القيادة اليوسفية والمنظومة القيمية - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك (اخر مشاركة : رضا البطاوى - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4387 - عددالزوار : 836914 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3919 - عددالزوار : 379431 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 11942 - عددالزوار : 191288 )           »          سحور يوم 19 رمضان.. ساندوتشات فول مخبوزة خفيفة ولذيذة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          واتس اب بلس الذهبي (اخر مشاركة : whatsapp Girl - عددالردود : 2 - عددالزوار : 2668 )           »          الأمثال في القرآن ...فى ايام وليالى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 662 )           »          فقه الصيام - من كتاب المغنى-لابن قدامة المقدسى يوميا فى رمضان (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 948 )           »          دروس شَهْر رَمضان (ثلاثون درسا)---- تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 1103 )           »          أسرتي الرمضانية .. كيف أرعاها ؟.....تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 18 - عددالزوار : 855 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-01-2023, 02:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي القيادة اليوسفية والمنظومة القيمية

القيادة اليوسفية والمنظومة القيمية
- 1- إنه يوسف الصديق - عليه السلام




د. فالح بن محمد العجمي


قصة يوسف -عليه السّلام- قصةٌ تعلمنا كيف يكون الصبر والثبات والتمكين في الأرض، قصة تعلمنا كيف تنهار القوة الأرضية أمام القوة السماوية الربانية، وكيف تسقط المخططات والمؤامرات أمام {معاذ الله} (يوسف:٢٣)، وكيف تصبح زنزانة السجن قاعة لإدارة الأزمات وتفريج الكربات! قصة يوسف -عليه السلام- قصة قائد فذ توشح بالقيم الربانية السماوية ليخوض المعركة التي ينقذ بها الأمة، قصة قائد بمنظومة قيمية ربانية ينقذ مصر وما جاورها اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وأخلاقيا وسياسيا؛ لذلك كانت هذه السلسلة بعنوان القيادة اليوسفية والمنظومة القيمية.
إنه يوسف الصديق -عليه السلام
يوسف -عليه السّلام- واجه كل المؤامرات التي تحاك ضد الفضيلة في كل مراحل حياته، وانتصر بصبره وتقواه وصدقه وإحسانه وخوفه من الله؛ فكان من المحسنين المخلصين كما وصفه الله -عزوجل-؛ لذلك سنحلق معكم في هذه السلسلة مع شخصية نبي الله يوسف -عليه السّلام- وجميع الشخصيات في قصة يوسف، نستعرض ونبين من خلال هذه الشخصيات كل جوانب القيادة والقيم المصاحبة لهم والمجتمع الذي يعيشون فيه، وسنبين المنظومة القيمية ليوسف وصراع القيم مع القيم المخالفة، وصدام القيم والرغبات وكذلك المواقف القيادية حول الأحداث التي مر بها بأسلوب سهل بعيدا عن التعقيدات والتقسيمات الطويلة والمملة.
لقد عالج يوسف القائد -عليه السّلام- المجتمع في أزمته القيمية وانتشله من الوحل إلى القمة. رجل بأمة، إنه يوسف الصديق المحسن المخطط العزيز القائد، بدأت حياته برؤية عظيمة وانتهت بحياة عظيمة كلها إيمان وعمل وتحقيق لهذه الرؤيا.
القصص في القرآن
{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (يوسف: 1-3)، إن القرآن الكريم فيه من الأساليب التعليمية والتدريبية الشيء الكثير والعظيم وإن من أعظم أساليب التربية والتعليم والاقتداء في القرآن هو الأسلوب القصصي، وهي ليست للقراءة والاستماع بل هي من أعظم أساليب القيادة وأساليب غرس القيم من خلال عرض القصص والشخصيات والأمم والحوادث والصراع بين الحق والباطل.
عبرة وعظة
لذلك بدأ الله سورة يوسف بقوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}، واختتم -سبحانه- في آخر السورة {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ} (يوسف: 111).
- عبرة للملوك في بسط العدل كما بسط يوسف -عليه السّلام- وتأمينهم أحوال الرعية كما فعل يوسف حين أحسن إليهم وأعتقهم حين ملكهم.
- عبرة في قصصهم لأرباب التقوى.
- عبرة لأهل الهوى فيما في اتباع الهوى من شدة البلاء كامرأة العزيز لما تبعت هواها لقيت ما لقيت.
