلا الله، ومنعوك وأصحابك عن المسجد الحرام، فأين ذهبتْ عقولهم عندما يَزعمون أنهم على دين إبراهيم وقد كان مُوَحِّداً وهم مُشركون؟!

﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ﴾: أي بَلِّغ الناس يا إبراهيم أنّ الحج واجبٌ عليهم، وأعلِن ذلك لهم بأعلى صوتك، فحينئذٍ (يَأْتُوكَ رِجَالًا) أي مُشاةً على أرجلهم ﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ ﴾: أي: وسيأتوك رُكبانًا على كل ضامر من الإبل (وهي الناقة خفيفة اللحم مِن كثرة السَّيْر والأعمال، لامن الضَعف والهُزال)، ﴿ يَأْتِينَ أي تأتي هذه النِيَاق وهي تَحمل راكبيها ﴿ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ: أي مِن كل طريق بعيد ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ﴾: أي ليَحضروا منافع لهم (مِن مغفرة ذنوبهم،وثواب حَجِّهم وطاعتهم، واستجابة دعائهم والفوز برضا ربهم، وبالربح في تجاراتهم أثناء الحج، وغير ذلك) ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ يعني: وليذكروا اسمالله على ذَبْح ما يَتقربون به من الإبل والبقر والغنم في أيام مُعَيَّنة، وهياليوم العاشر مِن ذي الحجة وثلاثة أيام بعده -على الراجح - شُكرًا لله على نعمه، ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا أي كلوا من هذه الذبائح أيها الحَجيج ﴿ وَأَطْعِمُوا منها ﴿ الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (وهو الفقير الذي اشتد فقره).

الآية 29: ﴿ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ أي: ثم ليُكمِل الحَجيج ما تَبَقَّى لهم من النُّسُك (وذلك بأن يَتحلُّلوا مِن إحرامهم بحَلق شعر الرأس أو تقصيره)، وكذلك يَقصون أظفارهم ويُزيلون ما تراكم مِن الأوساخ في أجسادهم طوال فترة الإحرام، ﴿ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ يعني: وعليهم أن يُوفوابما أوجبوه على أنفسهم من الذبائح لله تعالى ﴿ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ أي: وليَطوفوا - بعد النحر - طواف الإفاضة بالبيت القديم، الذي أعتقه الله مِن تَسَلُّط الجبارين عليه، وهو الكعبة.

الآية 30: ﴿ ذَلِكَ أي ذلك الذي ذكَرناه مِن إكمال النًسُك والوفاء بالنذور والطواف بالبيت، هو مِمّاأوجبه الله عليكم فعَظِّموه ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ يعني: ومَن يَجتنب ما حَرَّم اللهُ انتهاكه: ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ يوم يَلقاه.
ولمَّا ذَكَرَ سبحانه الأنعام في الآيات السابقة، أتْبَعَ ذلك بإبطال ما حَرَّمَه المشركون على أنفسهم منها، فقال: ﴿ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ يعني: وقد أحَلَّ الله لكم أَكْلَ الأنعام (من الإبل والبقر والغنم)﴿ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ يعني إلا ما حَرَّمه سبحانه عليكم في القرآن (مِن المَيْتة وغيرها).
ولمَّا حَثَّ سبحانه على تعظيم حُرُماته، أتْبَعَ ذلك بالأمر باجتناب أعظم الحرام (وهو الشِرك)، فقال: ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ أي ابتعِدوا عن القذارة (التي هيالأصنام)، ﴿ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ أي: وابتعِدوا عن الكذب (الذي هو الافتراء على الله تعالى)، كتحليل وتحريم ما لم يَأذن به، وإنساب الولد والشريك إليه.

الآية 31: ﴿ حُنَفَاءَ لِلَّهِ أي كونوا مُستقيمين لله تعالى (بطاعته وإخلاص العمل له)، وعبادته وحده ﴿ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ أي فمَثَلُ هذا المُشرك - في بُعْدهعن الهدى، وسقوطه من الإيمان إلى الكفر، وتَخَطُّف الشياطينله من كل جانب - كمثل مَن سقط من السماء ﴿ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ فتُقَطِّع أعضاءه،﴿ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾: يعني أو تأخذه عاصفة شديدة، فتقذفه في مكان بعيد، لا يُعثَر عليه أبداً.

الآية 32، والآية 33: ﴿ ذَلِكَ أي توحيد الله تعالى وإخلاص العبادة له، هو مِمّا فرضه الله عليكم وأمَركم به فعَظِّموه ﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ يعني: ومَن يَمتثل أوامر الله تعالى ويُعَظِّم مَعالم دينه (والمقصود بها هنا: اختيار أفضل الذبائح) ﴿ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾: أي فهذا التعظيم يَصدر من أصحاب القلوبالتي تتقي اللهَ وتخشاه، ﴿ لَكُمْ فِيهَا أي لكم في هذه الذبائح ﴿ مَنَافِعُ تنتفعون بها - من الصوف واللبن والركوب - وغير ذلك من المنافع التي لا تَضُرّها ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني إلى أن يأتي وقت ذَبْحها، ﴿ ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ يعني: ثم تذهبون بهذه الذبائح إلى مكان ذَبْحها (وهو الحرم كله).

الآية 34، والآية 35: ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا يعني: ولكل جماعةٍ مؤمنة- من الأمم السابقة - جعلنا لها مَناسك مِنَ الذبح يَتقربون بها إلى الله تعالى ﴿ لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ أي ليذكروا اسم الله وحده عند ذبح ما رَزَقهم مِن هذه الأنعام، وذلك بأن يقولوا عند الذبح: (بسم الله والله أكبر)، شُكراً لله على نعمه.
وإن اختلفت الشرائع، فكلها متفقة على أصل واحد، وهو إفراد الله وحده بالعبادة، وتَرْك الشِرك به، فلذلك قال تعالى: ﴿ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ وهو الله الأحد الصمد ﴿ فَلَهُ أَسْلِمُوا أي انقادوا لأمْره ظاهراً وباطناً ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ أي المتواضعينَ الخاشعينَ الخاضعينَ لأمر ربهم، فهؤلاء بَشِّرهم أيها الرسول بخيرَي الدنيا والآخرة، وهُم ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ أي خافت قلوبهم مِن عقابه، وبالتالي خافت أن تعصاه، ﴿ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ مِن بلاءٍ وشدة، مُحتسبين الأجر عند ربهم في الآخرة، فلا يَجزعون ولا يَتسَخَّطون ولكنهم يقولون: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ﴿ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ - في أوقاتها بخشوعٍ واطمئنان - ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ - مِن أنواع المال - ﴿ يُنْفِقُونَ ﴾: أي يُخرِجون صَدَقة أموالهم الواجبة والمُستحَبة، (وكذلك يُنفقون مِمَّارزقهم اللهُ مِن عِلمٍ أو صِحَّةٍ أو سُلطة في خدمة المسلمين، فيُعَلِّمونَالناس، ويَسعونَ في قضاء حوائجهم، وغير ذلك).

الآية 36: ﴿ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ﴾: أي جعلنا لكم ذبْح الإبل مِن شعائر الدين التي تتقربون بها إلى الله أثناء حَجِّكم(وكذلك الحال في البقر والغنم، وإنما خَصّ سبحانه الإبل لأنها أفضل في الهَدي لكثرة لحمها)،﴿ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ أي لكم في هذه الإبل منافع (من الأكل وثواب الصدقة)﴿ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أي اذكروا اسم الله عند ذبحها، واذبحوها وهي ﴿ صَوَافَّ أي واقفة على ثلاث منقوائمها (على أن تقَيِّدوا يدها اليسرى)، ﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا يعني: فإذا سقطت جنوبها على الأرض مَيِّتة: فقد أُحِلَّ لكم أكْلها﴿ فَكُلُوا مِنْهَا ﴿ وَأَطْعِمُوا منها ﴿ الْقَانِعَ - وهو الفقير الذي لميسأل تعففًا - ﴿ وَالْمُعْتَرَّ وهو الفقير الذي يسأل لحاجته واضطراره، ﴿ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَأي: وهكذا سَخَّرَ الله لكم الإبل - في الركوب والحلب والأكل - لتشكروه سبحانه - على هذا التسخير - بطاعته وذِكره.

الآية 37: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا يعني: لن يأخذ اللهُ شيئاً مِن لحوم هذه الذبائح ولا مِن دمائها (لغِناهُ عن ذلك وعدم حاجته إلى ما يَحتاجه البشر)، ﴿ وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ أي: ولكنه سبحانه يَصعد إليه تقواكم له بامتثال أمْره واجتناب نَهْيه، وأن يكون قصدكم بالذبائح: وَجْه الله وحده، ﴿ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ أي لتُكَبِّروه سبحانه عند الذبح وبعد الصلوات الخمس في أيام التشريق (شكراً له على هدايته لكم)، ﴿ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (وهم الذين يُحسنون عبادتهم لربهم، ويُراقبونه في كل أحوالهم، وكذلك يُحسنون معاملة خَلقه)، فهؤلاء بَشِّرهم أيها الرسول بكل خيرٍ وفلاح في الدنيا والآخرة، (واعلم أن الإحسانُ قد قال عنهالنبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مُسلِم -: "أنْ تعبُدَ اللهَ كأنك تراه،فإنْ لم تكن تراهُ، فإنه يَراك").



[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #135  
قديم 02-12-2021, 04:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الثالث من سورة الحج


الآية 38، والآية 39، والآية 40، والآية 41: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا أي يَدفع سبحانه عنهم اعتداء الكفار وكيد الأشرار، فقد ثَبَتَ في قراءةٍ أخرى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَدْفَعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ أي كثير الخيانة لأمانته وعهوده، ﴿ كَفُورٍ أي جَحودٌ بتوحيد ربه، وجحودٌ لنعمه عليه.

وقد كان المسلمون في أول الأمر ممنوعين من قتال الكفار، مأمورين بالصبر علىأذاهم، فلمَّا اشتد إيذاء المشركين لهم، وهاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وأصبح للإسلام قوة: أَذِنَ الله للمسلمين في القتال؛بسبب الظلم الذي وقع عليهم في أنفسهم وأموالهم وديارهم، كما قال تعالى: ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا(ولذلك أَذِنَ الله لهم في القتال)، ثم طمأنهم سبحانه بقوله:﴿ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ أي قادرٌ على نَصرهم وإذلالعدوِّهم.

ثم أخبر سبحانه عن سبب نَصْره لهؤلاء المهاجرين فقال: ﴿ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾: أي أخرجهم الكفار ظلمًا من ديارهم، مع أنهم لم يفعلوا شيئًا ﴿ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ﴾: يعني إلا إنهم أسلموا وقالوا: (ربنا الله وحده، ولن نُشرك به شيئًا في عبادته)، ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ يعني ولولا ما شَرَعه الله مِن دَفْع الظلم والباطل بالقتال: لَهُزِمَالحقُّ في كل أُمَّة، ولَخُرِّبَت الأرض، و﴿ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وهي مَعابد الرُهبان ﴿ وَبِيَعٌ وهي كنائس النصارى ﴿ وَصَلَوَاتٌ وهي مَعابد اليهود (باللغة العِبرية)، ﴿ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا أي: وكذلك ستتهدم مساجد المسلمين التي يَذكرون الله فيها كثيرًا، (وفي الآية دليل على أنه لا يَجوز لنا هَدْم مَعابد اليهود والنصارى)، ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ يعني: ومَن اجتهد في نُصرة دين الله وعباده المؤمنين، فإنّ الله ناصرهعلى عَدُوِّه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ لا يَغلَبه أحد، ﴿ عَزِيزٌ لا يَمنعه شيءٌ مِمّا يريد.

