تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري ) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         أعمال العمرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          كيف تكتسب عادة التشجيع للمراهق؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          في حب النبي صلى الله عليه وسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 25 )           »          صهيب الرومي .. البائع نفسه ابتغاء مرضاة الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          الأخلاق والسلوك عند أهل السنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          الاستقامه على الطاعه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          هل الرجيم أثناء الحمل صحيح؟ماذا افعل اثناء الحمل اذا زاد وزنى ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          نشأة علم الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          فواصل للمواضيع . (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11 - عددالزوار : 50 )           »          شرح حديث: فصلُّوا في مَرابِضِ الغنمِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24-06-2020, 04:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,069
الدولة : Egypt
افتراضي تفسير أيسر التفاسير**** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )




تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (1)
الحلقة (1)



القرآن الكريم هو معجزة هذا الدين الكبرى، ولهذا اعتنى به علماء الإسلام أيما اعتناء، فقد ألفوا مئات بل الآلاف من الكتب في بيان كل ما يتعلق بهذا الكتاب، وكان مما بينوه: تقسيم القرآن إلى سور وأجزاء وأحزاب، وأول ما نزل وآخر ما نزل، وأطول آية وأقصر آية، بل إنهم عدوا آيات القرآن وكلماته بل لقد عدوا حروفه، ولأن الفاتحة هي أول سور القرآن فقد حازت على اهتمام كبير تفسيراً وبياناً، لكونها شاملة لمقاصد القرآن، ولأن صلاة المسلم لا تقبل ما لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب.
فوائد في التفسير
الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عهدنا بسورة الفاتحة، فتح الله لنا ولكم أبواب الخير والهدى. آمين.
معنى كلمة سورة
هذه سورة الفاتحة. فما معنى سورة؟ ومن أين اشتق هذا اللفظ: (سورة)؟قالت العلماء: إما أن يكون مشتقاً من سؤر الماء أو الطعام، وهو ما فضل وتبقى من شراب أو طعام، وعليه فالهمزة حذفت للتخفيف، بدل سؤر (سورة).وقالوا: جائز أن تكون مأخوذة من سور البلد، إذ هو يحصن البلد ويحميها، أو من سؤر المنزلة وهو علوها وارتفاعها.والعلماء يتلمسون لمَ قيل فيها: (سورة)، ولهم الحق، ولا مانع، وإن لم يكن هناك كبير فائدة، وإذا عرفنا ما قيل في أول سورة تركنا هذا في كل القرآن الكريم.وقيل: هي مأخوذة من السورة التي هي علو الشأن وارتفاعه، واستشهدوا بقول القائل:ألم ترَ أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذبفقوله: (أعطاك سورة) أي: منزلة عالية، ومكانة رفيعة وشأناً، وهي حقاً السورة ذات شأن، وذات منزلة عالية، ومكان رفيع. كيف لا وهي تحوي كلام رب العالمين؟!وإن قلنا: مأخوذ من السؤر بمعنى: بقية من آيات الكتاب، والقطعة من تلك الآيات العظيمة يقال فيها: سورة، هذا من حيث كلمة (سورة).إذاً السورة: هي القطعة من القرآن، مسورة؛ إذ لها بداية ولها نهاية، ذات شأن ورفعة، ومنزلة عالية.
عدد سور القرآن الكريم
كم عدد السور في القرآن؟ إنها مائة وأربع عشرة سورة، أولها الفاتحة، وآخرها الناس.أرأيت إن سألك يهودي أو نصراني: كم سور كتابكم؟ تقول: ما أدري. لمَ ما تدري؟! ما سمعت أبداً من يقول: عدد سور القرآن كذا؟ لا يحق أن نقول: ما ندري. كتابنا، وما ندري كم سورة فيه؟! ينبغي أن ندري، سواء كنا عواماً أو طلبة علم، فلو سئلنا: كم سورة في القرآن؟ أجبنا: مائة وأربع عشرة سورة، متيقنين بذلك.


أول سورة نزلت في القرآن الكريم
أنت تقول: إني من المسلمين، وعندنا كتاب عظيم، وسوره مائة وأربع عشرة سورة، فلو سألك يهودي: ما هي أول سورة نزلت؟ تقول: سورة العلق اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1]، وعندنا علم أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في غار حراء يتحنث الليالي ذوات العدد، حتى فاجأه في ذلك الغار الملك الكريم عليه السلام، في صورة إنسان، والتزمه وقرأ عليه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق:1].

آخر سورة نزلت في القرآن الكريم
ما هي آخر سورة؟منهم من يقول: (إذا جاء نصر الله) سورة بكاملها، وهذا لم يثبت ثبوتاً حقيقياً. ومن الجائز أن تكون هي؛ لأنها تنعي لرسول صلى الله عليه وسلم حياته، وقد فهم هذا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، واسمع: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ [النصر:1] وبعد فتح مكة: وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [النصر:2] هذا عام الوفود، فقد كان في كل أسبوع تأتي وفود: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3]، وهذا فيه نعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بوفاة نبيهم صلى الله عليه وسلم.
آخر آية نزلت في القرآن
أما آخر آية فهي قول الله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281] هذه من سورة البقرة، لما نزلت قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ضعوها في مكان كذا..وقوله: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ هذا يوم القيامة ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ أي: ما كسبته بيديها وعملته بجوارحها لا يُظْلَمُونَ .
أطول آية في القرآن الكريم
إذا سئلت عن أطول آية في القرآن، كأن يمتحنك يهودي أو نصراني، فأنت تقول: عندنا كتابنا، واليهود عندهم كتاب فيه ألف سورة في التوراة، يقول لك: ما هي أطول آية؟الجواب: هي آية الدين من سورة البقرة، وهي بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واسمع طولها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا .. [البقرة:282].إذاً: أطول آية في كتاب الله هي آية الدين، والدين معروف إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ [البقرة:282]، هذا أعطى وهذا أخذ، هذا دائن وهذا مدين، لِم سميت آية الدين؟ لأنها خاصة بالتداين، وطريقة الكتابة، والإشهاد.


فائدة
أقرأ لبعض المؤلفين المعاصرين يكتب في النهاية: وكتبه فلان. فأعجب وأقول: لِم هذه الواو؟ نحن نكتب نقول: كتبه فلان، لما ينهي التأليف يقول: ألفه أو كتبه. هذه الواو لا معنى لها، وإذا بي يأتيني اليوم خطاب، فيقول الكاتب: قاله وكتبه فلان. الحمد لله عرفنا العطف على ماذا؛ قاله وكتبه.الخلاصة أننا تعودنا أن نكتب في نهاية المؤلف: كتبه فلان. فجاء إخوان جدد يقولون: وكتبه فلان، هذه الواو لماذا؟ ما عرفنا لها معنى، فعثرنا اليوم على رسالة جاءت من أحد العلماء من الرياض قال: قاله وكتبه فلان. فتبين أن (كتبه) من الجائز أن يكون ما قاله، فقط نقله أو أملي عليه، لكن إذا قلت: (وكتبه) معناه: قاله وكتبه، خذها فائدة بلا شيء.المهم: يجب أن نفرح بالعلم، على الأقل كفرحنا بالطعام والشراب.
أقصر آية في القرآن الكريم
ما هي أقصر آية في القرآن الكريم؟ أقصر آية تقابل أطول آية.إنها قول الله تعالى من سورة الرحمن: مُدْهَامَّتَانِ [الرحمن:64]، أي: جنتان مدهامتان، فكلمة (مدهامتان) آية من كتاب الله.
أطول سورة وأقصر سورة في القرآن الكريم
ما هي أطول سورة وأقصر سورة؟الحمد لله العجائز يعرفن، أطول سورة في القرآن هي البقرة، فيها جزءان ونصف؛ خمسة أحزاب.أقصر سورة: سورة الكوثر، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3].
عدد آيات القرآن الكريم
كم آية في القرآن؛ كتاب الله؟ستة آلاف ومائتان وكسر، منهم من يقول: أربع وعشرون .. ست وثلاثون .. إلى أربعين، وهذا مكتوب عندنا في التفسير.كم آي القرآن؟ كم آية فيه؟ ستة آلاف ومائتان وكسر، وهذا الكسر ما بين: (14- 40).المهم: عرفنا أن آي القرآن أو آيات القرآن: ستة آلاف آية ومائتان وزيادة.
معنى كلمة آية
لم قيل في الآية: آية؟ وما معنى آية؟الآية العلامة الدالة على الشيء، كأن تضع أعمدة في الطريق تدل الماشي على الطريق.الآية في القرآن علامة على أي شيء، تدل على ماذا؟ تدل على أنه: لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.ما وجه الدلالة؟ هذه الآية كلمات، من أنزلها، من تكلم بها؟ الله، إذاً: الله موجود، الله عليم، الله حكيم، الله قدير، وقل ما شئت من صفات الكمال.هذه الآية علامة على وجود الله وعلمه وقدرته وإلوهيته، وأنه لا إله إلا هو، علامة واضحة، لو ما كان الله موجود، من أين يأتي كلامه؟! هل هناك غير موجود يتكلم. معقول عندكم وجود كلام بدون متكلم؟ مستحيل هذا، مستحيل أن يوجد كلام بدون متكلم، أليس كذلك؟ فهذا الكلام كلام الله.ومن أين لنا أنه كلام الله؟ الجواب: أنه لم يدعه إنس ولا جن ولا ملك، وقال: هذا كلامي. ولكن الله هو الذي قال: هذا كلامي، فهو دال على وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته، وأنه لا إله إلا هو، ودال على أن محمداً رسول الله، لو ما كان رسول الله كيف يوحي إليه كلامه؟! كيف ينزل عليه إياه، لولا أنه رسوله؟! إذاً: فكل آية تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. إذاً: عندنا ستة آلاف ومائتان وأربعون شاهداً.الآية: العلامة الدالة على شيء، مثاله: لو قلت: يا فلان! اذهب إلى فلان وقل له: يعطيك ألف ريال، وإذا سألك وقال لك: ما آية ذلك؟ فقل له: لقاؤك معه في الدكان. فأنت هنا أعطيته آية أو هذه علامة، فهي تسمى آية، وتسمى علامة.إذاً: عرفنا أطول آية، وأقصر آية، وعرفنا معنى الآية، الحمد لله، هذا علم كثير، وخير كثير.


تقسيم القرآن إلى نصفين
ما هو نصف القرآن؟قالت العلماء: من الفاتحة إلى الفاء من وَلْيَتَلَطَّفْ من سورة الكهف هذا نصف القرآن، آية آية وحرفاً حرفاً.لا إله إلا الله، الحمد لله، البقرة، آل عمران، النساء، المائدة .. سلسلة إلى الكهف، لما تقرأ من الكهف حوالي ثمن الحزب أو أكثر تجد وَلْيَتَلَطَّفْ فتفهم أن الفاء هي الفاصل بين النصف الأول والنصف الثاني، هذه ما هي صعبة، فالقرآن ينصف، وفي المصاحف يكتبون نصفه من الفاتحة إلى الكهف، والنصف الثاني يقولون: من الكهف إلى الناس، ومنهم من يجعل الكهف في النصف الأول، ومن مريم إلى الناس النصف الثاني، لكن بالدقة .. بالحساب .. بالكلمة .. نصفه من الفاتحة إلى قول الله تعالى: وَلْيَتَلَطَّفْ أي: إلى الفاء، الطاء من هنا، والفاء من هنا.إذاً لو قيل لك: ما نصف القرآن؟قلت: من البقرة إلى وَلْيَتَلَطَّفْ من سورة الكهف هذا النصف الأعلى، وبقية المصحف هو النصف الأسفل.
تقسيم القرآن إلى أثلاث
أما إذا أردنا تثليث القرآن، أي: قسمته إلى أثلاث، فإن العلماء قد قسموه وعرفوه، فقالوا: الثلث الأول من الفاتحة إلى الآية المائة من سورة التوبة: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:1].أما الثلث الثاني فمن الآية المائة من سورة التوبة إلى المائة والواحدة من سورة الشعراء.وأما الثلث الأخر فمن الشعراء إلى الناس، فقسموا القرآن ثلاثة أثلاث.
تقسيم القرآن إلى أرباع
أما الأرباع: الربع الأول، والثاني، والثالث، فكل خمسة عشر حزباً هي ربع، مثلاً من الفاتحة إلى الأعراف ربع، ومن الأعراف إلى الكهف ربع، ومن الكهف إلى يس ربع .. وهكذا، أربعة أرباع.
عدد كلمات القرآن الكريم
أما بالنسبة إلى كلمات القرآن فعدد كلمات القرآن سبع وسبعون ألفاً وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة. عرفتم عناية المسلمين بكتاب الله أو لا؟ عدوا كلماته، بعد أن عدوا آياته، بعد أن عدوا سوره، بعد أن عرفوا أنصافه وأثلاثه، وأجزاءه وأحزابه.
عدد حروف القرآن الكريم
كم حرفاً في القرآن؟ سهر عليه الرجال والنساء وعدوه حرفاً حرفاً حرفاً، وعرفوا عدد الحروف؟ قالوا: عددها ثلاثمائة وثلاثة وعشرون ألف حرف وخمسة عشر حرفاً، والحروف هي: (أ. ب. ت. ث. ج ..).هذه عناية عظيمة أو لا؟! كيف يعدون الحروف! الذي عرفهم بعدد السور، عرفهم بعدد الآيات، عرفهم بعدد الكلمات، عرفهم بعدد الحروف.
بين يدي سورة الفاتحة


سبب تسمية سورة الفاتحة
أولاً: لمَ سميت بالفاتحة؟الجواب: لأن الله افتتح بها كلامه وكتابه، فهي له كالمفتاح، فإذا أردت أن تدخل في القرآن تبدأ بالفاتحة، ومنها تنتقل إلى غيرها، فهي الفاتحة.
أسماء سورة الفاتحة
ثم هذه السورة لها عدة أسماء يجب أيضاً أن تعرف، فمن الأسماء الثابتة لها في السنة: الفاتحة، أم الكتاب، السبع المثاني، أم القرآن.وتسمى أيضاً بالصلاة، إذ لا تصح صلاة بدونها، وفي الحديث الصحيح يقول الله تعالى: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين: إذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة:2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال: أثنى عليّ عبدي. وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، قال: مجدني عبدي. وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل )، فسماها الله تعالى بالوحي إلى رسوله بالصلاة.وتسمى بأم القرآن لحديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ) ، وحديث: ( أيما صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج ).وتسمى بالسبع المثاني لقول الله تعالى من سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، فلِمَ سميت بالسبع المثاني؟ لأنها سبع آيات، وهي تثنى دائماً في الصلاة وتقرأ، فالسبع المثاني هي سبع آيات تثنى في الصلاة، آية بعد آية بعد آية كالذي يثني ويطوي الشيء على نفسه.وتسمى أيضاً بالشافية، ودليل هذا الاسم: أن الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لجباية الزكاة نزلوا على حي من أحياء العرب، والأحياء عبارة عن خيام، واستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فباتوا جياعاً، وفجأة إذا بسيد أهل الحي قد لدغته عقرب، فجاءوا يصرخون: هل فيكم من يرقي؟ قالوا: نعم. قالوا: إن سيد الحي قد لدغته عقرب، قالوا: نعم نرقيه بشرط أن تجعلوا لنا قطيعاً من الغنم أربعين شاة؟ قالوا: لا بأس. فجيء به، فأخذ الصحابي رضي الله عنه يقرأ عليه الفاتحة، وينفث من ريقته الطاهرة على مكان اللدغة، فقرأ الفاتحة سبع مرات، فقام الرجل كأنما نشط من عقال، وأخذوا القطيع من الغنم، وأبوا أن يذبحوا ويأكلوا، قالوا: ما ندري أيجوز لنا أو لا يجوز حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسأل؟ وامتنعوا من الأكل وثبتوا، على الجوع.وأخذ علماء الشريعة من هذا أنه لا يحل لمسلم القدوم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه، فهؤلاء ما دروا: أيحل لهم أو لا؟ فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم وكلموه قال للراقي: ( بِمَ رقيته؟ قال: بالفاتحة. قال: وما يدريك أنها رقية؟ فابتسم صلى الله عليه وسلم وقال: خذوا الغنم واضربوا لي معكم بسهم )، أي: أعطونا معكم كبشاً أو نعجة، من باب تطييب خواطرهم، ووالله ما أخذ خروفاً ولا كبشاً.والشاهد عندنا: رقاه بِمَ؟ بسورة الفاتحة، فتسمى الشافية، وتسمى الرقية؛ لأنه رقى بها، وشفى الله بها، فهي الرقية والشافية.وتسمى الكافية، فلو قرأت القرآن من البقرة إلى الناس في صلاة العشاء أو المغرب أو الظهر ولم تقرأ الفاتحة ما يكفي، وصلاتك باطلة، ولو أنك قرأت الفاتحة وآية فقط، يكفيك، وصلاتك صحيحة، إذاً: هي الكافية.والعرب يقولون: كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى.إذاً: عرفنا سورة الفاتحة، كم اسماً لها؟ خمسة بالكتاب والسنة، وزيادة مشتقة ومستنبطة ذكرها أهل العلم.
عدد آيات الفاتحة
سورة الفاتحة كم عدد آيها أو كم عدد آياتها؟ سبع.ما هناك فرق بين الآيات والآي؟ اللفظ مختلف والمعنى واحد، الآي جمع آية، والآيات جمع آية كذلك، فهي سبع آيات.
حكم البسملة في الفاتحة


هل (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من الفاتحة أو لا؟اختلف أهل العلم هل (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من سورة الفاتحة أو ليست آية؟ مع الإجماع أنها سبع آيات لقول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]، فإن عددناها أصبحت ثمان آيات! فما المخرج؟هذا الموضوع كتب فيه العلماء عشرات الصفحات، لكن الخلاصة الذهبية والتي ستدخرونها في صدوركم لا في جيوبكم، هي: أن الفاتحة نزلت مرتين، مرة بمكة ومرة بالمدينة، فنزلت مرة مع (بسم الله الرحمن الرحيم) ومرة بدونها. فمن هنا من قال: هي آية، وقرأها في كل ما قرأ الفاتحة، هو على حق، ومن قال: ليست آية وما قرأها مع الفاتحة لا شيء عليه، وهو على حق، وصلاته صحيحة.يبقى العد، إذا قلنا: بسم الله آية، هيا نعد السبع الآيات:
بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7]، سبع بالبسملة.إذا قلنا: نسقط البسملة، اسمع! الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1] هذه أولى، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:1-5] خمسة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6] سادسة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] السابعة، سبع آيات، ماذا تقولون؟ هذا علم محرر صحيح، لا تشكوا أبداً، لا نقدم لكم مشكوكاً فيه.فمن هنا: إذا قال الشافعي تلميذ محمد بن إدريس الشافعي: بسم الله الرحمن الرحيم جهراً، وقال المالكي: لا.. لا. لا تلم هذا ولا هذا، هذا يعتقد أن البسملة آية يجب أن يقرأها وإلا فإن صلاته باطلة. وذاك يعتقد أنها ليست بآية، قرأ أو لم يقرأ صلاته صحيحة.ومن ثَم اتحدنا ولم نختلف، واتفقنا ولم نتفرق أبداً، ولاحت أنوار علمنا ومعرفتنا، بخلاف لو كنا لا نعلم فإننا سنتقاتل.
معنى مكية أو مدنية
ما معنى مكية، وما معنى مدنية؟بعضهم يقول: المكية ما نزلت في مكة، والمدنية ما نزلت في المدينة.وهناك ما نزل لا في مكة ولا في المدينة: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا [الفتح:1] أين نزلت؟ في الطريق، نقول: مدنية أو مكية.إذاً: الذي عليه الإجماع الصحيح: أن ما نزل من القرآن قبل الهجرة فهو مكي، وما نزل بعد الهجرة فهو مدني.لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة عام العمرة أو عام الفتح، ونزلت سورة، لا تقل: هذه مكية، قل: مدنية، لِم؟ لأنه أضبط للقضية: ما نزل قبل الهجرة في مكة فهو مكي، وما نزل بعد الهجرة بالمدينة فهو مدني، ولو نزل في الطريق أو مكة.
قراءة في مقدمة عن التفسير من كتاب أيسر التفاسير
قال المؤلف:
[سورة الفاتحة وهي مكية وآياتها سبع]. بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7].
شرح الكلمات
قال: [شرح الكلمات: التفسير لغة: الشرح والبيان. واصطلاحاً: شرح كلام الله ليفهم مراد الله تعالى منه، فيطاع في أمره ونهيه، ويؤخذ بهدايته وإرشاده، ويعتبر بقصصه، ويتعظ بمواعظه].تأملوا هذا الكلام، ما معنى التفسير؟ معناه في اللغة: الشرح والبيان. لكن في الاصطلاح القرآني ما التفسير؟ قال: شرح كلام الله. والتفسير لِمَ؟ قال: ليفهم مراد الله منه. ولِم يفهم مراد الله منه؟ من أجل أن يطاع في أمره وفي نهيه، ومن أجل أن يؤخذ بهدايته وإرشاده، إذ القرآن يحمل الهداية والإرشاد، ويعتبر بقصصه، فالقرآن ثلثه قصص، لِمَ القصص؟ للعبرة، ويتعظ بمواعظه، إذ القرآن يحمل المواعظ.قال: [السورة: السورة قطعة من كتاب الله تشتمل على ثلاث آيات فأكثر]، وهي سورة الكوثر، [وسور القرآن الكريم مائة وأربعة عشر سورة، أطولها البقرة، وأقصرها الكوثر].قال: [الفاتحة] ما معنى الفاتحة؟ قال: [فاتحة كل شيء بدايته، وفاتحة القرآن الكريم: الحمد لله رب العالمين، ولذا سميت الفاتحة ولها أسماء كثيرة منها: أم القرآن، والسبع المثاني، وأم الكتاب والصلاة] وكذلك تسمى بالشافية والكافية.قال: [مكية: المكي من السور ما نزل بمكة، والمدني منه ما نزل بالمدينة. والسور المكية غالبها يدور على بيان العقيدة، وتقريرها والاحتجاج بها، وضرب المثل لبيانها وتثبيتها. وأعظم أركان العقيدة: توحيد الله تعالى في عبادته، وإثبات نبوة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتقرير مبدأ المعاد، والسور المدنية يكثر فيها التشريع وبيان الأحكام من حلال وحرام]، من تشريع في السياسة وفي الحرب وفي السلم كما علمتم.قال: [الآيات: جمع آية وهي لغة العلامة، وفي القرآن: جملة من كلام الله تعالى تحمل الهدى للناس بدلالتها على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه، وعلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وآيات القرآن الكريم: ستة آلاف ومائتا آية وزيادة، وآيات الفاتحة سبع بدون البسملة].إذاً: نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 10-08-2022 الساعة 03:48 PM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24-06-2020, 04:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,069
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (2)
الحلقة (2)




الفاتحة هي السبع المثاني، ولهذا اتفق علماء الإسلام على كونها سبع آيات، لكنهم اختلفوا في كيفية هذا العد بسبب خلافهم في البسملة هل هي آية منها أو لا، كما اتفقوا على مشروعية الاستعاذة أول القراءة واختلفوا في مشروعية الاستعاذة عقب القراءة، وبعد الاستعاذة والبسملة تأتي آية الحمد المقررة بأن الحمد كله لا يستحقه إلا الله سبحانه وتعالى، لأنه سبحانه وحده من جمع صفات الكمال والجلال.
ذكر بعض أحكام البسملة
عرفنا -زادكم الله علماً ومعرفة- مسبقاً أن الفاتحة سميت بذلك لأنها فاتحة كتاب الله، وعرفنا أن عدد آيها سبع آيات. ‏
حكم البسملة في سورة الفاتحة
أما هل (بسم الله الرحمن الرحيم) آية من سورة الفاتحة أو ليست آية منها؟ فقد عرفنا أن الخلاف فيها شديد، ونحن نخرج منه بإذن الله بأن لا نتمذهب فنتعصب لمذهبنا فنقول: نحن مالكية لا نقول بمشروعيتها، أو نقول: نحن شوافع يجب أن نقرأها، بل نحن نسلك مسلك الصحابة والتابعين، فإنها قضية اجتهادية، فنقول: نحن نقرأ بسم الله الرحمن الرحيم كلما قرأنا الفاتحة، فإن جهرنا بالقراءة كما في صلاة المغرب والعشاء والصبح، وكنا أئمة نصلي بالمؤمنين نسرها ولا نجهر بها، ولكن نقولها: بسم الله الرحمن الرحيم، فنوافق ما صح عن أبي القاسم صلى الله عليه وسلم وصاحبيه الشيخين: أبو بكر وعمر، إذ قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ( صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووراء أبي بكر ووراء عمر فكانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ) ونبسمل سراً؛ لما ثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ يوماً وجهر بالبسملة وسمعوها.ثم بهذا المسلك السليم لا توجد فرقة بيننا، ولقد اشتدت الفرقة في بعض الظروف، حتى إن فلاناً لا يصلي وراء فلان؛ لأنه يخالف مذهبه، وهذه النزغات سببها عدونا إبليس، فهو يريد أن يثير الفتن والمتاعب والشغب، ويفرق كلمة المسلمين.كما علمنا أنها -أي: الفاتحة- نزلت مرتين، مرة مصحوبة ببسم الله الرحمن الرحيم، ومرة بدونها، فمن هنا من قال: بسم الله الرحمن الرحيم آية من سورة الفاتحة، نقول له: صدقت يا أخاه، ومن قال: لا، افتتحت بها فقط كسائر السور وليست بآية، ولكن مشروع الافتتاح بها، قلنا: نعم؛ لأنها نزلت أيضاً بدونها، ومن ثم لا يكفر بعضنا بعضاً؛ لأن من يتعمد إسقاط آية من كتاب الله كفر بالإجماع، كما أن من يتعمد زيادة كلمة واحدة في كتاب الله كفر بالإجماع، فللخروج من هذا المضيق نقول بنزول الفاتحة مرتين، وقد ثبت أنها مرة نزلت مصحوبة ببسم الله الرحمن الرحيم، ومرة بدونها، فأصبحنا إخواناً على سرر العلم والمعرفة متقابلين، لا حقد، ولا حسد، ولا عجب، ولا كبر.وعرفنا -زادكم الله معرفة- إذا قلنا: بسم الله الرحمن الرحيم آية، فأين الآيات الست الباقية؟ فعددنا: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] آية أولى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] الآية الثانية، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] الآية الثالثة، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] الآية الرابعة، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] الآية الخامسة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] السادسة، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] السابعة؛ لأن البسملة عددناها آية.هيا نسقط: بسم الله الرحمن الرحيم ولا نعدها آية، فنقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أولى، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثانية، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ثالثة، إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ رابعة، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ خامسة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ سادسة، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ سابعة.في هذا العلم بركة أو لا؟ ما تفرحون؟! ذكرت لكم سابقاً فوائد استفدناها، ففرحنا أمسية كاملة، فكيف ما نفرح بهذا العلم، والله تعالى يقول: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]، فكوننا نفرح بالدينار والدرهم، أو بالولد والزوجة، أو بالدار والبستان، هذا له قيمة؟! قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا [يونس:58] والعلم فضل الله ورحمته.
من أحكام الاستعاذة


المراد بالاستعاذة
ما المراد من الاستعاذة؟هي قولنا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يقال: استعذ بالله يا فلان من الشيطان الرجيم، أي: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وفلان استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، كيف فعل؟ قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.ومثل الاستعاذة البسملة. ما معنى بسمل؟ قال: بسم الله الرحمن الرحيم. ما معنى حوقل؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. ما معنى استرجع؟ قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. ما معنى هلل؟ قال: لا إله إلا الله. ما معنى كبر؟ قال: الله أكبر .. فهذه اختزالات معروفة عند العرب، وموجودة قبل القرآن والإسلام، يحذفون بعض الحروف، ويربطون الكلمتين ببعضها البعض، كعبد شمس يقال في النسب إليه: عبشمي.
حكم الاستعاذة عند قراءة القرآن وموضعها
ما حكم الاستعاذة والله يقول وقوله الحق: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]؟ هذا خطاب موجه إلى الحبيب صلى الله عليه وسلم، إلى إمامنا وقائدنا وأسوتنا ومرشدنا وهادينا ونبينا ورسولنا .. قل ما شئت، ونحن إن صدقنا في اتباعه نتبعه، فما يطالب به هو، ويرشد إليه، ويؤمر به نحن معه، إلا ما دل الدليل على الخصوصية فقط، وهذا نادر.إذاً: قول ربنا تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] معناه أن من أراد أن يقرأ القرآن سواء سورة أو آيات أو آية من السنة أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإن كان مع السورة أضاف: بسم الله الرحمن الرحيم، فإن كان بدون سورة: آيات من أول أو من آخر أو وسط السورة يكتفي بقوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن زاد بسم الله الرحمن الرحيم فلا تغضب وتحمر عينيك وتقول: ابتدعت، وتضيق على الناس ما وسع الله.إن الطريقة المسلوكة التي مشى عليها أكثر المؤمنين والمؤمنات: إن بدأت بالسورة قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم يس [يس:1]، وإن بدأت بآيات تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ [البقرة:285] الآيات، وإن قال أخونا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي .. [الأعراف:54] لا تغضب؛ لأن الله تعالى قال لنا: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98]، قال: أنا أقرأ، لم تقل: لا تستعذ، عرفتم هذه أو لا؟ ذي ذات قيمة؛ لأننا ما نريد أن توجد أسباب الفرقة بيننا، نريد أن تتصافى قلوبنا، وتتعانق أرواحنا، ويعرف كل منا لأخيه حقه، في احترامه وإكباره وتقديره، أو ما أنتم مستعدون لهذا؟ لم إذاً ندرس كتاب الله؟! ما الفائدة من قراءة كتاب الله وتفسيره، أليس من أجل أن نعرف الطريق إلى الله، لنقرع باب دار السلام؛ وذلك بمعرفة محاب الله ومكاره الله، والاستعانة بالله على فعل المحاب، وعلى ترك المكاره.إذاً: اختلف العلماء هل الاستعاذة تكون أول القرآن أو بعد نهايته؟فقال بعضهم: تكون أول القرآن، تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: طس [النمل:1]، أو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي .. [الأعراف:54] الآيات.وقال بعضهم: الاستعاذة آخر الآيات. لم؟ قال: إن ربي تعالى قال: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ [النحل:98]، أي: وفرغت منه: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98] كيف لا والآية صريحة؟! فردوا عليهم بأن هذه الآية نظيرها: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6]، وهل إذا قمنا للصلاة نتوضأ أو نتوضأ أولاً، وإذا قمنا للصلاة دخلنا فيها وصلينا؟قالوا: نتوضأ ثم نصلي، لكن هذه الآية لها مدلول غير هذا، الاستعاذة لمَ؟ تستعيذ أنت ممن تخاف؟ تفزع إلى ربك وتلجأ إليه من عدو، وهذا العدو كما يصرفك أولاً يصرفك آخراً، والصرف الأخير أصعب، فقد يحملك على أن تعجب بنفسك، فيفسد عملك كله.لو بت طول الليل تقرأ وختمت القرآن، ثم نفخ فيك روح الكبر والعجب، وأصبحت تشعر بأنك أفضل أهل البلد ذهب ذلك كله، وهو يتربص بك هذه المواقف، انتبه! فلهذا اصرفه عنك، فرغت من الآية: وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3] أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يحزن الشيطان أو لا؟ يكرب أو لا؟ يحزن ويكرب؛ لأنك ما فتحت له الباب، ما أذنت له أن يدخل وأغلقت الباب.وعلى منهجنا -أيها الأبناء- وطريقتنا أننا نرغب في الخير ونطلبه متى لاحت أنواره في الأفق ما عدلنا عنه ونحن قادرون على الأخذ به.فنقول: من الآن إذا قرأ أحدنا القرآن حزباً أو جزءاً أو سورة وفرغ أي مانع أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أما فيه خير؟ أما فيه وقاية؟إذاً: جمعنا بين المذاهب وأصبحنا جماعة واحدة، لكن أخشى من أحدٍ أن يقول: كيف أنت تبتدع؟ بدعة هذه تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟! ينظر إليه أنه منعه من الخير، وصرفه عنه، وأنه تكبر عليه وترفع، واستطاع العدو أن يجد مسلكاً لتفريق القلوب وتشتيتها، هل فهمتم هذه؟إذاً: ما دامت الآية صريحة: فَإِذَا قَرَأْتَ أي: الْقُرْآنَ وفرغت، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ لمَ؟ لأنه يحملك على العجب فيبطل عملك، فيتركك تقرأ وتقرأ سليماً معافى، وهو منتظر، ما إن تفرغ حتى ينسف ما قرأته، إذاً: فلا تمكنه، فأي مانع أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ وخاصة إذا شعرت بحركة وطاف حولك؛ لأنه كالطائرات المغيرة، فإذا كان هناك أجهزة رادار قوية ما يستطيع، وإذا كان لا أجهزة، ولا رادار، أو أجهزة فارغة ما تنفع يضرب.أين الآية التي أرشدتنا إلى هذا وعرفناها من قديم من سورة الأعراف، هي قول الله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:200-202]، عجب هذا القرآن! آية من سورة الأعراف، فالمؤمن التقي يملك جهاز رادار، ووالله ما يملكه أحد على وجه الأرض إلا مؤمن تقي، والإنسان الكافر أو الفاجر -والله- ما يملك هذا الرادار أبداً، وليس من نصيبه ولا حقه، واقرءوا: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا [الأعراف:200-201] اتقوا من؟ ربهم. إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ [الأعراف:201]، تعرف الطائف والطيف كيف يدور أو لا؟ حول الحمى، تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فيرحل، وإخوان الشيطان: يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ [الأعراف:202] فيغمسون وجوههم وأنوفهم في العذرة، أي عذرة يا شيخ؟ تدري ما هي؟ والله إن زنية، أو لقمة ربا، أو شتمة مؤمن، أو أخذ ريال باطل أفظع وأكثر خبثاً من أن تغمس وجهك في العذرة؛ لأن هذا يغسل ويزول، وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202]، لا يقصرون بعد.وآية النور النوراني .. الرادار الرباني من سورة الأنفال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [الأنفال:29]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ هذا جزاء أو لا؟ هذا جواب الشرط: إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ ماذا؟ فُرْقَانًا ما الفرقان هذا؟ نور تفرق به بين الحق والباطل والخير والشر، والصحيح والفاسد، والنافع والضار، والإيمان والكفر، والتوحيد والشرك، وما إلى ذلك. هذا النور هو الفرقان، نصيب من هذا؟ أهل التقوى؛ لأن المتقين تجنبوا ما من شأنه أن يفسد القلوب والأرواح، ولأن ترك الواجبات معصية الله ورسوله فيما أمر به، ومن شأن هذه المعصية أن توجد مادة خبيثة منتنة عفنة تسمى السيئات، كما أن غشيان الذنوب بفعل المحرمات واعتقادها وقولها تجلب أيضاً تلك المادة العفنة المنتنة، فتسود النفس وتخبث، وحينئذ كيف يفرق بين الحق والباطل والخير والشر والنافع والضار، وهو كالأعمى لا نور له! يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يعطيكم ماذا؟ يجعل لكم نوراً، وهذا النور هو الفرقان، وسمي فرقاناً لأنه كثير الفرق، وهو أعظم من (فارق)، فمن هنا عرفنا أن من يتقي الله في أي شيء يعطى الفرقان فيه، ما معنى هذا؟راعي غنم اتقى الله تعالى في غنمه؛ يرعى بها أماكن العشب والكلأ، وينتجع لها العشب الملائم، ويرعاها من الذئاب أن تأكلها، فهو محافظ عليها، يعطى فرقاناً، ويصبح أحسن راعي غنم، ويرغب الناس في إعطاء أغنامهم له. صاحب دكان يبيع البقول، يتقي الله تعالى في دكانه فيما يدخل وفيما يخرج، فيما يبيع وفيما يشتري، ويراقب الله فلا تزل له قدم، ولا يخرج عن طاعة الله في شيء، فلا يزال كذلك حتى يعطى الفرقان فيصبح أحسن بقال في المدينة، ويعطى النور.أتنزل معكم؛ مؤمنة تريد أن تطبخ الشاي الأخضر الذي يليق بالشرب، والراغبين فيه، تتقي الله عز وجل في ذلك وتراقب الله؛ تريد أن يكون هذا الشاي نافعاً محبوباً، ينفع الله به الشاربين، ويكون كرامة لهم، ترغب في ذلك فتأخذ تزن المقادير وتقدرها؛ الماء والشاي والسكر والنعناع المغربي، حتى تصبح ذات فرقان، تحسن طبخ الشاي.إذاً: فكيف بالجنرالات، وقادة الحروب، ورجالات السياسة والاقتصاد؟ إذا لم يكن لهم هذا الفرقان أنى لهم أن يفوزوا أو ينجحوا أو ينجحوا غيرهم، ومن أراد الدليل نظر إلى ساسة العروبة والإسلام كيف هم هابطون إلى الحضيض، فأين نتائج التقوى، وهل هم متقون؟ما هي التقوى؟ هي خوف من الله يملأ قلبك فيحملك على طاعة الله، ولو طلب منك بذل نفسك بذلتها طلباً لرضاه، ومن هنا اختلت موازين الحياة عند المسلمين؛ لعدم وجود أهل الفرقان، ومن وجد في بلد وهو ذو فرقان والله تتجلى آثار ذلك في بلده.