- عبرة في العفو عند المقدرة كيوسف -عليه السّلام- حين تجاوز عن إخوته.
- وعبرة في ثمرة الصبر.
هدف تربوي رباني
إنَّ كل قصة قرآنية لها هدف تربوي رباني سيقت من أجله، والعبرة بالقصة إنما يتوصل إليها صاحب الفكر الواعي، الذي لا يطغى هواه على عقله وفطرته، بل يستنبط من القصة المغزى الحق؛ فالقرآن قص علينا أحسن القصص ليكون عبرة وذكرى وشفاء للقلوب من أمراض الجهالة وإرشادا لتقويم شؤون البشر، وتهذيب نفوسهم وإصلاح معاشهم ومعادهم وليس الغرض هو التواريخ الماضية وذكر شؤونهم وأطوارهم ولكنها للعظة والاعتبار.
توحيد وعلم ومكارم أخلاق
إننا لا نرى قصصا من قصص القرآن إلا وفيها توحيد وعلم ومكارم أخلاق وحجج عقلية ومحاورات جميلة تلذ العقلاء وإرشاد ونصح، وتبصرة وتذكرة، ونرى القرآن يعرض عن كثير من الوقائع التاريخية التي لا لزوم لها، ولا معول عليها، وبالأولى تراه يعرض كما ذكرته توارة اليهود التي بين أيديهم من الحوادث المخجلة الشائنة.
أصول علم التاريخ
«وفي القرآن إشارات لا تخلو من أصول علم التاريخ وبذور فلسفته؛ فعلى الدارس للقصص ألا يقتصر على معرفة الوقائع، بل عليه أن يعرف أسبابها ونتائجها وسننها، ليتعمق في فهم الحكمة التي يبين بها هذا الوجود وفق نواميس هي من صنع الله وهي أكمل نظام وأتقن ترتيب..» «.. ومن هنا كان القصص التاريخي أشد تأثيرا وأسمى طموحا من التاريخ؛ لأنه ميز الإنسان بسلاح الإيمان والثبات ويعرفه بما لله من نواميس قارة في نظام الخلق والإبداع، ومن سنن مطردة في نظام الأقوام والأمم سنن خاضعة لإرادة الله وليست مقيدة لها، تتصل فيها الأسباب بالمسببات فلا تتغير أو تتحول محاباة لأحد من الناس لأنها محور عدل الله وحكمته في تدبير الأمور».
ما الذي أصاب الأمة؟
يا ليت شعري ما الذي أصاب الأمة حتى غضت النظر عن القصص في القرآن وأهملت أمرها؟ وظن أهلها أنها أمور تاريخية لا تفيد إلا المؤرخين القصص في كل أمة عليها مدار ارتقائها، سواء كانت وضعية أم حقيقية على ألسنة الحيوان أو الإنسان أو الجماد، على هذا تبعث الأمم قديمها وحديثها: أليس من العيب الفاضح أن نقرأ قصص القرآن فلا نكاد نفهم إلا حكايات ذهبت مع الزمان ومرت كالأمس الدابر، وإنها عبرة لمن اعتبر وتذكرة لمن تذكر، وتبصرة لمن ازدجر؟ وبالإجمال فليس القصد من هذه القصص إلا منافعها والعبرة المبصرة للسامعين، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ} (يوسف: 111).
مقاصد القصص في القرآن
لذلك كان من مقاصد القصص في القرآن:
١- المثل والقدوة. {فبهداهم اقتده}.
٢- التصديق. {تصديق الذي بين يديه}.
٣- والتأكيد بالتفصيل. {وتفصيل كل شيء}.
4 - العبرة. {عبرة لأولي الألباب}
5- التثبيت. {وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}.
6- الموعظة والذكرى. {وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.
٧- التصبير. {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}
8- الأمل والبشارة.
9- التسلية.
10- التشريف والتخليد.
التربية القيادية والمنظومة القيمية
وقبل أن يكون الإنسان قائدا عليه: أولا أن يكون إنسانا فاعلاً وذلك عبر العمل على تطوير وتوجيه وتغيير خمسة جوانب:
1- الفكر والقناعات.
2 - الاهتمامات.
3- المهارات.
4- العلاقات.
5- القدوات.
الانتقال إلى مرحلة القيادة
ثانيا: الانتقال من مرحلة الإنسان الفعال إلى مرحلة القيادة من خلال امتلاك أو اكتساب الصفات القيادية التالية:
1- الرؤية المرشدة.
