القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         معركة شذونة.. وادي لكة.. وادي برباط (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 90 )           »          أخــــــــــلاق إسلامية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 471 )           »          إضاءات سلفية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 2485 )           »          من أساليب التربية في القرآن الكريم ، أسلوب الحكيم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 133 )           »          موقظة في تعريف عقد البيع في الفقه الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 76 )           »          الوجيز في أحكام التداولات المالية المعاصرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 102 )           »          حكم التورق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 69 )           »          حكم التلفيق بين أقوال المذاهب الفقهية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 111 )           »          فائدة في كفارة اليمين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 133 )           »          حكم التدرج في تطبيق الأحكام الشرعية، البدائل الإسلامية للمعاملات المصرفية نموذجا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 144 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الصوتيات والمرئيات والبرامج > ملتقى الصوتيات والاناشيد الاسلامية > ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الخطب والمحاضرات والكتب الاسلامية ملتقى يختص بعرض الخطب والمحاضرات الاسلامية والكتب الالكترونية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07-08-2023, 10:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 140,196
الدولة : Egypt
افتراضي القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين

القرآن الكريم كتاب رحمة للعالمين
السيد مراد سلامة

الخطبة الأولى
أما بعد: فحديثنا أيها الإخوة الأحباب عن كلام رب الأرباب، حديثنا عن شمولية رحمة القرآن الكريم، فمن أراد أن تنهال عليه الرحمات، وتتنزَّل عليه البركات، فعليه بكلام رب الأرض والسماوات.

جاءَ النبِيُّونَ بِالآياتِ فَانصَرَمَتْ
وَجِئتَنا بِحَكيمٍ غَيرِ مُنصَرِمِ
آياتُهُ كُلَّما طالَ المَدى جُدُدٌ
يَزِينُهُنَّ جَلالُ العِتْقِ وَالقِدَمِ
يَكادُ في لَفظَةٍ مِنهُ مُشَرَّفَةٍ
يوصيكَ بِالحَقِّ وَالتَّقوى وَبِالرَّحِمِ


قال عنه السيوطي رحمه الله: "وإن كتابنا القرآن لهو مفجر العلوم ومنبعها، ودائرة شمسها ومطلعها، أودع فيه سبحانه وتعالى علم كل شيء، وأبان فيه كل هدْيٍ وغي، فترى كل ذي فن منه يستمد وعليه يعتمد"[1].


قال عنه الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات: "إن كتاب الله قد تقرر أنه كلية الشريعة، وعمدة الملة، وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، وأنه لا طريق إلى الله سواه، ولا نجاة بغيره، ولا تمسك بشيء يخالفه، وهذا لا يحتاج إلى تقرير واستدلال عليه؛ لأنه معلوم من دين الأمة"[2].

القرآن الكريم رحمة للعالمين:
القرآن الكريم رحمة في سهولته ويسره، رحمة في أخذه بأيدي الحيارى إلى رب البرايا، رحمة في رفعه الحرج والمشقة، رحمة في تيسيره على المرضى والضعفاء والمسافرين، رحمة في دعوته إلى التوبة وفتح أبوابها أمام جميع العصاة، رحمة في أمره بكل طاعة تكون سببًا من أسباب حصول الرحمة، رحمة بما أودع الله فيه من علوم تسعد الأمم والشعوب، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ* وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [النمل: 76-77].


قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤمِنِينَ صفة أخرى من صفات القرآن الكريم الدالة على أنه من عند الله تعالى؛ أي: إن هذا القرآن لهادٍ للمؤمنين إلى طريق الرشاد، ورحمة لهم في الأحكام التشريعية المتعلقة بالعقيدة؛ كالتوحيد والحشر والنبوَّة وصفات الله الحسنى، والمتعلقة بالأحكام العملية الملائمة لحاجات البشر، وتحقيق مصالحهم في الدنيا والآخرة.


وخص هدايته ورحمته بالمؤمنين؛ لأنهم هم الذين آمنوا به، وصدقوا بما فيه، وعملوا بأوامره، واجتنبوا نواهيه، وطبقوا على أنفسهم أحكامه، وآدابه، وتشريعاته.