وهؤلاء - الذين وعدناهم بنصرنا - هم ﴿ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أي الذين إذا مَكَنَّا لهم في البلاد ونصرناهم على عدوهم: ﴿ أَقَامُوا الصَّلَاةَ أي أدَّوها في أوقاتها (بشروطها وأركانها وواجباتها وخشوعها)، ﴿ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ أي أخرَجوا زكاةأموالهم إلى مُستحقيها، ﴿ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وهو كل ما أمَرَ الله به مِن حقوقه وحقوق عباده، (وذلك بالحكمة والموعظة الحسنة)، ﴿ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ (وهو كل ما نَهَى الله عنه ورسوله، بشرط ألاَّ يَتسبب النَهي عن المُنكَر في حدوث مُنكَر أكبر منه)، ﴿ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ أي: وللهِ وحده يَرجع مَصير الخلائق يوم القيامة، فيُجازي كُلاًّ بما عمل، (إذاً فاتقوا اللهَ تعالى وراقِبوه في السر والعَلَن، وتوبوا إليه، وتوكلوا عليه، فإنّ الأمر كله في يديه).


الآية 42، والآية 43، والآية 44: ﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ يعني: وإذا كَذَّبك قومك - أيها الرسول - فلا تحزن ﴿ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ ﴿ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ ﴿ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ (وهم الذين كَذَّبوا شُعَيبًا عليه السلام)، ﴿ وَكُذِّبَ مُوسَى (أي كَذَّبفرعون وقومه موسى عليه السلام)، فهؤلاء الأقوام قد كَذَّبوا رُسُلهم، ولكنّ رُسُلهم صبروا على تكذيبهم وإيذائهم ﴿ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ يعني: فلم أُعاجِل هؤلاء الكافرين بالعقوبة، بل أمْهلتهم ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بالعذاب، ﴿ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ أي: فكيف كان إنكاري على كُفرهم وتكذيبهم؟ (والاستفهام للتقرير) أي كان إنكاري عليهم عظيمًا بالعذاب والهلاك، (وفي الآية تصبير للرسول صلى الله عليه وسلم على ما يَلقاهُ من أنواع التكذيب والعِناد والجحود مِن قومه).

الآية 45: ﴿ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ يعني: ولقد أهلكنا كثيرًا من القرى الظالمة الكافرة ﴿ (فَهِيَ خَاوِيَةٌ؛ أي: فأصبحت فارغة مِنسُكَّانها، وقد تَهدَّمَتْ مَبانِيها،وسقطتْ حِيطانُها وجُدرانها ﴿ عَلَى عُرُوشِهَا أي على سُقوفِ بيوتِها، ﴿ وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ يعني: وكم مِن بئرٍ كانوا يَشربون منها فهي الآن مُعطَّلة لا يُستخرَج منها الماء، ﴿ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أي: وكم مِن قصرٍ مرتفع ماتَ أهله وتركوه مُعَطّلاً مثل البئر.

الآية 46: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا - أي هؤلاء المُكذبون من قريش - ألم يَمشوا ﴿ فِي الْأَرْضِليُشاهدوا آثار المُهلَكين قبلهم ﴿ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا ﴾: أي فيَتفكروابعقولهم ليَعتبروا بما حدث لهم؟! ﴿ أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ﴾: يعني أو يَسمعوا أخبارهم سماعَ تدبُّر ليَتعظوا؟!، ﴿ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ يعني: فإنّ العَمَى المُهْلِك ليس عَمَىالبصر، ﴿ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ أي: ولكنّ العَمَى المُهْلِك هو عَمَى البصيرة القلبية عن إدراك الحق والاعتبار، (والمعنى أن الخلل ليس في أبصارهم ولكنّ الخلل في قلوبهم التي أعماها الهوى، وأفسدتها الشهوة والتقليد لأهل الجهل والضَلال، ومِن هنا كان على العبد أن يُحافظ على قلبه مِن مُفسِدات القلوب أكثر من مُحافظته على عينيه).

الآية 47: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ﴾: أي يَستعجلك كفار قريش بالعذاب الذي أنذرتَهم به، ﴿ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ (إذ لا بدَّ منوقوع العذاب، وقد عجَّل لهم بعض العذاب في الدنيا في يوم بدر)، ثم أخبَرَهم سبحانه أنّ الزمن الطويل عندهم هو قصيرٌ عند الله تعالى، فقال: ﴿ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ أي مِن مُدَّة إمهاله لهم ﴿ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَأي مِن سنوات الدنيا.

الآية 48: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ يعني: وكثير من القرى كانت ظالمة (بسبب إصرار أهلها على الكفر)، فأمْهلتهم ولم أعاجلهمبالعقوبة، فاغترّوا بحِلم الله لهم، ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهَا بعذابي في الدنيا، ﴿ وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ يعني: وإليَّ مَرجعهم بعد هلاكهم،فأُعَذّبهم بما يَستحقون، (إذًا فلا مَعنى لاستعجال هؤلاء المشركين بالعذاب، فإنهم إنْ لم يُعَذَّبوا في الدنيا، فإنّ مَصيرهم إلى الله تعالى، وسوف يُجازيهم بما كانوا يعملون).

الآية 49، والآية 50، والآية 51: ﴿ قُلْ - أيها الرسول -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌمِن عذاب اللهِ تعالى لأُخَوّفكم من عقوبة الشرك والمعاصي، ﴿ مُبِينٌ أي أُوَضِّح لكمما أُرْسِلتُ به إليكم، ﴿ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وتركوا الشرك والمعاصي ﴿ (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم (إذ يَسترها الله عليهم، ولا يُعاقبهم عليها في الآخرة)،﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ أي: ولهم رِزقٌ حَسَن لا ينقطع وهو الجنة، ﴿ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آَيَاتِنَا يعني: وأما الذين اجتهدوا في إبعاد الناس عن الإيمان بآياتنا ﴿ مُعَاجِزِينَ أي ظانّين أنهم يُعجزوننا، وأننا لن نَقدر على أخْذهم بالعذاب: ﴿ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾: يعني أولئك هم أهل النار المُوقدة، إذ يَدخلونها ولا يَخرجونَ منهاأبدًا.

الآية 52، والآية 53، والآية 54: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ - أيها الرسول - ﴿ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أي قرأ كتاب الله تعالى لقومه، فإذا قرأه: ﴿ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ﴾: أي ألقى الشيطانُ الوساوسَ والشُكوك للناس أثناء قراءة النبي؛ وذلك ليَصدَّهم عن اتِّباع ما يَقرؤه ﴿ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ أي لكنّ الله يُبطل كيد الشيطان ويُزيل وساوسه ﴿ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ أي يُثبِت آياته الواضحات، فلا تقبل الزيادة ولا النقصان، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بكل شيء (ومِن ذلك عِلمُه بوساوس الشيطان)، ﴿ حَكِيمٌ في كل أفعاله (وهذه سُنَّتِه في أنبيائه ورُسُله، ليَتميّز المؤمنون مِن غيرهم).

وقد كان هذا الفِعل مِنَ الشيطان ﴿ لِيَجْعَلَ اللهُ ﴿ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ من الوساوس والشكوك ﴿ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي في قلوبهم شكونفاق (وهم المنافقين وضِعاف الإيمان) ﴿ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ (وهم المشركين الذين لا تؤثِّرُ فيهم المواعظ)، (واعلم أنّ الفتنة المذكورة في قوله تعالى: ﴿ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً ﴾ هي الزيادة في الكفر والضلال والبعد عن الحق)، ﴿ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ جميعاً ﴿ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ أي في عداوة شديدة لله ورسوله، ومُخالَفة بعيدة عن الحق والصواب.

﴿ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ أي: ولكي يَعلم أهل العلم - الذين يُفَرِّقون بعِلمهم بين الحق والباطل - أن القرآن الكريم هوالحق النازل من عند الله تعالى، لا شك فيه، ولا سبيلَ للشيطانإليه، ﴿ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ﴾: أي فيزداد إيمانهم بالقرآن، وتخشع له قلوبهم وتطمئن، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أي سوف يُوَفِّقهم سبحانه إلى الثبات على الإسلام، ليُنقذهم به من النار، (وذلك بحمايتهم من الشيطان، وإعانتهم على طاعة الرحمن).

الآية 55، والآية 56، والآية 57: ﴿ وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ أي لا يَزالون في شَكٍّ من القرآن، ويَظَلُّونَ على ذلك ﴿ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ﴾: أي حتى تأتيهمالقيامة فجأةً، وهُم على تكذيبهم، ﴿ أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ أي عذابُ يومٍ لا خيرَ فيه، وهو يوم بدر - على الراجح - حينَ هَزَمهم المسلمون وقتلوا زعماءهم، وأسَرُوا كثيرًا منهم.
﴿ الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ أي يومالقيامة ﴿ لِلَّهِ وحده ﴿ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ أي يَقضي بين المؤمنينوالكافرين: ﴿ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يُدخِلهم سبحانه ﴿ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا ﴾) الواضحة: ﴿ فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ أي لهم عذابٌ يُذِلُّهم ويُهِينهم في جهنم (فهو عذابٌ للجسد والنفس معًا) (نسأل الله العافية).

الآية 58، والآية 59: ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِأي خَرَجوا من ديارهم طلبًا لرضا ربهم ونُصرة دينه ﴿ ثُمَّ قُتِلُوا أي قتلهم المشركون، ﴿ أَوْ مَاتُوا مَوتةً (طبيعية) بانتهاء آجالهم أثناء الهجرة: ﴿ لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا (إذ تكون أرواحهم بعد موتهم في أجواف طيرٍ خُضر تأكل من الجنة حيث شاءت)، (﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾) أي هو سبحانه خير مَن أعطى، و﴿ لَيُدْخِلَنَّهُمْ يوم القيامة ﴿ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وهو الجنة، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ بمَن يَخرجفي سبيله، ومَن يَخرج طلبًا للدنيا، ﴿ حَلِيمٌ بمن عصاه، فلا يعاجله بالعقوبة.

الآية 60: ﴿ ذَلِكَ أي ذلك الذي قصصناه عليك، ﴿ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ يعني: ومَن اعتُدِيَ عليه وظُلِم،فقد أُذِن له أن يَرُدَّ الاعتداء بمِثله، ﴿ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ يعني: فإذا عاد المعتدي إلىإيذاء المظلوم: ﴿ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ أي فإنّ الله سيَنصر المظلوم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ أي يعفو عن الذين يعفون عن الناس، ويَغفر ذنوبهم (وفي هذا إشارة إلى ترغيب المؤمن في العفو عن أخيه إذا ظَلَمه، فإنّ العفو خيرٌ له من المُعاقَبة، وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ.

