تسع لوحات (قصة قصيرة) - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         ولا تبغوا الفساد في الأرض (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          تحرر من القيود (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          فن التعامـل مع الطالبات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          السياسة الشرعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 28 - عددالزوار : 790 )           »          العمل السياسي الديـموقراطي سيؤثر في الصرح العقائدي وفي قضية الولاء والبراء وهي قضية م (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 9 - عددالزوار : 133 )           »          طرائق تنمية الحواس الخمس لدى الطفل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 19 )           »          حقيقة العلاج بالطاقة بين العلم والقرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1 - عددالزوار : 33 )           »          الله عرفناه.. بالعقل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          افتراءات وشبهات حول دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 7 - عددالزوار : 96 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر > من بوح قلمي

من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 04-08-2022, 03:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,578
الدولة : Egypt
افتراضي تسع لوحات (قصة قصيرة)

تسع لوحات (قصة قصيرة)
د. أسعد أحمد السعود




لوحة 1: تناقضات الرتابة

شَعَرَ بضيق شديد، حاول القيامَ ببعض الحركات لتنبيهِ أعصابه وتنشيطِ دَمِه الخامل، إلا أن مَسْحَةً من التشاؤم عادت إليه، فجعلتْه يتشبَّث بأفكاره، ويتلبَّد في مكانه.

الساعة تشير إلى السادسة صباحًا أو أكثر بقليل، وقد صبغت الشمسُ كلَّ ملامح المكان من حوله، لم يصاحبْه النومُ في ليلة طويلة ثقيلة، عانى خلالها من كل أشكال الأَرَقِ، استنفد كلَّ محاولات التفكير ولم يستوضح حدودَه في مُخيِّلتِه، تاه بين النُّعاس والخمول، وبين الإرهاق والوَهَن؛ ولكنَّ أيًّا منها لم تستقلَّ في ميدان جسمه ليحسمَ تسميتَها؛ بل إن ساعاتِ الليل الآفلة قد أوضحت له أنها تختلف عن مثيلاتها الماضيات، إلا أنه وفي مثل هذه الحالات التي أصبحت تمرُّ به رغمًا عنه - حاول تجنُّبَ ظهور أعراضها لأعين أقرب المقربين إليه.

لم تكن للصحف المحلية أهمية تُذكر عنده إلا من بعد ما استيقن أن ما يمرُّ به ليس عارضًا أبدًا؛ بل إن لهفتَه لمطالعتِها الصباحية أصبحت قرينًا لزيادة ثِقَلِ ما ألمَّ به.

وكم حاول أن يُلبِسَ نفسَه وهمَ محاولات الخروج منها، لمَّا بدأ يتابع الإعلانات بشراهةٍ غير متوازية مع ما كان يشُدُّه ويرغِّبه فيها من قبل، ها وقد بدأت تضطرب لديه الرغبة، ويكتب أشياء مبعثَرة على هامشها؛ مثل مقولة: "إن النار لا تُطفِئها المياه الباردة، وإن زيادة سعيرها يُعجِّل بانطفائها"، ومقولة أخرى إلى جانب إعلان آخر بشكل انفجار، يعلن عن بَدء تقديم الوجبات السريعة المُخفَّضة بإحدى المطاعم، فيكتب معلِّقًا: "إن الألوانَ التي تظهر بأي انفجار، تتزاحم بعينِ الرائي؛ لإغرائه بإحدى رغبتين: إما الإشباع بأي وسيلة ويعتبرها جريمة، وإما ترك الأمعاء تتلوى في فراغها؛ لهدف القتل البطيءِ لرغبات النفس".

مرَّ في آخر الصفحة على إعلان يكتسح إطارَه السوادُ الشديد مرورًا عابرًا، عُنوانه: (قتيلة المقابر الغربية)، أراد أن يتابع في تخبُّط، ولبُرهةٍ من صمت لفت انتباهَه الإعلانُ، عاد إليه ثم قرأه ثانية، وأخذ يُدقِّق في كلماته، دبَّت حركة التواءٍ قاسية في أمعائه الساكنة منذ الصباح، ثم تَبِعها انقباض، ثم ما لبِث أن بدأ الخفقان في قلبه يتسارع، والارتعاش يطغى على أصابعه، ولم يَعُدْ يتحكم في قبضته على الصحيفة، فاجأه مَن كان بالقرب منه لمَّا رآه مرتبكًا مضطربًا، يقول له:

لقد مضت عدةُ شهور وأنت تعاني من هذه الأعراض، وها هي اليوم طاغيةٌ عليك بشدة!



