المسلم بين الخوف والرجاء - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4417 - عددالزوار : 853285 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3948 - عددالزوار : 388460 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12522 - عددالزوار : 213891 )           »          أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 52 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 58 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 54 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 31 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-09-2022, 08:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي المسلم بين الخوف والرجاء

المسلم بين الخوف والرجاء
د. محمود بن أحمد الدوسري




الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد:
الرَّجاءُ: هو تَعَلُّقُ القلبِ بالله تعالى، والاسْتِبشارُ بِجُودِه وفَضْلِه، والارْتِياحُ لِمُطالَعَةِ كَرَمِه ومِنَّتِه. وضدُّ الرَّجاءِ:اليَأْسُ؛ الذي هو تذَكُّر فَواتِ رحمةِ الله، وقَطْعُ القلبِ عن الْتماسِها، وهو معصيةٌ كبيرة، ومِنْ أخلاقِ الكُفَّار؛ ولذا حذَّر يعقوبُ عليه السلام أبناءَه فقال: ﴿ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
ولا بُدَّ من التَّفرِيقِ بين الرَّجاءِ والتَّمَنِّي؛ لأنَّ كثيرًا من الناس يَظُنُّ أنه رَاجٍ رَحْمَةَ ربِّه، وهو لا يَمْلِكُ إلاَّ مُجَرَّدَ أمانِيّ؛ لَيْسَتْ بِرَجاءٍ شَرْعًا. فالتَّمنِّي: يكون مع الكَسَل، فلا يَسْلُكُ صاحِبُه طريقَ الجِدِّ والاجتهاد، والرَّاجِي: هو الذي يرجو الخيرَ، مع بَذْلِ الأسباب. فَرَجاءُ المؤمنين مَصْحُوبٌ بعمل؛ قال اللهُ تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 218]، فآمَنوا أوَّلاً، ثُمَّ هاجَروا، ثُمَّ جاهَدوا في سبيل الله، وبعدَ هذه الأعمال الصَّالِحةِ العَظِيمة؛ بيَّنَ أنهم يَرْجون رحمةَ اللهِ الغفورِ الرَّحيم.

وقال تعالى – في ذَمِّ التَّمنِّي: ﴿ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 123]. قال الحَسَنُ البَصْرِيُّ رحمه الله: (إِنَّ الإِيمَانَ لَيْسَ بِالتَّحَلِّي، وَلَا بِالتَّمَنِّي، إِنَّمَا الإِيمَانُ مَا وَقَرَ فِي القَلْبِ، وَصَدَّقَهُ العَمَلُ). وقال أيضًا: (إِنَّ قَوْمًا أَلْهَتْهُمْ أَمَانِيُّ المَغْفِرَةِ، حَتَّى خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا وَلَيْسَتْ لَهُمْ حَسَنَةٌ، يَقُولُ أَحَدُهم: "إِنِّي لَحَسَنُ الظَّنِّ بِرَبِّي"، وَكَذَبَ، لَوْ أَحْسَنَ الظَّنَّ بِرَبِّهِ لَأَحْسَنَ العَمَلَ).

واللهُ تعالى ذَمَّ أصحابَ الأمانِيِّ من الأُمَمِ السَّابقة، فقال سبحانه: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا ﴾ [الأعراف: 169]، وقال تعالى – على لِسانِ الكافِرِ صاحِبِ الجَنَّة: ﴿ وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا ﴾ [الكهف: 36]، وأنَّى له الخير عند ربِّه، وليس له شيءٌ من العمل الصَّالح؛ فهو صاحِبُ أمَانٍ كاذِبَة. فَلْنَحْذَرِ الأمانِيَّ الكاذِبَة، ولْنَعْمَلْ بِجِدٍّ واجتهاد، مع مُوافَقَةِ السُّنة، ثُمَّ نرجو اللهَ بعدَ ذلك أنْ يَرْزُقَنا مِنْ خَيرِه وفَضْلِه وإحسانِه في الدُّنيا والآخِرَة.

