البيان العربي (لغة القرآن الكريم) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12412 - عددالزوار : 210308 )           »          الجامع في أحكام صفة الصلاة للدبيان 3 كتاب الكتروني رائع (اخر مشاركة : Adel Mohamed - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          دور المسجد في بناء المجتمع الإنساني المتماسك السليم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 32 )           »          ملامح الشخصية الحضارية في الإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          المثنى بن حارثة الشيباني فارس الفرسان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          أدب الحديث على الهاتف (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          المدرسة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          أثر صحبة العلماء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 94 - عددالزوار : 74474 )           »          علمني هؤلاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 31-01-2023, 03:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,493
الدولة : Egypt
افتراضي البيان العربي (لغة القرآن الكريم)

البيان العربي (لغة القرآن الكريم)
روضة محمد شويب

الحمد لله الذي جعل القرآن لسانًا عربيًّا وتبيانًا، وجعل اللغة العربية لفهم القرآن والسنة مفتاحًا وبيانًا، وأشهد أن لا إله إلا الله، أنعم باللسان على الإنسان منه توضيحًا وإعطاء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أفصح الناس لسانًا وأحسنهم بيانًا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه الذين سلكوا طريقته لغةً وبيانًا وإعرابًا، أما بعد:
بُعِث الرسول صلى الله عليه وسلم في قوم بلغ البيان العربي فيهم أوج عزَّته، وتفننت ضروب الفصاحة والبلاغة بأرقى أسلوب وأوضح بيان عرفته الدنيا، وانصبَّت جداول الفصاحة والبلاغة والبيان في قريش في مكة المكرمة مهبط الوحي ومحط الرسالة، فجاءت معجزة نبي الإسلام الكبرى، وكانت كلامًا معجزًا وأفكارًا حية نابضة خالدة خلود الزمن[1].
قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2]؛ وذلك لأن لغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل أشرف الكُتُب بأشرف اللغات، على أشرف الرُّسُل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابْتُدئ إنزاله في أشرف شهور السنة؛ وهو رمضان، فكمل من كل الوجوه[2].
فهو كتاب بالعربيَّة ليس كالكتب السَّالفة فإنَّه لم يسبقه كتاب بلغة العرب، وقد أفصح عن التعليل المقصود جملة ﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ؛ أي: رجاء حصول العلم لكم من لفظه ومعناه؛ لأنَّكم عرب، فنزوله بلغتكم مشتملًا على ما فيه نفعكم هو سبب لعقلكم ما يحتوي عليه[3].
وعُبِّرَ عن العلم بالعقل للإشارة إلى أنَّ دلالة القرآن على هذا العلم قد بلغت في الوضوح حدَّ أن ينزّل من لم يَحصل له العلم منها منزلة من لا عقل له، وأنَّهم ما داموا معرضين عنه فهم في عداد غير العقلاء، وحذف مفعول ﴿ تَعْقِلُونَ؛ للإشارة إلى أنَّ إنزاله كذلك هو سبب لحصول تعقل لأشياء كثيرة من العلوم من إعجاز وغيره[4].
وقال جل ثناؤه: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه: 113]، وهذا وصفٌ يفيد المدح؛ لأنَّ اللغة العربية أبلغ اللُّغات، وأحسنها فصاحة وانسجامًا[5].
وقوله عز وجل: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا [الشورى: 7]، والقرآن مصدر: قرأ، مثل: غُفْران وسُبْحان، وأطلق هنا على المقروء مبالغة في الاتِّصاف بالمقروئية؛ لكثرة ما يقرؤه القارئون؛ وذلك لحُسْنه وفائدته، فقد تضمَّن هذا الاسم معنى الكمال بين المقروءات، و﴿ عَرَبِيًّا نسبة إلى العربية؛ أي: لغة العرب؛ لأنَّ كونه قرآنًا يدلُّ على أنه كلام، فوصفه بكونه ﴿ عَرَبِيًّا يفيد أنه كلام عربي.[6]