حقيقة كون البسملة آية في سور القرآن كلها
هنا سؤال: هل بسم الله الرحمن الرحيم آية في كل سورة؟ الجواب: الذي عليه جمهور المؤمنين أن البسملة بعض آية قطعاً في سورة النمل فقط بالإجماع؛ لأنها جزء آية من سورة النمل، وهي في قول الله تعالى في كتاب سليمان عليه السلام إلى الملكة بلقيس ، إذ الكتاب هكذا: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:30-31] برقية هذه أو لا؟ عجب! برقية أدت العجب: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ لمَ ما قدم بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: هذه رسالة إلى كافرة، وممكن إذا سمعت بالله أن تهين اسم الله عز وجل، فجعل اسمه وقاية: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، مضمونه: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ، وما قال: وائتوني خاضعين أذلاء منكسرين، فهو لا يريد إذلال البشر وإخضاعهم إلا لله، وأتوني مسلمي القلوب والوجوه لله.أما رسائل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء فنصها: ( بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم )، فما خاف أن يهان اسم الله كما خاف سليمان، فلهذا قدم بسم الله الرحمن الرحيم، وهذه الآن سنتنا، اسمعوا: ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر )، أي: ناقص، تعرفون الأبتر؟ مقطوع الذنب كالكبش الأبتر.فعلينا معاشر المؤمنين والمؤمنات! أن نستفتح أعمالنا ببسم الله، فالآكل يقول: بسم الله، والشارب يقول: بسم الله، والكاتب يقول: بسم الله، والخطيب يقول: بسم الله .. وكل شئوننا نفتتحها ببسم الله، متبركين بذلك، ومستمدين القوة والقدرة على العمل وإنجازه بذلك بحسب الحال.أما هل بسم الله الرحمن الرحيم جزء من كل سورة في القرآن؟ فنقول: هي مفتتحة ببسم الله، والرسول هو الذي أمر أصحابه أن يجعلوها في بداية كل سورة كالمفتاح لها، وهنا القراء منهم من يقرأ ولا يفصل بين السورتين ببسم الله الرحمن الرحيم، فنقول: سواء كان ابن كثير أو أبو عمرو أو غيرهم فهذا شأنهم، فنحن ما ألزمناه؛ لأننا ما قلنا: آية في أول كل سورة، فإذا أرادوا اختصار الوقت، والرغبة في السورة لم يبسملوا، فيقرءون مثلاً: بسم الله الرحمن الرحيم: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]، قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] وهذا شأنهم.وبعض القراء يفصل، وبعضهم لا يفصل، وهم أمناء على هذا، ونحن لا نلوم الفاصل ولا الواصل، لكننا هل نحن نصل بأن نقرأ السورة ونصلها بالأخرى أو نفصل؟ الجواب: نحن نفصل هنا ولا نصل، نعم نصل المعروف وأهله، لكن هنا، في هذه القضية إذا قرأنا وانتهت السورة نفتتح الأخرى ببسم الله الرحمن الرحيم، ومن وصل هنا لا شيء أبداً عليه، ولا نلتفت إلى أنه فصل أو وصل.
تفسير قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين)


قال الله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2].وقرئ (الحمدَ لله ربَّ العالمين) قراءة لكن ليست مشهورة ولا مقروءة فنترك هذا، وقرئ (الرحمنَ الرحيمَ)، وقرئ (الرحمنِ الرحيمِ)، وقرئ (الرحمنُ الرحيمُ)، لكن ليس هناك حاجة إلى توسعة الدائرة؛ أما النعت عندهم فيجوز رفعه على الابتداء، ونصبه على المدح، وجره بحسب ما تقدم، ولكن لا ندخل هذا في نفوسنا، فقط من أجل لو قرأ قارئ: (الحمد لله ربَ العالمين) (الرحمنَ الرحيمَ) لا تقل: كفر! أو تقول بالهراوة: لم تفعل؟ أو قرأ (الرحمنُ الرحيم) لا تغضب؛ لأنه يجوز، النعت تقطعه ويكون خبراً، والمبتدأ: هو.ونحن لا نريد الخلاف، ولا نرغب فيه، ولا نشيعه أبداً، فإذا ذكرنا قضية كهذه ليس معناه أني أجزت لكم أن تقولوا هذا وتشوشوا على الناس، فقط إذا قرأ قارئ وقطع أو نصب على المدح لا تغضب وتقول: هذا حرام ولا يجوز وحرَّف كلام الله، هذا يقوله من لم يعلم، أما من علم مثلنا الآن ما يغضب ولا يعيب عليه، هل أدركتم هذه القضية؟إذاً: لو سمعنا قارئاً يقول: (الرحمنُ الرحيمُ) أو (ربُّ العالمين)، أو نصب على المدح: (ربَ العالمين) (الرحمنَ الرحيم) إذا كان من أهل العلم نقول: هذا من أهل العلم، هذا عرف أن هذا يجوز، أما العامي أنى له أن يعرف هذا؟على كل حال نحن -كما اتفقنا- إذا جاءت مسألة أفدنا بها طلبة العلم؛ لأنهم هم المسئولون من جهة، وهم الذين عليهم أن يحافظوا على وحدة المؤمنين ووحدة قلوبهم، فإذا عرفوا أسباب الخلاف استطاعوا أن يخرجوا منه، وإذا ما عرفوا يوقدون النار إذاً.
معنى الحمد
قوله: الْحَمْدُ أل هنا للاستغراق، فلا يبقى من حق إنسان كائن الحمد، فقد استغرق الله الحمد كله. وأل للاستحقاق فالله استحق الحمد كله، لمَ؟ لأنه رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، فكيف لا يستحق الحمد؟!إذاً الْحَمْدُ جميع المحامد المستحق لها هو الله.ويجوز أن نحمد أي شخص على صفة من صفاته، لكن لا نقول: لك الحمد، نقول: فلان شجاع، كريم، ذكي، تقي، شريف، طويل، جميل، أديب، هذه كلمات المدح، فمعنى المدح الوصف بالجميل، ومن وصف شيئاً بالجميل من الصفات مدحه وحمده، ومن وصف شخصاً بما يذم من صفات القبائح والرذائل يقال فيه: ذمه.ونحن هنا نسلك مسلكاً رشيداً نبوياً، فنوقن أن الحمد من حق الله تعالى، إذ هو المستحق له بجلاله، وكماله، وقدرته، وعلمه، وإرزاقه، وإفضاله، وإدارة الكون كله، فهو صاحب الحمد.وقد أذن الله تعالى لنا أن نحمد في حدود معينة:أولاً: أن نذكر الصفة الجميلة فيمن هي له وهو متصف بها، ولا نغالي ولا نبالغ، ولا نوسع الدائرة: فلان صالح تقي، جميل، كريم، ونحن على علم بما وصفناه به، ولو وصفناه بغير ما فيه كذبنا وافترينا على الله.ثانياً: أن لا نمدحه في وجهه، فلم يأذن لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نمدح المرء في حضرته، واذكروا دائماً قوله للذي مدح أخاه في حضرته، قال: ( لقد قطعت عنق أخيك )، ومدح آخرون أيضاً شخصاً في حضرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم: ( لقد قصمتم ظهر أخيكم )، فإذا أردت أن تذكر مؤمناً بخير اذكره في غيبته، ولا تذكره في وجهه، وثبت أن المقداد كان في حضرة عثمان رضي الله عنه والأصحاب حوله، فمدحه رجل فقام المقداد وأخذ حفنة من تراب ورماها على وجهه، فصاحوا، قال: اتركوني لقد سمعت خليلي يقول: ( احثوا التراب في وجوه المداحين ).لكن ما هو السر في كراهية المدح في الوجه؟الجواب: لما يعلم من أن الإنسان بضعفه في فطرته وخلقه وتكوينه وتركيبه؛ من شأنه إذا مدح وإذا أثني عليه أن ينتفخ، وإذا انتفخ غطى ما حوله وارتفع وأصبح لا يرى إلا نفسه، فإذا عمي هذا العمى، وأصبح لا يرى إلا ذاته ماذا استفاد الناس منه؟ انقطعت صلة الخير منه.ومن الأمثلة على ذلك ما قد يقوم به مدير مدرسة ابتدائية مع الأساتذة بمدح أحد الطالب بأنه: ذكي .. حافظة .. كذا، وهؤلاء قد سمعناهم وعشنا معهم، والنتيجة أن ذاك الممدوح يأخذ في الانتفاش، وبعد أن كان يحفظ صار لا يحفظ، وبعد أن كان يعد الدرس صار لا يعده. فمن قتله؟ قتله الذين مدحوه، فاغترّ.وعندنا أيضاً مدح الغافلين والهابطين والجاهلين في ديارنا للمرأة: المرأة نصف المجتمع، وهي العامل الأول، وهي كذا وكذا. فانتفخت عليهم المرأة، وانتفشت وطارت، وأخذت الوظائف عليهم وأهانتهم، وأصبحت كل شيء في المدينة، بسبب ماذا؟ أنهم مدحوها ونفخوها بالكذب.والمدح بالباطل حرام من كبائر الذنوب، وهو شهادة الزور وقول الزور، تقول لأعمى: يا ذا البصر، تقول لشحيح: يا كريم، ويا سخي! أو تقول لجاهل: يا عالم. حرام هذا عندنا؛ لا يجوز.إذاً: هذا الموضوع موضوع اجتماعي، سياسي، روحاني، أدبي، لو نجلس أسبوعاً كاملاً علنا نكتسب هذا النور.من المستحق للمدح؟ الواهب المعطي، فهذا جميل مَنْ جمله؟ المدح لله، هذا ذكي؛ مَنْ أعطاه هذا الذكاء ووهبه إياه؟ الله. هذا غني، مَنْ أغناه؟ هذا عالم من علمه.. إذاً: الحمد لله فقط، وأذن لنا أن نقول: فلان كذا، وليس في حضرته وبين يديه، بل في غيبته، أما أن نمدحه في حضرته، لا، أسأنا إليه، ونخشى أن نكون قد مزقناه أو قصمنا ظهره.هذه آدابنا الرفيعة أخذت من هذه الآية: الْحَمْدُ لِلَّهِ .
العلاقة بين الحمد والشكر


الحمد يقابله الشكر، وبينهما عموم وخصوص، فالحمد: الثناء باللسان بصفات الجلال والجمال، وأما الشكر فهو باللسان وباليد وبالقلب كما قال الشاعر:أفادتكم النعماء مني ثلاثةيدي ولساني والضمير المحجباإذاً: المدح بآلة اللسان خاصة، والشكر بثلاثة: باللسان واليد والقلب.والشكر يكون فقط على النعم لا أقل ولا أكثر، والمدح يكون على النعم وعلى الصفات.
كلمة الحمد لله ينبغي أن لا تفارق المسلم في أحواله كلها
الحمد لله هذه الكلمة ينبغي أن لا تفارقنا في: أكلنا، شربنا، ركوبنا، نزولنا، دخولنا، خروجنا، تلاقينا.الحمد لله مثل بسم الله، نبدأ ببسم الله، ونختم بحمد الله؛ لأننا أمة سمت فوق العالم بأسره؛ وذلك بسبب هذه الكمالات التي كانت تعيش عليها. حتى أننا سمينا في الكتب السالفة بأمة الحمد، وفي بعض الآيات في التوراة والإنجيل الحمادون، فالحمادون هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولمَ قيل فيهم: الحمادون؟ مريض في سكرات الموت: كيف حالك يا بني؟ الحمد لله. يقتله الظمأ ويكاد أن يموت، كيف حالك؟ الحمد لله، أنا عطشان! حتى إذا أردنا أن نركب الدابة والبهيمة نحمد الله عز وجل، وهذا لا يوجد عند اليهود والنصارى و.. و..وإذا حمدنا الله لابد وأن تتجلى لنا آلاؤه وأنعامه علينا؛ ليكون حمدنا على علم.
استحقاق الحمد
ومما يدل على أنه لابد لمن يُحمد أن يكون له ما يستحق به الحمد ما أرشدنا إليه ربنا فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ لم، ما مقتضي الحمد، ما موجبه؟ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، مالك الكون كله ومدبره والحاكم فيه ما يحمد؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الذي أغدق رحماته وصبها على أهل الأرض والسماء ما يحمد؟ وهكذا مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، فعرفنا أننا لا نحمد إلا من يستحق الحمد، فإن حمدنا من لا يستحق كذبنا، وقلنا الزور، وشهدنا به، وأثمنا.كذلك لا نبالغ، ولا نغالي، ولا نكثر، واذكروا قول حبيبكم صلى الله عليه وسلم عندما قال: ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، وإنما أنا عبد الله ورسوله فقولوا: عبد الله ورسوله )، ما تقولوا: مولانا محمد أبداً، أنا عبد الله، قولوا: عبد الله ورسوله، هكذا طالبهم، أما أن ننفخ فيما لا ينبغي، حتى قال القائل: لولاك ما كان كذا وكذا، فلا.المهم معاشر المستمعين والمستمعات! نحمد الله على كل حال، والحمد رأس الشكر، وأن العبد إذا أنعم الله عليه بنعمة، مهما كانت في عظمها وعلو شأنها وكثرة منافعها فقال: الحمد لله على تلك النعمة، والله إلا كان قوله: الحمد لله أفضل من تلك النعمة، وبهذا أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24-06-2020, 04:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,069
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (3)
الحلقة (3)







افتتحت الفاتحة بالبسملة للدلالة على مشروعيتها في بداية كل عمل مشروع، ثم كانت الآية الثانية بياناً لكون الله وحده هو من يستحق الحمد المطلق؛ لأنه واهب النعم ومعطيها، وهذا لا يمنع حمد المخلوق على صفة حميدة فيه، لأن هذا حمد مقيّد، واستحق الله الحمد المطلق لصفات كماله المطلقة التي منها أنه رب العالمين أي خالقهم وسيدهم ومربيهم، كما أنه الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.
مراجعة لما سبق الكلام فيه من مراجعات في التفسير

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7].هذه السورة عرفنا -وزادنا الله معرفة- أنها تسمى بأسماء كثيرة؛ وذلك لشرفها وعلو مكانتها، فتسمى الفاتحة، وأم الكتاب، والسبع المثاني، والشافية، والكافية، وأم القرآن.كما عرفنا أنها نزلت مرتين: مرة بمكة وأخرى بالمدينة، ومرة معها بسم الله الرحمن الرحيم ومرة بدونها.ومن هنا عرفنا أنه لا خلاف بيننا؛ فمن بسمل على حق، ومن ترك البسملة على حق، فلا خلاف، ولا فرقة بيننا.ومن المعارف التي تتعلق بهذه السورة ما عرفناه عن الاستعاذة والبسملة، فالاستعاذة: هي قولنا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والبسملة: هي قولنا: بسم الله الرحمن الرحيم.ولهذا اللفظ نظائر كحوقل إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وكاسترجع إذا قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وكهلل إذا قال: لا إله إلا الله، وككبر إذا قال: الله أكبر.إذاً: الاستعاذة مشروعة عند بداية القراءة سواء كنت تقرأ آيات أو سورة، فإذا كانت أول السورة أضفت إليها بسم الله الرحمن الرحيم، فتقرأ هكذا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم طس [النمل:1]، وإن كنت تقرأ من داخل السورة وأثنائها فتكتفي بالاستعاذة، فتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ [الملك:19] وتواصل قراءتك.ومما علمناه أنه يشرع أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم بعد فراغنا من التلاوة، فنستعيذ أول القراءة ليحفظنا الله من وساوس العدو وإملاءاته التي تذهب وتشرد بنا عن هذا النور الذي نعيشه تلك الساعة، ونستعيذ بالله -أيضاً- عند نهاية القراءة حتى لا يحملنا على الكبر والعجب؛ فيبطل عملنا، ومن هنا اتفقنا مع علماء الإسلام فلا نزاع ولا خلاف أبداً، وأمرنا واحد؛ إذ ليس لنا مبدأ التشدد: مذهبي .. طريقتي، هذا ما عندنا أبداً، فهل سمعتم منذ أن اجتمعنا على كتاب الله وسنة رسوله أن نقول: نحن الحنابلة، أو نحن الأحناف، أو المالكية؟ لا أبداً، نحن المسلمون عباد الله، نعيش على نور الله، ونسلك سبيل الله، صراطه المستقيم، قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم.ومن هنا لا توجد فرقة، والفرقة تسبب الضعف وتوجد آثاراً سيئة، بل توجد حتى البغضاء والعداء كما هي فطرة الإنسان.إذاً: عرفنا كيف نستعيذ؟ ولماذا نستعيذ؟ وعرفنا باسم من نبدأ: بسم الله الرحمن الرحيم، لا باسم السلطان، ولا باسم الشعب، ولا باسم الحزب، ولا باسم ليلى ولا سلمى .. وإنما باسم الله.
تفسير قوله تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم)

الجار والمجرور في بسم الله

قوله: بِسْمِ اللَّهِ [الفاتحة:1] هذا الجار والمجرور فما معنى الجار والمجرور؟ عندما يقوم -مثلاً- عبد الله بجر منصور من رجله، فمن الجار ومن المجرور؟ المجرور منصور، والجار عبد الله.إذاً: عرفنا الجار والمجرور كما عرفه النحاة عملياً.والباء في قوله: بِسْمِ اللَّهِ حرف جر، والميم من (بسم) مجرورة، وحركة الجر كسرة من تحت، وأنت إذا جررت الشيء سحبته على الأرض وترك أثراً، وهذا معنى قولنا -من اليوم إلى أن نختم القرآن-: الجار والمجرور، وحروف الجر كثيرة، من أبرزها هذه الباء.وهذا الجار والمجرور له متعلق، ولا يوجد جار ومجرور بلا هدف، فلما قام عبد الله وجر منصوراً لأي شيء؟ لا بد لغرض؛ كأن يريد أن يبعده عنا.إذاً لا بد من تقدير شيء من أجله الجار والمجرور، والتقدير: باسم الله أفتتح قراءتي أو باسم الله أبتدئ قراءتي، كما تقول عند الأكل: باسم الله أبتدئ أكلي، باسم الله أركب دابتي، باسم الله أخاطبكم، أي: أبتدئ عملي بإذنه وبالتبرك باسمه؛ لأن اسم الله فيه بركة، بل هو مصدر كل بركة عرفها الكون ووجدت فيه.
الحكمة من قول: بسم الله


يبقى لمَ نقول: باسم الله؟الجواب: نقول ذلك لأننا بإذنه نشرب ونأكل، ونعطي ونمنع؛ ولأننا عبيده لا تصرف لنا إلا بإذنه، فما أذن فيه فعلنا وقلنا واعتقدنا، وما لم يأذن لا نقول ولا نفعل ولا نعتقد.ومن هنا هل يجوز لمن يشعل سيجارة أن يقول: باسم الله؟الجواب: هذا حرام عليه، وكذب على الله.وهل يجوز لمن يتناول كأس خمر أن يقول: باسم الله؟الجواب: هذا كذب على الله، بل يتضاعف الجرم؛ لارتكابه المحرم وفعله إياه، ثم الكذب على الله.ومن هنا تعرفون لماذا تقال كلمة باسم الله؟ أقول: باسم الله أبدأ قراءتي .. أبدأ صلاتي .. أبدأ أكلي .. أبدأ شربي .. لأنه أذن لي وأنا عبده، ولولا إذنه لي في الكلام والطعام ما قلت، ولا أكلت.لكن هل تقول: باسم الله ثم تأخذ في سبنا وشتمنا والتعيير بنا؟ آلله أذن لك؟ تكذب على الله؟لكن إذا قلت: باسم الله وأخذت تعظنا، تذكرنا .. نعم، أذن الله لك في ذلك، بل أمرك ودعاك إلى وعظنا وإرشادنا.
كثرة أسماء الله

قوله: بِسْمِ اللَّهِ [الفاتحة:1]، من هو الله؟ هو رب العالمين، ( إن لله تسعة وتسعين اسماًمائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة )، بهذا أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في بعض الروايات أن أسماء الله خمسة آلاف اسم، وهي بهذا العد قليلة! فالذي خلق الذر والكون من ملايين السنين كم اسماً له؟ فالذي يدعوه كل شيء ويناديه كل شيء، ويطلب كل كائن في السماوات والأرضين ما يبعد أن تكون له مئات الآلاف، لكن الذي بلغنا عن رسولنا صلى الله عليه وسلم مائة اسم إلا واحداً، أي: تسعة وتسعين اسماً.ويجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف هذا العدد، ويجب أن يعرف أسماء مولاه، فأنت مفتقر ومحتاج إليه، إذا أردت أن تدعوه ماذا تقول: يا هو، كما يقول الغافلون؟ بل تقول: يا ألله! يا رحمن! يا رحيم! يا بديع السماوات والأرض! يا ذا الجلال! يا حي! يا قيوم! يا مالك الملك! يا عزيز! يا جبار! يا غفار! فادعه وناده بأسمائه واطلب؛ إذ أرشدنا إلى هذا في قوله من سورة الأعراف: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] أي: نادوه بها؛ ليجبكم ويقض حاجتكم.ومما يؤيد أن أسماء الله تعالى فوق تسعة وتسعين قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي )، فاسأل واطلب، ولا مانع أن تطلب ما شئت، والشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر في هذا الحديث أن لله أسماء استأثر بها وما علَّمها، بل هي في الغيب، فلهذا إن قيل: إن لله خمسة آلاف اسم فليس بكلام باطل أبداً، فقط لا نستطيع أن نطلق اسماً على الله لم نحفظه عن رسول الله، وإلا كنا مفترين كاذبين على الله، وقول بعض الغافلين: يا هو هو! أو يا هو! هذا خطأ، فليس من أسماء الله يا هو هو! أو يا هو! أو هو أبداً.وهذه الأسماء مفرقة في الكتاب والسنة النبوية، وقد جمعها السلف الصالح وهي محفوظة ومكتوبة، فلا نستطيع أن نقول: هو من أسماء الله تعالى، وهناك شبهة في قول الله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [الحشر:22-23] والأعجمي قد يلتبس عليه ويقول: هذا اسم، لكن العربي يعرف أن هذا ضمير يؤتى به للتبجيل والتعظيم، أو للتهويل والتكبير، فهو يذكر للغائب، كقولك: من أمركم بالجلوس هنا؟ فلان هو الذي أمركم؟ إي نعم، فـ(هو) هذه ضمير للغائب، ليست من أسماء الله؛ حتى بالغ بعضهم وأصبح يقول: يا هو! كيف أنتم الآن؟ تقولون: يا هو؟! هذه أعجمية عمياء، وما هي عربية قرآنية، فـ(هو) ضمير الشأن، وهو ضمير الغائب حتى لو كان يهودياً أو نصرانياً فقال: هو الذي قتل فلاناً، فهذا لا يدل على مجد، ولا على تشريف إلا في بعض السياقات تدل على الشأن نحو: هو الذي لا إله إلا هو.
اسم الله جامد أو مشتق

هل اسم الله جامد أو مشتق؟عمود الخشب جامد، والحليب كذلك جامد، لكنك إذا ضربته ومخضته وأزبد، فالزبدة هذه جامدة أو مشتقة؟ مشتقة من الحليب، فالجامد هكذا وجد، فما تبدل ولا تغير، والمشتق ما أُخذ من غيره كأخذنا الزبدة من الحليب.إذاً لمَ يقول الناس: اسم الله جامد أو مشتق؟الجواب: أطال الناس البحث والكلام في الإجابة عن هذا التساؤل، وفي الحقيقة ليس هناك من شيء كبير أن نفهم هل اسم الله جامد أو مشتق.ومما فتح الله تعالى به علي أن اسم الله جامد ومشتق، جامد لأن الله عز وجل هو الذي سمى نفسه الله قبل أن يكون الكون، وقبل أن يكون النحاة واللغويون والمتكلمون، وقبل أن توجد الخليقة سمى نفسه (الله)، إذاً هذا جامد.ولكن الله عز وجل سمى نفسه الله ليعلمنا أنه لا معبود إلا هو، وأن لفظ (الله) أصله (إله) ثم حذفت الهمزة وأدخل عليه (أل) فصار (الله) الذي لا معبود سواه، ومن هنا أطلق الخلق كلمة إله على كل معبود، فسمى الله تعالى قبل خلق الكون المعبود بحق الذي لا معبود بحق إلا هو.إذاً: فهو الذي سمى نفسه قبل أن تكون الاشتقاقات والجمادات.كذلك نظرنا إلى اسم الله فوجدناه كأنه مأخوذ من كلمة (إله) فصح إذاً أن نقول: اسم الله جامد بالنسبة إلى (الله) فهو الذي نطق به وعلمه خلقه، وليس نحن الذين اشتققناه من أنفسنا من مادة كذا أو كذا، كما اشتققنا الزبدة من اللبن، ولكن هو تعالى الذي سمى نفسه الله.
الحكمة من الاختلاف في الاسم الأعظم


هذا الاسم -معشر المستمعين والمستمعات- هو الاسم الأعظم، ونقول: هو الاسم الأعظم بالنسبة إلى باقي أسمائه، وأما ذلك الاسم الأعظم الذي ما دعي الله به تعالى إلا أجاب، ولا سئل به إلا أعطى، فشأنه شأن ليلة القدر، وشأن الساعة من يوم الجمعة، لم أخفيت؟ لحكمة، لو عرفنا الاسم الأعظم الذي ما سئل به الله إلا أعطى، ولا دعي به إلا أجاب لهجرنا باقي الأسماء الثمانية والتسعين، وتعلقنا بهذا الاسم، والله يريد أن ندعوه بكل أسمائه.ولو عرفنا الساعة التي يستجاب فيها للعبد يوم الجمعة وضبطناها -مثلاً- بأنها الساعة الواحدة أو الخامسة، لتركنا الانقطاع إلى الله والدعاء والضراعة طول النهار إلا تلك الساعة، وهذا فيه خسران كبير.ولو عرفنا ليلة القدر لتحيناها، وما قمنا ولا صلينا نافلة إلا تلك الليلة وفزنا بليلة القدر، ثم تتعطل تلك الليالي كلها.فهذا سر خفاء أو إخفاء هذه وأمثالها؛ لنبقى ندعو الله طول السنة وطول العمر بأسمائه: يا رحمن، يا رحيم، يا ألله، يا غفور .. ليس فقط يا حي يا قيوم.والحديث الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو فقال له: ( يا فلان! لقد سألت الله تعالى باسمه الأعظم الذي ما سئل به إلا أعطى، ولا دعي به إلا أجاب ) ما كان دعاء السائل؟ قال: ( اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد أن تفعل بي كذا ).فمن هنا أحببت أن يفهم الأبناء أن إطلاق لفظ الاسم الأعظم على الله هو حق، أليس بأعظم الأسماء؟ ما دون الله إلا الرحمن، وما عدا ذلك لا يصل اسم إلى مستوى الرحمن بعد الله جل جلاله.هونوا على أنفسكم، أنتم مأجورون أو لا؟ الملائكة تستغفر لكم أو لا؟ أنتم في موطن لا أشرف منه، يبقى إذا ما فهمت لا تغضب، ولا تتأثر، فتحمل مشلحك وتقول: أنا ما فهمت، خليك معنا تفهم إن شاء الله، ما نستعجل.تسمعون بالاسم الأعظم أو لا؟ العجائز في القرى يفهمونه.ما هذا الاسم الأعظم؟ هل هو لفظ الله أو الرحمن أو الصمد أو الحي أو القيوم؟ خفي عنا.ما سر إخفائه أو خفائه؟ ما له علة، ما نفهم؟الجواب: لنبقى نسأل ربنا بكل أسمائه. وهذا فيه خير عظيم أو لا؟ نعم. بخلاف لو عرفنا الاسم الأعظم تركنا الأسماء كلها وتمسكنا بهذا، وفي ذلك ما فيه من الأذى والشر، فعطلنا أسماء الله التي يحب أن نمجده بذكرها ودعائه وسؤاله بها.ونظير هذا ليلة القدر، هي توجد في رمضان أو لا؟ لو عينها لنا الله تعالى بواسطة رسوله أتدري أن ثلاثة أرباع المقيمين للتراويح لا يشهدون إلا تلك الليلة، وعندنا مثال: في بلادنا العربية والإسلامية حيث الجهل خيم؛ تجد أكثر الأغنياء والمسئولين وأرباب الدنيا لا يحضرون إلا ليلة السابع والعشرين فقط، ليالي رمضان في الملاهي والمقاهي إلا ليلة سبعة وعشرين يحضرونها، أرأيتم وجه الإفلاس أو لا؟ ما يشهدون صلاة التراويح ليلة، ولا يسمعون دعاء ولا يؤمنون ولا يدعون، فيحرمون من ذلك كله إلا ليلة سبعة وعشرين؛ لأنها ليلة القدر.كذلك ساعة يوم الجمعة تجد حذاقنا وطلابنا يتربصون بها ويطلبونها، فأحدهم يدخل من صلاة الفجر إلى الضحى، وهو يصلي ويدعو، وفي الجمعة الآتية تجده من صلاة الضحى إلى أذان الجمعة، وهو جالس يصلي ويدعو، رجاء أن يمسكها ويظفر بها، وفي جمعة أخرى من صلاة الجمعة إلى العصر، وهو عاكف يصلي ويدعو، رجاء يأخذ هذه الساعة، وفي جمعة أخرى من العصر إلى المغرب يتلمس، فإذا قلنا له: إنها الساعة الواحدة أو الرابعة، فما صلى ولا حضر إلا تلك الساعة.والآن فهمتم لمَ اختلف في الاسم الأعظم أو لا؟إذا أردتم أن تظفروا فسلوا الله بكل أسمائه، مرة بالرحمن، ومرة بالرحيم، ومرة يا ألله، ومرة يا ذا الجلال، ومرة يا حي يا قيوم.. تظفر بهذا بإذن الله.إذاً: الله هو الإله المعبود بحق الذي ذل له كل شيء، وخضع له كل شيء، وتحير في جلاله وكماله كل شيء من المخلوقات.ومن معاني اسم الجلالة (الله) في قولك: (بسم الله) أن هذا الاسم نتبرك به، ونستأذن الله تعالى به، كيف نتبرك؟ نقول: بسم الله الرحمن الرحيم طسم [الشعراء:1] فهل تبركنا أو لا؟ نقول: بسم الله أشرب العسل والماء، بإذنه أو لا؟ لو لم يسمح لنا بشرب الماء هل نشرب؟ لما لم يسمح بشرب الخمر نشرب أو لا نشرب؟ الجواب: لا.إذاً: من جهة نتبرك ومن جهة نستأذن ونطلب الإذن.إذاً الحمد لله عرفنا علماً كثيراً عن بسم الله الرحمن الرحيم.
تفسير قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين)

عرفنا فيما سبق أن الحمد هو الوصف بالجميل، وإذا وصفت إنساناً بالجمال حمدته، فتقول: طويل القامة، جميل المنظر، لين العريكة، كريم النفس، فهذا هو الحمد.وعرفنا أن الحمد كله لله، فـ(أل) للاستغراق و(أل) للاستحقاق، فمن المستحق للحمد يا عباد الله؟ الله؛ إذ كل كمال وجمال هو مصدره، وجميع المحامد وألفاظها على تنوعها قد استغرقها الله، ولا ينالها سواه، فإذا قلنا: منصور ذكي فمن وهبه الذكاء؟ إذاً الحمد لله ليس لمنصور. قلنا: منصور كريم وسخي، فمدحناه بالكرم والسخاء، هل هو خالق كرمه وسخائه؟ لا، بل كرمه موهوب له ومعطى، والمعطي هو الله، إذاً الحمد لمنصور أو لله؟ وإذا قلنا: علي بطل شجاع؛ يختطف الفارس ويضرب به الأرض، فهذه القوة وهذه الشجاعة من خلقها، من وهبها، من أعطاها؟ أليس الله؟ إذاً الحمد لمن؟ لله أو لعلي؟ لله.فمن هنا عرفنا أن الحمد لله لا لسواه، ولا بأس أن نقول: فلان شجاع أو كريم أو عالم أو صالح أو تقي، فنصفه بهذا مع علمنا أن الذي أعطاه ذلك هو الله، فالمستحق للحمد هو الله، وأذن لنا أن نقول: فلان سخي أو كريم ولا حرج، ولكن ذلك في حدود أو مطلقاً؟ قد درسنا هذا وسبق.
ضوابط في مدح الآخرين والثناء عليهم