لوحة 2: أكاذيب ملونة

وجد نفسَه مُنساقًا إلى العزاء المُنعقِد في بيتٍ لا يعرف عنه إلا أنه أحدُ بيوت مدينتِه المترامية ما بين بِطَاح نصف أطرافها مقابرُ متناثرة على مَدِّ النظر، متلاحمة بنسيج مُعقَّد، مع البَرِّيَّة الغامضة الحاضنة لحكايات موغلةٍ في تاريخٍ ألوانُه كألوان الإعلانات التي يطالعها في صحف مدينته المتباكية بحزنٍ ليس له شواطئٌ ترسو عليها النفوس.

تذكَّر وصف صديقه في العمل بتشخيص ما كان يطفو على سطح مركبه المضطرب، أراد أن يقارنَ بين ما كان يريد أن يفعلَه وبين ما حكم عليه به.

استخلص من قراراتِه أن أحدَ الحُكمين هو كاذب لا حقيقة له، ولم يسمِّ أيًّا منهما، وظل مركبُه يُبحر هائمًا، وقال لنفسه مؤكِّدًا: "إن طقوسَ التعازي ثقيلة، تفرِض على الكاذب استعدادًا مظهريًّا علائمُه بائنة، وكذلك تفرض استعدادًا نفسيًّا أكثر مأساويَّة"؛ ولكن الثاني منهما كان يعرفه بكل أغوارِه، ولا أصل لوجوده، وليس ذلك فحسب؛ بل ومن قبل زمن بعيد، وقال لنفسه مرة أخرى: "أنا الوحيد من بين كل هؤلاء المُعزِّين الذي جاء بحقيقة لا يعرفها سواه هو"، إن هذا العزاء معقود على صاحب البيت الذي دُفن فيه حبُّه الأول منذ سنين حزينةٍ طويلة بائسة، وفي هذا العزاء أيضًا وأدٌ لحزن حقيقي، وبعثٌ لذاكرة قُتلت غدرًا يومًا ما، في أجواء هبوب رياح عاصفة مزَّقت أشرعتَه، وألقت بمركبه إلى شواطئ المقابر المُكتظَّةِ ببقع سوداءَ متحركة، في أُفُقِ المدينة المُلقاةِ بين أخاديد ألوان التاريخ كألوان الإعلانات في الصحف؛ بل مثل ألوان وجوه هؤلاء المعزِّين المغرَّر بهم!



لوحة 3: تربَّع في يقينه ومضات عناوين قديمة

1- نشوة مفاجئة سَرَت في جسده.

2- نفى عن نفسه الانتهازية.

3- كيف يأتي ببرهانِ صدقٍ في بطاقة تعزيتِه؟

رائحةُ البخار المنبعث من تراب البرِّيَّة، ولَّدت في مخيلته صورًا عاتمة قاتمة، توضَّحت بعضُ معالمِها مع انقشاعِ غَيمةٍ ضائعة من أمام عين الشمس.

القبور محشورة متزاحمة في بقعة ضيقة من الأرض.

الآن تذكَّر حالتَها قبل سنين كثيرة، حيث كانت تُشكِّل مهدًا لملاعب طفولته، كانت منتشرةً على جهات ثلاث، يومَ كانت المدينةُ صغيرة، وتحيط بها إحاطةَ هلال، ولا حدودَ لأيٍّ منهما مع الأخرى، متمازجة، فتبدو والبرية بقبورها مُنسابة إلى مداخل المدينة، مخالطة بعض بيوتها، والمدينةُ من جانبها تفعل الشيءَ ذاتَه؛ تتمطى بأطرافها إلى حدِّ انسياب أشعة الشمس بشروقها وغروبها، والموعد يفجَعُ مَن يتأخر أو يتقدم منها وإليها، وويل لمَن يتعثَّر بالركضِ والعجلةِ عندما يُسدِل الليلُ عباءتَه شيئًا فشيئًا، فيبدأ بإنذار الصغار والكبار بالعجلة واللَّحاق بأهاليهم، سيما وأن بعضًا من الدروب ما بين أحيائها وما بين مداخلها ومخارجها - لا بد وأن يمر من بين هذه القبور كذلك، ولا ينسى أحدٌ منهم إغلاقَ بابِ بيته من خلفه، والخوف يلاحق الجميع، وويل لمن يتأخر، (فالجنِّيَّة) تلاحقه لتخطَفَه أو تقتله، ويختفي إلى الأبد.

