سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن ) - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 1 )           »          أخلاقيات الزواج في السنة النبوية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          ماهو الوقف في الإسلام ؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          الحمية .. ما لها وما عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          آيات وأحاديث في فضل الدعاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          غزوة بدر الكبرى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4386 - عددالزوار : 836309 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3918 - عددالزوار : 379032 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 08-06-2009, 02:42 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (10)

العاشر
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة البقرة : ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ ( سورة البقرة : 185 )
حديث عن الزمان الذي أنزل فيه وعن هدايته ومقاصده .
وفي الحديث عن الزمن تشريف لشهر رمضان وتعظيم، إذ اختص من بين الشهور بإنزال القرآن فيه ﴿
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ .
والشهر فيه قولان لأهل اللغة أشهرهما أنه اسم لمدة الزمان الذي يكون مبدؤها الهلال ظاهراً إلى أن يستتر، وسمي بذلك لشهرته في حاجة الناس إليه في العبادات والمعاملات وغيرها . الثاني : اسم للهلال نفسه .
ورمضان علم لهذا الشهر المخصوص، وقد قيل في تسميته برمضان لأنه وافق مجيئه في الرمضاء وهى شدة الحر فسمى به، وقيل لأنه يَرْمَضُ الذنوب أي يحرقها ويمحوها، وأما القرآن فهو في الأصل مصدر قرأت ثم صار علما لما بين الدفتين . وقد نزل جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وكان ذلك في شهر رمضان في ليلة القدر منه، كما قال الله عز وجل ﴿
إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ﴾ ( سورة الدخان :3 ) وقال : ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ ( سورة القدر : 1 )
ثم نزل بعده مفرقا بحسب الوقائع على رسول الله صلى الله عليه وسلم . هكذا روى من غير وجه عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وقوله ﴿
هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
حديث عن هداية القرآن وما يحققه في حياة الناس . لقد أنزله الله هدي لقلوب العباد ممن آمن به وصدقه وأحسن اتباعه .
﴿
هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ ﴾ أي دلائل واضحات، وحججا جلية لمن فهمها وتدبرها، دالة على صحة ما جاء به من الهدى المنافي للضلال، والرشد المخالف للغي، ومفرقا بين الحق والباطل والحلال والحرام .
وما من شأن من شؤون الخلق إلا وللقرآن فيه إرشاد وبيان وتبصرة وذكرى . ويخطئ من يظن أن هداية القرآن عرضٌ يأبونها، أو يعرضون عنها، فيُتركون دون حساب وجزاء .
يخطئ من يظن أن القرآن ـ وهو الحق من ربهم ـ يُعرض عنه مَن يعرض، فلا يؤاخذ بذنب أو يحاسب على إعراض وترك . إنه الهدى والحق . وللهدى والحق نور ونار، فمن أبى النور فالنار موعده .
إن الكارهين للحق مأخذون به، والمعرضون عنه ماكثون في ناره ﴿
إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ {74} لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ {75} وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ {76} وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ {77} لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ {78} ﴾ ( سورة الزخرف 74 ـ 78 )
إن القرآن الكريم ـ وهو يهدي في كل شأن للتي هى أقوم ـ به تتحدد مصائر الناس، وتتميز صفوفهم، فمن اتبع هداه اهتدى ونجا، ومن أعرض عنه ضل وخسر . وسيظل يدعو الناس إلى اتباعه ما بقيت الحياة، ثم هو ـ يوم القيامة ـ شافع شاهد، تسأل كل آية فيه عن فريضتها . ومن تدبر عرف النتائج، ومن استبصر أدرك العواقب ، ومن أبى النور والهداية في يومه ندم على ما فرط في غده ، كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه « أخاف أن يقال لي يوم القيامة علمتَ أم جهلت َ ؟ فأقول علمتُ . فلا تبقى آية في كتاب الله آمرة أو زاجرة إلا وتسألني فريضتها . تسألني الآمرة هل ائتمرت ؟ وتسألني الزاجرة هل ازدجرت ؟ فأعوذ بالله من علم لا ينفع ومن دعاء لا يسمع » .
اللهم ارحمنا بالقرآن واجعله لنا إماما ونورا وهدى ورحمة واجعله لنا حجة يا رب العالمين .


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 08-06-2009, 02:43 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (11)

الحادي عشر ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى : ﴿
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ ( سورة البقرة : 252 )
والإشارة في قوله ﴿
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ ﴾ إلى قصة أولئك الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم، وقصة طالوت وجالوت وما وقع فيها من عبر وعظات، وبيان سنة الله في دفعه النّاس بعضهم ببعض، ونصر من يستحق النصر وإن قل عدده، وخذلان من يستحق الخذلان وإن كثر جنده، وكل ذلك بإذن الله وفضله ﴿ وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252) ﴾ ( سورة البقرة : 250 ـ 252 )

﴿
نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ﴾ أي باليقين الثابت الذي لا يعتريه شك ﴿ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ بحيث تخبر بهذا القصص من غير أن تعرفه بقراءة كتب ولا استماع أخبار، فدّل ذلك على رسالتك ﴿ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ أي بشهادة إخبارك عن الأمم من غير مطالعة كتاب أو اجتماع يخبرك بذلك .
ولا أدل على رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن الحكيم : ﴿
وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ ( العنكبوت : 48 ) والمناسبة بين قوله ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ﴾ وقوله ﴿ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ بينة واضحة . فإن الآيات دالة على صدقه، وأنه مرسل من ربه.
ومثله ما جاء في قوله تعالى : ﴿
يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(4) ﴾ ( سورة يس : 1ـ4 )
فإن المقسم به ﴿
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ﴾ دليل على صدق المقسم عليه، كافٍ في الدلالة على نبوته، وأنه مرسل من ربه ﴿ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ ( العنكبوت : 51 ) ووصف القرآن بالحكيم في القسم على رسالة مَنْ أُرسِل ليعلِّم الناس الكتاب والحكمة فيه اتساق بين المقسم به والمقسم عليه .
إن هذا الكتاب الذي نزل بالحق يشهد بنفسه على نفسه بأنه خطاب رب العالمين للناس أجمعين، ويتحدى الجن والإنس أن يأتوا بمثله أو بسورة منه، ويقطع بأنهم لن يأتوا بمثله وإن اجتمعوا ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا؛ لأنه من عند الله الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت . وما كان من عند الله فهو الحق بلا شك أو امتراء . ﴿
الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
وهذه الحقيقة تحدد لطالب الحق مصدر المعرفة والتمسك بما هو حق، وبالحق يعرف الباطل لأنه ضده، وبه لا بغيره يكون الإصلاح ﴿
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ ( المؤمنون : 71 )
والناس مأمورون بأن يصلحوا في الأرض ولا يفسدوا، منهيون عن الإفساد في الأرض بعد إصلاحها . فلا بد من منهج وشرعة تُتّبع، يكون مصدرها الحق لا الهوى، والله هو الحق وقوله الحق، وقد أنزل الكتاب بالحق .
فإذا أراد الناس صلاحا لدنياهم وفلاحا في أخراهم فلا سبيل لذلك إلا باتباع ما نزل من الحق
﴿
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ﴾ .
وهذا ما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعمل به، وأن يبلغه الناس ﴿
ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ ( سورة الجاثية : 18 )
﴿
فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (15) ﴾ ( سورة الشورى : 15 )
وسيظل القرآن الكريم في ثباته وعزته ـ وهو الحق ـ يدعو إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يطفأ نوره ولا يتوقف مده . وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم وعن الكتاب المنزل عليه في آية واحدة بلا تفرقة تبصرة وذكرى للمؤمنين ﴿
تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (252)
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 08-06-2009, 02:45 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (12)