معاشر المستمعين والمستمعات! لقد نهينا أي: نهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم إذا مدحنا أن نبالغ في المدح، وأن نكثر من الأوصاف، وحسبنا أن عرفنا أن المدح لله، فإذا امتدحنا غير الله فحمدناه يجب أن نقتصر .. أن نقتصد .. أن نعتدل .. فهذا الممدوح ليس الله ذي الأوصاف الجميلة الحميدة، ووصفه بالجميل منحة منحه الله إياها، فلم الغلو والمبالغة والكيل والوزن بلا حساب؟ وحسبنا أن نحفظ ذاك الخبر العظيم وهو قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، وإنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا: عبد الله ورسوله )، وبين يدي الله لما نؤدي الشهادة في كل حضور مع ربنا ماذا نقول؟ نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. ونحن بين يدي الله في الصلاة، نشهد هذه الشهادة لله بالوحدانية، وللنبي بالرسالة والعبودية.فلهذا -معاشر المستمعين والمستمعات- نلتزم القصد القصد، لا إفراط ولا تفريط، لا غلو .. وإنما نقول الكلمة والكلمتين، هذا أولاً.وثانياً: علمنا أننا منهيون عن مدح الإنسان في حضرته، وهو جالس أو يسمع، لمَ؟ حتى لا نؤذيه ولا نضره؛ لأننا إذا مدحناه في وجهه قد يصاب بداء الكبر وبمرض العجب، فيفقد كماله وجماله، ويصبح حلساً من أحلاس المقاهي كما يقولون، بعد أن كان ذا خير وفضل، ومن الذي قتله؟ إنهم المداحون.اذكروا ولا تنسوا أنه ما ينبغي لنا أن نمدح أحدنا في وجهه؛ حتى لا نضر به ونؤذيه، وقد بينت لكم أمثلة، فالتلميذ يمدحه مدير المدرسة والمراقب والناظر بالذكاء والفطنة والفهم، ثم ينتكس، وما دام قد وصل إلى مستوى المدح يترك الحفظ والقراءة والفهم، ويصبح من أحط الطلاب.زعماء العرب .. زعماء العروبة بجلوا في الماضي أيام الاشتراكية والقومية: الزعيم الأوحد، لكنهم الآن انتهوا، فمن الذي أحرقهم؟ شعوبهم، يأخذون في مدح الزعيم امدح .. امدح .. امدح حتى يشعر أنه هو، وليس شيء فوقه.أحلف لكم بالله، لقد حطم وقضى على زعماء العرب المداحون، حملوهم على الكبر والطغيان والظلم والعدوان، ولمَ فعلوا هذا؟ لجهلهم، ما جالسوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تلامذته ولا أصحابه، ولو حضروا مجلس عثمان لما قام ذاك الصاحب وأخذ حفنة من تراب وحثاها في وجه الذي يمدح الخليفة في وجهه، فلما صاحوا قال: اسكتوا، علمني رسول الله وأرشدني خليلي فقال: ( احثوا التراب في وجوه المداحين ) لأنه إنسان، ما هو زعيم، امدح وانفخ يطير في السماء بلا جناحين، هو صعلوك مثلي لا قيمة له، امدحه والعياذ بالله: هو أعلم الناس، ينتفخ فلا يقبل حقاً بعد الليلة، وعلى هذا فقيسوا.محنتنا ومصيبتنا جاءت من الجهل، فبعدنا عن الكتاب والحكمة، فأصابنا الذي أصابنا، والذين درسوا عن رسول الله فهموا، فهذا يمدح أخاه بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول له: ( يا فلان! لقد قطعت عنق أخيك ) أي: قتلته، فلا تفعل هذا مرة ثانية، وامتدح آخرون رجلاً بينهم فقال لهم: ( لقد قصمتم ظهر أخيكم )، ما معنى قصم الظهر؟ قطع الظهر. بم؟ بامتداحه والثناء عليه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم.فإن كان ولا بد فلا بأس أن تمدح أخاك في غيبته، أما وهو حاضر فإنك تضره، إلا إذا أيقنت أنه لا يتأثر أبداً، كيف لا يتأثر والشيطان يجري في عروقه مجرى الدم؟ من أين لك أن هذا الشخص لا يتأثر أبداً؟ ما تملك هذا.إذاً الحمد لله .. هذه الحقيقة، فكل جميل، كل ذي نعمة، كل ذي فضل .. كله من الله عز وجل، ولكن ليس معنى هذا أن تتصعلك، وتأخذ في ذم الصالحين، وتقبيح الزملاء وذوي الحسن والفضل .. لا، هذا حرام وظلم، شخص جميل تقول: دميم، يصح هذا؟ عالم تقول: جاهل. برّ تقول: فاجر، هذا لا يحل عندنا أبداً.
معنى رب العالمين


الحمد لمن؟ لله ربي. من هو الله؟ رب العالمين،كأن سائلاً يسأل: من هو الله الذي له الحمد خاصة؟الجواب: رب العالمين، أي: خالق كل مخلوق؛ إذ لفظ العالَم مشتق من العلامة، والعالَم اسم جمع لا مفرد له، فكل كائن يدل على وجود الله؛ إذ كل موجود لا بد له من موجد، هذه قررناها وفهمناها، وأصبحت من البدهيات، وما نستطيع نجد كأس شاي على الطاولة ونقول: هذا وجد بنفسه، من قال هذه الكلمة يقال عنه: مجنون. والشمس من علقها في السماء؟ من نفسها، أنت مجنون أهذا كلام.إذاً: فالذي استحق الحمد هو خالق كل شيء، ومربي كل شيء.وكلمة الرب هذه تدل على الخلق، وعلى التدبير، وعلى التربية، وعلى الكلأ والحفظ؛ إذ كل شيء مربوب مخلوق مدبر، وحياته محفوظة بحفظ الله تعالى؛ لأن لفظ العالَمين يشمل كل كائن، كل ذرة في الملكوت الأعلى والأسفل؛ إذ ما من شيء إلا وهو علامة على وجود الله وعلمه وحكمته، لما تشاهد عصفوراً يزغرد على غصن شجرة، فهذا العصفور يدل على وجود الله أو لا؟ وعلى وجود علمه وقدرته وحكمته أو لا؟إذاً: فالله تعالى هو رب العالمين، خالقهم، رازقهم، معبودهم، مدبر حياتهم، مغنيهم، مفقرهم .. إذ هذا كله تابع لحكمته، وعلمه، وقدرته، وتدبيره.
تفسير قوله تعالى: (الرحمن الرحيم)

هل تريد أن ترى الله؟ قال تعالى: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، فلاحظ لتتجلى لك هذه الحقيقة. ‏
مظاهر الرحمة لا حد لها

دائماً نقول: انظر إلى الدجاجة، هل تعرفون الدجاج أو لا؟ هل هناك دجاج صناعي أو بيض صناعي؟ لو اجتمع العالم بأسره على خلق كتكوت واحد ما استطاعوا، بل ريشة في ذلك العصفور، ومن المغالطات قولهم: العقل الصناعي! هل هناك من يخلق عقلاً؟ لا يوجد من يخلق نملة.إذاً شاهد هذه الدجاجة لما ترعى مع أبنائها، وانظر كيف توسع من طاقتها، وتدخل كل أفراخها تحتها، وتأخذ تعلمهم كيف يتغذون بنقر الحب، وتبين لهم كيف يضربونه بمناقيرهم، فهذا مظهر من مظاهر الرحمة أو لا؟ من أودع في هذه الدجاجة هذه الرحمة.وانظر أيضاً إلى العنزة -أم الجدي- فإذا كان لها ولدان أحياناً، انظر إليها كيف تأكل طعاماً؟ تتواطأ؛ لأنها إذا كانت واقفة ما يصل إليها الجدي حتى يرضع منها؛ لأنه صغير، فهي تنزل نزولاً بثديها وجسمها، ثم لما يأخذ يرضع تأخذ تناغيه بنغم خاص، من أودع هذه الرحمة في هذه العنزة؟ الله.وأقرب من هذا كله أمك أيها الفحل، من حول الدم القاني الأحمر في جسم المرأة إلى لبن أبيض؟ لمَ هذا؟ لمَ ما تصبه دماً أحمر يقتل؟ كيف يتحول إلى لبن أبيض سائغ لمن يشرب؟ فهذا من مظاهر الرحمة الإلهية أو لا؟!ويذكر الرازي في تفسيره عن إبراهيم بن أدهم قال: كنت جالساً مع أحد الإخوان، فجاءت المائدة، وهي سفرة عبارة عن خبز فيه زبدة أو غيرها، قال: وضعت المائدة وإذا بغراب يختطف قرصاً، قال: فاتبعته، أجري وراءه حتى وصل إلى تل ووضعه، فطلعت الجبل، فوجدت رجلاً مغلولاً؛ مكتوف اليدين والرجلين موضوعاً في تلك القمة، والغراب وضع القرص بين يديه .. لا إله إلا الله! هذا مظهر من مظاهر الرحمة الإلهية، فمن بعث الغراب يختطف القرص ثم يتجه نحو هذا المكبل المغلل على رأس الجبل؟ الله، هنا تجلت رحمة الله أو لا؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3].ولو فكرنا قليلاً، ولو تدبرنا وتأملنا فإن مظاهر الرحمة لا حد لها.وها هنا خبر مسجل عندنا في القرآن بالحرف الواحد.كان سليمان عليه السلام يستعرض قواته البرية والجوية، وشأن الملوك والحكام يستعرضون قواتهم؛ لأنهم دائماً في غزو وجهاد، فمرت جحافل الجيش وإذا بنملة تصرخ وتقول: يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18]، فهذه نملة لما شاهدت الخيول والزحف قريباً صاحت في بنات جنسها تحثهم على أن يتخذوا لأنفسهم مهرباً وملجأ يلجئون فيه: ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لمَ؟ حتى لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18] فأعجبت هذه الكلمة سليمان؛ لأنها نزهته من الظلم، وأبعدته عن الطغيان، فهل عرف هذا زعماء العرب الذين يذبحون بعضهم بعضاً؟ قالت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ والحال أنهم لا يَشْعُرُونَ [النمل:18] ولو كانوا يشعرون بكم لن يحطموكم بنعالهم، ولا بحوافر خيولهم، لكنهم لا يدرون؛ لأن قريتكم صغيرة وخفية، فسليمان سر سروراً عجباً من قولها: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا [النمل:18-19]، وبعد، لو كان من أمثالنا لطغى، حتى النمل يرهبنا، لكن سليمان ماذا فعل؟ فزع إلى الله رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ [النمل:19] ادفعني لأن أشكر هذه النعمة، ما أنا ومن أنا حتى يرهبني النمل أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ [النمل:19] هذا سليمان عليه السلام.
الفرق بين الرحمن والرحيم
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ) فلفظ الرحمن يدل على الكثرة، فلهذا الرحمن رحمان الدنيا والآخرة.وقد تجلت لنا رحمته في كل ذرات الكون، ولا تخفى على ذي بصيرة أو عقل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله قسم الرحمة مائة قسم )، أي: جزأها مائة جزء، فأرسل جزءاً في الأرض، فالكون والخليقة تتراحم به، وتسعة وتسعين ادخرها لأوليائه في يوم القيامة، ومن ذلك الجزء المئوي الخليقة كلها تتراحم، وشاهد هذا في الحيوانات كلها، في العصافير، في النمل، في الذئاب، في الأسود .. فضلاً عن البشر، فالخليقة كلها تتراحم بذلك الجزء، وتسعة وتسعون مدخرة؛ فلهذا قالوا: الرحمن رحمن الدنيا والآخرة، والرحيم رحيم بأوليائه يوم القيامة.معاشر المستمعين! ما يغنينا إن عرفنا؟الجواب: الذي يغنينا أن تتجلى الرحمة فينا، وبأن نكون رحماء.هل عرفتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( الراحمون يرحمهم الرحمن )؟! والقساة العصاة الغلاظ ليسوا أهلاً لرحمة الله في يوم القيامة، لا يرحمهم، بل يعذبهم في أتون الجحيم.وقال: ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) فمن هو الذي في العلو والكمال؟ الله، وقد عرف المؤمنون والمؤمنات الرحمة وعاشوها، ولكن بعد أن جهلوا معناها، وما دعا الله إليها، وما بينه رسوله فيها، قست القلوب، وجمدت النفوس، وأصبحنا كالحيوانات، بل الحيوانات أرحم منا والعياذ بالله.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24-06-2020, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,069
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (4)
الحلقة (4)




(الرحمن الرحيم) اسمان من أسماء الله تعالى، فهو وحده المتصف بكمال الرحمة، وهو -أيضاً- مالك يوم الدين الذي هو يوم الجزاء، لأن ما في الدنيا من محن أو منح إنما هو من شؤم المعصية، أو بركة الحسنة، وبما أن الله مالك يوم الدين، فهو -إذاً- ملك يوم الدين؛ لأن كل مالك ملك على ما يملكه.

من الأحكام المتعلقة بسورة الفاتحة

تسمى هذه السورة بسورة الفاتحة؛ لأن الله تعالى افتتح بها كتابه القرآن العظيم، وآياتها سبع آيات.وهل البسملة آية؟ نعم آية، ونعم ليست آية، لمَ؟ لأنها نزلت مرتين: مرة ومعها البسملة، ومرة بدونها، فإن عددناها جعلنا: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] إلى آخر السورة آية واحدة، وإن قلنا: ليست آية، وإنما شأنها شأن بسم الله الرحمن الرحيم في فواتح السور كلها إلا التوبة؛ لأنها إعلان حرب، حينئذ عددنا: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] الآية السابعة، ومن هنا لا خلاف بيننا ولا فرقة، ولا شيء من شأنه أن يوغر صدور بعضنا على بعض.وهذه السورة مفتتحة ببسم الله الرحمن الرحيم، ومعنى هذا: باسم الله أقرأ، ولولا إذنه لي ما مسست كتابه ولا تصفحته فضلاً عن قراءته، فبإذنه نقرؤه، وباسمه نقرأ ونتبرك، ولهذا شرعت البسملة في كل سورة، لما تقول: بسم الله الرحمن الرحيم: الْحَاقَّةُ [الحاقة:1] معناه: أنك بإذنه قرأت كلامه، ولو لم يأذن لك من أين لك أن تقرأ؟ ثم لا تنسَ ما يحمل اسم الله من اليمن والبركة والخير، فما ذكر على شيء إلا بارك الله فيه، فلهذا نذكر اسم الله عند تناول الطعام والشراب .. متبركين، ومعلنين عن إذن ربنا لنا، إذ لولاه ما قلنا ولا فعلنا، ونحن مملوكون مربوبون، وهو رب العالمين، وما أذن لنا فيه قلناه واعتقدناه وعملناه، وما لم يأذن لا نستطيع أن نقول، ولا نعمل، ولا نعتقد أبداً؛ لأننا عبيد الله.

حكم قول: آمين بعد الانتهاء من قراءة سورة الفاتحة


تلاوة هذه السورة بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7].لمَ ما قلت يا شيخ: آمين؟الجواب: هذه السورة عدد آياتها سبع آيات، قال الله: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي [الحجر:87]، فإذا زدنا آية من عندنا أصبحت السورة ذات ثمان آيات، ويا ويلنا إن فعلنا، فـ (آمين) ليست من القرآن، ولا من هذه السورة أبداً، بل هي جملة دُعائية معناها: اللهم استجب لنا، فإذا قرأنا وسألنا ربنا الهداية إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، وأن يبعدنا من صراط المغضوب عليهم والضالين قلنا: يا ربنا استجب، ولهذا إذا قرأ الإمام وقال: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] نقول: آمين.وفي قولنا: (آمين) جائزة أعظم -والله- من جائزة نوبل سبعين مليون مرة، ولكن من يرغب فيها؟ ومن يطلبها؟ هل تدرون ما هذه الجائزة؟ تعطى صك الغفران، فما تقدم من ذنبك محي وأزيل، وكفر وستر، ولم تطالب بشيء.لكن كيف الحصول عليها؟ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمن الإمام فأمنوا )، يعني: قولوا: آمين، ولا بأس أن تقول: أمين، لكن الأفصح: آمين، ليتناسب مع وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7].فقوله صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمن الإمام ) أي: إذا بلغ الإمام موضع التأمين، فليس شرطاً أن تنتظره حتى يؤمن وتقول بعده: آمين، وقد سبق لنا أن ذكرنا قوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [النحل:98] وقلنا: يجوز أن يستعيذ أولاً ثم يقرأ، ويجوز أن يختم القراءة بالاستعاذة، وقوله: ( إذا أمن الإمام ) معناه: إذا فرغ من التأمين، أما أن تؤمن قبله فلا يجوز، لكن يمكنك إذا قال: آمين أن تقولها معه، لكن المقصود من حديث: ( إذا أمن الإمام فأمنوا ) أي: إذا بلغ الإمام موضع التأمين، والإمام يؤمن عندما يفرغ من القراءة ويقول: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فقولوا: آمين.ثم قال في الحديث: ( فإن الملائكة تؤمن ) سبحان الله! إي نعم، والملائكة موجودون في المسجد، أنسيت أن معنا أكثر من عددنا؟ فمع كل واحد منا ملكان، فعددهم مضاعف.قال: ( من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) وهذه هي الجائزة، فنسأل الله تعالى ألا يحرمنا إياها، ونحن نبذل ما استطعنا، وكلما بلغ الإمام: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] نقول: آمين، ولا بد أن نصادفها مرة، كليلة القدر، وأحدنا لو صام رمضان عشرين، خمسين سنة وهو يشهد التراويح بإذن الله يحصل عليها، فكذلك نحن إذا بلغ الإمام مبلغ التأمين وقالها نقول: آمين، والملائكة قالت، فإن صادفنا بقضاء وقدر تأمينهم ووافقناه أخذنا صك الغفران.وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يجهر بآمين قالوا: هذا دعاء يكون في السر، والسر أولى، لكن رد عليهم بما صح من النقل الصحيح: أن الصحابة كانوا يقولونها، وأنه إذا أمن الرسول وأمن المصلون يسمعون للمسجد رجة، وهنا إفراط وتفريط، ونحن جماعة الوسط، عرفتم مذهبكم؟ لا مالكي ولا حنبلي ولا حنفي.المالكية والأحناف لا يرفعون أصواتهم، يقولونها سراً، ونحن نقول: الوسط الوسط، لا تقل كما يفعل بعض الإخوان: آمين بالعنترية، لا يجوز هذا، وأحد الأئمة في ديار المغرب يعلم الفتيان سنة الجهر بالتأمين، فكانوا يصيحون صيحة واحدة: آمين، فقال الإمام: والله ما أصلي، وخرج من المحراب.أين الخشوع، وأين الخضوع، وأين اللين، وأين السكينة؟ الصواب أن نقول: آمين، لأنها دعاء، أما: آمين بالعنترية فغير وارد، وليس من السنة، لكن لما أهل المسجد كلهم: آمين، نعم تسمع رجة للمسجد.

تابع تفسير قوله تعالى: (الرحمن الرحيم)


قال ربنا: الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:3] سبق أن عرفنا أن رحماننا جل وعز هو رحمان الدنيا والآخرة، وهو رحيمهما، ومن هنا تطمئن النفوس، وتسكن القلوب لرحمة الله عز وجل، فيا عبد الله! لا تبك طول عمرك ولا تترك النوم وتقضي دهرك بالقيام، ولا تترك الطعام والشراب وتواصل الصيام، ولا ولا، اعلم أن ربك رحمان رحيم، فبهذا تهدأ النفوس، وتسكن القلوب.إن الرحمن الرحيم صفتان، فالرحمن اسم من أسمائه تعالى، ولهذا لا يجوز لأحد أن يسمي ولده الله أو الرحمن، وهذه تحفظ وحرام أن تنسى، وهذا بلا خلاف، لأن هذا استأثر الله به، فاسم الله لا يعرف إلا لله، والرحمن كذلك.والعرب في الجاهلية ما كانوا يعرفون الرحمن في الغالب، فلهذا لما سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو: ( يا رحمان يا رحيم ) قالوا: اسمعوا، ينهانا عن الشرك ويشرك، وينهانا عن أن نذكر آلهتنا ويقول: لا تذكروا إلا الله، لا تدعوا إلا الله، وهو عنده إله ثاني يقال له: الرحمن. فنزلت آيات سورة بني إسرائيل من آخر السورة، وهي قول الله تعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الإسراء:110] هذا في مكة، وجاء في سورة الفرقان: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا [الفرقان:60].وأما عفريت اليمامة وذليلها مسيلمة الكذاب فقد انتحل هذا الاسم وقال: أنا رحمان اليمامة. وقد عرفتم كيف لعنه الله، وكيف هزم، وقتل، ومزق، وإلى جهنم.إذاً لا نسمي الرحمن، ولا يحل أبداً بحال من الأحوال.وكذلك لا تسمِّ الرحيم، ولا بأس أن تقول: فلان رحيم، فيا رحيم أعطنا ماء، أو ابذل لنا كذا، أما بـ(أل) الدالة على الوصف وعراقته فيه فلا يصح أبداً.ولا تسمِّ أيضاً الغفار ولا الغفور ولا الجبار ولا ..، ولكن اسلبها (أل)، فيجوز أن تقول: فلان عظيم، فلان حليم.الخلاصة: حرام أن نسمي أحدنا بأسماء ربنا، وإن فعلنا كنا من الملحدين في أسمائه، والله يقول: إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا [فصلت:40] الآية.ومن ذلك الرب تعالى، هل يجوز أن تقول: الرب فلان؟ يجوز بالإضافة، تقول: من رب الدار؟ بمعنى: من مالك الدار؟ يقال: إبراهيم. من رب هذه السيارة؟ يعني: من مالكها؟ فهذا يجوز، أما أن تقول: الرب فلان، بمعنى: المالك فلان، هذا لا يحل أبداً، ولا عذر لك، لو قيل لك: لمن هذه الدار؟ تقول: الرب لها فلان، لا، تقول: رب الدار بالإضافة .. رب السيارة نعم يجوز.

تفسير قوله تعالى: (مالك يوم الدين)

اختلاف القراء في قراءة (مالك) في قوله: (مالك يوم الدين)

قال تعالى: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4]، وقرئ في السبع وهي قراءة الجمهور: (ملك يوم الدين)، فلهذا من قرأ (ملك) كمن قرأ (مالك)؛ لأن المالك كالملك، فما دام مالكاً لكل شيء أصبح ملكاً عليه، ومن كان ملكاً أصبح مالكاً.أما العلماء فهناك من رجح (ملك) على (مالك)، وهناك من رجح (مالك) على (ملك)، ونحن نقول: كله لله؛ لأن الله تعالى سمى نفسه الملك والمالك لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4].الخلاصة: لا نرجح هذا على هذا، لم؟ لأن الله أنزل كتابه على سبعة أحرف، وقرئ (مالك) و(ملك)، فالله ملك، والله مالك، أليس كذلك؟ لما تقول: الله الملك؛ هل تكذب؟ هو الملك، وإذا قلت: مالك كذا، أليس هو المالك الحقيقي؟ وملكنا نحن إضافي فقط، فإن ملكت الدار هل ستدخلها في قبرك معك؟ لا، بل سوف تتركها.إذاً اعلموا أن هذه اللفظة قرئت بالوجهين: (مالك) وهي قراءة حفص ، و(ملك) وهي قراءة نافع أهل المدينة، واقرأ بأيهما شئت، فأنت تفهم معنى مالك ومعنى ملك، والله مالك ولكل شيء، والله ملك، وهو ملك العوالم كلها.

المراد من الدين في قوله تعالى: (مالك يوم الدين)


قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] ما المراد بالدين؟ الدين يطلق على عدة معان، والله ملك كل ذلك، وأول ما يتبادر أن الدين بمعنى الإسلام، أي: عبادة الله عز وجل، والدينونة والخضوع والذلة له بامتثال أمره واجتناب نهيه. ما الإسلام؟ إسلام القلوب والوجوه لله بالإذعان والطاعة له في أمره ونهيه.ويطلق الدين -أيضاً- على الجزاء، ومنه قول الشاعر:دِنّاهم كما دانواويوم القيامة هو يوم الدين ويوم الجزاء، فأعمالنا في هذه الدار تسجل لنا أو علينا ونجزى بها في يوم الدين، فهو يوم الجزاء على الكسب الدنيوي، أي: يوم القيامة، فيوم الدين يوم القيامة، يوم الجزاء، يوم البعث والنشور، يوم الحساب.لكن من الملك في ذلك اليوم؟ الله. لا فرعون، ولا هامان، ولا قارون، لا بريطانيا، ولا أمريكا، ولا إسرائيل.من الملك المتسلط، المطلق التسلط، يعز من يشاء، ويذل من يشاء، يسعد من يشاء، ويشقي من يشاء؟ الله، إذ كل ما هناك لله عز وجل، وهو المالك للجنة وللنار، وللإنس والجن، يدخل من شاء الجنة، ويدخل من شاء النار، ومعنى هذا: أنك إذا عرفت أنه الملك في ذلك اليوم تحسب لذلك اليوم حسابه اللائق به، بمعنى: التزم الأدب مع الله، التزم طاعته وطاعة رسوله؛ لأن يوم القيامة يومٌ لا يملك غيره فيه شيئاً، بل الله وحده مالك كل شيء.إذاً: فتملق إليه من الآن وتزلف، وتغنَّ بذكره وتلاوة كتابه، ومرغ وجهك على التراب، وقم في الليل وأنت تتململ: سبحان ربي العظيم، لأن هناك يوماً لا يملكه سواه، ذاك يوم الجزاء، أما هذا اليوم فليس فيه جزاء، ولكن كما علمتم! الجزاء اليوم هو عبارة عن يُمن العمل الصالح وبركته، وعن شؤم العمل الباطل ونحسه، أما الجزاء فمتأخر. ولو أن كافراً يعذب سبعين مرة في اليوم على كفره هل هذا هو الجزاء؟ عذابه وجزاؤه يوم القيامة أن يعيش بلايين السنين، وهو في عذاب دائم متصل، فإن عذب الكافر بجوع، بمرض، بذُلّ، بكذا، بكذا، هذا هو الجزاء؟! لا؛ لأن هذا ما هو يوم الجزاء، هذا يوم العمل.إذاً: ما سبب هذا البلاء؟ سوء سلوكه، انحرافه، ارتكابه كبائر الذنوب والآثام، وناله هذا من بؤس وشؤم ونحس عمله.كذلك المؤمنون الصالحون يعيشون مطمئنين، طاهرين، أصفياء في رغد من العيش آمنين، لكن هل هذا جزاؤهم على الصيام والصلاة والجهاد والصبر؟ لا، لا، هذا من يُمن وبركة إيمانهم، وصالح أعمالهم.هل فهمتم هذه المسألة؟ حتى لا تقول يوم الدين: هو يوم القيامة، والجزاء -إذاً- لا يوجد اليوم؟ هناك جزاء، فتقطع يد السارق، ويرجم الزاني، ويقتل القاتل، ويسجن المجرم و.. و.. ويمرض، ويكرب، ويموت، كله موجود، لكن هل هذا هو يوم الجزاء الحق؟ دائماً نقول: هذا يوم العمل، اعملوا، أما الجزاء فمستقبل، وذلك في يوم القيامة، في يوم الدين لا اليوم. لما يقول القائل: أنا مستقيم طول العام، ودائماً فقير، ومريض، وصداع، ومحتاج، فما سبب هذا؟قد نقول: هناك سيئات ما علمتها، وما عرفتها، والرحمن ربك تعالى يريد تطهيرك، وتنقيتك، وتصفيتك، وكان بعض الصالحين يقول: إذا عثرت دابتي -وعثرة الدابة مزعج، يكاد الرجل يسقط بسببها- تذكرت سيئة من سيئاتي، وعلمت أنني أذنبت ذنباً.إذاً: فالكسب اليوم لا نجزى به، والجزاء متأخر، ولكن يكون شؤم للمعاصي والذنوب، ويمن للحسنات والسيئات. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] إذا كان الله هو الملك يوم الدين وهو المالك، لمن المفزع؟ لمن الملجأ؟ لا إلى أحد إلا الله فقط.

منزلة قراءة الفاتحة


يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( يقول الله تبارك وتعالى: إذا قرأ العبد الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى عليَّ عبدي. وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي ) فنحن لما نقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] حمدنا الله تعالى، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] أثنينا عليه، مدح بعد مدح بعد مدح؛ ثلاثة، لم سميت السبع المثاني؟ لأنها تثنى.إذاً: أي مجد أعظم من الملك؟ هل هناك مجد، وسمو، وشرف أعظم من الملك؟ الجواب: لا.إذاً: الله يقول: حمدني عبدي، أثنى علي عبدي، مجدني عبدي.ثم قال: ( فإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال: هذا بيني وبين عبدي )، ما وجه بينه وبين عبده؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] العبادة لمن؟ لله. وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] العون لمن؟ للعبد.ثم قال: ( وإذا قرأ المؤمن: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) هذا لعبدي ولعبدي ما طلب، استجابة هذه أو لا؟ بشرى أو لا؟ أوليست ذات قيمة أن يهديك الصراط المستقيم لتقرع باب دار السلام؟ بله لتطهر وتصفو في هذه الأيام، فمن سلك طريق الله ما انكسر ولا تحطم ولا ولا، والذين يتكسرون ويتحطمون ويتمزقون هم أرباب المعاصي، والشهوات، والذنوب، والآثام اليوم في الدنيا.إذاً: ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) معناه: أعطاه طلبه فهداه الصراط المستقيم، فلهذا ينبغي إذا كنا نقرأ أن نذكر هذا، نذكر أننا نحمد الله، وأننا نثني عليه، وأننا نمجده بكلمة مالك يوم الدين، وأننا نقول له: إياك وحدك لا شريك معك إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] ولازمه: أننا لا نعبد سواك بانفراد أو بالمعية، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] فلا نطلب عوناً من سواك؛ إذ لا يملك العون إلا أنت، حينئذ يقول لنا ربنا: هذا لكم، ولكم ما سألتم.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات


قال المؤلف غفر الله له: [بسم الله الرحمن الرحيم.شرح الكلمات:التفسير لغة: الشرح والبيان. واصطلاحاً: شرح كلام الله ليفهم مراده تعالى منه، فيطاع في أمره ونهيه، ويؤخذ بهدايته وإرشاده، ويعتبر بقصصه ويتعظ بمواعظه].ثم قال: [السورة] ما معنى السورة؟ قال: [قطعة من كتاب الله تشتمل على ثلاث آيات فأكثر] إلى المائتين وأربع وثمانين كما في سورة البقرة. ثم قال: [وسور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة بالعد، أطولها البقرة، وأقصرها الكوثر].ثم قال: [الفاتحة] هذه الكلمة ما معناها؟ قال: [فاتحة كل شيء بدايته]، فبداية القرآن سورة الفاتحة.

أسماء سورة الفاتحة

قال المؤلف غفر الله له: [وفاتحة القرآن الكريم هي الحمد لله رب العالمين، ولذا سميت الفاتحة، ولها أسماء كثيرة منها: أم القرآن، والسبع المثاني، وأم الكتاب، والصلاة].سؤال طارئ: لم سميت أم القرآن وأم الكتاب؟الجواب: تعرفون أن الأم هي التي تنجب البنين والبنات، تجلس وحولها أولادها وأحفادها، كلهم تفرعوا عنها، فانظر إلى القرآن الكريم كله قد تفرع عن هذه السورة بجميع ما فيها، كما تولدنا نحن أيها الناس من حواء فأصبحنا بليارات، وأمنا واحدة.أولاً: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:2-3] هذه آيات التوحيد؛ توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، والقرآن من الفينة إلى الأخرى، من الآية إلى الآيات يأتي لتقرير هذه الأسماء والصفات، وتقرير ربوبية الله لكل شيء.ثانياً: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] والدين هو الجزاء ويوم القيامة، وأنت تجد في القرآن الكريم مئات الآيات في هذا الباب، فثلث القرآن يتكلم عن الدار الآخرة، ويدعو إلى الإيمان بها، ويبين ما فيها من نعيم مقيم، ومن شقاء وعذاب دائم، يبين صفاتها، وآثارها، وعلاماتها.ثالثاً: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] والقرآن يحتوي جميع أنواع العبادات من: الصلاة، الزكاة، الذكر، الحج، الجهاد، وغيرها.رابعاً: القصص، من قصة آدم مع حواء في السماء .. مع إبليس في الأرض إلى قصة عيسى ابن مريم مع بني إسرائيل، والقصص ثلث القرآن، وكله تولد من كلمة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] فلهذا سميت أم القرآن، كأن القرآن انحدر منها، وخرج من متنها، كذلك الأم أولادها يشبهونها، ولو كانوا مئات الأولاد والأم واحدة. وبذرة نواة التمر يتفرع عنها النخيل والثمار المختلف الأنواع، فلهذا سميت بأم القرآن، وأم الكتاب.وسميت صلاة، لم؟ لأن الله تعالى قال: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، إذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال: حمدني عبدي. إذا قال: الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:3] أثنى علي عبدي. مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] مجدني عبدي ) هذا القسم لمن؟ لله. ( إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي ) نصفه لي ونصفه لعبدي. ( إذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ). إذاً نصفان: النصف الأول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4] هذا كله لله. النصف الثاني: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7] هل هذا لله في شيء؟ هذا للعبد كله. عرفنا إذاً ما لله وما للعبد؟وما هو المشترك بينهما؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] قال: ( هذا بيني وبين عبدي ) العبادة لي والعون لعبدي، فلهذا سميت الصلاة.وهذا اللفظ يعطيها معنىً آخر: أنه لا صلاة بدونها، فأصبحت هي الصلاة؛ لأنها إذا خلت منها لا صلاة: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) .. ( أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج خداج ) الخداج: لما تلد البقرة أو الناقة مولوداً أزرق، منتناً متعفناً، ما اكتمل الخلقة ماذا تقول له؟ هذا خداج، ناقص، ما يقبل، ما يرضى به.

