![]() |
|
|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#51
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (51) صــ276 إلى صــ 280 ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا [ ص: 276 ] عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم . قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيه قولان . أحدهما: أن معناه: فلا جناح على الرجال في تزويجهن بعد ذلك . والثاني: فلا جناح على الرجال في ترك الإنكار عليهن إذا تزين وتزوجن . قال أبو سليمان الدمشقي: وهو خطاب لأوليائهن . قوله تعالى: فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف فيه قولان . أحدهما: أنه التزين والتشوف للنكاح ، قاله الضحاك ، ومقاتل . والثاني: أنه النكاح ، قاله الزهري ، والسدي . و"الخبير" من أسماء الله تعالى ، ومعناه: العالم بكنه الشيء ، المطلع على حقيقته . و"الخبير" في صفة المخلوقين إنما يستعمل في نوع من العلم ، وهو الذي يتوصل إليه بالاجتهاد دون النوع المعلوم ببدائه العقول . وعلم الله تعالى سواء ، فيما غمض ولطف ، وفيما تجلى وظهر . قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء هذا خطاب لمن أراد تزويج معتدة . والتعريض: الإيماء والتلويح من غير كشف ، فهو إشارة بالكلام إلى ما ليس له في الكلام ذكر . والخطبة بكسر الخاء: طلب النكاح ، والخطبة بضم الخاء: مثل الرسالة التي لها أول وآخر . قال ابن عباس: التعريض أن يقول: إني أريد أن أتزوج . وقال مجاهد: أن يقول: إنك لجميلة ، وإنك لحسنة ، وإنك لإلى خير . قوله تعالى: أو أكننتم في أنفسكم قال الفراء: فيه لغتان ، كننت الشيء ، وأكننته [ ص: 277 ] وقال ثعلب: أكننت الشيء: إذا أخفيته في نفسك ، وكننته: إذا سترته بشيء . وقال ابن قتيبة: أكننت الشيء: إذا سترته ، ومنه هذه الآية ، وكننته: إذا صنته ، ومنه قوله تعالى: كأنهن بيض مكنون [ الصافات: 49 ] قال بعضهم يجعل كننته ، وأكننته ، بمعنى . قوله تعالى: علم الله أنكم ستذكرونهن قال مجاهد: ذكره إياها في نفسه . قوله تعالى: ولكن لا تواعدوهن سرا فيه أربعة أقوال . أحدها: أن المراد بالسر هاهنا: النكاح ، قاله ابن عباس . وأنشد بيت امرئ القيس: ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت وأن لا يشهد السر أمثالي وفي رواية: يشهد اللهو قال الفراء: ونرى أنه مما كنى الله عنه ، كقوله تعالى: أو جاء أحد منكم من الغائط [ النساء: 43 ] . وذكر الزجاج عن أبي عبيدة أن السر: الإفضاء بالنكاح [المحرم ] وأنشد: ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع قال ابن قتيبة: استعير السر للنكاح ، لأن النكاح يكون سرا ، فالمعنى: لا تواعدوهن [ ص: 278 ] بالتزويج ، [وهن في العدة ] تصريحا إلا أن تقولوا قولا معروفا لا تذكرون فيه رفثا ولا نكاحا . والثاني: أن المواعدة سرا: أن يقول لها: إني لك محب ، وعاهديني أن لا تتزوجي غيري ، روي عن ابن عباس أيضا . والثالث: أن المراد بالسر الزنا . قاله الحسن ، وجابر بن زيد ، وأبو مجلز ، وإبراهيم ، وقتادة ، والضحاك . والرابع: أن المعنى: لا تنكحوهن في عدتهن سرا ، فإذا حلت أظهرتم ذلك ، قاله ابن زيد . وفي القول المعروف قولان . أحدهما: أنه التعريض لها ، وهو قول ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، والقاسم بن محمد ، والشعبي ، ومجاهد ، وإبراهيم ، وقتادة ، والسدي . والثاني: أنه إعلام وليها برغبته فيها ، وهو قول عبيدة . قوله تعالى: ولا تعزموا عقدة النكاح قال الزجاج: معناه لا تعزموا على عقدة النكاح ، وحذفت "على" استخفافا ، كما قالوا: ضرب زيد الظهر والبطن ، معناه: على الظهر والبطن (حتى يبلغ الكتاب أجله) أي: حتى يبلغ فرض الكتاب أجله . قال: ويجوز أن يكون "الكتاب" بمعنى "الفرض" كقوله تعالى: كتب عليكم الصيام [ البقرة: 183 ] . فيكون المعنى: حتى يبلغ الفرض أجله . قال ابن عباس ، ومجاهد ، والشعبي ، وقتادة ، والسدي: بلوغ الكتاب أجله: انقضاء العدة . قوله تعالى: واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم قال ابن عباس: من الوفاء ، فاحذروه أن تخالفوه في أمره . والحليم قد سبق بيانه . [ ص: 279 ] لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين . قوله تعالى: لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وأبو عمرو "تمسوهن" بغير ألف حيث كان ، وبفتح التاء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وخلف "تماسوهن" بألف وضم التاء في الموضعين هنا وفي الأحزاب ثالث . قال أبو علي: وقد يراد بكل واحد من "فاعل" و"فعل" ما يراد بالآخر ، نقول: طارقت النعل ، وعاقبت اللص . قال مقاتل بن سليمان: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار تزوج امرأة من بني حنيفة ، ولم يسم لها مهرا ، فطلقها قبل أن يسمها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "هل متعتها بشيء؟" قال: لا . قال: "متعها ولو بقلنسوتك" ومعنى الآية: ما لم تمسوهن ، ولم تفرضوا لهن فريضة . وقد تكون "أو" بمعنى الواو . كقوله تعالى: ولا تطع منهم آثما أو كفورا [ الدهر: 24 ] . والمس: النكاح ، والفريضة: الصداق ، وقد دلت الآية على جواز عقد النكاح بغير تسمية مهر (ومتعوهن) أي: أعطوهن ما يتمتعن به من أموالكم على قدر أحوالكم في الغنى والفقر . والمتاع: اسم لما ينتفع به ، فذلك معنى قوله تعالى: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو "قدره" بإسكان الدال في الحرفين ، وقرأ ابن عامر ، وحمزة ، الكسائي بتحريك الحرفين ، وعن عاصم :كالقرأتين ، وهما لغتان . [ ص: 280 ] فصل وهل هذه المتعة واجبة ، أم مستحبة؟ فيه قولان . أحدهما: واجبة ، واختلف أرباب هذا القول ، لأي المطلقات تجب . على ثلاثة أقوال . أحدها: أنها واجبة لكل مطلقة ، روي عن علي ، والحسن ، وأبي العالية ، والزهري . والثاني: أنها تجب لكل مطلقة إلا المطلقة التي فرض لها صداقا ، ولم يمسها ، فإنه يجب لها نصف ما فرض ، روي عن ابن عمر ، والقاسم بن محمد ، وشريح ، وإبراهيم . والثالث: أنها تجب للمطلقة قبل الدخول إذا لم يسم لها مهرا ، فإن دخل بها ، فلا متعة ، ولها مهر المثل ، روي عن الأوزاعي ، والثوري ، وأبي حنيفة ، وأحمد بن حنبل . والثاني: أن المتعة مستحبة ، ولا تجب على أحد ، سواء سمي للمرأة ، أو لم يسم ، دخل بها ، أو لم يدخل ، وهو قول مالك ، والليث بن سعد ، والحكم ، وابن أبي ليلى . واختلف العلماء في مقدار المتعة ، فنقل عن ابن عباس ، وسعيد بن المسيب: أعلاها خادم ، وأدناها كسوة يجوز لها أن تصلي فيها ، وروي عن حماد وأبي حنيفة: أنه قدر نصف صداق مثلها . وعن الشافعي وأحمد: أنه قدر يساره وإعساره ، فيكون مقدرا باجتهاد الحاكم . ونقل عن أحمد: المتعة بقدر ما تجزئ فيه الصلاة من الكسوة ، وهو درع وخمار . و قوله تعالى: متاعا بالمعروف أي: بقدر الإمكان ، والحق: الواجب . وذكر المحسنين والمنافقين ضرب من التأكيد . ![]()
__________________
|
#52
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#53
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (53) صــ286 إلى صــ 290 والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم . قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا روى ابن حيان أن هذه الآية نزلت في رجل من أهل الطائف ، يقال: له حكيم بن الحارث هاجر إلى المدينة ، ومعه أبواه وامرأته ، وله أولاد ، فمات فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية ، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ، أبويه وأولاده من ميراثه ، ولم يعط امرأته شيئا ، غير أنه أمرهم أن ينفقوا عليها من تركة زوجها حولا . قوله تعالى: (وصية لأزواجهم) قرأ أبو عمرو ، وحمزة وابن عامر "وصية" بالنصب ، وقرأ ابن كثير ، ونافع ، والكسائي "وصية" بالرفع . وعن عاصم كالقراءتين . قال أبو علي: من نصب حمله على الفعل ، أي: ليوصوا وصية ، ومن رفع ، فمن وجهين . [ ص: 286 ] أحدهما: أن يجعل الوصية مبتدأ ، والخبر لأزواجهم . والثاني: أن يضمر له خبرا ، تقديره: فعليهم وصية . والمراد من قارب الوفاة ، فليوص ، لأن المتوفى لا يؤمر ولا ينهى . قوله تعالى: (متاعا إلى الحول) أي: متعوهن إلى الحول ، ولا تخرجوهن . والمراد بذلك نفقة السنة وكسوتها وسكناها (فإن خرجن) أي: من قبل أنفسهن (فلا جناح عليكم) يعني: أولياء الميت . في ما فعلن في أنفسهن من معروف يعني التشوف إلى النكاح . وفي ماذا رفع الجناح عن الرجال؟ فيه قولان . أحدهما: أنه في قطع النفقة عنهن إذا خرجن قبل انقضاء الحول . والثاني: في ترك منعهن من الخروج ، لأنه لم يكن مقامها الحول واجبا عليها ، بل كانت مخيرة في ذلك . فصل ذكر علماء التفسير أن أهل الجاهلية كانوا إذا مات أحدهم ، مكثت زوجته في بيته حولا ، ينفق عليها من ميراثه ، فإذا تم الحول ، خرجت إلى باب بيتها ، ومعها بعرة ، فرمت بها كلبا ، وخرجت بذلك من عدتها . وكان معنى رميها بالبعرة أنها تقول: مكثي بعد وفاة زوجي أهون عندي من هذه البعرة . ثم جاء الإسلام ، فأقرهم على ما كانوا عليه من مكث الحول بهذه الآية ، ثم نسخ ذلك بالآية المتقدمة في نظم القرآن على هذه الآية ، وهي قوله تعالى: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا [ ص: 287 ] ونسخ الأمر بالوصية لها بما فرض لها من ميراثه . وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين . قوله تعالى: وللمطلقات متاع بالمعروف قد سبق الكلام في المتعة بما فيه كفاية . كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون . قوله تعالى: كذلك يبين الله لكم آياته أي: كما بين الذي تقدم من الأحكام يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون أي: يثبت لكم وصف العقلاء باستعمال ما بين لكم ، وثمرة العقل استعمال الأشياء المستقيمة ، ألا ترى إلى قوله تعالى: إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة [ النساء: 17 ] . وإنما سموا جهالا ، لأنهم آثروا أهواءهم على ما علموا أنه الحق . ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون . قوله تعالى: ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم معناه: ألم تعلم قال ابن قتيبة: وهذا على جهة التعجب ، كما تقول: ألا ترى إلى ما يصنع فلان؟ . [ ص: 288 ] قوله تعالى: وهم ألوف فيه قولان . أحدهما: أن معناه: وهم مؤتلفون ، قاله ابن زيد . والثاني: أنه من العدد ، وعليه العلماء واختلفوا في عددهم على سبعة أقوال . أحدها: أنهم كانوا أربعة آلاف . والثاني: أربعين ألفا ، والقولان عن ابن عباس . والثالث: تسعين ألفا ، قاله عطاء بن أبي رباح . والرابع: سبعة آلاف ، قاله أبو صالح . والخامس: ثلاثين ألفا ، قاله أبو مالك . والسادس: بضعة وثلاثين ألفا ، قاله السدي . والسابع: ثمانية آلاف ، قاله مقاتل . وفي معنى: حذرهم من الموت ، قولان . أحدهما: أنهم فروا من الطاعون ، وكان قد نزل بهم ، قاله الحسن ، والسدي . والثاني: أنهم أمروا بالجهاد ، ففروا منه ، قاله عكرمة ، والضحاك ، وعن ابن عباس ، كالقولين . الإشارة إلى قصتهم . روى حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال: كانت أمة من بني إسرائيل إذا وقع فيهم الوجع ، خرج أغنياؤهم ، وأقام فقراؤهم ، فمات الذين أقاموا ، ونجا الذين خرجوا ، فقال الأشراف: لو أقمنا كما أقام هؤلاء لهلكنا ، وقال الفقراء: لو ظعنا كما ظعن هؤلاء سلمنا ، فأجمع رأيهم في بعض السنين على أن يظعنوا جميعا ، فظعنوا فماتوا ، وصاروا عظاما تبرق ، فكنسهم أهل البيوت والطرق عن بيوتهم وطرقهم ، فمر بهم نبي من الأنبياء ، فقال: يا رب لو شئت أحييتهم ، فعبدوك ، وولدوا أولادا يعبدونك ، ويعمرون بلادك . [قال: أوأحب إليك أن أفعل؟ قال: نعم ] فقيل له: تكلم بكذا وكذا ، فتكلم به ، فنظر إلى العظام تخرج من عند العظام التي ليست منها إلى التي هي منها ، ثم قيل له تكلم بكذا وكذا ، فتكلم به ، فنظر إلى العظام تكسى لحما وعصبا ، ثم قيل له: تكلم بكذا وكذا ، فنظر فإذا هم قعود يسبحون الله ويقدسونه . وأنزل الله فيهم هذه الآية . وهذا الحديث يدل على بعد المدة التي مكثوا فيها أمواتا . وفي بعض الأحاديث: أنهم بقوا أمواتا سبعة أيام ، وقيل: ثمانية أيام . [ ص: 289 ] وفي النبي الذي دعا لهم قولان . أحدهما: أنه حزقيل ، والثاني: أنه شمعون . فإن قيل كيف أميت هؤلاء مرتين وقد قال الله تعالى: إلا الموتة الأولى [ الدخان: 56 ] : فالجواب أن موتهم بالعقوبة لم يفن أعمارهم ، فكان كقوله تعالى: والتي لم تمت في منامها [ الزمر: 42 ] وقيل: كان إحياؤهم آية من آيات نبيهم ، وآيات الأنبياء نوادر لا يقاس عليها ، فيكون تقدير قوله تعالى: إلا الموتة الأولى التي ليست من آيات الأنبياء ، ولا لأمر نادر . وفي هذه القصة احتجاج على اليهود إذ أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر لم يشاهدوه ، وهم يعلمون صحته واحتجاج على المنكرين للبعث ، فدلهم عليه بإحياء الموتى في الدنيا ، ذكر ذلك جميعه ابن الأنباري . قوله تعالى: إن الله لذو فضل على الناس نبه عز وجل بذكر فضله على هؤلاء على فضله على سائر خلقه مع قلة شكرهم . وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم . قوله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله في المخاطبين بهذا قولان . أحدهما: أنهم الذين أماتهم الله ، ثم أحياهم ، قاله الضحاك . والثاني: خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم . فمعناه: لا تهربوا من الموت ، كما هرب هؤلاء ، فما ينفعكم الهرب (واعلموا أن الله سميع) لأقوالكم (عليم) بما تنطوي عليه ضمائركم . من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون . قوله تعالى: من ذا الذي يقرض الله قال الزجاج: أصل القرض ما يعطيه الرجل أو يفعله ليجازي عليه ، وأصله في اللغة القطع ، ومنه أخذ المقراض . فمعنى أقرضته: قطعت له قطعة يجازيني عليها . فإن قيل: ما وجه تسمية الصدقة قرضا؟ فالجواب من ثلاثة أوجه . [ ص: 290 ] أحدهما: لأن هذا القرض يبدل بالجزاء ، والثاني: لأنه يتأخر قضاؤه إلى يوم القيامة ، والثالث: لتأكيد استحقاق الثواب به ، إذ لا يكون قرض إلا والعوض مستحق به . فأما اليهود فإنهم جهلوا هذا ، فقالوا: أيستقرض الله منا؟ وأما المسلمون فوثقوا بوعد الله ، وبادروا إلى معاملته . قال ابن مسعود: لما نزلت هذه الآية ، قال أبو الدحداح: وإن الله ليريد منا القرض؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم . قال: أرني يدك . قال: إني أقرضت ربي حائطي ، قال: وحائطه فيه ستمائة نخلة ، ثم جاء إلى الحائط ، فقال: يا أم الدحداح اخرجي من الحائط ، فقد أقرضته ربي . وفي بعض الألفاظ: فعمدت إلى صبيانها تخرج ما في أفواههم ، وتنفض ما في أكمامهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح" وفي معنى القرض الحسن ستة أقوال . أحدها: أنه الخالص لله ، قاله الضحاك ، والثاني: أن يخرج عن طيب نفس ، قاله مقاتل ، والثالث: أن يكون حلالا ، قاله ابن المبارك ، والرابع: أن يحتسب عند الله ثوابه ، والخامس: أن لا يتبعه منا ولا أذى ، والسادس: أن يكون من خيار المال . ![]()
__________________
|
#54
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#55
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#56
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (56) صــ301 إلى صــ 305 تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين . قوله تعالى: تلك آيات الله نتلوها عليك أي: نقص عليك من أخبار المتقدمين . [ ص: 301 ] وإنك لمن المرسلين حكمك حكمهم ، فمن صدقك ، فسبيله سبيل من صدقهم ، ومن عصاك ، فسبيله سبيل من عصاهم . الجزء الثالث تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد . قوله تعالى: منهم من كلم الله يعني: موسى عليه السلام . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو نهيك ، وابن السميفع : "منهم من كالم الله" بألف خفيفة اللام ، ونصب اسم "الله" وفي المراد بقوله: ورفع بعضهم درجات قولان . أحدهما: عنى بالمرفوع درجات ، محمدا صلى الله عليه وسلم ، فإنه بعث إلى الناس كافة ، وغيره بعث إلى أمته خاصة ، هذا قول مجاهد . والثاني: أنه عنى تفضيل بعضهم على بعض فيما آتاه الله ، هذا قول مقاتل . قال ابن جرير الطبري: والدرجات: جمع درجة ، وهي المرتبة ، وأصل ذلك: مراقي السلم ودرجه ، ثم يستعمل في ارتفاع المنازل والمراتب . وقد تقدم تفسير "البينات" و"روح القدس" . قوله تعالى: ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم أي: من بعد الأنبياء . وقال قتادة: من بعد موسى وعيسى عليهما السلام . قال مقاتل: وكان بينهما ألف نبي . قوله تعالى: (ولكن اختلفوا) يعني: الأمم . يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون . قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم هذه الآية تحث على الصدقات ، والإنفاق في وجوه الطاعات . وقال الحسن: أراد الزكاة المفروضة . [ ص: 302 ] قوله تعالى: من قبل أن يأتي يوم يعني: يوم القيامة (لا بيع فيه) قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو (لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة) بالنصب من غير تنوين ، ومثله في "إبراهيم" (لا بيع فيه) وفي الطور (لا لغو فيها ولا تأثيم) وقرأ نافع وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، جميع ذلك بالرفع والتنوين . قال ابن عباس: لا فدية فيه ، وقيل: إنما ذكر لفظ البيع لما فيه من المعاوضة ، وأخذ البدل . والخلة: الصداقة . وقيل: إنما نفى هذه الأشياء ، لأنه عنى عن الكافرين ، وهذه الأشياء لا تنفعهم ، ولهذا قال: (والكافرون هم الظالمون) . الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم . قوله تعالى: الله لا إله إلا هو الحي القيوم روى مسلم في "صحيحه" عن أبي بن كعب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله أعظم؟ " قال: قلت: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) . قال: فضرب في صدري ، وقال: "ليهنك العلم يا أبا المنذر" قال: أبو عبيدة ، القيوم: الذي لا يزول ، لاستقامة وصفه بالوجود ، حتى لا يجوز عليه التغيير بوجه من الوجوه . وقال الزجاج: القيوم: القائم بتدبير أمر الخلق . وقال الخطابي: القيوم: هو القائم الدائم بلا زوال ، وزنه: "فيعول" من القيام ، وهو نعت للمبالغة للقيام على الشيء ، ويقال: هو القائم على كل شيء بالرعاية ، يقال: قمت بالشيء: إذا وليته بالرعاية والمصلحة . وفي "القيوم" ثلاث لغات القيوم ، وبه قرأ الجمهور ، والقيام ، وبه قرأ عمر بن الخطاب ، وابن [ ص: 303 ] مسعود ، وابن أبي عبلة ، والأعمش . والقيم ، وبه قرأ أبو رزين ، وعلقمة . وذكر ابن الأنباري أنه كذلك في مصحف ابن مسعود ، قال: وأصل القيوم: القيووم: فلما اجتمعت الياء والواو والسابق ساكن ، جعلتا ياء مشددة . وأصل القيام: القوام ، قال الفراء: وأهل الحجاز يصرفون الفعال [إلى ] الفيعال ، فيقولون للصواغ: صياغ . فأما "السنة" فهي: النعاس من غير نوم ، ومنه: الوسنان . قال ابن الرقاع: وكأنها بين النساء أعارها عينيه أحور من جآذر جاسم وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة ، وليس بنائم قوله تعالى: له ما في السماوات وما في الأرض قال بعض العلماء: إنما لم يقل: والأرضين . لأنه قد سبق ذكر الجمع في السماوات ، فاستغنى بذلك عن إعادته ، ومثله (وجعل الظلمات والنور) ولم يقل: الأنوار . قوله تعالى: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه فيه رد على من قال: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [ الزمر: 3 ] . قوله تعالى: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ظاهر الكلام يقتضي الإشارة إلى جميع الخلق ، وقال مقاتل: المراد بهم الملائكة . وفي المراد بـ (ما بين أيديهم وما خلفهم) ثلاثة أقوال . أحدهما: أن الذي بين أيديهم أمر الآخرة ، والذي خلفهم أمر الدنيا ، روي عن ابن عباس ، وقتادة . والثاني: أن الذي بين أيديهم الدنيا ، والذي خلفهم الآخرة ، قاله السدي عن أشياخه ، ومجاهد ، وابن جريج ، والحكم بن عتيبة . والثالث: ما بين أيديهم: ما قبل خلقهم ، وما خلفهم ، ما بعد خلقهم ، قاله مقاتل . [ ص: 304 ] قوله تعالى: ولا يحيطون بشيء قال الليث: يقال: لكل من أحرز شيئا ، أو بلغ علمه أقصاه: قد أحاط به . والمراد بالعلم هاهنا: المعلوم ، (وسع كرسيه) أي: احتمل وأطاق . وفي المراد بالكرسي ثلاثة أقوال . أحدها: أنه كرسي فوق السماء السابعة دون العرش ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة" وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء . والثاني: أن المراد بالكرسي علم الله تعالى ، رواه ابن جبير عن ابن عباس . والثالث: أن الكرسي هو العرش ، قاله الحسن . قوله تعالى: (ولا يئوده) أي: لا يثقله ، يقال: آده الشيء يؤوده أودا وإيادا . والأود: الثقل ، وهذا قول ابن عباس ، وقتادة ، والجماعة . والعلي: العالي القاهر ، "فعيل" بمعنى "فاعل" . وقال الخطابي: وقد يكون من العلو الذي هو مصدر: علا يعلوا ، فهو عال ، كقوله تعالى: الرحمن على العرش استوى [ طه: 5 ] . ويكون ذلك من علاء المجد والشرف ، يقال منه: على يعلى علاء . ومعنى العظيم: ذو العظمة والجلال ، والعظم في حقه تعالى ، منصرف إلى عظم الشأن ، وجلال القدر ، دون العظم الذي هو من نعوت الأجسام . لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم [ ص: 305 ] قوله تعالى: لا إكراه في الدين في سبب نزولها أربعة أقوال . أحدها: أن المرأة من نساء الأنصار كانت في الجاهلية إذا لم يعش لها ولد ، تحلف: لئن عاش لها ولد لتهودنه . فلما أجليت يهود بني النضير ، كان فيهم ناس من أبناء الأنصار . فقال الأنصار: يا رسول الله أبناؤنا ، فنزلت هذه الآية . هذا قول ابن عباس . وقال الشعبي: قالت الأنصار: والله لنكرهن أولادنا على الإسلام ، فإنا إنما جعلناهم في دين اليهود إذ لم نعلم دينا أفضل منه ، فنزلت هذه الآية . والثاني: أن رجلا من الأنصار تنصر له ولدان قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قدما المدينة ، فلزمهما أبوهما ، وقال: والله لا أدعكما حتى تسلما ، فأبيا ، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية . هذا قول مسروق . والثالث: أن ناسا كانوا مسترضعين في اليهود ، فلما أجلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير ، قالوا: والله ليذهبن معهم ، ولندينن بدينهم ، فمنعهم أهلوهم ، وأرادوا إكراههم على الإسلام ، فنزلت هذه الآية . والرابع: أن رجلا من الأنصار كان له غلام اسمه صبيح ، كان يكرهه على الإسلام ، فنزلت هذه الآية ، والقولان عن مجاهد . ![]()
__________________
|
#57