• الآية 61: ﴿ ذَلِكَ أي ذلك النصر على المظلوم كائنٌ لا مَحالة ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ أي بسبب أنّ اللهَ قادرٌ على ما يشاء، ومِنقدرته أنه ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ أي يُدخِل ما يَنقص من ساعات الليل في ساعات النهار، ﴿ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ أي يُدخِل ما نَقَصَ منساعات النهار في ساعات الليل، فيَطولُ هذا ويَقصُر ذاك، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لكل صوت، ﴿ بَصِيرٌ بكل فِعل، لا يَخفىعليه شيء، (فلذلك يَنصر سبحانه مَن يَعلم أنه يَستحق النصر).

الآية 62: ﴿ ذَلِكَأي ذلك المذكور مِن آيات قدرة الله تعالى، لتُوقِنوا ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ أي الذي يَستحق العبادة وحده ﴿ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ يعني: ولتُوقِنوا بأنّ ما يَعبدهالمشركون من دون الله تعالى هو الباطل الذي لا يَنفع ولا يضرُّ ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ بذاتِهِ وقهرهعلى جميع مخلوقاتِه، ﴿ الْكَبِيرُ في ذاته وصفاته (فهو أكبر وأعظم من كلِّ شيء).


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: "أيسر التفاسير"؛ لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحديًا لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحيانًا نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #136  
قديم 02-12-2021, 04:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الأخير من سورة الحج


الآية 63، والآية 64: ﴿ أَلَمْ تَرَ - أيها الرسول - ﴿ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً أي تُصبح خَضراء بمايَنبُت فيها من النبات بسبب هذا المطر؟ ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ بعباده (حيثُ أخرج لهم هذا النبات المتنوع، الذي يأكلون منه هموأنعامهم)، ﴿ خَبِيرٌ بمصالحهم ومنافعهم، وهو سبحانه الذي ﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ خَلْقًا ومُلْكًاوتدبيرًا وإحاطة، فالكلّ مُحتاجٌإلى تدبيره وإنعامه، (وكُلُّ ما تعبدونه مع الله: هو مِلكٌ لله تعالى فقيرٌ إليه)، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الذي لا يَحتاج إلى شيء ﴿ الْحَمِيدُ أي الذي يَستحق الحمد والثناء في كلحال.

الآية 65: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ (كالبهائم والزروع وغير ذلك، لرُكوبكم وطعامكم وجميع مَنافعكم)؟ ﴿ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ أي: وسَخَّرَ لكم السفن لتجري فيالبحر بقدرته، وبأمْرِهِ للبحر أن يَحملها رغم ثِقَلها، لتَحملكم مع أمتعتكم إلى حيث تشاؤون من البلاد والأماكن، ﴿ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ أي: وهو سبحانه الذي يُمسك السماء حتى لا تقع على الأرض - فيَهلك مَن عليها - إلاإذا أَذِنَ سبحانه لها بذلك، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ حيثُ رَحِمهم بتسخير هذه الأشياءلهم، (إذاً فليعبدوه وحده ولا يُشركوا به).

الآية 66: ﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي أَحْيَاكُمْ أيها الناس (بأنْ أَوْجدكم من العدم)، ﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ عند انتهاءأعماركم، ﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ بعد الموت ليُحاسبكم على أعمالكم، ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ أي جَحودٌ بآيات ربه الدالة على قدرته ووحدانيته، جحودٌ بنعمه عليه.

الآية 67، والآية 68، والآية 69، والآية 70: ﴿ لِكُلِّ أُمَّةٍ من الأمم الماضية ﴿ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ أي جعلنا لهم عباداتٍ أمرناهم بها فعملوا بها، فلما جاءت شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وقامت الأدلة والبراهين على صحتها، وَجَبَ على الجميع أن يَتلقوا ما جاء به بالقبول والتسليم وترْك الاعتراض، ولهذا قال تعالى: ﴿ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ﴾: أي لا تَتجادل مع مُشركي قريش - أيها الرسول - في شريعتك وما أمَرَك الله به منالذبائح والعبادات، (وذلك لأن المشركين جادلوه في ذبائح الهَدْي أيام التشريق، واعترضوا على تحريم المَيْتة، فأمَره الله تعالى أن يُعرض عن جدالهم لجَهْلهم)، وقال له: ﴿ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ أي ادعُ إلى توحيد ربك وإخلاص العبادة له واتِّباعأمْره، ﴿ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ يعني إنك على دينٍ قويم لا اعوجاجَ فيه، ﴿ وَإِنْ جَادَلُوكَ يعني: وإن أصرُّوا على مجادلتك بالباطل: ﴿ فَقُلِ لهم: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ أي: هو سبحانه عليمٌ بأفعالكم ونِيّاتكم، ومُجازيكم عليها يوم القيامة، (ولا تجادلهم، فإنهم مُعانِدونَ متكبرون).

وقال الله لرسوله: ﴿ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ أي مِن أمْر الدين، فمَن وافَقَ الطريق المستقيم، فهو من أهل النعيم، ومَن ضَلَّ عنه، فهو من أهل الجحيم، ومِن تمام عدله سبحانه، أن يكون حُكمه بعِلم، فلذلك ذَكَرَ إحاطة عِلمه بكل شيء قائلاً لرسوله: ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (ومِن ذلك عِلمه سبحانه بجدالهم لك؟) ﴿ إِنَّ ذَلِكَ العلم مُثبَت ﴿ فِي كِتَابٍ (وهو اللوح المحفوظ)، ﴿ إِنَّ ذَلِكَ أي كتابة العلم وحِفظه والحُكم بين المختلفين ﴿ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ أي سهلٌ عليه سبحانه لأنه على كل شيء قدير، (وفي هذه الآيات إرشادٌ إلى حُسن الرد على مَن جادَلَ جَهلاً وعِناداً واستكبارًا).

الآية 71: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ﴾: أي يَعبدون آلهةً لم يُنَزِّل الله بشأنها حُجَّةً تدل علىأنها تستحق العبادة، أو أنها تُقَرِّبهم إليه كما يَزعمون ﴿ وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ في هذا الافتراء إلا الهوى واتِّباع الآباء بغير دليل ﴿ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ ﴾: أي ليس للمشركين ناصرٌ ينصرهم، أو يَدفع عنهم عذاب الله تعالى في الدنيا ولا في الآخرة.

الآية 72: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ﴾: يعني إذا تتلى آيات القرآن الواضحة على هؤلاء المشركين: ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ ﴾: أي ترى الكَراهية ظاهرةٌ علىوجوههم، حتى إنهم ﴿ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا ﴾: أي يَكادون يَبطشون بالمؤمنين الذين يَدعونهم إلى الله تعالى، ويَتلون عليهمآياته، ﴿ قُلْ لهم - أيها الرسول -: ﴿ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ يعني: هل أخبركم بما هو أشد كَراهيةً إليكم مِن سَماعالحق ورؤية الداعينَ إليه؟ إنها ﴿ النَّارُ التي ﴿ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: أي أعدَّها الله للكافرين في الآخرة ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.


الآية 73، والآية 74: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ أي ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً بَيَّنَ فيه عَجْز ما يُعبَد مِن دونه ﴿ فَاسْتَمِعُوا لَهُ أيها الناس وتَدَبّروه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ يعني لن تَقدر هذه الآلهة المزعومة - ولو اجتمعتْ مع بعضها - على خَلْق ذبابة واحدة، فكيف بخلق ما هوأكبر؟!، ﴿ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا يعني: إنْ يأخذ الذباب شيئاً من العِطر أو الطعام الذي يَضعونه لآلهتهم: ﴿ لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ أي: لا تَقدر هذه الآلهة المزعومة أن تَسترد ما يأخذه الذباب منها، فهل بعد ذلك عَجْز؟!، ﴿ ضَعُفَ الطَّالِبُ وهو المعبود من دون الله، (وَالْمَطْلُوبُ) أي: وضَعُفَ المطلوب، وهو الذباب.
وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: ﴿ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ أي ضَعُفَ العابد والمعبود (وهُم المشركون وأصنامهم)، واللهُ أعلم.
فهؤلاء المشركون ﴿ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾: أي لم يُعَظِّموا اللهَ حق تعظيمه، إذ جعلوا له شركاء لا تنفع ولا تضر، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾: أي هو سبحانه القويالذي خَلَقَ كل شيء وحده، العزيز الذي لا يَمنعه شيءٌ مِمّا أراد (فكيف يكون له شركاء؟!).

الآية 75، والآية 76: ﴿ اللَّهُ يَصْطَفِي أي يَختار ﴿ مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا ليُبَلِّغوا الأنبياء بالوحي، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ ﴾) أي يَختار من الناس رُسُلا لتبليغ رسالاته إلى خَلقه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لأقوال العباد ﴿ بَصِيرٌ بنيَّاتهم وأفعالهم، ولذلك يَختار مِنهم مَن يَعلمُ استقامته قولاً وفِعلاً، وهذا مِثل قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ، وهو سبحانه﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾: أي يَعلم ما يُستَقبَل مِن أمْر هؤلاء الرُسُل، وكذلك يَعلم ما مَضى مِن أفعالهم، فلذلك يَختار سبحانه مَن يشاء منهم لرسالاته، (إذاً فكيف يَصِحّ أن يَعترض المشركون على اختيار الله لمحمد صلى الله عليه وسلم؟) ﴿ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ أي: وإلى اللهِ وحده يَرجع مَصير الخلائق يوم القيامة، فيُجازي كُلاًّ بما عمل.

الآية 77، والآية 78: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا أي أقيمواصلاتكم، (وإنما خَصّ الركوع والسجود من بين أركان الصلاة لأنهما أشرف أجزائها، وأدَلّ على خضوع العبد لربّه وذُلِّه له)، ﴿ وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وحده لا شريك له، وأطيعوا أمْره واجتنبوا نَهْيه (مُعَظِّمينَ له غاية التعظيم، مُتذلِّلينَ إليه غاية الذل، مُحِبِّينَ له غاية الحب)، ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ (وهو كل أمْرٍ نافع يُحِبُّهُ اللهُ ويَرضاه) ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ يعني: لكي تفوزوا في الدنيا والآخرة، ﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ أي في سبيل إرضاءه تعالى ﴿ حَقَّ جِهَادِهِ أي الجهاد الحق الذي أمَرَكم الله به، وهو جهاد النفس والشيطان، وجهاد الكفار المُعتدين بالنفس والمال (مُخلِصينَ النية لله تعالى) ﴿ هُوَ اجْتَبَاكُمْ ﴾: أي اختاركم سبحانه لحَمْل هذا الدين وتبليغه إلى جميع الناس، ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾: أي لم يَجعل في شريعتكم تضييقاً ولا تشديداً (كما كان في بعض الأمم قبلكم)، بل وَسَّعَ عليكم في تكاليفها وأحكامها، فجعل التوبة لكل ذنب، وجعل الكفارة لبعض الذنوب، ورَخَّصَ للمسافر والمريض في قصر الصلاة وقضاء الصيام، وجعل التيمم لمن لم يَجد الماء أو عَجَزَ عن استعماله.