الثاني عشر ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة آل عمران : ﴿
; الم (1) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (5) )هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 6) ﴾ ( سورة آل عمران : 1ـ 6 )
آيات فيها بيان عمن نزل الكتاب، ومن نزل عليه، وعن وصف هذا الكتاب، وما يهدي إليه . فالمنزِّل هو الله لا إله إلا هو الحي القيوم، ولكل صفة من هذه الصفات دلالتها في الأخذ بما جاء في هذا الكتاب، والاعتصام به، وحسن اتباعه، ولها دلالتها كذلك في الجزاء، جزاء من صدق وآمن، ومن كذب وأعرض
﴿
; لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (31) ﴾ النجم 31 والله لا يخفى عليه شئ من أمر هؤلاء وأولئك ﴿ ; إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ﴾ وفي قوله ﴿ ; نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾ بيان للمنزَّل عليه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم. وفي هذا القول ما فيه من إشادة بالكتاب، وأنه الجدير بهذا الوصف دون سواه، ومن تكريم لمَنْ نزّل عليه بتوجيه الخطاب إليه
﴿
; نَزَّلَ عَلَيْكَ ﴾ ، ومن بيان لمكانة المنزل، وحقيقته، وأنه منزل بالحق، فهو حق في ذاته وفيما يدعو إليه ، فليس للباطل إليه سبيل، فهو مصون بحفظ الله في الأرض وفي السماء ﴿ ; قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ﴾( سورة النحل : 102) ﴿ ; وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾ ( الإسراء : 105)
﴿
; نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ بيان لحقيقة هذا الكتاب، ومن نزله، ومن نزل عليه.
وقد سُبق بقوله ﴿
; اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ ولا شئ أدعى للتمسك بالكتاب المنزل من معرفة هذه الحقيقة ﴿ ; اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ . إنها تحقق في نفس المتدبر المهابة والخشية، وحسن الإقبال عليه والاعتصام به . ومن عرف أن كتابا يأتيه من عظيم له شأن، أحسن استقباله وعمل بمقتضاه ـ ولله المثل الأعلى ـ والكتاب ـ الذي يُدعى الناس جميعا إلى الاستمساك به، وحسن اتباعه، وعدم الإعراض عنه ـ من الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، والرسول رسوله . وفي الكتاب دلالة على هذه الحقيقة لا تخفى . وفي الرسول كذلك وهو الأسوة والقدوة في بيان هذه الحقيقة . والله شاهد له وكفى بالله شهيدا . وأقوى الدلالات ما يجده الإنسان في نفسه وهو يتلو كتاب ربه، يجد هذه الخاصية الفريدة التي لا توجد إلا في هذا الكتاب ﴿ ; اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) ﴾ ( الزمر 23 ) . خصوصية دالة على أنه من الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم . وجدير به وتلك نسبته أن يكون كذلك في تأثيره، وفيما يخبر به أو يدعو إليه .
﴿
; اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ ﴾ إن حديث القرآن عن القرآن في هذا المقام بما اشتمل عليه يدعو إلى عبادة الله، وعدم الإشراك به، وحسن التوكل عليه .
فإن هذا الكتاب منزل من الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، فهو المتفرد بصفة الألوهية، وهو الحي الذي يتوكل عليه، ولا يتوكل على غيره . فإن الإنس والجن يموتون والله حي لا يموت ﴿
; وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ ﴾ وهو القيوم الذي تقوم به كلّ حياة، وبه يقوم كلّ وجود، فلا قيام لحياة في هذا الكون ولا وجود له إلا به سبحانه . إن هذه الصفات وهى تذكر في الحديث عن القرآن تهيئ النفس لاستقبال ما يتلى، وتثير الخشية، وتدعو إلى صدق الإخلاص وحسن التقبل . لأن الذي نزل القرآن يستحق أن يُعْبَدَ، وأن يطاع ويتقى ، وهو أحق أن يُخشى . ومنهج عبادته وتقواه ما نُزِّل في هذا الكتاب على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد كان خلقه القرآن، فمن رام صلاحاً وفلاحاً في عاجله وآجله فعليه أن يتبع هذا المنهج في صدق وإخلاص واقتداء وحسن اتباع ﴿ ; وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾ ( سورة الأنعام : 153 )

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 08-06-2009, 02:45 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (13)