الفرق بين المكي والمدني


قال المؤلف غفر الله له: [مكية: المكي من السور ما نزل بمكة، والمدني منه ما نزل بالمدينة].وهنا إضافة أخرى وهي أننا نقول: المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها، والمعنيان صحيحان.إذا قلت: بعض آيات السور نزلت في الطرقات وفي الغزوات لا هي في مكة، ولا في المدينة كيف نعمل إذاً؟هل نقول: كلها نزلت في بني كذا؟ كيف نجمع؟ قالوا: ما نزل قبل الهجرة يعتبر مكياً، وما نزل بعد الهجرة يعتبر مدنياً.وما المراد من الهجرة؟الجواب: خروج الرسول صلى الله عليه وسلم من داره وبيت آبائه وأجداده، وتركه ما كان له فيها، والتحاقه بالمدينة، فهجر البلاد، وتركها بأمر الله، فسيد المهاجرين وأعظم مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن أول من هاجر في سبيل الله، وسجلت له هجرة؟أول من هاجر في ذات الله هو إبراهيم الخليل عليه السلام.وهل بقيت الهجرة أو أغلق بابها؟ ما زالت، والمهاجرون يتفاوتون، وأطلقنا على أحدنا سيد المهاجرين المعاصرين، ولو قلنا: سيد المهاجرين نذبح؛ لأن سيد المهاجرين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا بد من هذا القيد: المعاصرين، إذا لمحنا أو لمسنا فيه صفات المهاجرين شجعناه.وهذه الأيام صدرت فتيا وتنازعها العلماء وهي: هل يجب على الفلسطينيين أن يهجروا فلسطين، ويخرجوا منها أو لا يجوز؟الجواب: أيها الأبناء! اسمع العلم حتى لا تضل، أيما مؤمن يوجد في أرض .. في قرية .. في جبل .. في مكان ما .. في دار .. في بلد .. في إقليم .. في غرفة لا يستطيع أن يعبد الله تعالى؛ إذ منعوه، ولا يتمكن من أن يعبد الله فقد وجبت عليه الهجرة، ولا يحل له المقام أبداً في بلد أو أرض لا يعبد الله فيها، وهذه قضية إجماعية، ومن أجلها شرعت الهجرة، ولا يعذر إلا مرأة أو مريض أو شيخ كبار ما يستطيع فهذا أمره إلى الله، قال تعالى: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ [النساء:98-99] أما إنسان قادر أن يهرب، ويبقى في بلد ما يصلي، ولا يذكر الله، ويلزم بالكفر فيكفر لا يحل أبداً.والهجرة لا ينقطع -أبداً- أمرها، ولا يغلق بابها حتى تطلع الشمس من المغرب؛ لأن المؤمن يومها مؤمن، والكافر كافر، فقد أغلق باب التوبة، لو جاء كافر يركض: لا إله إلا الله محمد رسول الله خذوا مالي، أنا صائم، دلوني على بيت ربي فلا يقبل منه شيء واحد، فقد انتهى الأمر. لم؟ لأن الساعة دقت وآذنت، والعمل في الدنيا أو في الآخرة؟ العمل في الدنيا، وفي الآخرة الجزاء، وانفتح باب الآخرة، أعلن عن وصولها، بقي عمل؟ الجواب: لا، المؤمن مؤمن والكافر كافر.إذاً: هل الفلسطينيون ممنوعون من الأذان؟ من إقام الصلاة في ديارهم؟ من اجتناب ما حرم الله عليهم؟ من ستر نسائهم؟ من أكل الحلال؟الجواب: ما بلغنا إلا أنه مباح؛ من شاء يصلي، ومن شاء يغني كبلاد المسلمين الأخرى، فمن هنا لا تجب عليهم الهجرة أبداً، ولا تجب بحال أبداً، إلا إذا كان إمام المسلمين احتاج إلى المهاجرين، وأعلن على الساكنين القاطنين في كذا أن يزحفوا إلى ديار الإسلام، فخليفة المسلمين إذا أمر يطاع، لم؟ لأنه رأى أن يخرج هؤلاء المؤمنون من هنا حتى يضرب الباقين أو حتى يفعل شيئاً، لكن أين إمام المسلمين؟ هل هناك خليفة؟ هناك دويلات دويلات.ومن أراد أن يقف بالتفصيل فعليه برسالة: إعلام الأنام بحكم الهجرة في الإسلام، فهي رسالة -والله- قيمة ومع الأسف أعرضوا عنها، وما قرءوها، ما علموا، ويجب أن توزع في أمريكا، والصين، واليابان، وأوروبا الشرقية والغربية بكاملها وتترجم إلى عدة لغات؛ ليعرف أولئك المؤمنون هل يجوز لهم البقاء في فرنسا وإيطاليا وأمريكا أو لا يجوز؟ثم قال: [والسور المكية غالبها يدور على بيان العقيدة وتقريرها، والاحتجاج بها، وضرب المثل لبيانها وتثبيتها. وأعظم أركان العقيدة توحيد الله تعالى في عبادته ] أي: بأن يعبد الله بما شرع وحده دون سواه. [وإثبات نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقرير مبدأ المعاد والدار الآخرة. والسور المدنية يكثر فيها التشريع وبيان الأحكام من حلال وحرام] ففيها السياسة المالية والاقتصادية والحربية والسلمية، وكل ما يتعلق بالمجتمع المسلم، والسر معروف، لأنه أيام كانوا في مكة من يقول: لا إله إلا الله بالقوة يضربونه، فكيف يصلون؟ إذاً التشريع بدأ بدخول الرسول والمؤمنين إلى المدينة، فالسور المدنية تحمل التشريع.ثم قال: [والآيات جمع آية وهي لغة: العلامة، وفي القرآن: جملة من كلام الله تعالى تحمل الهدى للناس بدلالاتها على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه وعلى نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، وآيات القرآن الكريم ست آلاف ومائتا آية وزيادة، وآيات الفاتحة سبع بدون البسملة] وإن قلنا بالبسملة نجعل الآيتين آية واحدة في آخرها.هذا والله تعالى أسأل أن ينفعني وإياكم دائماً بما ندرس ونقول ونسمع، وصلى الله على نبينا محمد.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 24-06-2020, 04:33 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,069
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (5)
الحلقة (5)





ابتدأت الفاتحة في ثاني آياتها بالحمدلة؛ تربية وتعليماً لنا بأن نقولها في شئوننا كلها، وكان من مظاهر التعليم -أيضاً- في سورة الفاتحة أن نتوجه بالعبادة -بمفومها الشامل لكل طاعة- لله وحده، وإذا صعب علينا أمر لا نستعين إلا بالله وحده، لأنه إذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده.


مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة الفاتحة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! تذكيراً للناسين، وتعليماً لغير العالمين نعيد القول فنقول: هذه السورة لم ينزل الله تعالى في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها، وبهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينزل الله مثل هذه السورة في كتبه التي أنزلها على رسله وأنبيائه.وهذه السورة سبع آيات، وهي المذكورة في قول الله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87]. ‏


نزول سورة الفاتحة مرتين

أما (بسم الله الرحمن الرحيم) فقد نزلت مع سورة الفاتحة مرة، فهي آية من تلك السورة الكريمة، ونزلت مرة بدونها، فمن قرأها على أنها آية فهو ذاك، ومن لم يقرأها على أنها ليست بآية فهو ذاك، أي: حق وصواب. ولكن الأولى أن لا نخلي قراءة الفاتحة من (بسم الله الرحمن الرحيم) ففي بداية صلاتنا في الركعة الأولى نقدم الاستعاذة، فنقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] وفي الركعات التي بعد ذلك، في الثانية والثالثة والرابعة نكتفي بـ(بسم الله الرحمن الرحيم).وإن كنا أئمة نصلي بالمؤمنين فلا نجهر بها، بل نقولها سراً، ونجهر بكلمة (الحمد لله رب العالمين) كما تسمعون أئمة المسجد النبوي، إذ أنس بن مالك رضي الله عنه كما في الصحيح قال: ( صليت وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووراء أبي بكر ووراء عمر، فكانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين ) فحُمِل هذا على أنهم كانوا لا يجهرون بها، بل يسرونها ثم يجهرون بالفاتحة، وهذا هو المذهب الرشيد والطريق السديد، وهذا الجامع لأمة الإسلام حتى لا تختلف.


الأمر بقراءة سورة الفاتحة

عرفنا فيما سبق أننا مأمورون أن نقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:2-7] فما معنى مأمورين؟أخرج ابن جرير إمام المفسرين في كتابه أن هذا معناه: قولوا: الحمد لله رب العالمين، قولوا: الرحمن الرحيم، فهي مما أمرنا الله تعالى تربية لنا وتهذيباً، وتعليماً لنا وهداية أن قال لنا: (قولوا).تأملوا! ما هي بداية السورة؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، من علمنا هذا؟ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:3-4]، تأمل تجد أننا مأمورون بأن نقول هذا، قولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:2-6]، فهذا تعليم من الله لنا، ولسنا نحن الذين اخترعنا وابتكرنا، وحمدنا الله وأثنينا عليه ومجدناه، بل هو الذي علمنا كيف نحمده، وبمَ نثني عليه ونمجده ونتضرع إليه، ونعاهده بأن لا نعبد إلا إياه ولا نستعين إلا به، وأن نسأله أن يديم هدايتنا على الصراط المستقيم، هل فهمتم هذه؟ كأنما قائلٌ يقول لنا: قولوا. ماذا نقول؟ قولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4].


سورة الفاتحة قسمت على قسمين

لقد علمنا سبحانه وتعالى كيف ندعوه ونتوسل إليه حتى يستجيب لنا، ويدل لهذا الحديث القدسي الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يقول الله تبارك وتعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين ) قسم لله وقسم لعبده، وقسم مشترك بينهما، فلنعرف هذا، فهو خير من الدنيا وما فيها.ما هو القسم الأول الذي لله وحده؟ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4]، هذا لمن؟ لله، حمدناه وأثنينا عليه، ومجدناه بأنه الملك يوم القيامة.( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي )، كيف؟ العبادة لمن؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ له، والاستعانة لمن؟ للعبد حتى يقوى على العبادة، هذا بيننا وبين الله. اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:3-7]، هذا لمن؟ للعبد.إذاً قوله تعالى: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله تعالى: حمدني عبدي. وإذا قال: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] قال: أثنى عليّ عبدي. بالحمد، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال: مجدني عبدي ). أما قلت له: أنت الملك الحاكم يوم الدين، هذا تمجيد أو لا؟ تمجيد.( وإذا قال العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] )، ماذا يقول الله؟ ( قال: هذا بيني وبين عبدي )، بيننا نصفين: لنا العبادة، وله العون عليها.( وإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، قال الله تعالى: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل )، الله أكبر! أي نعمة أعظم من هذه النعمة! وإذا عندكم نعم أعظم دلوني عليها؟!ومع هذا تجدنا معرضين إعراضاً كاملاً، نبحث عن الملاهي والملاعب والمساخط والملاعن، كأننا لسنا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، فلا إله إلا الله.

تفسير قوله تعالى: (إياك نعبد وإياك نستعين)


معنى كلمة (إياك)

قال تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].كلمة (إياك) هذا ضمير نصب، والضمائر في النحو: ضمائر رفع، ضمائر نصب. وضمائر النصب هي: إياك، إياكما، إياكم، والمؤنثة تقول لها: إياكِ، والمثنى: إياكما، وجماعة النسوة: إياكن، وهذا خطاب للحاضر، أما الغائب: إياه، إياهما، إياهم، نقول: إياهن دعوت للغيبة.فإياك ضمير نصب: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5].هل (إيا) هي الضمير أو الكاف: (ك)؟اختلفوا، والصحيح الذي لا نعدل عنه أن (إياك) هي الضمير للواحد، فلا نفصل (إيا) عن الكاف، والخلاف وسعوه لكن بدون طائل ولا فائدة.وقد سبق أن قلت لكم قال: قولوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، (إياك) هذا الضمير يدل على أننا خصصنا الله تعالى وأفردناه بالعبادة، (إياك) وحدك لا شريك معك نعبد، أرأيتم لو قلنا: اللهم إنا نعبدك، جائز أن نقول بعده: ونعبد معك فلاناً وفلاناً؟ الباب مفتوح.لكن هذه الصيغة صيغة حصر وقصر، فإذا سمعها العربي: إياك أعني، يفهم أنه ما أراد غيره قط، ولم يخطر بباله سواه، لكن إذا قال: أريدك وعمك معك أو عبدك، هذه ليست صيغة حصر وقصر. إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] لم يقل: (إياك أعبد) بل قال: (نعبد) من أنت يا فلان حتى تقف هذا الموقف.إن لم تكن في جماعات المؤمنين من الأنبياء والمرسلين والصالحين كيف تخاطب الله وحدك! ما تقدر وما تستطيع، بل ذب في الجماعة، وتكلم باسم أمة الإسلام في الأولين والآخرين: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] نحن العبيد الأذلاء الأرقاء لك، نعبدك وحدك.وفي هذا: إعطاء عهد لله بأن لا نعبد سواه، كيفما كانت الأحوال والظروف، عاهدنا ربنا -وهو الذي علمنا هذا- أن لا نعبد سواه أبداً، ومن عبد غيره من المؤمنين خان عهده ونقضه، ويا ويله، فإياك وحدك نعبد -نحن العبيد المؤمنون- ولا نعبد غيرك.

مفهوم العبادة وأنواعها

ما معنى نعبدك؟قد تقول: نذل لك ونخضع؛ لأن هذا اللفظ يقال: مأخوذ من عبَّده يعبده تعبيداً إذا ذلـله، ومنه: تعبيد الطرق، كانت بالحجارة وكانت بالمنخفضات والمرتفعات، عبدوها بأن ذللوها بالآلات حتى أصبحت مستوية، فلا بأس أن نقول: إن لفظ العبادة مأخوذ من هذا المعنى، فنحن نعبدك، نذل لك، ونخضع وننكسر بين يديك، وهو كذلك.والعبادة أنواع، ويجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعرف هذه العبادات، وإلا كيف يعبد ربه، فاعرف ما تعبد الله تعالى به معرفة يقينية حتى تعبده به، وتذل بين يديه، وتخضع له بفعل ذلك الذي تعبده به أو بقوله أو باعتقاده.إذاً: العبادات أنواع، ومنها على سبيل الوضوح: الصلاة، فالصلاة عبادة تعبدنا الله بها، إذ قال: أقيموا الصلاة، فالعبد إذا دخل في الصلاة دخلها ذليلاً منكسراً بين يدي ربه، يؤدي ما عاهده عليه، وإياك يا عبد الله أن تسلب بعضها بالغفلة والإعراض والتفكر في الدنيا ولهوها، بل يجب أن تؤديها كاملة فما تنقصها، فمن دخلها ثم غفل عن موقفه مع ربه، وانتقل تفكيره إلى بيته .. إلى متجره، في كذا، فقد نقض العهد، وما عبد الله العبادة المطلوبة، فلهذا ورد: ( أن من المصلين لا يكتب له إلا ربع الصلاة ).وبمعنى واضح: إذا لم تكن حاضر القلب، وأنك بين يدي الرب تتكلم معه، وتغفل وتذهب بعيداً وإن كنت تنطق بالقراءة أو بالتكبير أو بالتسبيح ما يكتب لك، فما أنت مع الله، وهذا الموقف من أصعب المواقف، فإذا لم تروض نفسك رياضة خاصة لن تكسب هذا الميدان، وأنتم علمتم أنه لا يوجد في العبادات المتنوعة المتعددة عبادة من شأنها أن تولد طاقة النور في القلب أكثر من الصلاة أبداً، ولا توجد عبادة كالصلاة تولد النور المعبر عنه بالحسنات، ولِم سميت حسنات؟ لأن النفس البشرية تحسن بها وتجمل، وتطيب بها وتطهر، وما آلة التوليد؟ هي إقام الصلاة، فلابد من الخشوع: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2]، وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90]، إذ لا يتم معنى العبادة إلا مع الخشوع والانكسار بين يدي الله.كذلك الصيام عبادة، فالصائم ممسك عن الطعام والشراب وعن الشهوة الجنسية -كما يقولون- من أجل من؟ من أجل الله، فهو في عبادة، فلا يفسدها باللهو والباطل، وبالغيبة والنميمة، وبالإساءة والذنب والظلم: ( الصيام جنة كجنة أحدكم في القتال، ما لم يخرقها، بِم يخرقها يا رسول الله؟ قال: بالغيبة والنميمة ).وكذلك الحج عبادة من أشرف العبادات، تغسل صاحبها غسلاً، وتخرجه كيوم ولدته أمه، لا ذنب عليه بالمرة، بل تحول ذنوبه إلى أنوار الحسنات، متى يتم له هذا؟ إذا ذلّ وانكسر، وعبد ربه بها عبادة الأذلاء الأرقاء بين يدي الله، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من حج هذا البيت ولم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ).


علامات قبول العبادة

عندنا لطائف: كيف تعرف أنك طهرت يا بني؟ أي: ما الدليل على أنك خرجت من الحج كيوم ولدتك أمك؟تعرف ذلك:أولاً: بأنك عبدت الله بما شرع، فأديت الحج -وهي عبادة- على النحو الذي شرع الله على لسان رسوله، فما زدت ولا نقصت، ولا قدمت ولا أخرت، إذ التقديم والتأخير في أجزاء العبادة يفسدها، ويبطل عملها، فلا تنتج الطاقة، ولا تولدها، والدليل على ذلك سل الفقيه: يا فقيه! قد قدمت كذا على كذا، أو زدت كذا، سيقول لك: يا ولدي! حجك باطل. كيف باطل يا شيخ؟ سيقول: قالت العلماء: باطل، لكن عندنا نحن نقول: ما أنتج لك الطاقة، وما ولد لك النور، فما فائدة ذلك الحج! تعبت فقط، بلا أجر ولا مثوبة.إذاً: إذا أنت قصدت بهذه العبادة رضا ربك، تنفيذاً لوعدك له: إِيَّاكَ نَعْبُدُ ، فعبدته بها كما شرعها، مخلصاً صادقاً لا تلتفت إلى غيره، فهنا تعرف أنك نجحت.والبرهنة الحقيقية أنك إذا فرغت من الحج تجد نفسك غير ذاك الذي أقدم على الحج، حتى يصبح أهل القرية يسمونك الحاج: هذا الحاج فلان، لِم؟ ما أصبح يكذب، ولا يظلم، ولا يخون، ولا يتكبر، ولا يمنع خيراً، ولا يجحد معروفاً، ولا .. ولا، تغير رأساً على عقب، فطاب وطهر نتيجة تلك العملية القوية التي قضى فيها الشهر أو ما يقاربه وهو مع الله في الليل والنهار، فما بقي في قلبه ولا في نفسه دنس ولا ظلمة.أما أن ينهي هذه العبادة ويدخل في أودية الضلال فيكذب، ويحلف بالباطل، ويلعب بالورق، ويأكل كذا، ويتكلم كذا، فأين آثار تلك العبادة؟ لا أثر لها، لِم؟ لأنه ما أداها على النحو الذي شرع الله من أجل أن تثمر الزكاة وتطيب القلب والنفس.إذاً: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] أي: بما شرعت لنا من أنواع العبادة في كتابك القرآن العظيم، وعلى لسان النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم.فإياك أن تكذب على الله وتقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] بالبدع والخرافات.هل هذه عبادة أن يجتمع أناس على بدعة أربعاً وعشرين ساعة ويخرجون أصفار اليدين، آلله تعبّدكم بهذه؟ قالوا: لا، إذاً: لِمَ؟ قالوا: نعبد الله. هذه عبادة باطلة، وكذبوا على الله.وافهموا: أن العبادة سواء كانت من أعمال القلوب، أو من أعمال الألسن أو الجوارح، هذه العبادة إذا لم تكن مما شرع الله وبيّن، وعلّم رسوله صلى الله عليه وسلم وفسر وشرح، وبينها للناس، فلن تكون عبادة تزكي النفس وترضي الله تعالى أبداً بحال من الأحوال.ثانياً: إذا لم تراعِ زمانها ومكانها الذي شرعت فيه، وكيفيتها بأن لا تزيد ولا تنقص، ولا تقدم ولا تؤخر، فإنها وإن كانت مشروعة ما تنتج لك الطاقة، ولا تولد لك الحسنات أبداً.أما إذا لم تكن مشروعة فأمرها واضح، فمن عبد الله بغير ما شرع، فهو إن لم يكن كافراً فهو مشرك أو ضال.العبادات أنواع يجب أن نعرفها من الكتاب والسنة ومن أفواه العالمين، إذ قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، أما أن يعيش الرجل والمرأة أربعين، وخمسين، وستين سنة، ما يعرف ما معنى العبادة، ولا أنواع العبادة، أين كان؟من يعلن فقره وحاجته إلى غير الله عز وجل فقد عبد غير الله، وخان أمانته، ونكث عهده عندما قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5]. ومن الذي علمك هذا القول؟ الله هو الذي قال: قولوا كذا وكذا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5]. علمنا التوحيد ثم نشرك؟ ننقض عهدنا؟!انتبهوا: الدعاء عبادة، والرسول هو الذي يقول صلى الله عليه وسلم: ( الدعاء هو العبادة )، وورد: ( الدعاء مخ العبادة )، إذا نزعت المخ من رأس الحيوان هل بقيت حياة؟ انتهت، مات، فكذلك الدعاء عبادة، وإذا دعوت غير الله انتهى أمرك.العبادة تطلق ويراد بها الدعاء والصلاة وكل أنواعها، وإن كان معناها اللغوي: الذلة والمسكنة بين يدي الله، لكن كيف تذل وتتمسكن؟ الجواب: بقيامك بتلك العبادات القولية أو العملية.( الدعاء عبادة ) فالذين يدعون غير الله نقضوا عهدهم، وتعرضوا لنقمة الله وغضبه عليهم إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5].


طلب العون من الله على أداء العبادة

ثم -وإن علَّمنا هو فقال: قولوا هذا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] وقد هيأنا لذلك- هل في استطاعتنا أن نفي لله بأن نعبده؟الجواب: هل من عرف الحج أداه؟! هل من عرف الصلاة أقامها .. هل.. هل؟ لابد من الافتقار إلى الله، إن لم يكن عون لنا منه ما استطعنا، هو الذي علمنا أو لا؟ فهو يعلم: أننا إذا لم نطلب عونه في صدق، ويبذله لنا ويعيننا ما نحقق وعدنا له: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5]، أو تشكون في هذا؟ كم من مؤمن ما يصلي، أليس كذلك؟ كم من مؤمن لا يزكي، وكم.. وكم، فقدوا العون، وما طلبوا العون من الله فأعانهم.وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لـمعاذ بن جبل رضي الله عنه الأنصاري الشاب، الفقيه، الوالي، القاضي، الذي بعث به إلى اليمن، قال له: ( يا معاذ والله إني لأحبك ) حلف له، آه لو كنت أنا، وكل واحد منكم يقول: آه لو كنت أنا، فوالله إنها لخير من الدنيا بما فيها، ويا ليتنا في النوم فقط نرى رؤيا، فنرى الرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: والله إني لأحبك يا فلان، فكيف تصبحون بعد هذه الرؤيا؟ بعض المؤمنين يصبحون: الذبائح .. الطعام للفقراء والمساكين، والله العظيم فرحاً بنعمة الله .. أعظم عرس هذا، أي حفلة أعظم من هذه؟ فهذا أراه الله رؤيا وبشره بها قبل موته.وما من مؤمن صادق الإيمان، ولا مسلم حسن الإسلام إلا ويرى رؤيا يبشره الله تعالى فيها بالجنة قبل أن يموت، واقرءوا: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، من هم؟ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:63]، كم شرط للولاية؟ شرطان: الإيمان الحق الصحيح، والتقوى الحق لله رب العالمين، بفعل الأمر واجتناب النهي، بهذا تتحقق الولاية.ثم قال تعالى: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [يونس:64]، انتبه! من يمحو ما كتب الله، ومن يبدل أو يغير ما كتب الله في كتاب المقادير: لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ [يونس:64]، والله ما من مؤمن تقي ولا مؤمنة تقية إلا ويبشر بهذه الرؤيا قبل أن يموت في الدنيا.إذاً قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، أي: لا أطلب عون أحد سواك؛ لأن الحصر واضح في إياك نعبد وإياك نستعين ما قال: إياك نعبد ونستعين بك، لأن معناه أنك فتحت الباب لأن تستعين بغير الله أيضاً، لكن صيغة الحصر وإياك نستعين تعني: لا أطلب عوناً ولا مساعدة من غيرك، وفي حديث معاذ : ( والله يا معاذ إني لأحبك فلا تدعن -أي: لا تتركن- أن تقول دبر كل صلاة ) وهل للصلاة من دبر؟ دبر الشيء مؤخره، أليس كذلك؟ فدبر الصلاة آخرها بعد السلام منها: ( أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك )، وما الذكر ولا الشكر إلا جزءا العبادة، ولفظ العبادة عام، فكل ما أطعت به الله متذللاً بين يديه، ممتثلاً أمره، راغباً في إحسانه، هارباً خائفاً من عذابه، فهو العبادة.ولو سلمت وقمت هارباً لعملك في الطريق وأنت تمشي قل: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. فإنك إن عدمت عون الله، والله ما استطعت ولا قدرت على عملك، فتذلل لله عز وجل، واسأله أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وحسن العبادة تأديتها على النحو الذي عرفت، مستوفاة الشروط والأركان والآداب، أي: كما بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك حسنها، فقد تؤدي الصلاة ولا تنتفع بها؛ لأنك أسأتها، وما أديت المطلوب، وما أحسنتها.(اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) هذه الدعوة بعد كل صلاة، إن شئت في الفرائض فقط، وإن عممت في النافلة أو السنة فهو خير، صليت قل فيها هكذا، أو قبل أن تسلم أيضاً، فدبرها يدخل فيها جزء من آخرها، وإن قلت بعد الصلاة فذاك.إذاً: هل يجوز لنا أن نستعين بإبراهيم أو عثمان بالتعاون على خشبة كبيرة: تعال من فضلك أعني؟ يجوز. لكن يجوز، وأين القلب؟ هنا، يجب أن يكون قلبك مع الله، إذ الله هو الذي خلق إبراهيم وأعطاه قوته البدنية، وقربه منك حتى رآك ورأيته، وأسمعه صوتك، وبعث به ليحمل معك، فمن الفاعل على الحقيقة؟ الله.فيجوز أن تستعين بما أذن لك أن تستعين به من عباد الله، ولكن لا يجوز أن تستعين به على المعصية، كأن يحمل معك برميل خمرة: تعال ادفعها معي، تستعين به على المعصية!إذاً نستعين بالله وبما أذن لنا من عبيده على عبادة الله، فإياك نعبد وإياك نستعين على العبادة، حتى نؤديها كاملة، وحتى نوفر بها لأنفسنا حاجتها من الزكاة والطهر.إذاً: فالذين يطلبون العون على معصية الله خانوا الله، وما فهموا: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، أي: نطلب العون منه تعالى على العبادة، فنقوم بها ونؤديها على أكمل الوجوه.وإن قلت: يا شيخ! وهل كيس الرز عبادة حتى نستعين بالله على حمله إلى البيت؟الجواب: نعم، هذا عندنا عبادة، لأنك تريد أن تطعم به أم أولادك، وتطعم أولادك في ذلك البيت، وأنت المسئول عن قوتهم وتغذيتهم، فأنت مطيع في ذلك لله، فقد أمرك الله بالإنفاق عليهم، إذاً: هذا عبادة، فاستعن بالله تعالى على تحقيقها.ولو كان في يده مسحاة يضرب بها الأرض: بسم الله، طالباً العون من الله، فهل هذه عبادة؟إي عبادة، فهو يريد أن يحرث أرضه لينتج البر أو الشعير أو الفلفل والتوابل، من أجل -أيضاً- أن يتغذى ويغذي أهله، وما زاد باعه ليشتري به ثوباً يستر عورته، أو كساء يغطي به امرأته، فنحن ما خرجنا عن دائرة عبادة الله أبداً منذ أن عرفنا الله إلى أن نلقاه.فلهذا يا عبد الله! أنت تاجر أو فلاح أو صانع إياك أن تغش في عملك، أو تخدع فيه غيرك، أو تطلب له الحرام، هذه عبادة لا تنفعك أبداً إلا إذا أديتها كما بينها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 29-06-2020, 05:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,069
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (6)
الحلقة (6)





اشتملت سورة الفاتحة على مقاصد القرآن، ولهذا سميت بـ"أم القرآن" وكان مما اشتملت عليه تعليم المسلم الدعاء لله بأن يهديه الصراط المستقيم، أي الواضح وهو الإسلام، وبينت السورة أن هذا الصراط قد سبق إليه أناس وهم: النبيون والصديقون والشهداء والصالحون ممن أنعم الله عليهم بنعمة الإيمان، ويقابله الصراط غير المستقيم، وهو صراط المغضوب عليهم والضالين.


مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة الفاتحة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات!إننا على عهدنا بسورة الفاتحة، فتح الله لنا ولكم أبواب الخير والهدى، آمين، وقد انتهى بنا الدرس إلى قول الله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7].وأعيد بإيجاز ما سبق أن درسناه؛ تذكيراً للناسين وتعليماً لغير العالمين.


كيفية حمد الله والثناء عليه

لقد علمنا أن الله عز وجل امتن علينا وتفضل، فله الحمد والمنة إذ أنزل هذه السورة وعلمناها، وقال لنا: قولوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:2-7].إذاً: علمنا كيف نحمده ونثني عليه ونمجده؛ لأن الله أهل لذلك، كيف وهو رب العالمين، وهو الرحمن الرحيم، وهو المالك ليوم الدين. كما علَّمنا الله كيف نتملقه، ونتزلف إليه، ونقول في صدق: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5]، أي: لا نعبد إلا أنت، ونحن عابدون لك، ولا نعبد معك سواك، وبك نستعين فلا نطلب العون من غيرك؛ إذ لا يعين إلا أنت، فأنت وحدك المعين.وقد علمنا حديث معاذ كيف نسأله تعالى دبر كل صلاة: ( اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ). ومن لم يعنه الله ما وصل أبداً، ولا فاز، ولا عمل، ولا نجح، وإننا مفتقرون إلى عونه؛ إذ هو الذي يصرف الموانع، وهو الذي يسبب الأسباب، وهو الذي يهدي إليها، ويسوق عبده حتى يقوم بعمله على الوجه المطلوب، فينجح فيه، ويكسب زكاة نفسه، وطهارة روحه.

تفسير قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم)


قال تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] علمنا كيف نطلبه أن يهدينا، يرشدنا، يدلنا، يصل بنا إلى الصراط المستقيم، الذي من سلكه واستقام عليه نجح، وفاز، ونجا من النار، ودخل الجنة، وقد عرفنا أنه الإسلام، فهو دين الأولين والآخرين؛ من آدم عليه السلام إلى يوم الدين، فلا صراط يسلكه السالكون فيفوزوا برضا الله وجواره إلا الإسلام.وما هو الإسلام؟الإسلام: أن نسلم -بمعنى نعطي- قلوبنا ووجوهنا لله، فتكون حياتنا كلها وقفاً على الله.وكثيراً ما بينت لكم: نصلي لله ونصوم، ونبني المنزل لنسكنه لله، ونهدمه إذا أراد أن ينهدم لله، ونتزوج، نطلق، نبيع، نشتري، نسافر، نقيم.. كل حياتنا لله. هذا هو الإسلام، فنسلم القلوب والوجوه لله، وقد جاء هذا في كتاب الله من سورة الأنعام قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ [الأنعام:162-163] أبقي شيء؟ دلوني على شيء يخرج عن الحياة؟هذا هو الصراط المستقيم: أن تكون كلك لله، فتنطق باسمه، وتسكت من أجله، تعطي له، وتمنع من أجله.. وهكذا، هذا هو نظام حياتك.


تفسير قوله تعالى: (صراط الذين أنعمت عليهم)

قال تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] هنا بيان، وتفسير، وشرح للصراط المستقيم، هل سلكه سالكون قبلنا؟ نعم. هل اشترط رجالاً ونساءً قبلنا؟ نعم. من هم؟ هم الذين أنعم عليهم صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7].وقد جاء بيان هؤلاء في قول الله تعالى من سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ [النساء:69] (ومَن) من ألفاظ العموم، يدخل فيها الذكر والأنثى، والأبيض والأصفر، والأول والآخر .. يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ محمداً صلى الله عليه وسلم فَأُوْلَئِكَ أي: المطيعون لله والرسول مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [النساء:69] وسنبين إن شاء الله هذه النعمة العظيمة التي أنعم بها عليهم.والآن من هم يا رب؟ قال: مِنَ النَّبِيِّينَ [النساء:69] فمن هذه بيانية، مِنَ النَّبِيِّينَ جمع نبي، وهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، منهم الرسل ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أربعة عشر أو خمسة عشر. وَالصِّدِّيقِينَ [النساء:69] وعلى رأسهم أبو بكر الصديق ، وكل من صدق في عمله وحديثه وقوله، وتحرى الصدق ولازمه حتى الموت صديق بين الصديقين. وَالشُّهَدَاءِ [النساء:69] جمع شهيد، ومن قتل في ساحة القتال لأجل إعلاء كلمة الله، ومن أجل أن يعبد الله وحده فهو الشهيد. وَالصَّالِحِينَ [النساء:69] من هم الصالحون؟ الذين أدوا حقوق الله كاملة في حدود قدراتهم وطاقاتهم، وأدوا حقوق عباده كاملة لم ينقصوها، ولم يبخسوها.. أولئك هم الصالحون.فهؤلاء نسأل الله -وهو الذي علمنا- أن يهدينا صراطهم الذي سلكوه، ففازوا، ونجوا من عذاب الله، ودخلوا رضوانه في دار السلام.إذاً قوله: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] قد بينهم تعالى لنا في سورة النساء: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا [النساء:69-70].فعلمنا أن نسأله الهداية والثبات عليها في سلوكنا في هذا الصراط المستقيم الذي سلكه مَن قبلنا النبيون والصديقون والشهداء والصالحون.

النعم التي أنعم الله بها على عباده


لكن ما هي هذه النعمة التي أنعم بها عليهم؟أولاً: لفظ النعمة اسم جنس، تحته أفراد لا حد، ولا حصر لهم، كقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34] فإن كانت نعمة واحدها كيف ما نحصيها؟ نعمة البصر معروفة، لكن المراد منها أفرادها بالمليارات كلفظ الإنسان واحد، فالإنسان اسم جنس تحته بليارات من الأفراد.هذه النعمة هنا فتح الله علينا فيها، وتكلمنا وبينا، ونحن إن شاء الله على علم وعلى حق، وهي أنها نعم وليست نعمة واحدة.