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (57) صــ306 إلى صــ 310 فصل واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذا القدر من الآية ، فذهب قوم إلى أنه محكم ، وإنه من العام المخصوص ، فإنه خص منه أهل الكتاب بأنهم لا يكرهون على الإسلام ، بل يخيرون بينه وبين أداء الجزية ، وهذا معنى ما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة . [ ص: 306 ] وقال ابن الأنباري: معنى الآية: ليس الدين ما تدين به في الظاهر على جهة الإكراه عليه ، ولم يشهد به القلب ، وتنطوي عليه الضمائر ، إنما الدين هو المنعقد بالقلب . وذهب قوم إلى أنه منسوخ ، وقالوا: هذه الآية نزلت قبل الأمر بالقتال ، فعلى قولهم ، يكون منسوخا بآية السيف ، وهذا مذهب الضحاك ، والسدي ، وابن زيد . والدين هاهنا: أريد به الإسلام . والرشد: الحق ، والغي: الباطل . وقيل: هو الإيمان والكفر . فأما الطاغوت; فهو اسم مأخوذ من الطغيان ، وهو مجاوزة الحد ، قال ابن قتيبة: الطاغوت: واحد وجمع ، ومذكر ، ومؤنث . قال الله تعالى: أولياؤهم الطاغوت وقال: والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها [ الزمر: 17 ] والمراد بالطاغوت هاهنا خمسة أقوال . أحدها: أنه الشيطان ، قاله عمر ، وابن عباس ، ومجاهد ، والشعبي ، والسدي ، ومقاتل في آخرين . والثاني: أنه الكاهن ، قاله سعيد بن جبير ، وأبو العالية . والثالث: أنه الساحر ، قاله محمد بن سيرين . والرابع: أنه الأصنام ، قاله اليزيدي ، والزجاج . والخامس: أنه مردة أهل الكتاب ، ذكره الزجاج أيضا . قوله تعالى: فقد استمسك بالعروة الوثقى هذا مثل للإيمان ، شبه التمسك به بالتمسك بالعروة الوثيقة . وقال الزجاج: معنى الكلام: فقد عقد لنفسه عقدا وثيقا . والانفصام: كسر بالشيء من غير إبانة . الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . قوله تعالى: الله ولي الذين آمنوا أي: متولي أمورهم ، يهديهم ، وينصرهم ، ويعينهم . والظلمات: الضلالة ، والنور: الهدى ، والطاغوت: الشياطين ، هنا قول ابن عباس ، وعكرمة في آخرين . وقال مقاتل: الذين كفروا: هم اليهود ، والطاغوت: كعب بن [ ص: 307 ] الأشرف . قال الزجاج: والطاغوت هاهنا: واحد في معنى جماعة ، وهذا جائز في اللغة إذا كان في الكلام دليل على الجماعة . قال الشاعر: بها جيف الحسرى فأما عظامها فبيض وأما جلدها فصليب أراد جلودها ، فإن قيل: متى كان المؤمنون في ظلمة؟ ومتى كان الكفار في نور؟ فعنه ثلاثة أجوبة . أحدها: أن عصمة الله للمؤمنين عن مواقعة الضلال ، إخراج لهم من ظلام الكفر ، وتزيين قرناء الكفار لهم الباطل الذي يحيدون به عن الهدى ، إخراج لهم من نور الهدى ، و"الإخراج" مستعار هاهنا . وقد يقال: للممتنع من الشيء: خرج منه ، وإن لم يكن دخل فيه . قال تعالى: إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله [ يوسف: 37 ] وقال: ومنكم من يرد إلى أرذل العمر [ النحل: 70 ] . وقد سبقت شواهد هذا في قوله تعالى: وإلى الله ترجع الأمور [ البقرة: 210 ] . والثاني: أن إيمان أهل الكتاب بالنبي قبل أن يظهر نور لهم ، وكفرهم به بعد أن ظهر ، خروج إلى الظلمات . والثالث: أنه لما ظهرت معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان المخالف له خارجا من نور قد علمه ، والموافق له خارجا من ظلمات الجهل إلى نور العلم . ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين . قوله تعالى: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه قد سبق معنى "ألم تر" . وحاج: بمعنى خاصم ، وهو نمروذ في قول الجماعة . قال ابن عباس: ملك الأرض شرقها وغربها; [ ص: 308 ] مؤمنان ، وكافران ، فالمؤمنان سليمان بن داود ، وذو القرنين . والكافران: نمروذ ، وبختنصر . قال ابن قتيبة: معنى الآية: حاج إبراهيم ، لأن الله آتاه الملك ، فأعجب بنفسه [وملكه ] . قوله تعالى: إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال بعضهم: هذا جواب سؤال سابق غير مذكور ، تقديره: أنه قال له: من ربك؟ فقال: ربي الذي يحيي ويميت . قال نمروذ: أنا أحيي وأميت . قال ابن عباس: يقول: أترك من شئت ، وأقتل من شئت . فإن قيل: لم انتقل إبراهيم إلى حجة أخرى ، وعدل عن نصرة الأولى؟ فالجواب: أن إبراهيم رأى من فساد معارضته أمرا على ضعف فهمه ، فإنه عارض اللفظ بمثله ، ونسي اختلاف الفعلين ، فإن نقل إلى حجة أخرى ، قصدا لقطع المحاج ، لا عجزا عن نصرة الأولى . قوله تعالى: فبهت الذي كفر أي: انقطعت حجته ، فتحير ، وقرأ أبو رزين العقيلي ، وابن السميفع : "فبهت" بفتح الباء والهاء . وقرأ أبو الجوزاء ، ويحيى بن يعمر ، وأبو حيوة: "فبهت" بفتح الباء ، وضم الهاء . قال الكسائي: ومن العرب من يقول: بهت ، وبهت ، بكسر الهاء وضمها ، والله لا يهدي القوم الظالمين يعني: الكافرين . قال مقاتل: لا يهديهم إلى الحجة ، وعنى بذلك نمروذ . أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير . قوله تعالى: أو كالذي مر على قرية قال الزجاج: هذا معطوف على معنى الكلام الذي قبله ، معناه: أرأيت كالذي حاج إبراهيم ، أو كالذي مر على قرية؟ وفي المراد بالقرية قولان . أحدهما: أنها بيت المقدس لما خربه بختنصر ، قاله وهب ، وقتادة ، والربيع بن [ ص: 309 ] أنس . والثاني: أنها التي خرج منها الألوف حذر الموت ، قاله ابن زيد: وفي الذي مر عليها ثلاثة أقوال . أحدها: أنه عزير ، قاله علي بن أبي طالب ، وأبو العالية ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، وناجية بن كعب ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، ومقاتل . والثاني: أنه أرمياء ، قاله وهب ، ومجاهد ، وعبد الله بن عبيد بن عمير . والثالث: أنه رجل كافر شك في البعث ، نقل عن مجاهد أيضا . والخاوية: الخالية ، قاله الزجاج . وقال ابن قتيبة: الخاوية: الخراب ، والعروش: السقوف ، وأصل ذلك أن تسقط السقوف ، ثم تسقط الحيطان عليها (قال أنى يحيي هذه الله) أي: كيف يحييها . فإن قلنا: إن هذا الرجل نبي ، فهو كلام من يؤثر أن يرى كيفية الإعادة ، أو يستهو لها ، فيعظم قدرة الله ، وإن قلنا: إنه كان رجلا كافرا ، فهو كلام شاك ، والأول أصح . قوله تعالى: فأماته الله مائة عام ثم بعثه . الإشارة إلى قصته . روى ناجية بن كعب عن علي رضي الله عنه قال: خرج عزير نبي الله من مدينته ، وهو رجل شاب ، فمر على قرية ، وهي خاوية على عروشها ، فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها ، فأماته الله مائة عام ، ثم بعثه ، وأول ما خلق الله منه عيناه ، فجعل ينظر إلى عظامه تنضم بعضها إلى بعض ، ثم كسيت لحما ، ونفخ فيها الروح . قال الحسن: قبضه الله أول النهار ، وبعثه آخر النهار بعد مائة سنة . قال مقاتل: ونودي من السماء: كم لبثت؟ قال قتادة: فقال: لبثت يوما ، ثم نظر فرأى بقية من الشمس ، فقال: أو بعض يوم . فهذا يدل على أنه عزير ، وقال وهب بن منبه: أقام أرميا بأرض مصر فأوحى الله إليه أن الحق بأرض إيلياء ، فركب حماره ، وأخذ معه سلة من عنب وتين ، ومعه سقاء جديد ، فيه ماء ، فلما [ ص: 310 ] بدا له شخص بيت المقدس وما حوله من القرى [والمساجد ] نظر إلى خراب لا يوصف [فلما رأى هدم بيت المقدس كالجبل العظيم ] قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ ثم نزل منها منزلا ، وربط حماره ، [وعلق سقاءه ] فألقى الله عليه النوم ، ونزع روحه مائة عام ، فلما مر منها سبعون عاما ، أرسل الله ملكا إلى ملك من ملوك فارس ، عظيم ، فقال: إن الله يأمرك أن تنفر بقومك ، فتعمر بيت المقدس وإيلياء وأرضها حتى تعود أعمر ما كانت ، [فقال الملك: أنظرني ثلاثة أيام حتى أتأهب لهذا العمل ، ولما يصلحه من أداة العمل ، فأنظره ثلاثة أيام ] فانتدب ثلاثمائة قهرمان ، ودفع إلى كل قهرمان ألف عامل ، وما يصلحه من أداة العمل [فسار إليها قهارمته ومعهم ثلاثمائة ألف عامل ] فلما وقعوا في العمل ، رد الله روح الحياة في عيني أرميا ، وآخر جسده ميت ، فنظر إليها تعمر ، فلما تمت بعد ثلاثين سنة; رد الله إليه الروح ، فنظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه [ونظر إلى حماره واقفا كهيئته يوم ربطه لم يطعم ولم يشرب ، ونظر إلى الرمة في عنق الحمار لم تتغير جديدة ، وقد أتى على ذلك ريح مائة عام ، وبرد مائة عام ، وحر مائة عام لم تتغير ولم تنتقص شيئا ، وقد نحل جسم أرميا من البلى ، فأنبت الله له لحما جديدا ، ونشز عظامه وهو ينظر ، فقال له الله: انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه ، وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس ، وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال: أعلم أن الله على كل شيء قدير ] . وزعم مقاتل أن هذه القصة كانت بعد رفع عيسى عليه السلام . ![]()
__________________
|
#58
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (58) صــ311 إلى صــ 315 قوله تعالى: (كم لبثت) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم "لبثت" و"لبثتم" في كل القرآن بإظهار التاء ، وقرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي بالإدغام [لبت ] قال أبو علي الفارسي: من بين "لبثت" فلتباين المخرجين ، وذلك أن الظاء والذال والثاء من حيز ، [ ص: 311 ] والطاء والتاء والدال من حيز ، فلما تباين المخرجان ، واختلف الحيزان ، لم يدغم . ومن أدغمها أجراها مجرى المثلين ، لاتفاق الحرفين في أنهما من طرف اللسان ، وأصول الثنايا ، واتفاقهما في الهمس ورأى الذي بينهما من الاختلاف يسيرا ، فأجراهما مجرى المثلين . فأما طعامه وشرابه ، فقال وهب: كان معه مكتل فيه عنب وتين ، وقلة فيها ماء . وقال السدي: كان معه تين وعنب ، وشرابه من العصير ، لم يحمض التين والعنب ، ولم يختمر العصير . قوله تعالى: (لم يتسنه) قرأ ابن كثير ، ونافع: وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر: (يتسنه) و(اقتده) و(ما أغنى عني ماليه) و(سلطانيه) و(وماهيه) بإثبات الهاء في الوصل . وكان حمزة يحذفهن في الوصل ، ووافقه الكسائي في حذف موضعين (يتسنه) و(اقتده) وكلهم يقف على الهاء . ولم يختلفوا في (كتابيه) و(حسابيه) أنها بالهاء وصلا ووقفا . فأما معنى: (لم يتسنه) فقال ابن عباس ، والحسن ، وقتادة في آخرين . لم يتغير . وقال ابن قتيبة: لم يتغير بمر السنين عليه ، واللفظ مأخوذ من السنه ، يقال: سانهت النخلة: إذا حملت عاما ، وحالت عاما . قوله تعالى: وانظر إلى حمارك قال مقاتل: انظر إليه ، وقد ابيضت عظامه ، وتفرقت أوصاله ، فأعاده الله . قوله تعالى: ولنجعلك آية للناس اللام صلة لفعل مضمر تقديره: فعلنا بك ذلك لنريك قدرتنا ، ولنجعلك آية للناس ، أي: علما على قدرتنا ، فأضمر الفعل لبيان معناه . قال ابن عباس: مات وهو ابن أربعين سنة ، وابنه ابن عشرين سنة ، ثم بعث وهو ابن أربعين ، وابنه ابن عشرين ومائة ، ثم أقبل حتى أتى قومه في بيت المقدس ، فقال لهم: أنا عزير ، فقالوا: [ ص: 312 ] حدثنا آباؤنا أن عزيرا مات بأرض بابل ، فقال لهم: أنا هو أرسلني الله إليكم أجدد لكم توراتكم ، وكانت قد ذهبت ، وليس منهم أحد يقرؤها ، فأملاها عليهم . قوله تعالى: وانظر إلى العظام قيل: أراد عظام نفسه ، وقيل: عظام حماره ، وقيل: هما جميعا . قوله تعالى: (كيف ننشزها) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو (ننشرها) بضم النون الأولى ، وكسر الشين وراء مضمومة . ومعناه: نحييها ، يقال: أنشز الله الميت ، فنشرهم . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، ننشزها ، بضم النون مع الزاي ، وهو من النشز الذي هو الارتفاع . والمعنى: نرفع بعضها إلى بعض للحياء . وقرأ الأعمش: ننشزها ، بفتح النون ، ورفع الشين مع الزاي . وقرأ الحسن ، وأبان عن عاصم: ننشرها ، بفتح النون مع الراء ، كأنه من النشر عن الطي ، فكأن الموت طواها ، والإحياء نشرها . قوله تعالى: (فلما تبين له) أي: بان له إحياء الموتى (قال أعلم) قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر: "أعلم" مقطوعة الألف ، مضمومة الميم . والمعنى: قد علمت ما كنت أعلمه غيبا مشاهدة . وقرأ حمزة والكسائي بوصل الألف ، وسكون الميم على معنى الأمر ، والابتداء على قراءتهما بكسر الهمزة ، وظاهر الكلام أنه أمر من الله له . وقال أبو علي: نزل نفسه منزلة غيره ، فأمرها وخاطبها . وقرأ الجعفي عن أبي بكر ، قال: "اعلم" بكسر اللام على معنى الأمر بإعلام الغيرش . وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم [ ص: 313 ] قوله تعالى: وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى في سبب سؤاله هذا أربعة أقوال . أحدها: أنه رأى ميتة تمزقها الهوام والسباع ، فسأل هذا السؤال ، وهذا قول ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والضحاك ، وعطاء الخراساني ، وابن جريج ، ومقاتل . وما الذي كانت هذه الميتة؟ فيه ثلاثة أقوال . أحدها: كان رجلا ميتا ، قاله ابن عباس . والثاني: كان جيفة حمار ، قاله ابن جريج ، ومقاتل . والثالث: كان حوتا ميتا ، قاله ابن زيد . والثاني: أنه لما بشر باتخاذ الله له خليلا ، سأل هذا السؤال ليعلم صحة البشارة ، ذكره السدي عن ابن مسعود ، وابن عباس . وروي عن سعيد بن جبير أنه لما بشر بذلك ، قال: ما علامة ذلك؟ قال: أن يجيب الله دعاءك ، ويحيي الموتى بسؤالك ، فسأل هذا السؤال . والثالث: أنه سأل ذلك ليزيل عوارض الوسواس ، وهو قول عطاء بن أبي رباح . والرابع: أنه لما نازعه نمرود في إحياء الموتى ، سأل ذلك ليرى ما أخبر به عن الله ، وهذا قول محمد بن إسحاق . قوله تعالى: (أولم تؤمن) أي: أولست قد آمنت أني أحيي الموتى؟ وقال ابن جبير: ألم توقن بالخلة؟ قوله تعالى: (بلى ولكن ليطمئن قلبي) "اللام" متعلقة بفعل مضمر ، تقديره: ولكن سألتك ليطمئن ، أو أرني ليطمئن قلبي ، ثم في المعنى أربعة أقوال . أحدها: لأعلم أنك تجيبني إذا دعوتك ، قاله ابن عباس . والثاني: ليزداد قلبي يقينا ، قاله سعيد بن جبير . وقال الحسن: كان إبراهيم موقنا ، ولكن ليس الخبر كالمعاينة . والثالث: ليطمئن قلبي بالخلة ، روي عن ابن جبير أيضا . والرابع: أنه كان قلبه متعلقا برؤية إحياء الموتى ، فأراد: ليطمئن قلبه بالنظر ، قاله ابن قتيبة . وقال غيره: كانت نفسه تائقة إلى رؤية ذلك ، وطالب الشيء قلق إلى أن يظفر بطلبته ، يدل على أنه لم يسأل لشك ، أنه قال: (أرني كيف تحي الموتى) وما قال: هل تحيي الموتى . [ ص: 314 ] قوله تعالى: فخذ أربعة من الطير في الذي أخذ سبعة أقوال . أحدها: أنها الحمامة ، والديك ، والكركي ، والطاووس ، رواه عبد الله بن هبيرة عن ابن عباس . والثاني: أنها الطاووس ، والديك ، والدجاجة السندية ، والأوزة ، رواه الضحاك عن ابن عباس . وفي لفظ آخر ، رواه الضحاك مكان الدجاجه السندية الرأل ، وهو فرخ النعام . والثالث: أنها الشعانين ، وكانت قرباهم يومئذ ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والرابع: أنها الطاووس ، والنسر ، والغراب ، والديك ، نقل عن ابن عباس أيضا . والخامس: أنها الديك ، والطاووس والغراب ، والحمام ، قاله عكرمة ، ومجاهد ، وعطاء وابن جريج ، وابن زيد . والسادس: أنها ديك ، وغراب ، وبط ، وطاووس ، رواه ليث عن مجاهد . والسابع: أنها الديك ، والبطة ، والغراب ، والحمامة ، قاله مقاتل . وقال عطاء الخراساني: أوحى الله إليه أن خذ بطة وغرابا أسود ، وحمامة بيضاء ، وديكا أحمر . قوله تعالى: (فصرهن إليك) قرأ الجمهور بضم الصاد ، والمعنى: أملهن إليك ، يقال: صرت الشيء فانصار ، أي: أملته فمال ، وأنشدوا: الله يعلم أنا في تلفتنا يوم الفراق إلى جيراننا صور فمعنى الكلام: اجمعهن إليك . ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا فيه إضمار قطعهن . قال ابن قتيبة: أضمر "قطعهن" واكتفى بقوله: ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا عن قوله "قطعهن" لأنه يدل عليه ، وهذا كما تقول: خذ هذا الثوب ، واجعل على كل رمح عندك منه علما . يريد: قطعه ، وافعل ذلك ، وقرأ أبو جعفر ، وحمزة ، وخلف ، [ ص: 315 ] والمفضل ، عن عاصم (فصرهن إليك) بكسر الصاد . قال اليزيدي: هما واحد ، وقال ابن قتيبة: الكسر والضم لغتان . قال الفراء: أكثر العرب على ضم الصاد ، وحدثني الكسائي أنه سمع بعض بني سليم يقول: صرته ، فأنا أصيره . وروي عن ابن عباس ، ووهب ، وأبي مالك ، وأبي الأسود الدؤلي ، والسدي ، أن معنى المكسورة الصاد: قطعهن . وروي عن أبي عبيدة أنه قال: معناه بالضم: اجمعهن ، وبالكسر: قطعهن . قوله تعالى: ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا قال الزجاج: معناه: اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا . وروي عوف عن الحسن قال: اذبحهن ونتفهن ، ثم قطعهن أعضاء ، ثم خلط بينهن جميعا ، ثم جزئها أربعة أجزاء ، وضع على كل جبل جزءا . ثم تنحى عنهن ، فدعاهن ، فجعل يعدو كل عضو إلى صاحبه حتى استوين كما كن ، ثم أتينه يسعين . وقال قتادة: أمسك رؤوسها بيده ، فجعل العظم يذهب إلى العظم ، والريشة إلى الريشة ، والبضعة إلى البضعة ، وهو يرى ذلك ، ثم دعاهن ، فأقبلن على أرجلهن يلقي لكل طائر رأسه . وفي عدد الجبال التي قسمن عليها قولان . أحدهما: أنه قسمهن على أربعة أجبل ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة . وروي عن ابن عباس قال: جعلهن أربعة أجزاء في أرباع الأرض ، كأنه يعني جهات الإنسان الأربع . والثاني: أنه قسمهن سبعة أجزاء على سبعة أجبل ، قاله ابن جريج ، والسدي . قوله تعالى: ثم ادعهن يأتينك سعيا قال ابن قتيبة: يقال: عدوا ، ويقال: مشيا على أرجلهن ، ولا يقال: لطير إذا طار: سعى (واعلم أن الله عزيز) أي: منيع لا يغلب ، (حكيم) فيما يدبر . ويزعم مقاتل أن هذه القصة جرت لإبراهيم بالشام قبل أن يكون له ولد ، وقبل نزول الصحف عليه ، وهو ابن خمس وسبعين سنة . ![]()
__________________
|
#59
|
||||
|
||||