لأن كونه عربيًّا يليق بحال المنذَرين به، وهم أهل مكَّة ومَنْ حولها، فأولئك هم المخاطبون بالدِّين ابتداءً لما اقتضته الحكمة الإلهية من اختيار الأُمَّة العربية لتكون أوَّل مَنْ يتلقَّى الإسلام وينشره بين الأُمَم، ولو روعي فيه جميع الأُمَم المخاطبين بدعوة الإسلام لاقتضى أن ينزل بلغات لا تُحْصَى، فلا جرم اختار الله له أفضل اللُّغات واختار إنزاله على أفضل البشر[7].
وقوله جل وعلا: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 193 - 195] و﴿ بِلِسَانٍ حال من الضمير المجرور في ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ والباء للملابسة، واللسان: اللغة؛ أي: نزل بالقرآن ملابسًا للغة عربية مبينة؛ أي: كائنًا القرآن بلغة عربية، والمبين: الموضِّح الدلالة على المعاني التي يعنيها المتكلم، فإن لغة العرب أفصح اللغات وأوسعها لاحتمال المعاني الدقيقة الشريفة مع الاختصار، فإن ما في أساليب نظم كلام العرب من علامات الإعراب، والتقديم والتأخير، وغير ذلك، والحقيقة والمجاز والكناية، وما في سعة اللغة من الترادُف، وأسماء المعاني المقيَّدة، وما فيها من المُحسِّنات، ما يلج بالمعاني إلى العقول سهلةً متمكنةً؛ فقدَّر الله تعالى هذه اللغة أن تكون هي لغة كتابه الذي خاطب به كافة الناس، فأنزل بادئ ذي بدء بين العرب أهل ذلك اللسان ومقاويل البيان، ثم جعل منهم حمَلتَه إلى الأُمَم تترجم معانيَه فصاحتُهم وبيانُهم، ويتلقَّى أساليبَه الشادون منهم وولدانُهم، حين أصبحوا أمةً واحدةً يقوم باتحاد الدين واللغة كيانهم[8].
إن اللسان العربي الذي وصلنا عن طريق القرآن الكريم والحديث الشريف والشعر الجاهلي لسانٌ طبيعيٌّ بكل معاني الكلمة، نشأ نشأة طبيعية، وتطوُّرًا طبيعيًّا، ولا يزال حتى اليوم يسلك هذه الطبيعية في التطوُّر[9].
إنَّ هذا اللسان العربي بكل خصائصه وصفاته قد تمتدُّ جذوره في الجاهلية قرونًا عديدة أكثر ممَّا يقدره المستشرقون[10].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّوا العربَ لثلاث: لأني عربيٌّ، والقرآن عربيٌّ، ولسان أهل الجنة عربيٌّ))، قال الحافظ السلفي: "هذا حديث حسن"[11].
يقول ابن فارس في كتابه الصاحبي في فقه اللغة: "أجمع علماؤنا بكلام العرب، والرُّواة لأشعارهم، والعلماء بلغتهم وأيامهم ومحالّهم أنَّ قريشًا أفصح العرب ألسنةً، وأصفاهم لغةً، وذلك أنَّ الله جل ثناؤه اختارهم من جميع العرب، واصطفاهم، واختار منهم نبيَّ الرحمة محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم، فجعل قريشًا قطَّان حرمه، وجيران بيته الحرام، وولاته، فكانت وفُود العرب من حُجَّاجها وغيرهم يفِدُون إلى مكة للحج، ويتحاكمون إلى قريش في أمورهم، وكانت قريش تُعلِّمهم مناسِكَهم وتحكم بينهم[12].
وكانت قريش - مع فصاحتها وحسن لغاتها ورقَّة ألسنتها- إذا أتتهم الوفود من العرب، تخيَّروا من كلامهم وأشعارهم أحسن لغاتهم وأصفى كلامهم، فاجتمع ما تخيَّروا من اللُّغات إلى نحائزهم وسلائقهم التي طُبِعوا عليها، فصاروا بذلك أفصح العرب[13].
وقال: "ألا ترى أنك لا تجد في كلامهم عنعنة تميم، ولا عجرفيَّة قيس، ولا كشكشة أسد، ولا كسكسة ربيعة، ولا الكسْر الذي تسمعه من أسد وقيس مثل: "تِعلمون"، و"نِعلم"، ومثل: "شِعير"و"بِعير"[14].
وفي ترجمة أبي البقاء العُكْبَرِيّ: "وكان ابن الجوزي يَفزعُ إليه فيما يُشكل عليه من الأدب والنحو".
يقول ابن فارس في كتابه الصاحبي في باب القول في الاحتجاج باللغة العربية: "لغة العرب يحتج بها فيما اختلف فيه، إذا كان التنازع في اسم أو صفة أو شيء، مما يستعمله العرب من سننها في حقيقة ومجاز[15].
فأمَّا الذي في سبيله سبيل الاستنباط، أو ما فيه لدلائل العقل مجال- فإن العرب وغيرهم فيه سواء؛ لأنَّ سائلًا لو سأل عن دلالة من دلائل التوحيد أو حجَّة في أصل فقه أو فرعه- لم يكن الاحتجاج من لغة العرب؛ إذ كان موضوع ذلك على غير اللُّغات[16].
