|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#521
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
الغرض من الجهاد في سبيل الله هو هداية البشر لا جباية أموالهم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [النساء:94]، ولنذكر أن سبل الله كثيرة وهي سبيل واحد، فالذي ضرب الأرض يطلب العلم في سبيل الله، والذي ضرب الأرض حاجاً أو معتمراً في سبيل الله، والذي ضرب الأرض برجليه يزور مؤمناً في سبيل الله، إذاً فسبيل الله كل عمل صالح يجلب لك رضا الله ورحمته عليك، لكن المراد به هنا في الآية الخروج للجهاد. فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ [النساء:94]، وفي قراءة سبعية أخرى: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السَّلم، قراءة، والسِّلم والسَّلم والسلام كلها بمعنى واحد، ومعناها: عدم الحرب والاعتداء.وقوله: عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [النساء:94]، والعرْض كل البضائع والأدوات والأثاث وغيرها، وأما العَرَض-بفتح العين- فهو الدينار والدرهم وغيرهما من الأمتعة المالية؛ لأنه عارض ويزول كالشيء يعرض لك ثم يزول، وهنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: ( ليس الغنى عن كثرة العرْض، إن الغنى غنى النفس ).( ليس الغنى عن كثرة العرْض )، أي: المال والأغنام وكل المتاع، ( إنما الغنى -في الحقيقة- غنى النفس )، أليس الغني هو ذاك الذي لم يحتج إلى غيره ويحتاج الآخرون إليه؟ إن الغني حقاً وصدقاً هو الذي استغنى عن غيره، فلا يمد يده ولا يطلب حاجة من أحد، ولذلك فكم من صاحب عرْض وهو يسرق ويغش ويظلم ويجمع المال من كل أبواب الحرام، وهذا والله ما هو بغني، وإنما الذي لا يملك ديناراً ولا درهماً ولا يسأل أحداً، ولا يأخذ مال أحد، ولا يسرق ولا يغش ولا يظلم، والله لهذا هو الغنى.( ليس الغنى عن كثرة العرْض، إنما الغنى غنى النفس )، من هو الغني؟ الذي يحتاج إليه غيره ولا يحتاج هو إلى غيره، فالذي لا يشحت ولا يطلب ولا يسرق ومستغني بشاة أو بصاع تمر، هو الغني الحق، والذي يملك الدنانير والدراهم والإبل والأغنام والأموال وهو يأخذ من هذا وذاك، فهذا هو الفقير والله. تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ [النساء:94]، ما هو بمغنم واحد، فاقرعوا باب الله عز وجل واطلبوا الغنى منه تبارك وتعالى.إذاً: فتثبتوا من هذا الرجل حتى تتيقنوا أنه كافر أو مشرك أو ملحد، وعند ذلك فاقتلوه وخذوا منه المال وأنتم في الجهاد، وهذه القضية خاصة في حال الحرب، وأما الذين بيننا وبينهم معاهدة ومسالمة فلا يجوز قتل واحد منهم، أما إذا كنا في حرب مع أمة فحينئذ إذا وجدنا أحداً منهم نتثبت هل هو مؤمن أو لا؟ فإن كان غير مؤمن قتلناه كما نقاتل إخوانه لندخلهم في رحمة الله. كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ [النساء:94]، وهذه موعظة إلهية ربانية، وقد جاء في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ [البقرة:282]، وليس بالحيف ولا بالجور، ثم قال تعالى: كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ [البقرة:282]، ما معنى هذا؟ أما كنت جاهلاً لا تعرف الياء ولا الباء؟ من علمك؟ إذاً: فاذكر إفضال الله وإنعامه عليك فاكتب لأخيك إذا قال لك: من فضلك! اكتب بيني وبين فلان. كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ [البقرة:282]، أي: يكتب بحسب العلم الذي علمه، وهذا معنى، والأصل: كما علمه فليشكر نعمة الله عليه وليكتب لإخوانه، كذلك هنا قال: كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ [النساء:94]، أي: أما كان إخوانكم في مكة يخفون الإيمان خوفاً من أهل مكة حتى لا يقتلوهم وحتى يهاجروا؟ فكذلك أيضاً هذا كان خائفاً من قومه أن يقتلوه، فكان جاحداً لإسلامه، لكن لما رآكم أعلن عنه. كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ [النساء:94]، أي: كفرة ومشركين، ثم تاب الله عليكم وهداكم وعلمكم، فكذلك أخوكم هذا يتوب الله عليه ويهديه ويعلمه، وهذه هي الآداب القرآنية. فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94]، أي: بنعمة الإيمان والإسلام والعلم والمعرفة. فَتَبَيَّنُوا [النساء:94]، أي: قبل أن تقتلوا. إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء:94] كان وما زال، وهذه صفاته الدائمة معه، فهو عليم بكل خير أو غيره، فيا عباد الله! احذروا الله تعالى، ولا تفهم أنك عندما تعمل أو تتكلم وأنت خالٍ ليس معك أحد، والله ما من حركة نتحركها إلا والله يراها ويعلمها، فإذا امتلأ قلب العبد بمراقبة الرب عز عليه بل صعب عليه أن يخرج عن طاعة الله ورسوله، وإذا غفل ونسي وما يدري أن الله معه يسمعه ويراه يقع في المهاوي والمفاسد وهو لا يشعر. أدوات الحفاظ على زكاة الروح وطهارتها ولهذا لما ذكر تعالى أدوات الحفاظ على زكاة الروح وطهارتها، قال تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ [العنكبوت:45]، أي: بالليل والنهار، وذلك بالتدبر والتفهم واستنباط المعاني واستخراج الهداية القرآنية، وهذا من أكبر عوامل الإبقاء على نور الإيمان في النفس، وصاحبه لا تزل قدمه ولا يقع في كبيرة من كبائر الذنوب.ثانياً: وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45]، فالذي يقيم الصلاة كما بينها رسول الله، ويؤديها على الوجه الذي بين رسول الله، فيستوفي أركانها بعد شرائطها وفروضها وآدابها، وفي أوقاتها المحددة لا يقع في كبيرة من الكبائر، ولهذا قال تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45].وكثيراً ما أسمعنا المؤمنين والمؤمنات -أربعين سنة- ونحن نقول: هيا بنا نمشي إلى المحافظ أو إلى مدير الشرطة، ونقول له: يا فلان! أعطنا قائمة بالمجرمين الذين سرقوا أو ضربوا أو قتلوا في هذا الشهر، فيعطينا القائمة فنجد مائة جانٍ، والله ما نجد بينهم أكثر من خمسة في المائة من مقيمي الصلاة، وخمسة وتسعين إما تاركون للصلاة أو مصلون غير مقيمين للصلاة، وتكلمنا بهذا في الشرق والغرب، ولذلك فالذي يناجي ربه ويتكلم معه ويجالسه خمس مرات في أربع وعشرين ساعة لا يقوى على أن يزني أو يسرق أو يكذب أو يقول الباطل، إذ إنه مع الله، أما أن يصلي المسلم صلاة لا خشوع فيها ولا ذكر ولا معرفة ولا اطمئنان فصلاته لا تنتج شيئاً؛ لأن الله ما قال: والمصلين، وإنما قال: والمقيمي الصلاة.ثالثاً: وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45]، أي: ولذكر الله أكبر مما تقدم؛ لأن الذي يذكر الله بقلبه ولسانه لا يستطيع أن يمد يده إلى ما لا يحل له، وبالتالي كيف يقع في الجريمة؟! لا يتأتى له ذلك أبداً، إذ إنه لو أراد أن يشتم أو يسب ثم ذكر الله توقف عن ذلك، أو أراد أن يأكل محرماً ثم ذكر الله عز وجل امتنع عن ذلك. إذاً: ذكر الله أكبر حصن لمن أراد أن يتحصن من الوقوع في معاصي الله، ولن يقع في هذه المهاوي إلا التاركون لذكر الله، الناسون المعرضون، على شرط أن يكون الذكر بالقلب واللسان، وأن يكون على علم بالمعاني التي يذكر الله بها. رابعاً وأخيراً: وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45] المراقبة لله تعالى، فإذا علمت أن الله يعلم ما تصنع بجوارحك وأيقنت بهذا فوالله ما تستطيع أن تعصي وتخرج عن طاعته. وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ [العنكبوت:45]، أي: من الأعمال الظاهرة والباطنة، فمن عرف هذا وأيقن به ما يستطيع أن يقتل مؤمناً أو يزني بامرأته أو ابنته، أو يسلبه ماله، أو يمزق عرضه، أو يحتقره ويهينه بين المؤمنين. فإن قيل: يا شيخ! ولماذا نشاهد هذا الباطل والفساد والشر والظلم والخبث؟ والجواب: ما علمنا، من علمنا؟ من ربانا؟ أما كان الرسول يربي أصحابه الكرام؟ أما كان الأصحاب يُربَّون؟ ونحن من ربانا؟ من يرفع يده ويقول: أنا تربيت عند الشيخ الفلاني، اليوم نحن نشتم المشايخ ونعيرهم، إذاً: كيف نستطيع أن نستقيم في آدابنا وأخلاقنا ومعارفنا وحياتنا؟ يتربى مع الصعاليك في البيت؟ مع الأولاد في الشارع؟ يحاول لكن ما ينفعه، والله يقول: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129]، فهيا نعود إلى الله تعالى، فإن قيل: ما نستطيع يا شيخ، قلنا لهم: لماذا؟ قالوا: الدنيا والشهوات والأهواء غلبتنا، فنقول لهم: ونحن طالبناكم بالمال أو بالدماء والجهاد؟ لا أبداً، إذاً يا أهل القرية! يا أهل الحي الفلاني! من غدٍ لا يتخلف منا رجل ولا امرأة عن المسجد، أو في يوم الجمعة يقول خطيب المسجد: يا معشر الأبناء والإخوان! غداً لا يتخلف أحد من رجالنا ونسائنا عن صلاة المغرب في المسجد، فيحضرون جميعاً، النساء في مؤخرة المسجد أمامهن الستارة، والأبناء صفوف كالملائكة، والفحول أمامهم، والمربي أمام الجميع، فيأخذون ليلة آية من كتاب الله تعالى، فيدرسونها ويحفظونها ويفهمون مراد الله منها، ويعزمون على العمل والتطبيق، وليلة بعدها يأخذون حديثاً من أحاديث الرسول المفسرة للقرآن المبينة له، والكل عازم على أن يعمل وأن يطبق، ويوماً بعد يوم والحال كذلك، فوالله لن يبق مظهراً من مظاهر الخبث والظلم والشر والفساد، بل ينتهي كل ذلك بلا عصا ولا هراوة ولا بوليس، وإنما فقط بالعلم واليقين، فهل هناك طريق آخر؟ والله لا طريق إلا هذا، ولهذا نصرخ طول العام: أي قرية قامت بهذا؟ أي حي من أحياء المدن قام بهذا؟ ما بلغنا بعد شيء، فإلى الله شكوانا.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.
__________________
|
#522
|
||||
|
||||
رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
|