![]() ![]() تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي سُورَةُ الْبَقَرَةِ الحلقة (59) صــ316 إلى صــ 320 مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم [ ص: 316 ] قوله تعالى: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله حدثنا عن ثعلب أنه قال: إنما المثل - والله أعلم - للنفقة ، لا للرجال ، ولكن العرب إذا دل المعنى على ما يريدون ، حذفوا ، مثل قوله تعالى: وأشربوا في قلوبهم العجل فأضمر "الحب" لأن المعنى معلوم ، فكذلك هاهنا . أراد: مثل نفقة الذين ينفقون أموالهم . ونحو هذا قوله تعالى: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [ آل عمران: 18 ] . يريد: بخل الباخلين ، فحذف البخل . وفي المراد: بـ "سبيل" الله قولان . أحدهما: أنه الجهاد . والثاني: أنه جميع أبواب البر . قال أبو سليمان الدمشقي . والآية مردودة على قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم وقد أعلم الله عز وجل بضرب هذا المثل ، أن الحسنة في النفقة في سبيله تضاعف بسبعمائة ضعف . وقال الشعبي: نفقة الرجل على نفسه وأهل بيته تضاعف سبعمائة ضعف . قال ابن زيد: (والله يضاعف لمن يشاء) أي: يزيد على السبعمائة . الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون . قوله تعالى: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله قال ابن السائب ومقاتل: نزلت في عثمان بن عفان في نفقته في غزوة تبوك ، وشرائه بئر رومة ، ركية بالمدينة ، تصدق بها على المسلمين . وفي عبد الرحمن بن عوف حين تصدق بأربعة آلاف درهم ، وكانت [ ص: 317 ] نصف ماله . وأما المن ففيه قولان . أحدها: أنه المن على الفقير ، ومثل أن يقول: قد أحسنت إليك ونعشتك ، وهو قول الجمهور . والثاني: أنه المن على الله بالصدقة ، روي عن ابن عباس . فإن قيل: كيف مدحهم بترك المن ، ووصف نفسه بالمنان؟ فالجواب: أنه يقال: من فلان على فلان: إذا أنعم عليه ، فهذا الممدوح ، قال الشاعر: فمني علينا بالسلام فإن ما كلامك ياقوت ودر منظم أراد بالمن الإنعام . وأما الوجه المذموم ، فهو أن يقال: من فلان على فلان: إذا استعظم ما أعطاه ، وافتخر بذلك ، قال الشاعر في ذلك: أنلت قليلا ثم أسرعت منة فنيلك ممنون كذاك قليل ذكر ذلك أبو بكر الأنباري . وفي الأذى قولان . أحدهما: أنه مواجهة الفقير بما يؤذيه ، مثل أن يقول له: أنت أبدا فقير ، وقد بليت بك ، وأراحني الله منك ، والثاني: [ ص: 318 ] أن يخبر بإحسانه إلى الفقير ، من يكره الفقير اطلاعه على ذلك ، وكلا القولين يؤذي الفقير وليس من صفة المخلصين في الصدقة . ولقد حدثنا عن حسان بن أبي سنان أنه كان يشتري أهل بيت الرجل وعياله ، ثم يعتقهم جميعا ، ولا يتعرف إليهم ، ولا يخبرهم من هو . قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم . قوله تعالى: (قول معروف) أي: قول جميل للفقير ، مثل أن يقول له: يوسع الله عليك (ومغفرة) أي: يستر على المسلم خلته وفاقته ، وقيل: أراد بالمغفرة التجاوز عن السائل إن استطال على المسؤول وقت رده (خير من صدقة يتبعها أذى) وقد سبق بيانه . يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين . قوله تعالى: لا تبطلوا صدقاتكم أي: لا تبطلوا ثوابها ، كما تبطل ثواب صدقة المرائي الذي لا يؤمن بالله ، وهو المنافق (فمثله) أي: مثل نفقته ، كمثل صفوان ، قال ابن قتيبة: الصفوان: الحجر ، والوابل: أشد المطر ، والصلد: الأملس . وقال الزجاج: الصفوان: الحجر الأملس ، وكذلك الصفا . وقال ثعلب: الصلد: النقي . وروي عن ابن عباس ، وقتادة (فتركه صلدا) قالا: ليس عليه شيء . وهذا مثل ضربه الله تعالى للمرائي بنفقته ، لا يقدر يوم القيامة على ثواب شيء مما أنفق . ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير . قوله تعالى: ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله أي: طلبا لرضاه . وفي معنى التثبيت قولان . أحدهما: أنه الإنفاق على يقين وتصديق ، وهذا قول الشعبي ، وقتادة ، [ ص: 319 ] والسدي ، في آخرين . والثاني: أنه التثبيت لارتياد محل الإنفاق ، فهم ينظرون أين يضعونها ، وهذا قول الحسن ، ومجاهد ، وأبي صالح . قوله تعالى: (كمثل جنة) الجنة: البستان وقرأ مجاهد ، وعاصم الجحدري "حبة" بالحاء . والربوة: ما ارتفع . وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي "بربوة" بضم الراء . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، بفتح الراء ، وقرأ الحسن والأعمش بكسر الراء ، وقرأ ابن عباس ، وأبو رزين ، برباوة ، بزيادة ألف ، وفتح الراء ، وقرأ أبي بن كعب ، وعاصم الجحدري كذلك ، إلا أنهما ضما الراء ، وكذلك خلافهم في "المؤمنين" قال الزجاج: يقال: ربوة وربوة وربوة ورباوة . والموضع المرتفع من الأرض ، إذا كان له ما يرويه من الماء ، فهو أكثر ريعا من السفل . وقال ابن قتيبة: الربوة الارتفاع ، وكل شيء ارتفع وزاد ، فقد ربا ، ومنه الربا في البيع . قوله تعالى: (فآتت أكلها) قرأ ابن كثير ، ونافع: أكلها . والأكل بسكون الكاف حيث وقع ، ووافقهما أبو عمرو ، فيما أضيف إلى مؤنث ، مثل: (أكلها دائم) فأما ما أضيف إلى مذكر مثل: أكله؟ أو كان غير مضاف إلى مكنى: مثل (أكل خمط) فثقله أبو عمرو . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي جميع ذلك مثقلا . وأكلها ، أي: ثمرها . (ضعفين) أي: مثلين . فأما "الظل" فقال ابن قتيبة: هو أضعف المطر ، وقال الزجاج: هو المطر الدائم ، الصغار القطر الذي لا تكاد تسيل منه المثاعب . قال ثعلب: وهذا لفظ مستقبل وهو لأمر ماض ، فمعناه: فإن لم يكن أصابها وابل فطل . ومعنى هذا المثل: أن صاحب [ ص: 320 ] هذه الجنة لا يخيب ، فإنها إن أصابها الطل حسنت ، وإن أصابها الوابل أضعفت ، فكذلك نفقة المؤمن المخلص . والبصير من أسماء الله تعالى معناه: المبصر . قال الخطابي: وهو فعيل بمعنى مفعل ، كقولهم: أليم بمعنى مؤلم . ![]()
__________________
|
#60
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
••• جميع المشاركات والآراء المنشورة تمثل وجهة نظر كاتبها وليس بالضرورة وجهة نظر الموقع ••• |
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |