تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد - الصفحة 41 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         شرح النووي لحديث: ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أنسيت بأنك في غزة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4418 - عددالزوار : 855280 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3949 - عددالزوار : 390096 )           »          معنى قوله تعالى: {ليبلوكم أيُّكم أحسنُ عملاً} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 61 )           »          تخصيص رمضان بالعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          ذكر الله دواء لضيق الصدر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          بيان فضل صيام الست من شوال وصحة الحديث بذلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 49 )           »          صيام الست من شوال قبل صيام الواجب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #401  
قديم 30-12-2022, 05:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
الحلقة (401)
صــ 460 إلى صــ 467




وَفِي الْمُرَادِ بِالْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : أَنَّهُ النَّظَرُ إِلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ . رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ [ ص: 460 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَنَزَلَتِ : " الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ " فَنَكَّسَ رَأْسَهُ . وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى ذَهَبَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ وَقَتَادَةُ .

وَالثَّانِي : أَنَّهُ تَرْكُ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ ، وَأَنْ تُلِينَ كَنَفَكَ لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ ، قَالَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

وَالثَّالِثُ : أَنَّهُ السُّكُونُ فِي الصَّلَاةِ ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ ، وَإِبْرَاهِيمُ ، وَالزُّهْرِيُّ .

وَالرَّابِعُ : أَنَّهُ الْخَوْفُ ، قَالَهُ الْحَسَنُ .

وَفِي الْمُرَادِ بِاللَّغْوِ هَاهُنَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ :

أَحَدُهَا : الشِّرْكُ ، رَوَاهُ أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي : الْبَاطِلُ ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ . وَالثَّالِثُ : الْمَعَاصِي ، قَالَهُ الْحَسَنُ . وَالرَّابِعُ : الْكَذِبُ ، قَالَهُ السُّدِّيُّ . وَالْخَامِسُ : الشَّتْمُ وَالْأَذَى الَّذِي كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الْكُفَّارِ ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَاللَّغْوُ : كُلُّ لَعِبٍ وَلَهْوٍ ، وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ فَهِيَ مُطَّرَحَةٌ مُلْغَاةٌ ; فَالْمَعْنَى : شَغَلَهُمُ الْجِدُّ فِيمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ عَنِ اللَّغْوِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ " ; أَيْ : مُؤَدُّونَ ، فَعَبَّرَ عَنِ التَّأْدِيَةِ بِالْفِعْلِ ; لِأَنَّهُ فَعَلَ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ " قَالَ الْفَرَّاءُ : " عَلَى " بِمَعْنَى " مِنْ " . وَقَالَ الزَّجَّاجُ : الْمَعْنَى : أَنَّهُمْ يُلَامُونَ فِي إِطْلَاقِ مَا حُظِرَ عَلَيْهِمْ وَأُمِرُوا بِحِفْظِهِ ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُلَامُونَ . [ ص: 461 ]

قَوْلُهُ تَعَالَى : " فَمَنِ ابْتَغَى " ; أَيْ : طَلَبَ ، " وَرَاءَ ذَلِكَ " ; أَيْ : سِوَى الْأَزْوَاجِ وَالْمَمْلُوكَاتِ ، " فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ " يَعْنِي : الْجَائِرِينَ الظَّالِمِينَ ; لِأَنَّهُمْ قَدْ تَجَاوَزُوا إِلَى مَا لَا يَحِلُّ . " وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ " قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ : ( لِأَمَانَتِهِمْ ) وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ ، وَالْمَعْنَى : لِلْأَمَانَاتِ الَّتِي ائْتُمِنُوا عَلَيْهَا ، فَتَارَةً تَكُونُ الْأَمَانَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ ، وَتَارَةً تَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جِنْسِهِ ، فَعَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْكُلِّ ، وَكَذَلِكَ الْعَهْدُ . وَمَعْنَى " رَاعُونَ " : حَافِظُونَ . قَالَ الزَّجَّاجُ : وَأَصِلُ الرَّعْيِ فِي اللُّغَةِ : الْقِيَامُ عَلَى إِصْلَاحِ مَا يَتَوَلَّاهُ الرَّاعِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " عَلَى صَلَوَاتِهِمْ " قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَعَاصِمٌ ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَابْنُ عَامِرٍ : ( صَلَوَاتِهِمْ ) عَلَى الْجَمْعِ . وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ : ( صَلَاتِهِمْ ) عَلَى التَّوْحِيدِ ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ . وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَوَاتِ : أَدَاؤُهَا فِي أَوْقَاتِهَا .

قَوْلُهُ تَعَالَى : " أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ " ذَكَرَ السُّدِّيُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْفَعُ لِلْكُفَّارِ الْجَنَّةَ ، فَيَنْظُرُونَ إِلَى بُيُوتِهِمْ فِيهَا لَوْ أَنَّهُمْ أَطَاعُوا ، ثُمَّ تُقَسَّمُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَرِثُونَهُمْ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : " أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ " . وَقَدْ شَرَحْنَا هَذَا فِي ( الْأَعْرَافِ : 43 ) عِنْدَ قَوْلِهِ : " أُورِثْتُمُوهَا " ، وَشَرَحْنَا مَعْنَى الْفِرْدَوْسِ فِي ( الْكَهْفِ : 107 ) .
ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه [ ص: 462 ] خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون .

قوله تعالى : " ولقد خلقنا الإنسان " فيه قولان :

أحدهما : أنه آدم عليه السلام ، وإنما قيل : " من سلالة " ; لأنه استل من كل الأرض ، هذا مذهب سلمان الفارسي ، وابن عباس في رواية ، وقتادة .

والثاني : أنه ابن آدم ، والسلالة : النطفة استلت من الطين ، والطين : آدم عليه السلام ، قاله أبو صالح عن ابن عباس . قال الزجاج : والسلالة : فعالة ، وهي القليل مما ينسل ، وكل مبني على ( فعالة ) يراد به القليل ، من ذلك : الفضالة ، والنخالة ، والقلامة .

قوله تعالى : " ثم جعلناه " يعني : ابن آدم ، " نطفة في قرار " وهو الرحم ، " مكين " ; أي : حريز ، قد هيئ لاستقراره فيه . وقد شرحنا في سورة ( الحج : 5 ) معنى النطفة والعلقة والمضغة .

قوله تعالى : " فخلقنا المضغة عظاما " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : ( عظاما فكسونا العظام ) على الجمع . وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : ( عظما فكسونا العظم ) على التوحيد .

قوله تعالى : " ثم أنشأناه خلقا آخر " وهذه الحالة السابعة . قال علي عليه السلام : لا تكون موءودة حتى تمر على التارات السبع .

وفي محل هذا الإنشاء قولان :

أحدهما : أنه بطن الأم . ثم في صفة الإنشاء قولان : أحدهما : أنه نفخ [ ص: 463 ] الروح فيه ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال أبو العالية ، والشعبي ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك في آخرين . والثاني : أنه جعله ذكرا أو أنثى ، قاله الحسن .

والقول الثاني : أنه بعد خروجه من بطن أمه . ثم في صفة هذا الإنشاء أربعة أقوال : أحدها : أن ابتداء ذلك الإنشاء أنه استهل ، ثم دل على الثدي ، وعلم كيف يبسط رجليه إلى أن قعد ، إلى أن قام على رجليه ، إلى أن مشى ، إلى أن فطم ، إلى أن بلغ الحلم ، إلى أن تقلب في البلاد ، رواه العوفي عن ابن عباس . والثاني : أنه استواء الشباب ، قاله ابن عمر ومجاهد . والثالث : أنه خروج الأسنان والشعر ، قاله الضحاك ، فقيل له : أليس يولد وعلى رأسه الشعر ؟ فقال : وأين العانة والإبط ؟ والرابع : أنه إعطاء العقل والفهم ، حكاه الثعلبي .

قوله تعالى : " فتبارك الله " ; أي : استحق التعظيم والثناء . وقد شرحنا معنى " تبارك " في ( الأعراف : 54 ) . " أحسن الخالقين " ; أي : المصورين والمقدرين ، والخلق في اللغة : التقدير . وجاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية وعنده عمر ، إلى قوله تعالى : " خلقا آخر " ، فقال عمر : فتبارك الله أحسن الخالقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد ختمت بما تكلمت به يابن الخطاب " .

فإن قيل : كيف الجمع بين قوله : " أحسن الخالقين " وقوله : هل من خالق غير الله [ فاطر : 3 ] ؟ [ ص: 464 ]

فالجواب : أن الخلق يكون بمعنى الإيجاد ، ولا موجد سوى الله ، ويكون بمعنى التقدير ، كقول زهير :


[ ولأنت تفري ما خلقت ] وبعـ ض القوم يخلق ثم لا يفري


فهذا المراد هاهنا ، أن بني آدم قد يصورون ويقدرون ويصنعون الشيء ، فالله خير المصورين والمقدرين . وقال الأخفش : الخالقون هاهنا هم الصانعون ، فالله خير الخالقين .

قوله تعالى : " ثم إنكم بعد ذلك " ; أي : بعد ما ذكر من تمام الخلق ، " لميتون " عند انقضاء آجالكم . وقرأ أبو رزين العقيلي ، وعكرمة ، وابن أبي عبلة : ( لمائتون ) بألف . قال الفراء : والعرب تقول لمن لم يمت : إنك مائت عن قليل ، وميت ، ولا يقولون للميت الذي قد مات : هذا مائت ، إنما يقال في الاستقبال فقط ، وكذلك يقال : هذا سيد قومه اليوم ، فإذا أخبرت أنه يسودهم عن قليل ، قلت : هذا سائد قومه عن قليل ، وكذلك هذا شريف القوم ، وهذا شارف عن قليل ، وهذا الباب كله في العربية على ما وصفت لك .
ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين وأنـزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين . [ ص: 465 ]

قوله تعالى : " ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق " يعني : السماوات السبع . قال الزجاج : كل واحدة طريقة . وقال ابن قتيبة : إنما سميت طرائق بالتطارق ; لأن بعضها فوق بعض ، يقال : طارقت الشيء : إذا جعلت بعضه فوق بعض .

قوله تعالى : " وما كنا عن الخلق غافلين " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : ما غفلنا عنهم إذ بنينا فوقهم سماء أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب .

والثاني : ما كنا تاركين لهم بغير رزق فأنزلنا المطر .

والثالث : لم نغفل عن حفظهم من أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم .

قوله تعالى : " وأنزلنا من السماء ماء بقدر " يعلمه الله ، وقال مقاتل : بقدر ما يكفيهم للمعيشة .

قوله تعالى : " وشجرة " هي معطوفة على قوله : " جنات " . وقرأ أبو مجلز ، وابن يعمر ، وإبراهيم النخعي : ( وشجرة ) بالرفع ، والمراد بهذه الشجرة : شجرة الزيتون .

فإن قيل : لماذا خص هذه الشجرة من بين الشجر ؟

فالجواب من أربعة أوجه :

أحدها : لكثرة انتفاعهم بها ، فذكرهم من نعمه ما يعرفون ، وكذلك [ ص: 466 ] خص النخيل والأعناب في الآية الأولى ; لأنهما كانا جل ثمار الحجاز وما والاها ، وكانت النخيل لأهل المدينة ، والأعناب لأهل الطائف .

والثاني : لأنهم لا يكادون يتعاهدونها بالسقي ، وهي تخرج الثمرة التي يكون منها الدهن .

والثالث : أنها تنبت بالماء الذي هو ضد النار ، وفي ثمرتها حياة للنار ومادة لها .

والرابع : لأن أول زيتونة نبتت بذلك المكان فيما زعم مقاتل .

قوله تعالى : " طور سيناء " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : ( طور سيناء ) مكسورة السين . وقرأ عاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي مفتوحة السين ، وكلهم مدها . قال الفراء : العرب تقول : ( سيناء ) بفتح السين في جميع اللغات ، إلا بني كنانة فإنهم يكسرون السين . قال أبو علي : ولا تنصرف هذه الكلمة ; لأنها جعلت اسما لبقعة أو أرض ، وكذلك ( سينين ) ، ولو جعلت اسما للمكان ، أو للمنزل ، أو نحو ذلك من الأسماء المذكرة لصرفت ; لأنك كنت قد سميت مذكرا بمذكر . والطور : الجبل .

وفي معنى " سيناء " خمسة أقوال :

أحدها : أنه بمعنى الحسن ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . وقال الضحاك : " الطور " : الجبل بالسريانية ، و " سيناء " : الحسن بالنبطية . وقال عطاء : يريد : الجبل الحسن .

والثاني : أنه المبارك ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثالث : أنه اسم حجارة بعينها ، أضيف الجبل إليها لوجودها عنده ، قاله مجاهد .

والرابع : أن طور سيناء : الجبل المشجر ، قاله ابن السائب . [ ص: 467 ]

والخامس : أن سيناء : اسم المكان الذي به هذا الجبل ، قاله الزجاج . قال الواحدي : وهو أصح الأقوال . قال ابن زيد : وهذا هو الجبل الذي نودي منه موسى ، وهو بين مصر وأيلة .

قوله تعالى : " تنبت بالدهن " قرأ ابن كثير وأبو عمرو : ( تنبت ) برفع التاء وكسر الباء . وقرأ نافع ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي بفتح التاء وضم الباء . قال الفراء : وهما لغتان : نبتت وأنبتت ، وكذلك قال الزجاج : يقال : نبت الشجر وأنبت في معنى واحد ، قال زهير :


رأيت ذوي الحاجات حول بيوتهم قطينا لهم حتى إذا أنبت البقل


قال : ومعنى " تنبت بالدهن " : تنبت ومعها دهن ، كما تقول : جاءني زيد بالسيف ; أي : جاءني ومعه السيف . وقال أبو عبيدة : معنى الآية : تنبت الدهن ، والباء زائدة ، كقوله : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم [ الحج : 25 ] ، وقد بينا هذا المعنى هناك .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #402  
قديم 30-12-2022, 05:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
الحلقة (402)
صــ 468 إلى صــ 475




قوله تعالى : " وصبغ " وقرأ ابن مسعود ، وابن يعمر ، وإبراهيم النخعي ، [ ص: 468 ] والأعمش : ( وصبغا ) بالنصب . وقرأ ابن السميفع : ( وصباغ ) بألف مع الخفض . قال ابن قتيبة : الصبغ مثل الصباغ ، كما يقال : دبغ ودباغ ، ولبس ولباس . قال المفسرون : والمراد بالصبغ هاهنا : الزيت ; لأنه يلون الخبز إذا غمس فيه ، والمراد : أنه إدام يصبغ به .
وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون .

قوله تعالى : " وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم " وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : ( نسقيكم ) بفتح النون . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم بضمها . وقد شرحنا هذا في ( النحل : 66 ) إلى قوله تعالى : " ولكم فيها منافع كثيرة " يعني : في ظهورها وألبانها ، وأولادها ، وأصوافها وأشعارها ، " ومنها تأكلون " من لحومها وأولادها والكسب عليها .

قوله تعالى : " وعليها " يعني : الإبل خاصة ، " وعلى الفلك تحملون " فالإبل تحمل في البر ، والسفن تحمل في البحر .
ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنـزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين قال رب انصرني بما كذبون فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين [ ص: 469 ] وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين وقل رب أنـزلني منـزلا مباركا وأنت خير المنـزلين إن في ذلك لآيات وإن كنا لمبتلين ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين قال رب انصرني بما كذبون قال عما قليل ليصبحن نادمين فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين ثم أنشأنا من بعدهم . قرونا آخرين ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ثم أرسلنا رسلنا تترى كل ما جاء أمة رسولها كذبوه فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون .

قوله تعالى : " ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه " قال المفسرون : هذا تعزية [ ص: 470 ] لرسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر هذا الرسول الصابر ; ليتأسى به في صبره ، وليعلم أن الرسل قبله قد كذبوا .

قوله تعالى : " يريد أن يتفضل عليكم " ; أي : يعلوكم بالفضيلة فيصير متبوعا ، " ولو شاء الله " أن لا يعبد شيء سواه ; " لأنزل ملائكة " تبلغ عنه أمره لم يرسل بشرا ، " ما سمعنا بهذا " الذي يدعونا إليه نوح من التوحيد ، " في آبائنا الأولين " فأما الجنة فمعناها : الجنون .

وفي قوله : " حتى حين " قولان :

أحدهما : أنه الموت ، فتقديره : انتظروا موته . والثاني : أنه وقت منكر .

قوله تعالى : " قال رب انصرني " وقرأ عكرمة وابن محيصن : ( قال رب ) بضم الباء ، وفي القصة الأخرى [ المؤمنون : 39 ] .