وقال تعالى: ﴿ الم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ * هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ [لقمان: 1 - 3] كما في قوله سبحانه: ﴿ وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [الإسراء: 82].


﴿ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ لما فيه من العلوم النافعة المشتملة على ما فيه صلاح الدنيا والدين، ولما في تلاوته وتدبره من الأجر العظيم الذي يكون سببًا لرحمة الله سبحانه ومغفرته ورضوانه، ومثل هذه الآية قوله تعالى: ﴿ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فصلت: 44].


ثانيًا: مظاهر الرحمة في القرآن الكريم:
أولًا: إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الله:
إخوة الإسلام، من مظاهر الرحمة في القرآن الكريم أن الله تعالى يرسل رسله مبشرين ومنذرين؛ قال تعالى: ﴿ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [الدخان: 5، 6].


هذه نِعمة من نِعَم الله على الإنسان، ومظهر من مظاهر تكريمه وتفضيله، لقد أرسل الله له الرُّسل على فترة من الزمن مبشرين ومنذرين، وحملوا لهم شريعة الله وقوانينه التي ينبغي أن يلتزموا بها؛ ليسعدوا في دنياهم وأُخْراهم، وهذه رحمة من الله بعباده، فالإنسان برغم مَلكته العقلية لا يستطيع أن يتوصَّل بمفرده إلى معرفة الغيبيات والحقائق التي فوق قدراته العقلية، ولا يمكنه أن يضع شرائع وقوانين مضبوطة تنظِّم العلاقات والسلوك والمعاملات التي تحفظ حقوق الأفراد والجماعات، فالقوانين الوضعية هي اجتهادات بشرية قد يصيب فيها واضعها أو يخطئ، أو قد تضعها جهة تريد المصلحة لنفسها أو عشيرتها.


أمَّا قوانين الرسالات السماوية فهي رحمة للناس كافَّة، تعصمهم جميعًا من الخطأ وتُبيِّن لهم الأحكام الصائبة وتساوي بينهم، فلا يفضل أحدهم على الآخر إلَّا بالتقوى والعمل الصالح، كما أن الرسالات السماوية حجة على الإنسان أمام الله، فلا يستطيع إنكار ما جاء به الرُّسل: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165]، وقال الله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107].


ثانيًا: رحمة القرآن في التيسير ورفع الحرج:
إخوة الإسلام، إن الذين يحاربون القرآن ويصفونه بالتشدُّد والإرهاب ويتطاولون عليه لم يقفوا على هذا الكتاب الذي هو ينبوع الرحمة، والذي هو ينبوع اليسر، والذي هو ينبوع السماحة، وقد نص الله على ذلك في أكثر من موضع في كتابه الكريم، فقال سبحانه: ﴿ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 6]، ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [النساء: 26]، ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء: 28]، ﴿ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 178].


ومعالم ومظاهر التيسير تتجلَّى في مجالات الحياة كلها لكنها في باب العبادات أكثر وضوحًا، وهذا أمر ليس بمستغرب؛ لأن العبادة صلة محضة بين العبد وربه، وهو سبحانه لطيف بعباده؛ كما قال سبحانه: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ [الشورى: 19]، فهو الرحيم بهم، فلا يشق عليهم، ولا يكلفهم ما لا يطيقون.


ففي باب الطهارة: التيمُّم بالتراب بدل الطهارة بالماء عند عدمه، أو عدم القدرة على استعماله؛ كما قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 6].


وفي باب الصلاة: قصر الصلاة الرباعية في السفر؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا [النساء: 101].


في الصلاة رخَّص للمريض أن يصلي قاعدًا أو مضطجعًا أو على جنب أو مستلقيًا على ظهره، وفي السفر تصبح الرباعية ركعتين، وفي الجهاد تصبح الرباعية واحدة عند التحام الصفوف، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "فرض الله الصلاة على لسان رسول الله في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة، فإن خفتم فرجالًا أو ركبانًا".