فالزموا ﴿ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ (وهي عبادة الله وحده لا شريك له)، فـ ﴿ هُوَ سبحانه الذي ﴿ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ أي في الكتب المُنَزَّلة السابقة ﴿ وَفِي هَذَا أي: وفي هذا القرآن أيضاً سَمَّاكم المسلمين ﴿ لِيَكُونَ الرَّسُولُ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ أي شاهدًا على أنه قد بَلَّغكم رسالةربه، وشاهداً على أنكم قد آمنتم به ﴿ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ أي شهداء على الأمم السابقة أنّ رُسُلهم قد بَلَّغتهم رسالة ربهم (كما أخبركم الله فيكتابه)، ﴿ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ بأركانها وشروطها، في خشوعٍ واطمئنان (شُكراً لله تعالى على هذه النعمة)، ﴿ وَآَتُوا الزَّكَاةَ لمُستحقيها، ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ أي الجؤواإليه سبحانه، واحتموا به من شر أعدائكم ومن شر النفس والشيطان، فـ ﴿ هُوَ مَوْلَاكُمْ أي هو سَيِّدكم ومُتوَلِّي أمْركم فاعتمدوا عليه، ﴿ فَنِعْمَ الْمَوْلَى أي فهو سبحانه نعم المُعين والحافظ لمن اعتصم به، ﴿ وَنِعْمَ النَّصِيرُ لمن طلب نَصْره.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #137  
قديم 06-12-2021, 04:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الأول من سورة المؤمنون




من الآية 1 إلى الآية 11: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾: أي قد فاز المُصَدّقون بالله ورسوله، العاملونَ بشرعه، (واعلم أنّ الفلاح المقصود هنا هو الفوز بالجنة والنجاة من النار)، ومِن صفات هؤلاء المؤمنين أنهم: ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ أي تَحضُر فيها قلوبهم فلا تنشغل بغيرها، ويكونون في صلاتهم ذليلينَ لربهم (مِن كثرة نعمه عليهم وكثرة ذنوبهم)، (وقد كان السَلَف الصالح إذا قام أحدهم في صلاته يخافُ أن يَلتفت فيها أو أن يُحَدِّث نفسه بشيءٍ من الدنيا وهو بين يدي ربه تبارك وتعالى، بل كان يَنظر إلى الأرض في حياءٍ وخوف، حتى إنّ أحدهم كانَ يقول إذا خرج مِن صلاته: (إنّ مِثلي لا يقومُ بين يديك، ولولا أنك أمَرتني ما فَعَلتُ)).



﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ أي يَتركون ما لا خيرَ فيه من الأقوال والأفعال، (ومعنى إعراضهم عن اللغو: أي انصرافهم عنه وعدم التفاتهم إليه)، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ أي مُؤَدُّونَ الزكاةَ لِمُستحِقّيها، ليُطَهِّروا بها نفوسهم وأموالهم، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ أي يَحفظون فروجهم مما حرَّم اللهُ تعالى ﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ ﴿ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ - من الجواري المملوكات لهم شَرعاً - ﴿ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ أي: فلا لومَ عليهم في جماعهنّ؛ لأنّ اللهَ قد أحلَّهنّ لهم، ﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ يعني: فمَن طلب التمتع بغير زوجته أو جاريته، فهو من المُتَعَدِّينَ لحدود الله تعالى، المُجاوِزينَ الحلالَ إلى الحرام، المُعَرِّضينَ أنفسهم لغضب اللهِ وعقابه.



﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ أي يُحافظونَ على ما كل اؤتمنوا عليه (مِن قولٍ أو عمل أو مال أو غير ذلك)، (ومِن ذلك مُحافظتهم على التكاليف الشرعية التي أمَرَهم اللهُ بها)، وهُم الذين يُوفُّون بكل عهودهم وعقودهم، ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أي يُداوِمونَ على أداء صلاتهم في أوقاتها، وعلى هيئتها الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

﴿ أُولَئِكَ المتصفون بهذه الصفات ﴿ هُمُ الْوَارِثُونَ ﴿ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ - وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها - ﴿ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (إذ لا يَنقطع نعيمهم ولا يزول).



واعلم أنّ العلماء قد اختلفوا في تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم عن الفردوس الأعلى: (فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة)، فقد قال بعضهم: إنّ مَعنى أوسط الجنة أي أفضلها، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا أي خِياراً، وبقوله تعالى: ﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ- أي أفضلهم - أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ، فعلى هذا يكونُ المعنى: (إنها أعلى الجنة وأفضل الجنة)، وقد ذَكَرَ بعضهم قولاً آخر: وهو أننا إذا تخيلنا أن الجنة عبارة عن صندوق ضخم، فبالتالي تكون الفردوس في منتصف هذا الصندوق ولكنْ في أعلى نقطةٍ فيه، فبذلك تكون أعلى الجنة وأوسط الجنة، واللهُ أعلم.



من الآية 12 إلى الآية 16: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ - وهو آدم عليه السلام - ﴿ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ أي مِن طينٍ مأخوذ من جميع الأرض، ثم نَفَخَ اللهُ فيه مِن روحه فصارَ بشراً سوياً، ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً أي: ثم تناسلتْ ذريته مِن نُطفة (وهي ماء الرَجُل)، حيث تَخرج النُطفة من ظهور الرجال، ثم تستقر ﴿ فِي قَرَارٍ مَكِينٍأي في مُستَقَرّ مُتمكِّن - مُهَيّأ لحِفظ النُطفة - وهو أرحام النساء، ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ﴾: أي: ثم يَتحول هذا المَنِيّ بقدرة اللهِ إلى عَلَقة (وهي قطعة من الدم الغليظ متعلقة بالرَحِم)، ثم تتحول هذه العَلَقة بقدرة اللهِ إلى مُضغة (وهي قطعة لحم صغيرة قَدْر التي تُمْضَغ في الطعام)، ﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا أي: ثم تتحول هذه المُضغة اللينة بقدرة اللهِ إلى عظام، ثم يَكسو اللهُ هذه العظامَ لحمًا.



﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ أي: ثم يُنشئه اللهُ تعالى خَلقاً آخر غير الذي ابتدأه به (وذلك بعد نَفْخ الروح فيه)، إذ أصبح إنساناً يتحرك بعد أن كانَ جماداً لا حياةَ فيه، ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ أي:َ َعَظُمَتْ قدرة اللهِ تعالى الذي أحسن كل شيء خَلَقه، (واعلم أنّ معنى قوله تعالى: ﴿ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ أي أحسن الصانعين، لأنّ كلمة الخَلق تأتي في اللغة بمعنى الصناعة، فاللهُ تعالى يَصنع، والناسُ يَصنعون، واللهُ سبحانه أحسن الصانعين)، ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَأي ستموتون أيها البشر بعد انتهاء أعماركم، ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَأي يَبعثكم اللهُ من قبوركم أحياءً للحساب والجزاء.



• الآية 17: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ أي سبع سماواتٍ بعضها فوق بعض، ﴿ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ -الذين تحت السماوات -﴿ غَافِلِينَ بل كنا حافظينَ لهم مِن أن تسقط عليهم فَتُهلِكهم، وكُنّا نُدَبّر أمورهم ونَعتني بمَصالحهم ومَنافعهم (وبذلك انتظم الكونُ والحياة، وإلاّ لَفَسَدَ كلُ شيء).

ولعل اللهَ تعالى وَصَفَ السماوات بالطرائق لأنها الطُرُق التي تسير فيها الملائكة أو التي تسير فيها الكواكب، ويُحتمَل أيضاً أن يكون معنى طرائق: (أنّ بعضها فوق بعض)، وهذا مِثل قول العرب: (طارَقَ بين ثوبين) أي جَعَلَ أحدهما فوق الثاني، واللهُ أعلم.



الآية 18:﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ أي بمقدارٍ مُعَيّن (بحسب حاجة الخلائق) ﴿ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ أي جَعَلنا الأرضَ مُستقَرًا لهذا الماء (كالأنهار والمياه الجوفية، وغير ذلك)، ﴿ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ أي قادرونَ على الذَهاب بهذا الماء، وحينئذٍ ستَهلك البشرية عطشاً (وفي هذا تهديدٌ للظالمين).

الآية 19، والآية 20: ﴿ فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ - أي بهذا الماء - ﴿ جَنَّاتٍ أي حدائق ﴿ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ﴿ لَكُمْ فِيهَا أي في تلك الحدائق ﴿ فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ تَربَحونَ منها بالتجارة، وتصنعون منها العصائر ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، (واعلم أنّ اللهَ تعالى قد خَصَّ العنب والتمر من بين باقي الفواكه لمَكانتهما عند العرب وكثرة فوائدهما).

﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ أي: وأنشأنا لكم بهذا الماء شجرةَ الزيتون التي تخرج حول جبل الطُور بـ "سيناء"، والتي ﴿ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ أي يُعصَر منها الزيت فيُدَّهَن، ﴿ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ أي يَغمس الآكِلونَ اللقمةَ في هذا الزيت ويأكلونها، (وفي الآية إشارة إلى أنّ أول مَنبَت لشجر الزيتون كان بطُور سيناء، ثم تناقله الناس مِن إقليمٍ إلى آخر).



• الآية 21، والآية 22: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ - وهي الإبل والبقر والغنم - ﴿ لَعِبْرَةً أي لكم فيها عِبرةٌ عظيمة على قدرة اللهِ تعالى، فقد شاهدتم كيف ﴿ نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا من اللبن (إذ يُخرِجُ اللهُ تعالى مِن بين الدم، ومِن بين القاذورات الموجودة في الكرْش: لَبَنًا خالصاً ليس فيه شيءٌ من الرَوَث أو الدم، لا في لونه ولا رائحته ولا طعمه)، ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ - كالصُوف والجلود - ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ ﴿ وَعَلَيْهَا أي: على الإبل في البر ﴿ وَعَلَى الْفُلْكِ أي: وعلى السفن في البحر: ﴿ تُحْمَلُونَ أي تَركبون عليها وتَحملون عليها أمتعتكم، (أفلا تشكرونَ اللهَ تعالى على هذه النعم فتعبدوه وحده ولا تُشركوا به؟!).



الآية 23:﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِليَدعوهم إلى التوحيد وترْك الشِرك، ﴿ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده، فـ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ يَستحق العبادة ﴿ غَيْرُهُ، إذِ هو سبحانه الذي يَخلقُ ويَرزق، ويُحيي ويُميت، ويَضر ويَنفع، فأخلِصوا له العبادة، ﴿ أَفَلَا تَتَّقُونَ؟ يعني: أفلا تخافونَ عذابَ اللهِ وغضبه، إنْ بَقيتم على ما أنتم عليه؟!




الآية 24، والآية 25: ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ أي قال الكُبَراء والسادة المُكَذِّبينَ لنوح - ليَصُدُّوا الناسَ عن الإيمان به -: ﴿ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ﴾: يعني: ما نوحٌ إلا إنسانٌ مِثلكم لا يتميَّز عنكم بشيء، ولا يريد بدعوته إلا الرئاسة عليكم، ﴿ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً يعني: ولو شاء اللهُ أن يُرسل إلينا رسولاً لأَرسله من الملائكة، ﴿ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴾: أي لم نَسمع قبل ذلك كلاماً مِثل الذي جاء به نوح، ولم يَقُل به أحدٌ من أجدادنا السابقين، ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ ﴾: أي ما هو إلا رجلٌ به مَسٌّ من الجنون ﴿ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ أي انتظروا حتى يُفيق فيَترك دَعْوته، أو يموت فتستريحوا منه.



الآية 26: ﴿ قَالَ نوحٌ - داعياً ربه -: ﴿ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ أي انصرني على كفار قومي; بسبب تكذيبهم لي.

الآية 27: ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا أي اصنع السفينة تحت بَصَرِنا وتحت رعايتنا، ﴿ وَوَحْيِنَا يعني: وبتوجيهنا وتعليمنا (إذ لم يكن يَعرف السُفُن ولا كيفية صُنعها)، ﴿ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا بإهلاكهم ﴿ وَفَارَ التَّنُّورُ أي نَبَعَ الماء بقوة من الفرن الذي يُخبز فيه (وكانَ هذا علامة على مَجيء العذاب، لأنّ اللهَ تعالى قد فجَّرَ الأرض عُيوناً من الماء، حتى نَبَعَ الماء من الفرن) ﴿ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ أي: فحينئذٍ أدخِلْ في السفينة مِن كل نَوعٍ من أنواع الحيوانات (ذكر وأنثى) ليَبقى النَسل، وأدخل فيها أهلَ بيتك ﴿ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ يعني إلا مَنِ استحق العذاب لكُفره (كزوجتك وابنك)، ﴿ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا أي لا تطلب مِنِّي صَرْفَ العذاب عن هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالكفر، ولا تَشفع لهم في تخفيفه عنهم، فـ ﴿ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ بالطوفان لا مَحالة.



الآية 28، والآية 29: ﴿ فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ يعني: فإذا عَلَوْتَ السفينةَ واستقرَرْتَ عليها - أنت ومَن معك (آمِنينَ من الغرق): ﴿ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا أي: يَسِّر لي النزول المبارك الآمن، ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ أي خيرُ مَن يُنزِلُ الناسَ في المكان الطيب المبارك.

ويُلاحَظ أنّ الله تعالى قال: ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ، ولم يقل: (وأنت وحدك المُنزِل)، لأنه قد يوجد مَن يُنزِلُ شخصاً في مكانٍ مُريح (كأنْ يُسكِنه في بيتٍ مُريح، أو يَستقبله ضيفاً عليه أو غير ذلك)، إذاً فالعبد يُنزل، واللهُ تعالى يُنزِل، واللهُ خيرُ المُنزِلين.



الآية 30: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ ﴾: يعني إنّ في إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين لَدلالاتٍ واضحاتٍ على صِدق الرُسُل فيما جاؤوا به، ﴿ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ يعني: ولقد كنا مُختبرينَ الأمم بإرسال الرُسُل إليهم قبل نزول العقوبة بهم.



الآية 31، والآية 32: ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ أي أنشأنا جيلاً آخر بعد قوم نوح (وهُم هنا قوم عاد، على الراجح من أقوال العلماء)، ﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ - وهو هود عليه السلام - فأمَرَهم ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وحده، فـ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍيَستحق العبادة ﴿ غَيْرُهُ ﴿ أَفَلَا تَتَّقُونَ ﴾: يعني أفلا تخافونَ عقاب اللهِ إذا عبدتم معه غيره؟



واعلم أنّ اللهَ تعالى قال: ﴿ فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ ولم يقل: (فَأَرْسَلْنَا إليهِمْ)، لأنّ هوداً عليه السلام كان مِن أهل قريتهم، أما عندما أخبر تعالى عن موسى وفرعون فإنه قال: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ، لأنّ موسى عليه السلام لم يكن منهم.



من الآية 33 إلى الآية 38: ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ وهم السادةُ والأشرافُ ﴿ مِنْ قَوْمِهِ ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا بوحدانية اللهِ تعالى ﴿ وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ ﴿ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا أي طَغَوا بما أُنعم اللهُ عليهم في الدنيا من تَرَف العيش، فهؤلاء قالوا لقومهم ليَصُدّوهم عن الإيمان بهُود: ﴿ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (أي لا فرقَ بينكم وبينه، فكيف تَرضون أن يكون سَيّداً عليكم يأمركم وينهاكم؟!)، ﴿ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (أي ستَخسرون مَكانتكم بسبب اتِّباعكم له وترْكِكم لآلهتكم)، ﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ مِن قبوركم أحياء؟ كيف تُصَدِّقون هذا؟! ﴿ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ أي بعيدٌ حقًا ما يَعِدكم به، ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا ﴾: أي ما حياتنا إلا في هذه الدنيا، ﴿ نَمُوتُ وَنَحْيَا أي جيلٌ يموت وجيلٌ يَحيا، فيموت الآباءُ مِنّا ويَحيا الأبناء ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ بعد الموت، ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ أي: ما هذا إلا رجلٌ قد اختلق على اللهِ كذبًا، ولَسنا بمُصَدِّقينَ ما قاله لنا.



الآية 39:﴿ قَالَ هودٌ - داعياً ربه -: ﴿ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ أي انصرني عليهم بسبب تكذيبهم لي.

الآية 40: (﴿ قَالَ ﴾) اللهُ - مُجيبًا لدعوته -: ﴿ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ أي: بعد زمنٍ قصير سيُصبحون نادمينَ على تكذيبهم.



الآية 41: ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ أي جاءتهم صيحة شديدة مع ريحٍ شديدة ﴿ بِالْحَقِّ أي بالعدل (بسبب كُفرهم وذنوبهم) فماتوا جميعًا ﴿ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً أي أصبحوا كغُثاء السَيل (وهي الرَغوة التي تطفو على سطح الماء ثم تتلاشى أو تُرْمَى) (والمعنى أنهم أصبحوا لا حياةَ فيهم ولا فائدةَ منهم)، ﴿ فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي هلاكًا لهؤلاء الظالمين وبُعْدًا لهم من رحمة الله.



الآية 42، والآية 43، والآية 44: ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آَخَرِينَ أي أنشأنا أُمَمًا آخرين بعد قوم هود (كقوم صالح وقوم شعيب)، ﴿ مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَاأي لا تتجاوزُ أُمَّةٌ أجَلَها فتزيد عليه ﴿ وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ ﴾: أي ولا يَتأخرون عن ذلك الوقت لحظة، ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا إلى تلك الأمم ﴿ تَتْرَى أي يَتبَع بعضهم بعضًا، ﴿ كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ - رغم وضوح المُعجِزات التي يأتي بها الرُسُل -، ﴿ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا بالهلاك والدمار، فلم يَبْقَ إلا أخبار هَلاكهم ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ أي قصصاً يَحكيها مَن بعدهم لتكون عبرةً لهم، ﴿ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ أي هَلاكًا لقومٍ لا يُصَدِّقونَ الرُسًل ولا يُطيعونهم.





[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #138  
قديم 06-12-2021, 04:23 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الثاني من سورة المؤمنون


من الآية 45 إلى الآية 48: ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآَيَاتِنَا الدالَّة على أنهما رسولان من عند اللهِ تعالى، وهي الآيات التسع: (العصا واليد والطوفان، والجَراد والقُمَّل والضفادع، والدم ونقصٍ من الثمرات والأنفس)، ﴿ وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ أي أرسلناه بحُجَّةٍ قوية واضحة تَقهر القلوب، فتنقاد لها قلوب المؤمنين، وتقوم بها الحُجّة على المُعانِدين.
ويُحتمَل أن يكون المقصود بالسُلطان المُبِين هنا: (العَصا)، وإنما أُعاد سبحانه ذِكرها بعد أن ذَكَرَ الآيات عموماً، لأنّ العصا كانت أشهر الآيات وأقواها، وبها هُزِمَ السَحَرة، واللهُ أعلم.
فأرسلناه بهذه الآيات ﴿ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ وهم أكابر أتْباعه وأشراف قومه، ﴿ فَاسْتَكْبَرُوا عن الإيمان بموسى وأخيه، ﴿ وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ أي كانواقومًا متطاولين على الناس، قاهرينَ لهم بالظلم، ﴿ فَقَالُوا: ﴿ أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا ﴿ وَقَوْمُهُمَا - مِن بني إسرائيل - ﴿ لَنَا عَابِدُونَ أي مُطيعونَ لأمْرنا،ذليلونَ لنا، نستخدمهم فيما نشاء؟!، ﴿ فَكَذَّبُوهُمَا فيما جاءا به، ﴿ فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ بالغرق في البحر.

الآية 49: ﴿ وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾: يعني أعطينا موسى التَوراة ليَهتدي بها قومه إلى الحق، (وذلك بعد إهلاك فرعون ونجاة بني إسرائيل).

الآية 50، والآية 51، والآية 52، والآية 53: ﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آَيَةً أي علامة دالَّة على قدرتنا؛ إذ خَلَقنا عيسى مِن غير أب،﴿ وَآَوَيْنَاهُمَا أي أنزلناهما - بعد اضطهاد اليهود لهما - ﴿ إِلَى رَبْوَةٍ أي مكانٍ مرتفع من الأرض - آمِنٌ مِن الأذى - ﴿ ذَاتِ قَرَارٍ أي صالح للاستقرار عليه (لِمَا فيه من الزروع والثمار)، ﴿ وَمَعِينٍ أي: وفيه ماءٌ عذب جارٍ ظاهر للعيون(فسبحان المُنعِم على عباده، المُكرِم لأوليائه).
ثم أخبر تعالى أنه قد أمَرَ جميع الرُسُل بأكل الحلال الطيب فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ أي كلوا من الرزق الحلال، ﴿ وَاعْمَلُوا صَالِحًا أي اعملوا الأعمال الصالحة (بأداء الفرائض والإكثار من النوافل) شُكراً لي على نِعَمي.
وقوله تعالى: ﴿ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ فيه وعدٌ مِن الله تعالى بأنه سوف يُثِيبهم على أعمالهم الصالحة، (وفي الآية دليل على أنّ أكْل الحلال عَونٌ للعبد على العملالصالح، وأنّ عاقبة الحرام شديدة الضرر، ومنها رَدّ الدعاء).
﴿ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً يعني إنَّ دينكم - يا مَعشر الأنبياء - هو دينٌ واحد، وهو الإسلام (الذي هو الاستسلام والانقياد والخضوع لأوامر الله تعالى، وعبادته وحده بما شَرَع)، فاجتمِعوا عليه ولا تختلفوا، ﴿ وَأَنَا رَبُّكُمْ أي خالقكم ورازقكم ومُدَبّر أمْركم ﴿ فَاتَّقُونِ أي فاتقوني- بفِعل ما أمَرتكم به وترْك ما نَهَيتكم عنه - لتنجوا من عذابي وتدخلوا جنتي.
﴿ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا أي: ولكنّ الناس اختلفوا بعد هؤلاء الأنبياء، وجعلوا دينهم مَذاهب تُعادي بعضها بعضاً، وأصبحوا فِرقاً وأحزاباً، بعدما أُمِروابالاجتماع على دينٍ واحد، وأصبحَ ﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ أي كل حزبٍ منهم مُعجب برأيه، زاعمٌ أنه على الحق وغيره على الباطل، (وفي هذاتحذير من التحزب والتفرق في الدين).
واعلم أنّ قوله تعالى: ﴿ زُبُرًا ﴾ أي قِطَعاً، كما قال تعالى وهو يَحكي عن ذي القرنين: ﴿ آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ﴾ أي قِطَعَهُ الضخمة.