٢- التوازن بين الروح والعقل والعاطفة والجسد.
3- التحكم في الذات.
4- التأثير في الآخرين.
مفهوم القيادة الإسلامية
ثالثا: الانتقال من مفهوم الصفات القيادية العامة إلى مفهوم القيادة الإسلامية من خلال امتلاك وتحقيق الصفات التالية:
1- الإيمان والتوحيد.
2 - الاتباع.
3- التزكية.
4- الاستخلاف.
حول هذه النقاط المهمة وغيرها سنستطلع معا في الحلقات القادمة إن شاء الله قصة نبي الله يوسف القائد -عليه السّلام.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 09-02-2023, 12:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القيادة اليوسفية والمنظومة القيمية

القيادة اليوسفية والمنظومة القيمية -2 يوسف بين أبيه يعقوب وإخوته



د. فالح بن محمد العجمي
قصة يوسف -عليه السلام- قصةٌ تعلمنا كيف يكون الصبر والثبات والتمكين في الأرض، قصة تعلمنا كيف تنهار القوة الأرضية أمام القوة السماوية الربانية، وكيف تسقط المخططات والمؤامرات أمام {معاذ الله} (يوسف:٢٣)، وكيف تصبح زنزانة السجن قاعة لإدارة الأزمات وتفريج الكربات، قصة يوسف -عليه السلام- قصة قائد فذ، توشح بالقيم الربانية ليخوض المعركة التي ينقذ بها الأمة، قصة قائد بمنظومة قيمية ربانية ينقذ مصر وما جاورها اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وأخلاقيا وسياسيا، لذلك كانت هذه السلسلة، وهي بعنوان: (القيادة اليوسفية والمنظومة القيمية).
عاش يوسف -عليه السلام- الغلام القائد في كنف أبيه، وكان يحمل الصفات العظيمة التي تؤهله لقيادة الأمة في المستقبل، وقد انتبه أبوه يعقوب -عليه السلام- لتلك الصفات التي يحملها ابنه القائد الصغير يوسف -عليه السلام-، وهذه فراسة في يعقوب -عليه السلام-؛ حيث اكتشف المؤهلات التي يحملها ابنه يوسف مبكرًا، فتعلق قلب يعقوب بيوسف من غير أن يدرك أنه أشغل بذلك فكر إخوة يوسف الباقين وعقولهم، فكان إخوة يوسف يرون الاهتمام والمحبة من قِبل أبيهم تجاه يوسف وأخيه الصغير؛ مما جعلهم يصوبون تفكيرهم في الاتجاه الخطأ كما بينه أهل العلم في ذلك.
تفصيل المشاهد
لقد كان ليوسف وأخيه إخوة غير أشقاء، وهم أحد عشر أخًا كما حكى ذلك القرآن الكريم، وسيبين لنا القرآن المرحلة الأولى والصدام الذي وقع بين يوسف وإخوته وأسبابه، ومن هنا نبدأ في تفصيل المشاهد والمعالم القيادية والمنظومة القيمية في هذه المرحلة، وهو المشهد الأول لقصة يوسف القائد -عليه السلام-، {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} إلى قوله -تعالى-: {وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} {يوسف:4-18).
يوسف وأبوه يعقوب والرؤيا العظيمة
من الصفات القيادية التي يحملها يوسف القائد -عليه السلام-:
(1) المبادرة
{يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} (يوسف: 4)، فقد بادر يوسف -عليه السلام- إلى أبيه ليحكي له ما رأى من مشاهد عظيمة لا يعرف معانيها، ولم يخف ذلك في نفسه حياء أو خوفا أو عدم اهتمام بل كان مبادرا؛ لذلك تأثر یوسف -عليه السلام- بهذه الرؤيا، ولما أصبح قصها على أبيه، وانتظر ليسمع من أبيه تعبيرها وتأويلها.
(2) بناء الثقة والألفة
بني يعقوب -عليه السلام- بينه وبين ابنه نبي الله يوسف القائد -عليه السلام- ألفة ومحبة وثقة، وهي التي جعلت يوسف يبادر ويحكي لأبيه ما رأى من رؤيا عظيمة، وهكذا يحتاج القائد أن يبني بينه وبين التابعين جسور التواصل والألفة والمحبة والثقة.