عِبادَ الله.. الرَّجاءُ له ثَمراتٌ كثيرة، وفوائِدُ عظيمة، ومن أهمِّها: المُواظَبَةُ على العِبادات، والتَّلذُّذُ بها؛ قال ابنُ القَيِّم رحمه الله: (الرَّجَاءُ حَادٍ يَحْدُو بِهِ [أي: بالرَّاجِي] فِي سَيْرِهِ إِلَى اللَّهِ، وَيُطِيبُ لَهُ المَسِيرَ، وَيَحُثُّهُ عَلَيْهِ، وَيَبْعَثُهُ عَلَى مُلَازَمَتِهِ، فَلَوْلَا الرَّجَاءُ لَمَا سَارَ أَحَدٌ؛ فَإِنَّ الخَوْفَ وَحْدَهُ لَا يُحَرِّكُ العَبْدَ، وَإِنَّمَا يُحَرِّكُهُ الحُبُّ، وَيُزْعِجُهُ الخَوْفُ، وَيَحْدُوهُ الرَّجَاءُ).

ومن ثمراتِ الرَّجاء: إظهارُ العُبوديَّةِ لله تعالى، وأنَّ العبد لا يستغني عن فضلِه وإحسانِه طرْفَةَ عين؛ قال ابنُ تَيمِيَّةَ رحمه الله: (وَأَمَّا اسْتِسْلَامُ العَبْدِ لِرَبِّهِ، وَاسْتِسْلَامُهُ بِانْطِرَاحِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَرِضَاهُ بِمَوَاقِعِ حُكْمِهِ فِيهِ: فَمَا ذَاكَ إِلَّا رَجَاءً مِنْهُ أَنْ يَرْحَمَهُ، وَيُقِيلَهُ عَثْرَتَهُ، وَيَعْفُوَ عَنْهُ، وَيَقْبَلَ حَسَنَاتِهِ مَعَ عُيُوبِ أَعْمَالِهِ وَآفَاتِهَا، وَيَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِ، فَقُوَّةُ رَجَائِهِ أَوْجَبَتْ لَهُ هَذَا الِاسْتِسْلَامَ وَالِانْقِيَادَ، وَالِانْطِرَاحَ بِالبَابِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ هَذَا بِدُونِ الرَّجَاءِ أَلْبَتَّةَ).

ومن ثمراتِه: تَحْقِيقُ عِبادَةِ الدُّعاء، والنَّجاةُ مِنْ غَضَبِ الله؛ فإنَّ الله تعالى يُحِبُّ من عِبادِه أنْ يَسْأَلوه، ويَرْجُوه، ويُلِحُّوا عليه؛ لأنَّه جَوَادٌ كَرِيم، أجْوَدُ مَنْ سِئِلَ، وأَوْسَعُ مَنْ أَعْطَى، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ؛ يَغْضَبْ عَلَيْهِ» حسن - رواه الترمذي.

ومن ثمراتِه: التَّعرُّفُ على أسماءِ اللهِ الحُسْنى، وصِفاتِه العُلَى؛ لأنَّ الرَّاجي مُتَعلِّقٌ بأسماءِ اللهِ تعالى، فهو مُتَعلِّقٌ باسْمِ الكريم؛ يَرْجُو مِنْهُ الكَرَمَ، ومُتَعلِّقٌ باسْمِ الرَّحيم؛ يَرْجُو مِنْهُ الرَّحْمَةَ، ومُتَعلِّقٌ باسْمِ التَّوَّاب؛ يَرْجُو مِنْهُ التَّوبَةَ، ومُتَعلِّقٌ باسْمِ الغَفُور؛ يَرْجُو مِنْهُ المَغْفِرَةَ.

ومن ثمراتِه: حُصولُ المَقْصود؛ فإنَّ العبدَ إذا تَعَلَّقَ قلبُه بربِّه؛ أعطاه ما رَجَاه، وحَصَلَ له المقصود، قال ابنُ القَيِّمِ رحمه الله: (وَكُلَّمَا كَانَ العَبْدُ حَسَنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ، حَسَنَ الرَّجَاءِ لَهُ، صَادِقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَهُ فِيهِ الْبَتَّةَ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُخَيِّبُ أَمَلَ آمِلٍ، وَلَا يُضَيِّعُ عَمَلَ عَامِلٍ).