ويقول دكتور فالين يلاف من بلغاريا: "إن اكتشاف اللغة العربية التي تتعلق بالكلمة الإلهية- أي: القرآن- هو في الواقع دراسة على الوجود وخالقه، هذه اللغة وليست لغة الصحافة، لطالما أحسستني منذ طفولتي عندما التقيت بها لأول مرة في الجزائر عام 1997.[17]
ويقول: تجربتي مع اللغة العربية كانت منذ ذلك الحين، وربما منذ الأزل عندما سمعت لأول مرة كلمة "كن!" ولقد دخلت حيِّز الوجود، السمع دائمًا يسبق البصر؛ ولذلك يتم وضع اسم السميع قبل البصير في كتاب الله، لقد سمعنا قبل أن نبصر، لا أستطيع تعبير هذه التجربة؛ لأنني لا أملك ذاكرة، القرآن هو الذي يذكرني بها؛ لذا يطلق عليه اسم "ذكر" المسار الكامل للمؤمن هو عودة واعية إلى هذه البداية، إلى بداية الخلق، وإلى الميثاق مع الخالق.
اللغة العربية هي إحدى طرق هذه العودة، العودة إلى مهد الجهل ولكن الجهل المقدس[18].
للحروف العربية وظيفة كونية؛ لأنها تُشكِّل الكلمة الإلهية أو بمعنى آخر القرآن، مكان الحروف وفقًا لبعض الفلاسفة المسلمين يقع بين العالم المخلوق والله تعالى[19].
يقول عبدالرحمن بن خلدون في كتابه المقدمة في فصل علوم اللسان العربي وأركانه أربعة: وهي اللغة والنحو والبيان والأدب، ومعرفته ضرورية على أهل الشريعة؛ إذ مأخذ الأحكام الشرعيَّة كلها من الكتاب والسُّنَّة وهي بلغة العرب ونقلتها من الصَّحابة والتابعين العرب، وشرح مشكلها من لغتهم، فلا بُدَّ من معرفة العلوم المتعلِّقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشريعة[20].
والذي يتحصَّل أن الأهم المقدَّم منها هو النحو؛ إذ به يتبيَّن أصول المقاصد بالدلالة فيعرف الفاعل من المفعول، والمبتدأ من الخبر، ولولاه لجهل أصل الإفادة.
وكان من حقِّ علم اللغة التقدُّم، لولا أنَّ أكثر الأوضاع باقية في موضوعاتها، لم تتغيَّر بخلاف الإعراب الدال على الإسناد والمسند والمسند إليه، فإنَّه تغيَّر بالجملة ولم يبْقَ له أثرٌ؛ فلذلك كان علم النحو أهم من اللغة؛ إذ في جعله الإخلال بالتَّفاهم جملةً، وليست كذلك اللغة[21].
ويقول في علم النحو: "اعلم أن اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصوده، وتلك العبارة فعل لساني ناشئ عن القصد بإفادة الكلام، فلا بُدَّ أن تصير ملكةً متقرِّرة في العضو الفاعل لها، وهو اللسان، وهو في كل أُمَّة بحسب اصطلاحاتهم، وكانت المَلَكة الحاصلة للعرب من ذلك أحسن المَلَكات وأوضحها إبانة عن المقاصد؛ لدلالة غير الكلمات فيها على كثير من المعاني مثل الحركات التي تُعيِّن الفاعل من المفعول من المجرور أعني المضاف، ومثل الحروف التي تفضي بالأفعال- أي: الحركات- إلى الذوات من غير تكلُّف ألفاظ أخرى، وليس يوجد ذلك إلَّا في لغة العرب[22].
وأمَّا غيرها من اللغات فكل معنى أو حال لا بُدَّ له من ألفاظ تخصُّه بالدِّلالة؛ ولذلك تجد كلام العجم في مخاطبتهم أطول ممَّا نقدِّره بكلام العرب، وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((أوتيت جوامع الكلم، واختصر لي الكلام اختصارًا)[23].
ومن أهل التخصص قالوا: إنَّ اللُّغة العربية في الوقت الحالي من أهم اللغات في العالم كلِّه، فهي اللغة الرابعة في العالم من حيث عدد المتحدِّثين بها، وهي لغة الدين الإسلامي الذي بلغ عدد من يدينون به في العالم اليوم أكثر من مليار نسمة، وهو الدين الثاني في العالم من حيث الانتشار، وتكمن أهمية اللغة العربية في العصر الحالي في أنَّها اللغة الرسمية للدول العربية من المحيط إلى الخليج، وهذا ما يدفع كلَّ من أراد الدخول إلى الوطن العربي والتعامل مع الدول العربية إلى الاهتمام بهذه اللغة، وقد أصبحت اللغة العربية في هذا العصر لغةً رسميةً من اللغات الرسمية في هيئة الأمم المتحدة، وهذا ما يعبر عن أهميتها ومكانتها العظيمة في هذا العصر[24].
يقول ابن تيمية: فإن الذي عليه أهل السُّنَّة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم؛ عبرانيهم وسريانيهم وروميهم وفارسيهم وغيرهم، وأن قريشًا أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم، فهو: أفضل الخلق نفسًا وأفضلهم نسبًا[25].