كتلٌ سوداءُ متحركة هنا وهناك من جميع الاتجاهات، في عجلة لمغادرة المكان واللحاق بالبيوت؛ فقد أُسدلَ السِّتارُ الأسود على مسارح الحزن والبكاء والعويل.

نساءُ المدينة هن فقط مَن لديهن القدرةُ على البقاء قليلًا والتأخُّر هناك، هو عالمهم الغامض ومسرحُ حُرمتِهن ومُتنزَّههن الوحيد، ورغم ذلك يتسارع الكلُّ مذعورين، ولا يستطيع أحدٌ الاقترابَ منهن أبدًا، ومحاولات عديدة قام بها صِبْيَةٌ قُوبلت بالصَّدِّ والفشل، وإن أراد أحد منهم فعْلَ ذلك، فما عليه سوى الاختباء بين قبرين؛ ليراقبَ ما يجري بينهن تلك الأوقات من النهار، ويومًا هلَّل أحدُهم لرؤية ذلك العالم الغامض المجهول بسعادة غامرة إذ اقترب منه، وعَلَتْه فَرْحةٌ حيث رافق عجوزًا قريبة له، وحمل عنها جَرَّةَ الماء بسعادة غامرة، وكانت شمسُ الظهيرة لا زالت تُسلِّط حرارتَها على رقاب الخليقة، كان متلهِّفًا ليتعرَّفَ على طقوس النساء تلك، لم تكتمل فرحتُه؛ إذ لاقتها عجوزٌ ثانية في منتصف الطريق، منفردة حاثَّة السير، هميمة في قصدها أكثرَ من رفيقته، فلما رأت الصبيَّ زجرته، وأمرته بالرجوع والعودة، فترافقتا صحبة الطريق الملتوي إلى حيث حلقات النَّدب والبكاء والتَّنزُّه.

ويومًا سمِع إحداهن تُردِّد على جارتها فقيدة زوجها: "إن الذَّهاب للقبور ظهيرةَ يومي الاثنين والخميس (مجابرة) و(عيب) و(نقيصة) لمَن لا تذهب بدون حُجَّةٍ مقبولة"، والاعتذار من أي منهن سهلُ الانتقال والتداول لمجرد ذكره في إحدى حلقاتهن تلك.



لوحة 4: نادبة ونادبات!

وقف مندهشًا بين المودِّعين، لم يرَ سوى الصورة ذاتها، الكتل السوداء بهيئاتها، نساء نادبات بعباءاتِهن يضرِبن حلقاتٍ مستديرة، تُطلِق إحداهن صرخةً تُدوِّي في آفاق البيوت تصل إلى أطراف المقابر، فتضرب صدرها ووجهها بكلتا يديها، فيتبعها الأُخرياتُ بذات الفعل، فيُردِّدن الصُّراخَ والعويل، تتبعها أخرى بقصيد شعر؛ استنكارًا وأسى على الميت، فتُضفِي الحسرةَ والنَّدم لموته المفاجئ، فيردِّد الأخريات ما تقوله بصراخ تضِجُّ به الأركانُ ويملأ الآفاق.

ظل يرقُبُ المشهدَ مِن بين صفوف المُعزِّين، يخترق بنظراته حواجزَ الحلقات المرعبة، حتى وقعت عيناه عليها من بينهن، كانت تُقلِّد ما تفعله الأخريات ولكن بفتور متوارٍ، وقد عرفها من ملامحها التي لم تتغير كثيرًا.

عادت به الذاكرةُ لحبِّه الأول، بدأ الدم يتدفَّق من جديد في خلايا جسمِه المُرتجِف، منذ سنين طويلة لم تتغير ملامحها كثيرًا؛ ولكن دقة وصفِها وُلد من جديد في عينيه، لم يُدقِّقْ في تجاعيدِ وجهِها؛ لكنه أبقى لصورتها القديمة في نفسه، فغلبه شوقُه إليه، فعاد يُقارِن بين نتوءات الصورتين الهاربتين منه أصلًا:

1- ساحة عواطفها أصبحت مثلَ الماضي، فاختلطت لديه معايير الميزان.

2- حُبُّه لها ظلَّ صافيًا مثل الماضي، فاختلطت بينهما سنون عِجافٌ، مرَّت بتآكل المقابر على حساب البيوت الصَّمَّاء.

3- رنين المُنبِّه أصبح خَجِلًا هو الآخر، يعتريه المللُ بظهور التجاعيد على ملامح وجهه.