في الصيام رخص للمسافر الإفطار في حال السفر والمرض﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة: 184]، ولو تتبعنا مظاهر التيسير في الإسلام لوجدنا له صورًا عديدة.


ثالثًا: رحمة اليسر والسهولة في فهم الشريعة:
أما يسر معرفة الشريعة وسهولة إدراكها فهو أمر اقتضته حكمة الله تعالى أن يكون الإسلام لجميع الناس، العالم والجاهل والقارئ والأُمِّي، فلو كان العلم بها عسيرًا، أو متوقِّفًا على وسائل علمية تدقُّ على الأفهام، لكان من العسير على جمهور المكلَّفين بها أخذها ومعرفتها أولًا، والامتثال لأوامرها ونواهيها ثانيًا.


ومن هنا يمكن فهم تيسير الله تعالى القرآن للذكر؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر: 17]، وسهولة التكاليف الاعتقادية، وعدم وجود غموض أو تعقيد فيها.


وقال سعيد بن جبير: ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرًا إلا القرآن[3].


غالب القرآن إذا قرأه عوامُّ الناس يستطيعون أن يفهموه في الجملة، ويبقى هناك آيات منه لا يعلمها إلا الراسخون في العلم، وهناك ما لا يعلم تأويله على الحقيقة إلا الله.


رابعًا: من وسائل تحصيل الرحمة في القرآن الكريم التوبة:
إخوة الإسلام، إن من أبرز مظاهر رحمة الله بعباده في القرآن الكريم، أنه فتح لهم الباب واسعًا للتوبة والعودة إليه مهما كبرت ذنوبهم وكثرت، وفي أيِّ وقتٍ وفي أيِّ مكان هو حاضرٌ لقبول توبتهم بدون أيِّ واسطة، بل هو سبحانه حتى لم يسمح لهم باليأس والقنوط من رحمته؛ إذ أمر رسوله أن يبلِّغ الناس: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر: 49].


وإن هذا الغفران من مقتضى رحمته؛ لأنه يريد لعباده أن يكونوا أطهارًا وأن يموتوا أطهارًا، ومن تدنس من أدناس العصيان يطالبه بأن يدحضه عن نفسه، ليغفر له برحمته، ويريد من عباده أن يعلموا الصبر والشكر نهاية أعمالهم في الدنيا، وقدمت المغفرة على العذاب، لسبق رحمته غضبه.


﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر: 53]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [الأنعام: 54].


قال ابن القيم: "قد استقرت حكمة الله به عدلًا وفضلًا: أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وقد ضمن الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنا، أنه يبدل سيئاته حسنات، وهذا حكم عام لكل تائب من ذنب، وقد قال تعالى: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53]، فلا يخرج من هذا العموم ذنب واحد، ولكن هذا في حق التائبين خاصة"[4].


وقد ورد في حديثٍ قدسي: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي، يَا بْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً"[5].


ولا تقف حدود كرم الله عند ذلك، بل أعلن سبحانه أنَّه لا يكتفي بغفران الذنوب، بل هو يحبُّ التوَّابين ويحبُّ المتطهِّرين.


إخوة الإسلام، علينا أن ننظر إلى مفهوم التوبة في سياق الرحمة الإلهيَّة، فالغفران والصَّفْح عن الذنوب لا يحصلان إلَّا لأنَّ رحمة الله وسعت كلَّ شيء، وهو الذي سبقت رحمته غضبه، إنَّها رحمة خالصة بالعبد، وهي حماية له، على عكس ممَّا يتصوَّر البعض.


الباب المفتوح من الله يعطي أملًا للعاصي كي يتوب ويتراجع، أمَّا الباب الموصد، فإنَّه يدفع العاصي إلى التمادي، فكم وكم من الشباب عادوا إلى رحاب الله؛ لاعتقادهم وإيمانهم بأنَّ الله يقبل توبتهم مهما عظمت وكبرت! وهذا ما تُشير إليه الآية: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء: 27]؛ إذًا التوبة تمثِّل علاجًا بقدر ما تمثِّل إسقاطًا للماضي.