النعمة الأولى: نعمة الإيمان


النعمة الأولى: نعمة الإيمان، الذي هو ضد الكفر والعياذ بالله، وضد التكذيب والإنكار والجحود.والإيمان هو: التصديق بالله، وملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، وبكل ما أمرنا الله تعالى أن نصدق به سواء كان معقولاً أو غير معقول، وراء العقل أو فوقه أو أمامه. فإذا أمرنا الله تعالى أن نؤمن بشيء -بمعنى نصدق- آمنا به، وإن قالت المجانين: هذا وراء العقل.ونعمة الإيمان هي من أعز النعم، وأعظمها، وأجلها، وأفضلها، وأبركها، وهي بمثابة الروح للجسد، فهل تتم حياة بدون روح؟ لا والله، لن تكون، وما تكون.إذاً: الإيمان بمثابة الروح، والروح أغلى شيء وأنفسه وأعزه.إذاً الإيمان نعمة عظيمة، وهذه النعمة توهب ولا تطلب، فهناك فلاسفة، حكماء، علماء في الكون، في الذرة، في كل مجالات الحياة ما آمنوا، وماتوا وما نفعهم علمهم في الفلك، ولا في النبات، ولا في الإنسان، ولا في الذرة ولا .. ولا ..؛ لأن نعمة الإيمان توهب، وواهبها هو الله جل جلاله، ولما لم يهبها لـأبي طالب مات على الشرك، والرسول صلى الله عليه وسلم بين يديه يقول له: ( قل: (لا إله إلا الله) كلمة أحاج لك بها عند الله )، لو كان الإيمان يكتسب لآمن أبو جهل عمرو بن هشام ، لآمن أبو لهب ، لآمن ولآمن .. الإيمان نعمة إلهية، وعطية ربانية، ومن أعطيها فليكثر من حمد الله والشكر لله على هذه النعمة؛ فإنها توهب ولا تطلب.وليس معنى هذا أننا نقول للناس: لا تتفكروا في خلق السماوات والأرض، ولا في الحياة والأكوان، لأن هذا كله يدعو إلى تقوية الإيمان وتثبيته في النفس، وتصديقه بالقلب، لكن كونك آمنت هذه نعمة الله.إذاً: النعمة الأولى هي نعمة الإيمان بكل ما أمرنا الله أن نؤمن به، أي: نصدق بوجوده وحقيقته. فهذه النعمة أنعم الله بها على أولئك المواكب أو لا؟

النعمة الثانية: نعمة معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته

النعمة الثانية: نعمة معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، هل بين أولئك المواكب من لا يعرف الله؟ مستحيل، كيف أطاعوه وهم لا يعرفونه؟! كيف أحبوه وهم لا يعرفون جماله ولا كماله؟! كيف خافوه ورهبوه وهم ما عرفوا قدرته ولا عمله ولا سلطانه؟ مستحيل.وهذه النعمة تطلب أو توهب؟ تطلب، فعليك أن تسأل أهلها، وتقرأ في كتبهم حتى توجد هذه النعمة في نفسك، وهي أن تعرف الله كما تعرف أباك وأمك، كما تعرف نفسك، كما تعرف الناس بين يديك، فتحفظ أسماءه، وتعرف صفاته كاملة، وبذلك تتجلى تلك المعرفة في قلبك فتثمر وتنتج لك، وتولد لك -يا عبد الله- فائدتين:الأولى: الخوف منه، فإذا أردت أن تتحرك حركة مما نهاك أو حرم عليك تخاف وترتعد فرائصك، وما تقدر. فالخوف من الله يتولد عن معرفة الله، ومن عرف سلطان الله وقدرة الله، وإحاطة الله بكل الكون، وأن بيده أرواح العباد، وبيده أرزاقهم، خافه وارتعد منه.الثانية: أن ينتج لك حبه تعالى، فتصبح تحب الله أكثر من نفسك، أكثر من أمك وأبيك، أكثر من مالك والناس أجمعين.فلهذا الذي لم يجد في قلبه خوفاً من الله، ولا حباً له فليس بمؤمن .. فليس بمؤمن.أما الخوف فقد قال تعالى من سورة فاطر: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28] فقصر خشيته عليهم بأداة القصر، فلا يخشى أحد الله إلا العلماء، والعلماء هم الذين عرفوا الله بأسمائه وصفاته معرفة يقينية كاملة تنتج لهم الخوف منه، فترتعد فرائصهم عند ذكره، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2].إذاً: النعمة الثانية: نعمة معرفة الله تعالى، وهذه النعمة تطلب، فلا تنام وتصبح تحب الله وتخشاه، بل لا بد أن تتعرف إلى الله، فتسأل فلاناً وفلاناً، وتنظر في الكون والذرة والكائنات؛ حتى يتجلى لك علم الله، وقدرته، وحكمته، وسلطانه ورحمته.. وبذلك تخافه وتحبه، وفي الحديث الصحيح: ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ) فلا يبلغ أحدنا درجة الإيمان ويصدق عليه أنه المؤمن حتى يكون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليه مما سواهما، لا امرأة، لا ولد، ولا وظيفة، لا دنيا ..، لا لا.فهذه النعمة اطلبوها، ومن أراد أن يطلبها في صدق فهناك كتاب الله تَعرَّف فيه إلينا حتى عرفناه، وهناك كتاب الكون، فانظر إلى الملكوت الأعلى وأدم النظر في السماء وكواكبها وأفلاكها، والرياح وعواصفها، والأمطار وآثارها، وانظر إلى الأرض وما فيها من أودية وأنهار وجبال وأبحار، وإنس وجن و.. و.. هذه المخلوقات تدل على خالق عظيم جليل كريم رحيم، يجب أن يحب، وأن يعظم ويبجل، وأن يخاف ويرهب؛ لهذه العظمة، إلا إذا كنا مجانين لا عقول لنا، فهذا شيء آخر.والمعهود بنا لو أن أحداً قدم لك كأساً من الشاي فإنك تحبه .. ولوأعطاك ريالاً أو عشرة ريالات وأنت محتاج إليها فإنك تجله، فما بالك تنسى الذي أعطاك كل شيء ولا تحبه ولا ترهبه ولا تخشاه.هذه هي الحقيقة وإن كانت مرة فلا بد منها.إن الجهل بالله تعالى هو الذي سبب الفسوق، والفجور، والعصيان، والكفران، والشرور، والمفاسد .. وأنواع الأخباث كلها ناتجة عن شيء واحد هو أنهم ما عرفوا الله، ولا يعرفونه، فما أرادوا وما طلبوا ذلك، وما بحثوا ولا استقصوا ولا سألوا، بل يعيشون في دنياهم كالبهائم أنى لهم أن يعرفوا الله، فهل الذي لا يسأل ويبحث يعرف؟!يا أبنائي! النعمة الثانية توهب أو تطلب؟ تطلب، ابحث، اسأل، وقد قلت لكم: هذا كتاب الله يتعرف فيه إلينا نحن الناس، اسمع في آيات البقرة الأولى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:21] خطاب لنا أو لا؟ أبيضنا وأسودنا يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة:21] من ربنا؟ الَّذِي خَلَقَكُمْ [البقرة:21] هل هناك من يقول: أنا لست مخلوقاً؟ إذاً والله ننهال عليه بالضرب، ما أنت مخلوق، ماذا أنت؟ حجر، أنت مخلوق، من خلقك؟ الله، اسأل وتعرف إليه، فأنت مخلوق الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:21].ثم قال: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22] هذه آية من آلاف الآيات، والذي لا يقرأ هذا الكتاب في خلوته، يضعه بين يديه أو يقول لأخيه: يا أخي! تعال اقرأ علي، اجلس معه في سارية من سواري المسجد، أو في زاوية من زوايا بيتك، أو تحت شجرة، أو في ظل جبل وقل: اقرأ عليَّ القرآن حتى أعرف ربي. لكن أنك لا تقرأ، ولا تطلب من يقرأ عليك، فكيف تعرف؟ ومن قال: وما الدليل على ذلك؟ أمة العالم هابطة، سببها: ما عرفت الله، فهي في متاهات الضلال والشر والفساد، حتى ولو انتسبوا إلى الإيمان.


النعمة الثالثة: نعمة معرفة ما يحب الله تعالى وما يكره

أما النعمة الثالثة فهي نعمة معرفة ما يحب الله تعالى وما يكره.فهل يعقل يا أبناء الإسلام أن عبداً آمن حق الإيمان وعرف الله بصفات الجلال والكمال، ثم لا يسأل عما يحب الله وما يكره؟ يعقل هذا؟! عرفت الله وعرفت جلاله وكماله لكن بدون أن تسأل عما يحب ولا ما يكره، بل تفعل ما تحب! فهذا أعلن الحرب على الله.لا بد -وهو من الضروريات- لمن آمن وعرف الله أن يعرف ما يحب الله وما يكره؛ حتى لا يقع في خصومة مع الله، الله يحب كذا وهو يحب كذا، الله يكره كذا وهو يكره .. كيف يعبده؟ كيف تتم ولايته؟معاشر المستمعين والمستمعات! من هنا كان طلب العلم فريضة، وهل هناك من ينقض هذا الكلام؟ الآن ما أصبحنا نقدر على نقضها، فلا بد من معرفة ما يحب الله وما يكره؛ حتى تأتي المحبوب وتقدمه له، وتطيعه فيه؛ لأنه يحبه وهو سيدك ومولاك، إلهك ومعبودك، مربيك وذو نعمتك .. كيف لا تعرف ما يحب حتى تقدم له المحبوب؟ويجب أن تعرف ما يكره حتى من نظرة أو كلمة من أجل أن تبتعد عنها وتتجنبها ولا تأتيها، حتى لا تغضبه عليك وتسخطه، فتخسر كل حياتك.وقد كررنا أن معرفة ما يحب الله وما يكره تعني ما يحب من الاعتقادات، والأقوال، والأعمال، والصفات والذوات، وهذا العلم قد عرفه الصالحون والصالحات، والذي ما عرف يجب ألا ينام الليلة أبداً، يقرع الأبواب من عالم إلى عالم: علموني ما يحب ربي، ومن اتقدت شعلة الإيمان في قلبه والله ما يقوى أن ينام الليلة وهو لا يعرف ما يحب الله ولا ما يكره، كيف أعيش؟ لعلي أفعل ما يكره، ولعلي أنا تارك ما يحب! يا ويلي.معاشر المستمعين والمستمعات! واقعنا شاهد على ما نقول، أكثر أهل لا إله إلا الله من المسلمين ما عرفوا محاب الله ولا مساخطه لا في الاعتقاد، ولا القول، ولا العمل، ولا الصفات، ولا الذوات، ولهذا يخبطون ويخلطون .. فهذه النعمة تطلب بالكد والجد والرحلة إلى الصين والشام والشرق والغرب؛ حتى تعرف ما يحب الله من الكلام والقول والعمل، وما يكره من ذلك.وأمرنا هذا لا يتطلب أبداً أكثر من أن يجلس أهل المسجد في القرية أو الحي كل ليلة، وطول حياتهم في بيت ربهم يتعلمون محاب الله، وكيف يقدمونها له، ويتعلمون مساخط الله وكيف يتجنبونها ويبتعدون عنها بتعاونهم، وهم أهل قرية واحدة أو حي واحد، وبدون هذا لن يعلموا، واسألوني، فهذا هو الطريق، لكنهم أعرضوا عنه، وأغلق الباب في وجوههم.أرأيتم هذه الحلقة؟ غمض عينيك وتصور أنها واجبة في كل مسجد في المدينة، سواء كانت لندن أو مدينة محمد صلى الله عليه وسلم، ففي كل مدينة فيها أحياء يجتمعون هذا الاجتماع بنسائهم وأطفالهم ورجالهم كل ليلة وطول العمر؛ حتى يعرفوا الله معرفة تكسبهم خشيته وحبه، وحتى يعرفوا ما يحب الله، وما يكره الله، وينهضون بالمحبوبات ويقدمونها، ويجتنبون المكروهات ويبتعدون عنها، وبذلك تتحقق لهم ولاية الله.يقولون: ما هو ممكن هذا، ما هو ممكن! كيف ما هو ممكن؟إن الذين اقتدينا بهم وقدسناهم من اليهود والنصارى والمشركين إذا فرغوا من العمل الساعة السادسة يذهبون إلى الملاهي والمقاهي والمراقص، يخففون على أنفسهم، ويتركون العمل، وأنتم لا! يقال: ما هو ممكن! لمَ ما هو ممكن؟ كيف ترقى السماء، وتنزل الملكوت الأعلى وما تبذل أرخص الأشياء؟ وما تجلس بين يدي ربك ساعة تتملقه بجلوسك في بيته فضلاً عن أنك تتعلم ما يجب أن تتعلم.هل هذا واقع المسلمين من أندونيسيا إلى موريتانيا يجتمعون في بيوت الله كل ليلة بنسائهم وأطفالهم ليعرفوا الله ما يحب وما يكره، أسألكم بالله موجود؟ لا. إذاً كيف يرجى لهم أن يفوزوا أو يسعدوا أو يكملوا؟ بالأوهام والظنون؟!فهذه النعمة تطلب بالكد والجد والعمل المتواصل، وأنت تسأل وتتعرف على الله حتى تعرفه، وتعرف ما يحب وما يكره، وكيف تأتي المحبوب، وكيف تتجنب المكروه.


النعمة الرابعة: نعمة التوفيق الإلهي لعبده المؤمن

النعمة الرابعة هي: نعمة التوفيق الإلهي لعبده المؤمن الذي عرف الله، وعرف محابه ومكاره، فلا تستغنِ عن الله وتقول: أنا ما كنت أعلم، والآن عرفت. والله إن لم يعنك ويمدك ما استطعت.بعضهم يعرف أن الخمر حرام ويشربه، أليس كذلك؟ ويعرف أن السرقة حرام وهو كاللص يترقب ليسرق، ويعرف أن الزنا حرام ويزني، ويعرف أن الربا حرام ويأكله ويبتلعه، ويعرف أن اغتياب المؤمن حرام ويغتاب ويمزق أعراض المؤمنين، يعرف.. يعرف.. يعرف، لمَ؟ لأنه حرم توفيق الله عز وجل، فهذه النعمة هي نعمة التوفيق لفعل المحبوب وترك المكروه، ومن خذله الله فلن يوفقه. وهذا ما نفعته تلك المعرفة لوجود خلل، ما هذا الخلل؟ أنه ما سأل الله أن يوفقه، وما تضرع بين يديه وطلب منه أن يسدده، وأن يصوبه، وأن يهديه الصراط المستقيم.ونعمة التوفيق لأي شيء؟ التوفيق للعمل بما عرف من محاب الله، ولترك ما عرف من مكاره الله ومساخطه.الخلاصة: أننا مفتقرون إلى الله، والنعم أربع: النعمة الأولى توهب، والنعمة الثانية تطلب، والنعمة الثالثة تطلب، والنعمة الرابعة توهب. فمن وهبه الله إياها؛ لأنه تملق وتزلف إليه فاز بها، ومعرفة هذه النعم الأربع خير من معرفة كيف تسوق (الميج) يا أبناء الدنيا، خير من أن تدير مصانع الهيدروجين في العالم.إذاً: هذا لنا، قال الله تعالى: ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) وهو اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7].أسألكم: من هم الذين أنعم الله عليهم ونحن نقول له: اهدنا صراطهم، الروس؟ الأمريكان؟ من هم يرحمكم الله؟ هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، ومنهم الأبيض والأسود، والعربي والعجمي، والأول والآخر والآتي..أنعم عليهم بماذا؟ بالذرية؟ بالأموال؟ بالجاه والسلطان؟ بالرفعة والشأن؟ أنعم عليهم بأي شيء؟بأربع نعم: الأولى: نعمة الإيمان به تعالى، الثانية: نعمة معرفته جل جلاله وعظم سلطانه، الثالثة: نعمة معرفة ما يحب وما يكره من القول والاعتقاد والعمل، الرابعة: نعمة التوفيق لفعل المحبوب وترك المكروه لله.هذه أربع نسأل الله ألا يحرمنا إياها الليل والنهار.


تفسير قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)

قال تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] إذا قلنا: هذه آية سابعة، فتكون آية منفصلة، وإذا قلنا: هي تابعة صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] فهي الآية بكاملها. غَيْرِ [الفاتحة:7] نافية، تقول: جاء الطلاب غير إبراهيم ما جاء، فغير مثل إلا، وتقول: حضر التلامذة غير عيسى ما حضر.إذاً اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:6-7] أي: اهدنا صراط من أنعمت عليهم، لا صراط المغضوب عليهم، ولا صراط الضالين.فهناك إذاً ثلاثة صرط أو أصرطة:صراط النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذا سألنا الله وطلبناه في إلحاح أن يهدينا ويثبتنا في السير عليه حتى نخرج إلى دار السلام.وصراط قوم غضب عليهم، وهذا نسأل الله ألا يهدينا هذا الصراط، ولا يدلنا عليه، ولا يثبتنا عليه إذا وقعنا فيه.وصراط آخر أيضاً: صراط الضالين والعياذ بالله.نسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم، لا صراط المغضوب عليهم، ولا صراط الضالين.

صفة المغضوب عليهم

من هم المغضوب عليهم؟ هم اليهود وغير اليهود، ولهذا لم يقل: اليهود.المغضوب عليهم: هو الذي عرف الله، وعرف محابه ومساخطه، وآثر حب سلماه وليلاه وديناره ودرهمه، ومنصبه وجاهه، فهو على علم، وهذا غضب الله عليه.هذا علم وعرف وفسدت ملكته، وسيطرت عليه شهواته وهواه، فكان يعرف ما يحب الله ولا يأتيه؛ لأنه ينقص من ماله أو من درهمه أو من جاهه أو سلطانه، فهو على علم، يعرف ما يكره الله ويبغض ويأتيه؛ لأنه يحقق له ما له أو شهوته أو هواه، ويدخل في هذا من باب المثل اليهود، والله إنهم ليعرفون أن محمداً رسول الله كما يعرفون أولادهم، ولكن إذا قالوا: محمدٌ رسول الله يجب أن يتبعوه، وأن يدخلوا في دينه، وبعد ذلك سيحرمون مملكة بني إسرائيل، وشرف بني إسرائيل، ومجد بني إسرائيل، وأملهم وحلمهم في أن يسودوا العالم و.. و..، قالوا: إذاً لا .. لا .. لا، ما نؤمن، فهؤلاء كفروا على علم.هؤلاء عرفوا الربا وهو مما يغضب الله؛ لأنه يمنع القرض والسلفة بين المسلمين والمؤمنين، ويدفع إلى التكالب على الدنيا، وعرفوا أن الله حرمه، ويبغضه ويسخط على فاعله، ولكن آثروا المال وكثرته؛ ليتحقق حلمهم في سيادة العالم فاستباحوه علناً، واليهود هم أول من أكل الربا، والبنوك الموجودة -والله- لليهود، هم مؤسسوها وبانوها، والداعون إليها، والعاملون على نشرها وتحقيقها في العالم، من يتحداني؟ الغافل لا يعرف.يتحقق من طريق المال الربوي تمزيق الأواصر، وتقطيع الصلات، ويصبح المواطنون خصوماً وأعداء، لا سلفة ولا قرض، ولا إحسان، ولا معروف ولا .. ولا ..إذاً: لا أذهب بكم بعيداً فقد ورد في الحديث أن من المغضوب عليهم اليهود، ومن الضالين النصارى، ولكن لم غضب الله عليهم؟ هل فقط لأنهم بنو إسرائيل؟ حاشا لله، وهي أمة كانت أشرف الأمم وأسماها وأعلاها، وإنما غضب الله عليهم لأنهم عرفوا ما يحب وتركوه؛ لأجل مصالحهم وشهواتهم، وعرفوا ما يكره الله بالعلم اليقيني وارتكبوه؛ لأنه يحقق مصالحهم وشهواتهم، فكل من سلك هذا المسلك مغضوب عليه.وهنا قد يقول غافل: إذاً ما نتعلم أحسن! وقد قالوها لنا: لم ما تحضرون الحلقة الفلانية؟ قالوا: ما نريد؛ لأننا إذا علمنا وما عملنا نهلك، هذا فهم؟!اعلم عسى الله أن يهديك ويوفقك وتعمل، لكن إذا ما علمت فأنت ممزق هالك بالمرة الواحدة.إذاً: قد يقول الغافل: ما هناك حاجة إلى أن نعلم، ما دام أن العلم سبب لغضب الله علينا! هذا كلام يقبل؟ ما يقبل، لأنه مغضوب عليك إذا عملت أو لم تعمل.اعلم واعمل يرض عنك وترفع، أما تقول: لا، ما نعلم ما دمنا ما نعمل! هذا كلام باطل.

صفة الضالين


من هم الضالون؟هم الجهلة الذين يعملون ويكدحون بدون علم، فهم ضلال لم يرضَ الله عنهم.هذا السر في ذكر الضالين، لأنه قد يقول قائل: ما دام العلم يورث سخط الله علينا وغضبه، ونصبح كاليهود، ما نعلم أحسن! يعني: تبقى جاهلاً، أنت كالضالين، الجاهل ضال أو مهتدي؟ ضال. الذي ما يعرف الطريق يسلكه؟ لا يستطيع.إذاً فلا خيار: إما أن تستقيم على منهج الله، وإما تتمزق مع اليهود ومع النصارى.فالضالون وإن أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم النصارى، ولكن كل من عبد الله وبكى، وتمرغ في الأرض، وأخرج ماله ونفسه، وربط نفسه في صومعة، يعبد الليل والنهار بدون ما شرع الله فهو ممزق ضال.تعرفون الرهبان؟ ينقطعون في الصوامع عشرين سنة ما يعرف امرأة، ولا مال، ولا ولد، ومع هذا محترق ممزق؛ لأن هذه العبادة ما شرعها الله، بل وضعها القسس والرهبان، وما هي بشرع الله أبداً، هل تزكي النفس وتطهرها؟ ما تنفع.فمن هنا نقول: يجب أن نتعلم، وأن نعمل بما علمنا، حتى نكمل ونسعد، ولا نقول: ما دمنا ما نعمل لا نتعلم؛ لأن الذين لا يعلمون هالكون، ضالون الطريق، ما مشى في الطريق الموصل إلى رضا الله وجناته، فهم يتخبطون حيث تجدهم في المستشفيات والأموال يدفعونها، والانقطاع، والبكاء من خشية الله، وهم محترقون، يعبدون الله بالبدع والضلالات.وفي المسلمين أناس يبذلون الطعام والشراب، ويبكون، وهم يعيشون على البدع، ما يستفيدون شيئاً أبداً، قلوبهم منتنة عفنة؛ إذ لا بد من معرفة ما يحب الله وما يكره معرفة يقينية، وكيف تفعلها وتقدمها؛ إذ لها ظروف، أوقات، أمكنة، لها صفات، ذوات تؤديها كما هي، وإلا كيف ينفع هذا العلم.

سورة الفاتحة منبع لكل ما في القرآن من معانٍ

سورة الفاتحة هي السبع المثاني، هذه أم القرآن، فأسماء الله وصفاته، وعبادته، شرائعه وأحكامه، قصصه وأخباره .. كلها نبعت من هذه السورة. فقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2-3] يدل على توحيد الله في أسمائه، وصفاته، وجلاله، وكماله، وهو مذكور في آلاف الآيات من القرآن.وقوله: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] عرض للعالم الثاني بما فيه من حساب وعقاب، وجنة ونار، وصنوف الشقاء وضروب السعادة بكاملها في كلمة يوم الدين، فتولد عنها آلاف الآيات.وقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] تفرعت عن هذه الكلمة جميع أنواع العبادات القلبية، والقولية، والعملية.وقوله: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] فجميع القصص في القرآن كله تفرع عن هذه الجملة، فلهذا سماها الله على لسان رسوله أم القرآن.وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 29-06-2020, 05:05 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,069
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الفاتحة - (7)
الحلقة (7)




ثبت للفاتحة جملة أسماء منها: "أم القرآن" لكونها اشتملت على مقاصد القرآن، و"السبع المثاني" لأنها تثنى في الصلاة، و"الكافية" لأنها تكفي في الصلاة، وكان مما بُيّن في الفاتحة أننا أعطينا الله عهداً بأن نعبده وحده، ولا نشرك معه غيره، وأن ندعوه أن يهدينا طريق الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، فننعم بنعمة الإيمان والتوفيق.

تأملات في تفسير سورة الفاتحة


الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على عهدنا بسورة الفاتحة، فتح الله لنا ولكم أبواب الخير والهدى، آمين.وإننا ما زلنا مع فاتحة الكتاب الكريم، القرآن العظيم، وهذا آخر درس نلقيه ونتلقاه عن تلك السورة العظيمة، ومن هنا إليكم خلاصة ما سبق أن درسنا وعلمنا والحمد لله ربنا على ذلك.

من أسماء سورة الفاتحة: أم الكتاب وأم القرآن


أولاً: سميت هذه السورة بالفاتحة؛ لأن الله تعالى افتتح بها كتابه، فهي أول سورة من سور القرآن الكريم، التي هي مائة وأربع عشرة سورة.وتسمى بأم الكتاب وبأم القرآن؛ لأن جميع ما في القرآن متفرع عنها كالأم، فحواء تفرعت عنها بلايين البشر، فشملت الفاتحة:أولاً: توحيد الله عز وجل في ألوهيته، إذ قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ [الفاتحة:2]، وربوبيته: رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وأسمائه وصفاته: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، وفي هذا ثلث القرآن أو أكثر.ثم: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] إشارة إلى الجزاء الأخروي، وفي ذلك بيان للحشر، والنشر، والحساب، والجزاء في الجنة أو النار، والقرآن الكريم بين هذا وفصله، وضرب له الأمثال في آلاف الكلمات.ثم: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، جميع أنواع العبادات، كالصلاة والصيام، والزكاة، والحج، والجهاد وما إلى ذلك مبينة في القرآن الكريم.ثم: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]. أي: القصص الذي حواه القرآن للعظة والعبرة، وقد اشتمل عليه مئات الآيات بل آلاف الكلمات.إذاً: لهذا سموها بأم الكتاب وأم القرآن. من سماها بهذا؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من أسماء سورة الفاتحة: السبع المثاني


تسمى سورة الفاتحة بالسبع المثاني؛ لأن آياتها سبع وتثنى في الصلاة، وآية بعد آية وطول الحياة؛ ولهذا قال تعالى من سورة الحجر: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر:87].وقد عرفتم أنها سبع آيات لا ثمان آيات ولا ست آيات، ومن زاد أو نقص كفر، ويكفي أن الله قال: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي [الحجر:87].ومن هنا علمنا أنها نزلت مرتين، مرة معها بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] فعدت آية، والآيات الست بعدها، ونزلت مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بدون بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، فكانت الآيات سبع.وإليكم بيان السبع بالبسملة أولاً: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7]. فهذه سبع بالبسملة.كما أنها نزلت بدونها: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ * غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:1-7]، فهذه سبع آيات.فمن قال كـالشافعي وتلامذته: الآيات سبع والبسملة هي الأولى، نقول له: أصبت؛ لأنها نزلت بـ بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1].وإن قال مالك أو أبو حنيفة أو أحمد أو غيرهم من تلاميذهم: الآيات سبع، ولكن البسملة ليست سابعة، فشأنها كما في أوائل السور في القرآن، إلا ما كان من سورة التوبة، فإنها ما افتتحت ببسم الله الرحمن الرحيم، والآيات سبع بدونها، والسابعة هي: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، نقول له: أصبت، واتحدت أمة الإسلام، ومشت مواكب النور بلا خلاف.

من أسماء سورة الفاتحة: الشافية


سميت الفاتحة بالشافية؛ لأن اللديغ الذي لسعته العقرب كاد أن يموت، فجاء موكب من مواكب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلوا بذلك الحي واستضافوا أهله، فشحوا، وضنوا عليهم، وفجأة جاءوا: إن سيد الحي قد لدغ هل فيكم من راق؟ من يرقي؟ قالوا: نعم، على أن تجعلوا لنا جعلاً؛ قطيعاً من الغنم، أربعين شاة، ووضع اللديغ بين يدي الصاحب الجليل، وأخذ يقرأ الفاتحة وينفث من ريقته الطاهرة على مكان اللدغة، وما زال يقرأ الفاتحة وينفث حتى قام الرجل كأنما نشط من عقال.

من أسماء سورة الفاتحة: الكافية


سميت الفاتحة بالكافية؛ لأنها تكفي في الصلاة، ولا يكفي عنها غيرها، فلو تقرأ البقرة كاملة في ركعة وبدون الفاتحة ما صحت صلاتك، بله لو تقرأ القرآن كله في صلاتك بدون الفاتحة صلاتك باطلة.إذاً: تكفي ولا يكفي غيرها عنها، ولهذا سميت بالكافية.

من أسماء سورة الفاتحة: الصلاة


سميت الفاتحة بالصلاة، تقول: هذا الرجل يقرأ الصلاة، وهذا يقرأ في الصلاة، كيف تفسر؟ وهل بينهما فرق أو لا؟ فقولك: يقرأ الصلاة، أي: يقرأ الفاتحة: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، وقولك: رأيته يقرأ في الصلاة، أي: الفاتحة يقرأ فيها والسورة.إذاً: سميت بالصلاة لأنها لا تصح إلا بها، تكفي ولا يكفي عنها غيرها.وهل تدرون من سماها الصلاة؟الله ربنا جل جلاله وعظم سلطانه هو الذي سماها بالصلاة، إذ أخبرنا أبو القاسم فداه أبي وأمي والعالم أجمع، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الله تعالى قال وقوله الحق: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، إذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال العبد: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، قال تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] قال الله: مجدني عبدي -هذا لله- وإذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، قال الله تعالى: هذا بيني وبين عبدي -العبادة لي والاستعانة لعبدي-. وإذا قال: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، قال الله تعالى: هذا لبعدي ولعبدي ما سأل )، الله أكبر! هذا خير عظيم، والله لخير من ملء الأرض ذهباً.قسم الله تعالى الصلاة بيننا وبينه قسمين: قسم له وحده لا شريك له، وقسم لنا وحدنا لا شريك لنا، وقسم بيننا وبينه، فله العبادة الخالصة، ولنا العون منه على تلك العبادة.إذاً: سميت الفاتحة بالصلاة، سماها الله جل جلاله ومنزلها، نصفها لله ونصفها للعبد، إذا قيل لك ما هو الذي لله الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4].وإن قيل لك: ما الذي بيننا وبين الله قسمين؟ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، العبادة لمن؟ له هو وحده. والاستعانة والعون لمن؟ لنا نحن؛ لأننا ما نستطيع أن ننهض بدون عونه تعالى.وإن قيل لك: وما الذي لنا وحدنا؟ الجواب: الهداية إلى الصراط المستقيم، لا صراط المغضوب عليهم ولا الضالين.

عهد العبودية لله تعالى وما ينقضه


عرفنا في الدرس الأخير أن من قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الفاتحة:5] فقد أعطى عهداً لله تعالى، أي: عاهد الله ألا يعبد غيره، فأنت يا عبد الله تناجي ربك بين يديه قائلاً: إياك وحدك أعبد. ثم إنك لا تعبده وتعبد معه غيره، فتكون قد كذبت عليه، واستهزأت به، وسخرت منه.احذر يا عبد الله! أن تتخلى عن عبادته أو تشرك معه فيها غيره وسواه، احذر وقد عرفت؛ فلهذا إذا كنت جاهلاً كما كنا، وكنت تدعو غير الله، وتقول: يا ألله! يا سيدي فلان! وسمعت من يقول لك: انتبه! قد انتحرت، إنك عبدت مع الله غيره؛ لأن الدعاء هو العبادة، والدعاء مخها، ولا عبادة بدون دعاء، فمن دعا غير الله فقد أشرك والعياذ بالله.الغافلون يحلفون بغير الله، ويظنون أن هذا من الدين، وهم في ذلك غالطون جاهلون، وقد نقضوا عهدهم وكذبوا على ربهم لما قالوا: إِيَّاكَ [الفاتحة:5] وحدك، نَعْبُدُ [الفاتحة:5] ويحلف بغير الله؛ لأن الحلف بغير الله صرف عبادة لغير الله، والحلف يا معشر السامعين والسامعات! تعظيم للمحلوف به، وليس بالأمر الهين.أصل الحلف لا يكون إلا بمن هو عظيم، وأجل، وأخبر، وقدوس، ولهذا يحلف الناس به، فمن حلف بغير الله سواء حلف بالنبي أو بالكعبة أو بـعبد القادر أو بالطعام أو بالملح أو باليوم والساعة كما هي أيمان أهل الجاهلية، يحلفون بالطعام يقول: والطعام الذي أكلنا، يحلفون باليوم: وهذا اليوم، يحلفون بالكعبة، يحلفون بسيدي عبد القادر ، بالنبي.. هذه الأيمان كلها أيمان باطلة محرمة، والحالف بها قد أشرك في تعظيم الله مخلوقاً من مخلوقاته.قد يقول قائل: كيف عرفنا أن الحلف بغير الله شرك؟نقول له: هل درست السنة؟ هل قرأت جامع الترمذي ؟ قال: لا.إذاً: ارجع إلى الكتاب العظيم، والذي كأنه نبي في بيتك يتكلم، فسوف تجد قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر )، وهو حديث صحيح، وبعد هذا تقول: ما هناك حديث يقول: إن الحلف بغير الله شرك؟!وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عاش ثلاثاً وعشرين سنة، وهو يدعو إلى ربه، والوحي ينزل عليه، فهل ثبت أن مرة من المرات حلف بغير الله؟ ثلاثاً وعشرين سنة وهو يحلف، هل قال: بحق سيدي إبراهيم؟ بحق خليل الرحمن؟ كانت يمينه: بالله، وتالله، واليمين المفضلة عنده: ( والذي نفس محمد بيده )، من هو الذي نفس محمد بيده؟ الله، إذ هو القائل من سورة الزمر: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [الزمر:42]، فأرواحنا بيد الله، وبمجرد ما تنام تفارقك روحك، ويعرج بها إلى الملكوت الأعلى، وإن كان القلب يخفق، والدماء تدور، وأنت تشخر وتظن أن روحك فيك، لا، هذه فقط محطة شغالة بأجهزتها، والروح في الملكوت الأعلى، إن شاء قبضها والله ما ترجع، ولن تجدك إلا ميتاً، وإن شاء أرسلها إلى أن تنتهي أيامك.معاشر المستمعين والمستمعات! الحلف بغير الله نقض للعهد الذي بيننا وبين الله.وهكذا كل أنواع العبادات من الصلاة إلى الزكاة، من الرباط إلى الجهاد، من الذكر إلى الدعاء، كل ما تعبدنا الله به صرفه إلى غير الله معناه نقض للعهد الذي بين العبد وبين الله، وهو يجدده كل يوم: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5].

معرفة الله


علينا أن نجتمع كل ليلة وطول الحياة في بيوت ربنا في مدننا وقرانا، نتعلم العلم، ونعرف محاب الله ومساخطه، وتترقى نفوسنا في الكمالات الروحية؛ حتى نتهيأ في ساعة ما للحاق بالمواكب الأربعة في الملكوت الأعلى، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِين َ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69]، أما أن نكون كاليهود والنصارى والمشركين نهجر بيوت الله وكتابه ونوره، ونعيش في ظلام الشهوات والأهواء، وندعي أننا مؤمنون، فهذه دعوى لا تقبل، ولا تصح.وأكبر برهان وأقوى دليل أن ثلاثة أرباع المسلمين مشركون بالله تعالى وهم لا يشعرون، فهم ما درسوا، وما تعلموا، وما قرءوا كتاب الله، وما زاحموا العلماء كما زاحم جبريل رسول الله بركبتيه.كيف يعلمون؟ وكيف يعرفون؟ وأنى لهم أن يعرفوا محاب الله ومساخطه، أو كيف يتقون المساخط وينهضون بالتكاليف؟!إن العلة العظمى هي الجهل، فمن لم يعرف الله ما عبده.كيف نعرف ربنا معرفة تملأ قلوبنا بنوره، معرفة توجب لنا حبه والخشية منه، ونحن ما جلسنا يوماً نسأل ونتعرف على الله، كيف؟ حياة المسلمين كحياة الكافرين، يشتغلون في المصانع والمتاجر والمزارع و.. و.. وإذا دقت الساعة السادسة، ومالت الشمس إلى الغروب زحفوا إلى المقاهي والملاهي والملاعب، كأنهم غير مؤمنين، فنظام حياتنا غير نظام حياتهم، لكننا جرينا وراءهم وهبطنا أكثر من هبوطهم، فمتى نستيقظ؟ متى نعرف الطريق؟ ولعل من السامعين من يشك في هذه النظريات، هذه ما هي نظريات، هذه حقائق ثابتة علمية، فيوم أعرض المسلمون عن الوحي الإلهي، عن قال الله وقال رسوله، وابتعدوا عنه، إلى أين وصلوا؟ أما استعمروا، واستغلوا، وأهينوا، وذلوا وإلى اليوم؟ لكن أيام كانوا رجالاً ونساءً يقرءون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، والنور المحمدي يشع على ألسنتهم وفي سلوكهم ما فارقوا الكتاب والسنة، كيف كانوا؟ والله ما رأت الدنيا لهم مثيلاً قط منذ أن كان البشر في عزهم وطهرهم وكمالهم وسعادتهم في ثلاثة قرون كاملة؛ الصحابة وأولادهم وأولاد أولادهم؛ لأنهم كانوا هكذا: دقت ساعة نهاية العمل اقبلوا على ربهم في بيوته، يتلون كتابه، ويتدارسونه، ويتعلمون.