الثالث عشر ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة آل عمران :
﴿
الم (1) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ (سورة آل عمران : 2 ـ3 )
وقد تحدثنا عن هذه الآيات من قبل، وقلنا إنها حديث عمن نزّل الكتاب، ومن نُزّل عليه، وعن وصف هذا الكتاب، وما يدعو إليه . وفي ذلك ما يثير الخشية، ويدعو إلى صدق الإخلاص وحسن التقبل؛ لأن الذي نزل الكتاب هو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، كما أنه نزل التوراة والإنجيل من قبل . وهذا الكتاب الذي نزله الله عليك بالحق ﴿
مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ من التوراة والإنجيل، وكلها تستهدف غاية واحدة ﴿ هُدىً لِلنَّاسِ ﴾ وهذا الكتاب ﴿فرقان﴾ بين الحق الذي تضمنته الكتب المنزلة، والانحرافات والشبهات التي لحقت بها بفعل الأهواء والشهوات .
فلا وجه للتكذيب أو الإعراض من أهل الكتاب، والقرآن مصدق لما بين يديه من الكتاب، وقد نزّله من أرسل الرسل، وأنزل الكتاب الله لا إله إلا هو الحي القيوم . وفي قوله ﴿
مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ دلالة على هيمنته ومكانته، وأنه الشاهد على ما جاء فيها، المؤتمن على حقيقتها، ودفع الشبه عنها ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ﴾ ( المائدة48 ) فلم يبق بعد نزوله سبيل لادعاء على رسل الله أو تقول عليهم . وهذا الكتاب فرقان واضح مبين، يفرق بين الحق والباطل، والحلال والحرام، والظلمات والنور . ﴿ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ ﴾ وتلك مهمة الكتاب المهيمن والرسول الخاتَم . مهمة الكتاب بيان ما كان عليه الرسل جميعا، وأنهم بعثوا بدين واحد هو الإسلام ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ ( آل عمران 85 )
ومهمة الرسول الخاتم أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه، وأن يخاطب الناس جميعا في يقين وثقة ﴿
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158) ﴾ ( سورة الأعراف : 158 )
فمن أبي إلا الإعراض والجحود من أهل الكتاب، أو من غيرهم فهذا هو الوعيد
﴿
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)
( آل عمران : 4 )
وفي صدد الوعيد بالعذاب الشديد، يؤكد لهم علم الله الذي لا يندّ عنه شئ، فلا خفاء عليه ولا إفلات منه ﴿
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ ﴾ ( سورة آل عمران : 5 )
فلا يمكن ستر النوايا عليه، ولا إخفاء الكيد عنه، ولا يمكن كذلك التفلت من الجزاء والتهرب منه ﴿
يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ ﴾ ( سورة النور : 25 )
وفي ذلك بلاغ للناس جميعا ليعرفوا حقيقة الرسالة والرسول، وليتقوا الله في أنفسهم، وفيما ينسبونه إلى الأنبياء، فإن حفظ « الفرقان والذكر» حفظ للرسالة وفي هيمنته صون للأمانة التي بعث بها الرسل، وصدقوا جميعاً في تبليغها، والتمسك بها، وفي « حفظ الذكر »شهادة على أولئك الذين يريدون أن يفرقوا بين الله ورسله، ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض .
﴿
آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ ( سورة البقرة : 285 )
ذاك هو الإيمان الذي يدعو إليه هذا الكتاب، والذي دعا إليه الرسل جميعاً . والكل مسئول عما بُلِّغ به وما دُعي إليه ﴿
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) ﴾ ( سورة الأعراف : 6 ـ7 )
وذاك ما يوحي به حديث القرآن عن القرآن في هذه الآيات ﴿
الم (1) اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ (5)
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 08-06-2009, 02:46 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن (14)

14
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة آل عمران : ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران:7].
﴿
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾ حديث عن القرآن، وعمن أنزله، ومن أنزل عليه . والضمير في قوله [هو] يعود إلى الله عز وجل، وقد ذُكِرَ من قبل في آيات. وقد جاء الضمير في قوله ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾ بعد هذه الآيات ليُعلم أنّ من أنزله تلك صفاته فهو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ، وهو عزيز ذو انتقام ، ولا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء . وهو ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:6]
فقوله بعد ذلك ﴿
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾ فيه بيان لمنزلة الكتاب ومكانته ببيان من أنزله، وفيه تشريف وتكريم لمن نُزِّل عليه .
فالمنزِّل هو الله وقد عرفت صفاته وشوهدت آياته .
والمنَزَّلُ عليه رسول من الله فهو جدير بأن يطاع وأن يتّبع، فإن طاعته طاعةٌ لله الذي أرسله ﴿
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء:80]. ولا نجاة إلا بصدق الإخلاص لله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم .
والكتاب في قوله ﴿
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾ هو القرآن فإنه الجدير بهذا الوصف على الإطلاق دون سواه . وقد حفظ بحفظ الله ليبقى منهج الهداية محفوظا للأجيال كلها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبه حفظت الرسالة وختمت وعرفت الحقيقة ـ كما جاءت من عند الله ـ مع جميع الأنبياء . حفظ الكتاب المهيمن فحفظت الهداية لجميع الخلق . وإذا عرف الناس مصدر الهداية ومنهجها وحفظ الله الذكر وبيانه هدى للناس إلى يوم الدين فلا عذر لمخالف ولا حجة لمعرض بعد إعذار وإنذار ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [آل عمران:4] وتقرير الجزاء ـ كما جاء في هذا الكتاب ـ لمن أحسن أو أساء فيه دلالة على أن الحق الذي أنزل وحفظ بحفظ الله لا يمكن أن يهزم أو يضيع، ومن تدبر العواقب أيقن يقيناً لا شك فيه أن الحق لا يمكن أن يهزم أبدا . والأمور بعواقبها . والعاقبة نصر للحق ودمار لمخالفيه، وتكريم للعاملين به وهلاك للكارهين ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ﴾ .
وإذا تدبرنا ﴿
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾ دعانا ذلك إلى الاعتصام بالكتاب والتمسك بالسنة . ذلك أن الله هو الذي أنزل الكتاب، وخاطب به رسوله رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿ أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ ﴾ فالمنزل عليه رسول مصطفي من الله يجب أن يطاع، وطاعته طاعة لله ومعصيته معصية لله ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63] وقد جاء الحديث عن هذا الكتاب في قوله: ﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ [آل عمران:7] وهو يفيد أن منه محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات . ولا تعارض بين هذا وبين ما جاء في القرآن، مما يدل على أنه كله محكم؛ إذ قال الله عز وجل ﴿ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ [هود:1] وما جاء فيه مما يدل على أنه كله متشابه إذ قال الله عز وجل ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ [الزمر:23] . لا تعارض بين هذه الإطلاقات لأن معنى إحكامه أنه متقن رصين، لا يتطرق إليه خلل لفظي ولا معنوي كأنه بنيان مشيد محكم يتحدى الزمن ولا ينتابه تصدع ولا وهن .
ومعنى كونه متشابها أنه يشبه بعضه بعضا في إحكامه وحسنه وبلوغه حد الإعجاز في ألفاظه ومعانيه، حتى إنك لا تستطيع أن تفاضل بين كلماته وآياته في هذا الحسن والإحكام والإعجاز .
وأما أن بعضه محكم وبعضه متشابه فمعناه أن من القرآن الكريم ما اتضحت دلالته على مراد الله عز وجل منه . ومنه ما خفيت دلالته على هذا المراد . فالأول هو المحكم، والثاني هو المتشابه على خلاف بين العلماء في ذلك . بيد أن الذي اتفقوا عليه ولا يمكن أن يختلفوا فيه، هو أنه لا تنافى بين كون القرآن كله محكما أي متقنا، وبين كونه كله متشابها أي يشبه بعضه بعضا في هذا الإتقان والإحكام، وبين كونه منقسما إلى ما اتضحت دلالته على مراد الله تعالى وما خفيت دلالته . فالقرآن كله محكم أي متقن؛ لأن الله قد صاغه صياغة تمنع أن يتطرق إليه خلل أو فساد في اللفظ أو المعنى. والقرآن كله متشابه لأنه يماثل بعضه بعضا في هذا الإحكام . والقرآن منه محكم واضح المعنى المراد وضوحا يمنع عنه الخفاء ومنه متشابه تخفى دلالته ﴿
فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ﴾ أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة ﴿ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ ﴾ أي الإضلال لأتباعهم إيهاما لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن وهو حجة عليهم لا لهم. ﴿ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ أي تحريفه على ما يرون . وقد جاء في صحيح البخاري ومسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ..﴾ إلى قوله ﴿ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ ﴾ قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم )
أخي المسلم: لا تكن من أولئك الذين يتكلمون في أمرٍ بلا علم، أو يبتغون التأويل بلا حجة أو دليل، أو يتبعون ما تشابه ويعرضون عن المحكمات ـ وهن أم الكتاب، فإن الله قد جعل لك ما به تستيقن . آيات محكمات هن أم الكتاب ـ وامتحنك بأخر متشابهات، وهداك بفضله ورحمته إلى الحق بإذنه . فادع الله بصدق ويقين ألا تقع فيما وقع فيه أولئك الذين في قلوبهم زيغ ، فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وقل آمنت به كل من عند ربي، وسله مخلصا مع الراسخين المتقين ﴿
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].
ولا تجعل فكرك أسيرا لهواك بإقحامه فيما لا مجال له فيه، وما لا يعلم تأويله إلا الله، واحذر الظن والتخمين، وكن مع الحجة والبينة والبرهان، فبها يطلب العلم ويكون اليقين . فإن الراسخين في العلم لا يقولون قولا بلا علم يستند إلى برهان وحجة . وما استأثر الله بعلمه يجب أن يوقن به، وألا يلجأ إلى تأويله، بل يقول المؤمن ما يقوله الراسخون في العلم ﴿
آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ﴾ . ومن هذا القبيل ما أخفاه الله على الناس من معرفة الساعة، فإن الحكمة في ذلك لا تخفى على ذي عقل ورشد . فإن الله قد أخفى ذلك على الناس رحمة بهم، كما أخفى عنهم آجالهم . فسبحانه من إله حكيم . فما استأثر الله بعلمه وأخبر به وقال ﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ ﴾ فيه من حكمة الامتحان والاختبار ما لا يخفى، وبه يتميز الناس ويتفاوتون في درجات الإيمان واليقين ﴿ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:3].
وقد قضى الله أن يُمتحن الناس، وقد أحكم لهم ما به يكون الثبات على الحق واليقين، وامتحنهم بالمتشابه الذي ذكره واستأثر بعلمه ؛ ليميز الصادقين الراسخين من الكاذبين المذبذبين .
وإذا تجاوزنا عن هذا النوع من المتشابه ـ وهو ما استأثر الله بعلمه ـ إلى غيره مما يعلمه خواص العلماء وما يعرفه الإنسان عن طريق الدرس والبحث، فإن الحكمة فيه لا تخفى سواء في رفع درجات الناس، وتنافسهم على معالي الأمور وتحصيل كثير من العلوم، أو حث الناس على البحث والدرس وطلب المعرفة فيما يصعب عليهم، واستعمال عقولهم فيما طولبوا بتدبره والتفكر فيه . وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين .

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 08-06-2009, 02:47 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن 15

حديث القرآن عن القرآن
ـ 15 ـ

د / محمد الراوي
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴿100﴾ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴿101﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴿102﴾ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [أل عمران : 100 ـ103]
ولنا عند دلالة هذه الآيات من سورة أل عمران وقفات :
الأولى : دلالة هذا النداء ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو ﴾ وما يقتضيه من حسن استجابة وعمل بمقتضاه . فإن من مقتضيات الإيمان حسن الاستجابة لله وللرسول فيما يُدعَى إليه أهل الإيمان من فعلٍ أو ترك . فإن في الاستجابة حياة أيّ حياة . وفي الإعراض فتنة لا تخص الظالمين وحدهم ، بل تعم ، مصداقا لقول الله تعالى
﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴿24 ﴾ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال : 24ـ25]
إن الأمة الإسلامية في مجموعها جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر ، وهذه الأمة لا يحفظ كيانها إلا حسن استجابتها لله وللرسول في كل شأن من شئونها ، وقيامها بما أوجب الله عليها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمسارعة إلى الخيرات . فإن هى قصّرت أو أعرضت حوسبت وعوقبت ، فإن سنن الله لا تجامل ولا تحابي ولا تتحول ولا تتبدل .
وقد جعل الله حياتها بوصفها أمة مرهونة بحسن استجابتها لنداء ربها وعملها بمقتضى إيمانها . فإن هى استجابت لنداء الإيمان حفظت نفسها وأدّت رسالتها وظفرت بعزتها ونصر ربها . وإن تراخت نالها ما ينال غيرها دون تعلق بالأماني أو ركون إلى المغفرة .
وهذا النداء ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُو ﴾ له دلالته في وحدة المؤمنين وترابطهم وتعاونهم في تحقيق مقتضيات الإيمان ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [التوبة:71]
وهذا وعد الله لهم بحسن المثوبة والجزاء والله لا يخلف وعده ﴿
وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:72 ]
إن أيّ تراخ في تحقيق مقتضيات الإيمان أو استخفاف بها أو إعراض عنها يودي بالأمة ويوقعها في الاضطراب والإحباط ، فإن هى تمادت أخذت بذنبها ويستخلف الله قوما آخرين لينظر ما يعملون .
ومن الفهم الخاطئ ، بل من الخطيئة أن يُتَصور أن كل إنسان في محيط الأمة الإسلامية من حقّه أن يفعل ما يشاء دون التزام بمعالم أو حدود . فإن ذلك قد يودي بالأمة كلها ما لم يؤخذ على يد المفسد أو الضال . فقد شبه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرنا نحن المسلمين حيث كنا كالراكبين في سفينة واحدة ليس من حق أحد فيها أن يقول هذا نصيبي أفعل فيه ما أشاء ؛ فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه البخاري عن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنهما ـ :« مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مرُّوا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا». وما الخرق الذي أشير إليه إلا الذنوب والآثام والمعاصي التي يترك أصحابها دون رادع من منكر لها أو مؤاخذٍ عليها . وقد روى الإمام أحمد عن حذيفة بن اليمان أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : « والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لَتَدْعُنَّه فلا يستجاب لكم »
تلك مقتضيات الإيمان وما يوحي به هذا النداء ﴿
يا أيها الذين آمنوا ﴾ كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ « من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان » وفي رواية « وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل »

الوقفة الثانية : عند قوله ﴿
إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ [آل عمران:100] وقد جاء التكليف أو التحذير في هذه الآية في أسلوب الشرط والجزاء لتعرف النتائج وتدرك العواقب . ﴿ إِنْ تُطِيعُوا . . يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ وتلك هى الغاية عند القوم ومن يتوهم غير ذلك فقد ضل سواء السبيل .
ولئن كان للآية سبب خاص فإن العبرة فيها بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
والسبب حين يذكر يعين على حسن فهم وتدبر ويشير إلى أصل الداء والخطر .
ومما جاء في سبب نزول هذه الآية أن شاس بن قيس اليهودي ـ وكان عظيم الكفر ـ قد مر بنفر من الأوس والخزرج ـ وهم في مجلس يتحدثون فغاظه ما رأى من ألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام ، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية ، وقال : قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد . والله ما لنا معهم إذا اجتمعوا من قرار . فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم بعاث ـ وكان يوم بُعاث يوم اقتتلت فيه الأوس والخزرج قبل مبعثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ففعل فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم ، وغضب بعضهم على بعض ، وطلبوا أسلحتهم وتواعدوا إلى الحرة وخرجوا إليها ، فبلغ ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخرج إليهم فيمن معه ، من المهاجرين حتى جاءهم ، فقال: يا معشر المسلمين أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام وقطع عنكم إصْرَ الجاهلية وألف بينكم ترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً ؟ اللهَ الله َ . فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبَكَوْا واعتنق بعضهم بعضا ثم انصرفوا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سامعين مطيعين . قال جابر : فما رأيت يوما أقبح اولاً وأحسن آخراً من ذلك اليوم فأنزل الله ﴿
إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ . ذاك ما ذكر من سبب وهو يعين على حسن فهم وتدبر .
فكيف خرج المسلمون آنذاك من فتنة عدوهم وسلموا من كيده . إن ذلك ما بينته الآيات في أسلوب أخاذ ﴿
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾ ففي هذه الآيات دعوة إلى الاعتصام بالكتاب والتمسك بالسنة
﴿
تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾ فإن في ذلك عصمة من التفرق والتنازع والمطاوعة للهوى والباطل .
إن لأهل الباطل وسائلهم في صرف الناس عن الحق وإبعادهم عنه .
ومن الناس ناس تستخفهم وسائل اهل الشر وتسهل مطاوعتهم للباطل وتستحوذ عليهم الشياطين فيُرّدُّ أحدهم إلى الكفر بعد إيمان ويشاقُّ الرسول بعد بيان .
ومن أهل الكتاب ناس تخصصوا في ترويض المسلمين وردّهم عن دينهم وإفساد ذات بينهم . ولا سلامة من وسائل هؤلاء إلا بصدق اعتصام وحسن اتباع . والكتاب يتلى علينا والسنة قائمة فينا ويكون الأمر بالغ العجب إذا رأيت من يشكو الظمأ والماءُ محمولٌ على ظهره أو يقع في الحيرة ومعه التبصرة ، أو يُردُّ على عقبه بعد إذ هداه الله ﴿
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾ إن الغاية التي يسعى العدو نحوها ، والنتيجة التي يودُّها أن يُرَدَّ المسلمون عن دينهم وأن يعودوا كافرين . ومن توهم غير ذلك أيقظته الفواجع والنكبات . وجميع ما يرى غير ذلك إن هو إلا مقدمات في العمل على إضعاف المسلمين وتمزيق صفوفهم للوصول إلى هذه الغاية وتلك النتيجة ﴿ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ
﴿
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة:109]
وقد تسألنا من قبل ما السبيل إلى حماية الأمة الإسلامية من ذلك ؟ بل ما السبيل إلى تأثيرها في غيرها لا في تأثرها به ومطاوعتها له ؟
إن ذلك لا يكون إلا بإيجاد الإنسان الصحيح في عقيدته وسلوكه وجميع أمره .
فإن الإنسان الصحيح تصح به الأمور الفاسدة . والإنسان الفاسد تفسد به الأمور الصالحة . والمنهج في إعداد الإنسان الصحيح كتاب وسنة . كتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وسنة صحيحة تتم بها الأسوة الحسنة وتصح بها القدوة .
ومع الأخذ بالكتاب والسنة تصعب المطاوعة للباطل ويستعصي على العدو أن يميل بالمسلمين حيث يريد .
وذلك لا يقع إلا عندما تضعف صلة المسلمين بكتاب ربهم وسنة نبيهم .
والكتاب ما أُنزل إلا ليعمل به ويُتَّبع لتتحقق هدايته وينعم الناس بفضل الله ورحمته . ولا تفرقه في الاتباع بين قرآن وسنة . فإن التفرقة بين الكتاب والسنة ردٌّ عن الدين كله ، وتحقيق لمآرب أعداء الله الذين يسعون إلى ذلك بشتى الوسائل ﴿
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ﴾ وآيات الله ـ وهى تتلى ـ تبين للناس ما يجب أن يكونوا عليه في كل شأن وتهدي للتي هى أقوم . وسنة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تُرِى الناس خُلُق القرآن في واقع حيث تكون الأسوة والقدوة بمعرفة وبصيرة ولا يكون للأهواء سبيل في تفسير أو ظن أو تخمين ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44]
ويكون الأمر بالغ العجب إذا وقعت المطاوعة من المسلمين لأعدائهم وحققوا فيهم ما يريدون من فرقة وتنازع والقرآن يتلى عليهم ورسول الله فيهم . أي كيف يوجد منكم الكفر مع وجود هذين النورين ؟ فإذا كان تدبير الأعداء داء يعمل على فرقتكم وإشاعة البغضاء بينكم ، بل على إخراجكم من دينكم وإرجاعكم إلى ظلمات جاهليتكم فإن معكم الدواء الذي يحفظكم ويعينكم على رد الكيد ودفع الشر وإحراز الفوز والنصر ، وهو من عند الله ، وما عند الله لا يطلب إلا بطاعته ، وفي بيان القرآن ما يغنيكم ويبصركم بما يجب أن تكونوا عليه ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴿118 ﴾ هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴿119 ﴾ إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [أل عمران:118ـ120]
هكذا يبين لنا القرآن الكريم ما يجب أن يكون ﴿
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً ﴾ وتحقيق ذلك باتباع المنهج دون غلو أو تفريط والمنهج مسطور ومحفوظ ومن حاد عنه ضل ومن ابتغى العزة في غيره ذلّ ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
الوقفة الثالثة : عند قوله ﴿
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا
فإن من رحمة الله بخلقه أن هداهم إلى معرفته وجعل هدايته عصمة لهم من الضلال وسوء المصير وأمرهم أن يعتصموا بكتاب الله وأن يتمسكوا به فهو حبل الله المتين وصراطه المستقيم . والنور المبين . عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه ﴿
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ﴾ أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة . وبين لهم ما به تجتمع كلمتهم ويأتلف جمعهم . تجتمع كلمتهم ويستقيم سعيهم وتقوى مودتهم بالاعتصام بكتاب ربهم والعمل بما جاء به في أنفسهم وفي روابطهم وفي علاقتهم بغيرهم وفي كل شأن من شئونهم . ونهاهم عن التفرق وحذرهم فإن التفرق دمارٌ لأهله ومدعاة للفشل وذهاب الريح .