(3) التوجيه الفعال
{يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ..} (يوسف:5)، نجدها لغة جميلة بين الأب وابنه، لغة التعليم والتدريب المستمر بالمحبة والمصاحبة «يا أبت، يا بني». تعليم وتدريب ومحبة وألفة كان فيها نصح وتوجيه وإرشاد، وهذا ما جعل إخوة يوسف يكون لهم أمر آخر في هذه المسألة.
ويوجه القائد نبي الله يعقوب -عليه السلام- ابنه القائد الغلام يوسف -عليه السلام- هذا التوجيه الذي يصب في مصلحته، وقد لا يدركه يوسف في هذا المقام، ولا يعلم لماذا لا يقصص رؤياه على إخوته وما السبب؟! علامات استفهام وتعجب تدور في عقل الغلام يوسف -عليه السلام- ومن ثم لماذا إخوته يكيدون له لو أخبرهم؟
(4) الحرص وكتمان السر
{يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ..}، كتمان الأسرار وبعض النعم وإقامة المشاريع في بدايتها مطلوب في بعض الأحيان؛ لكي يسلم الإنسان من إعلان الحرب عليه من الحساد أو الخصوم الذين يضمرون له شرا.
يقول عبد الله بن بلقاسم حول قوله -تعالى-: {يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ..}: في النفوس البشرية مقاومة شرسة للمتفوقين، لا تظهر تفوقك إلا عندما تكون مضطرا»، فالقائد الحاذق يعرف متى وأين يعلن عن مشاريعه أو ما يود الإعلان عنه أو أن يكتمه حتى حين، «استعينوا على قضاء حوائجكم بالسر بالكتمان»
وكما جاء ذلك في هجرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعندما أخبر أبا بكر قال له اكتم الخبر، وذلك لكي لا يسرب الخبر إلى قريش، وذلك لكي لا تتعرض مصالح القائد للخطر ولا مصالح الآخرين.
(5) غرس قيمة حسن الظن
(إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} (يوسف: 5)، القائد نبي الله يعقوب -عليه السلام- يغرس قيمة حسن الظن في ابنه يوسف قائد المستقبل، أخبره أنه قد يكيد لك إخوتك، ولكن ذلك بسبب العدو الحقيقي الشيطان، وليس إخوتك هم الأعداء، بل هو الذي وسوس لهم بالكيد لك، فيعلم ابنه هذه القيمة حتى إذا حدث ما حدث يكون صاحب قيمة العفو والصفح.
(6) العلم بالبيئة المحيطة بك
كان نبي الله يعقوب القائد -عليه السلام- يعلم أن يوسف سيكون له شأن، ويعلم أن إخوته يغارون منه ويحسدونه ويحقدون عليه على ما يحمل من ذكاء وتميز وفطنة، جعلت يعقوب يحبه ويهتم به؛ لذلك علم يعقوب أنه إذا وصلت الرؤيا لإخوة يوسف سيكيدون له؛ فلم يكن يعقوب جاهلا عما يدور حوله، لذلك كان إخوة يوسف نموذجا بشريا للكيد والحقد والمكر والتآمر والحسد، وسوء الظن، وضلال الحكم والكذب والافتراء.
(7) استشراف المستقبل والتفاؤل
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ } (يوسف:6)، يعقوب -عليه السلام- يغرس في نفس ابنه الذي سيتعرض للكيد روح التفاؤل والصورة المشرقة، ويستشرف له المستقبل والصورة الجميلة القادمة، وأن الله سيحفظه ويحميه، وسيخصه بالعلم والفضل والمكانة العالية، وهذه كلها من صفات القادة، وهنا قائد يربي قائدا.
(8) غرس القيم وتعلم القيادة من خلال القدوات
{وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} {يوسف:6)، فليكن أبواك نبي الله وخليل الرحمن إبراهيم -عليه السلام- وكذلك نبي الله إسحاق قدوتك يا يوسف؛ فهم خير القدوات.
{إنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (النحل:120-121). فكان نبي الله يعقوب يغرس القدوة الصالحة في قلب ابنه القائد الصغير يوسف -عليه السلام- ليكن قدوته في العلم والفضل والقيم والقيادة، وسيأتي لاحقا هل استفاد يوسف من توجيه والده يعقوب له؟ وهل اقتدى بهذه القدوات؟ ويوجه الأب القائد يعقوب لابنه القائد الصغير يوسف آخر رسالة: {إن ربك عليم حكيم} (يوسف:6).
