مفهوم الحوكمة وتعريفاتها – الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية بين التنظير والتطبيق - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4525 - عددالزوار : 1160162 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4065 - عددالزوار : 677385 )           »          موسوعة الفقه الإسلامي 5 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 87 )           »          كيف تحول الأحلام إلى أهداف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 89 )           »          الامتحان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 82 )           »          المستقبل الأخلاقي للجيل القادم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 95 )           »          استنجاء مَن به سلس البول لكل صلاة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 85 )           »          الأمور التي يفعلها الإنسان إذا ولد له مولود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 63 )           »          حكم ما يخرج من بول بعد الاستنجاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 62 )           »          كتاب (فوق أطلال الماركسية والإلحاد) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 103 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى التنمية البشرية وعلم النفس ملتقى يختص بالتنمية البشرية والمهارات العقلية وإدارة الأعمال وتطوير الذات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-05-2024, 01:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,987
الدولة : Egypt
افتراضي مفهوم الحوكمة وتعريفاتها – الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية بين التنظير والتطبيق





مفهوم الحوكمة وتعريفاتها – الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية بين التنظير والتطبيق


  • الحوكمة إداريا هي مجموعة من القواعد والإجراءات الدّاخليّة التي توفّر ضمانات تحقيق حرص المديرين على حقوق المُلّاك والمحافظة على حقوق الأطراف ذات المصالح بالمنظّمة
  • يشير اصطلاح الحوكمة من المنظور القانوني إلى الإطار التشريعي والقواعد القانونيّة التي تحمي مصالح الأطراف ذوي العلاقة بالمؤسسة أو الشركة
من الطبيعي في النّشاط العلمي والتّنموي عمومًا، أن تدعو المضايق والأزمات كلّ المفكّرين والمنتجين علميًّا إلى البحث عن الحلول المناسبة لها، والمخارج المطلوبة لإنقاذ الأفراد والمجتمعات من الانهيارات الاقتصادية أو الاجتماعيّة أو الأخلاقيّة المختلفة؛ لذلك نجد كثيراً من الإنتاج الفكريّ عموماً كان المحرّك والمحفّز الأساسي له أزمة من الأزمات، بل إنّ كثيراً من الفلسفات الموغلة في القِدَم في التّاريخ الإنساني هي وليدة أزمات، أو نشأت للتّعاطي مع حاجةٍ ملحّةٍ معيّنة، وإدارة التّعامل معها.
وحركة الاقتصاد العالمي في العقود الأخيرة، وما عانى منه من نكبات وعثرات واجهتها العديد من الاقتصادات المستقرّة نسبيًّا والاقتصادات النّاشئة، فرضت على نحوٍ ضروريّ التفكير في تأسيس -أو صياغة- نظامٍ فعّال ومنتج لتطبيق المبادئ الإداريّة التي يرتبط التقدّم والنّجاح بها عادةً، مثل: الشفافية والنزاهة والكفاءة والخبرة والفاعليّة والرّقابة.
الحاجة لهذا النّظام
وقد برزت الحاجة لهذا النّظام باعتبارها نتيجةً طبيعيّةً لرصد مواطن كثيرة من القصور في تطبيق المبادئ المشار إليها؛ حيث أعقب ذلك انهيارات وتراجعات انعكست سلباً على كلّ المتعاملين مع المؤسّسات التي تعاني من ذلك القصور، كما انعكست على الاقتصاد العالمي، وبعد تفتُّت العالم الإسلاميّ فيما بعد سقوط الخلافة الإسلاميّة وانتهاء حقبة الاحتلال الغربي التي تلت ذلك، نشأت الدّول الإسلاميّة الحديثة التي لا تخلو أيّ منها من مؤسّسة أو مؤسّسات حكوميّة أو غير حكوميّة تختصّ بإدارة الأوقاف ورعايتها، وهي الحالة التي انتهت بها تقريباً حقبة التفرُّد والارتجال في إدارة الوقف والتحكُّم فيه بالإرادة المنفردة، بل اكتسب العمل الوقفي الطّابع المؤسّسي كاملا.
المؤسّسة الوقفيّة
وبما أنّ المؤسّسة الوقفيّة تتكوّن من الجانب الإشرافي الإداري (النّظارة)، وجانب الأصل المادّي (الموقوف)، وجانب الجمهور المستفيد (الموقوف عليهم)، والجانب الممثّل للدّولة (القضاء)، وكذلك ما ينشأ للوقف -أو عليه- من الحقوق استناداً لشخصيّته الاعتباريّة، فإنّ كلّ هذه المكوّنات تربطها علاقات لا بدّ من تنظيمها وإحكام إطارها إداريًّا، في قالب من النّزاهة والشفافيّة والإفصاح عن الحقوق والواجبات والأخلاقيّات، ومن هنا كانت «حوكمة الوقف» ضرورةً إداريّةً عصريّة.
أولاً: معنى الحوكمة ومفهومها