والله عز وجل ـ قد أرسل الرسل وأنزل الكتاب ـ لم يترك الناس لكي يجعلوا من أهوائهم شرعا يتبع أو منهجا تجتمع عليه كلمتهم فإن الأهواء تفرق ولا تجمع ، وتفسد ولا تصلح ، ولكل شخص هواه . ولكل حزب مآربه ﴿
وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ [المؤمنون:71] فلابد لجمع الكلمة من شرع منزه عن الأهواء ، يحفظ الحق لجميع الخلق ، ويقيم العدل بلا تفرقه . من أجل ذلك أنزل الله هذا الكتاب وتكفل بحفظه رحمة بخلقه وهداية لهم . أنزله على خاتم الرسل ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد كان خلقه القرآن يرضى برضاه ويسخط بسخطه ، فالأسوة به استمساك بالكتاب والسنة . ومخالفته إعراض عن الذكر وانحراف عن الصراط المستقيم ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [النور:63]
وبذا يكون المنهج قد تحدد علما وعملا ولم يترك لهوى الناس .
وتجربة التاريخ أمام أعيننا ـ نحن المسلمين ـ ترينا أن كلمتنا لم تجتمع إلا به . ووحدتنا لم تصان إلا باتباعه . ولقد بين الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن أمر هذه الأمة في كل زمان ومكان لا يصلح إلا بما صلح به أولها فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ « تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي » .
ذاك ما ائتلفت به القلوب ، وتآخت به النفوس ، وعزت حين اعتزت به ، ولم تر عزّها في غيره ، وهذا ما يذكرنا به الله لنسلك الطريق القويم ، ونحذر السبل التي تفرقنا عن سبيله ، وتجعلنا شيعا وأحزابا ، يعادي بعضنا بعضا ، ويضرب بعضنا وجوه بعض. ولا بقاء لأمة مع الفرقة ولا صلاح لجمع مع التنازع ﴿
وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [ أل عمران : 103 ] هذا التذكير ليس لمن نزل القرآن فيهم فحسب ، بل هو لهم ولنا ولمن جاء من بعدنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ونحن مطالبون بشكر هذه النعمة ولو كانت لأسلافنا من قبل . فكل نعمة أنعمها الله على أسلافنا من قبل لنصر دينه وإعلاء كلمته هى نعمة لنا نطالب بشكرها ؛ إذ لولا ذلك لما وصلت إلينا ونعمنا بها . وذكرها في القرآن ذكر لنا وتبصرة وشرف عظيم لا يدانيه شرف ، فمن أبي القرآن أو أعرض عن الذكر عاش في دنياه مهينا بلا شرف ، وسئل بين يدي الله عما فرط وضيع ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ ﴾ ( سورة الزخرف : 44 )
وقد بين لنا القرآن الكريم كيف نحافظ على جمع الكلمة ونعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق كما أمر الله ، وحفظ البيان لتكون الأجيال كلها على بصيرة من أمرها فلا تَضِلُّ أو تُضّلُّ .
فإن أبى ناس إلا أن يسلكوا سبل الباطل ـ والله يدعوهم إلى الحق ـ فإن الله بما يعملون بصير ، والحق الذي أنزله الله وحفظه لا يُضَيَّع ، فإن للحق نورا ونارا فمن أبى النور فالنار موعده . ﴿
وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ ( سورة محمد : 38 )
﴿
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ [الأنعام:133] . إن مصدر قوة هذه الأمة ـ وهى من الله ـ تتوقف على الاستجابة في التمسك بأسباب القوة كما أمر الله لتسلم من تدبير العدو وكيده وتحقيق مآربه وغايته . هو يريد أن يرد المسلمين بعد إيمانهم كافرين . فليكونوا في جميع أحوالهم مؤمنين صادقين موحِّدين موحَّدين . وليحذروا أسباب الفرقة والتنازع والتشاحن والتخاصم . فإنها تحقق للعدو العبث بمقدراتهم ـ وهم يتخاصمونوأن يتداعى عليهم كما تداعى الأكلة على قصعتها ـ والأمر في بدايته ونهايته يتصل بالمسلمين أنفسهم لا بعدوِّهم ، فإن من سنن الله ألا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . وذنوبهم أخطر عليهم من عدوهم . وما يأتيهم من شر هو من أنفسهم لا من كيد عدوهم . فليسألوا الله العون على أنفسهم كما يسألونه النصر على أعدائهم .
فليحذروا أن يقع الشرط منهم ، فإنه فِعلهم ، فيأتي الجزاء مدمِّرا لدنياهم مُخِسرًا لأخراهم . الشرط ﴿
إِنْ تُطِيعُو ﴾ وهو مسند إليهم لا إلى غيرهم وهم الفاعلون . والجزاء ﴿ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ . تلك هى غاية العدوّ . وفي سبيله يتخذ جميع الوسائل لإضعاف المسلمين وتمزيقهم للوصول إلى هذه النتيجة ﴿ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ . وياله من جزاء يحمل من العار والمذلة وسوء العاقبة ما ينفر منه كل حر تقي كريم .
والقرآن الكريم الذي أُمِر أهل الإيمان أن يعتصموا به ولا يتفرقوا قد بيّن كل شئ . وما فُرّط فيه من شئ . بيّن للمسلمين كيف يعتصمون ويحافظون ويستمسكون ويتوحدون ولا يتفرقون . فقال الله جل شأنه في هذا الكتاب العزيز ﴿
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [أل عمران: 104] ذاك ما بينه القرآن ودعا إليه وحذر من مخالفته أو الإعراض عنه .
وهذا ما يصون وحدة الأمة ويحفظها من الفرقة والاختلاف .
دعوة إلى الخير وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر تقوم به أمة راشدة تعتصم بحبل الله ولا تتفرق أمة تدرك العواقب ـ فتؤدي ما فرض الله عليها ـ ولا تأسرها الأهواء والرغائب .
فإن من فرط فيما أمر به وضيع ما فرض عليه لقى ما لقيت الأمم التي تفرقت واختلفت من قبل ﴿
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [أل عمران : 105] . إن الأمة لا تفلح إلا إذا ساد الخير فيها ، وكان المعروف معروفا والمنكر منكرا . وهذا واجب الأمة في المقام الأول أن ترعى هذا الحق ، وأن تصونه ، وأن يبذل في سبيله كل مرتخص وغال ، وألا تدع للشهوات والنزوات سبيل للفساد والإفساد .
وإذا لم تفعل الأمة ذلك تكون قد رضيت لنفسها بالفرقة المذِلّة والاختلاف المشين الذي يحقق للأعداء غايتهم وينفذ كيدهم وينتهي بهم إلى أسوأ مصير﴿
يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [أل عمران : 106] عذاب وتبكيت وتأنيب على ما وقع من فرقة واختلاف من بعد ما جاءهم البينات .
وجدير بمن عرف هذا المصير على هذا النحو ألا يكون في سعيه إمعة يطيع أهل الشر في شرِّهم دون مبالاة بعاقبة أو مصير .
ولنذكر ما بدئت به الآيات وما تضمنه النداء في قوله ﴿
)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [أل عمران : 100]
فذاك المصير الذي نهانا الله أن نقع فيه في قوله ﴿
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا. . . ﴾ هو مصير أهل الكتاب الذين نهى الله أن يطيعهم أهل الإيمان أو يطاوعوهم فيما يودون ﴿ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿105 ﴾ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ
فهل من متعظ ومعتبر يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه فيرد أمة الإسلام إلى الاعتصام بحبل الله والقيام بما فرض الله من دعوة الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ كما أمر الله ليتحقق لها ما ترجوه من فوز وفلاح ﴿
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ .
﴿
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت :69]