وكأنه يقول له لا تحزن يا بني؛ فالله معك عليم بكل شيء، بصير بما في السماوات والأرض، لا تحزن يا بني فلن يضيعك الله؛ فالله أعلم وأحكم بما سيكون لك من أمور هو أعلم بها لا نعلمها.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 13-02-2023, 10:34 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القيادة اليوسفية والمنظومة القيمية

القيادة اليوسفية والمنظومة القيمية
(3) يوسف -عليه السلام وكيد إخوته




قصة يوسف -عليه السلام- قصةٌ تعلمنا كيف يكون الصبر والثبات والتمكين في الأرض؟ قصة تعلمنا كيف تنهار القوة الأرضيَّة أمام القوة السماوية الربانيَّة؟ وكيف تسقط المخططات والمؤامرات أمام {معاذ الله} (يوسف:٢٣)؟ وكيف تصبح زنزانة السجن قاعة لإدارة الأزمات وتفريج الكربات؟ قصة يوسف -عليه السلام- قصة قائد بمنظومة قيمية ربانية، أنقذ مصر وما جاورها اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وأخلاقيا وسياسيا.
قال الله -تعالى-: {لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ} (یوسف:7)، بدأت القصة في هذه المرحلة بمنعطف خطير؛ حيث سيقع ما كان يحذر منه يعقوب -عليه السلام- وهو كيد إخوة يوسف لأخيهم الصغير يوسف -عليه السلام-، {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (يوسف:8)، وفي هذه الآية وقع الإخوة في محاذير عدة، جعلتهم يسقطون في حبائل الشيطان وهم من بيت النبوة! فكيف حصل ذلك؟
المكر بيوسف -عليه السلام
نسب إخوة يوسف إلى أبيهم (نبي الله يعقوب) صفة الضلال؛ لأنه يحب يوسف وأخاه الصغير أكثر منهم؛ فما هذا الحب؟ واختاروا المكر ليوسف ولم يختاروه لأخيه الأصغر منه.
والذي حملهم على ذلك أمور منها ما يلي:
(1) إساءة الظن.
(2) تفكيرهم السلبي.
(3) الكيد والعجب والغرور. {ونحن عصبة}، وهذا منهج المتكبرين المتغطرسين {وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (فصلت: 10)، {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ} (النمل: 33).
(4) الحسد والحقد.
فبكل هذه القيم السلبية التي يحملونها رأوا هذه الصورة الخطأ المزيفة وليست الصورة الحقيقية الطبيعية.
دوافع حب يعقوب ليوسف -عليهما السلام
(1) أما حب يعقوب ليوسف فهو لذكائه وفطنته واهتماماته غير العادية في مثل عمره؛ مما جعل يعقوب يهتم به أكثر، رجاء أن يكون نبيا كما كانت العائلة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فتوسم به خيرًا، وتفرس به هذا الأمر وزاد الأمر تأكيدا بالرؤيا التي رآها، ويعقوب لم ير في أبنائه الباقين من اهتمامات وذكاء ومهارات كما كان ليوسف؛ لذلك كان على يعقوب أن ينمي قدرات يوسف ومهاراته، ويحافظ على تنميته الأخلاقية والقيمية والقيادية.
(2) أما حبه لابنه الصغير إنما هو حب الوالد للصغير حتى يكبر؛ فلا ضير في ذلك، ولم يكن جل اهتمامهم ذلك الأمر، إنما أرادوا يوسف -عليه السلام- فشملوا الأخ الصغير معه.
ومن ثم ما الذي يمنعهم أن يكونوا مثل يوسف -عليه السلام- من اهتمامات ومهارات وقدرات؟ إلا أنهم اختاروا ما هم عليه؛ فكانت النتيجة سيئة بالنسبة لهم، مع العلم أن البيئة واحدة والمعلم القائد واحد وهو نبي الله يعقوب -عليه السلام-، ولكنهم لم يحرصوا على ما حرص عليه يوسف -عليه السلام-؛ فكان كل طرف فيما اختاره هو لنفسه، {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ} (يوسف:9).
الوساوس الشيطانية
بدأت آثار الوساوس الشيطانية تظهر على السطح والواقع، وخرج ما في النفوس وما كان يشغل تفكيرهم.
(1) إساءة الظن في أبيهم.