خامسًا: من وسائل تحصيل الرحمة في القرآن الكريم:إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وطاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النور: 56].


كيف ترجو رحمة الله يا من تؤخر الصلاة عن وقتها؟! كيف ترجو رحمة الله يا من لا تصلي في جماعة؟! كيف ترجو رحمة الله يا من تنام عن الصلاة المكتوبة؟! كيف ترجو رحمة الله أيها الغني وأنت تضنُّ بمالك عن الفقراء والمساكين؟! كيف ترجو رحمة الله يا من تكنز الأموال ولا تُخرِج حق الفقراء والمساكين؟!


سادسًا: من وسائل تحصيل الرحمة في القرآن طاعة الله ورسوله، قال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: 132].

فطاعة الله وطاعة رسوله، من أسباب حصول الرحمة، وهذه الآية جاءت ضمن الحديث عن جريمة أكل الربا، فأطيعوا الله والرسول فيما نهيا عنه من أكل الربا وما أمرا به من الصدقة لعلكم ترحمون في الدنيا بما تفيدكم الطاعة من صلاح حال مجتمعكم، وفي الآخرة بحسن الجزاء على أعمالكم.


فيا أيها المرابي، كيف ترجو رحمة الله وقد عصيت أوامره ولم تطع رسوله صلى الله عليه وسلم؟

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
أما بعد:
سابعًا: من وسائل تحصيل الرحمة أن يدعو المسلم باسم الله الرحمن الرحيم،فإن ذلك أرجى لحصول الرحمة، يقول الله تعالى: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا [الكهف: 10]، وقال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف: 180]، فيسأل لكل مطلوب بالاسم المقتضي لذلك المطلوب المناسب لحصوله ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]، ﴿ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ [المؤمنون: 118].


ثامنًا: من وسائل تحصيل الرحمة في القرآن الإحسان:
ومن الأبواب التي تدخل العبد في رحمة الرحمن الرحيم الإحسان وهي كلمة جامعة لأصول الدين وأصول المعاملات وأصول الأخلاق، قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف: 56].


فرحمة الله قريب من المحسنين الذين يعبدون الله تعالى كأنهم يرونه، فيراقبونه في كل صغيرة وكبيرة، ويعلمون أنه جل جلاله يعلم السر وأخفى، فيأتمرون بأمره، وينتهون عن نهيه، ورحمة الله قريبة من المحسنين الذين يحسنون في عبادتهم لله تعالى، ويؤدونها دون خلل أو تقصير أو تفريط، ورحمة الله قريب من المحسنين الذين يحسنون إلى خلق الله بالمعاملة الحسنة.


تاسعًا: من وسائل تحصيل الرحمة في القرآن: تقوى الله تعالى:
ومن وسائل تحصيل رحمة الله في القرآن الكريم، التقوى والإتيان بأمهات الطاعات، فمن اتقى الله تعالى وأتى بأمهات الطاعات، فقد نال القسط الأوفى من رحمته تعالى ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ [الأعراف: 156، 157]، ﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ [الأعراف: 156]، فَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى: نَحْنُ مُتَّقُونَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الْآيَةَ. فَخَرَجَتِ الْآيَةُ عَنِ الْعُمُومِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.


رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "كتبها الله عز وجل لهذه الأمة"[6].
الدعاء...

[1] الإتقان في علوم القرآن (1/ 16).

[2] علوم القرآن عند الشاطبي من خلال كتابه الموافقات (ص: 133).

[3] تفسير القرطبي (17/ 134).

[4] الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي (ص: 165).

[5] أخرجه الترمذي (5/ 548، رقم 3540)، وقال: غريب، والضياء (4/ 399، رقم 1571)، وقال: إسناده صحيح، صحيح الجامع: 4338، الصحيحة: 127.

[6] تفسير القرطبي (7/ 296).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع



مجموعة الشفاء على واتساب


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.04 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 64.37 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.53%)]