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 08-06-2009, 02:59 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن 16

حديث القرآن عن القرآن
ـ 16 ـ
د / محمد الراوي
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة آل عمران : ﴿ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ [ آل عمران : 108 ]
والمخاطب هو الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي مخاطبته تنويه بشأنه وذكر لمكانته ورسالته والمشار إليه بقوله﴿
تِلْكَ ﴾ ما سبق من الآيات وما تقرر فيها من حقائق ومصائر ومنها ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿104﴾ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿105﴾ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴿106﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴿107﴾ تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ [أل عمران: 104 ـ 108 ]
تلك آيات الله وبيناته لعباده نتلوها عليك بالحق . فما تقرره من مبادئ وقيم حقُّ وما تعرضه من مصائر حقٌّ ، وهى آيات حق من الله الحق .
ومن أدرك ذلك وآمن به تمسك بالحق وعمل به ، ولم تصرفه منفعة عاجلة أو رغبة طارئة عن الاستمساك بالحق والثبات عليه والرضا بنتائجه . فإن الجزاء واقع لا محالة .
فمن تمسك بالحق وجده ، ومن آثر الباطل أُخذ بالحق . والجزاء في الحالين حق . فالجنة حق والنار حق ﴿
وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ
إن ترتيب الجزاء على العمل إحقاق للحق الذي لا تستقيم شئون الناس إلا به .
ومن تدبر العواقب أيقن أن الحق لا يهزم أبداً لأنه من الله ، والله هو الحق ، وقوله الحق ﴿
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [آل عمران:109]
إن من له ما في السموات وما في الأرض لا يستطيع أحد أن ينفذ من ملكه أو يفلت من حكمه ، ومن إليه ترجع الأمور لا إلى غيره يحاسب على الحق الذي بصَّر به ودعا إليه وأقام الحجة على الخلق بآياته وبيناته ، وهو قادر على ذلك ﴿
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً [سورة فاطر:44]
فالأمر جد لا هزل فيه ، وحق لا يقترب من ساحته باطل ولا يتسرب إليه .
إن من نزّل هذه الآيات لا يعجزه من شئ في الأرض ولا في السماوات . وبالحق أنزل القرآن ، وبالحق نزل ، وبالحق ومن أجل الحق تقوم الساعة ﴿
وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ [الجاثية:27]
فالحق ليس ضياعاً أو خذلاناً لمن تمسك به . فما الساعة في قيامها وأهوالها إلا إحقاق للحق وإحضار لميزانه ﴿
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء:47] . ﴿ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴿14﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ ﴿15 ﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [الروم:14 ـ 16]
إن الإيمان بالحق والعمل به أمن لدنيا الناس ، وفوز لهم في أخراهم . ولا أمن ولا استقرار لمن كذب بالحق أو أعرض عنه .
وإذا تنكر الناس للحق وأُخْسِرَ ميزانه بين الخلق فلا تسل عن الاضطراب والهرج والمرج في كل شئ داخل النفس وخارجها . في الكلمة التي تقال وفي العمل الذي يُراد وفي كل شأن من الشئون مرج واضطراب وشقاءٌ يقع بمن كذب بالحق في دنياه وفي الآخرة عذاب أيّ عذاب .
إن الآيات التي تتلى على الناس بالحق فيها دعوة لهم إلى اتباع الحق ويأتي الجزاء لمن اتبع الحق وأعرض عنه من الله عدلًا وإنصافاً وإحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل ﴿
وما الله يريد ظلماً للعالمين ﴾ .
﴿
وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴿27﴾ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ﴿28 ﴾ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص: 27 ـ 29]