الحوكمة لغةً: «حوكمة» على وزن «فوعلة»، وهي بهذا المبنى الاشتقاقيّ ليست من الألفاظ المأنوسة في اللّغة العربيّة؛ ولذلك فقد اجتهد المختصون في وضع تعريف لها بعد تنوّع الترجمات الحرفية لهذا المصطلح العالمي، وقد أحصى الباحثون ثمانية عشر مرادفًا عربيًّا لكلمة (governance)، وبما أنّ إطلاقه عموما اقترن بإدارة الشركات وتنظيم أدائها، فقد أُطلق على هذا النّظام مركبات إضافيّة عدّة على سبيل التّلقيب استنادًا إلى الترجمة الحرفية، مثل: (حكم الشركات) أو (حكمانية الشركات) أو (التحكم المؤسسي) أو (حاكمية الشركات)، وكلها تدور حول معنى الحكم والرقابة على الشركة وتنظيم أدائها وعلاقاتها. ولفظ (حوكمة) لم يرد في المعاجم العربية على هذا الوزن كما أشرنا، لكن المصطلح الشائع (الحوكمة) لقي استحسانًا من مجمع اللغة العربية وأقرَّه عام 2002م، والمعنى العام للحوكمة من مادة لفظ (حَكَم)، والعرب تقول: حكمتُ، وأحكمتُ وحكَّمتُ؛ بمعنى: مَنعتُ وردَدَتُ، ومن معاني كلمة (حَكَم): حَكَمَ الشيء وأحكمه، كلاهما: منعه من الفساد، وأحكم الأمر: أتقنه، وأحكمت الشيء فاستحكم: صار مُحْكَمًا، وكلُّ من منعته من شيءٍ؛ فقد حَكَّمتَه وأَحكمته.
الحوكمة اصطلاحًا
نظراً للتّكوين المتدرّج لمعنى هذا المفهوم في أذهان المتخصّصين، وفي أدبيّات الهيئات العالميّة المتخصّصة، وتنوُّع الدّوافع للكتابة فيه، فإنّه لم يُتّفق حتى اللحظة على تعريف واحد له، وإنْ كان جوهره وأهدافه وماهيّته مُدْركة إدراكاً عامًّا لجميع الذين يتداولونه.
تعريفات متداولة
عرّفته منظّمة التّعاون الاقتصادي والتّنمية (OECD) (2004م)، فقالت الآتي: «إنّ حوكمة المؤسّسات تتضمّن مجموعة من العلاقات بين إدارة المؤسّسة ومجلس إدارتها ومساهميها، وذوي المصلحة الآخرين، وتقدّم حوكمة المؤسّسات أيضاً الهيكل الذي من خلاله تُوضع أهداف المؤسّسة، وتُحدَّد وسائل إنجاز تلك الأهداف، والرّقابة على الأداء»، وعرّفها البنك الدّولي بأنّها: «التنمية والتطوير الإداري للشركة، ويكون ذلك من خلال خبرتها، والبرامج التي تطرحها، والمشروعات التي تنفذها، ونوع التكنولوجيا التي تستخدمها؛ لبناء مؤسسات منفتحة وفعّالة وخاضعة للمساءلة».
أبعاد المفاهيم
ومن الأمور التي تسعف في إدراك أبعاد المفاهيم عموماً، تعريفها على اختلاف اعتبارات التعريف، وتنوّع زاوية النّظر، ويمكن الاستفادة من ذلك هنا لتحقيق مزيدٍ من الإيضاح لمعنى الحوكمة، فنقول:
المفهوم القانوني للحوكمة
يشير اصطلاح الحوكمة -من المنظور القانوني- إلى الإطار التشريعي والقواعد القانونيّة التي تحمي مصالح الأطراف ذوي العلاقة بالمؤسسة أو الشركة، وتناولها كُتّاب القانون على أنّها إطار متكامل من القواعد القانونيّة الحاكمة لإدارة شؤون المشروعات والمنظّمات في مواجهة الأطراف المستفيدة، ومن ثم يهتمّ القانونيّون بالقواعد القانونيّة والنّواحي الإجرائيّة التي توفّر متطلّبات المحافظة على الكيان المؤسّسي للشّركات، وتوفير ضمانات الحماية لحقوق الأطراف ذوي العلاقة أو المستفيدين من نشأة الشّركة، وبقائها، ونموّها.
المفهوم الإداري للحوكمة
يمكن أن يقال استنداداً إلى بعض الكتابات الإدارية: الحوكمة هي مجموعة من القواعد والضّوابط والإجراءات الدّاخليّة في المؤسّسة، التي توفّر ضمانات تحقيق حرص المديرين على حقوق المُلّاك، والمحافظة على حقوق الأطراف ذات المصالح بالمنظّمة، أو هي مجموعة ممارسات تنظيميّة وإداريّة تضبط العلاقة بين أصحاب المصالح المختلفة، بمن فيهم متلقّو الخدمة، وتحمي حقوق الأطراف ذوي العلاقة من الممارسات الخاطئة للمديرين.
المفهوم المحاسَبي للحوكمة
هي توفير مقوّمات حماية أموال المستثمرين، وحصولهم على العوائد المناسبة، وضمان عدم استخدام أموالهم في مجالات أو استثمارات غير آمنة، وعدم استغلالها من قِبل الإدارة لتحقيق منافع خاصة، ويتم ذلك من خلال مجموعة الإجراءات والضوابط والمعايير المحاسَبيّة، وتركّز هذه النّظرة على تحقيق الشفافيّة وتوسيع نطاق الإفصاح عن البيانات المحاسَبيّة والقوائم الماليّة ومزايا المديرين وتطبيق المعايير المحاسَبيّة المتعارف عليها دوليًّا، ومن خلال هذا العرض المتنوّع يمكننا استشراف أهميّة حوكمة المؤسّسات الوقفيّة، لأنّنا نعلم بالتجربة تعدُّد مكوّنات المؤسّسة الوقفيّة وضرورة ضبط العلاقات بينها، كما نعلم أنّ الكثير من الأوقاف قد ضاعت بسبب الفساد الإداري والاعتداء عليها من النُّظَّار والمتولّين أحياناً، أو بسبب الثّغرات القانونيّة وضعف التشريعات القضائيّة الخاصّة بالوقف؛ الأمر الذي سلَبَهَا صفة الرّدع والزّجر، وجرّدها من إمكانيّة تحقيق الحماية والصّيانة للأصول الوقفيّة.
من آثار الحوكمة ومنافعها
وذلك مع ملاحظة أنّ من آثار الحوكمة ومنافعها أنّها تشكّل شهادة تميُّز للمؤسّسة من خلال ضمان الأداء السّليم للعمل، ويعد تطبيقها تطبيقاً راشداً حافزاً أساسيًّا للاستثمار في المؤسّسة أو الشّركة؛ لأنّ تطبيق هذا النّظام يمنح حقّ الرقابة على المؤسّسة لذوي الكفاءة والاختصاص، وينأى بها عن الفرديّة والمزاجيّة والعشوائيّة والارتجال واللّامبالاة في الإدارة.