منازل الذين أنعم الله عليهم


قال تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7]، وهنا أسألكم: من هم الذين أنعم الله عليهم، حتى تقول: رب اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم؟ ويجب أن تعرف من هم هؤلاء؟ وحرام ألا نعرف هذا، ندعو الله أن يجعلنا في صراط قوم أنعم عليهم ونحن ما نعرفهم، من هم؟ النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، هؤلاء أين هم الآن؟ في الملكوت الأعلى، في دار السلام، أرواحهم في الجنة.ما من مؤمن صالح زكي النفس تخرج روحه إلا التحقت بهم، ونزلت منازلهم في هذه الحياة.إذاً: لما تقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] الذي هو الإسلام، صِرَاطَ [الفاتحة:7]، من؟ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، من هم يا رب؟! عرفناهم بتعريفك إيانا: النبيون، الصديقون، والشهداء، والصالحون.وهل نحن إن شاء الله صديقون؟ إن شاء الله. يجب أن نكون صديقين، يجب أن نكون صالحين، يجب أن نكون شهداء، لكن أنبياء؟ لا؛ لأن النبوة ختمت، فمن ادعى النبوة في يوم ما فقد كفر؛ لأنه كذب الله تعالى وكذب رسوله، والرسول يقول فيه الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، فلا مطمع أبداً في أن تكون نبياً، ولكن وجب أن تكون صديقاً، وشهيداً، وصالحاً في الصالحين.كيف نكون صديقين؟!الباب مفتوح والنور يتلألأ، اصدق في قولك وعملك واعتقادك، واطلب الصدق وتتبعه وتحرّه، فلا تزال كذلك حتى تعطى شهادة بأنك صديق.واسمعوا الرسول الكريم يقول صلى الله عليه وسلم: ( عليكم بالصدق )، الزموه وحافظوا عليه وعيشوا عليه، ( فإن الصدق يهدي إلى البر )، قطعاً يهدي صاحبه إلى ساحة الخير والبر، ( وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً )، هذه الجائزة، دكتوراه هذه، ماجستير، ليسانس، ماذا هذه يا عشاق الشهادات؟ يكتب عند الله صديقاً، أصبح في الموكب الثاني؛ النبيون أولاً، والصديقون ثانياً: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر:33].من منكم طامع؟ كلنا طامع، وكلنا راج، وكلنا نتحرى الصدق ليل نهار، حتى نكتب مع الصديقين.قلت قل الحق، اعتقدت اعتقد الحق، عملت اعمل في صدق، لا تغش ولا تضلل ولا تخدع، واطلب هذا طول حياتك، فسيأتي -والله- يوم وأنت صديق، ومن الجائز أن تكون من أول يوم، من يوم ما بلغت وما عرفت الكذب أنت صديق.الشهداء خمسة، لكن إما أن تستشهد في ساحة المعركة، وإما أن تنوي الشهادة وتطلبها، وتسأل الله أن يرزقك إياها، ولكن حافظ على مالك فلا تنفقه في الحرام، ولا تنفقه في البذخ والسرف؛ لأن هذه وديعة استودعكها الله، فمالك لله.وحافظ على بدنك، لا تدخل عليه عللاً وأسقاماً وأوجاعاً؛ لأنك متهيئ للجهاد، فيوم يقول إمام المسلمين: أموالكم، تدفع المال، يوم يقول: رجالكم، تتقدم بنفسك، فلا بد من هذه النية، واقرءوا إن شككتم: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111]، بعنا أو لا؟ قولوا: ما بعنا أو بعنا؟ بعنا، إذاً: أموالكم وأبدانكم لله عز وجل، فالمال حافظ عليه؛ فلا تبذره، لا تسرف فيه، إياك أن تنفقه ضد صاحبه، إن سجارة تحرقها خنت الله عز وجل في ماله، وهو بضاعة عندك ووديعة.وبدنك لا تدخل عليه ألماً ولا أذى ولا ضرراً أبداً، إذا دعا داعي الجهاد يجدك قادراً على أن تحمل السلاح وتقاتل، لقد بعت، وهي أمانة عندك، فإذا طلبها صاحبها تقول: مع الأسف ضاعت، كيف تضيع؟ إذا ضاعت بقضاء وقدر نعم هو يعذرك، إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111]، الثمن ما هو؟ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111]. إذاً: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111]، فلهذا المؤمنون من هذا النوع لا يدخلون على أبدانهم أذى ولا ضرراً أبداً، لا يأكلون السم، ولا يشربون حشيشاً، ولا خمراً ولا دخاناً، ولا يسهرون طول الليل ولا ولا.. يحافظون على أبدانهم؛ لأنها أمانة الله عندهم.أموالهم كثيرة أو قليلة ينفقونها على أنفسهم التي هي لله، ولا ينفقون فلساً واحداً في غير طلب الله ومرضاة الله، ولا يسرفون، ولا يبذخون، ولا يترفون أبداً؛ لأنها أموال لله، مودعة عندهم، باعوها من يوم أن قالوا: لا إله إلا الله محمداً رسول الله.معاشر المستمعين والمستمعات! هل المسلمون -وهم ألف مليون- عرفوا هذه الحقيقة؟ آه! والله ما عرفوا.إذاً: كيف تقام بهم الدولة الإسلامية، وترفع راية لا إله إلا الله في ديارهم وهم ما عرفوه؟من صرفهم عن المعرفة؟ العدو.من هذا العدو؟ الثالوث الأسود: اليهود، المجوس، النصارى. كيف عرفت يا شيخ أنهم العدو؟! عرفنا من يوم أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وانتصر المسلمون في بدر، فاليهود في المدينة استشاطوا غيضاً، وأصابهم كرب وهم وغم، فأعلن بنو قينقاع تمردهم، فأجلاهم رسول الله، وأبعدهم إلى أذرعات ببلاد الشام.بنو النظير تآمروا على قتله والقضاء عليه، إنهاءً للإسلام، فأرسلوا عليه رحى طاحونة ونجاه الله، وأجلاهم.وبنو قريظة تآمروا مع الأحزاب، وأرادوا أن يضربوه.إذاً العدو الأول للإسلام الذي بدأ هو اليهود؛ لأنهم قالوا: إذا دخلنا في الإسلام إن انتهى وجود بني إسرائيل لا حلم في مملكة ولا دولة ولا حكم ولا.. أبداً انتهوا وذابوا في نور الإسلام. فإن قيل: لا. يا شيخ! هذه أوهام تقولها؟قلنا: أليسوا الآن قد كونوا دولة في فلسطين؟ أليس هذا من حلمهم، وتحقق يقيناً؟ قلناها قبل أن توجد، وما بعد وجودها بقي كلام، وما زالوا يحلمون بإعادة مملكة بني إسرائيل من النيل إلى الفرات.العدو الثاني: المجوس، ما إن سقط عرش كسرى في الدولة الساسانية المجوسية عبدة النار حتى تكوّن حزب يعمل في الظلام لضرب الإسلام، وأول رصاصة أطلقوها: أن قتلوا عمرنا في بيت ربنا، وفي روضة نبيا، قتله أبو لؤلؤة المجوسي.والنصارï؟½ ï؟½: ما أن شعت نور الإسلام في غرب أوروبا وشمال أفريقيا حتى استشاطوا غيضاً وتآمروا، وبحثوا عمن يتعاونون معهم، فتعانقوا مع المجوس واليهود، فكونوا الثالوث، وهم الآن يعملون بانتظام.هل فهم المسلمون هذا؟يا شيخ! مشغولون بالبقلاوة، والوظائف، والمال، والمآكل، أنى لهم أن يعرفوا هذا؟ هذا الشيخ خيالي، خرافي يقول هذا الكلام.إذاً: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، عرفنا من هم. اللهم إننا على طريقهم، وفي سبيلهم سائرون، فلا تحرمنا لقاءهم يا رب العالمين!

النعم التي أنعم الله بها على عباده


ما هذه النعم التي أنعم الله بها عليهم، هل هي مال .. ذرية .. دولة .. شرف؟ ما هذه النعمة التي أنعم الله بها عليهم؟ ما أنت تقول: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، لو قيل لك: بم أنعم عليهم؟ بساتين .. مصانع .. أموال .. زوجات صالحات؟!أنعم عليهم بما يلي:أولاً: نعمة الإيمان، وهي أعلى نعمة وأغلاها وأسماها، وعرفنا أنها توهب، عطية الله، ولن تستطع أن تؤمن إذا لم يرد الله أن يدخل الإيمان في قلبك، وكم من حكماء وفلاسفة وعلماء في الكون والذرة ما آمنوا، وما وهبهم الله ذلك.ثانياً: نعمة معرفة الله عز وجل، وهذه النعمة توهب، فهل إذا كنت نائماً ستصبح عالماً؟ إنها -والله- لتطلب بالكد والجد والسعي، وقد رحل طلابها -والله- من غرب أوروبا إلى هذه المدينة، سنة وهم في طريقهم، ويجلسون بين يدي مالك والشيخ ربيعة وفلان يتلقون أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وأحدنا لا يستطيع أن يغلق باب الدكان بين المغرب والعشاء، فمن أين لك أن تعرف الله وكيف تعرف محابه ومساخطه؟! والذي لا يعرف محاب الله ومساخطه كيف يعرف الله؟ والذي لا يعرف الله ولا ما يحب ولا ما يكره مستحيل أن يكون من المؤمنين، أبداً ما يمكن؛ لأن معرفة الله تثمر وتنتج طاقة، وهذه الطاقة التي تنتجها هي حبه تعالى، فيصبح العبد يحب الله أكثر من أمه، تعرفون الأم أو لا؟ تريد أن تدخلها في جوفك لكن الله أحب إليك، فضلاً عن الولد والمال، حب الله يجعلك إذا طلب يهون أمامك كل طلب، ما دام الله قد طلب الشيء تبادر إليه، ويثمر لك الخوف منه، فلا تخاف سلطاناً ولا شيطاناً ولا جاناً ولا إنساناً، ولا موتاً ولا ولا .. لا تخاف إلا الله.إذاً: هذه المعرفة معرفة الله تعالى، ومعرفة محابه ومساخطه تنتج لك شيئين عظيمين: حبه والخوف منه، والدليل قال تعالى من سورة فاطر: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، احفظوا يا عوام مثلي! لم ما ننطق ونحفظ: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ [فاطر:28]، من؟ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، لا تشك في هذا، فالخشية مقصورة عليهم، وهم أهلها، والذين ما علموا الله ولا عرفوه لا يخشونه، ودعواهم الخشية كذب وباطل، ويمتحنون فتظهر عيوبهم، ولابد من العلم فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19]، من الآمر (فَاعْلَمْ)، من المأمور؟ الله الآمر، والرسول المأمور، ونحن أتباعه، كيف نعلم؟ بالأدلة، بالبراهين، بطلب العلم؛ حتى تعرف أنه لا إله إلا الله. ثالثاً: نعمة معرفة ما يحب الله وما يكره من الاعتقاد والقول والعمل، وهذه تطلب ولا توهب، فلابد من السفر على أقصى الشرق والغرب، لابد من السهر، ولابد من قرع أبواب العلماء، لابد من مزاحمتهم، وعندنا مثل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقص على أولاد الصحابة بعد موتهم يقول لهم: كنت آتي إلى بيت أبي بكر أو عمر أو عثمان أو فلان وأجلس عند الباب أنتظر متى يخرج، فيغلبني النوم، فأنام على العتبة، وتأتي الرياح فتذروا التراب في وجهي، ما أستطيع أن أقرع الباب وأقول: يا عمر أسألك أو يا علي ، بل أنتظر خروجه، ونحن الآن سنة نبكي ندعو يا عباد الله! والله ما ينقذكم من وهدتكم هذه إلا العودة الصحيحة إلى الله، فاجتمعوا في بيوت ربكم بنسائكم وأطفالكم ورجالكم فقط من المغرب إلى العشاء وادرسوا كتاب الله وهدي رسول الله تتحد قلوبكم ووجهات نظركم، وتعرفون ربكم، وتتلاقون على حبه ولقائه.ما نستطيع يا شيخ! ما نقدر.. هذا هو الفشل، آه!كيف نعرف ما يحب الله من الاعتقادات، والأقوال، والأعمال، والصفات، والذوات إذا لم ندرس ونتعلم يومياً طول حياتنا، ما قلنا: أوقفوا المزارع ولا المصانع، ولا المتاجر ولا ولا ولا.. قلنا فقط: كما أن اليهود والنصارى إذا انتهى العمل الدنيوي أقبلوا على المراقص والمقاصف والملاهي، فأقبلوا أنتم على بيوت ربكم، احملوا نساءكم وأطفالكم وضعوهم في بيت الله، وابكوا معهم بين يدي الله.ما نستطيع؟ إذاً: ابقوا على الخلاف، والتناحر، والتطاحن، والفتن، تنتقل من بلد إلى بلد، والدماء، والبكاء، والأحزان، لا إله إلا الله، هل من منقذ؟ لا أحد إلا الله، الله قال: ما يريدون. رابعاً: نعمة التوفيق، فقد تعلم وتحرم التوفيق؛ لأنك ما طلبته، فتعلم المحاب ولا تأتيها، وتعرف المكاره وتأتيها، لأن التوفيق غير موجود، وسبب ذلك أنك ما صدقت الله عز وجل، فلابد من أن تتضرع كل ساعة، وكل ليلة وأنت في العبادة، وتسأل الله الثبات عليها، والتوفيق لما لا تعلم منها.هذه أربع نعم، أنعم الله بها عليهم، ونحن كذلك إن شاء الله منهم.

التحذير من سلوك طريق المغضوب عليهم والضالين


قال تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ [الفاتحة:7] أي: غير صراط المغضوب عليهم، وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، عرفنا أن اليهود مغضوب عليهم، وعرفنا أن كل من عرف ما يحب الله وما يكره، وتعمد ترك المحبوب لله، وتعمد فعل المكروه -والله- لمغضوب عليه كاليهود.وعرفنا أن من الضالين النصارى، فقلنا: كل من يعبد الله بالبدع، والخرافات، والضلالات، ويعبد الله بغير الكتاب والسنة، والله إنه لضال في الضالين كالنصارى، إذ نحن ما عندنا قول أو حركة إلا على نور الكتاب والسنة، كيف نعبد الله بعبادات ما شرعها، وندعي أنها تزكينا وتطهرنا، وتجعلنا في مواكب الصالحين.

تنبيهان متعلقة بسورة الفاتحة


التنبيه الأول: كلمة آمين ليست من الفاتحة واستحباب مد الصوت والجهر بها
قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم في آخر السورة: [تنبيه أول: كلمة آمين ليست من الفاتحة. ويستحب أن يقولها الإمام إذا قرأ الفاتحة يمد بها صوته -آمين- ويقولها المأموم، والمنفرد كذلك لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمن الإمام فأمنوا أي: قولوا: آمين )]، إذا قال: آمين قولوا أنتم: آمين، ( فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه )، فهذه الجائزة أخذناها إن شاء الله، إذ كيف خمسون عاماً وأنت تصلي ولا تأخذها؟ لابد في يوم توافق، فإذا قال الإمام: آمين قالت الملائكة: آمين، فمن قالها ووافق تأمينه تأمين الملائكة أخذ جائزة بمغفرة ذنبه.قال: [بمعنى: اللهم استجب دعاءنا. ويستحب الجهر بها؛ لحديث ابن ماجه : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، قال: آمين حتى يسمعها أهل الصف الأول، فيرتج بها المسجد ) ]، ونبهت إلى فعل بعض الغافلين والشبان حيث يرفعون بها أصواتهم رفعاً منكراً، وبعضهم يفعل هذا عناداً، وهذا خطأ، فهي دعاء، والدعاء يحتاج إلى الخضوع، يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا [السجدة:16].إذاً: نقول: آمين، ولا نقولها في أنفسنا، فهي غلطة غلطها بعض أهل المذاهب، ولا نقول، المتعنترين: (آآمين)، وإنما دعاء رقيق الصوت، رخيم النغم: آمين، المسجد بكامله يرتج بصوت واحد.

التنبيه الثاني: قراءة الفاتحة واجبة في كل ركعة


قال: [تنبيه ثان: قراءة الفاتحة واجبة في كل ركعة من الصلاة، أما المنفرد والإمام فلا خلاف في ذلك، وأما المأموم فإن الجمهور من الفقهاء على أنه يسن له قراءتها في السرية دون الجهرية، ويكون مخصصاً لعموم حديث: ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )]. وصلى الله على نبينا محمد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29-06-2020, 05:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,069
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (1)
الحلقة (8)







اختلف المفسرون في المراد بالحروف المقطعة في القرآن والراجح أنها مما استأثر الله بعلمه، وهي تفيد بأن القرآن مكون من هذه الحروف ومع هذا عجز الكفار عن أن يأتوا بمثل سورة منه، ولذلك نفى الله سبحانه الشك عن كتابه، وبما أنه كلام الله ففيه الهدى والنور لمن اتقى ربه بأن تحقق بصفات المتقين من الإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والإيمان بما أنزل الله من كتب، والإيمان بالدار الآخرة، وقد أخبر الله بأن من كان هذا شأنه أنه على أتم هداية، وأنه الفائز في الدنيا والآخرة.


بين يدي سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً. أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن درسنا عن تفسير كلام الله رب العالمين، وها نحن بعد أن ختمنا تفسير سورة الفاتحة -ختم الله لنا ولكم بحسن الخاتمة- نشرع في دراسة وتفسير سورة البقرة.سورة البقرة سورة مدنية عدد آياتها مائتان وسبع وثمانون آية.قيل: إنها تحتوي على ألف خبر، وألف أمر، وألف نهي.وكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا حفظ أحدهم سورة البقرة ولوه الأمر، أي: أسندوا إليه ولاية.هذه السورة ورد في فضلها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة ). أي: حفظها والحصول عليها بركة ، ( وتركها حسرة ). أي: من لم يرزقها ويحفظها أصيب بحسرة، ( ولا يستطيعها البطلة ). يعني: السحرة.وروى الترمذي أيضاً وصححه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعثاً وهم ذوو عدد وقدم عليهم أحدثهم سناً لحفظه سورة البقرة). بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثاً وكانوا عدداً من الرجال، وأمر عليهم أصغرهم سناً؛ وذلك لأنه يحفظ سورة البقرة، وقال له: ( اذهب فأنت أميرهم ). اذهب أيها الشاب الحدث السن فأنت أمير هؤلاء الكبار؛ كل ذلك لحفظه سورة البقرة.وروي أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ). لأن المقبرة لا يقرأ فيها القرآن، ولا يصلى فيها فريضة ولا نافلة، فصلوا في بيوتكم النوافل، واقرءوا فيها القرآن حتى لا تكون كالمقبرة والعياذ بالله.ثم قال: ( إن الشيطان ينفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة ). الشيطان يهرب من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة.


تفسير قوله تعالى: (الم)

بسم الله الرحمن الرحيم.قال تعالى: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:1-2]. ويصلح هنا أن نقف على (ريب) فنقول: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ ثم نستأنف فنقول: فِيهِ هُدًى ، ويصلح أن نقف أيضاً عند لفظ (فيه) فنقول: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، فلهذا توضع علامات فوق الكلمة الأولى والثانية ليعرف القارئ أنه يجوز الوقف هنا وهنا، والذي يظهر أن الوقف على (لا ريب) أولى، فيكون الكلام فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]. ‏

كيفية قراءة (الم) وغيرها من الحروف المقطعة


قوله: (الم) هذه من الحروف المقطعة، تكتب هكذا (الم)، وتقرأ هكذا: ألِفْ لام مِّيمْ بإدغام الميم بالميم مع الغنة (الم)، وإن كان معها الصاد كالأعراف: ألف لام ميم صاد. وإن كان معها الميم والراء كالرعد: ألف لام ميم راء. وإن كان بدون ميم، الألف واللام والراء كإبراهيم، والحجر، ويوسف، وهود، ويونس نقرأ: ألف لام راء. وإن كانت الكاف والعين، والهاء، والصاد كما في سورة مريم نقرأ هكذا بسم الله الرحمن الرحيم: كاف هاء يا عين صاد. وهكذا آل حاء ميم (حم) و(عسق) وآل (طسم) والأحادية (ن) (ق) (ص).

سر الحروف المقطعة


الحروف المقطعة تسعة وعشرون حرفاً، فما سرها؟ وكيف نؤولها ونفسرها؟الجواب: أولاً: الأخبار الواردة -والتي نقلها أهل التفاسير في الجملة- أن هذه الحروف تشير إلى مدد وزمان هذه الأمة منقولة عن بني إسرائيل، ولا يصح منها خبر أبداً.ومن فسرها بأنها إشارة إلى أسماء الله تعالى فهو تفسير بلا دليل.والقول بأنها أسماء للسور ليس بسليم، فلو كانت (الم) اسم سورة لما قلنا: البقرة، ولا قلنا: آل عمران.ويبقى القول الذي نحفظه ونحافظ عليه حتى نموت أنها سر الله في كتابه، وهذا هو الوارد عن ابن عباس وغيره: إن لله في كتبه أسراراً، وسر الله في القرآن هي هذه الحروف، فلهذا نقول: (الم) الله أعلم بمراده بذلك. وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم، وكذلك (طس) الله أعلم بمراده بذلك.وإذا كان سراً من أسرار الله فلا يجوز البحث عنها والتعرف عليها؛ لأنها كالغيب، فالغيب لله، ولا يصح لأحد أن يحاول أن يطلع على غيب الله، والذي يدعي الغيب إن لم يتب يموت كافراً والعياذ بالله، والله عز وجل قد أخفى غيوباً رحمةً بعباده، فلا يصح لمؤمن أن يبحث ليعرف ما أخفى الله تعالى وما غيب عن عباده، وقد لعنت الشياطين لأنها حاولت أن تتعرف على الغيب.إذاً القولة الصحيحة السليمة: (الم) الله أعلم بمراده به، ونفوض الأمر إلى الله. وقد ورد وصح أن هذه الحروف من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، إذ قال تعالى: هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]. فالراسخون في العلم يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ أي: المحكم والمتشابه مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا .الخلاصة أن هذه الحروف المقطعة منها أحادية كـ(ص) و(ق) و(ن)، وثنائية كـ (يس) و(طه)، ثلاثية كـ (الر)، ورباعية كـ (طسم)، وخماسية كـ (كهيعص) هذه سر لله في كتابه، فإياك أن تبحث عن معناها، وإذا سئلت فقل: الله أعلم بمراده به، وهذا هو التفويض الحق.

فوائد الحروف المقطعة


هنا فائدتان جليلتان أفادتهما الحروف المقطعة، وهذا استنباط لم يقل أهله: هذا مراد الله بل قالوا: هذه الحروف تفيد فائدتين جليلتين:الأولى: لما كان المشركون يحاولون أن يمنعوا الناس من سماع القرآن ويصرفوهم بكل وسيلة، وقد نفوا أبا بكر الصديق من مكة؛ لأنه كان يقرأ ويبكي، فتأثر الناس بقراءته وببكائه وأخرجوه من مكة، وقد صرح تعالى بهذا الفعل عنهم بقوله: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26]، قالوا للشعب المكي: لا تسمعوا لهذا القرآن، وإذا كان أحدهم يقرأ القرآن الغوا أنتم فيه بالصياح والضجيج والكلام الباطل؛ حتى لا يتسرب هذا النور إلى آذان وقلوب السامعين من باب الوقاية التي لابد منها.فلما حاولوا صرف الناس عن سماع القرآن جاء الله تعالى بهذه الحروف التي تجعلهم ينصتون ويسمعون؛ لأنهم ما عهدوها ولا عرفوها، فعندما يأخذ القارئ يقرأ: (الم) وهذا النغم والصوت ما سمعوه، فيضطر إلى أن يصغي بأذنه ليسمع، وكذلك إذا قرأ: (طسم) فيصغي ويسمع.إذاً الحصار الذي ضربوه على سماع القرآن أزاله الله بهذه الحروف، وقد كان رؤساؤهم يأتون إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم يسمعون القرآن في الظلام، ويتعاهدون أن لا يعودوا، وإذا أخذتهم المضاجع ما استطاعوا أن يناموا، فيأتون مرة أخرى في الظلام ويسمعون قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاء هذا مبيناً في سورة الإسراء؛ لأن هذا القرآن الذي يعرف لغته يفعل فيه ما شاء الله، وكم من أعرابي يُلقى كالخرقة البالية، فعندما يقرأ عليه القرآن يغمى عليه.إذاً هذه الفائدة ذات شأن، وقد نفع الله بها؛ إذ فتحت الأبواب التي أغلقوها عن سماع القرآن.الفائدة الثانية: أن هذا القرآن الكريم ادعوا -كفار قريش- أنه ليس بوحي الله ولا بتنزيله، وإنما هو مما تلقاه محمد صلى الله عليه وسلم إما من أحد العلماء، وإما تلقاه من الشياطين والسحرة والجان، وقالوا: إنه شعر، وقالوا: إنه سحر، وقالوا: إنها أقوال كهنة، وأحياناً يقولون: أملاه عليه فلان الرومي، وهكذا يتخبطون.وقد تحداهم الله عز وجل بالإتيان بمثله فعجزوا، وتحداهم بسورة واحدة فعجزوا، فكأنما يقول لهم: إن هذه الحروف (المر) (حم) (عسق) منها تألف هذا الكتاب، وتركبت كلماته، فألفوا أنتم مثله إذ هذه الحروف لغتكم ومنطقكم، وتنطقون بها صغيراً وكبيراً. فإن عجزتم فقولوا: إنه كلام الله.ويقرر هذا ويشهد له أنه في الغالب ما تذكر هذه الحروف إلا ويذكر الكتاب بعدها: ص وَالْقُرْآنِ [ص:1]. يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس:1-2]. طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ [طه:1-2]. الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [يونس:1]. الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:1-2]. حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ [غافر:1-2].أي: أن هذه الحروف المقطعة منها تألف كتاب الله، وهي حروفكم وتنطقون بها، فإن كان هذا ليس كلام الله، فألفوا نظيره، فأسكتهم وقطع أصواتهم، وعرفوا أنه كلام الله.الخلاصة: لم يقل أحد من أهل العلم: إن هذا مراد الله، الله أعلم. ولكن قالوا: إن الحروف المقطعة أفادت فائدتين عظيمتين:الأولى: فتحت الباب الذي أغلقه الكفار عن سماع القرآن، فلا يستطيع العربي يسمع (طسم) ولا يمد عنقه، فأصبحوا مضطرين إلى السماع، فإذا سمعوا دخلوا في النور، وعرفوا الطريق إلى الله.ثانياً: هذا الكتاب لو كان من وضع النبي صلى الله عليه وسلم أو من وضع البشر أو الإنس فإنه مؤلف من هذه الحروف فليأتوا بمثله، وقد تحداهم بقوله: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ [الإسراء:88] واتحدوا على قلب رجل واحد عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، وسكتوا، فتحداهم بعشر سور: قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [هود:13] فما استطاعوا. وأخيراً تحداهم بسورة: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:23-24]. وقالت العلماء في قوله: وَلَنْ تَفْعَلُوا : هذه لن يقولها إنسي ولا جني قط، لمَ؟ لأن الله هو الذي يملك الغيب.ولو قلت الآن: هل تستطيع أكبر دولة وهي اليابان أن تصنع آلة من الآلات وتقول: أتحدى البشرية في ظرف سبعين سنة أن توجدوا نظيرها؟ والله ما يقولون، ولا يستطيعون، والله عز وجل قال في القرآن: وَلَنْ تَفْعَلُوا ومضى على هذا التحدي ألف وأربعمائة عام فلم يستطيعوا، ولن يقول هذه الجملة إلا الله.وهذا الكتاب هو النور فلا هداية إلى الإسعاد والإكمال إلا عليه وبه، وهذا الكتاب روح، فوالله لا حياة بدونه، وهذا الكتاب شفاء، فوالله لا شفاء للأمراض والأسقام الباطنة إلا به، فالشح، والبخل، والكبر، والحسد، والغل، والغش، والشرك، والرياء، وغيرها من الأمراض لا تعالج بالسكر ولا بالعسل ولا .. إنما بالقرآن وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء:82]. فهذا القرآن هدى وبشرى للمسلمين.


قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات

قال المؤلف غفر الله له: [شرح الكلمة: (الم) هذه من الحروف المقطعة، تكتب (الم)، وتقرأ هكذا: ألِفْ لام مِّيمْ. والسور المفتتحة بالحروف المقطعة تسع وعشرون سورة، أولها البقرة هذه، وآخرها القلم (ن)، ومنها الأحادية مثل (ص) و(ق) و(ن)، ومنها الثنائية مثل (طه)] وبعض الناس يقول: (طه) هو النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خطأ وكذب على الله والرسول.قال: [و(يس)] كذلك قالوا: (يس) هذه اسم الرسول، وهو خطأ فاحش أنكره علماء السلف.قال: [و(حم)] هذه ثنائية، [ومنها الثلاثية والرباعية والخماسية، ولم يثبت في تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء]، فلا صح، ولا ورد، ولا ثبت حتى في حديث واحد أن النبي صلى الله عليه وسلم فسَّر (حم) ولا (يس) ولا (طه) ولا (ن) ولا (ص) ولا غيرها، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحاشى أن يقول فيها برأيه، فمن أين للآخرين أن يقولوا؟!قال: [وكونها من المتشابه الذي استأثر الله تعالى بعلمه أقرب إلى الصواب، ولذا يقال فيها: (الم) الله أعلم بمراده بذلك]، أي: كون هذه الحروف من المتشابه الذي استأثر الله وحده بفهمه وعلمه ومعرفته، هذا هو الأقرب إلى الحق، لأن الله قال في الآيات: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7] فقسم القرآن إلى قسمين: المحكم الذي لم ينسخ وهو الذي يحمل الشرائع والقوانين والأحكام، ومعناه واضح جلي، يفهمه أهل القرآن، والمتشابه الذي يقف العبد دونه لا يعرف ما يقول، فيفوض أمره إلى الله ويقول: الله أعلم بمراده بهذا أو بذاك. قال المؤلف: [وقد استخرج منها بعض أهل العلم فائدتين: الأولى: أنه لما كان المشركون يمنعون سماع القرآن مخافة أن يؤثر في نفوس السامعين، كان النطق بهذه الحروف (حم) (طس) (ق) (كهيعص) وهو منطق غريب عنهم يستميلهم إلى سماع القرآن، فيسمعون فيتأثرون، وينجذبون فيؤمنون ويسمعون، وكفى بهذه الفائدة من فائدة]، فهذه فائدة عظيمة وكافية.والفائدة [الثانية: لما أنكر المشركون كون القرآن كلام الله أوحاه إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، كانت هذه الحروف بمثابة المتحدي لهم، كأنها تقول لهم: إن هذا القرآن مؤلف من مثل هذه الحروف فألفوا أنتم مثله. ويشهد بهذه الفائدة ذكر لفظ القرآن بعدها غالباً نحو: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ [البقرة:1-2].. الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ [يونس:1].. طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ [النمل:1]. كأنها تقول: إنه من مثل هذه الحروف تألف القرآن فألفوا أنتم نظيره، فإن عجزتم فسلموا أنه كلام الله ووحيه وآمنوا به تفلحوا]. قال المؤلف: [ شرح الكلمات: (ذلك): هذا] أي: هذا الكتاب الذي تسمعون [وإنما عُدل عن لفظ هذا] القريب [إلى ذاك] البعيد [ لما تفيده الإشارة بلام البعد من علو المنزلة وارتفاع القدر والشأن] تقول: هذا الرجل وذاك الرجل، وإذا زدت اللام كان الشأن أكبر. أي: (الم) من هذه الحروف تألف ذلك الكتاب الذي تحداكم به منزله فعجزتم.قال: [(الكتاب): القرآن الكريم] وهذا رد على من زعم أنه الإنجيل والتوراة، والكتب السابقة موجودة في تفاسير الناس، فالكتاب الفخم الجليل العظيم هو القرآن الكريم، ولا داعي أبداً إلى أن نشير إلى كتاب ما ينزل علينا ولا هو بين أيدينا.قال: [(الكتاب): القرآن الكريم الذي يقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس.(لا رَيْبَ): لا شك في أنه وحي الله وكلامه أوحاه إلى رسوله] محمد صلى الله عليه وسلم.وهنا كلمات لغوية في الهامش: لفظ (الكتاب) يطلق على عدة معان؛ لأن الكتاب بمعنى الكتب، فيطلق لفظ الكتاب على الفرض، ومنه كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ [البقرة:183] ومعنى كتب علينا: فرض علينا، والفرض الكتب، ويطلق على العقد بين العبد وسيده، لكن أين العبد وأين سيده؟ هذا أيام كان للرجال عبيد أيام الجهاد، فلما نجاهد الكفار ونأسر نساءهم وأطفالهم ماذا نصنع؟ نذبحهم! نصب عليهم الغاز! نقتلهم! لا، نأويهم ونربيهم وندخلهم نور الله، فهذه هي شريعة الله، وقد قدروا على تلويثها وتقبيحها، وجعلوا الجهاد سبة في العالم الإسلامي، وهم شر الخلق للحوم التي تمزقت في هذه الأيام في بلاد الروس ما عرفتها البشرية. الشاهد عندنا أن السيد يكون له عبد قد رباه ونماه، فصلح، يقول لسيده: اكتب بيني وبينك عقداً على أن أعطيك مبلغاً من المال خلال أربع سنوات، واتركني اذهب حيث أشاء وحررني، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا [النور:33] أما إذا كان أعمى فلا يستطيع أن يتركه أو أن يتخلص منه بل يبقى معه. ويطلق أيضاً على القضاء والقدر يقال: هذا كتبه الله علينا، أي: قدر وقضى، وهذا مما يدل عليه لفظ الكتاب، ولكن المقصود هنا القرآن الكريم.ثم قال: [ (لا رَيْبَ): لا شك في أنه وحي الله وكلامه أوحاه إلى رسوله] محمد صلى الله عليه وسلم.قال: [ (فِيهِ هُدًى): دلالة على الطريق الموصل إلى السعادة والكمال في الدارين]، فأنت تريد مثلاً مسجد قباء، وتحتاج إلى دليل فيعطيك أحدهم دلالة: إذا وجدت كذا، امش كذا، فهذه تسمى الدلالة، وهي الهداية إلى مسجد قباء، وفي القرآن دلالات هداية إلى السعادة والكمال بل هو كله هداية؛ دلالة على الطريق الموصل إلى السعادة والكمال في الدارين، فهذا الكتاب ليس مخصصاً لإسعاد البشرية في الآخرة فقط، لا والله، بل لإسعادها في الدنيا أولاً وفي الآخرة ثانياً.ومن قال: المسلمون أشقى الناس اليوم وقبل اليوم، قلنا: نعم؛ لأنهم حولوا القرآن إلى القبور وإلى الموتى فجازاهم الله بذلك.قال: [ (للمتقين): المتقين أي: عذاب الله بطاعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه] (هدىً) لمن؟ (للمتقين) من هم هؤلاء؟ بنو فلان وفلان! المتقون الذي يتقون عذاب الله بوقاية يجعلونها، ويتقى عذاب الله بطاعته، وهي: فعل ما أمر وترك ما نهى وحرم. ولا يتقى الله بشيء غير هذا، وهذه الوقاية تقينا من عذاب الدنيا وخزيها، وعذاب الآخرة وخزيها.

معنى الاية


قال المؤلف: [ معنى الآية: يخبر تعالى أن ما أنزله على عبده ورسوله من قرآن يمثل كتاباً فخماً عظيماً لا يحتمل الشك، ولا يتطرق إليه احتمال كونه غير وحي الله وكتابه بحال، وذلك لإعجازه وما يحمله من هدى ونور لأهل الإيمان والتقوى؛ يهتدون بهما إلى سبل السلام والسعادة والكمال].فالقرآن لا ريب فيه، وقد يقول قائل: هل الناس شاكون ومرتابون! نقول: هو ما قال: لا يشك فيه، إنما قال: هو في حد ذاته لا يتحمل الريب والشك، وعلى سبيل المثال: من منكم يشك في أن هذا المسجد هو مسجد الرسول؟ هذا لا يقبل الشك أبداً لمعرفة الناس به، وكذلك من يقول: هذه ليست بالشمس أو هذا ليس بالقمر، وكذلك هذا الكتاب هو في حد ذاته لا يحمل الريب أبداً، ولا يتطرق إليه الشك بحال، وإن شك فيه الناس فإنما هو لظلمة نفوسهم أو لأغراضهم المادية أو لأهوائهم، وهذا أمر آخر.