قوله تعالى : " بما كذبون " وقرأ يعقوب : ( كذبوني ) بياء ، وفي القصة التي تليها أيضا : ( فاتقوني ) [ المؤمنون : 52 ] ، ( أن يحضروني ) [ المؤمنون : 98 ] ، ( رب ارجعوني ) [ المؤمنون : 99 ] ، ( ولا تكلموني ) [ المؤمنون : 108 ] ، أثبتهن في الحالين يعقوب ، والمعنى : انصرني بتكذيبهم ; أي : انصرني بإهلاكهم جزاء لهم بتكذيبهم . " فأوحينا إليه " قد شرحناه في ( هود : 37 ) إلى قوله : " فاسلك فيها " ; أي : ادخل في سفينتك ، " من كل زوجين اثنين " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم " ( من كل ) بكسر اللام من غير تنوين . وقرأ حفص عن عاصم : ( من كل ) بالتنوين . قال أبو علي : قراءة الجمهور إضافة " كل " إلى " زوجين " ، وقراءة حفص تئول إلى زوجين ; لأن المعنى : من كل الأزواج زوجين . [ ص: 471 ]

قوله تعالى : " وقل رب أنزلني منزلا " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم : ( منزلا ) بضم الميم . وروى أبو بكر عن عاصم فتحها . والمنزل بفتح الميم : اسم لكل ما نزلت به ، والمنزل بضمها : المصدر بمعنى الإنزال ، تقول : أنزلته إنزالا ومنزلا .

وفي الوقت الذي قال فيه نوح ذاك قولان :

أحدهما : عند نزوله في السفينة . والثاني : عند نزوله من السفينة .

قوله تعالى : " إن في ذلك " ; أي : في قصة نوح وقومه ، " لآيات وإن كنا " ; أي : وما كنا ، " لمبتلين " ; أي : لمختبرين إياهم بإرسال نوح إليهم . " ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين " يعني : عادا ، " فأرسلنا فيهم رسولا منهم " وهو هود ، هذا قول الأكثرين . وقال أبو سليمان الدمشقي : هم ثمود والرسول صالح . وما بعد هذا ظاهر إلى قوله : " أيعدكم أنكم " قال الزجاج : موضع " أنكم " نصب على معنى : أيعدكم [ أنكم ] مخرجون إذا متم ، فلما طال الكلام أعيد ذكر " أن " ، كقوله : ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم [ التوبة : 63 ] .

قوله تعالى : " هيهات هيهات " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ( هيهات هيهات ) بفتح التاء فيهما في الوصل وإسكانها في الوقف . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو مجلز ، وهارون عن أبي عمرو : ( هيهاتا هيهاتا ) بالنصب والتنوين . وقرأ ابن مسعود ، وعاصم الجحدري ، وأبو حيوة الحضرمي ، وابن السميفع : ( هيهات هيهات ) بالرفع والتنوين . وقرأ أبو العالية وقتادة : ( هيهات هيهات ) بالخفض والتنوين . وقرأ أبو جعفر : ( هيهات هيهات ) بالخفض من غير تنوين وكان يقف بالهاء . وقرأ أبو المتوكل ، [ ص: 472 ] الناجي ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة : ( هيهات هيهات ) بالرفع من غير تنوين . وقرأ معاذ القارئ ، وابن يعمر ، وأبو رجاء ، وخارجة عن أبي عمرو : ( هيهات هيهات ) بإسكان التاء فيهما . وفي " هيهات " عشر لغات قد ذكرنا منها سبعة عن القراء ، والثامنة : ( أيهات ) ، والتاسعة : ( أيهان ) بالنون ، والعاشرة : ( أيها ) بغير نون ، ذكرهن ابن القاسم ، وأنشد الأحوص في الجمع بين لغتين منهن :


تذكر أياما مضين من الصبا وهيهات هيهاتا إليك رجوعها


قال الزجاج : فأما الفتح فالوقف فيه بالهاء ، تقول : ( هيهاه ) إذا فتحت ووقفت بعد الفتح ، فإذا كسرت ووقفت على التاء كنت ممن ينون في الوصل ، أو كنت ممن لا ينون . وتأويل " هيهات " : البعد لما توعدون . وإذا قلت : ( هيهات ما قلت ) فمعناه : بعيد ما قلت . وإذا قلت : ( هيهات لما قلت ) فمعناه : البعد لما قلت . ويقال : ( أيهات ) في معنى ( هيهات ) ، وأنشدوا :


وأيهات أيهات العقيق ومن به وأيهات وصل بالعقيق نواصله


قال أبو عمرو بن العلاء : إذا وقفت على ( هيهات ) فقل : ( هيهاه ) . وقال الفراء : الكسائي يختار الوقف بالهاء ، وأنا أختار التاء .

قوله تعالى : " لما توعدون " قرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة : ( ما توعدون ) بغير لام . قال المفسرون : استبعد القوم بعثهم بعد الموت ; إغفالا منهم للتفكر في بدو أمرهم وقدرة الله على إيجادهم ، وأرادوا بهذا الاستبعاد أنه لا يكون أبدا . " إن هي إلا حياتنا الدنيا " يعنون : ما الحياة إلا ما نحن فيه ، وليس بعد الموت حياة . [ ص: 473 ]

فإن قيل : كيف قالوا : " نموت ونحيا " وهم لا يقرون بالبعث ؟

فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها الزجاج :

أحدها : نموت ويحيا أولادنا ، فكأنهم قالوا : يموت قوم ويحيا قوم .

والثاني : نحيا ونموت ; لأن الواو للجمع لا للترتيب .

والثالث : ابتداؤنا موات في أصل الخلقة ، ثم نحيا ، ثم نموت .

قوله تعالى : " إن هو " يعنون : الرسول . وقد سبق تفسير ما بعد هذا [ هود : 7 ، النحل : 38 ] إلى قوله : " قال عما قليل " قال الزجاج : معناه : عن قليل ، و " ما " زائدة بمعنى التوكيد .

قوله تعالى : " ليصبحن نادمين " ; أي : على كفرهم ، " فأخذتهم الصيحة بالحق " ; أي : باستحقاقهم العذاب بكفرهم . قال المفسرون : صاح بهم جبريل صيحة رجفت لها الأرض من تحتهم ، فصاروا لشدتها غثاء . قال أبو عبيدة : الغثاء : ما أشبه الزبد ، وما ارتفع على السيل ، ونحو ذلك مما لا ينتفع به في شيء . وقال ابن قتيبة : المعنى : فجعلناهم هلكى كالغثاء ، وهو ما علا السيل من الزبد والقمش ; لأنه يذهب ويتفرق . وقال الزجاج : الغثاء : الهالك والبالي من ورق الشجر الذي إذا جرى السيل رأيته مخالطا زبده . وما بعد هذا قد سبق شرحه [ الحجر : 5 ] إلى قوله تعالى : " ثم أرسلنا رسلنا تترى " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر : ( تترى كلما ) منونة والوقف بالألف . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي بلا تنوين ، والوقف عند نافع وابن عامر بألف . وروى هبيرة وحفص عن عاصم أنه يقف بالياء . قال أبو علي : يعني بقوله : يقف بالياء : [ ص: 474 ] أي : بألف ممالة . قال الفراء : أكثر العرب على ترك التنوين ، ومنهم من نون . قال ابن قتيبة : والمعنى : نتابع بفترة بين كل رسولين ، وهو من التواتر ، والأصل : وترى ، فقلبت الواو تاء كما قلبوها في التقوى والتخمة . وحكى الزجاج عن الأصمعي أنه قال : معنى واترت الخبر : أتبعت بعضه بعضا ، وبين الخبرين هنية . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي ، قال : ومما تضعه العامة غير موضعه قولهم : تواترت كتبي إليك ، يعنون : اتصلت من غير انقطاع ، فيضعون التواتر في موضع الاتصال ، وذلك غلط ، إنما التواتر : مجيء الشيء ثم انقطاعه ثم مجيئه ، وهو التفاعل من الوتر ، وهو الفرد ، يقال : واترت الخبر : أتبعت بعضه بعضا وبين الخبرين هنيهة . قال الله تعالى : " ثم أرسلنا رسلنا تترى " أصلها : ( وترى ) من المواترة ، فأبدلت التاء من الواو ، ومعناه : منقطعة متفاوتة ; لأن بين كل نبيين دهرا طويلا . وقال أبو هريرة : لا بأس بقضاء رمضان تترى ; أي : منقطعا . فإذا قيل : واتر فلان كتبه ، فالمعنى : تابعها وبين كل كتابين فترة .

قوله تعالى : " فأتبعنا بعضهم بعضا " ; أي : أهلكنا الأمم بعضهم في إثر بعض ، " وجعلناهم أحاديث " قال أبو عبيدة : أي : يتمثل بهم في الشر ، ولا يقال في الخير : جعلته حديثا .
ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون فكذبوهما فكانوا من المهلكين . [ ص: 475 ]

قوله تعالى : " فاستكبروا " ; أي : عن الإيمان بالله وعبادته ، " وكانوا قوما عالين " ; أي : قاهرين للناس بالبغي والتطاول عليهم .

قوله تعالى : " وقومهما لنا عابدون " ; أي : مطيعون . قال أبو عبيدة : كل من دان لملك فهو عابد له .
ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين .

قوله تعالى : " ولقد آتينا موسى الكتاب " يعني : التوراة ، أعطيها جملة واحدة بعد غرق فرعون ، " لعلهم " يعني : بني إسرائيل ، والمعنى : لكي يهتدوا .

قوله تعالى : " وجعلنا ابن مريم وأمه آية " وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة : ( آيتين ) على التثنية ، وهذا كقوله : وجعلناها وابنها آية [ الأنبياء : 91 ] ، وقد سبق شرحه .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #403  
قديم 30-12-2022, 05:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
الحلقة (403)
صــ 476 إلى صــ 483



قوله تعالى : " وآويناهما " ; أي : جعلناهما يأويان ، " إلى ربوة " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : ( ربوة ) بضم الراء . وقرأ عاصم وابن عامر بفتحها . وقد شرحنا معنى الربوة في ( البقرة : 265 ) . ( ذات قرار ) ; أي : مستوية يستقر عليها ساكنوها ، والمعنى : ذات موضع قرار . وقال الزجاج : أي : ذات مستقر . " ومعين " وهو الماء الجاري من العيون . وقال ابن قتيبة : " ذات قرار " ; أي : يستقر بها للعمارة ، " ومعين " : هو الماء الظاهر ، [ ص: 476 ] ويقال : هو مفعول من العين ، كأن أصله معيون ، كما يقال : ثوب مخيط ، وبر مكيل .

واختلف المفسرون في موضع هذه الربوة الموصوفة على أربعة أقوال :

أحدها : أنها دمشق ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال عبد الله بن سلام وسعيد بن المسيب .

والثاني : أنها بيت المقدس ، رواه عطاء عن ابن عباس ، وبه قال قتادة ، وعن الحسن كالقولين .

والثالث : أنها الرملة من أرض فلسطين ، قاله أبو هريرة .

والرابع : مصر ، قاله وهب بن منبه ، وابن زيد ، وابن السائب .

فأما السبب الذي لأجله أويا إلى الربوة ، فقال أبو صالح عن ابن عباس : فرت مريم بابنها عيسى من ملكهم ، ثم رجعت إلى أهلها بعد اثنتي عشرة سنة . قال وهب بن منبه : وكان الملك أراد قتل عيسى . [ ص: 477 ]
يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون فذرهم في غمرتهم حتى حين أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون .

قوله تعالى : " يا أيها الرسل " قال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وقتادة في آخرين : يعني بالرسل هاهنا : محمدا صلى الله عليه وسلم وحده ، وهو مذهب العرب في مخاطبة الواحد خطاب الجميع ، ويتضمن هذا أن الرسل جميعا كذا أمروا ، وإلى هذا المعنى ذهب ابن قتيبة والزجاج ، والمراد بالطيبات : الحلال . قال عمرو بن شرحبيل : كان عيسى عليه السلام يأكل من غزل أمه . [ ص: 478 ]

قوله تعالى : " وإن هذه أمتكم " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : ( وأن ) بالفتح وتشديد النون . وافق ابن عامر في فتح الألف ، لكنه سكن النون . وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي : ( وإن ) بكسر الألف وتشديد النون . قال الفراء : من فتح عطف على قوله : " إني بما تعملون عليم " ، وبأن هذه أمتكم ، فموضعها خفص ; لأنها مردودة على " ما " ، وإن شئت كانت منصوبة بفعل مضمر ، كأنك قلت : واعلموا هذا ، ومن كسر استأنف . قال أبو علي الفارسي : وأما ابن عامر فإنه خفف النون المشددة ، وإذا خففت تعلق بها ما يتعلق بالمشددة . وقد شرحنا معنى الآية والتي بعدها في ( الأنبياء : 92 ) إلى قوله : " زبرا " وقرأ ابن عباس وأبو عمران الجوني : ( زبرا ) برفع الزاي وفتح الباء . وقرأ أبو الجوزاء وابن السميفع : ( زبرا ) برفع الزاي وإسكان الباء . قال الزجاج : من قرأ : ( زبرا ) بضم الباء ، فتأويله : جعلوا دينهم كتبا مختلفة ، جمع زبور . ومن قرأ : ( زبرا ) بفتح الباء ، أراد : قطعا .

قوله تعالى : " كل حزب بما لديهم فرحون " ; أي : بما عندهم من الدين الذي ابتدعوه معجبون ، يرون أنهم على الحق .

وفي المشار إليهم قولان :

أحدهما : أنهم أهل الكتاب ، قاله مجاهد .

والثاني : أنهم أهل الكتاب ومشركو العرب ، قاله ابن السائب . [ ص: 479 ]

قوله تعالى : " فذرهم في غمرتهم " وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب : ( في غمراتهم ) على الجمع . قال الزجاج : في عمايتهم وحيرتهم . " حتى حين " ; أي : إلى حين يأتيهم ما وعدوا به من العذاب . قال مقاتل : يعني : كفار مكة .

فصل

وهل هذه الآية منسوخة أم لا ؟ فيها قولان :

أحدهما : أنها منسوخة بآية السيف . والثاني : أن معناها التهديد فهي محكمة .

قوله تعالى : " أيحسبون أنما نمدهم به " وقرأ عكرمة وأبو الجوزاء : ( يمدهم ) بالياء المرفوعة وكسر الميم . وقرأ أبو عمران الجوني : ( نمدهم ) بنون مفتوحة ورفع الميم . قال الزجاج : المعنى : أيحسبون أن الذي نمدهم به " من مال وبنين " مجازاة لهم ؟ إنما هو استدراج . " نسارع لهم في الخيرات " ; أي : نسارع لهم به في الخيرات . وقرأ ابن عباس ، وعكرمة ، وأيوب السختياني : ( يسارع ) بياء مرفوعة وكسر الراء . وقرأ معاذ القارئ وأبو المتوكل مثله ، إلا أنهما فتحا الراء . وقرأ أبو عمران الجوني ، وعاصم الجحدري ، وابن السميفع : ( يسرع ) بياء مرفوعة وسكون السين ونصب الراء من غير ألف .

قوله تعالى : " بل لا يشعرون " ; أي : لا يعلمون أن ذلك استدراج لهم .
إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون . [ ص: 480 ]

ثم ذكر المؤمنين فقال : " إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون " وقد شرحنا هذا المعنى في قوله : وهم من خشيته مشفقون [ الأنبياء : 28 ] .

قوله تعالى : " والذين يؤتون ما آتوا " وقرأ عاصم الجحدري : ( يأتون ما أتوا ) بقصر همزة ( أتوا ) . وسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية ، فقالت : يا رسول الله ; أهم الذين يذنبون وهم مشفقون ؟ فقال : " لا ، بل هم الذين يصلون وهم مشفقون ، ويصومون وهم مشفقون ، ويتصدقون وهم مشفقون أن لا يتقبل منهم " . قال الزجاج : فمعنى " يؤتون " : يعطون ما أعطوا وهم يخافون أن لا يتقبل منهم . " أنهم إلى ربهم راجعون " ; أي : لأنهم يوقنون أنهم يرجعون . ومعنى " يأتون " : يعملون الخيرات وقلوبهم خائفة أن يكونوا مع اجتهادهم مقصرين . " أولئك يسارعون في الخيرات " وقرأ أبو المتوكل وابن السميفع : ( يسرعون ) برفع الياء وإسكان السين وكسر الراء من غير ألف . قال الزجاج : يقال : أسرعت وسارعت في معنى واحد ، إلا أن سارعت أبلغ من أسرعت . " وهم لها " ; أي : من أجلها ، وهذا كما تقول : أنا أكرم فلانا لك ; أي : من أجلك . وقال بعض أهل العلم : الوجل المذكور هاهنا واقع على مضمر . [ ص: 481 ]


ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون مستكبرين به سامرا تهجرون .

قوله تعالى : " ولدينا كتاب " يعني : اللوح المحفوظ . " ينطق بالحق " قد أثبت فيه أعمال الخلق فهو ينطق بما يعملون ، " وهم لا يظلمون " ; أي : لا ينقصون من ثواب أعمالهم . ثم عاد إلى الكفار فقال : " بل قلوبهم في غمرة من هذا " قال مقاتل : في غفلة عن الإيمان بالقرآن . وقال ابن جرير : في عمى عن هذا القرآن . قال الزجاج : يجوز أن يكون إشارة إلى ما وصف من أعمال البر في قوله : " أولئك يسارعون في الخيرات " ، فيكون المعنى : بل قلوب هؤلاء في عماية من هذا ، ويجوز أن يكون إشارة إلى الكتاب ، فيكون المعنى : بل قلوبهم في غمرة من الكتاب الذي ينطق بالحق وأعمالهم محصاة فيه .