اعداد: عيسى القدومي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 12-07-2024 الساعة 07:26 PM.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 08-06-2024, 06:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,987
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية



الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية (2)

مفهوم حوكمة المؤسسة الوقفية


  • نظام الوقف في الإسلام يعطي نظرةً شموليّةً تتيح تطوير ما هو موجود من إجراءات وفعاليات ومؤسسات تنظيمية لتمارس دورها المطلوب
  • الغاية من حوكمة المؤسّسة الوقفية هي إصلاح ما في المؤسّسة من خلل والنّهوض بها إلى الأفضل
  • مبادئ الحوكمة قائمة في القرآن الكريم والسّنّة المطهّرة على سبيل التشريع العام وليس الخاص بالوقف فقط
ما زال حدثينا مستمرا حول الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية، وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن الحاجة للحوكمة، ومعناها ومفهومها الإداري والمحاسبي وآثارها ومنافعها، واليوم نتكلم عن مفهوم الحوكمة في المؤسسات الوقفية.
حوكمة المؤسسة الوقفية، مدارها على: تطبيق نظام رقابيّ شامل لأساليب العمل ووسائله في المؤسسة الوقفية، فهو منهجية إدارية وعلمية ذات معايير متفق عليها داخليًّا، ومراقبة خارجيًّا، يُحكم -من خلالها- على الأداء وتقويمه في كل المجالات.
مجموعة من القواعد والمبادئ والإجراءات
وعليه يمكن التعريف بمفهوم حوكمة مؤسسة الوقف بأنه: مجموعة من القواعد والمبادئ والإجراءات التي تحكم العلاقات بين الأطراف المؤثرة في أداء مؤسسة الوقف، ويمكن من خلالها متابعة أداء مجلس النظارة والإدارة التنفيذية ومراقبتهم، وكفاءة استخدامها الاستخدام الأمثل لمواردها؛ بما يحقق شروط الواقفين، ومنفعة جميع الأطراف ذوي المصلحة، ويسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع، في إطار من الشفافية والعدالة والمساءلة والمسؤولية.
الغاية من حوكمة المؤسّسة الوقفية
وباختصار يمكننا تعريف (حوكمة المؤسسة الوقفية) بالآتي: «القواعد والضوابط المعمول بها التي توجه سلوك المؤسسة الوقفية، والإجراءات التي تُلزم إدارات العمل في المؤسسة تطبيق تلك القواعد وتعزيزها؛ لتوفير بيئة لتحسين الأداء وتطوير الأعمال لتتحقق مقاصد الوقف»؛ فالغاية من حوكمة المؤسّسة الوقفية هي إصلاح ما في المؤسّسة من خلل والنّهوض بها إلى الأفضل؛ لذا تُعدُّ الشفافية والإفصاح من أهم دعائم نظام الحوكمة؛ فهي تمنع -إلى حدٍّ كبير- الفساد في المؤسسات الخيرية والوقفية، وتضمن الحفاظ على الأصول الماليّة، وتضمن ترشيد الإنفاق والصّرْف، واستقامة التصرُّف وقَصْره على الوجوه الصحيحة في حقّ جميع الأطراف ذوي العلاقة.
أُسُس الحوكمة الإداريّة ومبادئها
«يتوّج مفهوم الوقف في الإسلام عددٌ من أُسُس الحوكمة الإداريّة ومبادئها التي ظهرت بعد ذلك بمئات السّنين! ويجعل منها نقلةً نوعيّةً في مفهوم التحكُّم والسّيطرة على الأوقاف في سياق الرّقابة والإشراف والقيادة الفرديّة إلى نظام كلّي متطوّر يصطبغ بحكم مؤسّسي قائم على أُسس راسخة، ويشبه إلى حدّ بعيد مفهوم حكم المؤسّسات في الأنظمة السياسيّة الحديثة.
نظرة شموليّة
ونظام الوقف في الإسلام لا يطرح رؤى وأفكاراً مثاليّة أو خياليّة، وقد لا يتطلّب تأسيساً جديداً لنُظُم وإجراءات وفعاليات، ولكنه يعطي نظرةً شموليّةً تتيح تطوير ما هو موجود من إجراءات وفعاليات ومؤسسات تنظيمية، لتمارس دورها المطلوب، ولتنفذ واجباتها كما يجب». وبالنّظر إلى مقرّرات الفقه الإسلاميّ في باب الوقف، نجد أنّ مبادئ حوكمة المؤسّسة الوقفيّة ليست مفهوماً طارئاً على إدارة الوقف، بل نجد مضاهاةً سابقة من فقهاء الشّريعة للنُّظُم الإداريّة والرقابيّة الحديثة، وسيتضح مصداق التقرير المنقول أعلاه أكثر -إن شاء الله- عند الكلام على دور القواعد والضوابط الفقهية في حماية الأصول الوقفية وحوكمة مؤسسة الوقف.