وقال ابن عباس: "ما أرسل الله جل وعز من نبيٍّ إلَّا بلسان قومه، وبعث اللهُ محمدًا صلى الله عليه وسلم بلسان العرب".
قال الصاحبي ابن فارس: "إن علم اللغة كالواجب على أهل العلم؛ لئلا يحيدوا في تأليفهم أو فتياهم عن سنن الاستواء، وكذلك الحاجة إلى علم العربية، فإن الإعراب هو الفارق بين المعاني، ألا ترى أنَّ القائل إذا قال: "ما أحسن زيد" لم يفرق بين التعجب والاستفهام والذَّم إلا بالإعراب.
اللغة العربية في شريعتنا لها مكانة، وفي علومنا ودروسنا لها حصانة، ولعزنا وشرفنا لها وقع وصيانة، فاسمع أقوال العلماء لتعرف ثمرتها وأهميتها في كل بناء، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن الله لما أنزل كتابه باللسان العربي، وجعل رسوله مبلِّغًا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السابقين إلى هذا الدين متكلمين لم يكن سبيل إلى ضبط الدين ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان، وصارت معرفته من الدين"؛ ا هـ.
ويقول أيضًا رحمه الله: "إن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإنَّ فَهْمَ الكتاب والسُّنَّة فرض، ولا يُفهَم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"؛ انتهى.
وقال أيضًا: "معلوم معلومٌ أنَّ تعلُّمَ العربية وتعليمَ العربية فرضٌ على الكفاية، وكان السلف يُؤدِّبون أولادَهم على اللحن، فنحن مأمورون أمرَ إيجابٍ أو أمرَ استحبابٍ أن نحفظ القانون العربي، ونُصلِح الألْسُن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فَهْم الكِتاب والسُّنَّة، والاقتداء بالعرب في خطابها".
قال ابن فارس: "أقول: إن العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسُّنَّة والفتيا بسبب، حتى لا غناء بأحد منهم عنه، وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عربي، فمن أراد معرفة ما في كتاب الله جل وعز، وما في سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كل كلمة غريبة أو نظم عجيب - لم يجد من العلم باللُّغة بُدًّا"[26].
هذا وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أعربوا القرآن))[27]؛ أخرجه سعيد بن منصور (29 / التفسير)، والبيهقي في الشعب (2100).
حدَّثنا أسامة بن زيد، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يُحسِن أن يتكلَّم العربية فلا يتكلم العجمية؛ فإنه يورث النفاق))؛ أخرجه الحاكم في المستدرك (٤/٨٧).
واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قويًّا بيِّنًا، ويؤثِّر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأُمَّة من الصحابة والتابعين ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق[28].
هناك علاقة إيجابية طردية بين ذخيرة الفرد من الكلمات ونسبة ذكائه، فالأفراد الذين يُفكِّرون تفكيرًا عميقًا ومنوعًا مضطرُّون للبحث الجبري عن المعلومات والمعارف، ونتيجة ذلك تجتمع لديهم حصيلة وافية من الأفكار، ولا شك أن جزءًا من هذه الأفكار يشتمل على مجموعة من المفاهيم والمعاني الحسية والمجردة التي تفد إلى الأذهان مقترنة بالمفردات أو الرموز اللغوية الدالة عليها أو المشيرة إليها[29].
من المعروف أنه كلما زادت نسبة الذكاء العقلي للفرد زادت قدرته على فهم ما يقرؤه أو يسمعه من الجمل والعبارات؛ ومِن ثَمَّ اتضحت له العلاقات بين المفردات اللغوية ومدلولاتها؛ وبالتالي زادت حصيلته اللغوية[30].
فيضم الإنسان بعد الاطلاع على تراث أُمَّته المدوَّن تجارب الماضين إلى التجارب والأفكار التي يكتسبها في حياته الحاضرة، فتكون هذه كلها قاعدةً أساسيةً لإبداعات جديدة نامية متطورة ينقلها بوساطة اللغة أيضًا إلى أجيال المستقبل، فيحافظ على أصالة ما ينتج ويبقي جذور تراثه ممتدة راسخة وفروعه مثمرة معطاء كما يشارك في تطوير النتاج الفكري الإنساني، وفي استمرارية التقدُّم الحضاري البشري[31].
وكما قال الشاعر:
إذا ما أقامَ العلمُ رايةَ أُمَّة
فليس لها إلى يوم القيامة ناكس