فخرج في المشار إليه بـ " هذا " ثلاثة أقوال :

أحدها : القرآن . والثاني : أعمال البر . والثالث : اللوح المحفوظ .

قوله تعالى : " ولهم أعمال من دون ذلك " فيه أربعة أقوال :

أحدها : أعمال سيئة دون الشرك ، رواه عكرمة عن ابن عباس .

والثاني : خطايا سيئة من دون ذلك الحق ، قاله مجاهد . وقال ابن جرير : من دون أعمال المؤمنين وأهل التقوى والخشية . [ ص: 482 ]

والثالث : أعمال غير الأعمال التي ذكروا بها سيعملونها ، قاله الزجاج .

والرابع : أعمال - من قبل الحين الذي قدر الله تعالى أنه يعذبهم عند مجيئه - من المعاصي ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى : " هم لها عاملون " إخبار بما سيعملونه من أعمالهم الخبيثة التي كتبت عليهم لا بد لهم من عملها .

قوله تعالى : " حتى إذا أخذنا مترفيهم " ; أي : أغنياءهم ورؤساءهم ، والإشارة إلى قريش . وفي المراد " بالعذاب " قولان :

أحدهما : ضرب السيوف يوم بدر ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك .

والثاني : الجوع الذي عذبوا به سبع سنين ، قاله ابن السائب . و " يجأرون " بمعنى : يصيحون . " لا تجأروا اليوم " ; أي : لا تستغيثوا من العذاب ، " إنكم منا لا تنصرون " ; أي : لا تمنعون من عذابنا . " قد كانت آياتي تتلى عليكم " يعني : القرآن ، " فكنتم على أعقابكم تنكصون " ; أي : ترجعون وتتأخرون عن الإيمان بها ، " مستكبرين " منصوب على الحال . وقوله : " به " الكناية عن البيت الحرام ، وهي كناية عن غير مذكور ، والمعنى : إنكم تستكبرون وتفتخرون بالبيت والحرم ; لأمنكم فيه مع خوف سائر الناس في مواطنهم . تقولون : نحن أهل الحرم فلا نخاف أحدا ، ونحن أهل بيت الله وولاته ، هذا مذهب ابن عباس وغيره . قال الزجاج : ويجوز أن تكون الهاء في " به " للكتاب ، فيكون المعنى : تحدث لكم تلاوته عليكم استكبارا .

قوله تعالى : " سامرا " قال أبو عبيدة : معناه : تهجرون سمارا ، والسامر بمعنى السمار ، بمنزلة طفل في موضع أطفال ، وهو من سمر الليل . وقال [ ص: 483 ] ابن قتيبة : " سامرا " ; أي : متحدثين ليلا ، والسمر : حديث الليل . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو العالية ، وابن محيصن : ( سمرا ) بضم السين وتشديد الميم وفتحها ، جمع سامر . وقرأ ابن مسعود ، وأبو رجاء ، وعاصم الجحدري : ( سمارا ) برفع السين وتشديد الميم وألف بعدها .

قوله تعالى : " تهجرون " قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، والكسائي : ( تهجرون ) بفتح التاء وضم الجيم . وفي معناها أربعة أقوال :

أحدها : تهجرون ذكر الله والحق ، رواه العوفي عن ابن عباس .

والثاني : تهجرون كتاب الله تعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم ، قاله الحسن .

والثالث : تهجرون البيت ، قاله أبو صالح . وقال سعيد بن جبير : كانت قريش تسمر حول البيت ، وتفتخر به ولا تطوف به .

والرابع : تقولون هجرا من القول ، وهو اللغو والهذيان ، قاله ابن قتيبة . قال الفراء : يقال : قد هجر الرجل في منامه : إذا هذى ، والمعنى : إنكم تقولون في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس فيه وما لا يضره .

وقرأ ابن عباس ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، وابن محيصن ، ونافع : ( تهجرون ) بضم التاء وكسر الجيم . قال ابن قتيبة : وهذا من الهجر ، وهو السب والإفحاش من المنطق ، يريد : سبهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه . وقرأ أبو العالية ، وعكرمة ، وعاصم الجحدري ، وأبو نهيك : ( تهجرون ) بتشديد الجيم ورفع التاء . قال ابن الأنباري : ومعناها معنى قراءة ابن عباس . [ ص: 484 ]



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #404  
قديم 30-12-2022, 10:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء الخامس

سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ
الحلقة (404)
صــ 484 إلى صــ 494




أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون .

قوله تعالى : " أفلم يدبروا القول " يعني : القرآن ، فيعرفوا ما فيه من الدلالات والعبر على صدق رسولهم . " أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين " المعنى : أليس قد أرسل الأنبياء إلى أممهم كما أرسل محمد صلى الله عليه وسلم ؟ " أم لم يعرفوا رسولهم " هذا توبيخ لهم ; لأنهم عرفوا نسبه وصدقه وأمانته ، صغيرا وكبيرا ، ثم أعرضوا عنه . والجنة : الجنون ، " بل جاءهم بالحق " يعني : القرآن .
ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم .

قوله تعالى : " ولو اتبع الحق أهواءهم " في المراد بالحق قولان :

أحدهما : أنه الله عز وجل ، قاله مجاهد ، وابن جريج ، والسدي في آخرين .

والثاني : أنه القرآن ، ذكره الفراء والزجاج . فعلى القول الأول يكون المعنى : لو جعل الله لنفسه شريكا كما يحبون . وعلى الثاني : لو نزل القرآن بما يحبون من جعل شريك لله . لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل أتيناهم بذكرهم ; أي : بما فيه شرفهم وفخرهم ، وهو القرآن . " فهم عن ذكرهم معرضون " ; أي : قد تولوا عما جاءهم من شرف الدنيا والآخرة . وقرأ ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وأبو رجاء ، وأبو الجوزاء : ( بل أتيناهم بذكراهم فهم عن ذكراهم معرضون ) بألف فيهما . " أم تسألهم " عما جئتهم به ، " خرجا " [ ص: 485 ] قرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم : ( خرجا ) بغير ألف ، [ ( فخراج ) بألف ] . وقرأ ابن عامر : ( خرجا فخرج ) بغير ألف في الحرفين . وقرأ حمزة والكسائي : ( خراجا ) بألف ، ( فخراج ) بألف في الحرفين . ومعنى " خرجا " : أجرا ومالا . " فخراج ربك " ; أي : فما يعطيك ربك من أجره وثوابه ، " خير وهو خير الرازقين " ; أي : أفضل من أعطى ، وهذا على سبيل التنبيه لهم أنه لم يسألهم أجرا ، لا أنه قد سألهم . والناكب : العادل ، يقال : نكب عن الطريق ; أي : عدل عنه .
وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون .

قوله تعالى : " ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر " قال ابن عباس : الضر هاهنا : الجوع الذي نزل بأهل مكة حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " اللهم أعني على قريش بسنين كسني يوسف " ، فجاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشكا إليه الضر وأنهم قد أكلوا القد والعظام ، فنزلت هذه الآية والتي بعدها ، وهو العذاب المذكور في قوله : " ولقد أخذناهم بالعذاب " .

قوله تعالى : " حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد " فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه يوم بدر ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . [ ص: 486 ]

والثاني : أنه الجوع الذي أصابهم ، قاله مقاتل .

والثالث : باب من عذاب جهنم في الآخرة ، حكاه الماوردي .

قوله تعالى : " إذا هم فيه مبلسون " وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ، وأبو المتوكل ، وأبو نهيك ، ومعاذ القارئ : ( مبلسون ) بفتح اللام . وقد شرحنا معنى المبلس في ( الأنعام : 45 ) .
وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون بل قالوا مثل ما قال الأولون قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون .

قوله تعالى : " قليلا ما تشكرون " قال المفسرون : يريد : أنهم لا يشكرون أصلا .

قوله تعالى : " ذرأكم في الأرض " ; أي : خلقكم من الأرض .

قوله تعالى : " وله اختلاف الليل والنهار " ; أي : هو الذي جعلهما مختلفين يتعاقبان ويختلفان في السواد والبياض . " أفلا تعقلون " ما ترون من صنعه ؟ وما بعد هذا ظاهر إلى قوله : " قل لمن الأرض " ; أي : قل لأهل مكة المكذبين بالبعث : لمن الأرض ، " ومن فيها " من الخلق ، " إن كنتم تعلمون " بحالها ، " سيقولون لله " قرأ أبو عمرو : ( لله ) بغير ألف هاهنا وفي اللذين بعدها بألف . وقرأ الباقون : ( لله ) في المواضع الثلاثة . وقراءة أبي عمرو على القياس . قال الزجاج : ومن قرأ : ( سيقولون الله ) فهو جواب السؤال ، ومن قرأ : ( لله ) فجيد أيضا ; لأنك [ ص: 487 ] إذا قلت : من صاحب هذه الدار ؟ فقيل : لزيد ، جاز ; لأن معنى ( من صاحب هذه الدار ؟ ) : لمن هي . وقال أبو علي الفارسي : من قرأ : ( لله ) في الموضعين الآخرين ، فقد أجاب على المعنى دون ما يقتضيه اللفظ . وقرأ سعيد بن جبير ، وأبو المتوكل ، وأبو الجوزاء : ( سيقولون الله ) ( الله ) ( الله ) بألف فيهن كلهن . قال أبو علي الأهوازي : وهو في مصاحف أهل البصرة بألف فيهن .
قوله تعالى : " قل أفلا تذكرون " فتعلمون أن من قدر على خلق ذلك ابتداء ، أقدر على إحياء الأموات .
قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون .

قوله تعالى : " أفلا تتقون " فيه قولان :

أحدهما : تتقون عبادة غيره . والثاني : تخشون عذابه . فأما الملكوت فقد شرحناه في ( الأنعام : 75 ) .

قوله تعالى : " وهو يجير ولا يجار عليه " ; أي : يمنع [ من ] السوء من شاء ، ولا يمنع منه من أراده بسوء ، يقال : أجرت فلانا ; أي : حميته ، وأجرت عليه ; أي : حميت عنه .
قوله تعالى : " فأنى تسحرون " قال ابن قتيبة : أنى تخدعون وتصرفون عن هذا ؟
بل أتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا [ ص: 488 ] بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون .

قوله تعالى : " بل أتيناهم بالحق " ; أي : بالتوحيد والقرآن ، " وإنهم لكاذبون " فيما يضيفون إلى الله من الولد والشريك ، ثم نفاهما عنه بما بعد هذا إلى قوله : " إذا لذهب كل إله بما خلق " ; أي : لانفرد بخلقه ولم يرض أن يضاف خلقه وإنعامه إلى غيره ، ولمنع الإله الآخر عن الاستيلاء على ما خلق ، " ولعلا بعضهم على بعض " ; أي : غلب بعضهم بعضا .

قوله تعالى : " عالم الغيب " قرأ ابن كثير وأبو [ عمرو ، وابن ] عامر ، وحفص عن عاصم : ( عالم ) بالخفض . وقرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : ( عالم ) بالرفع . قال الأخفش : الجر أجود ; ليكون الكلام من وجه واحد ، والرفع على أن يكون خبر ابتداء محذوف ، ويقويه أن الكلام الأول قد انقطع .
قل رب إما تريني ما يوعدون رب فلا تجعلني في القوم الظالمين وإنا على أن نريك ما نعدهم لقادرون ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون .

قوله تعالى : " إما تريني " وقرأ أبو عمران الجوني والضحاك : ( ترئني ) بالهمز بين الراء والنون من غير ياء والمعنى : إن أريتني ما يوعدون من القتل والعذاب ، فاجعلني خارجا عنهم ولا تهلكني بهلاكهم ، فأراه الله تعالى ما وعدهم ببدر وغيرها ، ونجاه ومن معه .

قوله تعالى : " ادفع بالتي هي أحسن السيئة " فيه أربعة أقوال : [ ص: 489 ]

أحدها : ادفع إساءة المسيء بالصفح ، قاله الحسن .

والثاني : ادفع الفحش بالسلام ، قاله عطاء والضحاك .

والثالث : ادفع الشرك بالتوحيد ، قاله ابن السائب .

والرابع : ادفع المنكر بالموعظة ، حكاه الماوردي . وذكر بعض المفسرين أن هذا منسوخ بآية السيف .

قوله تعالى : " نحن أعلم بما يصفون " ; أي : بما يقولون من الشرك والتكذيب ، والمعنى : إنا نجازيهم على ذلك . " وقل رب أعوذ " ; أي : ألجأ وأمتنع ، " بك من همزات الشياطين " قال ابن قتيبة : هو نخسها وطعنها ، ومنه قيل للعائب : همزة ، كأنه يطعن وينخس إذا عاب . وقال ابن فارس : الهمز كالعصر ، يقال : همزت الشيء في كفي ، ومنه الهمز في الكلام ; لأنه كأنه يضغط الحرف . وقال غيره : الهمز في اللغة : الدفع ، وهمزات الشياطين : دفعهم بالإغواء إلى المعاصي .

قوله تعالى : " أن يحضرون " ; أي : أن يشهدون ، والمعنى : أن يصيبوني بسوء ; لأن الشيطان لا يحضر ابن آدم إلا بسوء . ثم أخبر أن هؤلاء الكفار المنكرين للبعث يسألون الرجعة إلى الدنيا عند الموت بالآية التي تلي هذه ، وقيل : هذا السؤال منهم للملائكة الذين يقبضون أرواحهم .
فإن قيل : كيف قال : " ارجعون " وهو يريد : ارجعني ؟
فالجواب : أن هذا اللفظ تعرفه العرب للعظيم الشأن ، وذلك أنه يخبر عن نفسه [ فيه ] بما تخبر به الجماعة ، كقوله : إنا نحن نحيي ونميت [ ق : 43 ] ، فجاء خطابه كإخباره عن نفسه ، هذا قول الزجاج . [ ص: 490 ]
حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون .

قوله تعالى : " لعلي أعمل صالحا فيما تركت " قال ابن عباس : فيما مضى من عمري . وقال مقاتل : فيما تركت من العمل الصالح .

قوله تعالى : " كلا " ; أي : لا يرجع إلى الدنيا ، " إنها " يعني : مسألته الرجعة ، " كلمة هو قائلها " ; أي : هو كلام لا فائدة له فيه . " ومن ورائهم " ; أي : أمامهم وبين أيديهم ، " برزخ " قال ابن قتيبة : البرزخ : ما بين الدنيا والآخرة ، وكل شيء بين شيئين فهو برزخ . وقال الزجاج : البرزخ في اللغة : الحاجز ، وهو هاهنا ما بين موت الميت وبعثه .

قوله تعالى : " فإذا نفخ في الصور " في هذه النفخة قولان :

أحدهما : أنها النفخة الأولى ، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثاني : أنها الثانية ، رواه عطاء عن ابن عباس .

قوله تعالى : " فلا أنساب بينهم " في الكلام محذوف ، تقديره : لا أنساب بينهم يومئذ يتفاخرون بها أو يتقاطعون بها ; لأن الأنساب لا تنقطع يومئذ ، إنما يرفع التواصل والتفاخر بها .

وفي قوله : " ولا يتساءلون " ثلاثة أقوال : [ ص: 491 ]

أحدها : لا يتساءلون بالأنساب أن يترك بعضهم لبعض حقه .

والثاني : لا يسأل بعضهم بعضا عن شأنه لاشتغال كل واحد بنفسه .

والثالث : لا يسأل بعضهم بعضا من أي قبيل أنت ، كما تفعل العرب لتعرف النسب فتعرف قدر الرجل . وما بعد هذا قد سبق تفسيره [ الأعراف : 8 ] إلى قوله : " تلفح وجوههم النار " قال الزجاج : تلفح وتنفح بمعنى واحد ، إلا أن اللفح أعظم تأثيرا . والكالح : الذي قد تشمرت شفته عن أسنانه ، نحو ما ترى [ من ] رءوس الغنم إذا برزت الأسنان وتشمرت الشفاه . وقال ابن مسعود : قد بدت أسنانهم وتقلصت شفاههم كالرأس المشيط بالنار . وروى أبو عبد الله الحاكم في " صحيحه " من حديث أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في هذه الآية : " تشويه النار فتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه ، وتسترخي شفته السفلى حتى تبلغ سرته " .
ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسئوا فيها ولا تكلمون إنه كان فريق من عبادي يقولون ربنا آمنا فاغفر لنا [ ص: 492 ] وارحمنا وأنت خير الراحمين فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون .

قوله تعالى : " ألم تكن " المعنى : ويقال لهم : ألم تكن ، " آياتي تتلى عليكم " ، يعني : القرآن . " قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا " قرأ ابن كثير ، وعاصم ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : ( شقوتنا ) بكسر الشين من غير ألف . وقرأ عمرو بن العاص ، وأبو رزين العقيلي ، وأبو رجاء العطاردي كذلك ، إلا أنه بفتح الشين . وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو عبد الرحمن السلمي ، والحسن ، والأعمش ، وحمزة ، والكسائي : ( شقاوتنا ) بألف مع فتح الشين والقاف . وعن الحسن وقتادة كذلك ، إلا أن الشين مكسورة . قال المفسرون : أقر القوم بأن ما كتب عليهم من الشقاء منعهم الهدى .

قوله تعالى : " ربنا أخرجنا منها " ; أي : من النار . قال ابن عباس : طلبوا الرجوع إلى الدنيا . " فإن عدنا " ; أي : إلى الكفر والمعاصي .

قوله تعالى : " اخسئوا " قال الزجاج : تباعدوا تباعد سخط ، يقال : خسأت الكلب أخسؤه : إذا زجرته ليتباعد .

قوله تعالى : " ولا تكلمون " ; أي : في رفع العذاب عنكم . قال عبد الله بن عمرو : إن أهل جهنم يدعون مالكا أربعين عاما فلا يجيبهم ، ثم يقول : إنكم ماكثون [ الزخرف : 77 ] ، ثم ينادون ربهم " ربنا أخرجنا منها " فيدعهم مثل عمر الدنيا ، ثم يقول : " إنكم ماكثون " ، ثم ينادون ربهم " ربنا أخرجنا منها " فيدعهم مثل عمر الدنيا ، ثم يرد عليهم " اخسئوا فيها ولا تكلمون " فما ينبس القوم بعد ذلك بكلمة ، إن كان إلا الزفير والشهيق . [ ص: 493 ]

ثم بين الذي لأجله أخسأهم بقوله : " إنه " . وقرأ ابن مسعود ، وأبو عمران الجوني ، وعاصم الجحدري : ( أنه ) بفتح الهمزة . " كان فريق من عبادي " قال ابن عباس : يريد : المهاجرين .

قوله تعالى : " فاتخذتموهم " قال الزجاج : الأجود إدغام الذال في التاء لقرب المخرجين ، وإن شئت أظهرت ; لأن الذال من كلمة والتاء من كلمة ، وبين الذال والتاء في المخرج شيء من التباعد .

قوله تعالى : " سخريا " قرأ نافع ، وحمزة ، والكسائي ، وأبو حاتم عن يعقوب : ( سخريا ) بضم السين هاهنا وفي ( ص : 63 ) ، تابعهم المفضل في ( ص : 32 ) . وقرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم ، وابن عامر بكسر السين في السورتين . ولم يختلف في ضم السين في الحرف الذي في ( الزخرف : 32 ) . واختار الفراء الضم ، والزجاج الكسر . وهل هما بمعنى ؟ فيه قولان :

أحدهما : أنهما لغتان ومعناهما واحد ، قاله الخليل وسيبويه ، ومثله قول العرب : بحر لجي ولجي ، وكوكب دري ودري .

والثاني : أن الكسر بمعنى الهمز ، والضم بمعنى السخرة والاستعباد ، قاله أبو عبيدة ، وحكاه الفراء ، وهو مروي عن الحسن وقتادة .

قال أبو علي : قراءة من كسر أرجح من قراءة من ضم ; لأنه من الهزء ، والأكثر في الهزء كسر السين . قال مقاتل : كان رءوس كفار قريش ، كأبي جهل ، وعقبة ، [ والوليد ] ، قد اتخذوا فقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كعمار ، وبلال ، وخباب ، وصهيب ، سخريا يستهزئون بهم ويضحكون منهم . [ ص: 494 ]

قوله تعالى : " حتى أنسوكم ذكري " ; أي : أنساكم الاشتغال بالاستهزاء بهم ذكري ، فنسب الفعل إلى المؤمنين وإن لم يفعلوه ; لأنهم كانوا السبب في وجوده ، كقوله : إنهن أضللن كثيرا من الناس [ إبراهيم : 36 ] .

قوله تعالى : " إني جزيتهم اليوم بما صبروا " ; أي : على أذاكم واستهزائكم . " أنهم " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر : ( أنهم ) بفتح الألف . وقرأ حمزة والكسائي : ( إنهم ) بكسرها . فمن فتح ( أنهم ) فالمعنى : جزيتهم بصبرهم الفوز ، ومن كسر ( إنهم ) استأنف .
قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين .

قوله تعالى : " قال كم لبثتم " قرأ نافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر : ( قال كم لبثتم ) ، وهذا سؤال الله تعالى للكافرين . وفي وقته قولان :

أحدهما : أنه يسألهم يوم البعث .

والثاني : بعد حصولهم في النار .

وقرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي : ( قل كم لبثتم ) وفيها قولان :

أحدهما : أنه خطاب لكل واحد منهم ، والمعنى : قل يا أيها الكافر .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #405  
قديم 30-12-2022, 10:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ النُّورِ
الحلقة (405)
صــ 3 إلى صــ 10




[ ص: 495 ]

والثاني : أن المعنى : قولوا ، فأخرجه مخرج الأمر للواحد ، والمراد الجماعة ; لأن المعنى مفهوم . وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي يدغمون ثاء ( لبثتم ) ، والباقون لا يدغمونها . فمن أدغم فلتقارب مخرج الثاء والتاء ، ومن لم يدغم فلتباين المخرجين .

وفي المراد بالأرض قولان : أحدهما : أنها القبور . والثاني : الدنيا . فاحتقر القوم ما لبثوا لما عاينوا من الأهوال والعذاب ، فقالوا : " لبثنا يوما أو بعض يوم " قال الفراء : والمعنى : لا ندري كم لبثنا .

وفي المراد بالعادين قولان :

أحدهما : الملائكة ، قاله مجاهد .

والثاني : الحساب ، قاله قتادة . وقرأ الحسن ، والزهري ، وأبو عمران الجوني ، وابن يعمر : ( العادين ) بتخفيف الدال .

قوله تعالى : " قال إن لبثتم " قرأ ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو ، وابن عامر : ( قال إن لبثتم ) . وقرأ حمزة والكسائي : ( قل إن لبثتم ) على معنى : قل أيها السائل عن لبثهم . وزعموا أن في مصحف أهل الكوفة : ( قل ) في الموضعين ، فقرأهما حمزة والكسائي على ما في مصاحفهم ; أي : ما لبثتم في الأرض ، " إلا قليلا " ; لأن مكثهم في الأرض وإن طال ، فإنه متناه ، ومكثهم في النار لا يتناهى .

وفي قوله : " لو أنكم كنتم تعلمون " قولان :

أحدهما : لو علمتم قدر لبثكم في الأرض .

والثاني : لو علمتم أنكم إلى الله ترجعون فعملتم لذلك .

قوله تعالى : " أفحسبتم " ; أي : أفظننتم . " أنما خلقناكم عبثا " ; أي : [ ص: 496 ] للعبث . والعبث في اللغة : اللعب ، وقيل : هو الفعل لا لغرض صحيح . " وأنكم إلينا لا ترجعون " قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وعاصم : ( لا ترجعون ) بضم التاء . وقرأ حمزة والكسائي بفتحها . " فتعالى الله " عما يصفه به الجاهلون من الشرك والولد . " الملك " قال الخطابي : هو التام الملك الجامع لأصناف المملوكات . وأما المالك : فهو الخالص الملك . وقد ذكرنا معنى " الحق " في ( يونس : 32 ) .

قوله تعالى : " رب العرش الكريم " والكريم في صفة الجماد بمعنى : الحسن . وقرأ ابن محيصن : ( الكريم ) برفع الميم ، يعني : الله عز وجل .

قوله تعالى : " لا برهان له به " ; أي : لا حجة له به ولا دليل . وقال بعضهم : معناه : فلا برهان له به .

قوله تعالى : " فإنما حسابه عند ربه " ; أي : جزاؤه عند ربه .

تم - بعون الله تبارك وتعالى - الجزء الخامس من كتاب

" زاد المسير في علم التفسير " ويليه الجزء السادس

وأوله تفسير " سورة النور "
[ ص: 3 ] سُورَةُ النُّورِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ . الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ

وَهِيَ مَدَنيَّةٌ كُلُّهَا بِإِجْمَاعِهِمْ

رَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ فِي " صَحِيحِهِ " مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " لَا تُنْزِلُوهُنَّ الْغُرَفَ وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَةَ، وَعَلِّمُوهُنَّ الْمِغْزَلَ وَسُورَةَ النُّورِ " يَعْنِي: النِّسَاءَ .

[ ص: 4 ] قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: سُورَةٌ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالرَّفْعِ . وَقَرَأَ أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ ، وَمَحْبُوبٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: " سُورَةً " بِالنَّصْبِ . قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مِنْ رَفَعَ، فَعَلَى الِابْتِدَاءِ . وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هَذَا قَبِيحٌ، لِأَنَّهَا نَكِرَةٌ، وَ أَنْزَلْنَاهَا صِفَةٌ لَهَا، وَإِنَّمَا الرَّفْعُ عَلَى إِضْمَارِ: هَذِهِ سُورَةٌ، وَالنَّصْبُ عَلَى وَجْهَيْنِ،أَحَدُهُمَا عَلَى مَعْنَى: أَنْزَلْنَا سُورَةً، وَعَلَى مَعْنَى: اتْلُ سُورَةً .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفَرَضْنَاهَا قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو بِالتَّشْدِيدِ، وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَالْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَالزُّهْرِيُّ وَنَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَابْنُ يَعْمُرٍ، وَالْأَعْمَشُ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِالتَّخْفِيفِ . قَالَ الزَّجَّاجُ: مَنْ قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَلَى مَعْنَى التَّكْثِيرِ، أَيْ إِنَّنَا فَرَضْنَا فِيهَا فُرُوضًا، وَالثَّانِي: عَلَى مَعْنَى: بَيِّنًا وَفَصَّلْنَا مَا فِيهَا مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ; وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّخْفِيفِ، فَمَعْنَاهُ: أَلْزَمْنَاكُمُ الْعَمَلَ [ ص: 5 ] بِمَا فَرَضَ فِيهَا . وَقَالَ غَيْرُهُ: مِنْ شَدَّدَ، أَرَادَ: فَصَّلْنَا فَرَائِضَهَا، وَمَنْ خَفَّفَ، فَمَعْنَاهُ: فَرَضْنَا مَا فِيهَا .

قَوْلُهُ تَعَالَى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ بِالرَّفْعِ . وَقَرَأَ أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ، وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ ، وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ: " الزَّانِيَةَ " بِالنَّصْبِ . وَاخْتَارَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ الرَّفْعَ اخْتِيَارَ الْأَكْثَرِينَ . قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالرَّفْعُ أَقْوَى فِي الْعَرَبِيَّةِ، لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ زَنَى فَاجْلِدُوهُ، فَتَأْوِيلُهُ الِابْتِدَاءُ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى مَعْنَى: اجْلِدُوا الزَّانِيَةَ . فَأَمَّا الْجَلْدُ فَهُوَ ضَرْبُ الْجِلْدِ; يُقَالُ: جَلَدَهُ: إِذَا ضَرَبَ جِلْدَهُ، كَمَا يُقَالُ: بَطَّنَهُ: إِذَا ضَرَبَ بَطْنَهُ .

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَمَعْنَى الْآيَةِ: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي إِذَا كَانَا حُرَّيْنِ بَالِغَيْنِ بِكْرَيْنِ، فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ .

فَصْلٌ

قَالَ شَيْخُنَا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: هَذِهِ الْآيَةُ تَقْتَضِي وُجُوبَ الْجَلْدِ عَلَى الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ زِيَادَةٌ عَلَى الْجَلْدِ بِتَغْرِيبٍ عَامٍ، وَفِي حَقِّ الثَّيِّبِ زِيَادَةٌ عَلَى الْجَلْدِ بِالرَّجْمِ بِالْحِجَارَةِ . فَرَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَرَجْمٌ بِالْحِجَارَةِ " . وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ النَّفْيِ فِي حَقِّ الْبِكْرِ [ ص: 6 ] أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلَيٌّ، وَابْنُ عُمَرَ، وَمِمَّنْ بَعْدَهُمْ عَطَاءُ، وَطَاوُوسُ، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، قَالَ: وَذَهَبَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَلْدِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: الْبِكْرُ، [ ص: 7 ] فَأَمَّا الثَّيِّبُ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَلْدُ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الرَّجْمُ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكُ، وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ مِثْلُ قَوْلِ هَؤُلَاءِ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَأْخُذْكُمْ وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو رَزِينٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ يُعْمُرٍ، وَالْأَعْمَشُ: " يَأْخُذْكُمْ " بِالْيَاءِ، بِهِمَا رَأْفَةٌ قَرَأَ نَافِعُ، وَأَبُو عَمْرٍو ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمُ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: " رَأْفَةٌ " بِإِسْكَانِ الْهَمْزَةِ . وَقَرَأَ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ، وَمُجَاهِدُ، وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، وَابْنُ كَثِيرٍ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَقَصْرِهَا عَلَى وَزْنِ رَعْفَةٍ . وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَأَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ: " رَآفَةٌ " مِثْلَ سَآمَةٍ وَكَآبَةٍ .

وَفِي مَعْنَى الْكَلَامِ قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: لَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ، فَتُخَفِّفُوا الضَّرْبَ، وَلَكِنْ أَوْجِعُوهُمَا، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَقَتَادَةُ .

وَالثَّانِي: لَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فَتُعَطِّلُوا الْحُدُودَ وَلَا تُقِيمُوهَا، قَالَهُ مُجَاهِدُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَابْنُ زَيْدٍ فِي آخَرِينَ .

فَصْلٌ

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي شِدَّةِ الضَّرْبِ فِي الْحُدُودِ، فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ضَرْبُ الزِّنَا أَشَدُّ مِنَ الْقَذْفِ، وَالْقَذْفُ أَشَدُّ مِنَ الشُّرْبِ، وَيُضْرَبُ الشَّارِبُ أَشَدَّ مِنْ ضَرْبِ التَّعْزِيرِ، وَعَلَى هَذَا مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: التَّعْزِيرُ أَشَدُّ الضَّرْبِ، وَضَرْبُ الزَّانِي أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الشَّارِبِ، وَضَرْبُ الشَّارِبِ أَشَدُّ مِنْ ضَرْبِ الْقَذْفِ . وَقَالَ مَالِكُ: الضَّرْبُ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا سَوَاءً غَيْرُ مُبَرِّحٍ .

[ ص: 8 ] فَصْلٌ

فَأَمَّا مَا يُضْرَبُ مِنَ الْأَعْضَاءِ، فَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ عَنْ أَحْمَدَ فِي جَلْدِ الزَّانِي، قَالَ: يُجَرَّدُ، وَيُعْطَى كُلُّ عُضْوٍ حَقُّهُ، وَلَا يُضْرَبُ وَجْهُهُ وَلَا رَأْسُهُ . وَنَقَلَ يَعْقُوبُ بْنُ بُخْتَانَ: لَا يُضْرَبُ الرَّأْسُ وَلَا الْوَجْهُ وَلَا الْمَذَاكِيرُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ . وَقَالَ مَالِكُ: لَا يُضْرَبُ إِلَّا فِي الظَّهْرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُتَّقَى الْفَرْجُ وَالْوَجْهُ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: فِي دِينِ اللَّهِ فِيهِ قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: فِي حُكْمِهِ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي: فِي طَاعَةِ اللَّهِ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ الزَّجَاجُ: الْقِرَاءَةُ بِإِسْكَانِ اللَّامِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهَا . وَالْمُرَادُ بِعَذَابِهِمَا ضَرْبُهُمَا .

وَفِي الْمُرَادِ بِالطَّائِفَةِ هَاهُنَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ .

أَحَدُهَا: الرَّجُلُ فَمَا فَوْقَهُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدُ وَقَالَ النَّخَعِيُّ: الْوَاحِدُ طَائِفَةٌ .

وَالثَّانِي: الِاثْنَانِ فَصَاعِدًا، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءُ; وَعَنْ عِكْرِمَةَ كَالْقَوْلَيْنِ . قَالَ الزَّجَّاجُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ مَا عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ، لِأَنَّ الطَّائِفَةَ فِي مَعْنَى جَمَاعَةٍ، وَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ .

وَالثَّالِثُ: ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ .

وَالرَّابِعُ: أَرْبَعَةٌ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ .

وَالْخَامِسُ: عَشْرَةٌ، قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ . [ ص: 9 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: كَانَتِ امْرَأَةٌ تُسَافِحُ، وَتَشْتَرِطُ لِلَّذِي يَتَزَوَّجُهَا أَنْ تَكْفِيَهُ النَّفَقَةَ فَأَرَادَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ يَتَزَوَّجَهَا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ . وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي بَغَايَا، كُنَّ بِمَكَّةَ، وَمِنْهُنَّ تِسْعٌ صَوَاحِبُ رَايَاتٍ، وَكَانَتْ بُيُوتُهُنَّ تُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ: الْمَوَاخِيرُ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ إِلَّا زَانٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، أَوْ مُشْرِكٌ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، فَأَرَادَ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ نِكَاحَهُنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَمَعْنَى الْآيَةِ: الزَّانِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَتَزَوَّجُ مِنْ أُولَئِكَ الْبَغَايَا إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً لِأَنَّهُنَّ كَذَلِكَ كُنَّ وَالزَّانِيَةُ مِنْهُنَّ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ، وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِذَا زَنَى بِامْرَأَةٍ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِلَّا بَعْدَ التَّوْبَةِ مِنْهُمَا .