الآية 54: ﴿ فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ أي فاتركهم أيها الرسول في ضَلالهم حتى يأذنَ اللهُ بعذابهم.
الآية 55، والآية 56: ﴿ أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ يعني أيظن هؤلاء الكفار أن الأموال والأولاد التي نُعطيها لهم في الدنيا، أيَحسبون أننا بذلك ﴿ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ لِرِضانا عنهم وأنهم يَستحقون هذا الخير؟! كَلاّ ﴿ بَل لَا يَشْعُرُونَ أي لا يَشعرون أننا نُعَجِّل لهم ذلك الخيرَ فتنةً لهم واستدراجًا، ليموتوا على هذا الضَلال.

من الآية 57 إلى الآية 61: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ - أي مِن أجلخوفهم مِن الله تعالى - ﴿ مُشْفِقُونَ أي خائفونَ مما خَوَّفهم اللهُ به، يَحذرون أن يُخالفوا أمْره ونَهْيه،﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ) ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ أي يُخلصونَ عبادتهم للهِ وحده، ولا يُشركونَ معه غيره، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا ﴾: أي يَجتهدونَ في فِعل الطاعات وأعمال الخير ﴿ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾: أي قلوبهم خائفةٌ ألا تُقبَل أعمالهم، وألاتُنَجِّيهم مِن عذاب ربهم إذا رجعوا إليه للحساب، ﴿ أُولَئِكَ المجتهدون في الطاعة ﴿ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾: أي يُسارعون في الطاعات، كَي ينالوا بها أعلى الدرجات، ﴿ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ أي يُسابقون غيرهم فى فِعل ما يُرضي ربهم.

الآية 62: ﴿ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أي لا يُكَلِّف اللهُ نفسًا إلا ما تطيق من الأعمال، ﴿ وَلَدَيْنَا كِتَابٌ أي عندنا كتابٌ تكتب فيه الملائكة أعمال العباد ﴿ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ أي يَشهد عليهم هذا الكتاب يوم القيامة بالصدق والعدل ﴿ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (وفي هذا وعدّ لأولئك المُسارعين في الخيرات بأنّ أعمالهم مكتوبةٌ لهم في كتابٍ لا يُخفي حسنةً من حسناتهم، وفي هذا أيضاً وعيدٌ لأهل الشِرك والمعاصي بأنّ أعمالهم مكتوبةٌ عليهم في كتابٍ صادق، وسوف يُجزَونَ بها إن لم يتوبوا).

من الآية 63 إلى الآية 67: ﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا يعني: لكنّ قلوب الكفار في ضلالٍ غامر، وفي غفلةٍ عن هذا القرآن وما فيه من الهدى، ﴿ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ أي لهم مع شِركهم أعمالٌسيئة من كبائر الذنوب - هي أقلّ من الشِرك - ﴿ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ أي يُمْهلهم اللهُ ليَعملوها، فيَزداد بذلك عذابهم (وذلك غضباً مِن اللهِ عليهم بسبب عِنادهم)، ويَظلون على هذه الغفلة والأعمال السيئة ﴿ حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ - والمُترَفون هم المُنَعَّمونَ المتكبرون -، فإذا أذاقهم اللهُ عذابه ﴿ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ أي يَرفعون أصواتهم،مُستغيثينَ من العذاب الذي أصابهم، فيُقالُ لهم:﴿ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ أي لا تَصرخوا اليوم ولا تستغيثوا، فـ ﴿ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ أي لنيَنصركم أحدٌ من عذاب الله، ولا أمل لكم في النجاة.
وقال اللهُ لهم: ﴿ قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ لتؤمنوا بها ﴿ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ أي كنتم تَرجعون إلى الوراء هَرَباً من سماع القرآن، وكنتم ﴿ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِأي تتكبرون على الناس ببيت اللهِ الحرام، وتقولون لهم: (نحن أهل الحَرَم، فنحن أفضل من غيرنا وأعلى)، وكنتم ﴿ سَامِرًا أي تَتَسامرون بالحديث ليلاً حول البيت، ﴿ تَهْجُرُونَ أي تقولون الكلام الهجر - يعني الكلام القبيح - في الرسول والقرآن.

الآية 68: ﴿ أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ﴾: يعني أفلم يتفكروا في القرآن ليَعرفوا صِدقه؟!، ﴿ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾: يعني أم مَنَعَهم من الإيمان أنه جاءهم رسولٌ لم يأت آباءهم الأولين مِثله؟! (وهذا الاستفهام غرضه الإنكار عليهم)، وجواب هذا السؤال: كلا، لقد جاءهم الرسول بالتوحيد الذي جاء به إبراهيم وإسماعيل لآبائهم الاولين، فلماذا الإعراضُ إذاً؟!

الآية 69، والآية 70: ﴿ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ يعني أم مَنَعَهم من اتِّباع الحق أنّ رسولهم محمدًا صلى الله عليه وسلم غير معروفعندهم ﴿ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ؟! ﴿ أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ﴾: يعني أم حَسِبوهُ مجنونًا؟! ﴿ بَلْ أي لقد كَذَبوا في هذه الادّعاءات الباطلة؛ فقد كانوا يَشهدونَ له بالصدق والأمانة، ورَضوا بحُكمه عندما أرادوا إعادة بناء الكعبة - وذلك قبل بعْثَتِهِ صلى الله عليه وسلم -، فكيف إذاً يَقبلونَ حُكمَه ثم يَتهمونه - كَذِباً - بالجُنون؟!، فعُلِمَ أنهم يقولون ذلك على سبيل العِناد، وحتى يَصُدّوا الناسَ عن دِينه، وإنما ﴿ جَاءَهُمْ صلى الله عليه وسلم ﴿ بِالْحَقِّ ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ أي يَكرهون الحق (حَسَدًا لمحمد صلى الله عليه وسلم، وتكبُّراً عن الانقياد لِما جاءَ به، وحُبّاً للباطل الذي عاشوا عليه).
ولعل اللهَ تعالى قال: ﴿ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾، ولم يقل: (وكُلُّهم لِلْحَقِّ كَارِهُونَ)، لأنّ القليل من هؤلاء المشركين كانوا يعرفون أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد جاءهم بالحق، وكانوا يُحبون الدخول فى الاسلام، ولكنْ مَنَعهم مِن ذلك: (الخوف من تَعْيير قومهم لهم بأنهم قد تَرَكوا دين آبائهم)، كما حَدَثَ مع أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، (واعلم أنّ هذا من باب الاحتراس، وهو أسلوبٌ معروف في القرآن، حتى لا يُنقَض الخبر ببعض الأفراد، وهذا كقوله تعالى: ﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾، وهو مِن إعجاز القرآن وبلاغته، حتى لا يستطيع أحد أن يُعارضه).

الآية 71: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ يعني: ولو شَرَعَ اللهُ لهم ما يوافق أهواءهم الفاسدة: ﴿ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ أيجئناهم بما فيه عِزّهم وشَرَفهم، وهو القرآن ﴿ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (لا يَلتفتون إليه، ولا يتفكرون فيه).

الآية 72: ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا ﴾: يعني: أم مَنَعَهم من الإيمان أنك أيها الرسول تسألهم مالاً على دَعْوتك لهمفبَخِلوا به؟! والجواب: لا، لأنك لم تفعل ذلك، ﴿ فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ يعني: لأنك تعلم أنّ ثوابَ اللهِ وعطاءه خيرٌ لك من المال، فلذلك لم تطلب منهم شيئاً مقابل دَعْوتك لهم، ﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ خَيْرُ الرَّازِقِينَ أي هو خيرُ مَن أعطى.

الآية 73: ﴿ وَإِنَّكَ أيها الرسول ﴿ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أي تدعو قومك وغيرهم إلى دينٍ قويم، وهو الإسلام.

الآية 74: ﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وما فيها من البعث والحساب، أولئك ﴿ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ أي مائلونَ عن طريق الدين الصحيح إلى غيره من الباطل.

الآية 75:﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ كالقحط والجوع وغير ذلك: ﴿ (لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ ﴾): أي لاَستمَرُّوا في كُفرهم وعنادهم ﴿ يَعْمَهُونَ ﴾: أييَتحيَّرون ويَتخبطون في ذلك الضلال.

الآية 76، والآية 77: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ أي ابتليناهم بأنواع المصائب ﴿ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ أي: فما خضعوا لربهم، وما دَعَوه مُتضرّعينَ عند نزول البلاء.

ويَظلون على ذلك العِناد﴿ حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا من أبواب جهنم ﴿ ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴿ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ أي يائسونَ منالخَلاص من ذلك العذاب الذي أصابهم.


[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #139  
قديم 06-12-2021, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود





تفسير الربع الأخير من سورة المؤمنون







من الآية 78 إلى الآية 83: ﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ أي جَعَلَ لكم وسائل الإدراك من الأسماع والأبصار والقلوب، ومع ذلك فـ ﴿ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾.



﴿ وَهُوَ سبحانه ﴿ الَّذِي ذَرَأَكُمْ أي خَلَقكم ﴿ فِي الْأَرْضِ ونَشَرَكم في أنحائها، ﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ بعد موتكم، ليُجازيكم على أعمالكم، (إذ القادرُ على خَلقكم في هذه الأرض: قادرٌ على خَلقكم في أرضٍ أخرى بعد موتكم)، ﴿ وَهُوَ وحده ﴿ الَّذِي يُحْيِي من العدم، ﴿ وَيُمِيتُ بعد الحياة، (أليس هذا قادراً على إحيائكم بعد موتكم؟!)، ﴿ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أي اختَصَّ سبحانه بتعاقب الليل والنهار (وذلك بمجيء أحدهما بعد الآخر، واختلافهما طُولاً وقِصَرًا)، فلا قدرة لأحدٍ أن يُوجِدَ ظُلمة الليل وضوء النهار غير الله تعالى، ﴿ أَفَلَا تَعْقِلُونَ يعني: أفلا تتفكرون بعقولكم لتعرفوا قدرة اللهِ تعالى على البعث واستحقاقه وحده للعبادة، بعدما شاهدتم هذه الآيات؟!