مبادئ الحوكمة في القرآن والسّنّة
على أنّه لابدّ من الإشارة إلى أنّ مبادئ الحوكمة عموماً قائمة في القرآن الكريم والسّنّة المطهّرة كذلك، وعلى سبيل التشريع العام وليس الخاص بالوقف فقط، وذلك يمكن أن يُلمَح من جملةٍ من النّصوص الشرعيّة الدّاعيّة إلى التخلُّق بأخلاقيّات خاصّة مناسبة للعمل العام، وتنفيذ المسؤوليّات السياسيّة والاجتماعيّة بنزاهةٍ وشفافيّة وفصل بين السلطات والمسؤوليّات، وضرورة مساءلة المقصّر ومحاسبته.
مفهوم الرُّشد
من أمثلة ذلك: مفهوم الرُّشد، الذي طرقته عددٌ من الآيات الكريمة، وبيّنت أنّ مراعاته حاضرةٌ في أكثر من مجالٍ من مجالات العمل الاجتماعي، قال -تعالى-: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا}. لذلك نجد أنّ مفهوم الرُّشْد هو الأكثر حضوراً في نصوص الواقفين وشروطهم؛ إذ يُسندون النّظارة دوماً أو يُوصون بأن يتسلسل إسنادها إلى الأرشد فالأرشد من ذرّيّاتهم، ومن تجاوز ذرّيّته أسند نظارة الوقف إلى من لا يُوضع في مكانه إلّا بعض اتّصافه بالذّروة العليا من الرُّشد، كالعالِم والقاضي، قال -تعالى-: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}.
تحديث المؤسّسات الماليّة الإسلاميّة
وقد استند كثيرٌ من الدّاعين إلى تحديث إدارة المؤسّسات الماليّة الإسلاميّة على أساس الشّريعة الإسلاميّة، على حديث ابن اللُّتبيّة، الذي تجسّدت فيه مساءلة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لأحد عمّاله، وتجلّت في تلك المساءلة مفاهيم الشّفافيّة والإفصاح والنّزاهة، وحُرمة استغلال السّلطة الوظيفيّة في تحصيل المنافع الشخصيّة. فقد أخرج البخاريّ في صحيحه (6979) عن أبي حميد السّاعدي - رضي الله عنه - قال: استعمل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - رجلاً على صدقات بني سُليم، يدعى ابنَ اللُّتْبِيَّةِ، فلما جاء حاسَبَه، قال: هذا ما لكم وهذا هدية؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «فهلّا جلست في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا»؟ ثمّ خطَبَنا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد، فإنّي أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولّاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟ والله لا يأخذ أحد منكم شيئا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلأعرفنّ أحداً منكم لقي الله يحمل بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تَيْعِرُ»، ثم رفع يده حتى رُئِي بياض إبطه، يقول: «اللهم هل بلغت»، بَصَرُ عيني وسمع أذني. وقد جاء في الحديث كذلك قوله -صلى الله عليه وسلم -: «هدايا العمّال غُلول». والغُلولُ حرامٌ، إلّا في حدودٍ ضيّقةٍ تكون قد استقرّت عليها عادةٌ، أن يُهدى إلى العامل من كان معتاداً أن يُهدي إليه قبل تولّيه عمله، لقرابةٍ أو صداقة، وهذا مبسوطٌ في مظانّه، لكن القصد الإشارة إلى قيام مبدأ المحاسبة والمساءلة، وأنّ القِيَم والمبادئ الأساسيّة لحوكمة العمل العام كانت حاضرةً بقوّة، وتمّ التأصيل لها تأصيلاً شرعيًّا واضحاً، ولم تكن من نافلة القول، ولا في الصّفّ الثّاني أو الثالث من مطالب العمل الاجتماعيّ، بل كانت في الصّفّ الأوّل دوماً.