(2) الكبر والعجب بأنفسهم والغرور.
(3) الحسد والحقد على مكانة يوسف -عليه السلام- عند أبيهم وتفوقه عليهم.
كل هذه أعمال قلبية ووساوس شيطانية سفلية يريدون أن يترجموها على الواقع، وحملوها في دواخلهم فأتبعت أفعالا شنيعة لا يقبلها العقل الصحيح ولا القلب السليم.
الأفعال الشنيعة التي فكروا فيها
• القتل.
• طرحه أرضا وإبعاده عن أبيه.
• إلقاء يوسف -عليه السلام- في الجب.
وعقد هذا الاجتماع بحضور إبليس وبدأ:
• تدفق الأفكار والعصف الذهني.
• اتخاذ القرار.
• رسم الخطة للتنفيذ.
اتفقوا بعد التفكير العميق والدقيق بين الخيارات الثلاثة أن يلقوه في الجب؛ فتأخذه قوافل السائرين إلى الأراضي البعيدة نحو مصر.
نفذت الخطة وما جاء فيها من قرارات، قال محمد بن إسحاق (صاحب السيرة): «لقد اجتمعوا على أمر عظيم من قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وقلة الرأفة في الصغير......» اه.
إخوة يوسف في تفاوض مستمر
{قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} (یوسف: 11)، فقد مارس إخوة يوسف -عليه السلام- على أبيهم ضغطا من خلال التفاوض المستمر وبالوسائل الآتية:
(1) الحوار والإقناع من إخوة يوسف -عليه السلام- لأبيهم لكي يأخذوا يوسف معهم.
(2) مكر وتحايل وخديعة وكذب.
حيث بدأ هجومهم على أبيهم في بداية حوارهم {مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ} لكي يضعوا أباهم في موقف المدافع لينالوا بغيتهم، وهذا من الذكاء البياني في الخطاب والتفاوض واستخدموا لغة النصح {وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ}، {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (یوسف:12).
اهتمامات يوسف
الواضح هنا أن اهتمامات يوسف -عليه السلام- لم تكن في اللعب واللهو، بل بأشياء أكبر من ذلك على صغر سنه، وهو الذي جعلهم يغارون منه ويحسدونه على مكانته ومهاراته وقدراته، ويبقى الإصرار مرة أخرى: {إنا إذا لخاسون} بعد {وإنا له لحافظون}.
(3) الإصرار في تحقيق الهدف، «ناصحون، حافظون، إنا إذا لخاسرون»، كانت عزيمتهم لوصولهم للهدف وإنجاح خطتهم قوية؛ لذلك أصروا وكانوا يفندون حجج يعقوب ويعارضون بقوة.
{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ} (يوسف:14)، وهذه للمرة الثانية يذكرون {ونحن عصبة} (يوسف: 14)، إذا مرض العجب والكثرة والغرور في نفوسهم، كل ذلك سببه المنافسة على لفت انتباه أبيهم يعقوب -عليه السلام- والاستحواذ على قلبه، وكان باستطاعتهم لفت انتباه أبيهم بغير هذه الطريقة وهذه الجريمة.
كلمات زادت حقدهم
قول يعقوب: {قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُوا بِهِ} (يوسف:13)، هذه الكلمات زادت حقدهم وكأنهم يقولون ما أصررنا إلا من أجل ذلك الذي قلت وهو حزنك على فراقه ولو ساعات، أراد يعقوب -عليه السلام- أن يزيل عن أبنائه مسألة تخوينهم وشكه فيهم، ولكنه أظهر حبه وخوفه على يوسف أكثر؛ من حيث لا يشعر، والله غالب على أمره، فلو أن الذين أمامه قلوبهم سليمة لفهموا أن خشية أبيهم على يوسف -عليه السلام- ليس إلا لصغر سنه وتميزه في هذا السن رجاء أن يكون خيرا على العائلة كلها بما فيهم إخوة يوسف كما حصل.
وبهذا يقدم يعقوب -عليه السلام- حجتين لأبنائه في فعلتهم:
الأولى: حزنه على فراق يوسف، وهذا زادهم إصرارا على التخلص منه.
الثانية: الذئب الذي يخشاه يعقوب.
فتلقفوا هذه الحجة التي سيقدمونها له وكأنهم يقولون لأبيهم هذه بضاعتك ردت إليك.