لكنّ الكفار لم يُصَدّقوا بالبعث - رغم هذه الأدلة التي لا يُنكِرها عاقل - ﴿ بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ أي ردَّدوا مَقولة المُنكِرين السابقين، فـ ﴿ قَالُوا: ﴿ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أي خَلْقاً جديداً بعد أن تَحَلَّلتْ عظامنا في تراب الأرض؟! ﴿ لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ يعني: لقد قيل هذا الكلام لآبائنا مِن قبل، فلم نَرَهُ حقيقةً، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ أي: ما هذا الذي تتحدثون عنه من البعث والحياة الثانية إلا قصص السابقينَ التي لا حقيقةَ لها.







الآية 84، والآية 85: ﴿ قُلْ أيها الرسول لهؤلاء المُنكِرين للبعث: ﴿ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا من المخلوقات ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟ ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ أي سيَعترفون حَتمًا بأنها لله، لأنهم يَعلمون أنه سبحانه الخالق المالك، إذاً ﴿ قُلْ لهم: ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾: يعني أفلا تتذكرونَ فتعلموا أنّ الذي خلق الأرض ومَن فيها قادرٌ على البعث بعد الموت وأنه لا يَستحق العبادةَ غيره؟!







الآية 86، والآية 87: ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الذي هو أعظم المخلوقات وأعلاها؟ ﴿ سَيَقُولُونَ حَتمًا: ﴿ لِلَّهِ أي: هذه المخلوقات مِلكٌ لله تعالى (إذ هو خالقها ومالكها والمتصرف فيها)، إذاً ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ أَفَلَا تَتَّقُونَ يعني أفلا تخافونَ عذابه إذا عبدتم معه غيره؟







الآية 88، والآية 89: ﴿ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ يعني: مَن بيده خزائن كل شيء ﴿ وَهُوَ يُجِيرُ أي يَحمي مَن طلب حمايته ﴿ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ يعني ولا يَقدر أحد أن يَحفظ مَن أراد الله إهلاكه، أو يَدفع عنه السُوء الذي قدَّره اللهُ له ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟ ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ﴾: أي سيَعترفون حتمًا بأنّ ذلك كلَّه للهِ وحده، إذاً ﴿ قُلْ لهم أيها الرسول: ﴿ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ أي كيف تُخْدَعون فتعبدون غير الخالق الرازق؟! وكيف تذهب عقولكم فتُنكرون على الخالق إحياء الأموات، وهو الذي أحياهم ابتداءً ثم أماتهم؟!







الآية 90: ﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ يعني: بل جئناهم بالحق الذي أرسلنا به محمدًا صلى الله عليه وسلم - مِن أمْر التوحيد والنُبُوّة والبعث والجزاء - ﴿ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ فيما نَسَبوهُ للهِ تعالى من الشَريك والولد.







الآية 91، والآية 92: ﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ (لأنه سبحانه رَبُّ كل شيء ومَالكُه، وهو الغني القوي الذي لا يحتاجُ إلى ولدٍ كما يَحتاج البشر)، ﴿ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ لأنه لو كان هناك أكثر مِن معبود: ﴿ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ أي سيَنفرد كل معبودٍ بمخلوقاته ﴿ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أي سيُحارب بعضهم بعضاً كشأن ملوك الدنيا، فبذلك يختلُّ نظام الكون، ﴿ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ أي تَنَزَّهَ اللهُ تعالى وتبرَّأ عن وَصْفهم الكاذب بأنّ له شريكًا أو ولدًا، فهو وحده ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾: أي يَعلم كل ما غاب عن خلقه وما شاهدوه (فلو كان معه آلهة أخرى لَعَرَفهم وأخبر عنهم)، ولكنه سبحانه خالقُ كل شيء ومالكه ﴿ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ أي تَقَدَّسَ سبحانه عن الشريك الذي يَزعمون.







الآية 93، والآية 94: ﴿ قُلْ أيها الرسول - داعياً ربك -: ﴿ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ يعني إنْ أريتَني في هؤلاء المشركين ما تَعِدُهم به مِن العذاب: ﴿ رَبِّ فَلَا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي أخرِجني مِن بينهم وأبعِدني عنهم حتى لا أهلك معهم.



الآية 95: ﴿ وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ ﴾: يعني وإننا لَقادرون على أن نُنَزِّل عليهم العذاب الذي نَعِدُهم به.







من الآية 96 إلى الآية 100: ﴿ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ يعني إذا أساءَ إليك أعداؤك أيها الرسول: فلا تقابلهم بالإساءة، ولكنْ قابِل إساءتهم بالإحسان (وذلك بالصفح والإعراض عنهم)، فـ ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ ﴾: أي نحن أعلم بما يَصِفُهُ هؤلاء المشركون من الشِرك والتكذيب وسنُجازيهم عليه، (وفي هذا تصبيرٌ للرسول صلى الله عليه وسلم).



ولَمّا أمَرَ اللهُ رسوله بالتحصُّن مِن أذى المشركين، أمَرَه أيضاً أن يَتحصن من أذى الشياطين فقال: ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ ﴾: يعني أحتمي بك من وساوس الشياطين التي تُفسِد القلب، وأحتمي بك أن يُضِلُّوني عن ديني ﴿ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ يعني: وأحتمي بك يا رب أن يَحضروا في شيءٍ من أموري، حتى لا يُفسدوها عليّ بالخواطر السيئة، (واعلم أنّ هذا التعوُّذ، وإن خُوطِبَ به الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو أيضاً مُوَجَّه لأمّته، بل هي أحْوَج إليه منه).



ثم يُخبر تعالى عن حال المُحتضِر من الكافرين أو المُفَرِّطين في أمْره قائلاً: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ أي رأى مَلَك الموت وأعوانه وشاهَدَ ما أُعِدَّ له من العذاب: ﴿ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ أي رُدّني يا ربّ إلى الدنيا وأَخِّر موتي ﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ يعني لَعَلِّي أتدارك ما ضيَّعْتُ من الإيمان والطاعة، فقال اللهُ تعالى: ﴿ كَلَّا أي لا رجوع أبداً، فـ ﴿ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا لا تنفعه، لأنه غير صادق فيها، إذ لو رَجَعَ إلى الدنيا لَعادَ إلى ما نَهاه اللهُ عنه، ﴿ وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ أي سيبقى المَوتى في حاجز يَمنعهم من العودة إلى الحياة حتى يأتي يوم القيامة.



ولعل هذا الكافر خاطَبَ اللهَ تعالى بضمير التعظيم: (ارجعون)، لشدة ما هو فيه من التذلل والخضوع، حتى يُعيده الله إلى الدنيا.



ويُحتمَل أن تكون كلمة (حتى) المذكورة في قوله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ ﴾ هي المعروفة بـ (حتى الابتدائية) أي يكون ما بعدها ابتداء كلام جديد، ويُحتمَل أنها متعلقة بقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ - أي من العذاب - لَقَادِرُونَ ﴾، فيكونُ هذا انتقالاً مِن ذِكر قدرته تعالى على تعذيبهم في الدنيا إلى وَصْف ما يَلقونه من العذاب عند موتهم، واللهُ أعلم.







الآية 101: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ يعني فإذا جاء يوم القيامة، ونَفَخَ المَلَك إسرافيل في القرن (وهو المعروف بالبُوق) نفخةَ القيام من القبور للحساب والجزاء: ﴿ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ ﴾: أي فحينئذٍ لا تَفاخُرَ بينهم بالأنساب كما كانوا يَتفاخرون بها في الدنيا، ﴿ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾: أي لا يَسأل أحدٌ أحدًا أن يَحمل عنه ذنوبه.







الآية 102: ﴿ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ أي كَثُرَتْ حسناته وثَقُلَتْ بها مَوازين أعماله: ﴿ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أي الفائزون بالجنة.







الآية 103، والآية 104، والآية 105: ﴿ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ أي قَلَّتْ حسناته في الميزان، ورَجَحَتْ سيئاته، وأعظمها الشرك: ﴿ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ أي أهلَكوا أنفسهم، وأضاعوا حظها من نعيم الجنة، فهُم ﴿ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ﴿ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ أي تَحْرقُ النار وجوههم، ﴿ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ يعني قد احترقت شفاههم، وظهرتْ أسنانهم)، ويقول اللهُ لهم - مُوَبّخاً -: ﴿ أَلَمْ تَكُنْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ؟ (واعلم أنّ هذا التوبيخ - أثناء العذاب - يكون أشد على النفس من عذاب الجسد).







الآية 106، والآية 107: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَاأي غَلَبَتْ علينا لَذّاتنا وأهواؤنا ﴿ وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ عن الحق والهدى، ﴿ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا أي أخرِجنا من النار وأرجِعنا إلى الدنيا، ﴿ فَإِنْ عُدْنَا إلى الضلال ﴿ فَإِنَّا ظَالِمُونَ نَستحق العقوبة، (واعلم أنّ الظلم: هو وَضْع الشي في غير مَوضعه، والذي يَعبد غير الله تعالى يَضَع العبادة في غير مَوضعها فلذلك هو ظالم، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾.







من الآية 108 إلى الآية 112: ﴿ قَالَ اللهُ عَزّ وجَلّ لهم: ﴿ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ أي امكثوا في النار أذلاء ولا تخاطبوني، (فحينئذٍ يَنقطع دعاؤهم ورجاؤهم)، ويقول اللهُ لهم: ﴿ إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي - وهم المؤمنون - ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ يعني أنت أرحم بنا مِن آبائنا وأمّهاتنا، ومِن كل راحم، ﴿ فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا أي انشغلتم بالاستهزاء بهم ﴿ حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي أي حتى نسيتم التذكر والتأمل فيما جاء به القرآن من الذِكر، ﴿ وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ أي كنتم تضحكون مِن عبادتهم ودعائهم وتضرّعهم إلينا، ﴿ إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أي بسبب صبرهم على طاعتي - مع ما يُلاقونه من اضطهادٍ وسُخرية - ﴿ أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ أي الناجونَ من النار المُنَعَّمونَ في الجنة، (وفي الآية دليل على حُرمة السُخرية من المسلم والاستهزاء به والضحك منه).



و﴿ قَالَ اللهُ لهؤلاء المكذبين - وهم في النار -: ﴿ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ﴾: أي كم بَقيتم في الدنيا من السنين؟ وكم ضيَّعتم فيها من طاعة الله؟







الآية 113: ﴿ قَالُوا لَبِثْنَا أي بَقينا فيها ﴿ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ - وهذا بسبب شدة العذاب الذي هُم فيه، حيثُ أنساهم كل ما مَرّ بهم في حياتهم وفي قبورهم - ﴿ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ ﴾: أي اسأل مَن كان يَعدّ الشهور والأيام (من الملائكة أو من غيرهم).







الآية 114، والآية 115، والآية 116: ﴿ قَالَ اللهُ لهم: ﴿ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ﴾: أي ما مَكثتم إلا وقتًا قليلاً (لو صبرتم فيه على طاعة اللهِ لَفُزتم بالجنة) ﴿ لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أنّ هذا الزمن الذي عِشتموه - بالنظر إلى الدار الآخرة - لا يُعتبَر شيئاً يُذكَر، ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا - لا أمْرَ ولا نَهْيَ ولا ثواب ولا عقاب - ﴿ وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ للحساب والجزاء؟! ﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ أي تَنَزَّهَ اللهُ المَلك المتصرف في كل شيء، وتَقَدَّسَ عن أن يَخلق شيئًا لعباً، ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أي لا معبودَ بحقٍ إلا هو ﴿ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ أي رَبُّ العرش النفيس (عَظيم القيمَة والمَكانة)، وهذا مِثل قولهم: (الأحجار الكريمة).