هداية الآية


في هذه الآية هداية تستفاد وتؤخذ، ويقتبس منها نور إلهي، فما هذه الهداية الموجودة في هذه الآية الكريمة؟ قال المؤلف غفر الله له: [ من هداية الآية: أولاً: تقوية الإيمان بالله تعالى وكتابه ورسوله. ثانياً: الحث على طلب الهداية من الكتاب الكريم]؛ لأن الله قال: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2].قال: [ثالثاً: بيان فضيلة التقوى وأهلها] واستنبطنا هذا من قوله: ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2] فما قال: للفاجرين أو الفاسقين؛ فهؤلاء لا يجدون فيه هداية، بل هذا النور خاص بالمتقين.

تفسير قوله تعالى: (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ...)


قال تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة:3-5].فهذه الفضائل وهذه الأنوار القرآنية الكريمة حازها الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ هذه صفة أولى وَيُقِيمُونَ الصَّلاة صفة ثانية، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ صفة ثالثة، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ صفة رابعة، وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ صفة خامسة، أُوْلَئِكَ أي: الذين حققوا الإيمان بما سبق عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ أي: أهل الشرف، وأهل المراكز العالية، والمنازل الرفيعة، ولم يقل: (في هدى من ربهم) لأن (على) تدل على الاستعلاء والتمكن، كقولك: ركبت على الفرس، أي: متمكناً منه، فـ(على هدى من ربهم) أي: متمكنون من الهداية، وحسبهم أنهم هُمُ الْمُفْلِحُونَ . ‏

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

شرح الكلمات


قال: [شرح الجمل: يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ يصدقون تصديقاً جازماً بكل ما هو غيب لا يدرك بالحواس كالرب تبارك وتعالى ذاتاً وصفاتٍ، والملائكة والبعث، والجنة ونعيمها والنار وعذابها. وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ : يُديمون أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع مراعاة شرائطها وأركانها وسننها ونوافلها الراتبة وغيرها. وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ : من بعض ما آتاهم الله من مال ينفقون، وذلك بإخراجهم لزكاة أموالهم وبإنفاقهم على أنفسهم وأزواجهم وأولادهم ووالديهم، وتصدقهم على الفقراء والمساكين]. و(من) في قوله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ تبعيضية. أي: لا ينفقون كل ما يملكون، ولكن ينفقون من بعض ما آتاهم الله من مال، وذلك بإخراجهم: أولاً لزكاة أموالهم، وثانياً بإنفاقهم على أنفسهم وأزواجهم وأولادهم ووالديهم؛ إذ النفقة هنا واجبة، وبتصدقهم على الفقراء والمساكين.ثم قال: [ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ : يصدقون بالوحي الذي أنزل إليك أيها الرسول وهو الكتاب والسنة]، لأن السنة وحي ثان، فأحكام الرسول صلى الله عليه وسلم وقضاياه كلها مستمدة من القرآن الكريم، وبعضها وحي خاص يوحى به إليه، فيلقيه الله تعالى في روعه، فلهذا الكتاب الوحي الأول والسنة الوحي الثاني، والسنة هي التي سماها الله الحكمة.قال: [ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ : ويصدقون بما أنزل الله تعالى من كتب على الرسل من قبلك كالتوراة والإنجيل والزبور. وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ : وبالحياة في الدار الآخرة وما فيها من حساب وثواب وعقاب، هم عالمون متيقنون، لا يشكون في شيء من ذلك، ولا يرتابون لكمال إيمانهم، وعظم اتقائهم. أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ : الإشارة إلى أصحاب الصفات الخمس السابقة] ما هي الصفات الخمس السابقة؟ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة:4] وقبلها صفتان الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة[البقرة:3] فهذه خمس صفات. ثم قال: [والإخبار عنهم بأنهم بما هداهم الله تعالى إليه من الإيمان وصالح الأعمال هم متمكنون من الاستقامة على منهج الله المفضي بهم إلى الفلاح. وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ : الإشارة إلى أصحاب الهداية الكاملة، والإخبار عنهم بأنهم هم المفلحون الجديرون بالفوز الذي هو دخول الجنة بعد النجاة من النار].

معنى الآيات

قال المؤلف غفر الله له: [معنى الآيات: ذكر تعالى في هذه الآيات الثلاث صفات المتقين من الإيمان بالغيب وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، والإيمان بما أنزل الله من كتب، والإيمان بالدار الآخرة، وأخبر عنهم بأنهم لذلك هم على أتم هداية من ربهم، وأنهم هم الفائزون في الدنيا بالطهر والطمأنينة وفي الآخرة بدخول الجنة بعد النجاة من النار].

هداية الآيات


قال المؤلف غفر الله له: [ من هداية الآيات: دعوة المؤمنين وترغيبهم في الاتصاف بصفات أهل الهداية والفلاح ليسلكوا سلوكهم فيهتدوا ويفلحوا في دنياهم وأخراهم]. والله تعالى أسأل أن يشرح صدورنا ويفقهنا في ديننا، ويتقبل منا إنه سميع عليم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 29-06-2020, 05:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,069
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (2)
الحلقة (9)




تفسير سورة البقرة (10)
من مظاهر البلاغة العربية أن يشتمل الخطاب على ضرب الأمثلة، لما فيها من بيان وتوضيح، ولفت للانتباه والتفكير، ولهذا اشتمل القرآن على الكثير من الأمثلة، وحين استنكر الكفار بعض أمثلة القرآن، أجاب سبحانه بأنه لا يستحيي من ضرب الأمثلة ولو بشيء صغير كالبعوضة فما فوقها، فمن كان مؤمناً فسيعلم أنه مثال حق، وأما الكافر فسيرده ويكفر به.


تابع تفسير قوله تعالى: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إن السورة ما زالت كعهدنا بها سورة البقرة، وإنا مع الآيات المباركات التي نستعين الله تعالى على تفسيرها وفهم معانيها سائلين الله عز وجل أن يرزقنا الاهتداء بهديها والعمل بها، إنه قريب مجيب سميع الدعاء.وقراءة تلك الآيات بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة:26-27] أعاذنا الله وإياكم من الخسران. ‏

الإيمان والعمل الصالح يوصلان إلى الجنة

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! في الآيات السابقة وهي قول ربنا تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:25]. أعيد إلى أذهان المستمعين والمستمعات أن الجنة بما فيها من ذلك النعيم المقيم إنما تورث بالإيمان وصالح الأعمال، فمن آمن وعمل صالحاً فقد اتقى سخط الله وعقابه، وبذلك أصبح من ورثة دار النعيم، إذ جاء التصريح الواضح بأن الجنة تورث، وأن سبب إرثها هو التقوى، واقرءوا لذلك قول الله تعالى من سورة مريم: تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا [مريم:63].إذاً: عرفنا الإيمان وهو التصديق الحق المشتمل على التصديق بوجود الله تعالى، وعلمه، وقدرته، ورحمته، وحكمته، كما هو التصديق بكتبه، ورسله، وبلقائه يوم القيامة، وما يوجد في ذلك اليوم من الحساب والجزاء بالنعيم المقيم أو بالعذاب الأليم.وهذا الإيمان عرفتم وأيقنتم أنه بمثابة الطاقة الدافعة، فإذا قوي دفع عبد الله أو أمة الله على أن يتقحم أصعب المشاق وأشدها، فمن ذلك أنه يجوع ولا يسرق، ويعيش أربعين سنة على العزوبية ولا يفكر أبداً في أن يقدم على الفجور فيزني، والعياذ بالله.وهذا الإيمان يحمل صاحبه على أن يهاجر في الله وفي سبيل الله، ويترك أهله وماله وولده، ويصبح غريباً في بلد ما؛ كما حصل لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.وهذا الإيمان الذي يحمل صاحبه على ألا ينطق بسوء أو ينظر إلى محرم .. هذا الإيمان هو الذي يثمر العمل الصالح.


العمل الصالح هو ما شرعه الله ورسوله

الذي أحببت أن أعيد ذكره إليكم هو أن العمل الصالح هو ما شرعه الله لنا من أقوال وأعمال، فما لم يشرعه الله ويقننه ويأمر بالعمل به لن يكون عملاً صالحاً، والذي لم يشرعه الله في كتابه القرآن ولا على لسان النبي محمد صلى الله عليه وسلم لن يكون عملاً صالحاً.وعندما نعلم أنه مشروع مبين في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجب أن نراعي في أدائه.. في فعله: أولاً: الإخلاص فيه لله، فلا نلتفت بقلوبنا ولا بوجوهنا إلى غير الله ونحن نؤدي ذلك العمل؛ لأن العمل إذا خالطه الشرك والالتفات إلى غير الله فيه بطل مفعوله، لا ينتج الطاقة المطلوبة منه.ثانياً: ينبغي أن نفعله .. أن نؤديه .. أن نقوم به على النحو الذي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا زيادة ولا نقص، ولا تقديم ولا تأخير، فإن زدنا أو نقصنا، أو قدمنا أو أخرنا بطل مفعوله.ومن الأمثلة القريبة التي لا ينكرها أي عاقل أن صلاة المغرب شرعت ثلاث ركعات، فمن زاد فيها ركعة تقرباً إلى الله ورغبة في الأجر بطلت عليه، ولم يستفد منها.وكذلك صلاة الظهر شرعت أربع ركعات فلو أراد أن ينقص منها ركعة بل سجدة بإجماع أهل العلم أن صلاته باطلة فليعدها، لم؟ لأنها لا تولد الطاقة. تفهمون الطاقة، أتعرفونها في الكهرباء؟ نور أو لا؟ هذه الكهرباء من يولدها؟ أليست المكائن! فأنت لما تقول: الله أكبر مستقبلاً القبلة متطهراً، وتدخل في هذه المناجاة، هذه عملية -والله- لأشد إنتاجاً من طاقة الحديد، ولكن إذا اختلت بطل مفعولها كمكائن توليد الكهرباء إذا اختلت هل تولد .. تنتج الكهرباء؟ بالإجماع لا، أليس كذلك؟ومن شك أو ما عرف كم وكم وكم من مصلٍ يخرج من المسجد ليعصي الله ورسوله، فما السر؟ دلوني، هل هو كافر؟ لا والله، لم إذاً؟ لأن الصلاة ما أداها أداءً صحيحاً، وما ولَّدت له النور الذي به يعرف الحق والباطل والخير والشر، والطيب والخبيث، والمعصية والطاعة، واقرءوا لذلك قول الله تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ [العنكبوت:45] لو قلت: لم يا ألله؟ كان الجواب: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]. وهنا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له ) يخبر بالواقع، والواقع أن الصلاة شرعت لتمنع عبد الله من غشيان الذنوب وارتكاب الآثام، فلما ما فعلت ما السر؟ إذاً ما صحت، سببها ما أخلص فيها، وما أداها خاشعاً، وما أدى أركانها، أنقص ونقص، وحصل الذي حصل.إذاً: لا بد للعمل الصالح أن يكون مما شرع الله ورسوله، فكل بدعة على الإطلاق اضرب بها عرض الحائط، ولا تضيع وقتك ولا قدرتك وطاقتك فيها، فإنها -والله- ما تولد لك نوراً ولا حسنة.والعامل بالبدعة كالذي يأكل التراب والحصى ليشبع أو ليسمن وليحفظ قوته، مستحيل. ومن هنا يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) بمعنى: مردود، مصدر أريد به اسم المفعول: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا ) ما وقعنا عليه فهو مردود، أي: لا يولد الطاقة والحسنة. ويقول: ( إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة )، وقد أحببت أن أذكركم لأننا -لضيق الوقت بالأمس- ما تعرضنا للعمل الصالح.ولو يجتمع العلماء كلهم على إيجاد كلمة يضعونها للمسلمين إذا قالها المؤمن أنتجت له الحسنة والله ما قدروا ولا استطاعوا. كلمة فقط، أما عمل يقوم به المرء الساعة والساعتين فذلك مستحيل أن يوجد، ومن يوجده غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.إذاً: ما هو العمل الصالح؟ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:25] ما هذه الصالحات التي يبشر صاحبها بالنعيم المقيم في دار السلام؟إنها عبادات قننها الله، مركبة تركيب الكيماويات، ويضرها الزيادة والنقصان، والتقديم والتأخير، وإذا كان لها وقت لو أديتها في غيره ما نفعت، ولو عين لها الشارع مكاناً فأديتها في غيره -والله- ما نفعت، ما معنى ما نفعت؟ ما ولدت الحسنة، إذ الجنة يا معاشر المستمعين والمستمعات! لا يدخلها إلا ذو النفس الزكية، ما معنى الزكية؟ الطيبة الطاهرة، والنفس تزكو بماذا؟ باللبن والحليب؟ بالماء والصابون؟!ما هي أدوات التزكية للنفس البشرية؟إنها هذه العبادات التي شرعها رب الأرض والسماوات لعباده المؤمنين والمؤمنات من أجل تزكية نفوسهم حتى يقبلهم في جواره في الملكوت الأعلى. هل فيكم من يشك؟ ما هو القضاء لله في هذه القضية؟ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. هذا حكم الله.

تفسير قوله تعالى: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها ...)

نعود إلى آياتنا المباركات التي بين أيدينا، فهيا نتعلم كلام الله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26] خبر هذا، ونِعْمَ الخبر. اسمع هذا الخبر العظيم: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]. قرئ: (يستحي) و(يستحيي) بياءين وبياء واحدة وهي لغة بني تميم، فيجوز أن تقرأ: (إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً)، أو تقرأ: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا [البقرة:26].


الحياء كله خير

الحياء خلق من أسمى الأخلاق وأشرفها، ومن فقده مات، ( الحياء كله خير )، والحياء من الإيمان، من فقده عربد، وتفحش، وتلطخ، وأصبح أخس الخلق.مر النبي صلى الله عليه وسلم برجلين من أهل المدينة في أزقة المدينة الضيقة وهو يعظ أخاه في الحياء: لا تستحي، أنت امرأة، ضاعت حقوقك، قال: ( دعه؛ فإن الحياء من الإيمان )، تريد أن تمسح الإيمان من قلبه؟! دعه في حيائه.وأعظم ما يكون الحياء تأثيراً في المرأة، فإذا فقدت المرأة الحياء انمسخت، ولم يبق فيها ما يصلح، ولكن الأساتذة والدكاترة وعلماء الدنيا يشجعونها على قلة الحياء: اكشفي وجهك .. شمري عن ساعديك .. افعلي .. زاحمي. موجود هذا أو لا؟ نعم، في العالم بأسره.يقول الحكماء: أجمل ما في الرجل الشجاعة. لا سواد العين، ولا القد، ولا الأنف. فأجمل ما في الذكر الشجاعة، وأجمل ما في المرأة الحياء، فإن كانت وقحة معربدة -والله- ولو كانت أجمل نساء العالم فإن المؤمن لا يحبها، ولا يرغب فيها.فلهذا أقول دائماً للمؤمنات لما تقول: الشعر في حاجبي، الشعر في كذا، أُلون شعري أصفر .. أبيض. أقول: يا هذه! إذا كان زوجكِ مؤمناً؛ براً؛ تقياً فإنه لا ينظر إلى جمال وجهك، ولكن ينظر إلى جمال نفسكِ، وإن كان مادياً هابطاً -والله- ما تسدين حاجته، اصبغي بالأصفر يحب الأبيض، بيضي يحب الأسود، جملي وجهكِ يحب كذا، وما ينفع! إذاً: اصبري فأنت مؤمنة، ولا تغيري شعرك أبداً، ولا تكوني كعواهر ألمانيا كل يوم تصبغ شعرها، والمؤمنة إذا جاء الشيب، وابيض شعرها ينبغي أن تصبغه بالحناء والكتم، أما أن تشاهد عاهرة في التلفاز ترقص وشعرها أصفر أو أبيض فتحاول أن تكون مثلها، هي مثلها، ( من تشبه بقوم فهو منهم ).ولو تجتمع البشرية بفلاسفتها وعلمائها وحكمائها على أن ينقضوا هذه الكلمة المحمدية -والله- ما قدروا، وأنى لهم ذلك، فأين علماء النفس؟ ( من تشبه بقوم فهو منهم ) وإذا أرادت المرأة أن تتشبه بهؤلاء العواهر في الفيديو والتلفاز فلا تزال تتشبه حتى تكون مثلهن، وهذه سنة الله؛ من أراد أن يتشبه بماجن أو فاسد، وأخذ يتشبه بمشيته، ومنطقه، ولباسه لم يلبث أن يكون هو، ومن أراد أن يتشبه بـابن أبي طالب في شجاعته، وعلمه، وبطولته لا يزال يتشبه به حتى كأنه علي بن أبي طالب . ( من تشبه بقوم فهو منهم ). وكلمة (تشبه) بمعنى تعمد ذلك وطلبه وحاول الوصول إليه، فلا بد من هذه الصيغة: ( من تشبه ).إذاً: الحياء كله خير، إلا أن الحياء لا يحملك على ألا تسأل أهل العلم وتتعلم، ولهذا يقولون: (لا ينال العلم مستح ولا متكبر). وهذه كلمة قالها أهل العلم وهي حكمة: (لا ينال العلم مستح ولا مستكبر) فالمستحي إذا لم يسأل فكيف يعرف! لا بد وأن يسأل: كيف أستنجي؟ كيف الغسل؟ كيف كذا، لا بد حتى يتعلم، والمتكبر هو الذي لا يريد أن يذل ويهون أمام المعلم ويسأله وهذا -والله- ما يتعلم، يتعلم في المنام! ألا إن ( الحياء كله خير ).

حياء الله ليس كحياء المخلوقات

هذا الله جل جلاله ذو الجلال والكمال يستحي، وإياك أن تؤول الاستحياء أو الحياء بشيء فلسفي كاذب باطل، فحياء الله ليس كحياء المخلوقات؛ لأن يد الله ليست كيد المخلوقات؛ ولأن ذات الله ليست كذات المخلوقات. إذاً آمن بأن الله يستحي، ولكن لا تفهم وتقس حياء الله على حياء المخلوقات.وفي الحديث الشريف يقول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله حيي كريم يستحي أن يرفع إليه عبده يديه أو كفيه فيردهما صفراً ). حيي، اسأل أهل الحياء لا يحرمونك، ولا يستطيعون، فالحياء خلق عظيم يمنعهم من أن يبخلوا أو يضنوا بشيء في أيديهم.والحياء يمنع صاحبه أن يتبجح أو يقول الباطل وينطق بالبذاء، فلا يقدر أبداً.إذاً: حياء الله يستحيل أن يكون كحياء عباده للفرق بين الخالق والمخلوق، فهل ذات الله كذوات المخلوقات؟ مستحيل، كيف وهو خالق الذوات! فحياؤه يتفق مع ذاته ومع صفاته، ولما نقول: لله تعالى يدان: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ [المائدة:64]، (بَلْ يَدَاهُ) تثنية يد، فلا تقل: لا لا، يد الله بمعنى قدرته فقط، أنت تكذب على الله؟ الله يقول: يداه، والرسول يقول كذلك، وأنت تقول: لا .. لا، ما قصد ذلك، لأنك توهمت أن يد الله كيد المخلوقات، إيه! هذا جهل عظيم، وضلال لا حد له، فالله ليس كمثله شيء، إذ كل شيء هو خالقه، فكيف يكون مثله؟! مستحيل.فآمن بصفات الله، واقرأها وارفع صوتك، ولا تخف، ولا ترتعد: ( إن الله حيي كريم، يستحي أن يرفع إليه عبده كفيه) سائلاً ضارعاً: يا رب! يا رب! ( ويردهما صفراً ) خاليتين.ولهذا ما من مؤمن يرفع كفيه إلى الله ضارعاً، سائلاً إلا أجابه ما لم يكن هناك موانع، فلا تسأل الله وأنت مملوء بالحرام فالمال في جيبك من حرام، أو خاتم الذهب في يديك وأنت تتحداه، فهذه الشروط لا بد منها، ولا تسأله وأنت غير موقن بالإجابة، ولا تسأله وأنت غافل ولاهٍ ساه، فمن توفرت له شروط القبول لن يرده الله تعالى، وهو بين واحدة من ثلاث: إن كان ما طلبه وسأله صالحاً له لا يضره؛ نافعاً له أعطاه، وإن كان الذي سأله لا ينفعه أيعطيه ويغشه؟! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.وعلى سبيل المثال: شخص أراد أن يخطب فتاة، وظل يسأل الله طول الليل: يا رب زوجنيها، يا رب أعطنيها، يا رب يسرها لي. والله يعلم أنه لو تزوجها لفضحته، ولفعلت فيه الأعاجيب، فهل يغشه سيده ومولاه؟ والله لا يصح هذا. فتقف العقبات والحوائل: اذهب، لا نزوجك يا صعلوك. فلا يصل إليها. عرفتم؟ إذاً ماذا يُصنع بدعائه؟ يعوض واحدة من اثنتين: إما يدفع عنه من البلاء مقابل دعائه، وإما يرفع درجات في دار السلام ما كان ليصل إليها إلا بهذا الدعاء، وفي هذا يقول تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] يكذبكم؟ أعوذ بالله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60] أعطكم طلبكم.


الحكمة من ضرب الأمثال في القرآن

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا [البقرة:26] شيئاً من الأمثال بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26] ودون البعوضة، لم هذا؟ لما تقدم المثلان الماء والنار قال المنافقون مع شياطينهم من اليهود: انظروا، انظروا، كيف هذا الكلام؟ هذا ما هو كلام الله، الله أجل من أن يضرب الأمثال، وأضافوا إلى ذلك أن الله قال: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:41]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73]، قالوا: هذا ما فيه بلاغة، ولا فصاحة، ولا.. هذا ليس كلام الله حتى يشيعوا التكذيب بين الناس، فأفحمهم الله، وقطع دابرهم، وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا [البقرة:26] أصغر مثل كبيضة نملة، أقل من البعوضة، وكلام العرب الفصيح البليغ البيان، فيه من هذه الأمثلة المئات.والشاهد عندنا: في هذا رد على مزاعم المبطلين من المنافقين وإخوانهم من اليهود، فإنه لما ضرب الله لهم مثلين احتاروا فجن جنونهم وتاهوا، وأصبحوا يكذبون ويقولون، فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا [البقرة:26] لأن ضرب الأمثال من أجل تقريب المعاني للأذهان، وضرب المثل معناه إيجاد صورة تشابه من أجل أن يفهم السامع معنى مراد الله وكلامه، ولغة العرب مليئة بهذا، فلا عجب ولا غرابة، ولكن المنافقين مرضى، واليهود المتفقين معهم هذا شأنهم يشيعون الشائعات والأباطيل، فيبطلها الله ويجتثها، وينتزعها من أذهانهم.

موقف الناس من أمثال القرآن

الآن من يرفع صوته؟ إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26] أي: في الصغر كبيضة النملة.الناس أمام الأمثلة التي يضربها الله في كتابه الكريم صنفان: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:26] وعرفوا وأيقنوا، آمنوا إيماناً أصبح وصفاً لازماً لهم، وليس إيمان المنافقين، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:26] بحق وصدق، فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26] أي: هذا المثل الذي نزل به كتاب الله حق ثابت وجوباً يستحيل أن يتخلف من الله عز وجل، فيؤمنون، ويزدادون إيماناً ويقيناً. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا [البقرة:26] سواء كانوا يهوداً أو عرباً أو نصارى، كفروا بآيات الله .. برسوله .. بلقاء الله فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26] يقولون باستهزاء، وسخرية، وتهكم في بيوتهم .. في مجتمعاتهم، أمام المؤمنين الضعاف حتى يؤذوهم، أما لو قالوا أمام عمر لفقأ أعينهم، لكن في خلواتهم مع شياطينهم: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26].قال تعالى مبيناً مراده: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26]، المثل كالمطر، فهذا ينبت له الزرع والشجر والزيتون، وهذا يخرب بيته، ويعطل طريقه، فالله يضرب المثل: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26] فيزداد إيمانهم ويقينهم، وتقوى معارفهم وتكثر. وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26]؛ لأن المثل كان فيهم ومضروباً لهم؛ ليتقيهم المؤمنون، وليعرفوا واقعهم الهابط السافل. مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26]، قال تعالى: الجواب عند الله: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26] من الناس وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26].نعم، أصحاب القلوب الصافية، والنفوس الطاهرة كلما تنزل آية يرتفع منسوب إيمانهم، وعلومهم،وآدابهم وأخلاقهم، والكافر المنكر المكذب كلما ينزل نور يزيده ظلمة، فيتألم ويهبط.وهذا تشاهده في الناس في مسائل دنياهم وآخرتهم، أحدهم كلما ظهر الحق ارتفع إيمانه وفرح، وآخر كلما ظهر الحق انكمش وانكسر.أضرب لكم مثلاً:أيما حاكم يعلن عن منع بيع الخمر، وعن إغلاق الحانات، وعن تصدير الخمر وصناعتها، كيف يكون ذلك المجتمع؟ فأما الذين آمنوا فيزدادون إيماناً، وأما الآخرون: ماذا أراد الحاكم بهذا؟ يريد أن يعطل! يريد أن يوقعنا في فقر، يريد كذا. ويكربون ويحزنون، والله العظيم؛ لأن القضية قضية حياة وموت، مؤمن حي، يدرك ويعلم، ويعي ويفهم، وميت هابط، هذا شأنه. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة:26] ويسلمون، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26] يضرب المثل ليضل به كثير من الناس، ويهتدي به كثير من الناس؛ لأن الله حكيم، وكتابه حكيم، وتصرفاته كلها حكيمة، فلا يضرب المثال لا لشيء، بل لابد لتحقيق شيء، فالمؤمنون يزيدهم إيماناً، ويقيناً، وبصيرة، ونشاطاً، وانطلاقاً، وعملاً، والكافرون يهبطون به أيضاً هبوطاً عجباً، فاسمع: المؤمنون يقولون: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [آل عمران:7]، والآخرون يستهزئون ويسخرون: مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا [البقرة:26].


سوء عاقبة الفاسقين

قال تعالى: يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26] أو لا؟ وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا [البقرة:26]، وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة:26]، أما المستقيمون، السالكون لمنهج الله، الضاربون في طريق الله المستقيم فحاشاهم أن يضلوا به أبداً، وإنما يضل ويخرج عن الطريق ويتهاوى ويسقط من هو؟ الفاسق.وكلمة (الفاسقين) دائماً نقول: هم المتوغلون في الفسق، فلهذا لو أن شخصاً شرب خمراً لا نقول: هذا الفاسق، إلا إذا شربها وأعادها وكررها، وانمحى الحياء من وجهه وتركه فهذا (الفاسق). أما من ارتكب المعصية لا تقول فيه: الفاسق، بل تقول: فاسق، أما ذاك الذي ضرب في هذا الطريق، وتوغل في هذه المعاصي فأصبح (الفاسق)، (أل) لكمال الوصف وقوته، ولا يجوز أن تقول في المؤمن: فلان الفاسق، بل تقول: فلان فاسق. لكن إذا انغمس في كل معصية، وارتكب كل كبيرة، تقول فيه: الفاسق فلان بن فلان. وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة:26]، ما معنى (الفاسقين) يا شيخ؟هذا مأخوذ من فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرتها، أحياناً لما ينزل المطر تخرج الرطبة من القشرة.ومأخوذ أيضاً: من فسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها، فلهذا تسمى بـ(الفويسقة). ما هي فاسقة كبيرة، بل فويسقة، وهي الفأرة التي تخرج من جحرها لتفسد علينا طعامنا أو سمننا.إذاً: هذا طريق الله الذي يسلكه أولياؤه ليصلوا به إلى رضاه، وإلى جواره، ومن خرج عنه فسق، فهو فاسق.إذاً: الفاسق هو الذي يترك الواجبات، ويرتكب المنهيات المحرمات.ألم تذكروا أنا نقول: إن الطريق هو عبارة عن فعل واجب وترك محرم، فافعل واجباً واترك محرماً، وامشِ إلى ساعة الوفاة، وأنت واصل إلى باب دار السلام، فمن ترك الواجبات وارتكب المحرمات فسق أو لا؟ خرج عن الطريق أو لا؟ كما تفسق الفأرة، وكما تخرج الرطبة، لكن إن تاب وعاد فهذا أمر طبيعي، لكن إذا فسق وواصل الفسق أصبح (الفاسق)، وهذا الفاسق يضله الله بهذا المثل، فيضل به الفاسقين، ويزدادون حيرة، وقلقاً، وعناداً، ومكابرة، وتكذيباً لله ولرسوله، وبعداً عن المؤمنين. انظر: كيف خرج؟ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ [البقرة:26].معاشر المستمعين والمستمعات! تعرفون الفسق أو لا؟ فتاة مؤمنة كانت متحجبة، فقيل لها: ما هذا الحجاب، انزعيه عن وجهك، أظهري جمالك، لهذا خلقه الله. فنزعت الحجاب عن وجهها فسقت أو لا؟ فسقت كما تفسق الرطبة والفأرة.إذاً: من هم الذين يصابون بالضلال، ويزدادون ضلالاً إذا نزلت آية تحمل مثلاً؟ هم الكافرون .. الفاسقون.

تفسير قوله تعالى: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ...)

قال تعالى: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة:27] هذه صفة ثانية: الذين ينقضون عهد الله من بعد توثيقه وتأكيده.

أخذ الميثاق من ذرية آدم

عرفتم أنه ما من عبد أو أمة يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله إلا قد أعطى بذلك عهداً وميثاقاً لله أن يحيا ويعيش حتى الموت على طاعة الله وطاعة رسوله، فما دام يقول: أنا أشهد أن لا يعبد إلا لله وما يعبده، أو يعبده ويعبد معه غيره، فهذا نقض عهده أو لا؟ هو يقول: لا إله إلا الله، وإذا به يعترف بآلهة أخرى، هذا نقض قوله، ولهذا قال تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ متى؟ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [المائدة:7]، فمن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أعطى العهد والميثاق، وينبغي أن يغتسل من جنابته، وأن يناجي ربه، ويستجيب لأمره ونهيه.ثم هناك عهد وميثاق أخذ علينا ونحن في ظهر أبينا آدم، واقرءوا لذلك قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف:172-173].في أرض عرفات كان الوالد هناك عليه السلام، عرفتم عرفات أو لا؟ تعارف فيها الزوج وزوجه، حيث نزلا من الملكوت الأعلى، حواء نزلت في مكان ما ندري أين هو، وآدم كذلك، واجتمعا بتدبير الله في عرفة وتعارفا، وهل النزول من السماء سهل؟ثم مسح الله ظهر آدم واستخرج منه ذريته كلهم، ما تعجب! الآن يقول العلماء: لو جمعنا الحيوانات المنوية كلها والله ما تملأ كأساً ولا فنجاناً، فهذا الطب الجديد يقول: لو جمعنا الحيوانات المنوية التي في المني ومنها يتكون الإنسان لو جمعناها ما تملأ كأساً. آمنا بالله، ونحن عرفنا هذا قبل أن يعرفوا، فإن الله مسح ظهر آدم واستخرج ذريته، واستنطقهم فنطقوا، واستشهدهم فشهدوا، وأخذ عليهم العهد والميثاق. فكل كافر نقض عهد الله وميثاقه، وكل مشرك نقض عهده مع الله وميثاقه.أعيد الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ أي: اذكر إذ أخذ ربك: مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف:172-173]، حجج باطلة.إذاً: هذا عهد أيضاً.


أخذ العهود والمواثيق من المنافقين وأهل الكتاب

هناك عهد آخر، فالمؤمنون من المنافقين أما أعلنوا عن إيمانهم؟! أما كان ابن أبي يقول: أشهد إنك لرسول الله، فأعطى العهد، كيف ينقضه.ثم أيضاً بالنسبة إلى اليهود والنصارى .. إلى أهل الكتاب بالذات، أخذت عليهم العهود والمواثيق: إذا ظهر نبي آخر الزمان آمنوا به كلكم وامشوا وراءه، نقضوا هذا أو لا؟ وأعلنوا الحرب عليه، والذي حملهم وقواهم وشجعهم على هذا فسقهم، فالعلة هي الفسق.اذهب إلى شخص ما توغل في الجرائم والفسق والفجور، واعرض عليه معصية يتمعر وجهه، يقول: لا، أنا أتحداك؟ فالذي ما توغل في الشر والفساد وإن عصى أو فسق يوماً تعرض عليه ما يقبل، فيه النور والإيمان، لكن الذي أصبح عربيداً فاسقاً ما ترك جريمة إلا غشيها، أيتردد إذا قلت له: من فضلك لا تشرب هذا الكأس؟ مستحيل.

موقف الجن من القرآن

عجب هذا القرآن! القرآن عجب أو لا؟سبقنا إخواننا الجن وعرفوا هذه الحقيقة وجهلناها، واقرءوا قول الله تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا ماذا؟ قُرْآنًا عَجَبًا [الجن:1]، ونحن ما عرفناه عجب، عجب: يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الجن:2] رضي الله عنهم، هؤلاء صحابة الرسول من الجن، فقط وجدوه يصلي في بطن نخلة، بل في مكة والطائف، وهم تائهون، وجدوا الصفوف والرسول يقرأ فأصغوا واستمعوا، وعادوا رسلاً إلى قومهم: قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الأحقاف:30-31]، ومن سجل لنا هذا الكلام؟ الله، والرسول صلى الله عليه وسلم ما سمع، وأصحابه في الصلاة ما عرفوا، لكن إخواننا نزلوا. الشاهد عندنا في أنهم عادوا إلى قومهم منذرين.