يعقوب -عليه السلام-وغرس القيم الإيجابية
ويستمر يعقوب -عليه السلام- في غرس القيم وإحسان الظن وإرسال الرسائل الإيجابية، ويقول لأبنائه: {وأنتم عنه غافلون} (يوسف:13)، وهذه إشارة منه أنه قد يحصل منكم غفلة وإن كانت غير مقصودة بل نسيانا وانشغالا عن يوسف، ومع ذلك هم عن كل هذا ليسوا غافلين، بل في آذانهم صمم وعلى أبصارهم غشاوة.
يوسف في غيابة الجب
جاء تنفيذ الخطة؛ فأجمعوا أن يلقوا يوسف في غيابة الجب، وهو ينظر بقلب منكسر وعين باكية، ومنزوع القميص ومنزوع القوة لا حول له ولا مقاومة، وهو يستصرخ في إخوته لماذا أطعن وأدمى من اليد التي طالما ظننتها يد العون، وقلوبهم القاسية كالحجارة أو أشد قسوة لا تهتم لصرخاته ولا مناجاته، وإذا بالرحمن الرحيم علام الغيوب مالك السموات والأرض يوحي إليه ويطمئن قلبه، ويسلي خلوته، ويؤنس وحدته في ظلمة الجب: {لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ } (يوسف:15)، فعلم يوسف -عليه السلام- أن هذه بدايته وليست نهايته.

د. فالح بن محمد العجمي




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24-02-2023, 11:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,615
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القيادة اليوسفية والمنظومة القيمية

القيادة اليوسفية والمنظومة القيمية
4 - عودة إخوة يوسف لأبيهم




قصة يوسف -عليه السلام- قصةٌ تعلمنا كيف يكون الصبر والثبات والتمكين في الأرض، قصة تعلمنا كيف تنهار القوة الأرضيَّة أمام القوة السماوية الربانيَّة، وكيف تسقط المخططات والمؤامرات أمام {معاذ الله} (يوسف:٢٣)، وكيف تصبح زنزانة السجن قاعة لإدارة الأزمات وتفريج الكربات. قصة يوسف -عليه السلام- قصة قائد بمنظومة قيمية ربانية، أنقذ مصر وما جاورها اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا وأخلاقيا وسياسيا.
ما زال حديثنا موصولاً عن إلقاء إخوة يوسف -عليه السلام- له في الجب وتوقفنا عن عودتهم لأبيهم ليقصوا عليه القصة الكاذبة.
عودتهم لأبيهم ليلا
عاد إخوة يوسف -عليه السلام- لأبيهم ليلا؛ وهذا إكمالا للمخطط لكي لا يرى تقاسيم وجوههم وذلك أدعى في إخفاء الكذبة والخديعة ولكن الجرائم دائما لا تكون كاملة؛ فقدموا الحجة نفسها التي كان يخشاها يعقوب، وقدموا الدليل الكاذب قميص يوسف، نعم صحيح قميص يوسف ولكن بدم بارد وكاذب ليس دم يوسف، وكشف ذلك قميص يوسف نفسه الذي لم يمزقه ذلك الذئب الطيب الحنون.
ماذا فعلتم بيوسف؟
عندما رأى يعقوب ذلك القميص أدرك أنه قميص ابنه الحبيب يوسف -عليه السلام- وهو متيقن أن الذئب لم يأكله، وكيف لذلك أن يأكل من رأى الكواكب والشمس والقمر له سجدا؟! نعم قميص يوسف -عليه السلام- ولكن أين يوسف؟ ماذا فعلتم به وهو من غير قميصه كيف حاله في ظلام الليل الحالك؟ ولا يعلم يعقوب مع ظلمة الليل ظلمة الجب ووحشته؛ فعيون يعقوب تنظر للسماء باكية على يوسف وقلبه ساجد لله، صابرا محتسبا {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (يوسف: 18)، خططوا للفشل ففشل مخططهم وانكشفت كذبتهم مع حرصهم {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} (فاطر:43).
الكاشف قميص يوسف
جرهم الحسد إلى الكذب ومحاولة القتل والحقد وعقوق الوالد وإساءة الظن وإساءة الأدب مع أبيهم بوصفه بالضلال، وخطفهم لأخيهم وإبعاده عن أبيه والمكر والكبر والغرور والتزوير، كشف كل هذا «قميص يوسف» الذي لم يمزقه الذئب، وأدرك يعقوب أن الأمر الذي كان يحاذر ويخاف منه وقع لا محالة، والله غالب على أمره؛ فأطلق القيمة المحركة له في مثل هذه المواقف {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، والاستعانة بالله -جل في علاه.