رد مع اقتباس
  #18  
قديم 08-06-2009, 03:00 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن
ـ 17 ـ
د / محمد الراوي
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى في سورة آل عمران : ﴿ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:138]
وسواء كانت الإشارة في قوله : ﴿
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ ﴾ إلى القرآن الكريم أو إلى ما يسبق هذه الآية من آيات ، فإن المشار إليه جدير أن يتدبر وأن تُعلم هدايته
﴿
إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الاسراء:9]
والبيان في قوله ﴿
هَذَا بَيَانٌ ﴾ هو الدلالة التي تفيد إزالة الشبهة بعد أن كانت حاصلة . والهدى : بيان طريق الرشد المأمور بسلوكه دون طريق الغيّ .
والموعظة : هى الكلام الذي يفيد الزجر عما لا ينبغي في طريق الدين .
فالحاصل أن البيان جنسٌ تحته نوعان : أحدهما الكلام الهادي إلى ما ينبغي في الدين وهو الهدى . والثاني : الكلام الزاجر عما لا ينبغي في الدين وهو الموعظة .
هذا ما أجمله العلماء في تفسير البيان والهدى والموعظة . وهو إجمال يحتاج إلى تفصيل وحسن تدبر لآيات الله .
فمن المعلوم أن الناس جميعا يمرون بالحياة الدنيا ولا يقيمون .
والأجل الذي كتب لهم إن هو إلا فترة امتحان يُرى فيها أيحسنون أم يسيئون ؟ فترة عمل وجد وإخلاص وكَدّ ﴿
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت:46]
ومن رحمة الله بالخلق أن بين لهم نتيجة عملهم وبصَّرهم بما يجب أن يكونوا عليه ليفلحوا في يومهم ويفوزوا في غدهم . فأرسل الرسل مبشرين ومنذرين . وأنزل معهم الكتاب والميزان وجعل الجزاء لمن أحسن أو أساء وفاء لأعمالهم وإنصافا للحق الذي دعوا إليه وأمروا به. ﴿
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [ النجم : 31 ]
ومن تدبر إحسان المحسن وإساءة المسيء وجد أثر ذلك في الدنيا عدلاً وبرًّا وفساداً وظلمًا . يحسن من يحسن في الدنيا ويسيء من يسيء ، فينعم الناس بإصلاح من يحسن ، ويساءون بإساءة من يسيء . وحكمة الخلق تأبى أن يستوي عند الله محسن ومسيء أو متّقٍ وفاجر وحكمة الخلق تقتضي أن يعود الناس إلى خالقهم وأن يجدوا ما عملوه في دنياهم حاضراً أمام أعينهم في حساب وجزاء لا مناص منه ول مفر . وإلا كان الخلق عبثاً وباطلاً ﴿
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار [ ص : 27 ]
﴿
أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ﴿115﴾ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون: 115 ـ 116]
﴿
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة : 281]
وهذا البيان للناس دلالة لهم على ما يجب أن يكونوا عليه , وقد حفظ الله الذكر للأجيال كلها ليكون بيانه هدى لهم وتبصرة ﴿
لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال : 42]
وليس بعد هذا البيان للناس عذر لمعتذر أو حجةٌ لمنكر أو جاحد . وفي البيان الذي سبق هذه الآية صفات يجب أن تتبع وهى صفات المتقين الذين يرجون رحمة الله وينالون مغفرته ورضوانه وهى صفات لها أثر في تزكية النفس وروابط المجتمع . فالمتقي بتقواه ليس بمعزل عن شئون الحياة وأحوال الناس بل هو عامل على إصلاحها . يكف شره عن غيره ويقدم خيره . فعلى الذين يؤثرون الحياة الدنيا أن يعرفوا سبيل الأمن والسلام فيها .
فإنها لا تأمن إلا بإيمان المؤمن ولا تسلم إلا بتقواه . ويخطئ من ينشد الإصلاح بعيداً عن صلاح الفرد وهو الأصل في تكوين المجتمع .
إن صلاح الإنسان فيه إصلاح لشئون الحياة واستقامتها . فالإنسان الصالح تصلح به الأمور الفاسدة . والإنسان الفاسد تفسد به الأمور الصالحة .
ومن هنا كانت العناية بتربية الإنسان وإعداده هى السبيل لإعداد أمةٍ ناهضة تنشد معالي الأمور وتبعد عن سَفْسافِها .
ولنتدبر بيان القرآن في صفات المتقين لنرى ما تؤديه هذه الصفات في حياة الفرد وروابط المجتمع وما تجنيه الإنسانية من ثمار الخير والبر حين تتنافس على المكارم لا على المغانم .
﴿
وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴿133﴾ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴿134﴾ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴿135﴾ أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين ﴿136﴾ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [أل عمران: 133 ـ 137]
تلك هى الآيات التي سبقت قوله تعالى ﴿
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ
وفيها صفات أهل التقى التي يُسارع بها أهلها إلى مغفرة من ربهم وجنة عرضها السموات والأرض . وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . أما أهل التكذيب والجحود فلن ينتظروا إلا سنة الله في عاقبة المكذبين ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا . ومن ذلك فليحذر المخالفون المكذبون وليسارعوا بالتوبة ﴿
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴿43﴾ مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴿44﴾ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [الروم: 43 ـ 45]
إن صفات أهل التقى رحمة بالناس في دنياهم والراحمون يرحمهم الرحمن ﴿
فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [ آل عمران:107] فإنهم ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ [آل عمران:134] وتلك صفة لها دلالتها في إشاعة الخير بين الناس وتحقيق المودة ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران:134]
ولا تسل عن برَّ من يكف عن إمضاء غيظه مع القدرة عليه فإن من ملك زمام نفسه وكظم غيظه ولم يَدَعْه ينفذ إلى غيره كان أقدر على تحقيق السلم في حياة الناس عن غيره . والعافين عمن ظلمهم أي التاركين عقوبتهم أولئك يبرون بغيرهم ويبتغون بما صنعوا وجه ربهم ﴿
فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى:40].
إن أهل التقى مُنْفِقون ، كاظمون غيظهم ، عافون عن الناس ، محسنون ، تائبون ، ذاكرون لله، مستغفرون . وتلك صفات يعود أثرها على الناس سلماً وأمناً ووُدًّا وخيراً وصلاحاً وبراًّ . إنهم بصفاتهم رحماء عاملون في تحقيق الخير وإشاعة البر ﴿
أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ[آل عمران:136] .
﴿
هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ ﴿138﴾ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [ آل عمران: 138 ـ 139]
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 08-06-2009, 03:01 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

حديث القرآن عن القرآن
ـ 18 ـ

د/ محمد الراوي
ومن حديث القرآن عن القرآن ما جاء في قوله تعالى : ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [آل عمران:164]
والحديث عن القرآن في هذه الآية يأتي في سياق منَّةِ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم .
﴿
لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ ﴾ يعني أحسن إليهم وتفضل عليهم . والمنّة النعمة العظيمة ولا تكون في الحقيقة إلا لله ـ عز وجل ـ . وخص المؤمنين بهذه النعمة مع أن بعثة الرسول ـ صلى الله عليه وسلمـ رحمةٌ للعالمين ؛ لبيان أنهم المنتفعون برسالته المقتدون بهدايته .
ورسالته رحمة للعالمين لا تخصُّ جنسا دون جنس ولا قبيلا دون قبيل ﴿
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]
فمن اتبع هدى الله الذي جاء به اهتدى ونجا ، ومن أعرض خَسِر وهلك .
والمنة على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا منهم ، هدايتهم للحق الذي جاء به ، وإيمانهم بما نزّل عليه ، وفوزهم بالعاقبة التي لا تكون إلا لمن اتبع وآمن . ﴿
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ [محمد :2] . وفي قوله ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾ أضاف الآيات إلى ضمير الجلالة ، وفي إضافتها تشريف أيُّ تشريف ودعوة إلى حسن تدبرها والاستمساك بها ؛ لأنها آيات الله ـ عز وجل ـ .
والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مأمور بتلاوتها وتبليغها كما أمره الله ﴿
إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴿91﴾ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ [النمل : 91 ـ 92]
﴿
وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ معناه : يطهرهم من دنس الكفر والمعاصي ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ والكتاب : القرآن . والحكمة : السنّة المتعلمة من لسانه ـ صلى الله عليه وسلم ـ . ذاك معناها حين تقترن بالكتاب . وقال مجاهد ومالك : « إن الحكمة معرفةُ الحق والعملُ به والإصابةُ في القول والعمل . وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن والفقه في شرائع الإسلام وحقائق الإيمان ».
تلك منة الله على المؤمنين في إرسال الرسول وإنزال الكتاب وهى منة تستوجب الشكر وتدعو إلى تقدير النعمة واتباع ما جاء من الحق . نعمة أيُّ نعمة في كتاب وسنّة ، يُعْصَم من تمسك بهما من الزيغ والضلال وينجو من خزي الدنيا وعذاب الآخرة .
﴿
وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام : 153]

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 08-06-2009, 03:01 AM
الصورة الرمزية أم عبد الله
أم عبد الله أم عبد الله غير متصل
مراقبة الملتقيات
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
مكان الإقامة: أبو ظبي
الجنس :
المشاركات: 13,884
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة ( حديث القرآن عن القرآن )

يتبـــــــــــع بإذن الله
رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 162.76 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 156.70 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (3.72%)]