اعداد: عيسى القدومي


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 12-07-2024 الساعة 07:28 PM.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 12-07-2024, 07:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,987
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفهوم الحوكمة وتعريفاتها – الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية بين التنظير والتط

الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية (3) الغاية من حوكمة المؤسسات الخيرية والوقفية


الحوكمة تساهم في إحياء سنة الوقف وتبني مشاريعه بمساهمات مجتمعية تحت إشراف مؤسّسات مؤتمنة ذات إدارة رشيدة
إلزام المؤسسة الوقفيّة بتطبيق مبادئ الحوكمة يُعدُّ صمام أمان وضامنا لصدق التّقارير والميزانيّات والمعايير المحاسَبية السليمة
الحوكمة تعني إصلاح ما في المؤسّسة من خلل والنّهوض بها إلى الأفضل فهي منظومة إصلاح ضد منظومة فساد
ما زال حدثينا مستمرا حول الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية، وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن مفهوم حوكمة المؤسسات الخيرية، ثم ذكرنا مبادئ الحوكمة في القرآن والسّنّة، وعلاقته بمفهوم الرُّشد، واليوم نتكلم عن الغاية من حوكمة الجمعيات والمؤسسات الخيرية والوقفية.
لا شك أن التطورات في التنظيم الإداري المعاصر للمؤسسات الخيرية الوقفية، جعلت من الحوكمة إطارا تطبيقيا يستهدف الرقابة والتوجيه من أجل الارتقاء بمستوى أداء تلك المؤسسات؛ حيث إن الحوكمة تعني: إصلاح ما في المؤسّسة من خلل والنّهوض بها إلى الأفضل فهي منظومة الإصلاح ضد منظومة الفساد، وتعالج أكثر من 90% من مشكلات الأداء المؤسسي كمشكلات الاستراتيجيات والأدلة والإجراءات والآليات والمؤشرات والجودة والتميز.
الأخذ بمبدأ الحوكمة
وحيث إن المكونات الرئيسة للحوكمة هي: (الهياكل والإجراءات والسلوكيات)، فالأخذ بمبدأ حوكمة الجمعيات الخيرية يحقق استغلال الموارد المتاحة بأفضل طريقة، واعتماد الكفاءة والخبرة والمصداقية والعدل والشفافية. ولا شك أن القواعد الفقهية -في جوهرها وتطبيقاتها- أصول ومبادئ أساسية لإدارة المؤسسات الخيرية وحوكمتها؛ ففيها فقه الأموال الخيرية وفقه التعامل في المؤسسات الخيرية، وفيها العدل والمساواة والشفافية وغيرها من المبادئ المنظمة والمراقبة للعمل الخيري؛ فالعمل الخيري من المهمات الشرعية، وهذا المجال من الوظائف الدينية والاجتماعية التي تتطلب علماً شرعيا وبصيرة، ولا تبرأ الذمم إلا إذا نفذت الأعمال وفق ضوابط الشرع وقواعده، فإنّ من المنتظر من تطبيق هذا النّظام أن يحقّق الأهداف الخاصّة الآتية: 1- تحسين قدرة المؤسسة الخيرية وزيادة قيمتها. 2- فرض الرّقابة الفعّالة على أداء المؤسّسة الخيرية وتدعيم المساءلة المحاسَبيّة عليها. 3- ضمان مراجعة الأداء التشغيلي والمالي والنّقدي للمؤسّسة الخيرية. 4- تقويم أداء الإدارة العليا وتعزيز المساءلة ورفع درجة الثقة فيها. 5- تعميق ثقافة الالتزام بالقوانين والمبادئ والمعايير المتفق عليها. 6- زيادة ثقة المتبرعين الحاليّين والمرتقبين في المؤسسة الخيرية. 7- الحصول على التّمويل المناسب والتنبّؤ بالمخاطر المتوقّعة. 8- تحقيق العدالة والشفافيّة ومحاربة الفساد. 9- مراعاة مصالح الأطراف المختلفة وتفعيل التواصل معهم.
إنشاء مركز للحوكمة
لذا أضحى لزاما إنشاء مركز للحوكمة لمؤسسات القطاع الثالث (الخيري والوقفي والتطوعي)، يعني نشر ثقافة الحوكمة، ويدرب على مبادئه وتطبيقاته. ثالثًا: دَوْر الحوكمة في الحفاظ على الأصول الوقفية والخيرية
لا شكَّ بأن حوكمة المؤسسات الوقفيّة ضمان لحماية الأموال الموقوفة، ورعاية لمقاصد الواقفين وأصحاب المصالح في إيجاد المؤسّسات الوقفيّة وتشغيلها، وترغيب الخيِّرين في المساهمة والبذل والعطاء، فنظام حوكمة المؤسّسة الوقفيّة يمكِّن الدّاعمين والواقفين من مراقبة تبرّعاتهم والاطمئنان على أصول أوقافهم، ويُلزم النّاظر أو مجلس النّظارة بإدارة المشروع إدارة رشيدة؛ ممّا يشجِّع المتبرعين والواقفين على إنشاء مشاريع وقفيّة كبيرة ودائمة ومستمرة العطاء.