ومن المعلوم بالضرورة أنه لا سبيل لفهم كلام الله إلا بلغة العرب، والصحابة رضي الله عنهم أنزل عليهم الوحي بلغتهم فآمنوا به، وفهموا مراد الله منهم، فعبدوا الله على بصيرة، وانقادوا إلى أحكامه وأطاعوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فالقرآن جاء بلغة العرب، ونحن مطالبون بالإيمان به على هذه اللغة على الوجه الذي فَهِمَه سَلَف الأُمَّة.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله: "لا بُدَّ في تفسير القرآن والحديث من أن يُعرَف ما يدلُّ على مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يُفهَم كلامُه، فمعرفة العربية التي خُوطبنا بها ممَّا يُعين على أن نفقه مرادَ اللهِ ورسولِه بكلامِه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني، فإنَّ عامَّة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، فإنَّهم صاروا يحملون كلامَ اللهِ ورسولِه على ما يَدَّعون أنَّه دالٌّ عليه، ولا يكون الأمر كذلك[32]
والقرآن كما قال الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه الله: أنزله الله من السماء ليصلح به الأرض، وليدلّ أهلها المستخلَفين عليها من بني آدم على الطريق الواصلة بالله، ويُجدِّد ما رَثَّ من علائقهم به[33].
القرآن معجز لسائر الأمم، وكون القرآن نزل بلغة العرب لا يمنع من أن تقوم الحجة على جميع البشر، فإن الرسالة عامة، وإذا عجز عن المعارضة أهل الصناعة البلاغية وأصحاب اللغة العربية فغيرهم عن الإتيان بمثله أعجز، فهو معجز للعرب بطريق الالتزام ولغيرهم بطريق الإلزام، فسبحان الذي أنزل هذا القرآن العظيم الذي ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42] ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82][34].