(1) الصبر الذي لا شكوى فيه إلا إلى الله.
(2) طلب العون من الله وحده.
خروج يوسف -عليه السلام- من الجب
وجاءت القوافل فمرت قافلة على هذا الجب وألقوا دلوهم، فاستثمر يوسف الموقف لصالحه وقفز على الدلو أثناء سحبه لأعلى وخرج من ظلمات الجب وضيقه إلى البشرى هذا غلام ولم يعلموا أنهم يحملون البشرى لمصر وما جاورها وباعوه بثمن بخس وما علموا أنهم يبيعون نبي الله -عليه السلام- يوسف القائد عزیز مصر القادم ومنقذها.
القائد يعرف قيمة نفسه
وهنا فائدة وهي أنَّ القائد يعرف قيمة نفسه وقدراته ومهاراته وإمكانياته، لا يهمه إذا جهله الآخرون؛ فقوته تنبع من داخله بإيمانه وقيمه المحركة لأفعاله، دراهم معدودة وزهدوا فيه وما علموا أنه هو -بفضل الله ثم تخطيطه وإدارته- سيكون المسؤول عن أموال مصر وكنوزها جميعها.
فراق موطنه والابتعاد عنه
انتهت مرحلة يوسف -عليه السلام- ووجوده في أرض كنعان في فلسطين، وهنا يصبر يوسف القائد الغلام -عليه السلام- على فراق الأحبة ووالده، ويصبر على فراق موطنه والابتعاد عن أرض الطفولة والصبا، ويصبر على ظلم إخوته وحقدهم وحسدهم، ويصبر على ظلمة الجب ووحشته، وكما قيل: يبتلى المرء على قدر دينه، كذلك القائد يبتلى بقدر ما يحمل من هم وفكر للأمة.
١- الفكر والقناعات
كان يوسف -عليه السلام- يحمل فكرا عظيما وطموحا عاليا، ولم يكن ذلك لدى إخوته على صغر سنه، ودليل ذلك انتباه والده يعقوب بذلك والاعتناء به؛ رجاء أن يكون من سلسلة عائلة النبوة؛ لذلك عندما سمع رؤيا يوسف علم يعقوب بأن ابنه يوسف سيكون له شأن عظيم.
٢- الاهتمامات
لم يكن يوسف -عليه السلام- ذا اهتمامات عادية أو متفرغا للعب واللهو؛ لذلك كان إخوته يقولون لأبيهم أرسله معنا غدا يرتع ويلعب، فما كان يخرج معهم للعب واللهو بل اهتماماته أكبر من ذلك.
٣- المسارات
كان يوسف -عليه السلام- ذكيا فطنا نبيها مبادرا جريئا، وستتجلى مهاراته أكثر المراحل القادمة.
٤- العلاقات
كان يوسف -عليه السلام- في بيئة أرض كنعان بفلسطين وبيئته في كنف أبيه وبين إخوته فاقتضى الأمر أن يكون نبيا قائدا، وأن يكون في بيئة أكبر لكي تتوسع دائرة علاقاته، ويتولى زمام المهام العظام القادمة، ولن يتسنى له ذلك وهو في فلسطين فكان انتقاله بهذه الطريقة خيرا له وإن كان ظاهر ذلك فيه الشر، {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة:216)، وعندها ستأتي العلاقات على مستوى كبير وعال.
5- القدوات
كان قدوات يوسف والده يعقوب وإسحاق وإبراهيم -عليهم السلام- رموز الصلاح والتقوى والنبوة والقيادة، وغرس ذلك يعقوب في نفس يوسف منذ صغره، وسيبقون قدواته في مواقف الشدة كما سيأتي بيانه، إذا نحن أمام نبي الله يوسف القائد الإنسان الفعال وستتبين قيادته على نطاق أوسع في المرحلة القادمة فكانت تربيته القيادية في كنف القائد نبي الله يعقوب -عليه السلام- ناجحة على ما لاقاه من شر إخوته.


د. فالح بن محمد العجمي


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 101.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 98.38 كيلو بايت... تم توفير 3.26 كيلو بايت...بمعدل (3.21%)]