كم تمنَّى أن يكبر ويزداد اتساعُ مساحاتِ الاعتراف! لكن الأمر أصبح غريبًا ومستحيلًا؛ حيث قالت له يومًا وبنبرة حادة وقاطعة: "كلُّ خيوطِ الظُّنون ستبني مدينة فاضلة صغيرة، زوج وأولاد وأحفاد، مُسيَّجة بحقيقة تجاعيدِ المدينة الكبيرة، لا بأوهامٍ وأحلام تطفو ثم تختفي مع زَبَدِ سيول أمطار البراري الهائمة المضطربة".

ومن يومِها ظلَّت الحَيرةُ تتلاعب بأفكاره، وظلت قراراتٌ حاسمة فوقها عناوين بارزة لامتحان مصيري بين حبٍّ أو لا حب بينهما، متاهة كتلك البرية المُثقَلة بالفوضى.





لوحة 5: اختفاء!

حرب العيون واللحظات القاسية القاتلة، ظلَّت كل سنين الهروب يراها متحصِّنة بثقة، لها سهامٌ صائبة لا تُخطئ مرماها.

لا يجوز ولا يحق لك أيُّ شيء حتى الابتسامة؛ فهي تُبرِز أكثرَ ثنايا وجهك الحادة والقاسية، لا منحنيات فيها، إنها تدفن صورَ الوَدَاعةِ والأمان، ولا يُعترف بأي برهان تأتي به!



لوحة 6: عودة المجن!

كتب بضعَ كلمات هائماتٍ على هامش إعلان الخبر الغريب، قلبت ظَهْرَ المِجَنِّ فيه، وأشعلت نيرانًا كان يظنُّها قد خمدت منذ عشرات السنين، جعلته يسابق القوارضَ بنبشِ القبور التي دُفنت بداخلها كلُّ أزاهير الربيع؛ بل كل خطوات التردد والخجل والحيرة، دُفنت بباطنها لحظاتُ ذكرياتٍ لعمرٍ صُنعت أساساتُه من لَبِناتِ وهمِ التَّفوُّق على كل مُكبِّلات الذات، فتراكبت سنون الفُرقةِ والغربة ما بين البيوت والقبور، فخلقت عالمًا سِحريًّا، ردمت كلَّ مراتب الأسرار لمَن غابوا فيها ولمن بقي، فلم تكن تلك قبورًا عادية، كانت نُصُبًا تَذكارية للحزن السَّرْمدي، صفتْ أحجارُها ومعادنُها بعناية أسرارها، تختلط ألوانها مع ألوان حبات الرمل بالندى الرطب الحزين في كل الأحوال، فتنبعث من مسامها رائحةُ البخور المشؤوم الغريب.

وسأل نفسه: إلى أين كان يسير به دربُ عمرِه المتقطع؟

1- أنين يخرج من جرحه الرَّطبِ المتجدد كأنفاس مِزمارِ راعٍ فَقَدَ قطيعَه في مساء مُكفهرٍّ مرعب، جالت فيه رياحٌ عاصفة بأشلائها وأوصالها.

2- لم يكن وحيدًا؛ بل كانت كلُّ أصابع يديه مزدوجة، والدم ينزف من بين ثناياها مثل أيام الصبا ومثل أيامه الأولى والأخيرة، كانا ينبشان بالرَّدْمِ المتراكم فوق أبواب خزائن البيوت العتيقة، فلماذا العصيان عند ظهور أول بوادر البريق المُبشِّر بانفلاق صُبْحٍ جميل صافٍ؟

3- كان لا بد من تقديم التعازي وجهًا لوجه؛ لتتلاقى كلُّ التجاعيد، وتتلاقى كل آثار السنين المُضنِيَة على تهدُّج الحناجر الغريبة التائهة، ويبوح كلٌّ منهما للآخر بما أسلف من أيامِ فُرْقةٍ قاسية.

4- قبض بيديه الواهنتين على الأيام التالية، ودلف معها إلى سكون الخبايا المجهولة يستكشف باحثًا عن غفلات نبضات القلوب المتفرقة.

5- كانت تعزف بكفٍّ واحدة على أوتار خزائن مدينتها الفاضلة الحالمة.