التأثير الإيجابي للحوكمة
هذا التأثير الإيجابي لحوكمة المؤسسة الوقفيّة يمكن ربطُه بمفهوم البيئة الاستثمارية أو مناخ الاستثمار إذا صحّ التعبير؛ لأنّ الاستثمار في الوقف استثمارٌ في الشأنْ الأخرويّ، وهو الأهمّ على الإطلاق في حياة المسلم، والأصل فيه الإقبال عليه، لولا ما قد يكبّل إرادته أحياناً من عدم الثقة بالقدرات الإدارية للمؤسسات الخيرية التي تجعل كثيرين يحجمون عن المشاريع الكبيرة، ويتضح هذا أكثر إذا علمنا أنّ من أكبر المتغيّرات المؤثّرة في تحسين البيئة الاستثماريّة بشكل عام، وبمعناها الاقتصادي المحض، الحالة التشريعيّة والقانونيّة التي تطمئن المستثمر الجديد على استثماره، ووضوح حقوقه وحدود مسؤوليته ومنفعته، وخلوّ مستقبل استثماراته من المفاجآت السيّئة، وهذا كلّه يجعل حوكمة المؤسّسات الوقفيّة من حتميّات تنظيم العمل الخيري وضروريّاته في الوقت الرّاهن. كما أنّ إلزام المؤسسة الوقفيّة بتطبيق مبادئ الحوكمة، يُعدُّ صمام أمان وضامنا لصدق التّقارير والميزانيّات، من خلال الإفصاح والشّفافية، والمعايير المحاسَبية السليمة، التي تعدُّ مرتكز الحوكمة السليمة، وفي ذلك حماية من تلاعب العاملين في المؤسسات الخيرية والوقفية، ومحافظة على أموال الواقفين، وحقوق الموقوف عليهم؛ لذا نرى أن الحوكمة هي الإطار الصحيح لتطوير أداء المؤسسات الوقفية والحفاظ على أصولها، التي من خلال تطبيقاتها نحقِّق المقاصد والغايات التي من أجلها شُرع نظام الوقف في الإسلام.
أسباب حوكمة المؤسّسة الوقفيّة
حدّدت الأدبيّات قنوات عدّة يمكن من خلالها أن تؤثّر حوكمة الشّركات على النموّ والتنمية، ومن ذلك ما يلي: 1- زيادة فرص الحصول على التّمويل الخارجي من قِبل الشركات، ويمكن أن يؤدّي إلى زيادة معدّلات الاستثمار، وتحقيق معدّلات نموّ أعلى، وزيادة توليد فرص العمل. 2- خفض تكلفة رأس المال وما يرتبط بها من ارتفاع مستوى تقييم الشركة؛ ممّا يجعلها أكثر جاذبيّة للمستثمرين، ومن ثم تحقيق المزيد من الاستثمارات؛ ممّا يؤدّي أيضاً إلى المزيد من النموّ والمزيد من توليد فرص العمل. 3- الأداء التشغيلي بطريقة أفضل من خلال تخصيص الموارد وإدارة أفضل، وهذا يخلق ثروة أكثر عموماً. 4- بناء علاقات أفضل مع جميع أصحاب المصلحة عموماً، وتقليل مخاطر حدوث الأزمات عموماً والماليّة خصوصا، التي يمكن أن يكون لها تأثير كبير على التكاليف الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
دّواعي الحوكمة ومسوّغاتها
ومع إدراكنا للفرق بين الوقف والشّركة التجاريّة الربحية في طبيعتهما الشرعيّة والقانونيّة، إلا أنّنا في ضوء التلخيص السّابق، يمكننا جمع الدّواعي والمسوّغات التي تحفّز باتّجاه حوكمة المؤسّسات الوقفية بالنقاط الآتية:
1- تعزيز ثقة الواقفين والمجتمع بأداء المؤسسة الوقفية، وما يقود إليه من تنشيطها وتفعيلها.
2- تحقيق الرقابة الفعالة على أعمال المؤسسة الوقفية وأنشطتها.
3- تقويم الأداء وفق معايير محددة تتحقَّق من خلالها الشفافية التامَّة.
4- إحياء سنة الوقف، وتبني مشاريعه بمساهمات مجتمعية، يُسهم أصحابها وهم مطمئنون على وضع أموالهم تحت إشراف مؤسّسات مؤتمنة ذات إدارة رشيدة.
5- تقديم تقارير مالية وإدارية ذات شفافية ونزاهة، تُبنى عليها الخطط المستقبلية والقرارات اللازمة.
6- تطوير الأداء، وتحسين الأساليب، وابتكار الوسائل للوصول إلى التميُّز في المؤسسة الوقفية.
7- التحديث ومواكبة الإنتاج الفكري والعلمي، واعتماد النّظم الإداريّة الحديثة في تحقيق غايات الوقف ومصالحه.
قواعد الحوكمة في المؤسسات الوقفية
تستهدف تطبيق النظم والإجراءات التي تحقق أفضل حماية للمؤسّسة من الخلل والانهيار، وتجعلها في تناغم مع أولويات الدولة بعدِّها من المؤسّسات الاجتماعيّة المهمّة والمؤثرة؛ حيث تمثّل الأوقاف قطاعاً ثالثاً وموازياً للقطاعين العام والخاصّ، يساند الدّولة في تحمُّل أعباء التعليم والصحّة ومحاربة البطالة ومكافحة الفقر.