سعي الأعداء لتفسيق الأمة

قال تعالى: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة:27] وهم الفاسقون، بدأ أولاً بالفسق: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة:26-27].ثانياً: وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27]، أرأيتم ما ينتج عن الفسق؟ نحن -يا شيخ- ما نعرف هذا.أما محتالو النصارى والماسونية واليهود فوالله إنهم ليعرفون أكثر من شيخكم، فلهذا يبدءون بتفسيق الأمة وتفجيرها بأنواع الفسق .. بكل وسيلة. المهم أن هذا الشعب أو أصحاب هذا الإقليم يفسقون، وإذا فسقوا فهنيئاً لهم.أو ما فهمتم، أعيد القول:خصومنا من اليهود والنصارى عرفوا هذا، ودرسوا، وفهموا: أن الشعب أو الأمة إذا أردت أن تستغلها أو تذلها أو تستعمرها أو تتخذها عمدة لك وسلاحاً يساعدك ففسَّقها. ما فهمتم هذه؟! هذه سياسة عجب! فسقهم فقط يجرون وراءك كالأغنام، يصبحون -والله- لكما تسمعون. كيف يفسقونهم؟ بالتدريج، ولو بعد خمسين سنة .. مائتي سنة، وبالتدريج: احلقوا وجوههم، اكشفوا وجوه نسائهم، أشيعوا بينهم المحرمات كالربا، ودور البغاء، والخمر وصناعته وإنتاجه، لا تؤاخذوا في القوانين الحكومية على أنه ترك الصلاة، أو أنه زنى، أو أنه كذا، مهدوا لهم الطريق، ونسوهم ذكر الله، وأبعدوهم عنه، افتحوا الحانات، افتحوا المراقص والسينمات، افتحوا كذا، ألهوهم عن ذكر الله، أبعدوهم عن المساجد .. قبحوا لهم سلوك العلماء، وقولوا: عملاء، وأذناب، وذيول، قولوا كذا ..كذا؛ حتى يفسق الشعب ويهبط، وحينئذٍ نركب على ظهورهم. هل فهمتم هذه؟ والله لكما قلنا.من أين هذا الكلام يا شيخ؟ فتح الرحمن؛ رب العالمين، ما نحن مع قول الله تعالى: وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة:26-27]، لو عرف حكام المسلمين هذا اجتمعوا من الغد على طاعة الله ورسوله، وكيف نبلغهم بأن خصومكم وأعداءكم يعملون الليل والنهار على تفسيق شعوبكم؟ أي: بإبعادهم عن ذكر الله وطاعته، والاستقامة على منهجه؛ لأنهم يريدون استعماركم واستغلالكم، والتحكم فيكم، إذاً: كيف يصلون إلى ذلك؟ بالدماء، ما هو ممكن دائماً، إذاً فسقوهم، فإذا فسق الشعب انتهى.والواقع شاهد أو لا؟ من إندونيسيا إلى موريتانيا غرباً واقع شاهد أو أننا نكذب عليكم؟ عوامل الفسق قائمة أو لا؟ في الصحيفة، في المجلة، في الفيديو، في توريد الحشيشة، كل هذه المضار ما تشاهدونها؟ آمنت بالله، آمنت بالله. الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة:27]، ثلاثة مواثيق عرفناها أو لا؟ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ [البقرة:27]، ما الذي يريد الله أن يوصل وهم قطعوه؟ الإسلام، الإسلام دين الله منذ آدم إلى يوم القيامة، والخصوم من اليهود والنصارى يريدون قطعه، نعم، يكيدون للإسلام والمسلمين، يريدون أن يقطعوا دين الله.وللحديث بقية، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 29-06-2020, 05:08 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 142,069
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (3)
الحلقة (10)




تفسير سورة البقرة (100)

إن أعز شيئين على المرء في الحياة الدنيا نفسه وماله، وقد بين الله عز وجل ما يلزم المؤمن الصادق من حق في هذه النفس وهذا المال، فبين سبحانه ما يلزم المؤمن من النفقة على الوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وأبناء السبيل، ويدخل في ذلك كل أنواع الخير والمنفعة، ثم بين سبحانه ما يلزم المؤمن من تقديم نفسه لله، مجاهداً في سبيله، رافعاً لراية دينه، وأن في ذلك الخير الكثير وإن بدا في ظاهره أنه شر وضر.


تفسير قوله تعالى: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين ...)

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الإثنين من يوم الأحد- ندرس كتاب الله القرآن العظيم، رجاء أن نظفر بذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال فداه أبي وأمي والعالم أجمع: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، والحمد لله فقد فزنا بهذا المطلوب.والآيتان المباركتان اللتان ندرسهما إن شاء الله في هذه الليلة المباركة هما قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة:215-216]. ‏

سبب نزول الآية الكريمة

في الآية الأولى يقول تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:215]، من السائل؟ من الجائز أن يكون عدد من السائلين، ومن الجائز أن يكون سائلاً واحداً، وهو كذلك، هذا هو عمرو بن الجموح رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وكان ذا ثروة مالية، فجاء يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا ينفق وعلى من ينفق، وهذه النفقة قطعاً بعد الزكاة، الزكاة عرفها المؤمنون والمؤمنات بآيات القرآن العديدة، لكن هذه النفقة المستحبة الفاضلة التي ليست هي الواجبة.عمرو بن الجموح سأل، فقال: يا رسول الله! ماذا أنفق من مالي وعلى من أنفقه؟ فأجاب الله عز وجل بقوله: يَسْأَلُونَكَ [البقرة:215] يا رسولنا والمبلغ عنا يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:215] من المال وعلى من ينفقونه؟ أو يسأل: ماذا ينفق من ماله، فامتن الله عز وجل فبين له ما ينفقه وعلى من ينفقه.

منزلة السؤال عن العلم الشرعي


وهنا مما ينبغي أن نعلمه أن السائل الطالب العلم يظفر بنصف الأجر، قالوا: السؤال نصف العلم، السؤال عن أحكام الله وشرائعه، وعما عند الله لأوليائه، وما عنده لأعدائه، هذا السؤال نصف العلم، وقد علمنا واستقر عندنا -معشر أهل الحلقة- من أن طلب العلم فريضة على كل مؤمن ومؤمنة، سواء بطريق الكتابة والقراءة، أو بطريق سؤال أهل العلم، وبذلك لا يبقى في المؤمنين والمؤمنات جاهل ولا جاهلة، لأن الجاهل لا يصل إلى درجة الولاية ولا يكون ولياً لله تعالى، ومن لم يكن ولياً لله كان ولياً للشيطان عدو الله، ولا واسطة، إما أن توالي الله أو توالي عدو الله، فالعلم إذاً: ضروري، قال تعالى في آيتين من كتابه العزيز: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].هذا عمرو بن الجموح ما عرف ماذا ينفق وأين ينفق فجاء يسأل امتثالاً لأمر الله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ [النحل:43] أي: القرآن إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43]، فكل من لا يعلم وجب عليه أن يسأل حتى يعلم، وإلا فلا تتحقق له ولاية الله.وقد عرفتم سر ذلك وحكمته، فالله يوالي المؤمنين المتقين، لو سئلت من قبل يهودي، نصراني، بوذي: من أولياء الله؟ فالجواب: المؤمنون المتقون، فمن لم يكن مؤمناً وإن اتقى فلا ولاية له، ومن كان مؤمناً غير متقٍ لمساخط الله فما هو بالولي؛ وذلك لقوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ [يونس:62-63]. وسر هذا: أن المؤمن المتقي تزكو نفسه وتطهر وتطيب؛ لأنه استعمل أدوات التزكية والتطهير والتطييب، فسنة الله فيها أنها تطيب وتطهر، فالذي يغسل ثيابه بالماء والصابون تطهر أو لا؟ إذاً: الذي يستعمل أدوات وضعها الله تعالى لتطييب النفس وتزكيتها والله! لتطيبن نفسه وتزكو ولا تتخلف، فإذا زكت نفس العبد وطابت وطهرت أحبه الله ووالاه، فإن أهملها ولم يعمل على تزكيتها وتطهيرها خبثت فكانت كأرواح الشياطين والكافرين، وهل يحبهم الله؟ بل هو عدوهم وهم أعداؤه. فالعلم، وما العلم؟ أن تعرف ما يحب ربك وما يكره، وتعرف كيف تستعمل ذلك المحبوب وتقدمه له، وتعرف كيف تبتعد عن ذلك المكروه وتتجنبه، هذه هي، فإن عجزت عن الجلوس بين يدي العلماء ومزاحمتهم ليل نهار، فقبل أن تتوضأ اسأل كيف تتوضأ، تريد أن تتصدق بصدقة فاسأل عالماً: عندي صدقة فكيف أتصدق؟ تريد أن تنام فاسأل كيف تنام وعلى أي جنب تنام، ماذا تقول عند النوم، ماذا تقول إذا استيقظت؟ تعلم واعمل وامش، أردت أن تأكل فاسأل: كيف نأكل أكلاً يحبه الله؟ فيبين لك العالم كيف تأكل وما لا تأكل، فإن علمتَ فاعمل، ولا تزال تسأل وتعلم وتعمل حتى تصبح عالماً.أما أن يعيش المرء الثلاثين والأربعين والخمسين من السنين وتسأله عما يكره الله فما يعرف، وتسأله عما يحب الله فيقول: ما أدري، إذاً: فكيف تعبده؟ إذ عبادته بأن تحب ما يحب وتكره ما يكره.

سر تسمية المال بالخير

والشاهد عندنا قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ [البقرة:215] هؤلاء أصحابه صلى الله عليه وسلم سألوه أو لا؟ سألوه مَاذَا يُنفِقُونَ [البقرة:215] فأجابهم تعالى: قل لهم يا رسولنا: قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ [البقرة:215] والمراد بالخير هنا المال، وسمي المال خيراً لأنه خير للإنسان، به تتحقق مطاعمه ومشاربه، مراكبه، ملابسه، صدقاته، درجاته.والمال يكون صامتاً وناطقاً ليس دائماً ديناراً ودرهماً، قد يكون فولاً وشعيراً أو تمراً، قد يكون شاة ولبنها، والشاهد: إن المال ما يتمول؛ وعبر عنه بالخير لأنه خير، والإنسان بفطرته بغريزته يحب الخير، واقرءوا لذلك: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8]، وَإِنَّهُ [العاديات:8]، أي: الإنسان الآدمي لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات:8].

بيان جهات الإنفاق المستحبة


يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ [البقرة:215] وهو المال، فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [البقرة:215]، المراد من الوالدين: الأب والأم، الأب وإن علا والأم وإن علت، كالجد والجدة، والأقربون: أقاربك بعد والديك كإخوانك وأخواتك، وأعمامك وأبناء عمك، وأخوالك وبني أخوالك، وعماتك وبنات عماتك، وخالاتك وأبناء خالاتك، الأقرب فالأقرب، هؤلاء الأقربون، فالعم مقدم على ابن العم، عنده صاع من تمر يعطيه لأخيه قبل ابن أخيه، الأقرب فالأقرب، إذ قد لا تتسع دائرة الإنفاق على الجميع، الأقرب فالأقرب، وسئل الرسول فقال: ( أمك وأباك ثم أختك أخاك ثم أدناك أدناك ). وَالْيَتَامَى [البقرة:215]: من فقدوا الآباء، وفاقد الأم لا يقال فيه: يتيم، وإنما يقال اليتيم لمن فقد أباه، لم؟ لأن الأب هو المنفق عليه، والذي تكفل بعيشه، وأما الأم فلا، وفي الحيوانات اليتيم منها فاقد الأم، هذا الجدي يتيم أمه ماتت، اطلب له مرضعة ترضعه، لكن أباه لا قيمة له؛ لأن الآباء في الحيوان لا تنفق على أبنائها، لكن في البشر اليتيم عندنا: من فقد والده، فإن ماتت أمه لا نقول فيه: يتيم، اليتيم من فقد أباه. وَالْمَسَاكِينِ [البقرة:215] جمع مسكين، وهم الفقراء، لكن بعض أهل العلم يقول: المسكين من أذلته الحاجة ومسكنته وألصقته بالأرض؛ لأن المسكنة بمعنى الذل والانكسار، وهذا الذي فقد المال يذل وينكسر، فلهذا سمي بالمسكين. وَابْنِ السَّبِيلِ [البقرة:215] هو الذي يأتي إلى القرية ماراً من بلد إلى بلد، من قرية إلى أخرى، فلما ينزل في القرية لا يعرف فيها أحداً، فمن يطعمه من يؤويه من يسقيه؟ المؤمنون، وهو عابر سبيل ما نعرفه، ابن الطريق، لا نعرف له أماً ولا أباً ولا جداً، هذا ابن السبيل، كأن الطريق هي التي أوجدته وهو ابنها لا يعرف ابن من، وفي الزمن الأول ما كانت فنادق ولا مطاعم ولا نزل، فحين يدخل الغريب في القرية وإن كان غنياً كيف يأكل، كيف يشرب، أين ينام، لا بد أن يقوم بهذا المسلمون، هذا ابن السبيل.إذاً: فبين تعالى ما ينفق وفيمن ينفق، جواباً لـعمرو بن الجموح السائل الذي سأل رسول الله ليسأل الله تعالى، والله عز وجل أجاب السائل: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ [البقرة:215] خمسة.

دلالة حصر جهات الإنفاق على منع النفقة في الباطل

يروى أن ميمون بن مهران رحمه الله من سلفنا الصالح من التابعين أنه قال لما قرأ هذه الآية: لقد بين تعالى وجوه الإنفاق وطرق النفقة، فلم يذكر طبلاً ولا مزماراً ولا صورة من خشب ولا ستارة لجدار. هل عرفتم ما يقول؟ يقول: لقد بين تعالى طرق النفقة وسبلها، أي: بين لنا على من ننفق، فالأبوان ثم الأقرب فالأقرب واليتامى والمساكين وابن السبيل، فهل ذكر شراء الطبول والمزامير والصور الخشبية والستائر على الجدران؟ لأنهم كانوا يسترون جدرانهم بالحرير والأقمشة، ما ذكر هذا.إذاً: فهذه النفقة باطلة ما أذن الله فيها، لو أرادها لكان يجيب عنها، فأجاب عما أجاب وما سكت عنه لا ينفق فيه أبداً.إذاً: من الليلة ما بقي من يشتري تلفازاً ولا الفيديو ولا أشرطة غناء، ومن يفعل ذلك فقد أنفق في غير ما أذن الله، فهو عاصٍ خارج عن طاعة الله، أما بين لنا كيف ننفق أو لا؟ فإن أضفنا أشياء ما أذن فيها أسأنا وأخطأنا الطريق، لاسيما ونحن بصراء عارفون علماء، لسنا جهلة يا معشر المستمعين والمستمعات، نقول: حين تشتري هذا التلفاز وأنت عامل أو فلاح أو تاجر أو مزارع، أسألك بالله: ما هو الذي يرجع إليك من هذا التلفاز؟ يرتفع دخلك اليومي؟ لا، تأمن من الأمراض والعلل والأسقام؟ لا، تكتسب شرفاً وسمواً بين أهلك والقرية؟ الجواب: لا، ما الذي تستفيده؟ الفائدة معدومة -والله- انعداماً كاملاً، اللهم إلا مسئول حاكم سياسي مضطر إلى أن يطلع على أحداث العالم فهذا شأنه إذا نوى بذلك الحفاظ على أمة الإسلام ودولتها وبلادها وخيرها ودينها، يثاب ولا يأثم، لكن إذا ظهرت عاهرة تغني ضغط عليه وأسكته أو أغمض عينيه، فلا يسمع ولا يشاهد إلا ما يعود عليه بخير في مهمته التي هو لها، أما بقية النساء والرجال في العالم الإسلامي فوالله! ليخسرون أولاً الوقت، وهو أغلى شيء، فالذي يضيع الساعة والساعتين وهو يشاهد ويسمع ما لا يعود عليه بخير والله! لقد أنفق وقتاً الدقيقة منه لو يجتمع أهل الكرة الأرضية على أن يعطوكها ما استطاعوا، فالوقت أغلى من الذهب.ثانياً: لما تأخذ في المشاهدة سوف تتأثر نفسياً، وتتأثر بماذا؟ بالسوء والباطل لا محالة، فاكتسبت -إذاً- سيئات وما أنت في حاجة إليها.ثالثاً: لا يحل لمؤمن أن يوجد صور عاهرات في بيته، لو كانت صورة على ورقة فهي محرمة، فكيف بصورة واقعية؟رابعاً: إن أنت كنت عصامياً كما يدعون، فبناتك وأولادك ونساؤك ما عندهم هذه القدرة على أن يتحفظوا أبداً، ما يستطيعون، يصبح الأولاد يعملون نفس الأعمال التي يشاهدونها، تلك الحركات يعملونها، ووالله! لقد فعلوا، فربيت أسرتك على باطل وشر، وأنت المسئول عنها، فهل يصح بعد هذا أن ننفق أموالنا في شراء هذه الأباطيل؟أما آثارها السيئة فهي تظهر وكل يوم تتجلى الحقائق، نصبح نقلد الكافرين في مشيتهم وحركاتهم وأصواتهم وحتى نطقهم وكلامهم.فرحم الله هذا التابعي المؤمن القائل: لقد بين الله تعالى وجوه النفقة وحددها، فلم يذكر طبلاً ولا مزماراً ولا صورة من خشب ولا غيرها، ولا ستائر للجدران، فمن أوتي مالاً فلينفق حيث بين الله تعالى له الإنفاق.قد يقول قائل: لم هذا الشيخ دائماً معني بموضوع التلفاز والفيديو والأغاني؟ الجواب: لأنه ما أمامنا معصية مشاهدة إلا هذه، لو انتهت فلن نتكلم فيها، فكيف أرضى وأنا لا أرضى لنفسي ولا لأسرتي أن يوجد في بيوتهم هذا، ونرضى به للمؤمنين والمؤمنات؟!

معنى قوله تعالى: (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم)


ثم قال تعالى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215]، وما تنفقوا من خير تجزوا به، وتثابوا عليه، وتعطوا أجركم، لم؟ لأن الله خبير وعليم، ومعنى هذا: إياك أن تفهم أو يخطر ببالك أنك تنفق نفقة وإن قلَّت -كدرهم- وتخشى أن الله ما يعلمها، وعلى ذلك لا يثيبك عليه؛ لأنه ما يدري، انزع هذا من ذهنك، وما تفعلوا من خير قل أو كثر، صغر أو كبر، مهما ما كان فلا بد أن يجزينا به لعلمه به، لو كان لا يدري ما أنفقنا -وخاصة النفقات الصغيرة، والنفقات في الظلام، والنفقات حيث لا يعلمها أحد- فقد يخطر ببالك أن الله ما اطلع عليها فلا يثيبك عليها، فنفى هذا نفياً كلياً: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215]، ولازم علمه أنه يثيب عليه ويجزي به.فهذه الآية الكريمة بينت لنا ماذا ننفق وعلى من ننفق، فلنطع الله عز وجل، فإن كان لنا مال نحتاج إلى إنفاقه فلننفق أولاً على أنفسنا وأبنائنا وبناتنا وأزواجنا، ثم ننتقل إلى آبائنا وأمهاتنا ثم الأقرب فالأقرب فالأقرب، ثم الفقراء والمساكين واليتامى وأبناء السبيل، هذا العلم تلقيناه عن الله عز وجل، فالحمد لله، والبشرية الكافرة ما عرفت هذا ولا سمعت به.

تفسير قوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم ...)

الآية الثانية: هي قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ [البقرة:216]، كتب عليكم، أي: فرض، ولم يقل: فرض عليكم؛ لأن الفرض فرض، وكونه يكتب يكون أبلغ وأثبت وأكثر أصالة، كتب كتابة، وهو مكتوب في اللوح المحفوظ كتاب المقادير، وكتبه علينا في القرآن الكريم، وفرضه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ [البقرة:216]، قتال من؟ قتال الكافرين والبغاة الظالمين، لم نقاتلهم؟ لأننا حملة رسالة، هذه الرسالة آثرنا الله بها، وفضلنا على سائل الخلق بها، ينبغي أن نحملها ونبلغها إلى أهلها، هذه الرسالة: هي إنقاذ البشرية من الجهل والظلم والخبث والشر والفساد في الدنيا، ثم إنقاذها من الشقاء الأبدي والخسران الكامل يوم القيامة، أعطانا الكتاب، وهو نوره، وبعث فينا رسوله، فبين لنا ما ينبغي أن نعرفه ونعلمه، فأسند إلينا هذه الرسالة فيجب أن نبلغها، فهل نبلغها ونحن عاجزون ضعفاء غير قادرين؟ هل نبلغها ونحن نخاف من القتل والقتال؟أولاً: لا بد من العدة والعتاد والطاقة بمعناها، وهذا فرض فرضه الله علينا نحن أولياءه وحاملي رسالته، ومن العدة والعتاد أن يكون أمرنا واحداً، لا خلاف بيننا ولا اختلاف، راية واحدة وإمام واحدة، فريضة الله، عرف العدو هذا فمزق دولتنا إلى نيف وأربعين دولة، فتركنا مختلفين متنازعين، وجعل الراية رايات، فهل نستطيع أن نقوم بهذا الواجب ونحن مفترقون متشتتون منقسمون على أنفسنا، من يقول: نستطيع؟ والله! ما نستطيع، ويدلنا على ذلك بوضوح: أن اليهود غزونا واستعمروا ديارنا وبنو دولتهم فيها، هل استطاع العالم الإسلامي أن يطرد اليهود من فلسطين؟ ما يستطيع؛ لأنه متفرق مختلف، ما هو بأمة واحدة ولا دولة واحدة أبداً، عشرات الدول، فأول عدة ينبغي أن تكون هي توحيد كلمة المسلمين، هل توحيد كلمتهم من الصعوبة بمكان؟ لا والله، متى آمنوا إيماناً حقيقياً أصبحوا أمة واحدة، والعدو عرف هذا ففتت وبدد طاقات الإيمان من قلوب المسلمين، فأصبحوا مؤمنين صورياً، لا حقيقة، إلا من رحم الله، إذ لو آمنوا إيماناً حقاً لأنفقوا كل شيء، فلم يبقوا يحافظون على التراب والطين والقبيلة والوطن والمال والنفس، لكن ما آمنا الإيمان الحقيقي. ‏

تميز الرجال عن النساء بوجوب القتال عليهم

إذاً: كتب علينا القتل فهيا، وقرئ (كتب عليكم القتل)، ولا فرق بين القتل والقتال؛ لأنه لا يقتل حتى يقاتل، وهنا بيت شعري لطيف: كتب القتل والقتال عليناوعلى الغانيات جر الذيول.من قال هذا؟ أولئك العرب الأقدمون، قالوا: كتب القتل والقتال علينا، نموت ونميت، نَقتُل ونقتَل.(وعلى الغانيات جر الذيول) من هن الغانيات؟ الغانيات: النساء المؤمنات، ماذا كتب عليهن؟ جر الثياب الطويلة، ما تجعل ثوبها إلى فخذيها كالمتحررات أو إلى نصف ساقيها أو كعبيها، ثوبها يمشي وراءها الشبر والشبرين والذراع، وقد سألت مؤمنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نجاسته، فقال: لا شيء عليك، لأنك تجرينه على الأرض، فالطاهرة تطهر النجس.فمتى يعود نساؤنا على هذه الصورة؟ حين نؤمن وندخل في الإسلام بجد وصدق، وحينئذٍ فجأة وإذا بالمؤمنات مقصورات في الخيام كالحور العين، يربين البنين والبنات ويعبدن الرحمن، ويسعدن الأزواج في تلك البيوت، ومعنى هذا: أنه ما هناك وظيفة للبنت، هذه الوظيفة فتحت فاها فأصبحت كالأفعى، أشقت الرجال، وحطمت معانيهم وكراماتهم.الآن المرأة موظفة تأخذ كذا ألفاً، والفحل غير موظف فتزدريه، فتسخر منه! وما شعرنا، ما أحسسنا، ما فهمنا أبداً، كالمسحورين تماماً.لِم تخرج المؤمنة موظفة؟ هل هي في حاجة إلى ما تطعم نفسها به؟ الفحل هو المسئول عنها، الأب هو المسئول، الأخ هو المسئول، نساؤنا يعشن في ظل فحولنا، لا أنها هي التي تقوم بالعمل، ثم لو كانت تقوم بحلب الشاة أو البقرة، أو جمع كذا في بستانها الخاص بها فلا بأس، أما أن تتوظف مع الرجال وتصبح رجلاً في كل شيء فوالله! لهو المسئول تماماً؛ لأن الكفار.. المشركين .. اليهود.. النصارى لا دين ولا مروءة ولا رجولة ولا فحولة فيهم، حيوانات، فإذا انسلخ نساؤهم وخرجن كاسيات عاريات وتزاحمن على الوظيفة لأجل الدينار والدرهم فلا غرابة، ولا عجب، أما أهل الإيمان فهم هداة البشرية من يهدي الإنسانية سواهم؟ فحين يقلدون الآخرين ويصبحون مثلهم وأسوأ حالاً منهم كيف سيؤدون هذه الأمانة؟قد يقولون: إذا لم تترقوا، إذا لم تنتقلوا من حال إلى حال وبقيتم متخلفين سوف تداسون بالنعال، والله! إن هذا كله هراء، لا وزن له في الواقع أبداً، بل العكس، والله لو أسلمنا في أربع وعشرين ساعة فكانت كلمتنا واحدة، ونساؤنا في بيوتنا وفحولنا يأخذون ويعطون لارتج العالم واهتزت أركانه، ولا ينفع هيدروجين ولا ذرة ولا صاروخ.كتب القتل والقتال عليناوعلى الغانيات جر الذيولتغنى بهذا الشعر المسلم العربي.

تقديم المؤمن محبة الله تعالى على كراهة النفس للقتال


كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة:216]، نعم مكروه، من منا من لا يكره القتال والقتل؟ ولكن إذا أمر الله السيد المالك عبده بأن يفعل أو يترك فينبغي أن ينفعل بذلك الأمر ويصبح ذلك المكروه محبوباً وذلك المحبوب مكروهاً، لما حرم الله على المؤمنين في هذه المدينة الخمر أما كانت محبوبة؟ أما كانت تعتق وتباع بأغلى الأثمان؟ أما كانوا يتباهون بها ويفتخرون؟ ولما كرهها الله وحرمها جرت بها أزقة المدينة في يوم واحد، ما إن نزلت: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ [المائدة:91] حتى أخذوا الدنان والقرب من عتبة الباب ويصبونها في الشارع، حتى جرت في أزقة المدينة.ولما أحب الله القتال والقتل في سبيله أحبوا ما أحب الله، وخرجوا إلى القتال فرحين مسرورين، بل كان أحدهم يطرب عند المعركة ويهلل ويكبر، والله عز وجل أخبر بواقع عباده، إذ هو غارز غرائزهم، وخالق طباعهم، طبعنا هو هذا، نكره القتل والقتال، لكن ما إن كتبه الله وفرضه على أوليائه حتى تغير الطبع وأصبح المحبوب مكروهاً والمكروه محبوباً، فهو يخبر بهذا تمهيداً لهم، لينتقلوا من حال إلى أخرى أعلمهم بأنه كتب عليهم القتال وهو كره لهم بالفطرة يكرهونه، الدخول في المعارك وإراقة الدماء وكسر الجماجم والسقوط في الميادين، هذا مكروه للإنسان بطبعه، لكن إذا كان الله قد أحبه فإنه يحبه أولياؤه.

معنى قوله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم)

وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216]، (وعسى) هذا الفعل يفيد الترجي، رجاء وقوع هذا المحبوب أو المكروه، ولكن إذا كان منسوباً إلى الله فلا يفيد إلا الجزم والتحقيق؛ لأن الله يملك كل شيء، وقدرته على كل شيء، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ [البقرة:216]، وفي هذا يقول الشاعر وقد جمع تفسير الآية في بيتين من الرجز: رب أمر تتقيهجر أمراً ترتضيه.(رب أمر تتقيه) كالقتال (جر أمراً ترتضيه) وتحبه وكم من أمر تتقيه وتخافه جر إليك أمراً ترتضيه وتحبه.خفي المحبوب منهوبدا المكروه فيه.فسر الآية: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216] ببيتين من الشعر، فنحن نكره القتال وهو خير لنا، نحب الجبن والقعود في البيت وهو شر لنا، وهو كذلك.

خراب الأندلس أنموذج لأثر جبن المسلمين عن القتال

وهنا يقول القرطبي في تفسيره باكياً: لما قعد المؤمنون في الأندلس عن القتال وجبنوا وآثروا الدنيا وزخارفها وقعدوا عن الجهاد في سبيل الله ماذا حدث لهم؟ تسلط عليهم النصارى الصليبيون، فمزقوهم، شردوهم، قتلوهم، استعبدوهم، وحولوا تلك الجنة إلى جحيم، أين جنة الأندلس؟ السبب أنهم قعدوا عن القتال، أحبوا ما كره الله، وكرهوا ما أحب الله في هذه الآية، وهذا واقع، فالأندلس كانت تسمى جنة العالم الإسلامي.ومما يؤثر عنهم ونحفظه: أنهم لما ترقوا وتحضروا أدخلوا في المستشفيات الأغاني، قالوا: مما يساعد المرضى على النقاهة والترويح على أنفسهم أن تجعلوا لهم مغنيات! وهذا المطلب طلبه أحد كتابنا في جريدة المدينة أو البلاد منذ حوالي خمس وعشرين سنة، وطالب الحكومة بأن تدخل الأغاني للتسلية على المرضى! تحت عنوان: الموسيقى لا الدواء، كتب هذا ورددنا عليه وأدبناه، والحمد لله، وما وقع الذي طلب، قلنا له: على مهلك، فنحن ما عندنا أكثر من أربعين سنة تنفسنا فيها الصعداء وشممنا رائحة الخير في ديارنا هذه، فلم تستعجل البلاء؟ على الأقل بعد مائة وخمسين سنة، أراد أن يستعجلها، وذكرنا له الأندلس ديار الإسلام، جنة العالم الإسلامي، ديار العلم والعلماء والأبرار والأتقياء والكمال والعزة والسيادة، اهتزت لها أوروبا من شرقها ومن غربها، فلما آثروا الزخارف والأباطيل والملاهي والملاعب سلط الله عليهم النصارى، هي سنته، فاجتاحهم الغرب وفعل فيهم ما لا يحصى، رموهم بالمئات في البحر، مزقوهم.. صلبوهم.. شردوهم.. شتتوهم، حولوا المساجد إلى كنائس، أما في هذا عبرة أبداً؟!

انحصار الخير والشر فيما شرعه الله تعالى أو نهى عنه


يقول تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة:216] قطعاً وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:216]، وكم من شيء نحبه وهو شر لنا، وآخر نكرهه وهو خير لنا، وبالجملة: كل ما أمر الله به فهو خير وإن كان أن تخرج من مالك أو تقدم دمك وكبدك، فهو والله خير، وكل ما نهى الله عنه وإن ظهر لك أنه خير فهو والله لشر، والأمر واقع مشاهد، إذ مولانا عز وجل لا يأمرنا وهو ولينا إلا بما فيه خيرنا وكمالنا وسعادتنا، حاشاه أن يفرض علينا ما يجلب لنا ذلاً أو هوناً أو دوناً، حاشاه أن يقع هذا منه أبداً، فجميع أوامر الله التي كلفنا بها هي خير، وجميع نواهيه التي نهانا عنها من اعتقاد أو قول أو زي أو لباس أو صورة أو تفكر هي شر لنا، والواقع شاهد.

قراءة في كتاب أيسر التفاسير

معنى الآية في قوله تعالى: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين...)

ولنستمع إلى تلاوة الآية في شرحها كما هي العادة في هذا الدرس.قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ معنى الآية الكريمة ] أي: الآية الأولى، وهي قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215].قال: [ سأل عمرو بن الجموح -وكان ذا مال- رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينفق وعلى من ينفق؟ فنزلت الآية جواباً لسؤاله، فبينت أن ما ينفق هو المال وسائر الخيرات، وأن الأحق بالإنفاق عليهم هم الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين، وأبناء السبيل، وأعلمهم تعالى أن ما يفعله العبد من خير يعلمه الله تعالى ويجزيه به، فرغب بذلك في فعل الخير مطلقاً ]، ليس المال فقط: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ [البقرة:215]، صلاة .. صيام.. جهاد.. رباط كله خير.

هداية الآية

هذه الآية يؤخذ منها الهدايات الآتية:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية الكريمة:من هداية الآية: أولاً: سؤال من لا يعلم حتى يعلم، وهذا طريق العلم ]كما علمنا، سؤال من لا يعلم من يعلم، وهو واجب، وهذا هو الطريق للوصول إلى العلم، سؤالك عما لا تعلم أهل العلم وجوابهم لك هو العلم، انظر هداية هذه الآية.سؤال من لا يعلم حتى يعلم، يواصل السؤال وما ينقطع إلى أن يعلم، [ وهذا طريق العلم، ولهذا قالوا: السؤال نصف العلم.كما أن (الله أعلم) نصف العلم أيضاً، فالسؤال نصف العلم، إذا سأل علم أو لا؟ فالسؤال نصف، وقولك: (الله أعلم) نصف العلم، إذا سئلت عما لا تعلم وقلت: الله أعلم فهذا نصف العلم، فانحصر العلم في السؤال وفي التفويض إلى الله، أي: الله أعلم.[ ثانياً: أفضلية الإنفاق على المذكورين في الآية إن كان المنفق غنياً وهم فقراء محتاجون ]، من هداية هذه الآية بيان أفضلية الإنفاق على المذكورين في الآية: الأبوان، والأقرباء واليتامى والمساكين وابن السبيل، إذا كان المنفق غنياً وهم فقراء محتاجون إليه.[ ثالثاً: الترغيب في فعل الخير والوعد من الله تعالى بالجزاء الأوفى عليه ]، تضمنت هذه الآية هداية، وهي الترغيب في فعل الخير: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [البقرة:215]، أي ترغيب أعظم من هذا؟ فمن استطاع أن يفعل خيراً فليفعل ولو إزالة شوكة من الطريق، فإن الله به عليم، ولازمه: أنه يثيب عليه ويجزي به.

معنى الآية في قوله تعالى: (كتب عليكم القتال وهو كره لكم ...)


أما الآية الثانية فلنستمع إلى شرحها بعدما علمناها:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين: [ معنى الآية الكريمة:يخبر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بأنه فرض عليهم قتال المشركين والكافرين، وهو يعلم أنه مكروه لهم بطبعهم لما فيه من الآلام والأتعاب وإضاعة المال والنفس، وأخبرهم أن ما يكرهونه قد يكون خيراً لهم، وإن ما يحبونه قد يكون شراً لهم، ومن ذلك الجهاد فإنه مكروه لهم وهو خير لهم لما فيه من عزتهم ونصرتهم ونصرة دينهم مع حسن الثواب وعظم الجزاء في الدار الآخرة، كما أن ترك الجهاد محبوب لهم، وهو شر لهم؛ لأنه يشجع عدوهم على قتالهم واستباحة بيضتهم، وانتهاك حرمات دينهم، مع سوء الجزاء في الدار الآخرة.وهذا الذي أخبرهم تعالى به من حبهم لأشياء وهي شر لهم، وكراهيتهم لأشياء وهي خير لهم هو كما أخبر لعلم الله به قبل خلقه، والله يعلم وهم لا يعلمون، فيجب التسليم لله تعالى في أمره وشرعه مع حب ما أمر به وما شرعه واعتقاد أنه خير لا شر فيه ].

هداية الآية

وفي هذه الآية أيضاً ثلاث هدايات:قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:[ هداية الآية الكريمة:من هداية الآية: أولاً: وجوب الجهاد على أمة الإسلام ما بقيت فتنة في الأرض وشرك فيها ]، الجهاد فريضة الله على العالم الإسلامي ما بقي كافر ومشرك، ولا يسقط هذا الفرض أبداً حتى لا يبقى في الأرض من يعبد غير الله، ودليل ذلك قوله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [البقرة:193]، والآن كيف حال المسلمين؟ والله! إنهم لآثمون وغارقون في هذه المعصية حتى يوحدوا إمامهم وصفوفهم ويقاتلوا أعداء الله ليهدوهم ويصلحوهم ويجعلوهم من أهل الكمال والخير.ويوم القيامة نسأل عن الذين يدخلون النار؟ هؤلاء كفار فأين كنتم أنتم؟ لِم ما دعوتموهم؟ لِم ما بينتم لهم؟ ونحار في الجواب ونعجز.[ ثانياً: جهل الإنسان بالعواقب يجعله يحب المكروه ويكره المحبوب ] هذا هو السر، لو يعرف العاقبة وما يكون بعد فسيحب ما يُحب ويكره ما يُكره، لكن للجهل يحب المكروه ويكره المحبوب، لو علم ما يأتي بإزاء هذا العمل ما كان يحب إلا ما أحب الله، ولا يكره إلا ما يكره الله.[ ثالثاً: أوامر الله كلها خير، ونواهيه كلها شر، فلذا يجب فعل أوامره واجتناب نواهيه ]، بالله الذي لا إله غيره! إن أوامر الله لكلها خير، وإن نواهيه لكلها شر، ومن فعل المحبوب فاز بالخير، ومن ترك المكروه لله فاز بالنجاة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 375.21 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 369.33 كيلو بايت... تم توفير 5.88 كيلو بايت...بمعدل (1.57%)]