6- لم يكن الحظُّ يضرب بأرقامه صدفة؛ فالرقم واحد دائمًا كان يلاحقه، واليوم أصبح في كفِّ الميزان اثنين، هو ثقيل؟



لوحة 7: تعليقات

أخذت تجرُّ بدنَها الملفوفَ بالسواد الشديد إلى محطات الانتظار (فيما مضى كنَّ كثيرات وكانوا كثيرين، كانوا أطفالًا وصبية، وكُنَّ نساءً وعجائز، وكان الأفق كله أفق المدينة وأفق البرية بقبورها) من وراء ضباب غَسَقِ الليل يغلب عليها علائم الأجساد السوداء المتحركة، كل هذا وذاك كانت الحياة تدِبُّ بهم جميعًا عندما ينادي بهم الحنينُ والخوف في آنٍ واحد، فينفصل كلُّ لون بحاله في خانته، وكل ذي اندماج ينفصل عن خليله، وتتابع السُّرعات، وتخِفُّ الخطوات، وتزداد الخفقات، ويعُمُّ السكون، ويبدأ نومُ الغافلين، وتبدأ آهاتُ التوَّابين، وتبدأ حكايات وأقاصيص المغامرين.



تعليقات على هامش الإعلان المكتسَح بالسواد:

لم تطُلْ بها الأيام؛ إذ أصبحت وحيدة، كُنَّ جماعاتٍ وزرافات، وبقيت وحدها متمسكة بأذيال الوحدة، وهي تجر آهات الزمان القديم، وكان ثقيلًا جدًّا.

لا تفارقُ قبرَه إلا وقد اندمج لونُ عباءتِها بلون سواد الليل الحالك المرعب.

لم تطل بها الأيام كما طالت بالعجوز جارتها القديمة.

لم تنفصل الألوان لديها بعضها عن بعض، وكذلك المدافن والبيوت لم تنفصل بعضها عن بعض، عادت في غربة الزمن الآثم لتتَّحدَ في غفلة مجرمة.





لوحة 8: تحليل

جاء في التعليق على خبر الإعلان:

بعضُ رجال المدينة مع ثُلَّةٍ من الأتباع خرجوا يستطلعون مكان "الجنية المقتولة" بين القبور الغربية.

قال قائل ثانٍ: إن سباع البرِّيَّة أخرجت جُثَّةً بعد دفنها؛ لكن ما كان يُقال بين أهل الحكايات والأساطير أن قصة مثيرة شاهد أحداثَها قريبون ممن كانوا يتأخرون بين القبور بعد ظلمة الليل بقليل، وأن الجريمةَ الغامضة وقعت حينها، لم تحدث ضَجَّةٌ ولا أصوات، ولم يستطع أحدٌ رؤيةَ أي شيء عن كَثَب.



لوحة 9: براثن خيال!

قال له مَن كان يستمع إليه ويراقبه عن قرب:

أكمل، وماذا بعد؟

أصابه العجَب من سؤال صاحبه، فأجابه ببلاهة واضحة: "لا أعلم إن كانت هناك إضافة أو زيادة أو ماذا تريد من (وماذا بعد)؟" .

كانت إجابة صديقه: ما كنتُ أعرف أن فيك هذا الخيال الخلَّاق من قبل!

أي خيال وأي خلَّاق؟ ثم إنك أنت من...؟

لقد أصبحتَ مثلهم!

مَن هم الذين أصبحتُ مثلهم؟

وبعد صمت طويل تبادَلَا خلاله نظراتٍ مريبةً مليئة بالشك، صرخ صديقه منفجرًا:

أنت يا مجنون!

راح يرددها وهو يبتعد عنه.



سمع أصواتًا غريبة وجلاجلَ صاخبة، ثم أعقبها هدوءٌ وسكون مُطبِق، شاهد نفسَه كطائر يطير في الهواء يعلو وينخفض، ثم انتابته ارتعاشات مفاجئة على إثر وخزات بأسفل قدميه، كان يصرخ عندما تشتدُّ الوخزات، ثم يهدأ عندما تختفي، فيعود إلى تصوُّر نفسِه يمشي حافيًا، فلا يسمع غير حسيس وحفيف أوراق الأشجار من حوله، أعقبها هبوطُ كتلة ثقيلة جَثَمت على صدره، فكتمت أنفاسه، وقيَّدت جسمه.


سمع صوتًا مألوفًا لديه يُكرِّر عليه اسمه، فتح عينيه بصعوبة بالغة، وبعد عدة محاولات منه لتصفية ملامح صورة كانت مرتسمةً أمام وجهه، رأى الوجهَ واضحَ المعالم، إنه وجهُ صديقه ثانية، ولما استقرت النظراتُ وتطابقت بعضها على بعض، عاد وسأله:

مَن تلك المقتولة وأنت تردد اسمها يا مجنون؟

عادت إليه الغيبوبةُ بثقلها المُبرِّح، عندما لمع في ذهنه يقين أنه واقع في براثنها إلى الأبد.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 66.99 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 65.05 كيلو بايت... تم توفير 1.93 كيلو بايت...بمعدل (2.88%)]