اعداد: عيسى القدومي



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.


التعديل الأخير تم بواسطة ابوالوليد المسلم ; 23-07-2024 الساعة 07:28 PM.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23-07-2024, 07:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 137,987
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مفهوم الحوكمة وتعريفاتها – الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية بين التنظير والتط






الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية (4) قواعد الحوكمة في المؤسسات الوقفية


تُعدُّ الرقابة من المرتكزات الأساسية لنظام الحوكمة الرشيدة وأحد أهم المعايير التي وضعتها لجنة (بازل) للرقابة المصرفية العالمية عام 1999م
حوكمة المؤسسات الخيرية والوقفية ضرورة تتطلبها التحديات والتطورات الإدارية التي نعيشها من أجل الحفاظ على تلك المؤسسات من الانهيار
مصطلح الحوكمة معني بتحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصاديّة والأهداف الاجتماعيّة من جهة وأهداف المؤسسة والجماعة من جهة أخرى
ما زال حدثينا مستمرً حول الحوكمة في المؤسسات الوقفية والخيرية، وقد تحدثنا في الحلقة الماضية عن ضرورة الأخذ بمبدأ الحوكمة، ودَوْر الحوكمة في الحفاظ على الأصول الوقفية والخيرية، والتأثير الإيجابي للحوكمة، وأسباب حوكمة المؤسّسة الوقفيّة.
قواعد الحوكمة في المؤسسات الوقفية تستهدف تطبيق النظم والإجراءات التي تحقق أفضل حماية للمؤسّسة من الخلل والانهيار، وتجعلها في تناغم مع أولويات الدولة باعتبارها من المؤسّسات الاجتاعيّة المهمّة والمؤثرة؛ «حيث تمثّل الأوقاف قطاعاً ثالثاً وموازياً للقطاعين العام والخاصّ، يساند الدّولة في تحمُّل أعباء التعليم والصحّة ومحاربة البطالة ومكافحة الفقر، فالوقف إخراج لجزء من الثروة الإنتاجيّة في المجتمع من دائرة المنفعة الشخصيّة ودائرة القرار الحكومي معاً، وتخصيصه لأنشطة الخدمة الاجتماعيّة العامّة». وكذلك تحقق الحوكمة أفضل حماية لمصالح الواقفين والمتبرعين وأهل الخير، وحاجات المستحقين، -وهم المتأثرون بأعمال المؤسسة الوقفية والمستفيدون منها-، وتوجهات الإدارة التنفيذية وأصحاب المصالح الأخرى المرتبطة بها.
أهداف حوكمة المؤسّسة الوقفيّة
«إنّ مصطلح الحوكمة بأوسع معنى له يكون معنيًّا بتحقيق التوازن بين الأهداف الاقتصاديّة والأهداف الاجتماعيّة من جهة، وأهداف الجماعة من جهة أخرى، أي أنّ الإطار العامّ للحوكمة موجود لكي يشجع على الاستخدام الأكفأ والعادل للموارد، ويعمل على تفادي سوء استخدام السّلطة، وكذلك تفادي التّحايُل على القواعد والنُّظُم واللّوائح...». وبالانتقال إلى خصوص صورة الوقف، نجد أهدافاً أساسيةً ومهمّةً كثيرةً تحقّقها الحوكمة، بالاستناد إلى مبادئها التي تمّت صياغتها في العقود الأخيرة، مع ربطها بالمبادئ الشرعيّة المقرّرة في باب الوقف، ومن هذه الأهداف على وجه العموم:
1- تعزيز مسؤولية الإدارة عن تنفيذ المعاملات بكفاءة تحقّق المتطلّبات النّظاميّة والشرعيّة.
2- تعزيز الاستقلاليّة والموضوعيّة في إبداء الرأي الشرعي من جهات التدقيق الشرعي.
3- تحقيق العدالة بين الأطراف: الإدارة، والمساهمين، وذوي العلاقة (العملاء، والموظفين، وجهات التدقيق الخارجي).
4- تعزيز الفصل بين السّلطات والوظائف المتعارضة لضمان آليّات واضحة لتحمُّل المسؤوليّة والمساءلة.
5- استكمال الإطار المؤسّسي الدّاعم لتطبيق الأهداف الأخرى، ويضمّ إنشاء المؤسّسات وإصدار التشريعات.
6- سيادة القانون، وهذا لا يتحقّق إلّا من خلال وجود تشريع حكومي يُلزم باستكمال المؤسّسات والتّشريعات وتطبيقها في واقع المؤسّسات الماليّة.
قواعد الحوكمة