ومِنَ الأهمِيَّةِ بِمَكان - أنْ يَجْمَعَ المُسلِمُ بين الخَوفِ والرَّجاء، فَهُما كَجَناحَي الطَّير. إذا اسْتَوَيَا؛ استَوَى الطَّيرُ، وتَمَّ طَيَرانُه، قال بَدْرُ الدِّينِ العَينِي رحمه الله: (المُكَلَّف لَو تَحَقَّقَ مَا عِنْدَ اللهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمَا قَطَعَ رَجَاءَهُ أَصْلاً، وَلَو تَحَقَّقَ مَا عِنْدَه مِنَ العَذَاب لَمَا تَرَكَ الخَوْفَ أَصْلاً؛ فَيَنْبَغِي أَنْ يكونَ بَينَ الخَوْفِ والرَّجاء، فَلَا يكونُ مُفْرِطًا فِي الرَّجَاء؛ بِحَيْثُ يَصِيرُ مِنَ المُرجِئَةِ القَائِلين: "بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الإِيمَانِ شَيءٌ"، وَلَا فِي الخَوْف؛ بِحَيْثُ يكون من الخَوَارِجِ والمُعتزِلَةِ القَائِلين: "بِتَخْلِيدِ صَاحِبِ الكَبِيرَةِ إِذا مَاتَ مِنْ غَيرِ تَوْبَةٍ فِي النَّار"، بل يكون وسَطًا بَينهمَا، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: ﴿ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ﴾ [الإسراء: 57]).

والجَمْعُ بين الخَوفِ والرَّجاءِ هو طريقةُ القرآن: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [آل عمران: 106]؛ فاللهُ تعالى يُرَجِّي عِبادَه بِبَياضِ الوُجُوه، ويُخَوِّفُهم بِسَوادِها يومَ القيامة. وتأمَّلْ قولَه سُبحانه: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [الأعراف: 167]؛ فجَمَعَ بين التَّخْويفِ بِسُرْعَةِ عِقابِه، والتَّرْغِيبِ بمغفرتِه ورحمتِه. وتأمَّلْ أيضًا: ﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ﴾ [الانفطار: 13، 14]، والآياتُ في هذا المعنى كَثِيرةٌ.

ومِنَ الأحوالِ المُهِمَّة التي يُغلِّبُ فيها العبدُ جانِبَ الرَّجاءِ على جانِبِ الخَوفِ: حَالُ المَوتِ؛ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم - قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلاَثٍ يَقُولُ: «لاَ يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ» رواه مسلم. قال النَّوَوِيُّ رحمه الله: (فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَنْبِيهِ المُحْتَضَرِ عَلَى إِحْسَانِ ظَنِّهِ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَذِكْرِ آيَاتِ الرَّجَاءِ وَأَحَادِيثِ العَفْوِ عِنْدَهُ، وَتَبْشِيرِهِ بِمَا أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ، وَذِكْرِ حُسْنِ أَعْمَالِهِ عِنْدَهُ؛ لِيَحْسُنَ ظَنُّهُ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَيَمُوتَ عَلَيْهِ. وَهَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ).

والسُّوالُ هنا: لِماذا غُلِّبَ جانِبُ الرَّجاءِ على الخَوفِ إِذَا دَنَتْ أَمَارَاتُ المَوْتِ؟ أجابَ النَّوَوِيُّ رحمه الله بقوله: (لِأَنَّ مَقْصُودَ الخَوْفِ الِانْكِفَافُ عَنِ المَعَاصِي وَالقَبَائِحِ، وَالحِرْصُ عَلَى الإِكْثَارِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالأَعْمَالِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ - أَوْ مُعْظَمُهُ - فِي هَذَا الحَالِ؛ فَاسْتُحِبَّ إِحْسَانُ الظَّنِّ، المُتَضَمِّنُ لِلِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالإِذْعَانِ لَهُ).