الآية 117: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ يعني: ومَن يَعبد مع اللهِ إلهًا آخر، لا حُجَّةَ له على استحقاقه للعبادة ﴿ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾: يعني فإنما جزاؤه عند ربه في الآخرة، ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾: يعني إنّ الكافرينَ لا فلاحَ لهم يوم القيامة.



الآية 118: ﴿ وَقُلْ - أيها النبي -: ﴿ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ أي اغفر لي وارحمني، واغفر للمؤمنين والمؤمنات وارحمهم ﴿ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ يعني أنت خير مَن رَحِمَ المذنبينَ التائبين، إذ تَقبل توبتهم ولا تعاقبهم على ذنوبهم.







[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #140  
قديم 06-12-2021, 04:24 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة كيف نفهم القرآن؟ ____ متجدد إن شاء الله

سلسلة كيف نفهم القرآن؟ [*]

رامي حنفي محمود




تفسير الربع الأول من سورة النور




الآية 1: ﴿ سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا يعني: هذه سورةٌ عظيمة - مِن سور القرآن - أنزلناها ﴿ وَفَرَضْنَاهَا أي أَوْجَبنا على المسلمين العمل بأحكامها ﴿ وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ أي حُجَجاً واضحة تهدي إلى الحق ﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أي لتتعظوا أيها المؤمنون بهذه الآيات، وتعملوا بما في السورةِ من أحكامٍ وأوامر وآداب.



الآية 2: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي - اللذان لم يَسبق لهما الزواج - ﴿ فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ (عقوبةُ لهما على فِعلِهما)، (وقد ثَبَتَ في السُنَّة - مع هذا الجلد - التغريب لمدة عام، وهو إخراج الزاني والزانية مِن بَلَدهما لمدة عام)، وأما عقوبة الزاني المتزوج: فقد ثبت في السُنّة أن يُرجَم بالحجارة حتى يموت، ﴿ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ أي لا تَحملكم الرحمةبهما على ترْك العقوبة أو تَخفيفها، حتى لا تُعَطِّلوا حَدَّ اللهِ تعالى وتَحرموهما من التطهير بهذا الحد ﴿ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وتعملونبأحكام الإسلام ﴿ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَيعني: ولْيَحضر العقوبةَ عددٌ من المؤمنين (ليَعتبروا بما حدث لهما)، (واعلم أنّ الذي يقوم بإقامة الحد هو حاكم البلد أو مَن يَنُوب عنه، واعلم أيضاً أنّ الزانية قُدِّمَت على الزاني في قوله تعالى: ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ﴾ لأنّ الزنى في حق النساء أقبح وأضَرّ بسبب الحمل، ولأن المرأة هي مفتاح الشر غالباً في جريمة الزنى، واللهُ أعلم).



الآية 3: ﴿ الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً يعني: الزاني لا يَرضى إلا بنكاح زانيةٍ أو مُشركةٍ لا تُقِرُّ بحُرمة الزنى، ﴿ وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ﴾: أي وكذلك الزانيةلا ترضى إلا بنكاح زانٍ أو مُشرك لا يُقِرُّ بحُرمة الزنى، (أما العفيفونوالعفيفات فإنهم لا يَرضون بذلك)، ﴿ وَحُرِّمَ ذَلِكَ النكاح ﴿ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، (وهذا دليلٌ صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب، وكذلك تحريم إنكاح الزاني حتى يتوب).



الآية 4، والآية 5: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ أي يَتّهمون نفوساً عفيفة - من النساء والرجال - بالزنا أو مُقَدِّماته ﴿ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ - مشهودٌ لهم بالعدل والأمانة - ليَشهدوا معهم علىأنهم رأوا هذه الفاحشة: ﴿ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ﴿ وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا، (وعلى هذا فليَحذر المسلم مِن أن يقول لأحدٍ:(يا ابنالزانية) أو ما شابَهَ ذلك)، لأنّ هذا من الكبائر، ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ أي الخارجون عن طاعة الله تعالى ﴿ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ﴾) أي رجعوا عن اتّهامهم، ونَدموا على أفعالهم، ﴿ وَأَصْلَحُوا أعمالهم: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لذنوبهم ﴿ رَحِيمٌ بهم،فلا يُعذبهم بعد التوبة، بل يُعيد إليهم اعتبارهم ويَقبل شهادتهم.



الآية 6، والآية 7، والآية 8، والآية 9: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ أي يَتّهمون زوجاتهم بالزنى ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ يَشهدون على صحة هذا الاتهام ﴿ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ﴿ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ أي: فعَلَى الواحد منهم أن يَشهد أمام القاضي أربع مرات بقوله: (أشهدُ باللهِأني صادقٌ فيما رَمَيتُها به من الزنى)، ﴿ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ يعني: ويَزيد في الشهادة الخامسة: (الدعاء على نفسهباستحقاقه للعنة الله - أي طَرْدِهِ مِن رحمته - إن كان كاذبًا في قوله).



وبهذه الشهادة تَجِب عقوبة الزنا على الزوجة، ﴿ وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ يعني: ولكنْ يَدفع عنها هذهالعقوبة ﴿ أَنْ تَشْهَدَ - في مُقابل شهادته - ﴿ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ في اتِّهامهلها بالزنى، ﴿ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ يعني: وتزيد في الشهادة الخامسة (الدعاء على نفسهاباستحقاقها لغضب اللهِ إن كان زوجها صادقًا فى اتهامه لها)، فإذا شهد الزوج والزوجة بهذه الشهادة: فإنّ القاضي يُفَرِّق بينهما بالطلاق الذي لا رجعة فيه.



الآية 10: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ - أيها المؤمنون - ﴿ وَرَحْمَتُهُ بهذا التشريع للأزواجوالزوجات ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ يعني: ولولا أنّ الله توابٌلمن تاب مِن عباده، حكيمٌ في شرعه وتدبيره: لَفَضَحَ الكاذب مِنهما وعاجله بالعقوبة وأنزَلَ به ما دعاهُ على نفسه، ولكنه سبحانه سَتَرَ عليهم، ليتوب على مَن تاب منهم، وليَرحمهم بهذا التشريع العادل الرحيم.



الآية 11: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ يعني إنّ الذين جاؤوا بأقبح الكذب - وهو اتّهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهابالفاحشة - أولئك ﴿ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾: أي جماعةٌ مُنتسبون إليكم أيها المسلمون، ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ أي لا تحسبوا قولهم الكاذب شرًّا لكم - لِمَا أصابكم مِن الهَمّ والغم والكرب بسبب هذا الاتهام الكاذب - ﴿ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ (لأنه تضمن براءة أم المؤمنين ونَزاهتها، وتكفير سيئاتكم ورفع درجاتكم بسبب صبركم على هذا البلاء العظيم)، ﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ يعني: كُلُّ فردٍ تكلم بالإفك،يأخذ عقابه على قدْر ما قال (هذا إن لم يَتُب، ويعفو اللهُ عنه)، ﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ يعني: والذي تحمَّل مُعظم الإفك، وأشاعَ الفتنة وتوَرَّط فيها - وهو عبد الله بن أُبَيِّ بن سَلولكبير المنافقين - ﴿ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (وهو الخلود في الدركالأسفل من النار).



الآية 12: ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا يعني: هَلّا ظَنّ المؤمنون والمؤمنات ببعضهم خيرًا عند سماعهم لهذا الاتّهام الكاذب ﴿ وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ أي هذا كَذِبٌ واضح على عائشة رضي الله عنها.

واعلم أنّ هذا الخطاب غرضه توبيخ العُصبة الذين تكلموا دونَ تثبت، وفيه تربيةٌ للمسلمين، وإرشادٌ لهم لِمَا ينبغي أن يكونوا عليه من الآداب.



الآية 13: ﴿ لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ﴾: يعني هَلاّ جاءَ هؤلاء الكاذبون بأربعة شهود ثِقات ليَشهدوا على صحة قولهم واتهامهم! ﴿ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾.




الآية 14، والآية 15: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ إذ أمْهَلَكم للتوبة، ولميُعَجِّل لكم العقوبة في الدنيا، وسيَرحمكم في الآخرة بقبول توبتكم: ﴿ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾: أي لأَصابكم عذابٌ عظيم بسبب ما تحدثتم فيه بتوسُّع وعدم تحفظ ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ أي يَتلقى بعضكم الكذب من بعض، ﴿ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ (إذ ليس معكم دليل على صحة قولكم) ﴿ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا ﴾: أي تظنون ذلك شيئًا هيِّنًا من صغائر الذنوب﴿ وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ أي من كبائر الذنوب، لأنه عِرض مؤمنة (وهي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم)، (وفي هذا تحذير لكل مَن يتهاون في إشاعة الباطل، ولكل مَن يَستصغر المعصية)، وقد قال أحد السلف: (لا تنظر إلى صِغَر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة مَن عصيتَ).



الآية 16: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ يعني: وهَلاّ - عند سماعكم لهذا الكذب - ﴿ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا ﴾: أي لا يَحِلُّ لنا الكلام بهذا الكذب - لخَطَره وعِظَم شأنه - ﴿ سُبْحَانَكَ أي تنزيهًا لكيارب مِن قول ذلك على زوجة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم، ﴿ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ أي هذا كذب عظيم الذنب.



الآية 17، والآية 18: ﴿ يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا أي يَنهاكم الله تعالى - مُخَوّفاً لكم - أن تعودوا أبدًا لمِثل هذا الاتهام الكاذب والقول بغير عِلمٍ ﴿ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴿ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ المشتملة على مَواعظه وأحكامه الشرعية، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بأفعالكم، ﴿ حَكِيمٌ في شرعه وتدبيره.



الآية 19: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ أي يُحِبّون أن تنتشر الفاحشة ﴿ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا (ومِن ذلك اتهامهم كذباً بالزنى)، أولئك ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا بإقامة الحد عليهم وغير ذلك من المصائب، ﴿ وَالْآَخِرَةِ أي: ولهمفي الآخرة عذابُ النار إن لم يتوبوا، ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ كَذِبهم، ويَعلم ما يَترتب على إشاعة الفاحشة من العقوبة والآثار السيئة ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾.




الآية 20: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أي على مَن وقع منكم في حديث الإفك ﴿ وَرَحْمَتُهُ بهم، ﴿ وَ لولا ﴿ أَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ بعباده المؤمنين، لَمَا بيَّن لهم هذه الأحكام، ولَعَجَّلَ العقوبة لمن وقع في ذلك الذنب العظيم.





[*] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذيليس تحته خط فهو تفسير الآية الكريمة.

واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 328.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 322.02 كيلو بايت... تم توفير 6.10 كيلو بايت...بمعدل (1.86%)]