فهل من مُعظِّم لهذه اللغة التي شرفها الله جل شأنه بكلامه في كتابه الكريم!
ربنا زدنا علمًا وإيمانًا ويقينًا.
والله أعلم وأكبر وأجل، وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله.

[1] مناهج الجدل في القرآن الكريم، د. زاهر عواض الألميعي، ص 11.

[2] تفسير ابن كثير، ص 2 / 121.

[3] التحرير والتنوير، تفسير للطاهر بن عاشور، ص 5 / 631.

[4] نفس المرجع.

[5] نفس المرجع 16/ 314.

[6] التحرير والتنوير تفسير الطاهر بن عاشور، ص 29/10.

[7] نفس المرجع.

[8] تفسير التحرير والتنوير ابن عاشور، ص 8/ 411.

[9] دراسات في فقه اللغة، ص 118.

[10] نفس المرجع.

[11] اقتضاء الصراط المستقيم، ص 438.

[12] الصاحبي في فقه اللغة، باب القول في أفصح العرب، ص 33.

[13] الصاحبي في فقه اللغة، باب القول في أفصح العرب، ص 34.

[14] الصاحبي في فقه اللغة، باب القول في أفصح العرب، ص 34.

[15] كتاب الصاحبي في فقه اللغة، ص 57.

[16] نفس المرجع.

[17] كتاب كيف نشرت العربية ص 143، انظر: مقالة اللغة العربية وتجربتي معها للدكتور فالين يلاف محاضر فلسفي بالمعهد العالي الإسلامي في صوفيا.

[18] نفس المرجع.

[19] نفس المرجع.

[20] كتاب المقدمة، عبدالرحمٰن بن خلدون، ص 711.

[21] نفس المرجع، ص 711-712.

[22] نفس المرجع.

[23] نفس المرجع.

[24] مجلة منهاج، محمد جهاد، 23/ 07 / 2022.

[25] اقتضاء الصراط المستقيم، ص 420.

[26] كتاب الصاحبي في فقه اللغة، ص 50.

[27] كتاب الصاحبي في فقه اللغة، ص 50.

[28] نفس المرجع، ص 527.

[29] عالم المعرفة، الحصيلة اللغوية، د.أحمد محمد المعتوق، 37-38.

[30] نفس المرجع، ص40.

[31] نفس المرجع، ص 40.

[32] كتاب الإيمان 111.

[33] البشير الإبراهيمي، الآثار 2/ 249.

[34] مناهج الجدل في القرآن، ص 91.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.25 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.37 كيلو بايت... تم توفير 1.88 كيلو بايت...بمعدل (2.67%)]