[ ص: 10 ] قَوْلُهُ تَعَالَى: وَحُرِّمَ ذَلِكَ وَقَرَأَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَبُو الْمُتَوَكِّلِ، وَأَبُو الْجَوْزَاءِ: " وَحَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ " بِزِيَادَةِ اسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ فَتْحِ حُرُوفِ " حَرَّمَ " .

وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: " وَحَرُمَ ذَلِكَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً . ثُمَّ فِيهِ قَوْلَانِ .

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نِكَاحُ الزَّوَانِي; قَالَهُ مُقَاتِلُ . وَالثَّانِي: الزِّنَا، قَالَهُ الْفَرَّاءُ .
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم

قوله تعالى: والذين يرمون المحصنات شرائط الإحصان في الزنا الموجب للرجم عندنا أربعة: البلوغ، والحرية، والعقل، والوطء في نكاح صحيح . فأما الإسلام، فليس بشرط في الإحصان، خلافا لأبي حنيفة، ومالك . وأما شرائط إحصان القذف فأربع: الحرية، والإسلام، والعفة، وأن يكون المقذوف ممن يجامع مثله . ومعنى الآية: يرمون المحصنات بالزنا، فاكتفى بذكره المتقدم عن إعادته . ثم لم يأتوا على ما رموهن به بأربعة شهداء عدول يشهدون أنهم رأوهن يفعلن ذلك فاجلدوهم يعني القاذفين .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #406  
قديم 30-12-2022, 11:02 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ النُّورِ
الحلقة (406)
صــ 11 إلى صــ 20




فصل

وقد أفادت هذه الآية أن على القاذف إذا لم يقم البينة الحد ورد الشهادة وثبوت الفسق . واختلفوا هل يحكم بفسقه ورد شهادته بنفس القذف، أم بالحد؟ فعلى قول أصحابنا: إنه يحكم بفسقه ورد شهادته إذا لم يقم البينة، وهو قول [ ص: 11 ] الشافعي . وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يحكم بفسقه، وتقبل شهادته ما لم يقم الحد عليه .

فصل

والتعريض بالقذف- كقوله لمن يخاصمه: ما أنت بزان، ولا أمك زانية- يوجب الحد في المشهور من مذهبنا . وقال أبو حنيفة: لا يوجب الحد . وحد العبد في القذف نصف حد الحر، وهو أربعون، قاله الجماعة، إلا الأوزاعي فإنه قال: ثمانون . فأما قاذف المجنون، فقال الجماعة: لا يحد . وقال الليث: يحد .

فأما الصبي، فإن كان مثله يجامع أو كانت صبية مثلها يجامع، فعلى القاذف الحد .

وقال مالك: يحد قاذف الصبية التي يجامع مثلها، ويحد قاذف الصبي .

وقال أبو حنيفة، والشافعي: لا يحد قاذفهما . فإن قذف رجل جماعة بكلمة واحدة، فعليه حد واحد، وإن أفرد كل واحد بكلمة، فعليه لكل واحد حد، وهو قول الشعبي، وابن أبي ليلى; وقال أبو حنيفة وأصحابه: عليه حد واحد، سواء قذفهم بكلمة أو بكلمات .

فصل

وحد القذف حق لآدمي، يصح أن يبرأ منه، ويعفى عنه . وقال أبو حنيفة: هو حق لله . وعندنا [أنه] لا يستوفى إلا بمطالبة المقذوف، وهو قول الأكثرين . وقال ابن أبي ليلى: يحده الإمام وإن لم يطالب المقذوف .

[ ص: 12 ] قوله تعالى: إلا الذين تابوا أي: من القذف وأصلحوا قال ابن عباس: أظهروا التوبة; وقال غيره: لم يعودوا إلى قذف المحصنات .

وفي هذا الاستثناء قولان .

أحدهما أنه نسخ حد القذف وإسقاط الشهادة معا، وهذا قول عكرمة، والشعبي، وطاووس، ومجاهد، والقاسم بن محمد، والزهري، والشافعي، وأحمد .
والثاني: أنه يعود إلى الفسق فقط، وأما الشهادة، فلا تقبل أبدا، قاله الحسن، وشريح، وإبراهيم، وقتادة . فعلى هذا القول انقطع الكلام عند قوله: " أبدا " ; وعلى القول الأول وقع الاستثناء على جميع الكلام، وهذا أصح، لأن المتكلم بالفاحشة لا يكون أعظم جرما من راكبها، فإذا قبلت شهادة المقذوف بعد ثبوته، فالرامي أيسر جرما، وليس القاذف بأشد جرما من الكافر، فإنه إذا أسلم قبلت شهادته .
والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين . [ ص: 13 ] والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم

قوله تعالى: والذين يرمون أزواجهم سبب نزولها أن هلال بن أمية وجد عند أهله رجلا، فرأى بعينه وسمع بأذنه، فلم يهجه حتى أصبح، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله إني جئت أهلي، فوجدت عندها رجلا، فرأيت بعيني وسمعت بأذني، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به، واشتد عليه، فقال سعد بن عبادة: الآن يضرب رسول الله هلالا ويبطل شهادته، فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا، فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه [إذ] نزل عليه الوحي، فنزلت هذه الآية، رواه عكرمة عن ابن عباس . وفي حديث آخر أن الرجل الذي قذفها به شريك بن سحماء وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهلال حين قذفها: " ائتني بأربعة شهداء، وإلا فحد في ظهرك " ، فنزلت هذه الآية، فنسخ حكم الجلد في حق الزوج القاذف .

[ ص: 14 ] فصل

في بيان حكم الآية

إذا قذف الرجل زوجته بالزنا، لزمه الحد، وله التخلص منه بإقامة البينة، أو باللعان، فإن أقام البينة لزمها الحد، وإن لاعنها، فقد حقق عليها الزنا، ولها التخلص منه باللعان; فإن نكل الزوج عن اللعان، فعليه حد القذف، وإن نكلت الزوجة، لم تحد، وحبست حتى تلاعن أو تقر بالزنا في إحدى الروايتين، وفي الأخرى: يخلى سبيلها . وقال أبو حنيفة: لا يحد واحد منهما، ويحبس حتى يلاعن . وقال مالك، والشافعي: يجب الحد على الناكل منهما .

فصل

ولا تصح الملاعنة إلا بحضرة الحاكم . فإن كانت المرأة خفرة، بعث الحاكم من يلاعن بينهما . وصفة اللعان أن يبدأ الزوج فيقول: أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا، أربع مرات، ثم يقول في الخامسة: ولعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم تقول الزوجة أربع مرات: أشهد بالله لقد كذب فيما رماني به من الزنا، ثم تقول: وغضب الله عليها إن كان من الصادقين . والسنة أن يتلاعنا قياما، ويقال للزوج إذا بلغ اللعنة: اتق الله فإنها الموجبة، وعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، وكذلك يقال للزوجة إذا بلغت إلى الغضب . فإن كان بينهما ولد، اقتصر نفيه عن الأب إلى ذكره في اللعان، فيزيد في الشهادة: وما هذا الولد ولدي وتزيد هي: وإن هذا الولد ولده .

[ ص: 15 ] فصل

واختلف الفقهاء في الزوجين اللذين يجري بينهما اللعان، فالمشهور عن أحمد أن كل زوج صح قذفه صح لعانه، فيدخل تحت هذا المسلم والكافر والحر والعبد، وكذلك المرأة، وهذا قول مالك، والشافعي . وقال أبو حنيفة: لا يجوز اللعان بين الحر والأمة، ولا بين العبد والحرة، ولا بين الذميين، أو إذا كان أحدهما ذميا; ونقل حرب عن أحمد نحو هذا، والمذهب هو الأول . ولا تختلف الرواية عن أحمد أن فرقة اللعان لا تقع بلعان الزوج وحده . واختلف هل تقع بلعانهما من غير فرقة الحاكم على روايتين . وتحريم اللعان مؤبد، فإن أكذب الملاعن نفسه لم تحل له زوجته أيضا، وبه قال عمر، وعلي وابن مسعود; وعن أحمد روايتان، أصحهما: هذا، والثانية: يجتمعان بعد التكذيب، وهو قول أبي حنيفة .

قوله تعالى: ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم وقرأ أبو المتوكل . وابن يعمر، والنخعي: " تكن " بالتاء .

قوله تعالى: فشهادة أحدهم أربع شهادات قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو ، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: " أربع " بفتح العين . وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: برفع العين . قال الزجاج: من رفع " أربع " ، فالمعنى: فشهادة أحدهم التي تدرأ حد القذف أربع; ومن نصب فالمعنى: فعليهم أن يشهد أحدهم أربعا .

قوله تعالى: والخامسة قرأ حفص عن عاصم: " والخامسة " نصبا، حملا على نصب " أربع شهادات " .

قوله تعالى: أن لعنت الله عليه قرأ نافع، ويعقوب، والمفضل: " أن [ ص: 16 ] لعنة الله " و " أن غضب الله " بتخفيف النون فيهما وسكونهما ورفع الهاء من " لعنة " والباء من " غضب " ، إلا أن نافعا كسر الضاد من " غضب " وفتح الباء .

قوله تعالى: ويدرأ عنها أي: ويدفع عنها العذاب وفيه ثلاثة أقوال .
أحدها: [أنه] الحد . والثاني: الحبس ذكرهما ابن جرير . والثالث العار .
قوله تعالى: ولولا فضل الله عليكم ورحمته أي: ستره ونعمته . قال الزجاج: وجواب " لولا " هاهنا متروك; والمعنى: لولا ذلك لنال الكاذب منكم عذاب عظيم . وقال غيره: لولا فضل الله لبين الكاذب من الزوجين فأقيم عليه الحد، وأن الله تواب يعود على من رجع عن المعاصي بالرحمة حكيم فيما فرض من الحدود .
إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم . لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون . ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم [ ص: 17 ] ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم . ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين . ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون . ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم

قوله تعالى: إن الذين جاءوا بالإفك أجمع المفسرون; أن هذه الآية وما يتعلق بها بعدها نزلت في قصة عائشة . وفي حديث الإفك أن هذه الآية إلى عشر آيات نزلت في قصة عائشة . وقد ذكرنا حديث الإفك في كتاب " الحدائق " وفي كتاب " المغني في التفسير " فلم نطل بذكره، لأن غرضنا اختصار هذا الكتاب ليحفظ . فأما الإفك، فهو الكذب، والعصبة: الجماعة .

[ ص: 18 ] ومعنى قوله: منكم أي: من المؤمنين . وروى عروة عن عائشة أنها قالت هم أربعة: حسان بن ثابت، وعبد الله بن أبي [بن سلول]، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، وكذلك عدهم مقاتل .

قوله تعالى: لا تحسبوه شرا لكم قال المفسرون: هذا خطاب لعائشة وصفوان بن المعطل، وقيل: لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعائشة; والمعنى: إنكم تؤجرون فيه، لكل امرئ منهم يعني: من العصبة الكاذبة ما اكتسب من الإثم أي: جزاء ما اجترح من الذنب على قدر خوضه فيه، والذي تولى كبره منهم وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وعكرمة، ومجاهد، وابن أبي عبلة ، والحسن، ومحبوب عن أبي عمرو، ويعقوب: " كبره " بضم [ ص: 19 ] الكاف . قال الكسائي: وهما لغتان . وقال ابن قتيبة : كبر الشيء: معظمه، ومنه هذه الآية . قال قيس بن الخطيم يذكر امرأة:

تنام عن كبر شأنها فإذا قامت رويدا تكاد تنعرف

وفي المتولي لذلك قولان .

أحدهما: أنه عبد الله بن أبي، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وعروة عن عائشة، وبه قال مجاهد، والسدي، ومقاتل . قال المفسرون: هو الذي أشاع الحديث، فله عذاب عظيم بالنار . وقال الضحاك هو الذي بدأ بذلك .

والثاني: أنه حسان; روى الشعبي أن عائشة قالت: ما سمعت أحسن من شعر حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة; فقيل: يا أم المؤمنين، أليس الله يقول: والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقالت: أليس قد ذهب بصره؟ وروى عنها مسروق أنها قالت: وأي عذاب أشد من العمى، ولعل الله أن يجعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره، تعني حسان بن ثابت .

[ ص: 20 ] ثم إن الله عز وجل أنكر على الخائضين في الإفك بقوله: لولا إذ سمعتموه أي: هلا إذ سمعتم أيتها العصبة الكاذبة قذف عائشة ظن المؤمنون من العصبة الكاذبة، وهم حسان ومسطح والمؤمنات وهي: حمنة بنت جحش بأنفسهم وفيها ثلاثة أقوال .

أحدها: بأمهاتهم . والثاني: بأخواتهم . والثالث: بأهل دينهم، لأن المؤمنين كنفس واحدة، وقالوا هذا إفك مبين أي: كذب بين . وجاء في التفسير أن أبا أيوب الأنصاري قالت له أمه: ألا تسمع ما يقول الناس في أمر عائشة؟! فقال: هذا إفك مبين، أكنت يا أماه فاعلته؟ قالت: معاذ الله، قال: فعائشة والله خير منك; فنزلت هذه الآية .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #407  
قديم 30-12-2022, 11:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ النُّورِ
الحلقة (407)
صــ 21 إلى صــ 30




قوله تعالى: لولا جاءوا أي: هلا جاءت العصبة الكاذبة على قذفهم [عائشة] بأربعة شهداء وقرأ الضحاك، وعاصم الجحدري: " بأربعة " منونة; والمعنى: يشهدون بأنهم عاينوا ما رموها به فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله أي: في حكمه هم الكاذبون . ثم ذكر القاذفين فقال: ولولا فضل الله عليكم ورحمته أي: لولا ما من [الله] به عليكم، لمسكم أي: لأصابكم في ما أفضتم أي: أخذتم وخضتم فيه من الكذب والقذف [ ص: 21 ] عذاب عظيم في الدنيا والآخرة . ثم ذكر الوقت الذي لولا فضله لأصابهم فيه العذاب فقال: إذ تلقونه وكان الرجل منهم يلقى الرجل فيقول: بلغني كذا، فيتلقاه بعضهم من بعض . وقرأ عمر بن الخطاب: " إذ تلقونه " بتاء واحدة خفيفة مرفوعة وإسكان اللام وقاف منقوطة بنقطتين مرفوعة خفيفة; وقرأ معاوية، وابن السميفع مثله، إلا أنهما فتحا التاء والقاف . وقرأ ابن مسعود: " تتلقونه " بتاءين مفتوحتين مع نصب اللام وتشديد القاف . وقرأ أبي بن كعب، وعائشة، ومجاهد، وأبو حيوة: " تلقونه " بتاء واحدة خفيفة مفتوحة وكسر اللام ورفع القاف . وقال الزجاج: " تلقونه " : يلقيه بعضكم إلى بعض وتلقونه; ومعناه: إذ تسرعون بالكذب، يقال: ولق يلق: إذا أسرع في الكذب وغيره، قال الشاعر:


جاءت به عنس من الشام تلق


أي: تسرع . وقال ابن قتيبة: " تلقونه " أي: تقبلونه، ومن قرأ: " تلقونه " أخذه من الولق، وهو الكذب .

قوله تعالى: وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم أي: من غير أن تعلموا أنه حق وتحسبونه يعني: ذلك القذف هينا أي: سهلا لا إثم [ ص: 22 ] فيه وهو عند الله عظيم في الوزر . ثم زاد عليهم في الإنكار فقال: ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أي: ما يحل وما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا سبحانك وهو يحتمل التنزيه والتعجب . وروت عائشة أن امرأة أبي أيوب الأنصاري قالت له: ألم تسمع ما يتحدث الناس؟! فقال: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ... الآية، فنزلت الآية . وقد روينا آنفا أن أمه ذكرت له ذلك، فنزلت الآية المتقدمة . وروي عن سعيد بن جبير أن سعد بن معاذ لما سمع ذلك قال: سبحانك هذا بهتان عظيم، فقيل للناس: هلا قلتم كما قال سعد؟!

قوله تعالى: يعظكم الله أي: ينهاكم الله أن تعودوا لمثله أي: إلى مثله إن كنتم مؤمنين لأن من شرط الإيمان ترك قذف المحصنة . ويبين الله لكم الآيات في الأمر والنهى .

