تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد - الصفحة 21 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         السيول والأمطار دروس وعبر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          مضى رمضان.. فلا تبطلوا أعمالكم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          فضل علم الحديث ورجاله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          سورة العصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          الترهيب من قطيعة الرحم من السنة النبوية المباركة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          لمحات في عقيدة الإسماعيلية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          عقيدة الشيعة فيك لم تتغير (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          شرح حديث: تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          كيف تعود عزة المسلمين إليهم؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          أدومه وإن قل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #201  
قديم 13-07-2022, 09:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(187)
الحلقة (201)
صــ 99إلى صــ 105




القول في تأويل قوله تعالى ( إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ( 133 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "إذ قال لبنيه" ، إذ قال يعقوب لبنيه" .

و"إذ" هذه مكررة إبدالا من "إذ" الأولى ، بمعنى : أم كنتم شهداء يعقوب ، إذ قال يعقوب لبنيه حين حضور موته .

ويعني بقوله : "ما تعبدون من بعدي" - أي شيء تعبدون "من بعدي" ؟ أي من بعد وفاتي ؟ قالوا : "نعبد إلهك" ، يعني به : قال بنوه له : نعبد معبودك الذي تعبده ، ومعبود آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، "إلها واحدا" أي : [ ص: 99 ] نخلص له العبادة ، ونوحد له الربوبية ، فلا نشرك به شيئا ، ولا نتخذ دونه ربا .

ويعني بقوله : "ونحن له مسلمون" ، ونحن له خاضعون بالعبودية والطاعة .

ويحتمل قوله : "ونحن له مسلمون" ، أن تكون بمعنى الحال ، كأنهم قالوا : نعبد إلهك مسلمين له بطاعتنا وعبادتنا إياه . ويحتمل أن يكون خبرا مستأنفا ، فيكون بمعنى : نعبد إلهك بعدك ، ونحن له الآن وفي كل حال مسلمون .

وأحسن هذين الوجهين - في تأويل ذلك - أن يكون بمعنى الحال ، وأن يكون بمعنى : نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، مسلمين لعبادته .

وقيل : إنما قدم ذكر إسماعيل على إسحاق ، لأن إسماعيل كان أسن من إسحاق .

ذكر من قال ذلك :

2089 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق" قال : يقال : بدأ بإسماعيل لأنه أكبر .

وقرأ بعض المتقدمين : "وإله أبيك إبراهيم" ، ظنا منه أن إسماعيل ، إذ كان عما ليعقوب ، فلا يجوز أن يكون في من ترجم به عن الآباء ، وداخلا في عدادهم . وذلك من قارئه كذلك ، قلة علم منه بمجاري كلام العرب . والعرب لا تمتنع من أن تجعل الأعمام بمعنى الآباء ، والأخوال بمعنى الأمهات . فلذلك دخل إسماعيل في من ترجم به عن الآباء . وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، ترجمة عن الآباء في موضع جر ، ولكنهم نصبوا بأنهم لا يجرون .

[ ص: 100 ] والصواب من القراءة عندنا في ذلك : "وإله آبائك" ، لإجماع القراء على تصويب ذلك ، وشذوذ من خالفه من القراء ممن قرأ خلاف ذلك .

ونصب قوله : "إلها" ، على الحال من قوله : "إلهك "
القول في تأويل قوله تعالى ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ( 134 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره . بقوله : "تلك أمة قد خلت " ، إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم .

يقول لليهود والنصارى : يا معشر اليهود والنصارى ، دعوا ذكر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والمسلمين من أولادهم بغير ما هم أهله ، ولا تنحلوهم كفر اليهودية والنصرانية ، فتضيفونها إليهم ، فإنهم أمة - ويعني : ب "الأمة " في هذا الموضع : الجماعة والقرن من الناس - قد خلت : مضت لسبيلها .

وإنما قيل للذي قد مات فذهب : "قد خلا " ، لتخليه من الدنيا وانفراده ، عما كان من الأنس بأهله وقرنائه في دنياه .

وأصله من قولهم : "خلا الرجل " ، إذا صار بالمكان الذي لا أنيس له فيه ، وانفرد من الناس . فاستعمل ذلك في الذي يموت ، على ذلك الوجه .

ثم قال تعالى ذكره لليهود والنصارى : إن لمن نحلتموه - ضلالكم وكفركم الذي أنتم عليه - من أنبيائي ورسلي ، ما كسب . [ ص: 101 ]

"والهاء والألف " في قوله : "لها " ، عائدة إن شئت على "تلك " ، وإن شئت على "الأمة " .

ويعني بقوله : "لها ما كسبت " ، أي ما عملت من خير ، ولكم يا معشر اليهود والنصارى مثل ذلك ما عملتم ، ولا تؤاخذون أنتم - أيها الناحلون ما نحلتموهم من الملل - فتسألوا عما كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وولدهم يعملون . فيكسبون من خير وشر ، لأن لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت . فدعوا انتحالهم وانتحال مللهم ، فإن الدعاوى غير مغنيتكم عند الله ، وإنما يغني عنكم عنده ما سلف لكم من صالح أعمالكم ، إن كنتم عملتموها وقدمتموها .
القول في تأويل قوله تعالى ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : " وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " ، وقالت اليهود لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المؤمنين : كونوا هودا تهتدوا ؛ وقالت النصارى لهم : كونوا نصارى تهتدوا .

تعني بقولها : "تهتدوا " ، أي تصيبوا طريق الحق . كما : -

2090 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير - وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة - جميعا ، عن ابن إسحاق ، قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى [ ص: 102 ] زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : قال عبد الله بن صوريا الأعور لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما الهدى إلا ما نحن عليه! فاتبعنا يا محمد تهتد! وقالت النصارى مثل ذلك . فأنزل الله عز وجل فيهم : "وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " .

قال أبو جعفر : احتج الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أبلغ حجة وأوجزها وأكملها ، وعلمها محمدا نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، قل - للقائلين لك من اليهود والنصارى ولأصحابك : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : بل تعالوا نتبع ملة إبراهيم التي يجمع جميعنا على الشهادة لها بأنها دين الله الذي ارتضاه واجتباه وأمر به - فإن دينه كان الحنيفية المسلمة - وندع سائر الملل التي نختلف فيها ، فينكرها بعضنا ، ويقر بها بعضنا . فإن ذلك - على اختلافه - لا سبيل لنا على الاجتماع عليه ، كما لنا السبيل إلى الاجتماع على ملة إبراهيم .

وفي نصب قوله : "بل ملة إبراهيم " أوجه ثلاثة . أحدها : أن يوجه معنى قوله : "وقالوا كونوا هودا أو نصارى " ، إلى معنى : وقالوا اتبعوا اليهودية والنصرانية . لأنهم إذ قالوا : "كونوا هودا أو نصارى " ، إلى اليهودية والنصرانية دعوهم ، ثم يعطف على ذلك المعنى بالملة . فيكون معنى الكلام حينئذ : قل يا محمد ، لا نتبع اليهودية والنصرانية ، ولا نتخذها ملة ، بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا ، ثم يحذف "نتبع " الثانية ، ويعطف ب "الملة " على إعراب اليهودية والنصرانية .

والآخر : أن يكون نصبه بفعل مضمر بمعنى "نتبع "

والثالث : أن يكون أريد : بل نكون أصحاب ملة إبراهيم ، أو أهل ملة [ ص: 103 ] إبراهيم . ثم حذف "الأهل " و "الأصحاب " ، وأقيمت "الملة " مقامهم ، إذ كانت مؤدية عن معنى الكلام ، كما قال الشاعر :


حسبت بغام راحلتي عناقا! وما هي ، ويب غيرك ، بالعناق


يعني : صوت عناق ، فتكون "الملة " حينئذ منصوبة ، عطفا في الإعراب على " اليهود والنصارى " .

وقد يجوز أن يكون منصوبا على وجه الإغراء ، باتباع ملة إبراهيم .

وقرأ بعض القراء ذلك رفعا ، فتأويله - على قراءة من قرأ رفعا : بل الهدى ملة إبراهيم .
[ ص: 104 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين ( 135 ) )

قال أبو جعفر : و"الملة " ، الدين

وأما "الحنيف " ، فإنه المستقيم من كل شيء . وقد قيل : إن الرجل الذي تقبل إحدى قدميه على الأخرى ، إنما قيل له "أحنف " ، نظرا له إلى السلامة ، كما قيل للمهلكة من البلاد "المفازة " ، بمعنى الفوز بالنجاة منها والسلامة ، وكما قيل للديغ : "السليم " ، تفاؤلا له بالسلامة من الهلاك ، وما أشبه ذلك .

فمعنى الكلام إذا : قل يا محمد ، بل نتبع ملة إبراهيم مستقيما .

فيكون "الحنيف " حينئذ حالا من " إبراهيم " وأما أهل التأويل فإنهم اختلفوا في تأويل ذلك . فقال بعضهم : "الحنيف" الحاج . وقيل : إنما سمي دين إبراهيم الإسلام "الحنيفية " ، لأنه أول إمام لزم العباد - الذين كانوا في عصره ، والذين جاءوا بعده إلى يوم القيامة - اتباعه في مناسك الحج ، والائتمام به فيه . قالوا : فكل من حج البيت فنسك مناسك إبراهيم على ملته ، فهو "حنيف " ، مسلم على دين إبراهيم .

ذكر من قال ذلك :

2091 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا القاسم بن الفضل ، عن كثير أبي سهل ، قال : سألت الحسن عن "الحنيفية " ، قال : حج البيت .

2092 - حدثني محمد بن عبادة الأسدي قال : حدثنا عبد الله بن موسى [ ص: 105 ] قال : أخبرنا فضيل ، عن عطية في قوله : "حنيفا " قال الحنيف : الحاج .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #202  
قديم 13-07-2022, 09:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(188)
الحلقة (202)
صــ 106إلى صــ 112

2093 - حدثني الحسين بن علي الصدائي قال : حدثنا أبي ، عن الفضيل ، عن عطية مثله . [ ص: 106 ]

2094 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا حكام بن سلم ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن مجاهد قال : الحنيف الحاج .

2095 - حدثني الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن التيمي ، عن كثير بن زياد قال : سألت الحسن عن "الحنيفية " ، قال : هو حج هذا البيت .

قال ابن التيمي : وأخبرني جويبر ، عن الضحاك بن مزاحم ، مثله .

2096 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا ابن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن السدي ، عن مجاهد : "حنفاء " قال : حجاجا .

2097 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "حنيفا " قال : حاجا .

2098 - حدثت عن وكيع ، عن فضيل بن غزوان ، عن عبد الله بن القاسم قال : كان الناس من مضر يحجون البيت في الجاهلية يسمون "حنفاء " ، فأنزل الله تعالى ذكره ( حنفاء لله غير مشركين به ) . [ سورة الحج : 31 ]

وقال آخرون : " الحنيف " ، المتبع ، كما وصفنا قبل ، من قول الذين قالوا : إن معناه : الاستقامة .

ذكر من قال ذلك :

2099 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، [ ص: 107 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "حنفاء " قال : متبعين .

وقال آخرون : إنما سمي دين إبراهيم "الحنيفية " ، لأنه أول إمام سن للعباد الختان ، فاتبعه من بعده عليه . قالوا : فكل من اختتن على سبيل اختتان إبراهيم ، فهو على ما كان عليه إبراهيم من الإسلام ، فهو "حنيف " على ملة إبراهيم .

وقال آخرون : "بل ملة إبراهيم حنيفا " ، بل ملة إبراهيم مخلصا . "فالحنيف " على قولهم : المخلص دينه لله وحده .

ذكر من قال ذلك :

2100 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " واتبع ملة إبراهيم حنيفا " ، يقول : مخلصا .

وقال آخرون : بل "الحنيفية " الإسلام . فكل من ائتم بإبراهيم في ملته فاستقام عليها ، فهو "حنيف " .

قال أبو جعفر : "الحنف " عندي ، هو الاستقامة على دين إبراهيم ، واتباعه على ملته . . وذلك أن الحنيفية لو كانت حج البيت ، لوجب أن يكون الذين كانوا يحجونه في الجاهلية من أهل الشرك كانوا حنفاء . وقد نفى الله أن يكون ذلك تحنفا بقوله : ( ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ) [ سورة آل عمران : 67 ]

فكذلك القول في الختان . لأن "الحنيفية " لو كانت هي الختان ، لوجب أن يكون اليهود حنفاء . وقد أخرجهم الله من ذلك بقوله : ( ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما ) [ سورة آل عمران : 67 ] . [ ص: 108 ]

فقد صح إذا أن "الحنيفية " ليست الختان وحده ، ولا حج البيت وحده ، ولكنه هو ما وصفنا : من الاستقامة على ملة إبراهيم ، واتباعه عليها ، والائتمام به فيها .

فإن قال قائل : أوما كان من كان من قبل إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، من الأنبياء وأتباعهم ، مستقيمين على ما أمروا به من طاعة الله استقامة إبراهيم وأتباعه ؟

قيل : بلى .

فإن قال : فكيف أضيف "الحنيفية " إلى إبراهيم وأتباعه على ملته خاصة ، دون سائر الأنبياء قبله وأتباعهم ؟

قيل : إن كل من كان قبل إبراهيم من الأنبياء كان حنيفا متبعا طاعة الله ، ولكن الله تعالى ذكره لم يجعل أحدا منهم إماما لمن بعده من عباده إلى قيام الساعة ، كالذي فعل من ذلك بإبراهيم ، فجعله إماما فيما بينه من مناسك الحج والختان ، وغير ذلك من شرائع الإسلام ، تعبدا به أبدا إلى قيام الساعة . وجعل ما سن من ذلك علما مميزا بين مؤمني عباده وكفارهم ، والمطيع منهم له والعاصي . فسمي الحنيف من الناس "حنيفا " باتباعه ملته ، واستقامته على هديه ومنهاجه ، وسمي الضال من ملته بسائر أسماء الملل ، فقيل : "يهودي ، ونصراني ، ومجوسي " ، وغير ذلك من صنوف الملل

وأما قوله : "وما كان من المشركين " ، يقول : إنه لم يكن ممن يدين بعبادة الأوثان والأصنام ، ولا كان من اليهود ولا من النصارى ، بل كان حنيفا مسلما .
[ ص: 109 ] القول في تأويل قوله تعالى ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ( 136 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : "قولوا " - أيها المؤمنون ، لهؤلاء اليهود والنصارى ، الذين قالوا لكم : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : "آمنا " ، أي صدقنا "بالله " .

وقد دللنا فيما مضى أن معنى "الإيمان " ، التصديق ، بما أغنى عن إعادته .

"وما أنزل إلينا " ، يقول أيضا : صدقنا بالكتاب الذي أنزل الله إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . فأضاف الخطاب بالتنزيل إليهم ، إذ كانوا متبعيه ، ومأمورين منهيين به . فكان - وإن كان تنزيلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - بمعنى التنزيل إليهم ، للذي لهم فيه من المعاني التي وصفت

ويعني بقوله : "وما أنزل إلى إبراهيم " ، صدقنا أيضا وآمنا بما أنزل إلى إبراهيم " وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط " ، وهم الأنبياء من ولد يعقوب .

وقوله : "وما أوتي موسى وعيسى " ، يعني : وآمنا أيضا بالتوراة التي آتاها الله موسى ، وبالإنجيل الذي آتاه الله عيسى ، والكتب التي آتى النبيين كلهم ، وأقررنا وصدقنا أن ذلك كله حق وهدى ونور من عند الله ، وأن جميع من ذكر الله من أنبيائه كانوا على حق وهدى ، يصدق بعضهم بعضا ، على منهاج واحد في الدعاء إلى توحيد الله ، والعمل بطاعته ، "لا نفرق بين أحد منهم " ، يقول : [ ص: 110 ] لا نؤمن ببعض الأنبياء ونكفر ببعض ، ونتبرأ من بعض ونتولى بعضا ، كما تبرأت اليهود من عيسى ومحمد عليهما السلام وأقرت بغيرهما من الأنبياء ، وكما تبرأت النصارى من محمد صلى الله عليه وسلم وأقرت بغيره من الأنبياء ، بل نشهد لجميعهم أنهم كانوا رسل الله وأنبياءه ، بعثوا بالحق والهدى .

وأما قوله : "ونحن له مسلمون " ، فإنه يعني تعالى ذكره : ونحن له خاضعون بالطاعة ، مذعنون له بالعبودية .

فذكر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك لليهود ، فكفروا بعيسى وبمن يؤمن به ، كما : -

2101 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت قال : حدثني سعيد بن جبير ، أو عكرمة ، عن ابن عباس قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من يهود ، فيهم أبو ياسر بن أخطب ، ورافع بن أبي رافع ، وعازر ، وخالد ، وزيد ، وأزار بن أبي أزار ، وأشيع ، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل فقال : أومن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون . فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته ، وقالوا : لا نؤمن بعيسى ، ولا نؤمن بمن آمن به . فأنزل الله فيهم : ( قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون ) [ سورة المائدة : 59 ] [ ص: 111 ]

2102 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر نحوه - إلا أنه قال : " ونافع بن أبي نافع " مكان " رافع بن أبي رافع " .

وقال قتادة : أنزلت هذه الآية ، أمرا من الله تعالى ذكره للمؤمنين بتصديق رسله كلهم .

2103 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم " إلى قوله : "ونحن له مسلمون " ، أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا ويصدقوا بأنبيائه ورسله كلهم ، ولا يفرقوا بين أحد منهم .

وأما " الأسباط " الذين ذكرهم ، فهم اثنا عشر رجلا من ولد يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم . ولد كل رجل منهم أمة من الناس ، فسموا "أسباطا " . كما : -

2104 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : الأسباط ، يوسف وإخوته ، بنو يعقوب . ولد اثني عشر رجلا فولد كل رجل منهم أمة من الناس ، فسموا : "أسباطا " .

2105 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما الأسباط ، فهم بنو يعقوب : يوسف ، وبنيامين ، وروبيل ، [ ص: 112 ] ويهوذا ، وشمعون ، ولاوي ، ودان ، وقهاث .

2106 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قال : "الأسباط " يوسف وإخوته بنو يعقوب ، اثنا عشر رجلا فولد لكل رجل منهم أمة من الناس ، فسموا "الأسباط " .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #203  
قديم 13-07-2022, 09:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد






تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(189)
الحلقة (203)
صــ 113إلى صــ 119


2107 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثني محمد بن إسحاق قال نكح يعقوب بن إسحاق - وهو إسرائيل - ابنة خاله "ليا " ابنة " ليان بن توبيل بن إلياس " ، فولدت له " روبيل بن يعقوب " ، وكان أكبر ولده ، و"شمعون بن يعقوب " ، و"لاوي بن يعقوب " و"يهوذا بن يعقوب " و"ريالون بن يعقوب " ، و"يشجر بن يعقوب " ، و"دينة بنت يعقوب " ، ثم توفيت " ليا بنت ليان " . فخلف يعقوب على أختها " راحيل بنت ليان بن توبيل بن إلياس " فولدت له " يوسف بن يعقوب " و"بنيامين " - وهو بالعربية أسد - وولد له من سريتين له : اسم إحداهما " زلفة " ، واسم الأخرى " بلهية " ، أربعة [ ص: 113 ] نفر : " دان بن يعقوب " ، و "نفثالي بن يعقوب " و "جاد بن يعقوب " ، و "إشرب بن يعقوب " فكان بنو يعقوب اثني عشر رجلا نشر الله منهم اثني عشر سبطا ، لا يحصي عددهم ولا يعلم أنسابهم إلا الله ، يقول الله تعالى : ( وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما ) . [ سورة الأعراف : 160 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " ، فإن صدق اليهود والنصارى بالله ، وما أنزل إليكم ، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ، وما أوتي موسى وعيسى ، وما أوتي النبيون من ربهم ، وأقروا بذلك ، مثل ما صدقتم أنتم به أيها المؤمنون وأقررتم ، فقد وفقوا ورشدوا ، ولزموا طريق الحق ، واهتدوا ، وهم حينئذ منكم وأنتم منهم ، بدخولهم في ملتكم بإقرارهم بذلك .

فدل تعالى ذكره بهذه الآية ، على أنه لم يقبل من أحد عملا إلا بالإيمان بهذه المعاني التي عدها قبلها ، كما : -

2108 - حدثنا المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قوله : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا " ونحو هذا ، قال : أخبر الله سبحانه أن الإيمان هو العروة الوثقى ، وأنه لا يقبل عملا إلا به ، ولا تحرم الجنة إلا على من تركه . [ ص: 114 ]

وقد روي عن ابن عباس في ذلك قراءة ، جاءت مصاحف المسلمين بخلافها ، وأجمعت قرأة القرآن على تركها . وذلك ما : -

2109 - حدثنا به محمد بن المثنى قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي حمزة ، قال : قال ابن عباس : لا تقولوا : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا " - فإنه ليس لله مثل - ولكن قولوا : "فإن آمنوا بالذي آمنتم به فقد اهتدوا " - أو قال : "فإن آمنوا بما آمنتم به " .

فكأن ابن عباس - في هذه الرواية إن كانت صحيحة عنه - يوجه تأويل قراءة من قرأ : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " ، فإن آمنوا بمثل الله ، وبمثل ما أنزل على إبراهيم وإسماعيل . وذلك إذا صرف إلى هذا الوجه ، شرك لا شك بالله العظيم . لأنه لا مثل لله تعالى ذكره ، فنؤمن أو نكفر به .

ولكن تأويل ذلك على غير المعنى الذي وجه إليه تأويله . وإنما معناه ما وصفنا ، وهو : فإن صدقوا مثل تصديقكم بما صدقتم به - من جميع ما عددنا عليكم من كتب الله وأنبيائه - فقد اهتدوا . فالتشبيه إنما وقع بين التصديقين والإقرارين اللذين هما إيمان هؤلاء وإيمان هؤلاء . كقول القائل : "مر عمرو بأخيك مثل ما مررت به " ، يعني بذلك مر عمرو بأخيك مثل مروري به . والتمثيل إنما دخل تمثيلا بين المرورين ، لا بين عمرو وبين المتكلم . فكذلك قوله : "فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به " ، إنما وقع التمثيل بين الإيمانين ، لا بين المؤمن به .
[ ص: 115 ] القول في تأويل قوله تعالى ( وإن تولوا فإنما هم في شقاق )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "وإن تولوا " ، وإن تولى - هؤلاء الذين قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه : "كونوا هودا أو نصارى " - فأعرضوا ، فلم يؤمنوا بمثل إيمانكم أيها المؤمنون بالله ، وبما جاءت به الأنبياء ، وابتعثت به الرسل ، وفرقوا بين رسل الله وبين الله ورسله ، فصدقوا ببعض وكفروا ببعض فاعلموا ، أيها المؤمنون ، أنهم إنما هم في عصيان وفراق وحرب لله ولرسوله ولكم ، كما : -

2110 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة : "وإنما هم في شقاق " ، أي : في فراق

2111 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "فإنما هم في شقاق " ، يعني فراق .

2112 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : " وإن تولوا فإنما هم في شقاق " قال : الشقاق : الفراق والمحاربة . إذا شاق فقد حارب ، وإذا حارب فقد شاق ، وهما واحد في كلام العرب ، وقرأ : (ومن يشاقق الرسول ) [ سورة النساء : 115 ] .

قال أبو جعفر : وأصل "الشقاق " عندنا ، والله أعلم ، مأخوذ من قول القائل : "شق عليه هذا الأمر " ، إذا كربه وآذاه . ثم قيل : "شاق فلان فلانا " ، بمعنى : نال [ ص: 116 ] كل واحد منهما من صاحبه ما كربه وآذاه ، وأثقلته مساءته . ومنه قول الله تعالى ذكره : ( وإن خفتم شقاق بينهما ) [ سورة النساء : 35 ] بمعنى : فراق بينهما .
القول في تأويل قوله تعالى ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ( 137 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "فسيكفيكهم الله " ، فسيكفيك الله يا محمد ، هؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " ، من اليهود والنصارى ، إن هم تولوا عن أن يؤمنوا بمثل إيمان أصحابك بالله ، وبما أنزل إليك ، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وسائر الأنبياء غيرهم ، وفرقوا بين الله ورسله - إما بقتل السيف ، وإما بجلاء عن جوارك ، وغير ذلك من العقوبات ؛ فإن الله هو "السميع " لما يقولون لك بألسنتهم ، ويبدون لك بأفواههم ، من الجهل والدعاء إلى الكفر والملل الضالة - "العليم " بما يبطنون لك ولأصحابك المؤمنين في أنفسهم من الحسد والبغضاء .

ففعل الله بهم ذلك عاجلا وأنجز وعده ، فكفى نبيه صلى الله عليه وسلم بتسليطه إياه عليهم ، حتى قتل بعضهم ، وأجلى بعضا ، وأذل بعضا وأخزاه بالجزية والصغار .
[ ص: 117 ] القول في تأويل قوله تعالى ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون ( 138 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره ب "الصبغة" : صبغة الإسلام . وذلك أن النصارى إذا أرادت أن تنصر أطفالهم ، جعلتهم في ماء لهم تزعم أن ذلك لها تقديس ، بمنزلة غسل الجنابة لأهل الإسلام ، وأنه صبغة لهم في النصرانية .

فقال الله تعالى ذكره - إذ قالوا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه المؤمنين به : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : قل لهم يا محمد : أيها اليهود والنصارى ، بل اتبعوا ملة إبراهيم ، صبغة الله التي هي أحسن الصبغ ، فإنها هي الحنيفية المسلمة ، ودعوا الشرك بالله ، والضلال عن محجة هداه .

ونصب "الصبغة " من قرأها نصبا على الرد على "الملة " . وكذلك رفع "الصبغة " من رفع "الملة " ، على ردها عليها .

وقد يجوز رفعها على غير هذا الوجه . وذلك على الابتداء ، بمعنى : هي صبغة الله .

وقد يجوز نصبها على غير وجه الرد على "الملة " ، ولكن على قوله : "قولوا آمنا بالله " إلى قوله "ونحن له مسلمون " ، "صبغة الله " ، بمعنى : آمنا هذا الإيمان ، فيكون الإيمان حينئذ هو صبغة الله .

وبمثل الذي قلنا في تأويل "الصبغة " قال جماعة من أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2113 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : [ ص: 118 ] "صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة " إن اليهود تصبغ أبناءها يهود ، والنصارى تصبغ أبناءها نصارى ، وأن صبغة الله الإسلام ، فلا صبغة أحسن من الإسلام ، ولا أطهر ، وهو دين الله بعث به نوحا والأنبياء بعده .

2114 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال عطاء : "صبغة الله " صبغت اليهود أبناءهم خالفوا الفطرة .



واختلف أهل التأويل في تأويل قوله : "صبغة الله " . فقال بعضهم : دين الله .

ذكر من قال ذلك :

2115 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "صبغة الله " قال : دين الله .

2116 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية في قوله : "صبغة الله " قال : دين الله ، " ومن أحسن من الله صبغة " ، ومن أحسن من الله دينا .

2117 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع مثله .

2118 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا سفيان ، عن رجل ، عن مجاهد مثله .

2119 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن مجاهد مثله .

2120 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2121 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا فضيل بن مرزوق ، عن عطية قوله : "صبغة الله " قال : دين الله . [ ص: 119 ]

2122 - حدثنا موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة " ، يقول : دين الله ، ومن أحسن من الله دينا .

2123 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "صبغة الله " قال : دين الله .

2124 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله : "صبغة الله " قال : دين الله .

2125 - حدثني ابن البرقي قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال : سألت ابن زيد عن قول الله : "صبغة الله " ، فذكر مثله .

وقال أخرون : "صبغة الله " فطرة الله .

ذكر من قال ذلك :

2126 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : "صبغة الله " قال : فطرة الله التي فطر الناس عليها .

2127 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا محمد بن حرب قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن جعفر بن ربيعة ، عن مجاهد : "ومن أحسن من الله صبغة " قال : الصبغة ، الفطرة .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #204  
قديم 13-07-2022, 09:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد




تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(190)
الحلقة (204)
صــ 120إلى صــ 126



2128 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قال : "صبغة الله " ، الإسلام ، فطرة الله التي فطر الناس عليها . قال ابن جريج : قال لي عبد الله بن كثير : "صبغة الله " قال : دين الله ، ومن أحسن من الله دينا . قال : هي فطرة الله . [ ص: 120 ]

ومن قال هذا القول ، فوجه "الصبغة " إلى الفطرة ، فمعناه : بل نتبع فطرة الله وملته التي خلق عليها خلقه ، وذلك الدين القيم . من قول الله تعالى ذكره : ( فاطر السماوات والأرض ) [ سورة الأنعام : 14 ] . بمعنى خالق السماوات والأرض .
القول في تأويل قوله تعالى ( ونحن له عابدون ( 138 ) )

قال أبو جعفر : وقوله تعالى ذكره : "ونحن له عابدون " ، أمر من الله تعالى ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لليهود والنصارى ، الذين قالوا له ولمن تبعه من أصحابه : "كونوا هودا أو نصارى " . فقال لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل بل نتبع ملة إبراهيم حنيفا ، صبغة الله ، ونحن له عابدون . يعني : ملة الخاضعين لله المستكينين له ، في اتباعنا ملة إبراهيم ، ودينونتنا له بذلك ، غير مستكبرين في اتباع أمره ، والإقرار برسالته رسله ، كما استكبرت اليهود والنصارى ، فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم استكبارا وبغيا وحسدا .
القول في تأويل قوله تعالى ( قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون ( 139 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "قل أتحاجوننا في الله " ، قل يا محمد لمعاشر اليهود والنصارى ، الذين قالوا لك ولأصحابك : "كونوا هودا [ ص: 121 ] أو نصارى تهتدوا " ، وزعموا أن دينهم خير من دينكم ، وكتابهم خير من كتابكم ، لأنه كان قبل كتابكم ، وزعموا أنهم من أجل ذلك أولى بالله منكم : "أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم " ، بيده الخيرات ، وإليه الثواب والعقاب ، والجزاء على الأعمال - الحسنات منها والسيئات ، فتزعمون أنكم بالله أولى منا ، من أجل أن نبيكم قبل نبينا ، وكتابكم قبل كتابنا ، وربكم وربنا واحد ، وأن لكل فريق منا ما عمل واكتسب من صالح الأعمال وسيئها ، يجازى [ عليها ] فيثاب أو يعاقب ، - لا على الأنساب وقدم الدين والكتاب .

ويعني بقوله : "قل أتحاجوننا " ، قل أتخاصموننا وتجادلوننا ؟ كما -

2129 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "قل أتحاجوننا في الله " ، قل : أتخاصموننا ؟

2130 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "قل أتحاجوننا " ، أتخاصموننا ؟

2131 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "أتحاجوننا " ، أتجادلوننا ؟

فأما قوله : "ونحن له مخلصون " ، فإنه يعني : ونحن لله مخلصو العبادة والطاعة ، لا نشرك به شيئا ، ولا نعبد غيره أحدا ، كما عبد أهل الأوثان معه الأوثان ، وأصحاب العجل معه العجل .

وهذا من الله تعالى ذكره توبيخ لليهود ، واحتجاج لأهل الإيمان ، بقوله تعالى ذكره للمؤمنين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : قولوا - أيها المؤمنون ، لليهود [ ص: 122 ] والنصارى الذين قالوا لكم : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : "أتحاجوننا في الله " ؟ يعني بقوله : "في الله " ، في دين الله الذي أمرنا أن ندينه به ، وربنا وربكم واحد عدل لا يجور ، وإنما يجازي العباد على ما اكتسبوا . وتزعمون أنكم أولى بالله منا ، لقدم دينكم وكتابكم ونبيكم ، ونحن مخلصون له العبادة ، لم نشرك به شيئا ، وقد أشركتم في عبادتكم إياه ، فعبد بعضكم العجل ، وبعضكم المسيح ، فأنى تكونون خيرا منا ، وأولى بالله منا ؟
القول في تأويل قوله تعالى ( أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله )

قال أبو جعفر : في قراءة ذلك وجهان . أحدهما : "أم تقولون " ب "التاء " . فمن قرأ كذلك ، فتأويله : قل يا محمد - للقائلين لك من اليهود والنصارى : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " - : أتجادلوننا في الله ، أم تقولون إن إبراهيم ؟ فيكون ذلك معطوفا على قوله : "أتحاجوننا في الله " .

والوجه الآخر منهما : "أم يقولون " ب "الياء " . ومن قرأ ذلك كذلك وجه قوله : "أم يقولون " إلى أنه استفهام مستأنف ، كقوله : ( أم يقولون افتراه ) [ سورة السجدة : 3 ] ، وكما يقال : "إنها لإبل أم شاء " . وإنما جعله استفهاما مستأنفا ، لمجيء خبر مستأنف ، كما يقال : "أتقوم أم يقوم أخوك ؟ " فيصير قوله : "أم يقوم أخوك " خبرا مستأنفا لجملة ليست من الأول واستفهاما [ ص: 123 ] مبتدأ . ولو كان نسقا على الاستفهام الأول ، لكان خبرا عن الأول ، فقيل : "أتقوم أم تقعد ؟ "

وقد زعم بعض أهل العربية أن ذلك ، إذا قرئ كذلك ب "الياء " ، فإن كان الذي بعد "أم " جملة تامة ، فهو عطف على الاستفهام الأول . لأن معنى الكلام : قيل : أي هذين الأمرين كائن ؟ هذا أم هذا ؟

قال أبو جعفر : والصواب من القراءة عندنا في ذلك : "أم تقولون " "بالتاء " دون "الياء " عطفا على قوله : "قل أتحاجوننا " ، بمعنى : أي هذين الأمرين تفعلون ؟ أتجادلوننا في دين الله ، فتزعمون أنكم أولى منا وأهدى منا سبيلا - وأمرنا وأمركم ما وصفنا ، على ما قد بيناه آنفا - أم تزعمون أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ، ومن سمى الله ، كانوا هودا أو نصارى على ملتكم ، فيصح للناس بهتكم وكذبكم ، لأن اليهودية والنصرانية حدثت بعد هؤلاء الذين سماهم الله من أنبيائه . وغير جائزة قراءة ذلك ب "الياء " ، لشذوذها عن قراءة القراء .

وهذه الآية أيضا احتجاج من الله تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم على اليهود والنصارى ، الذين ذكر الله قصصهم . يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد - لهؤلاء اليهود والنصارى - : أتحاجوننا في الله ، وتزعمون أن دينكم أفضل من ديننا ، وأنكم على هدى ونحن على ضلالة ، ببرهان من الله تعالى ذكره ، فتدعوننا إلى دينكم ؟ فهاتوا برهانكم على ذلك فنتبعكم عليه ، أم تقولون : إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى على دينكم ؟ فهاتوا - على دعواكم ما ادعيتم من ذلك - برهانا فنصدقكم ، فإن الله قد جعلهم أئمة يقتدى بهم . [ ص: 124 ]

ثم قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد - إن ادعوا أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى : أأنتم أعلم بهم وبما كانوا عليه من الأديان ، أم الله ؟
القول في تأويل قوله تعالى ( ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله )

قال أبو جعفر : يعني : فإن زعمت يا محمد اليهود والنصارى - الذين قالوا لك ولأصحابك : "كونوا هودا أو نصارى " ، أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى ، فمن أظلم منهم ؟ يقول : وأي امرئ أظلم منهم ؟ وقد كتموا شهادة عندهم من الله بأن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا مسلمين ، فكتموا ذلك ، ونحلوهم اليهودية والنصرانية .

واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك :

2132 - فحدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " قال : في قول يهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما ، إنهم كانوا يهود أو نصارى . فيقول الله : لا تكتموا مني شهادة إن كانت عندكم فيهم . وقد علم أنهم كاذبون .

2133 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، في قول اليهود لإبراهيم وإسماعيل ومن ذكر معهما : إنهم كانوا يهود أو نصارى . فقال الله لهم : لا تكتموا مني الشهادة فيهم ، إن كانت عندكم فيهم . وقد علم الله أنهم كانوا كاذبين . [ ص: 125 ]

2134 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني إسحاق ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن أنه تلا هذه الآية : "أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل " إلى قوله : "قل أأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، قال الحسن : والله لقد كان عند القوم من الله شهادة أن أنبياءه برآء من اليهودية والنصرانية ، كما أن عند القوم من الله شهادة أن أموالكم ودماءكم بينكم حرام ، فبم استحلوها ؟

2135 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : قوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، أهل الكتاب ، كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله ، وهم يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل : أنهم لم يكونوا يهود ولا نصارى ، وكانت اليهودية والنصرانية بعد هؤلاء بزمان .

وإنما عنى تعالى ذكره بذلك أن اليهود والنصارى ، إن ادعوا أن إبراهيم ومن سمي معه في هذه الآية ، كانوا هودا أو نصارى ، تبين لأهل الشرك الذين هم نصراءهم ، كذبهم وادعاءهم على أنبياء الله الباطل لأن اليهودية والنصرانية حدثت بعدهم ، وإن هم نفوا عنهم اليهودية والنصرانية ، قيل لهم : فهلموا إلى ما كانوا عليه من الدين ، فإنا وأنتم مقرون جميعا بأنهم كانوا على حق ، ونحن مختلفون فيما خالف الدين الذي كانوا عليه .

وقال آخرون : بل عنى تعالى ذكره بقوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، اليهود في كتمانهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته ، وهم يعلمون ذلك ويجدونه في كتبهم . [ ص: 126 ]

ذكر من قال ذلك :

2136 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : " أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى " ، أولئك أهل الكتاب كتموا الإسلام وهم يعلمون أنه دين الله ، واتخذوا اليهودية والنصرانية ، وكتموا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وهم يعلمون أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل .

2137 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : حدثنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " قال : الشهادة ، النبي صلى الله عليه وسلم ، مكتوب عندهم ، وهو الذي كتموا .

2138 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثني ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، نحو حديث بشر بن معاذ ، عن يزيد .

2139 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " قال : هم يهود ، يسألون عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صفته في كتاب الله عندهم ، فيكتمون الصفة .

قال أبو جعفر : وإنما اخترنا القول الذي قلناه في تأويل ذلك ، لأن قوله تعالى ذكره : "ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " ، في إثر قصة من سمى الله من أنبيائه ، وأمام قصته لهم . فأولى بالذي هو بين ذلك أن يكون من قصصهم دون غيره .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #205  
قديم 13-07-2022, 10:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد






تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(191)
الحلقة (205)
صــ 127إلى صــ 133


فإن قال قائل : وأية شهادة عند اليهود والنصارى من الله في أمر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ؟ [ ص: 127 ] قيل : الشهادة التي عندهم من الله في أمرهم ، ما أنزل الله إليهم في التوراة والإنجيل ، وأمرهم فيها بالاستنان بسنتهم واتباع ملتهم ، وأنهم كانوا حنفاء مسلمين . وهي الشهادة التي عندهم من الله التي كتموها ، حين دعاهم نبي الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام ، فقالوا له : ( لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) [ سورة البقرة : 111 ] ، وقالوا له ولأصحابه : "كونوا هودا أو نصارى تهتدوا " ، فأنزل الله فيهم هذه الآيات ، في تكذيبهم ، وكتمانهم الحق ، وافترائهم على أنبياء الله الباطل والزور .
القول في تأويل قوله تعالى ( وما الله بغافل عما تعملون ( 140 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بذلك : وقل - لهؤلاء اليهود والنصارى ، الذين يحاجونك يا محمد - : "وما الله بغافل عما تعملون " ، من كتمانكم الحق فيما ألزمكم في كتابه بيانه للناس من أمر إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط في أمر الإسلام ، وأنهم كانوا مسلمين ، وأن الحنيفية المسلمة دين الله الذي على جميع الخلق الدينونة به ، دون اليهودية والنصرانية وغيرهما من الملل - ولا هو ساه عن عقابكم على فعلكم ذلك ، بل هو محص عليكم حتى يجازيكم به من الجزاء ما أنتم له أهل في عاجل الدنيا وآجل الآخرة . فجازاهم عاجلا في الدنيا ، بقتل بعضهم ، وإجلائه عن وطنه وداره ، وهو مجازيهم في الآخرة العذاب المهين .
[ ص: 128 ] القول في تأويل قوله تعالى ( تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون ( 141 ) )

قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "تلك أمة " ، إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط . كما : -

2140 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قوله تعالى : "تلك أمة قد خلت " ، يعني : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط .

2141 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع بمثله .

قال أبو جعفر : وقد بينا فيما مضى أن "الأمة " : الجماعة .

فمعنى الآية إذا : قل يا محمد لهؤلاء الذين يجادلونك في الله من اليهود والنصارى ، إن كتموا ما عندهم من الشهادة في أمر إبراهيم ومن سمينا معه ، وأنهم كانوا مسلمين ، وزعموا أنهم كانوا هودا أو نصارى ، فكذبوا : إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط أمة قد خلت - أي مضت لسبيلها - فصارت إلى ربها ، وخلت بأعمالها وآمالها ، لها عند الله ما كسبت من خير في أيام حياتها ، وعليها ما اكتسبت من شر ، لا ينفعها غير صالح أعمالها ، ولا يضرها إلا سيئها . فاعلموا أيها اليهود والنصارى ذلك ، فإنكم ، إن كان هؤلاء - وهم الذين [ ص: 129 ] بهم تفتخرون ، وتزعمون أن بهم ترجون النجاة من عذاب ربكم ، مع سيئاتكم وعظيم خطيئاتكم - لا ينفعهم عند الله غير ما قدموا من صالح الأعمال ، ولا يضرهم غير سيئها ، فأنتم كذلك أحرى أن لا ينفعكم عند الله غير ما قدمتم من صالح الأعمال ، ولا يضركم غير سيئها . فاحذروا على أنفسكم ، وبادروا خروجها بالتوبة والإنابة إلى الله مما أنتم عليه من الكفر والضلالة والفرية على الله وعلى أنبيائه ورسله ، ودعوا الاتكال على فضائل الآباء والأجداد ، فإنما لكم ما كسبتم ، وعليكم ما اكتسبتم ، ولا تسألون عما كان إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط يعملون من الأعمال ، لأن كل نفس قدمت على الله يوم القيامة ، فإنما تسأل عما كسبت وأسلفت ، دون ما أسلف غيرها .
القول في تأويل قوله تعالى ( سيقول السفهاء من الناس )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "سيقول السفهاء " ، سيقول الجهال "من الناس " ، وهم اليهود وأهل النفاق .

وإنما سماهم الله عز وجل "سفهاء " ، لأنهم سفهوا الحق . فتجاهلت أحبار اليهود ، وتعاظمت جهالهم وأهل الغباء منهم ، عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ كان من العرب ولم يكن من بني إسرائيل ، وتحير المنافقون فتبلدوا .

وبما قلنا في " السفهاء " - أنهم هم اليهود وأهل النفاق - قال أهل التأويل .

ذكر من قال : هم اليهود : [ ص: 130 ]

2142 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم " قال : اليهود تقوله ، حين ترك بيت المقدس .

2143 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2144 - حدثت عن أحمد بن يونس ، عن زهير ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : "سيقول السفهاء من الناس " قال : اليهود .

2145 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن البراء : "سيقول السفهاء من الناس " قال : اليهود .

2146 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قوله : "سيقول السفهاء من الناس " قال : أهل الكتاب

2147 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : اليهود .

وقال آخرون : "السفهاء " ، المنافقون .

ذكر من قال ذلك .

2148 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : نزلت "سيقول السفهاء من الناس " ، في المنافقين .
[ ص: 131 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها )

قال أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : "ما ولاهم " : أي شيء صرفهم عن قبلتهم ؟ وهو من قول القائل : "ولاني فلان دبره " ، إذا حول وجهه عنه واستدبره ، فكذلك قوله : "ما ولاهم " ؟ أي شيء حول وجوههم ؟

وأما قوله : "عن قبلتهم " ، فإن قبلة كل شيء : ما قابل وجهه . وإنما هي "فعلة " بمنزلة "الجلسة والقعدة " ، من قول القائل . "قابلت فلانا " ، إذا صرت قبالته أقابله ، فهو لي "قبلة " وأنا له "قبلة " ، إذا قابل كل واحد منهما بوجهه وجه صاحبه .

قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذا - إذ كان ذلك معناه - : سيقول السفهاء من الناس لكم ، أيها المؤمنون بالله ورسوله ، - إذا حولتم وجوهكم عن قبلة اليهود التي كانت لكم قبلة قبل أمري إياكم بتحويل وجوهكم عنها شطر المسجد الحرام - : أي شيء حول وجوه هؤلاء ، فصرفها عن الموضع الذي كانوا يستقبلونه بوجوههم في صلاتهم ؟

فأعلم الله جل ثناؤه نبيه صلى الله عليه وسلم ، ما اليهود والمنافقون قائلون من القول عند تحويل قبلته وقبلة أصحابه عن الشام إلى المسجد الحرام ، وعلمه ما ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب . فقال له : إذا قالوا ذلك لك يا محمد ، فقل لهم : "لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " . [ ص: 132 ]

وكان سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس مدة سنذكر مبلغها فيما بعد إن شاء الله تعالى ، ثم أراد الله تعالى صرف قبلة نبيه صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام . فأخبره عما اليهود قائلوه من القول عند صرفه وجهه ووجه أصحابه شطره ، وما الذي ينبغي أن يكون من رده عليهم من الجواب .

ذكر المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو بيت المقدس ، وما كان سبب صلاته نحوه ؟ وما الذي دعا اليهود والمنافقين إلى قيل ما قالوا عند تحويل الله قبلة المؤمنين عن بيت المقدس إلى الكعبة ؟

اختلف أهل العلم في المدة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد الهجرة . فقال بعضهم بما : -

2149 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا يونس بن بكير - وحدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة - قالا جميعا : حدثنا محمد بن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد قال : أخبرني سعيد بن جبير ، أو عكرمة - شك محمد - ، عن ابن عباس قال : لما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة - وصرفت في رجب ، على رأس سبعة عشر شهرا من مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة - أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفاعة بن قيس ، وقردم بن عمرو ، وكعب بن الأشرف ، ونافع بن أبي نافع - هكذا قال ابن حميد ، وقال أبو كريب : ورافع بن أبي رافع - والحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف والربيع بن الربيع بن [ أبي ] الحقيق ، وكنانة بن أبي الحقيق ، فقالوا : يا محمد ، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها ، وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه ؟ ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك! وإنما يريدون فتنته عن دينه . فأنزل [ ص: 133 ] الله فيهم : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " إلى قوله : "إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " .

2150 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، قال البراء : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا ، وكان يشتهي أن يصرف إلى الكعبة . قال : فبينا نحن نصلي ذات يوم ، فمر بنا مار فقال : ألا هل علمتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرف إلى الكعبة ؟ قال : وقد صلينا ركعتين إلى هاهنا ، وصلينا ركعتين إلى هاهنا - قال أبو كريب : فقيل له : فيه أبو إسحاق ؟ فسكت .

2151 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن آدم ، عن أبي بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، عن البراء قال : صلينا بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #206  
قديم 13-07-2022, 10:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد





تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(192)
الحلقة (206)
صــ 134إلى صــ 140


2152 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا يحيى ، عن سفيان قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء بن عازب قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو [ ص: 134 ] بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا - شك سفيان - ثم صرفنا إلى الكعبة .

2153 - حدثني المثنى قال : حدثنا النفيلي قال : حدثنا زهير قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أول ما قدم المدينة ، نزل على أجداده - أو أخواله - من الأنصار ، وأنه صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهرا ، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت ، وأنه صلى صلاة العصر ومعه قوم . فخرج رجل ممن صلى معه ، فمر على أهل المسجد وهم ركوع فقال : أشهد لقد صليت مع رسول الله قبل مكة . فداروا كما هم قبل البيت . وكان يعجبه أن يحول قبل البيت . وكان اليهود أعجبهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل بيت المقدس وأهل الكتاب ، فلما ولى وجهه قبل البيت أنكروا ذلك .

2154 - حدثني عمران بن موسى قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس بعد أن قدم المدينة ستة عشر شهرا ، ثم وجه نحو الكعبة قبل بدر بشهرين . [ ص: 135 ]

وقال آخرون بما : -

2155 - حدثنا عمرو بن علي قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عثمان بن سعد الكاتب قال : حدثنا أنس بن مالك قال : صلى نبي الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس تسعة أشهر أو عشرة أشهر . فبينما هو قائم يصلي الظهر بالمدينة وقد صلى ركعتين نحو بيت المقدس ، انصرف بوجهه إلى الكعبة ، فقال السفهاء : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " . [ ص: 136 ]

وقال آخرون بما : -

2156 - حدثنا محمد بن المثنى قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، عن ابن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى نحو بيت المقدس ثلاثة عشر شهرا . [ ص: 137 ]

2157 - حدثنا أحمد بن المقدام العجلي قال : حدثنا المعتمر بن سليمان قال : سمعت أبي قال : حدثنا قتادة ، عن سعيد بن المسيب : أن الأنصار صلت القبلة الأولى ، قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث حجج ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى القبلة الأولى بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرا ، أو كما قال . وكلا الحديثين يحدث قتادة عن سعيد .

ذكر السبب الذي كان من أجله يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ، قبل أن يفرض عليه التوجه شطر الكعبة .

اختلف أهل العلم في ذلك .

فقال بعضهم : كان ذلك باختيار من النبي صلى الله عليه وسلم

ذكر من قال ذلك : [ ص: 138 ]

2158 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يحيى بن واضح أبو تميلة قال : حدثنا الحسين بن واقد ، عن عكرمة - وعن يزيد النحوي ، عن عكرمة - والحسن البصري قالا : أول ما نسخ من القرآن القبلة . وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل صخرة بيت المقدس ، وهي قبلة اليهود ، فاستقبلها النبي صلى الله عليه وسلم سبعة عشر شهرا ، ليؤمنوا به ويتبعوه ، ويدعو بذلك الأميين من العرب . فقال الله عز وجل : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) [ سورة البقرة : 115 ] .

2159 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ، يعنون بيت المقدس . قال الربيع . قال أبو العالية : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم خير أن يوجه وجهه حيث شاء ، فاختار بيت المقدس لكي يتألف أهل الكتاب ، فكانت قبلته ستة عشر شهرا ، وهو في ذلك يقلب وجهه في السماء ، ثم وجهه الله إلى البيت الحرام .

وقال آخرون : بل كان فعل ذلك - من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه - بفرض الله عز ذكره عليهم .

ذكر من قال ذلك :

2160 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وكان [ أكثر ] أهلها اليهود ، أمره الله أن يستقبل بيت المقدس . ففرحت اليهود . فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة إبراهيم عليه السلام ، وكان يدعو وينظر إلى السماء . فأنزل الله عز وجل : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ) [ ص: 139 ] [ سورة البقرة : 144 ] الآية . فارتاب من ذلك اليهود وقالوا : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟ فأنزل الله عز وجل : "قل لله المشرق والمغرب " .

2161 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة ، ثم صرف إلى بيت المقدس . فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه ثلاث حجج : وصلى بعد قدومه ستة عشر شهرا ، ثم ولاه الله جل ثناؤه إلى الكعبة .

ذكر السبب الذي من أجله قال من قال "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟

اختلف أهل التأويل في ذلك . فروي عن ابن عباس فيه قولان . أحدهما ما : -

2162 - حدثنا به ابن حميد قال : حدثنا سلمة قال : حدثنا ابن إسحاق قال : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال ذلك قوم من اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك! يريدون فتنته عن دينه .

والقول الآخر : ما ذكرت من حديث علي بن أبي طلحة عنه الذي مضى قبل .

2163 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قوله : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟ قال : صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة مهاجرا ، نحو بيت [ ص: 140 ] المقدس ، ستة عشر شهرا ، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام . فقال في ذلك قائلون من الناس : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟ لقد اشتاق الرجل إلى مولده! فقال الله عز وجل : "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " .

وقيل : قائل هذه المقالة المنافقون . وإنما قالوا ذلك استهزاء بالإسلام .

ذكر من قال ذلك :

2164 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي ، قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام ، اختلف الناس فيها فكانوا أصنافا . فقال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ، ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها ؟ فأنزل الله في المنافقين : "سيقول السفهاء من الناس " ، الآية كلها .





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #207  
قديم 13-07-2022, 10:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد






تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(193)
الحلقة (207)
صــ 141إلى صــ 147


القول في تأويل قوله تعالى ( قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ( 142 ) )

قال أبو جعفر : يعني بذلك عز وجل : قل يا محمد - لهؤلاء الذين قالوا لك ولأصحابك : ما ولاكم عن قبلتكم من بيت المقدس ، التي كنتم على التوجه إليها ، إلى التوجه إلى شطر المسجد الحرام ؟ - : لله ملك المشرق والمغرب يعني بذلك : ملك ما بين قطري مشرق الشمس ، وقطري مغربها ، وما بينهما من العالم يهدي من يشاء من خلقه ، فيسدده ، ويوفقه إلى الطريق القويم ، وهو "الصراط [ ص: 141 ] المستقيم " - ويعني بذلك : إلى قبلة إبراهيم الذي جعله للناس إماما - ويخذل من يشاء منهم ، فيضله عن سبيل الحق .

وإنما عنى جل ثناؤه بقوله : "يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " ، قل يا محمد : إن الله هدانا بالتوجه شطر المسجد الحرام لقبلة إبراهيم ، وأضلكم - أيها اليهود والمنافقون وجماعة الشرك بالله - فخذلكم عما هدانا له من ذلك .
القول في تأويل قوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " ، كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه السلام وبما جاءكم به من عند الله ، فخصصناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته ، وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل ، كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان ، بأن جعلناكم أمة وسطا .

وقد بينا أن "الأمة " ، هي القرن من الناس والصنف منهم وغيرهم .

وأما "الوسط " ، فإنه في كلام العرب الخيار . يقال منه : "فلان وسط الحسب في قومه " ، أي متوسط الحسب ، إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه ، و "هو وسط في قومه ، وواسط " ،

كما يقال : "شاة يابسة اللبن ويبسة اللبن " ، وكما قال جل ثناؤه : [ ص: 142 ] ( فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا ) [ سورة طه : 77 ] ، وقال زهير بن أبي سلمى في "الوسط " :


هم وسط ترضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم


قال أبو جعفر : وأنا أرى أن "الوسط " في هذا الموضع ، هو "الوسط " الذي بمعنى : الجزء الذي هو بين الطرفين ، مثل "وسط الدار " محرك الوسط مثقله ، غير جائز في "سينه " التخفيف .

وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم "وسط " ، لتوسطهم في الدين ، فلا هم أهل غلو فيه ، غلو النصارى الذين غلوا بالترهب ، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه - ولا هم أهل تقصير فيه ، تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله ، وقتلوا أنبياءهم ، وكذبوا على ربهم ، وكفروا به ؛ ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه . فوصفهم الله بذلك ، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها .

وأما التأويل ، فإنه جاء بأن "الوسط " العدل . وذلك معنى الخيار ، لأن الخيار من الناس عدولهم .

ذكر من قال : "الوسط " العدل .

2165 - حدثنا سلم بن جنادة ويعقوب بن إبراهيم قالا حدثنا حفص بن غياث ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله [ ص: 143 ] عليه وسلم في قوله : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال : عدولا .

2166 - حدثنا مجاهد بن موسى ومحمد بن بشار قالا : حدثنا جعفر بن عون ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .

2167 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال : "عدولا .

2168 - حدثني علي بن عيسى قال : حدثنا سعيد بن سليمان ، عن حفص بن غياث ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : "جعلناكم أمة وسطا " قال : عدولا . [ ص: 144 ]

2169 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال : عدولا .

2170 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال : عدولا .

2171 - حدثنا المثنى قال : حدثنا حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2172 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "أمة وسطا " قال : عدولا .

2173 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "أمة وسطا " قال : عدولا .

2174 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "أمة وسطا " قال : عدولا . [ ص: 145 ]

2175 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " ، يقول : جعلكم أمة عدولا .

2176 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن رشدين بن سعد قال : أخبرنا ابن أنعم المعافري ، عن حبان بن أبي جبلة ، يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال : الوسط العدل .

2177 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء ومجاهد وعبد الله بن كثير : "أمة وسطا " ، قالوا : عدولا . قال مجاهد : عدلا .

2178 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " قال : هم وسط بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الأمم .
القول في تأويل قوله تعالى ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )

قال أبو جعفر : "والشهداء " جمع "شهيد " .

فمعنى ذلك : وكذلك جعلناكم أمة وسطا عدولا [ لتكونوا ] [ ص: 146 ] شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ ، أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالاتي إلى أممها ، ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيدا عليكم ، بإيمانكم به وبما جاءكم به من عندي ، كما : -

2179 - حدثني أبو السائب قال : حدثنا حفص ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدعى بنوح عليه السلام يوم القيامة فيقال له : هل بلغت ما أرسلت به ؟ فيقول : نعم . فيقال لقومه : هل بلغكم ؟ فيقول : ما جاءنا من نذير! فيقال له : من يعلم ذاك ؟ فيقول : محمد وأمته . فهو قوله : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " .

2180 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا جعفر بن عون قال : حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه - إلا أنه زاد فيه : فيدعون ويشهدون أنه قد بلغ .

2181 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا مؤمل قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس " - بأن الرسل قد بلغوا - "ويكون الرسول عليكم [ ص: 147 ] شهيدا " . بما عملتم ، أو فعلتم .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #208  
قديم 13-07-2022, 10:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد






تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(194)
الحلقة (208)
صــ 148إلى صــ 154




2182 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن فضيل ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن المغيرة بن عتيبة بن النهاس : أن مكاتبا لهم حدثهم عن جابر بن عبد الله : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني وأمتي لعلى كوم يوم القيامة ، مشرفين على الخلائق . ما أحد من الأمم إلا ود أنه منها أيتها الأمة ، وما من نبي كذبه قومه إلا نحن شهداءه يوم القيامة أنه قد بلغ رسالات ربه ونصح لهم . قال : "ويكون الرسول عليكم شهيدا " . [ ص: 148 ]

2183 - حدثني عصام بن رواد بن الجراح العسقلاني قال : حدثنا أبي قال : حدثنا الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عبد الله بن أبي الفضل ، عن أبي هريرة قال : خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة ، فلما صلى على الميت قال الناس : نعم الرجل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت! ثم خرجت معه في جنازة أخرى ، فلما صلوا على الميت قال الناس : بئس الرجل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وجبت . فقام إليه أبي بن كعب فقال : يا رسول الله ، ما قولك وجبت ؟ قال : " قول الله عز وجل : "لتكونوا شهداء على الناس " .

2184 - حدثني علي بن سهل الرملي قال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : [ ص: 149 ] حدثني أبو عمرو ، عن يحيى قال : حدثني عبد الله بن أبي الفضل المديني قال : حدثني أبو هريرة قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بجنازة ، فقال الناس : نعم الرجل! ثم ذكر نحو حديث عصام عن أبيه .

2185 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا زيد بن حباب قال : حدثنا عكرمة بن عمار قال : حدثني إياس بن سلمة بن الأكوع ، عن أبيه قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر عليه بجنازة ، فأثني عليها بثناء حسن ، فقال : وجبت! ومر عليه بجنازة أخرى ، فأثني عليها دون ذلك ، فقال : وجبت! قالوا : يا رسول الله ، ما وجبت ؟ قال : الملائكة شهداء الله في السماء ، وأنتم شهداء الله في الأرض ، فما شهدتم عليه وجب . ثم قرأ : ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) الآية [ سورة التوبة : 105 ] . [ ص: 150 ]

2186 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "لتكونوا شهداء على الناس " ، تكونوا شهداء لمحمد عليه السلام على الأمم ، اليهود والنصارى والمجوس .

2187 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

2188 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا [ أبو ] عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح قال : يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ناديه ليس معه أحد ، فتشهد له أمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه قد بلغهم .

2189 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن أبيه أنه سمع عبيد بن عمير مثله .

2190 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : حدثني ابن أبي نجيح ، عن أبيه قال : يأتي النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، فذكر مثله ، ولم يذكر عبيد بن عمير ، مثله .

2191 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن [ ص: 151 ] قتادة " لتكونوا شهداء على الناس " ، أي أن رسلهم قد بلغت قومها عن ربها ، " ويكون الرسول عليكم شهيدا " ، على أنه قد بلغ رسالات ربه إلى أمته .

2192 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن زيد بن أسلم : أن قوم نوح يقولون يوم القيامة : لم يبلغنا نوح ! فيدعى نوح عليه السلام فيسأل : هل بلغتهم ؟ فيقول : نعم . فيقال : من شهودك ؟ فيقول : أحمد صلى الله عليه وسلم وأمته . فتدعون فتسألون فتقولون : نعم ، قد بلغهم . فتقول قوم نوح عليه السلام : كيف تشهدون علينا ولم تدركونا ؟ قالوا : قد جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أنه قد بلغكم ، وأنزل عليه أنه قد بلغكم ، فصدقناه . قال : فيصدق نوح عليه السلام ويكذبونهم . قال : " لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا

2193 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "لتكونوا شهداء على الناس " ، لتكون هذه الأمة شهداء على الناس أن الرسل قد بلغتهم ، ويكون الرسول على هذه الأمة شهيدا ، أن قد بلغ ما أرسل به .

2194 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن زيد بن أسلم : أن الأمم يقولون يوم القيامة : والله لقد كادت هذه الأمة أن تكون أنبياء كلهم! لما يرون الله أعطاهم .

2195 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : حدثنا ابن المبارك ، عن رشدين بن سعد ، قال أخبرني ابن أنعم المعافري ، عن حبان بن أبي جبلة يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جمع الله عباده يوم القيامة ، كان أول من يدعى إسرافيل ، فيقول له ربه : ما فعلت في عهدي ؟ هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم رب ، قد بلغته جبريل عليهما السلام ، فيدعى جبريل ، فيقال له : [ ص: 152 ] هل بلغك إسرافيل عهدي! فيقول : نعم رب ، قد بلغني . فيخلى عن إسرافيل ، ويقال لجبريل : هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم ، قد بلغت الرسل . فتدعى الرسل فيقال لهم : هل بلغكم جبريل عهدي ؟ فيقولون : نعم ربنا . فيخلى عن جبريل ، ثم يقال للرسل : ما فعلتم بعهدي ؟ فيقولون : بلغنا أممنا . فتدعى الأمم ، فيقال : هل بلغكم الرسل عهدي ؟ فمنهم المكذب ومنهم المصدق ، فتقول الرسل : إن لنا عليهم شهودا يشهدون أن قد بلغنا مع شهادتك . فيقول : من يشهد لكم ؟ فيقولون : أمة محمد . فتدعى أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فيقول : أتشهدون أن رسلي هؤلاء قد بلغوا عهدي إلى من أرسلوا إليه ؟ فيقولون : نعم ربنا شهدنا أن قد بلغوا . فتقول تلك الأمم : كيف يشهد علينا من لم يدركنا ؟ فيقول لهم الرب تبارك وتعالى : كيف تشهدون على من لم تدركوا ؟ فيقولون : ربنا بعثت إلينا رسولا وأنزلت إلينا عهدك وكتابك ، وقصصت علينا أنهم قد بلغوا ، فشهدنا بما عهدت إلينا . فيقول الرب : صدقوا . فذلك قوله : "وكذلك جعلناكم أمة وسطا " - والوسط العدل - "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " . قال ابن أنعم : فبلغني أنه يشهد يومئذ أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، إلا من كان في قلبه حنة على أخيه . [ ص: 153 ]

2196 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : "لتكونوا شهداء على الناس " ، يعني بذلك . الذين استقاموا على الهدى ، فهم الذين يكونون شهداء على الناس يوم القيامة ، لتكذيبهم رسل الله وكفرهم بآيات الله . [ ص: 154 ]

2197 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قوله : "لتكونوا شهداء على الناس " ، يقول : لتكونوا شهداء على الأمم الذين خلوا من قبلكم ، بما جاءتهم رسلهم ، وبما كذبوهم ، فقالوا يوم القيامة وعجبوا : إن أمة لم يكونوا في زماننا ، فآمنوا بما جاءت به رسلنا ، وكذبنا نحن بما جاءوا به! فعجبوا كل العجب . قوله : "ويكون الرسول عليكم شهيدا " ، يعني بإيمانهم به ، وبما أنزل عليه .

2198 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "لتكونوا شهداء على الناس " ، يعني : أنهم شهدوا على القرون بما سمى الله عز وجل لهم .

2199 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال ابن جريج : قلت لعطاء : ما قوله : "لتكونوا شهداء على الناس " ؟ قال : أمة محمد ، شهدوا على من ترك الحق حين جاءه الإيمان والهدى ، ممن كان قبلنا . قالها عبد الله بن كثير . قال : وقال عطاء : شهداء على من ترك الحق ممن تركه من الناس أجمعين ، جاء ذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم ، "ويكون الرسول عليكم شهيدا " على أنهم قد آمنوا بالحق حين جاءهم ، وصدقوا به .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #209  
قديم 13-07-2022, 10:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد






تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(195)
الحلقة (209)
صــ 155إلى صــ 161


2200 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : "لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا " قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد على أمته ، وهم شهداء على الأمم ، وهم أحد الأشهاد الذين قال الله عز وجل : ( ويوم يقوم الأشهاد ) [ سورة غافر : 51 ] الأربعة : الملائكة الذين يحصون أعمالنا ، لنا وعلينا ، وقرأ قوله : ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) [ سورة ق : 21 ] ، وقال : هذا يوم القيامة . قال : والنبيون شهداء على أممهم . قال : وأمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على الأمم . قال : [ ص: 155 ] [ والأطوار ] الأجساد والجلود .
القول في تأويل قوله تعالى ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه )

قال أبو جعفر : يعني جل ثناؤه بقوله : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " ، ولم نجعل صرفك عن القبلة التي كنت على التوجه إليها يا محمد فصرفناك عنها ، إلا لنعلم من يتبعك ممن لا يتبعك ، ممن ينقلب على عقبيه .

والقبلة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ، التي عناها الله بقوله : "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " ، هي القبلة التي كنت تتوجه إليها قبل أن يصرفك إلى الكعبة ، كما : -

2201 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " ، يعني : بيت المقدس .

2202 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن [ ص: 156 ] ابن جريج قال : قلت لعطاء : "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " . قال : القبلة بيت المقدس .

قال أبو جعفر : وإنما ترك ذكر "الصرف عنها " ، اكتفاء بدلالة ما قد ذكر من الكلام على معناه ، كسائر ما قد ذكرنا فيما مضى من نظائره .

وإنما قلنا : ذلك معناه ، لأن محنة الله أصحاب رسوله في القبلة ، إنما كانت - فيما تظاهرت به الأخبار - عند التحويل من بيت المقدس إلى الكعبة ، حتى ارتد - فيما ذكر - رجال ممن كان قد أسلم واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأظهر كثير من المنافقين من أجل ذلك نفاقهم ، وقالوا : ما بال محمد يحولنا مرة إلى هاهنا ومرة إلى هاهنا! وقال المسلمون ، في من مضى من إخوانهم المسلمين وهم يصلون نحو بيت المقدس : بطلت أعمالنا وأعمالهم وضاعت! وقال المشركون : تحير محمد [ صلى الله عليه وسلم ] في دينه! فكان ذلك فتنة للناس ، وتمحيصا للمؤمنين .

فلذلك قال جل ثناؤه : "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " ، أي : وما جعلنا صرفك عن القبلة التي كنت عليها ، وتحويلك إلى غيرها ، كما قال جل ثناؤه : ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ) [ سورة الإسراء : 60 ] بمعنى : وما جعلنا خبرك عن الرؤيا التي أريناك . وذلك أنه لو لم يكن أخبر القوم بما كان أري ، لم يكن فيه على أحد فتنة ، وكذلك القبلة الأولى التي كانت نحو بيت المقدس ، لو لم يكن صرف عنها إلى الكعبة ، لم يكن فيها على أحد فتنة ولا محنة .

ذكر الأخبار التي رويت في ذلك بمعنى ما قلنا : [ ص: 157 ]

2203 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد ، عن سعيد ، عن قتادة قال : كانت القبلة فيها بلاء وتمحيص . صلت الأنصار نحو بيت المقدس حولين قبل قدوم نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وصلى نبي الله صلى الله عليه وسلم بعد قدومه المدينة مهاجرا نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا ، ثم وجهه الله بعد ذلك إلى الكعبة البيت الحرام ، فقال في ذلك قائلون من الناس : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " ؟ لقد اشتاق الرجل إلى مولده! قال الله عز وجل : "قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " . فقال أناس - لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام - : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى ؟ فأنزل الله عز وجل : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " . وقد يبتلي الله العباد بما شاء من أمره ، الأمر بعد الأمر ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، وكل ذلك مقبول ، إذ كان في [ ذلك ] إيمان بالله ، وإخلاص له ، وتسليم لقضائه .

2204 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل بيت المقدس ، فنسختها الكعبة . فلما وجه قبل المسجد الحرام ، اختلف الناس فيها ، فكانوا أصنافا ، فقال المنافقون : ما بالهم كانوا على قبلة زمانا ، ثم تركوها وتوجهوا إلى غيرها ؟ وقال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس ! هل تقبل الله منا ومنهم ، أو لا ؟ وقالت اليهود : إن محمدا اشتاق إلى بلد أبيه ومولده ، ولو ثبت على قبلتنا لكنا نرجو أن يكون هو صاحبنا الذي ننتظر! وقال [ ص: 158 ] المشركون من أهل مكة : تحير على محمد دينه ، فتوجه بقبلته إليكم ، وعلم أنكم كنتم أهدى منه ، ويوشك أن يدخل في دينكم! فأنزل الله جل ثناؤه في المنافقين : "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " إلى قوله : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " ، وأنزل في الآخرين الآيات بعدها .

2205 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : "إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " ؟ فقال عطاء : يبتليهم ، ليعلم من يسلم لأمره . قال ابن جريج : بلغني أن ناسا ممن أسلم رجعوا فقالوا : مرة هاهنا ومرة هاهنا!

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : أوما كان الله عالما بمن يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، إلا بعد اتباع المتبع ، وانقلاب المنقلب على عقبيه ، حتى قال : ما فعلنا الذي فعلنا من تحويل القبلة إلا لنعلم المتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنقلب على عقبيه ؟

قيل : إن الله جل ثناؤه هو العالم بالأشياء كلها قبل كونها ، وليس قوله : "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " يخبر [ عن ] أنه لم يعلم ذلك إلا بعد وجوده .

فإن قال : فما معنى ذلك ؟

قيل له : أما معناه عندنا ، فإنه : وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا ليعلم رسولي وحزبي وأوليائي من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، فقال جل ثناؤه : "إلا لنعلم " ، ومعناه : ليعلم رسولي وأوليائي . إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 159 ] وأولياءه من حزبه ، وكان من شأن العرب إضافة ما فعلته أتباع الرئيس إلى الرئيس ، وما فعل بهم إليه ، نحو قولهم : "فتح عمر بن الخطاب سواد العراق ، وجبى خراجها " ، وإنما فعل ذلك أصحابه ، عن سبب كان منه في ذلك . وكالذي روي في نظيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يقول الله جل ثناؤه : مرضت فلم يعدني عبدي ، واستقرضته فلم يقرضني ، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني .

2206 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا خالد ، عن محمد بن جعفر ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال الله : استقرضت عبدي فلم يقرضني ، وشتمني ولم ينبغ له أن يشتمني! يقول : وادهراه! وأنا الدهر ، أنا الدهر .

2207 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه .

فأضاف تعالى ذكره الاستقراض والعيادة إلى نفسه ، وقد كان ذلك بغيره ، إذ كان ذلك عن سببه .

وقد حكي عن العرب سماعا : "أجوع في غير بطني ، وأعرى في غير [ ص: 160 ] ظهري " ، بمعنى : جوع أهله وعياله وعري ظهورهم ،

فكذلك قوله : "إلا لنعلم " ، بمعنى : يعلم أوليائي وحزبي .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

2208 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " ، قال ابن عباس : لنميز أهل اليقين من أهل الشرك والريبة .

وقال بعضهم : إنما قيل ذلك ، من أجل أن العرب تضع "العلم " مكان "الرؤية " ، و"الرؤية " مكان "العلم " ، كما قال جل ذكره : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) [ سورة الفيل : 1 ] ، فزعم أن معنى "ألم تر " ، ألم تعلم ؟ وزعم أن معنى قوله : "إلا لنعلم " ، بمعنى : إلا لنرى من يتبع الرسول . وزعم أن قول القائل : "رأيت ، وعلمت ، وشهدت " ، حروف تتعاقب ، فيوضع بعضها موضع بعض ، كما قال جرير بن عطية


كأنك لم تشهد لقيطا وحاجبا وعمرو بن عمرو إذ دعا يال دارم


بمعنى : كأنك لم تعلم لقيطا ، لأن بين هلك لقيط وحاجب وزمان جرير ، ما لا يخفى بعده من المدة . وذلك أن الذين ذكرهم هلكوا في الجاهلية ، وجرير كان بعد برهة مضت من مجيء الإسلام . [ ص: 161 ]

قال أبو جعفر : وهذا تأويل بعيد ، من أجل أن "الرؤية " ، وإن استعملت في موضع "العلم " ، من أجل أنه مستحيل أن يرى أحد شيئا ، فلا توجب رؤيته إياه علما بأنه قد رآه ، إذا كان صحيح الفطرة . فجاز من الوجه الذي أثبته رؤية ، أن يضاف إليه إثباته إياه علما ، وصح أن يدل بذكر "الرؤية " على معنى "العلم " من أجل ذلك . فليس ذلك ، وإن كان [ جائزا ] في الرؤية - لما وصفنا - بجائز في العلم ، فيدل بذكر الخبر عن "العلم " على "الرؤية " . لأن المرء قد يعلم أشياء كثيرة لم يرها ولا يراها ، ويستحيل أن يرى شيئا إلا علمه ، كما قد قدمنا البيان [ عنه ] . مع أنه غير موجود في شيء من كلام العرب أن يقال : "علمت كذا " ، بمعنى رأيته . وإنما يجوز توجيه معاني ما في كتاب الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم من الكلام ، إلى ما كان موجودا مثله في كلام العرب ، دون ما لم يكن موجودا في كلامها . فموجود في كلامها "رأيت " بمعنى : علمت ، وغير موجود في كلامها "علمت " بمعنى : رأيت ، فيجوز توجيه : "إلا لنعلم " إلى معنى : إلا لنرى .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #210  
قديم 13-07-2022, 10:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,466
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد






تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الثالث
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(196)
الحلقة (210)
صــ 162إلى صــ 168




وقال آخرون : إنما قيل : "إلا لنعلم " ، من أجل أن المنافقين واليهود وأهل الكفر بالله ، أنكروا أن يكون الله تعالى ذكره يعلم الشيء قبل كونه . وقالوا - إذ قيل لهم : إن قوما من أهل القبلة سيرتدون على أعقابهم ، إذا حولت قبلة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة - : ذلك غير كائن! أو قالوا : ذلك باطل! فلما فعل الله ذلك ، وحول القبلة ، وكفر من أجل ذلك من كفر ، قال الله جل [ ص: 162 ] ثناؤه : ما فعلت إلا لنعلم ما علمه غيركم - أيها المشركون المنكرون علمي بما هو كائن من الأشياء قبل كونه - : أني عالم بما هو كائن مما لم يكن بعد .

فكأن معنى قائلي هذا القول في تأويل قوله : "إلا لنعلم " : إلا لنبين لكم أنا نعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه . وهذا وإن كان وجها له مخرج ، فبعيد من المفهوم .

وقال آخرون : إنما قيل : "إلا لنعلم " ، وهو بذلك عالم قبل كونه وفي كل حال ، على وجه الترفق بعباده ، واستمالتهم إلى طاعته ، كما قال جل ثناؤه : ( قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ) [ سورة سبأ : 24 ] ، وقد علم أنه على هدى ، وأنهم على ضلال مبين ، ولكنه رفق بهم في الخطاب ، فلم يقل : أنا على هدى ، وأنتم على ضلال . فكذلك قوله : "إلا لنعلم " ، معناه عندهم : إلا لتعلموا أنتم ، إذ كنتم جهالا به قبل أن يكون . فأضاف العلم إلى نفسه ، رفقا بخطابهم .

وقد بينا القول الذي هو أولى في ذلك بالحق .



وأما قوله : "من يتبع الرسول " . فإنه يعني : الذي يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم فيما يأمره الله به ، فيوجه نحو الوجه الذي يتوجه نحوه محمد صلى الله عليه وسلم . [ ص: 163 ]

وأما قوله : "ممن ينقلب على عقبيه " ، فإنه يعني : من الذي يرتد عن دينه ، فينافق ، أو يكفر ، أو يخالف محمدا صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ممن يظهر اتباعه ، كما : -

2209 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " قال : من إذا دخلته شبهة رجع عن الله ، وانقلب كافرا على عقبيه .

وأصل "المرتد على عقبيه " ، هو : "المنقلب على عقبيه " ، الراجع مستدبرا في الطريق الذي قد كان قطعه ، منصرفا عنه . فقيل ذلك لكل راجع عن أمر كان فيه ، من دين أو خير . ومن ذلك قوله : ( فارتدا على آثارهما قصصا ) [ سورة الكهف : 64 ] ، بمعنى : رجعا في الطريق الذي كانا سلكاه ، وإنما قيل للمرتد : "مرتد " ، لرجوعه عن دينه وملته التي كان عليها .

وإنما قيل : "رجع على عقبيه " ، لرجوعه دبرا على عقبه ، إلى الوجه الذي كان فيه بدء سيره قبل مرجعه عنه . فيجعل ذلك مثلا لكل تارك أمرا وآخذ آخر غيره ، إذا انصرف عما كان فيه ، إلى الذي كان له تاركا فأخذه . فقيل : "ارتد فلان على عقبه ، وانقلب على عقبيه " .
القول في تأويل قوله تعالى ( وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في التي وصفها الله جل وعز بأنها كانت "كبيرة إلا على الذين هدى الله " . [ ص: 164 ]

فقال بعضهم : عنى جل ثناؤه ب "الكبيرة " ، التولية من بيت المقدس شطر المسجد الحرام والتحويل . وإنما أنث "الكبيرة " ، لتأنيث "التولية " .

ذكر من قال ذلك :

2210 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال الله : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " ، يعني : تحويلها .

2211 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : ما أمروا به من التحول إلى الكعبة من بيت المقدس .

2212 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .

2213 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : كبيرة ، حين حولت القبلة إلى المسجد الحرام ، فكانت كبيرة إلا على الذين هدى الله .

وقال آخرون : بل "الكبيرة " ، هي القبلة بعينها التي كان صلى الله عليه وسلم يتوجه إليها من بيت المقدس قبل التحويل .

ذكر من قال ذلك .

2214 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، عن أبي العالية : "وإن كانت لكبيرة " ، أي : قبلة بيت المقدس - "إلا على الذين هدى الله " . [ ص: 165 ]

وقال بعضهم : بل "الكبيرة " هي الصلاة التي كانوا يصلونها إلى القبلة الأولى .

ذكر من قال ذلك .

2215 - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : صلاتكم حتى يهديكم الله عز وجل القبلة .

2216 - وقد حدثني به يونس مرة أخرى قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وإن كانت لكبيرة " قال : صلاتك هاهنا - يعني إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا - وانحرافك هاهنا

وقال بعض نحويي البصرة : أنثت "الكبيرة " لتأنيث القبلة ، وإياها عنى جل ثناؤه بقوله : "وإن كانت لكبيرة " .

وقال بعض نحويي الكوفة : بل أنثت "الكبيرة " لتأنيث التولية والتحويلة

فتأويل الكلام على ما تأوله قائلو هذه المقالة : وما جعلنا تحويلتنا إياك عن القبلة التي كنت عليها وتوليتناك عنها ، إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ، وإن كانت تحويلتنا إياك عنها وتوليتناك "لكبيرة إلا على الذين هدى الله " .

وهذا التأويل أولى التأويلات عندي بالصواب . لأن القوم إنما كبر عليهم تحويل النبي صلى الله عليه وسلم وجهه عن القبلة الأولى إلى الأخرى ، لا عين القبلة ، ولا الصلاة . لأن القبلة الأولى والصلاة ، قد كانت وهى غير كبيرة عليهم . إلا أن يوجه موجه تأنيث "الكبيرة " إلى "القبلة " ، ويقول : اجتزئ بذكر "القبلة " من ذكر "التولية والتحويلة " ، لدلالة الكلام على معنى ذلك ، كما قد وصفنا لك في نظائره . فيكون ذلك وجها صحيحا ، ومذهبا مفهوما . [ ص: 166 ]

ومعنى قوله : "كبيرة " ، عظيمة ، . كما : -

2217 - حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : كبيرة في صدور الناس ، فيما يدخل الشيطان به ابن آدم . قال : ما لهم صلوا إلى هاهنا ستة عشر شهرا ثم انحرفوا! فكبر ذلك في صدور من لا يعرف ولا يعقل والمنافقين ، فقالوا : أي شيء هذا الدين ؟ وأما الذين آمنوا ، فثبت الله جل ثناؤه ذلك في قلوبهم ، وقرأ قول الله "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " قال : صلاتكم حتى يهديكم إلى القبلة .

قال أبو جعفر : وأما قوله : "إلا على الذين هدى الله " ، فإنه يعني به :

وإن كان تقليبتناك عن القبلة التي كنت عليها ، لعظيمة إلا على من وفقه الله جل ثناؤه ، فهداه لتصديقك والإيمان بك وبذلك ، واتباعك فيه ، وفي ما أنزل الله تعالى ذكره عليك ، كما : -

2218 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : "وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " ، يقول : إلا على الخاشعين ، يعني المصدقين بما أنزل الله تبارك وتعالى . [ ص: 167 ]
القول في تأويل قوله تعالى ( وما كان الله ليضيع إيمانكم )

قال أبو جعفر : قيل : عنى ب "الإيمان " ، في هذا الموضع : الصلاة .

ذكر الأخبار التي رويت بذلك ، وذكر قول من قاله :

2219 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع وعبيد الله - وحدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا عبيد الله بن موسى - جميعا ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا : كيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك ، وهم يصلون نحو بيت المقدس ؟ فأنزل الله جل ثناؤه : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .

2220 - حدثني إسماعيل بن موسى قال : أخبرنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء في قول الله عز وجل : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " قال : صلاتكم نحو بيت المقدس .

2221 - حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن البراء نحوه .

2222 - وحدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن نفيل الحراني قال : حدثنا زهير قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن البراء قال : مات على القبلة قبل أن تحول إلى البيت [ ص: 168 ] رجال وقتلوا ، فلم ندر ما نقول فيهم . فأنزل الله تعالى ذكره : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .

2223 - حدثنا بشر بن معاذ العقدي قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : قال أناس من الناس - لما صرفت القبلة نحو البيت الحرام - : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " .

2224 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثني عمرو بن حماد قال : حدثنا أسباط ، عن السدي قال : لما وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المسجد الحرام ، قال المسلمون : ليت شعرنا عن إخواننا الذين ماتوا وهم يصلون قبل بيت المقدس ! هل تقبل الله منا ومنهم أم لا ؟ فأنزل الله جل ثناؤه فيهم : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " قال : صلاتكم قبل بيت المقدس : يقول : إن تلك طاعة وهذه طاعة .

2225 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع قال : قال ناس - لما صرفت القبلة إلى البيت الحرام - : كيف بأعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الأولى ؟ فأنزل الله تعالى ذكره : "وما كان الله ليضيع إيمانكم " الآية .






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 275.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 269.90 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (2.20%)]