الخطبة الثانية
الحمد لله...
أيها المسلمون.. الرَّجاءُ ليس مَقْصُورًا على أُمورِ الآخِرةِ فحَسْب، بل هو حاصِلٌ في الأُمورِ الدُّنيوية؛ فالمُسْلِمُ قد يَرْجُو مِنَ اللهِ مَالاً، أو وَلَدًا، أو زَوْجًا، أو وَظِيفةً، أو زَوالَ مَرَضٍ، أو العُثورَ على مَفْقُودٍ؛ كما جَرَى مِنْ نَبِيِّ اللهِ يعقوبَ عليه السلام – حين قال لِبَنِيه: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].


والرَّجاءُ مُسْتَمِرٌّ بعدَ المَوت، فإذا لَقِيَ المُؤمنُ ربَّه، ازْدَادَ رَجَاؤُه - إنْ كانَ مُحْسِنًا؛ لأنَّ الأَجِيرَ إذا جاء وقْتُ تَسَلُّمِ الأُجْرَة؛ ازدادَ رجاؤُه في الذي سيَحْصُلُ عليه، وإذا قَدِمَ العِبادُ المُحْسِنون على الله؛ ازدادَ رجاؤُهم فِيمَا سيَحْصُلون عليه، وقد بَيَّنَتِ السُّنةُ الشَّريفةُ أنَّ العبدَ يُنادِي ربَّه: «رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي» صحيح – رواه أحمد؛ لأنَّه فُتِحَ له بابٌ إلى الجنَّةِ في قَبْرِه، فهو يأتيه مِنَ النَّعِيمِ والطِّيب، ثم يُقالُ له: «نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لاَ يُوقِظُهُ إِلاَّ أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ» حسن – رواه الترمذي. وأمَّا الكُفَّارُ والفُجَّارُ فإنَّهم يَخافون في قُبورِهم، ويَرْجُون ألاَّ تَقُومَ السَّاعَةُ؛ لِمَا يَرونَه من العذابِ في القَبْرِ، ولِمَا يَعْلَمونه مِنْ شِدَّةِ العذاب الذي يَنْتَظِرُهم.

عِبادَ الله.. على المُسلِمِ أنْ يكونَ جَامِعًا بين الخَوف والرَّجاء؛ حتى يتحَقَّقَ له مَطْلُوبُه ومُرادُه. ويَبْتَعِدَ عن القُنوطِ مِنْ رحمةِ اللهِ تعالى، وأنْ يُحْسِنَ الظَّنَّ بالله، ولا يَكُنْ قَلِيلَ الرَّجاء؛ فإنه يكون كالإنسانِ الميِّت.
لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيِّتٍ
إِنَّمَا المَيْتُ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ
إنَّما المَيْتُ مَنْ يَعِيشُ كَئِيبًا
كَاسِفًا بَالُهُ قَلِيلَ الرَّجَاءِ



وأَعْمالُ القلوبِ يَرْتَبِطُ بَعْضُها بِبَعْضٍ؛ وكلَّما قَوِيَ أحدُها قَوَّى غيرَه، وكلَّما ضَعُفَ أَضْعَفَ غيرَه؛ قال ابنُ تَيمِيَّةَ رحمه الله: (اعْلَمْ أَنَّ مُحَرِّكَاتِ الْقُلُوبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثَلَاثَةٌ: المَحَبَّةُ، وَالخَوْفُ، وَالرَّجَاءُ). بل إنَّ الاهتمامَ بِعَمَلٍ قَلْبِيٍّ واحِدٍ، وعَدَمَ الاهتمامِ بالبَقِيَّة؛ قد يُوقِعُ في الخَطأِ والضَّلال. قال ابنُ تَيمِيَّةَ رحمه الله: (مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالحُبِّ وَحْدَهُ؛ فَهُوَ زِنْدِيقٌ. وَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِالخَوْفِ وَحْدَهُ؛ فَهُوَ حَرُورِيٌّ. وَمَنْ عَبْدَهُ بِالرَّجَاءِ وَحْدَهُ؛ فَهُوَ مُرْجِئٌ. وَمَنْ عَبَدَهُ بِالحُبِّ وَالخَوْفِ وَالرَّجَاءِ؛ فَهُوَ مُؤْمِنٌ مُوَحِّدٌ).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 61.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 59.22 كيلو بايت... تم توفير 1.90 كيلو بايت...بمعدل (3.10%)]