ثم هدد القاذفين بقوله: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة أي يحبون أن يفشو القذف بالفاحشة، وهي الزنا في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا يعني: الجلد والآخرة عذاب النار . وروت عمرة عن عائشة قالت: لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة، فضربوا حدهم . وروى أبو صالح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد عبد الله بن أبي، ومسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، فأما الثلاثة فتابوا، وأما عبد الله فمات منافقا، وبعض العلماء ينكر صحة هذا، ويقول: لم يضرب أحدا .
[ ص: 23 ] قوله تعالى: والله يعلم شر ما خضتم فيه وما يتضمن من سخط الله وأنتم لا تعلمون ذلك، ولولا فضل الله عليكم جوابه محذوف، تقديره: لعاقبكم فيما قلتم لعائشة . قال ابن عباس: يريد: مسطحا، وحسان، وحمنة .
يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم

قوله تعالى: لا تتبعوا خطوات الشيطان أي: تزيينه لكم قذف عائشة . وقد سبق شرح " خطوات الشيطان " وبيان " الفحشاء والمنكر " [البقرة:168، 169] .

قوله تعالى: ما زكا منكم وقرأ الحسن، ومجاهد، وقتادة: " ما زكى " بتشديد الكاف .

وفيمن خوطب بهذا قولان .

أحدهما : أنه عام في الخلق . والثاني: أنه خاص للمتكلمين في الإفك .

ثم في معناه أربعة أقوال .
أحدها: ما اهتدى، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني: ما أسلم، قاله ابن زبد . والثالث: ما صلح، قاله مقاتل . والرابع: ما طهر، قاله ابن قتيبة .
قوله تعالى: ولكن الله يزكي من يشاء أي: يطهر من يشاء من [ ص: 24 ] الإثم بالتوبة والغفران; فالمعنى: وقد شئت أن أتوب عليكم، والله سميع عليم علم ما في نفوسكم من التوبة والندامة .
ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم

قوله تعالى: ولا يأتل وقرأ الحسن، وأبو العالية، وأبو جعفر، وابن أبي عبلة : " ولا يتأل " بهمزة مفتوحة بين التاء واللام وتشديد اللام على وزن يتعل . قال المفسرون: سبب نزولها أن أبا بكر الصديق كان ينفق على مسطح لقرابته وفقره، فلما خاض في أمر عائشة قال أبو بكر: والله لا أنفق عليه [شيئا] أبدا، فنزلت هذه الآية . فأما الفضل، فقال أبو عبيدة : هو التفضل، والسعة: الجدة . قال المفسرون: والمراد به: أبو بكر .
قوله تعالى: أن يؤتوا قال ابن قتيبة: معناه: أن لا يؤتوا، فحذف " لا " . فأما قوله: أولي القربى فإنه يعني مسطحا، وكان ابن خالة أبي بكر، وكان مسكينا، وكان مهاجرا . قال المفسرون: فلما سمع أبو بكر ألا تحبون أن يغفر الله لكم قال: بلى يا رب، وأعاد نفقته على مسطح .
إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم . يوم تشهد عليهم [ ص: 25 ] ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين

قوله تعالى: إن الذين يرمون المحصنات يعني: العفائف الغافلات عن الفواحش، لعنوا في الدنيا أي: عذبوا بالجلد وفي الآخرة بالنار .

واختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآية على أربعة أقوال .

أحدها: أنها نزلت في عائشة خاصة . قال خصيف: سألت سعيد بن جبير عن هذه الآية، فقلت: من قذف محصنة لعنه الله؟ قال: لا، إنما أنزلت هذه الآية في عائشة خاصة .

والثاني: أنها في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، قاله الضحاك .

والثالث: أنها في المهاجرات . قال أبو حمزة الثمالي: بلغنا أن المرأة كانت إذا خرجت إلى المدينة مهاجرة، قذفها المشركون من أهل مكة، وقالوا إنما خرجت تفجر، فنزلت هذه الآية .

والرابع: أنها عامة في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن، وبه قال قتادة، وابن زيد .

[ ص: 26 ] فإن قيل: لم اقتصر على ذكر المحصنات دون الرجال؟

فالجواب: [أن] من رمى مؤمنة فلا بد أن يرمي معها مؤمنا، فاستغني عن ذكر المؤمنين، ومثله: سرابيل تقيكم الحر [ النحل:81] أراد: والبرد، قاله الزجاج .

قوله تعالى: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: " يشهد " بالياء; وهو إقرارها بما تكلموا به من الفرية . قال أبو سليمان الدمشقي: وهؤلاء غير الذين يختم على أفواههم . وقال ابن جرير: المعنى: أن ألسنة بعضهم تشهد على بعض .
قوله تعالى: يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق أي: حسابهم العدل، وقيل: جزاءهم الواجب . وقرأ مجاهد، وأبو الجوزاء، وحميد بن قيس، والأعمش: " دينهم الحق " برفع القاف ويعلمون أن الله هو الحق المبين قال ابن عباس: وذلك أن عبد الله بن أبي كان يشك في الدين، فإذا كانت القيامة علم حيث لا ينفعه .
الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم

قوله تعالى: الخبيثات للخبيثين فيه أربعة أقوال .

أحدها: الكلمات الخبيثات لا يتكلم بها إلا الخبيث من الرجال والنساء، والكلمات الطيبات لا يتكلم . بها إلا الطيبون من الرجال والنساء .

والثاني: الكلمات الخبيثات إنما تلصق بالخبيثين من الرجال والنساء، فأما الطيبات والطيبون، فلا يصلح أن يقال في حقهم إلا الطيبات .
[ ص: 27 ] والثالث: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال .
والرابع: الخبيثات من الأعمال للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من الأعمال، وكذلك الطيبات . أولئك يعني: عائشة وصفوان مبرءون أي منزهون مما يقولون من الفرية لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم في الجنة .
يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون . فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون

قوله تعالى: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم ذكر أهل التفسير أن سبب نزولها أن امرأة من الأنصار جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، فلا يزال يدخل علي رجل من أهلي، فنزلت هذه الآية; فقال أبو بكر بعد نزولها: يا رسول الله، أفرأيت الخانات والمساكن التي ليس فيها ساكن، فنزل قوله: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة . . الآية . ومعنى قوله: لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم [ ص: 28 ] أي: بيوتا ليست لكم . واختلف القراء في باء البيوت، فقرأ بعضهم بضمها، وبعضهم بكسرها . وقد بينا ذلك في (البقرة: 189 .

قوله تعالى: حتى تستأنسوا قال الفراء: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: حتى تسلموا وتستأنسوا . قال الزجاج: و " تستأنسوا " في اللغة، بمعنى تستأذنوا، وكذلك هو في التفسير، والاستئذان: الاستعلام، تقول: آذنته بكذا، أي: أعلمته وآنست منه كذا، أي: علمت منه، ومثله: فإن آنستم منهم رشدا [النساء: 6] أي: علمتم . فمعنى الآية: حتى تستعلموا، يريد أهلها أن تدخلوا، أم لا قال المفسرون: وصفة الاستعلام أن تقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ولا يجوز أن تدخل بيت غيرك إلا بالاستئذان، لهذه الآية، ذلكم خير لكم من أن تدخلوا بغير إذن لعلكم تذكرون أن الاستئذان خير فتأخذون به، قال عطاء: قلت لابن عباس: أستأذن على أمي وأختي ونحن في بيت واحد؟ قال: أيسرك أن ترى منهن عورة؟ قلت: لا، قال: فاستأذن .

قوله تعالى: فإن لم تجدوا فيها أحدا أي: إن وجدتموها خالية فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا أي: إن ردوكم فلا تقفوا على أبوابهم وتلازموها، هو أزكى لكم يعني: الرجوع خير لكم وأفضل والله بما تعملون من الدخول بإذن وغير إذن عليم

[ ص: 29 ] فصل

وهل هذه الآية منسوخة، أم لا؟ فيها قولان .

أحدهما: أن حكمها عام في جميع البيوت، ثم نسخت منها البيوت التي ليس لها أهل يستأذنون بقوله تعالى: ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة ، هذا مروي عن الحسن، وعكرمة .

والثاني: أن الآيتين محكمتان، فالاستئذان شرط في الأولى إذا كان للدار أهل، والثانية وردت في بيوت لا ساكن لها، والإذن لا يتصور من غير آذن، فإذا بطل الاستئذان، لم تكن البيوت الخالية داخلة في الأولى، وهذا أصح .

قوله تعالى: أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها خمسة أقوال .

أحدها: أنها الخانات والبيوت المبينة للسابلة ليأووا إليها، ويؤووا أمتعتهم قاله قتادة .

والثاني: أنها البيوت الخربة، والمتاع: قضاء الحاجة فيها من الغائط والبول، قاله عطاء .

والثالث: أنها بيوت مكة، قاله محمد بن الحنفية .
والرابع: حوانيت التجار التي بالأسواق، قاله ابن زيد .
والخامس: أنها جميع البيوت التي لا ساكن لها، لأن الاستئذان إنما جعل لأجل الساكن، قاله ابن جريج .
فيخرج في معنى " المتاع " ثلاثة أقوال .
[ ص: 30 ] أحدهما: الأمتعة التي تباع وتشترى . والثاني: إلقاء الأذى من الغائط والبول . والثالث: الانتفاع بالبيوت لاتقاء الحر والبرد .
قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون . وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون

قوله تعالى: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم في " من " قولان .

أحدهما: أنها صلة . والثاني: أنها أصل، لأنهم لم يؤمروا بالغض مطلقا، وإنما أمروا بالغض عما لا يحل .

وفي قوله: ويحفظوا فروجهم قولان . أحدهما: عما لا يحل لهم، قاله الجمهور . والثاني: عن أن ترى فهو أمر لهم بالاستتار، قاله أبو العالية وابن زيد .

قوله تعالى: ذلك إشارة إلى الغض وحفظ الفروج أزكى لهم أي: خير وأفضل إن الله خبير بما يصنعون في الأبصار والفروج . ثم أمر النساء بما أمر به الرجال .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #408  
قديم 30-12-2022, 11:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ النُّورِ
الحلقة (408)
صــ 31 إلى صــ 40






[ ص: 31 ] قوله تعالى: ولا يبدين زينتهن أي: لا يظهرنها لغير محرم . وزينتهن على ضربين، خفية كالسوارين والقرطين والدملج والقلائد ونحو ذلك، وظاهرة وهي المشار إليها بقوله: إلا ما ظهر منها وفيه سبعة أقوال .

أحدهما: أنها الثياب، رواه أبو الأحوص عن ابن مسعود; وفي لفظ آخر قال: هو الرداء . والثاني: أنها الكف والخاتم والوجه . والثالث: الكحل والخاتم، رواهما سعيد بن جبير عن ابن عباس . والرابع: القلبان، وهما السواران والخاتم والكحل، قاله المسور بن مخرمة . والخامس: الكحل والخاتم والخضاب، قاله مجاهد . والسادس: الخاتم والسوار، قاله الحسن . والسابع: الوجه والكفان، قاله الضحاك . قال القاضي أبو يعلى: والقول الأول أشبه، وقد نص عليه أحمد، فقال: الزينة الظاهرة: الثياب، وكل شئ منها عورة حتى الظفر، ويفيد هذا تحريم النظر إلى شئ من الأجنبيات لغير عذر، فإن كان [ ص: 32 ] لعذر مثل أن يريد أن يتزوجها أو يشهد عليها، فإنه ينظر في الحالين إلى وجهها خاصة فأما النظر إليها لغير عذر فلا يجوز لا لشهوة ولا لغيرها، وسواء في ذلك الوجه والكفان وغيرهما من البدن .

فإن قيل: فلم لا تبطل الصلاة بكشف وجهها؟!

فالجواب: أن في تغطيته مشقة، فعفي عنه .

قوله تعالى: وليضربن بخمرهن وهي جمع خمار ، وهو ما تغطي به المرأة رأسها، والمعنى: وليلقين مقانعهن على جيوبهن ليسترن بذلك شعورهن وقرطهن وأعناقهن . وقرأ ابن مسعود، وأبي بن كعب، وإبراهيم النخعي، والأعمش: " على جيوبهن " بكسر الجيم، ولا يبدين زينتهن يعني: الخفية، وقد سبق بيانها إلا لبعولتهن قال ابن عباس: لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجه .

قوله تعالى: أو نسائهن يعني: المسلمات . قال أحمد: لا يحل للمسلمة أن تكشف رأسها عند نساء أهل الذمة، واليهودية والنصرانية لا تقبلان المسلمة .

[ ص: 33 ] قوله تعالى: أو ما ملكت أيمانهن قال أصحابنا: المراد به: الإماء دون العبيد . وقال أصحاب الشافعي: يدخل فيه العبيد، فيجوز للمرأة عندهم أن تظهر لمملوكها ما تظهر لمحارمها، لأن مذهب الشافعي أنه محرم لها، وعندنا أنه ليس بمحرم، ولا يجوز أن ينظر إلى غير وجهها وكفيها، وقد نص أحمد على أنه يجوز أن ينظر إلى شعر مولاته، قال القاضي أبو يعلى: وإنما ذكر الإماء في الآية، لأنه قد يظن الظان أنه لا يجوز أن تبدي زينتها للإماء، لأن الذين تقدم ذكرهم أحرار، فلما ذكر الإماء زال الإشكال .

قوله تعالى: أو التابعين وهم الذين يتبعون القوم ويكونون معهم لإرفاقهم إياهم، أو لأنهم نشؤوا فيهم .

وللمفسرين في هذا التابع ستة أقوال .

أحدها: أنه الأحمق الذي لا تشتهيه المرأة ولا يغار عليه الرجل، قاله قتادة، وكذلك قال مجاهد: هو الأبله الذي يريد الطعام ولا يريد النساء . والثاني: أنه العنين، قاله عكرمة . والثالث: المخنث كان يتبع الرجل يخدمه بطعامه، ولا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن، قاله الحسن . والرابع: أنه الشيخ [ ص: 34 ] الفاني، والخامس: أنه الخادم، قالهما ابن السائب . والسادس: أنه الذي لا يكترث بالنساء، إما لكبر أو لهرم أو لصغر، ذكره ابن المنادي من أصحابنا . قال الزجاج: " غير " صفة للتابعين . وفيه دليل على أن قوله: أو ما ملكت أيمانهن معناه: غير أولي الإربة من الرجال والمعنى: ولا يبدين زينتهن لمماليكهن، ولا لتباعهن، إلا أن يكونوا غير أولي الإربة، والإربة: الحاجة، ومعناه: غير ذوي الحاجات إلى النساء .
قوله تعالى: أو الطفل قال ابن قتيبة: يريد الأطفال، بدليل قوله: لم يظهروا على عورات النساء أي: لم يعرفوها .
قوله تعالى: ولا يضربن بأرجلهن أي: بإحدى الرجلين على الأخرى ليضرب الخلخال الخلخال فيعلم أن عليها خلخالين .
[ ص: 35 ] وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ومثلا من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين

قوله تعالى: وأنكحوا الأيامى وهم الذين لا أزواج لهم من الرجال والنساء، يقال: رجل أيم وامرأة أيم، ورجل أرمل وامرأة أرملة، ورجل بكر وامرأة بكر: إذا لم يتزوجا وامرأة ثيب ورجل ثيب: إذا كانا قد تزوجا، والصالحين من عبادكم أي: من عبيدكم، يقال، عبد وعباد وعبيد، كما يقال: كلب وكلاب وكليب . وقرأ الحسن، ومعاذ القارئ: " من عبيدكم " .

[ ص: 36 ] قال المفسرون والمراد بالآية الندب . ومعنى الصلاح هاهنا: الإيمان . والمراد بالعباد: المملوكون، فالمعنى: زوجوا المؤمنين من عبيدكم وولائدكم . ثم رجع إلى الأحرار فقال: إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله فأخبرهم أن النكاح سبب لنفي الفقر .

قوله تعالى: وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا أي: وليطلب العفة عن الزنا والحرام من لا يجد ما ينكح به من صداق ونفقة . وقد روى ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يا معشر الشباب عليكم بالباءة فمن لم يجد فعليه بالصيام فإنه له وجاء " .

[ ص: 37 ] قوله تعالى: والذين يبتغون الكتاب أي: يطلبون المكاتبة من العبيد والإماء على أنفسهم، فكاتبوهم فيه قولان .

أحدهما: أنه مندوب إليه، قاله الجمهور .

والثاني: أنه واجب، قاله عطاء، وعمرو بن دينار . وذكر المفسرون: أنها نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له: صبيح، سأل مولاه الكتابة فأبى عليه، فنزلت هذه الآية، فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين دينارا .

قوله تعالى: إن علمتم فيهم خيرا فيه ستة أقوال .

أحدها: إن علمتم لهم مالا، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وعطاء، والضحاك . والثاني: إن علمتم لهم حيلة، يعني: الكسب، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثالث: إن علمتم فيهم دينا، قاله الحسن . والرابع: إن علمتم أنهم يريدون بذلك الخير، قاله سعيد بن جبير . والخامس: إن أقاموا الصلاة، قاله عبيدة السلماني . والسادس: إن علمتم لهم صدقا ووفاء قاله إبراهيم .

قوله تعالى : وآتوهم من مال الله الذي آتاكم فيه قولان .