إنَّ قواعد الحوكمة في الأصل لا تمثّل بنودًا قانونيّة، كما لا يوجد إلزام تشريعي بها من حيث المبدأ، وإنما هي مبادرات إرشاديّة وتنظيميّة لتحقيق الرشد في إدارة المؤسسات، وفقًا لمعايير عالمية أشرفت على وضعها مؤسّسات ومراكز أبحاث متخصّصة كما مرّ عند تعريفها، نتيجة مشاهدات وعمليّات رصد طويلة لحركة الاقتصاد العالمي، فكان هذا النّظام هو أفضل الأساليب التي تُدار به المؤسّسات، وإنْ كانت الثّغرات التي قد تُكتشف بعد تطبيق نظام الحوكمة يمكن سدّها ومعالجتها بلوائح إداريّة مُلزمة، مستقاة من منظومة القيم والمبادئ التي توفّرها الحوكمة.
الرقابة ونظام الحوكمة
ولذلك تُعدُّ الرقابة من المرتكزات الأساسية لنظام الحوكمة الرشيدة، وأحد أهم المعايير التي وضعتها لجنة (بازل) للرقابة المصرفية العالمية عام 1999م، وتستهدف الرّقابة: توفُّر نظام ضبط داخليّ قويّ، يتضمّن مهامّ التّدقيق الداخليّ والخارجيّ، وإدارة مستقلّة للمخاطر، مع مراعاة تناسب السلطات مع المسؤوليات، وضمان الالتزام باللّوائح والقوانين والسياسات والإجراءات؛ بما يضمن حسن الأداء، ودقَّة المعلومات، وصحّة البيانات ونزاهتها، ويتّضح ممّا سبق ارتباط دور الرّقابة بالحماية، وأهميّتها لتحقيقها.
معايير إدارة المؤسسة الوقفية
وحيث إنّ للمؤسسة الوقفيّة خصوصيّة، فهي مؤسسة أنشئت لغايات شرعية نبيلة؛ لذا يجب على من يتولّى إدارة أيّ مشروع وقفيّ أنْ يضع معايير وأُطُر واضحة لإدارته، كما أنّ عليه السّعي نحو التّطوير والنّماء، ويكون ذلك محكمًا وفق أُسُس ومعايير متّفق عليها، ولا تخرج عن الإطار الشرعي لعمل المؤسسة الوقفية، ومن أخصّ هذه المعايير: مستوى الرّقابة، وكفاءة الجهة التي تمارسها؛ لأنّ الأعمال الخيريّة التي لم تحظَ بأعلى مستويات الرّقابة -ولا سيما في حِقَبٍ سابقة- قد انهارت عن آخرها، وتحقّقت فيها معضلةُ قلّة الأمانة، والطّمع، والجشع، على الأخصّ إذا كان قد دخل فيها من ليس من أهل هذا الشأن منذ بدايتها، ويكثُر هذا الإفساد ولو عن حُسْن قصد في المجهودات ذات الطابع الفرديّ، أو المؤسّسات التي لا زالت أسيرةً لأنماط بدائيّة في إدارتها لهذا النّوع من الأعمال.
تساؤلات مهمة
إنّ حوكمة مؤسسات العمل الخيري والوقفي ضرورة تتطلبها التحديات والتطورات الإدارية التي نعيشها، من أجل أن لا نرى انهيارات لتلك المؤسسات الوقفية ذات الأصول المالية الكبيرة، ومن هنا كان لزامًا علينا أن نطرح بعض التساؤلات قبل أن نتطرق إلى آليات سنِّ قواعد حوكمة المؤسسات الوقفية؛ وهي: كيف يضمن المساهمون في المحافظ الوقفية، أو الصندوق الوقفي، أو المشروع الوقفي ألا تسيء إدارة الوقف استغلال تلك الأموال؟
كيف يضمن المساهمون بأن القائمين على المؤسسة أو المشروع الوقفي يسعون إلى الحفاظ على الأصول الوقفية وتنميتها ورعايتها وتوزيعها؟ وكيف يحقق الأرباح المتوقعة إن كان المشروع الوقفي جُعل ليستفاد من ريعه؟
هل يمكن للمساهمين الاطّلاع على التّقارير الإداريّة والماليّة السّنويّة، التي من خلالها يطمئنّون على الأداء الماليّ والإداريّ للمؤسّسة الوقفيّة التي وثقوا فيها وساهموا في مشاريعها، ليتحقَّق لهم ما قصدوه من الأجر والمنفعة للمجتمع؟
ما مدى اهتمام إدارة المؤسّسة الوقفيّة بالمصالح الأساسيّة للوقف والواقف والموقوف عليه والمجتمع؛ بكل مجالاته الصحية والبيئيّة والأخلاقيّة، وحفظ الهوية الثقافيّة والثوابت الدّينيّة؟

في الواقع، نظام الحوكمة المنشود لأيّة مؤسّسة وقفيّة ينبغي أن يتولّى الجواب عن مجمل هذه الأسئلة؛ لأنّها كالمحدّدات لجودة العمل، والكواشف عن أهداف الوقف وأغراضه للفرد والمجتمع، ولتعزيز إمكانيّة أن يقوم نظام الحوكمة بتحقيق ذلك.



اعداد: عيسى القدومي





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 94.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 91.47 كيلو بايت... تم توفير 3.14 كيلو بايت...بمعدل (3.32%)]