أحدهما : أنه خطاب للأغنياء الذين تجب عليهم الزكاة ، أمروا أن يعطوا المكاتبين من سهم الرقاب ، روى عطاء عن ابن عباس في هذه الآية قال : هو سهم الرقاب يعطى منه المكاتبون .

والثاني : أنه خطاب للسادة ، أمروا أن يعطوا مكاتبيهم من كتابتهم شيئا .

قال أحمد والشافعي : الإيتاء واجب ، وقدره أحمد بربع مال الكتابة . وقال الشافعي : ليس بمقدر . وقال أبو حنيفة ومالك : لا يجب الإيتاء . وقد روي عن عمر بن الخطاب [ ص: 38 ] أنه كاتب غلاما له يقال له : أبو أمية فجاءه بنجمه حين حل ; فقال : اذهب يا أبا أمية فاستعن به في مكاتبتك ، قال : يا أمير المؤمنين ، لو أخرته حتى يكون في آخر النجوم ؟ فقال : يا أبا أمية ، إني أخاف أن لا أدرك ذلك ، ثم قرأ : " وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " ، قال عكرمة : وكان ذلك أول نجم أدي في الإسلام .

قوله تعالى: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء روى مسلم في " صحيحه " من حديث أبي سفيان عن جابر ، قال : كان عبد الله بن أبي يقول لجارية له : اذهبي فابغينا شيئا ، فنزلت هذه الآية . قال المفسرون : وكان له جاريتان ، معاذة ومسيكة ، فكان يكرههما على الزنا ، ويأخذ منهما الضريبة ، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية ، يؤاجرون إماءهم ، فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة : إن هذا الأمر الذي نحن فيه إن كان خيرا فقد استكثرنا منه ، وإن كان شرا فقد آن لنا أن ندعه ، فنزلت هذه الآية . وزعم مقاتل أنها نزلت في ست جوار كن لعبد الله بن أبي : معاذة ، ومسيكة ، وأميمة ، وقتيلة ، وعمرة ، وأروى . فأما الفتيات ، فهن الإماء . والبغاء : الزنا . والتحصن : التعفف .

واختلفوا في معنى إن أردن تحصنا على أربعة أقوال .

أحدها : أن الكلام ورد على سبب ، وهو الذي ذكرناه ، فخرج النهي عن صفة السبب ، وإن لم يكن شرطا فيه .

[ ص: 39 ] والثاني : أنه إنما شرط إرادة التحصن ، لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن ، فأما إذا لم ترد المرأة التحصن ، فإنها تبغي بالطبع .

والثالث : أن " إن " بمعنى " إذ " ، ومثله : وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين [البقرة:278] وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين [آل عمران:139] .

والرابع : أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، تقديره : " وأنكحوا الأيامى " إلى قوله : وإمائكم إن أردن تحصنا ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء لتبتغوا عرض الحياة الدنيا وهو كسبهن وبيع أولادهن ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور للمكرهات رحيم وقرأ ابن عباس ، وأبو عمران الجوني ، وجعفر بن محمد : " من بعد إكراههن لهن غفور رحيم " .
قوله تعالى: آيات مبينات قرأ ابن عامر ، وأهل الكوفة غير أبي بكر ، وأبان : " مبينات " بكسر الياء في الموضعين في هذه السورة [النور : 34 ، 46] ، وآخر سورة (الطلاق : 11)
قوله تعالى : ومثلا من الذين خلوا أي : شبها من حالهم بحالكم أيها المكذبون ، وهذا تخويف لهم أن يلحقهم ما لحق المكذبين قبلهم .
الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم

قوله تعالى : الله نور السماوات والأرض فيه قولان .

أحدهما : هادي أهل السماوات والأرض ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس ، [ ص: 40 ] وبه قال أنس بن مالك ، وبيان هذا أن النور في اللغة : الضياء ، وهو الذي تصل به الأبصار إلى مبصراتها ، فورد النور مضافا إلى الله تعالى ، لأنه هو الذي يهدي المؤمنين ويبين لهم ما يهتدون به ، والخلائق بنوره يهتدون .

والثاني : مدبر السماوات والأرض ، قاله مجاهد ، والزجاج . وقرأ أبي بن كعب ، وأبو المتوكل ، وابن السميفع : " الله نور " بفتح النون والواو وتشديدها ونصب الراء " السماوات " بالخفض " والأرض " بالنصب .

قوله تعالى: مثل نوره في هاء الكناية أربعة أقوال .

أحدها : أنها ترجع إلى الله عز وجل ، قال ابن عباس : مثل هداه في قلب المؤمن .

والثاني : أنها ترجع إلى المؤمن ، فتقديره : مثل نور المؤمن ، قاله أبي بن كعب . وكان أبي وابن مسعود يقرآن : " مثل نور من آمن به "

والثالث : أنها ترجع إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله كعب .

والرابع : أنها ترجع إلى القرآن قاله سفيان .

فأما المشكاة ، ففيها ثلاثة أقوال .

أحدها : أنها في موضع الفتيلة من القنديل الذي هو كالأنبوب ، والمصباح : الضوء ، قاله ابن عباس .

والثاني : أنها القنديل ، والمصباح : الفتيلة ، قاله مجاهد .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #409  
قديم 30-12-2022, 11:14 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ النُّورِ
الحلقة (409)
صــ 41 إلى صــ 50






والثالث : أنها الكوة التي لا منفذ لها ، والمصباح : السراج ، قاله كعب ، وكذلك قال الفراء : المشكاة : الكوة التي ليست بنافذة . وقال ابن قتيبة : المشكاة: [ ص: 41 ] الكوة بلسان الحبشة . وقال الزجاج : هي من كلام العرب ، والمصباح السراج .

وإنما ذكر الزجاجة ، لأن النور في الزجاج أشد ضوءا منه في غيره . وقرأ أبو رجاء العطاردي ، وابن أبي عبلة : " في زجاجة الزجاجة " بفتح الزاي فيهما وقرأ معاذ القارئ ، وعاصم الجحدري ، وابن يعمر : بكسر الزاي فيهما . قال بعض أهل المعاني : معنى الآية : كمثل مصباح في مشكاة ، فهو من المقلوب .

فأما الدري ، فقرأ أبو عمرو ، والكسائي ، وأبان عن عاصم " دريء " بكسر الدال وتخفيف الياء ممدودا مهموزا . قال ابن قتيبة : المعنى على هذا : إنه من الكواكب الدراريء ، وهي اللاتي يدرأن عليك ، أي : يطلعن . وقال الزجاج : هو مأخوذ من درأ يدرأ : إذا اندفع منقضا فتضاعف نوره ، يقال : تدارأ الرجلان : إذا تدافعا . وروى المفضل عن عاصم كسر الدال وتشديد الياء من غير همز ولا مد ، وهي قراءة عبد الله بن عمر والزهري ، وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : " دري " بضم الدال وكسر الراء [ ص: 42 ] وتشديد الياء من غير مد ولا همز ، وقرأ عثمان بن عفان ، وابن عباس ، وعاصم الجحدري : " دريء " بفتح الدال وكسر الراء ممدودا مهموزا . وقرأ أبي بن كعب ، وسعيد بن المسيب ، وقتادة : بفتح الدال وتشديد الراء والياء من غير مد ولا همز . وقرأ ابن مسعود وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، وقتادة ، وابن يعمر : بفتح الدال وكسر الراء مهموزا مقصورا . قال الزجاج : الدري : منسوب إلى أنه كالدر في صفائه وحسنه . وقال الكسائي : الدري : الذي يشبه الدر ، والدري : جار ، والدري : يلتمع ، وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم والوليد بن عتبة عن ابن عامر : بضم الدال وتخفيف الياء مع إثبات الهمزة والمد ، قال الزجاج : فالنحويون أجمعون لا يعرفون الوجه في هذا ; وقال الفراء : ليس هذا بجائز في العربية ، لأنه ليس في الكلام " فعيل " إلا أعجمي ، مثل مريق ، وما أشبهه . وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي : المريق : العصفر ، أعجمي معرب ، وليس في كلامهم اسم على زنة فعيل . قال أبو علي : وقد حكى سيبويه عن أبي الخطاب : كوكب دريء : من الصفات ، ومن الأسماء : المريق : العصفر .

قوله تعالى: يوقد قرأ ابن كثير . وأبو عمرو : بالتاء المفتوحة وتشديد القاف ونصب الدال ، يريدان المصباح ، لأنه هو الذي يوقد . وقرأ نافع ، وابن عامر ، وحفص عن عاصم : " يوقد " بالياء مضمومة مع ضم الدال ، يريدون المصباح أيضا . وقرأ حمزة والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " توقد " بضم التاء والدال ، يريدون الزجاجة ، قال الزجاج : والمقصود : مصباح الزجاجة ، فحذف المضاف .

قوله تعالى: من شجرة أي : من زيت شجرة ، فحذف المضاف ، يدلك على ذلك قوله : يكاد زيتها يضيء ; والمراد بالشجرة هاهنا : شجرة الزيتون، [ ص: 43 ] وبركتها من وجوه ، فإنها تجمع الأدم والدهن والوقود ، فيوقد بحطب الزيتون ويغسل برماده الإبريسم ، ويستخرج دهنه أسهل استخراج ، ويورق غصنه من أوله إلى آخره . وإنما خصت بالذكر هاهنا دون غيرها ، لأن دهنها أصفى وأضوأ .

قوله تعالى: لا شرقية ولا غربية فيه ثلاثة أقوال .

أحدها : أنها بين الشجر ، فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس ، قاله أبي بن كعب ، ورواه سعيد بن جبير عن ابن عباس .

والثاني : أنها في الصحراء لا يظلها جبل ولا كهف ، ولا يواريها شيء ، فهو أجود لزيتها ، رواه عكرمة عن ابن عباس ، وبه قال مجاهد ، والزجاج . والثالث : أنها من شجر الجنة ، لا من شجر الدنيا ، قاله الحسن .

قوله تعالى: يكاد زيتها يضيء أي : يكاد من صفائه يضيء قبل أن تصيبه النار بأن يوقد به . نور على نور قال مجاهد : النار على الزيت . وقال ابن السائب : المصباح نور ، والزجاجة نور . وقال أبو سليمان الدمشقي : نور النار ، ونور الزيت ، ونور الزجاجة ، يهدي الله لنوره فيه أربعة أقوال .

[ ص: 44 ] أحدها : لنور القرآن . والثاني : لنور الإيمان . والثالث : لنور محمد صلى الله عليه وسلم . والرابع : لدينه الإسلام .
فصل
فأما وجه هذا المثل ، ففيه ثلاثة أقوال .
أحدها : أنه شبه نور محمد صلى الله عليه وسلم بالمصباح النير ; فالمشكاة جوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والمصباح النور الذي في قلبه ، والزجاجة قلبه ، فهو من شجرة مباركة ، وهو إبراهيم عليه السلام ، سماه شجرة مباركة ، لأن أكثر الأنبياء من صلبه لا شرقية ولا غربية لا يهودي ولا نصراني ، يكاد محمد صلى الله عليه وسلم يتبين للناس أنه نبي ولو لم يتكلم . وقال القرظي : المشكاة : إبراهيم ، والزجاجة : إسماعيل ، والمصباح : محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم . وقال الضحاك : شبه عبد المطلب بالمشكاة ، وعبد الله بالزجاجة ، ومحمدا صلى الله عليه وسلم بالمصباح .

والثاني : أنه شبه نور الإيمان في قلب المؤمن بالمصباح ، فالمشكاة : قلبه ، والمصباح : نور الإيمان فيه . وقيل : المشكاة : صدره ، والمصباح : القرآن والإيمان اللذان في [ ص: 45 ] صدره ، والزجاجة : قلبه ، فكأنه مما فيه من القرآن والإيمان كوكب مضيء توقد من شجرة ، وهي الإخلاص ، فمثل الإخلاص عنده كشجرة لا تصيبها الشمس ، فكذلك هذا المؤمن قد احترس من أن تصيبه الفتن ، فإن أعطي شكر ، وإن ابتلي صبر ، وإن قال صدق ، وإن حكم عدل ، فقلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى كما يكاد هذا الزيت يضيء قبل أن تمسه النار ، فإذا مسته اشتد نوره ، فالمؤمن كلامه نور ، وعمله نور ، ومدخله نور ، ومخرجه نور ، ومصيره إلى نور يوم القيامة .
والثالث : أنه شبه القرآن بالمصباح يستضاء به ولا ينقص ، والزجاجة : قلب المؤمن ، والمشكاة : لسانه وفمه ، والشجرة المباركة : شجرة الوحي ، تكاد حجج القرآن تتضح وإن لم نقرأ . وقيل : تكاد حجج الله تضيء لمن فكر فيها وتدبرها ولو لم ينزل القرآن ، نور على نور أي : القرآن نور من الله لخلقه مع ما قد قام لهم من الدلائل والإعلام قبل نزول القرآن .
قوله تعالى: ويضرب الله الأمثال أي : ويبين الله الأشباه للناس ؛ تقريبا إلى الأفهام ، وتسهيلا لسبل الإدراك .
في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال . رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب
قوله تعالى: في بيوت قال الزجاج : " في " من صلة قوله : " كمشكاة " ، [ ص: 46 ] فالمعنى : كمشكاة في بيوت ; ويجوز أن تكون متصلة بقوله : يسبح له فيها فتكون فيها تكريرا على التوكيد ; والمعنى : يسبح لله رجال في بيوت .
فإن قيل : المشكاة إنما تكون في بيت واحد ، فكيف قال : في بيوت ؟
فعنه جوابان . أحدهما : أنه من الخطاب المتلون الذي يفتح بالتوحيد ويختم بالجمع ، كقوله : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء [الطلاق:1] .

والثاني : أنه راجع إلى كل واحد من البيوت ، فالمعنى : في كل بيت مشكاة . وللمفسرين في المراد بالبيوت ها هنا ثلاثة أقوال .
أحدها : أنها المساجد ، قاله ابن عباس ، والجمهور . والثاني : بيوت أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قاله مجاهد . والثالث : بيت المقدس ، قاله الحسن .
فأما أذن فمعناه : أمر . وفي معنى أن ترفع قولان :
أحدهما : أن تعظم ، قاله الحسن ، والضحاك .
والثاني : أن تبنى ، قاله مجاهد ، وقتادة .


[ ص: 47 ] وفي قوله : ويذكر فيها اسمه قولان .

أحدهما : توحيده ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني : يتلى فيها كتابه ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس .

قوله تعالى: يسبح قرأ ابن كثير ، وحفص عن عاصم ، ونافع ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي : " يسبح " بكسر الباء ; وقرأ ابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : بفتحها . وقرأ معاذ القارئ ، وأبو حيوة : " تسبح " بتاء مرفوعة وكسر الباء ورفع الحاء .

وفي قوله : يسبح له فيها قولان .

أحدهما : أنه الصلاة . ثم في صلاة الغدو قولان . أحدهما : أنها صلاة الفجر ، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس . والثاني : صلاة الضحى ، روى ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال : إن صلاة الضحى لفي كتاب الله ، وما يغوص عليها إلا غواص ، ثم قرأ " يسبح له فيها بالغدو والآصال " . وفي صلاة الآصال قولان . أحدهما : أنها صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، قاله ابن السائب . والثاني : صلاة العصر ، قاله أبو سليمان الدمشقي .

والقول الثاني : أنه التسبيح المعروف ، ذكره بعض المفسرين .

قوله تعالى: رجال لا تلهيهم أي لا تشغلهم تجارة ولا بيع قال ابن السائب : التجار : الجلابون ، والباعة : المقيمون . وقال الواقدي : التجارة ها هنا بمعنى الشراء .

[ ص: 48 ] وفي المراد بذكر الله ثلاثة أقوال .

أحدها : الصلاة المكتوبة ، قاله ابن عباس ، وعطاء . وروى سالم عن ابن عمر أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة ، فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد ، فقال ابن عمر : فيهم نزلت " رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله " .

والثاني : عن القيام بحق الله ، قاله قتادة .

والثالث : عن ذكر الله باللسان ، ذكره أبو سليمان الدمشقي .

قوله تعالى: وإقام الصلاة أي : أدائها لوقتها وإتمامها .

فإن قيل : إذا كان المراد بذكر الله الصلاة ، فما معنى إعادتها؟

فالجواب : أنه بين أنهم يقيمونها بأدائها في وقتها .

قوله تعالى: تتقلب فيه القلوب والأبصار في معناه ثلاثة أقوال .

أحدها : أن من كان قلبه مؤمنا بالبعث والنشور ، ازداد بصيرة برؤية ما وعد به ; ومن كان قلبه على غير ذلك ، رأى ما يوقن معه بأمر القيامة ، قاله الزجاج .

والثاني : أن القلوب تتقلب بين الطمع في النجاة والخوف من الهلاك ، والأبصار تتقلب ، تنظر من أين يؤتون كتبهم ، أمن قبل اليمين ، أم من قبل الشمال؟ وأي ناحية يؤخذ بهم ، أذات اليمين أم ذات الشمال؟ قاله ابن جرير .
والثالث : تتقلب القلوب فتبلغ إلى الحناجر ، وتتقلب الأبصار إلى الزرق بعد الكحل والعمى بعد النظر .
قوله تعالى: ليجزيهم المعنى : يسبحون الله ليجزيهم أحسن ما عملوا أي : ليجزيهم بحسناتهم . فأما مساوئهم فلا يجزيهم بها ويزيدهم من فضله [ ص: 49 ] ما لم يستحقوه بأعمالهم والله يرزق من يشاء بغير حساب قد شرحناه في (آل عمران : 27) .
والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب . أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور

ثم ضرب الله مثلا للكفار فقال : والذين كفروا أعمالهم كسراب قال ابن قتيبة : السراب : ما رأيته من الشمس كالماء نصف النهار ، والآل : ما رأيته في أول النهار وآخره ، وهو يرفع كل شيء ، والقيعة والقاع واحد . وقرأ أبي بن كعب ، وعاصم الجحدري ، وابن السميفع : " بقيعات " . وقال الزجاج : القيعة جمع قاع ، مثل جار وجيرة ، والقيعة والقاع : ما انبسط من الأرض ولم يكن فيه نبات ، فالذي يسير فيه يرى كأن فيه ماء يجري ، وذلك هو السراب ، والآل مثل السراب ، إلا أنه يرتفع وقت الضحى- كالماء- بين السماء والأرض يحسبه الظمآن- وهو الشديد العطش- ماء ، حتى إذا جاء إلى موضع السراب رأى أرضا لا ماء فيها ، فأعلم الله أن الكافر الذي يظن أن عمله قد نفعه عند الله- كظن الذي يظن السراب ماء- وعمله قد حبط .

قوله تعالى: ووجد الله عنده أي : قدم على الله فوفاه حسابه أي : جازاه بعمله ; وهذا في الظاهر خبر عن الظمآن ، والمراد به الخبر عن الكافر .

[ ص: 50 ] قوله تعالى: والله سريع الحساب مفسر في (البقرة : 202) .

قوله تعالى: أو كظلمات في هذا المثل قولان .
أحدهما : أنه لعمل الكافر ، قاله الجمهور ، واختاره الزجاج .
والثاني : أنه مثل لقلب الكافر في أنه لا يعقل ولا يبصر ، قاله الفراء . فأما اللجي ، فهو العظيم اللجة ، وهو العميق (يغشاه) أي : يعلو ذلك البحر موج من فوقه أي : من فوق الموج موج ، والمعنى : يتبع الموج موج ، حتى كان بعضه فوق بعض ، من فوقه أي : من فوق ذلك الموج سحاب .
ثم ابتدأ فقال : ظلمات يعني : ظلمة البحر ، وظلمة الموج [الأول ، وظلمة الموج] الذي فوق الموج ، وظلمة السحاب . وقرأ ابن كثير ، وابن محيصن : " سحاب ظلمات " مضافا إذا أخرج يده يعني : إذا أخرجها مخرج ، لم يكد يراها فيه قولان .
أحدهما : أنه لم يرها ، قاله الحسن ، واختاره الزجاج . قال : لأن في دون هذه الظلمات لا يرى الكف ; وكذلك قال ابن الأنباري : معناه : لم يرها البتة ، لأنه قد قام الدليل عند وصف تكاثف الظلمات على أن الرؤية معدومة ، فبان بهذا الكلام أن يكد زائدة للتوكيد ، بمنزلة ما في قوله : عما قليل ليصبحن نادمين [المؤمنون : 40] .
والثاني : أنه لم يرها إلا بعد الجهد ، قاله المبرد . قال الفراء : وهذا كما تقول : ما كدت أبلغ إليك ، وقد بلغت ، قال الفراء : وهذا وجه العربية .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #410  
قديم 30-12-2022, 11:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ النُّورِ
الحلقة (410)
صــ 51 إلى صــ 60





فصل

فأما وجه المثل ، فقال المفسرون : لما ضرب الله للمؤمن مثلا بالنور، [ ص: 51 ] ضرب للكافر هذا المثل بالظلمات ; والمعنى : أن الكافر في حيرة لا يهتدي لرشد . وقيل : الظلمات : ظلمة الشرك وظلمة المعاصي . وقال بعضهم : ضرب الظلمات مثلا لعمله ، والبحر اللجي لقلبه ، والموج لما يغشى قلبه من الشرك والجهل والحيرة ، والسحاب للرين والختم على قلبه ، فكلامه ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومدخله ظلمة ، ومخرجه ظلمة ، ومصيره إلى الظلمات يوم القيامة .
قوله تعالى: ومن لم يجعل الله له نورا فيه قولان .
أحدهما : دينا وإيمانا ، قاله ابن عباس ، والسدي . والثاني : هداية ، قاله الزجاج .
ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون . ولله ملك السماوات والأرض وإلى الله المصير

قوله تعالى: ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض قد تقدم تفسيره [ البقرة : 30] .

قوله تعالى: والطير أي : وتسبح له الطير صافات أي : باسطات أجنحتها في الهواء . وإنما خص الطير بالذكر ، لأنها تكون بين السماء والأرض إذا طارت ، فهي خارجة عن جملة من في السماوات والأرض .

قوله تعالى: كل أي : من الجملة التي ذكرها قد علم صلاته وتسبيحه قال المفسرون : الصلاة ، لبني آدم ، والتسبيح ، لغيرهم من الخلق .

وفي المشار إليه بقوله : قد علم قولان .

أحدهما : أنه الله تعالى ، والمعنى : قد علم الله صلاة المصلي وتسبيحه ، قاله الزجاج .
[ ص: 52 ] والثاني : أنه المصلي والمسبح . ثم فيه قولان . أحدهما : قد علم المصلي والمسبح صلاة نفسه وتسبيحه ، أي : قد عرف ما كلف من ذلك . والثاني : قد علم المصلي صلاة الله وتسبيحه ، أي : علم أن ذلك لله تعالى وحده .
وقرأ قتادة ، وعاصم الجحدري ، وابن يعمر : " كل قد علم " برفع العين وكسر اللام " صلاته وتسبيحه " بالرفع فيهما .
ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار .

قوله تعالى: ألم تر أن الله يزجي سحابا أي : يسوقه ثم يؤلف بينه أي : يضم بعضه إلى بعض ، فيجعل القطع المتفرقة قطعة واحدة . والسحاب لفظه لفظ الواحد ، ومعناه الجمع ، فلهذا قال : يؤلف بينه ثم يجعله ركاما أي : يجعل بعض السحاب فوق بعض فترى الودق وهو المطر . قال الليث : الودق : المطر كله شديده وهينه .

قوله تعالى : من خلاله وقرأ ابن مسعود ، وابن عباس ، وأبو العالية ، ومجاهد ، والضحاك : " من خلله " ، والخلال : جمع خلل ، مثل : جبال وجبل . وينزل من السماء مفعول الإنزال محذوف ، تقديره : وينزل من السماء من جبال فيها من برد بردا ، فاستغنى عن ذكر المفعول للدلالة عليه . و " من " الأولى لابتداء الغاية ؛ لأن ابتداء الإنزال من السماء ، والثانية للتبعيض ؛ لأن الذي ينزله الله بعض تلك الجبال ، والثالثة لتبيين الجنس ، لأن جنس تلك [الجبال] [ ص: 53 ] جنس البرد ; قال المفسرون : وهي جبال في السماء مخلوقة من برد وقال الزجاج : معنى الكلام : وينزل من السماء من جبال برد فيها ، كما تقول : هذا خاتم في يدي من حديد ، المعنى : هذا خاتم حديد في يدي .
قوله تعالى : فيصيب به أي : بالبرد من يشاء فيضره في زرعه وثمره . والسنا : الضوء ، يذهب وقرأ مجاهد ، وأبو جعفر : " يذهب " بضم الياء وكسر الهاء . يقلب الله الليل والنهار أي : يأتي بهذا ، ويذهب بهذا إن في ذلك التقلب لعبرة لأولي الأبصار أي : دلالة لأهل البصائر والعقول على وحدانية الله وقدرته .
والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير

قوله تعالى : والله خلق كل دابة وقرأ حمزة ، والكسائي : " والله خالق كل دابة من ماء " وفي الماء قولان .
أحدهما : أن الماء أصل كل دابة . والثاني : أنه النطفة ، والمراد به : جميع الحيوان المشاهد في الدنيا . وإنما قال : " فمنهم " تغليبا لما يعقل . وإنما لم يذكر الذي يمشي على أكثر من أربع ؛ لأنه في رأي العين كالذي يمشي على أربع ، وقيل : لأنه يعتمد في المشي على أربع . وإنما سمى السائر على بطنه ماشيا ، لأن كل سائر ومستمر يقال له : ماش وإن لم يكن حيوانا ، حتى إنه يقال : قد مشى هذا الأمر ، هذا قول الزجاج . وقال أبو عبيدة : إنما هذا على سبيل التشبيه بالماشي ، لأن المشي لا يكون على البطن ، إنما يكون [ ص: 54 ] لمن له قوائم ، فإذا خلطوا ما له قوائم بما لا قوائم له ، جاز ذلك ، كما يقولون : أكلت خبزا ولبنا ، ولا يقال : أكلت لبنا .
لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين . وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين . أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون

قوله تعالى: ويقولون آمنا بالله قال المفسرون : نزلت في رجل من المنافقين يقال له : بشر كان بينه وبين يهودي حكومة ، فدعا اليهودي المنافق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما ، فقال المنافق لليهودي : إن محمدا يحيف علينا ! ولكن بيني وبينك كعب بن الأشرف ، فنزلت هذه الآية .

قوله تعالى: ثم يتولى فريق منهم يعني : المنافقين من بعد ذلك أي : من بعد قولهم : آمنا وما أولئك يعني : المعرضين عن حكم الله ورسوله بالمؤمنين وإذا دعوا إلى الله أي : إلى كتابه ورسوله ليحكم بينهم [ ص: 55 ] الرسول إذا فريق منهم معرضون ومعنى الكلام : أنهم كانوا يعرضون عن حكم الرسول عليهم ، لعلمهم أنه يحكم بالحق ; وإن كان الحق لهم على غيرهم ، أسرعوا إلى حكمه مذعنين ، لثقتهم أنه يحكم لهم بالحق . قال الزجاج : والإذعان في اللغة : الإسراع مع الطاعة ، تقول : قد أذعن لي ، أي : قد طاوعني لما كنت ألتمسه منه .

قوله تعالى: أفي قلوبهم مرض أي : كفر أم ارتابوا أي : شكوا في القرآن؟ وهذا استفهام ذم وتوبيخ ، والمعنى : أنهم كذلك ، وإنما ذكره بلفظ الاستفهام ليكون أبلغ في ذمهم ، كما قال جرير في المدح :


ألستم خير من ركب المطايا [وأندى العالمين بطون راح]


أي : أنتم كذلك . فأما الحيف ، فهو : الميل في الحكم ; يقال : حاف في قضيته ، أي : جار ، بل أولئك هم الظالمون أي : لا يظلم الله ورسوله أحدا ، بل هم الظالمون لأنفسهم بالكفر والإعراض عن حكم الرسول .

ثم نعت المؤمنين ، فقال : إنما كان قول المؤمنين قال الفراء : ليس هذا بخبر ماض ، وإنما المعنى : إنما كان ينبغي أن يكون قول المؤمنين إذا دعوا أن يقولوا سمعنا . وقرأ الحسن ، وأبو الجوزاء : " إنما كان قول المؤمنين " بضم اللام . وقرأ أبو جعفر ، وعاصم الجحدري ، وابن أبي [ليلى] : " ليحكم بينهم " برفع الياء وفتح الكاف . وقال المفسرون : المعنى : سمعنا قول رسول الله صلى عليه وسلم وأطعنا أمره ، وإن كان ذلك فيما يكرهونه .
قوله تعالى: ويخش الله أي : فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما بعد أن يعصيه . وقرأ ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي ، وورش عن نافع : " ويتقهي " [ ص: 56 ] موصولة بياء . وروى قالون عن نافع : " ويتقه فأولئك " بكسر الهاء لا يبلغ بها الياء . وقرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم : " ويتقه " جزما .
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله خبير بما تعملون . قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين

قوله تعالى: وأقسموا بالله قال المفسرون : لما نزل في هؤلاء المنافقين ما نزل من بيان كراهتهم لحكم الله ، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : والله لو أمرتنا أن نخرج من ديارنا وأموالنا ونسائنا لخرجنا ، فكيف لا نرضى حكمك؟! فنزلت هذه الآية .

وقد بينا معنى جهد أيمانهم [المائدة : 53] ، لئن أمرتهم ليخرجن من أموالهم وديارهم ، وقيل : ليخرجن إلى الجهاد قل لا تقسموا هذا تمام الكلام ; ثم قال : طاعة معروفة قال الزجاج : المعنى : أمثل من قسمكم الذي لا تصدقون فيه طاعة معروفة . قال ابن قتيبة : وبعض النحويين يقول : الضمير فيها : لتكن منكم طاعة معروفة ، أي : صحيحة لا نفاق فيها .
قوله تعالى: فإن تولوا هذا خطاب لهم ، والمعنى : فإن تتولوا ، فحذف إحدى التاءين ومعنى التولي : الإعراض عن طاعة الله ورسوله ،فإنما عليه يعني : الرسول ما حمل من التبليغ وعليكم ما حملتم من الطاعة ; وذر بعض المفسرين أن هذا منسوح بآية السيف ، وليس بصحيح .
[ ص: 57 ] قوله تعالى: وإن تطيعوه يعني : رسول الله صلى الله عليه وسلم تهتدوا ، وكان بعض السلف يقول : من أمر السنة على نفسه قولا وفعلا ، نطق بالحكمة ، ومن أمر الهوى على نفسه قولا وفعلا ، نطق بالبدعة ، لقوله : وإن تطيعوه تهتدوا .
وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون

قوله تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم روى أبو عبد الله الحاكم في " صحيحه " من حديث أبي بن كعب قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة وآواهم الأنصار ، رمتهم العرب عن قوس واحدة ، كانوا لا يبيتون إلا في السلاح ، ولا يصبحون إلا في لأمتهم ، فقالوا : أترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل؟! فنزلت هذه الآية . قال أبو العالية : لما أظهر الله عز وجل رسوله على جزيرة العرب ، وضعوا السلاح وأمنوا ، ثم قبض الله نبيه ، فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا بالنعمة ، فأدخل الله عز وجل عليهم الخوف ، فغيروا فغير [ ص: 58 ] الله تعالى ما بهم . وروى أبو صالح عن ابن عباس : أن هذا الوعد وعده الله أمة محمد في التوراة والإنجيل . وزعم مقاتل أن كفار مكة لما صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين عن العمرة عام الحديبية ، قال المسلمون : لو أن الله تعالى فتح علينا مكة ، فنزلت هذه الآية .

قوله تعالى: ليستخلفنهم أي : ليجعلنهم يخلفون من قبلهم ، والمعنى : ليورثنهم أرض الكفار من العرب والعجم ، فيجعلهم ملوكها وساستها وسكانها . وعلى قول مقاتل : المراد بالأرض مكة .

قوله تعالى: كما استخلف الذين من قبلهم وقرأ أبو بكر عن عاصم : " كما استخلف " بضم التاء وكسر اللام ; يعني : بني إسرائيل ، وذلك أنه لما هلكت الجبابرة بمصر ، أورثهم الله أرضهم وديارهم وأموالهم .
قوله تعالى: وليمكنن لهم دينهم وهو الإسلام ، وتمكينه : إظهاره على كل دين ، وليبدلنهم وقرأ ابن كثير ، وأبو بكر ، وأبان ، ويعقوب : " وليبدلنهم " بسكون الباء وتخفيف الدال من بعد خوفهم أمنا لأنهم كانوا مظلومين مقهورين ، يعبدونني هذا استئناف كلام في الثناء عليهم ، ومن كفر بعد ذلك بهذه النعم ، أي : جحد حقها . قال المفسرون : وأول من كفر بهذه النعم قتلة عثمان .
[ ص: 59 ] لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير
قوله تعالى: لا تحسبن الذين كفروا قرأ ابن عامر ، وحمزة عن عاصم : " لا يحسبن " بالياء وفتح السين . وقرأ الباقون : بالتاء وكسر السين .
[ ص: 60 ] يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم ولا عليهم جناح بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم كذلك يبين الله لكم آياته والله عليم حكيم والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سميع عليم
قوله تعالى: ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم في سبب نزولها قولان .
أحدهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجه غلاما من الأنصار يقال له : مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه ، فدخل فرأى عمر على حالة كره عمر رؤيته عليها ، فقال : يا رسول الله ، وددت لو أن الله أمرنا ونهانا في حال الاستئذان ، فنزلت هذه الآية ، قاله ابن عباس .
والثاني : أن أسماء بنت مرثد كان لها غلام ، فدخل عليها في وقت كرهته فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حالة نكرهها ، فنزلت هذه الآية ، قاله مقاتل .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 426.17 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 420.10 كيلو بايت... تم توفير 6.07 كيلو بايت...بمعدل (1.42%)]