|
|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#131
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#132
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#133
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#134
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (132) سُورَةُ يُوسُفَ (3) صـ 211 إلى صـ 215 فإذا علمت مما بينا دلالة القرآن العظيم على براءته مما لا ينبغي ، فسنذكر لك أقوال العلماء الذين قالوا : إنه وقع منه بعض ما لا ينبغي ، وأقوالهم في المراد بالبرهان فنقول : قال صاحب " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " : أخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : لما همت به تزينت ، ثم استلقت على فراشها ، وهم بها جلس بين رجليها يحل تبانه نودي من السماء " يا ابن يعقوب ، لا تكن كطائر ينتف ريشه فيبقى لا ريش له " فلم يتعظ على النداء شيئا ، حتى رأى برهان ربه : جبريل عليه السلام في صورة يعقوب عاضا على أصبعيه ، ففزع فخرجت شهوته من أنامله ، فوثب إلى الباب فوجده مغلقا ، فرفع يوسف رجله فضرب بها الباب الأدنى فانفرج له ، واتبعته فأدركته ، فوضعت يديها في قميصه فشقته حتى بلغت عضلة ساقه ، فألفيا سيدها لدى الباب . وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، وأبو نعيم في " الحلية " عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه سئل عن هم يوسف عليه السلام ما بلغ ؟ قال : حل الهميان - يعني السراويل - وجلس منها مجلس الخاتن ، فصيح به ، يا يوسف لا تكن كالطير له ريش ، فإذا زنى قعد ليس له ريش ! وأخرج أبو نعيم في " الحلية " عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قوله : ولقد همت به وهم بها [ 12 \ 24 ] ، قال : طمعت فيه وطمع فيها ، وكان من الطمع أن هم بحل التكة ، فقامت إلى صنم مكلل بالدر واليواقيت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها وبينه ، فقال : أي شيء تصنعين ؟ فقالت : استحي من إلهي أن يراني على هذه الصورة ، فقال يوسف عليه السلام : تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب ، ولا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت ، ثم قال : لا تنالينها مني أبدا . وهو البرهان الذي رأى . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : وهم بها [ 12 \ 24 ] ، قال : حل سراويله حتى بلغ ثنته ، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته ، فمثل له يعقوب عليه السلام فضرب بيده على صدره فخرجت شهوته من أنامله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وصححه عن ابن عباس [ ص: 212 ] رضي الله عنهما في قوله : لولا أن رأى برهان ربه قال : رأى صورة أبيه يعقوب في وسط البيت عاضا على إبهامه ، فأدبر هاربا وقال : " وحقك يا أبت لا أعود أبدا " . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة ، وسعيد بن جبير في قوله : لولا أن رأى برهان ربه ، قالا : حل السراويل ، وجلس منها مجلس الخاتن ، فرأى صورة فيها وجه يعقوب عاضا على أصابعه ، فدفع صدره فخرجت الشهوة من أنامله ، فكل ولد يعقوب قد ولد له اثنا عشر ولدا إلا يوسف عليه السلام ، فإنه نقص بتلك الشهوة ولدا فلم يولد له غير أحد عشر ولدا . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : لولا أن رأى برهان ربه ، قال : تمثل له يعقوب عليه السلام فضرب في صدر يوسف فطارت شهوته من أطراف أنامله ، فولد لكل ولد يعقوب اثنا عشر ذكرا غير يوسف لم يولد له إلا غلامان . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه ، في قوله : لولا أن رأى برهان ربه ، قال : رأى يعقوب عاضا على أصابعه يقول : " يوسف ! يوسف ! " . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية ، قال : رأى آية من آيات ربه حجزه الله بها عن معصيته ، ذكر لنا أنه مثل له يعقوب عاضا على أصبعيه ، وهو يقول له : يا يوسف ! أتهم بعمل السفهاء ، وأنت مكتوب في الأنبياء ؟ ! فذلك البرهان . فانتزع الله كل شهوة كانت في مفاصله . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن سيرين رضي الله عنه ، في قوله : لولا أن رأى برهان ربه ، قال : مثل له يعقوب عليه السلام عاضا على إصبعيه يقول : " يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ، اسمك مكتوب في الأنبياء ، وتعمل عمل السفهاء ! " . وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه ، قال : رأى صورة يعقوب عليه السلام في الجدار . وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن الحسن رضي الله عنه ، قال : زعموا أن سقف البيت انفرج ، فرأى يعقوب عاضا على إصبعيه . [ ص: 213 ] وأخرج عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " ، عن الحسن رضي الله عنه ، في قوله : ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه . قال : إنه لما هم قيل له ارفع رأسك يا يوسف ، فرفع رأسه فإذا هو بصورة في سقف البيت تقول : يا يوسف ! يا يوسف ! أنت مكتوب في الأنبياء ، فعصمه الله عز وجل . وأخرج أبو عبيد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن أبي صالح رضي الله عنه ، قال : رأى صورة يعقوب في سقف البيت تقول : " يوسف ! يوسف ! " . وأخرج ابن جرير من طريق الزهري ، أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن البرهان الذي رأى يوسف عليه السلام هو يعقوب . وأخرج ابن جرير ، عن القاسم بن أبي بزة ، نودي : " يا ابن يعقوب ، لا تكونن كالطير له ريش ، فإذا زنى قعد ليس له ريش " ، فلم يعرض للنداء وقعد ، فرفع رأسه ، فرأى وجه يعقوب عاضا على إصبعه ، فقام مرعوبا استحياء من أبيه . وأخرج ابن جرير ، عن علي بن بذيمة ، قال : كان يولد لكل رجل منهم اثنا عشر إلا يوسف عليه السلام ولد له أحد عشر من أجل ما خرج من شهوته . وأخرج ابن جرير ، عن شمر بن عطية ، قال : نظر يوسف إلى صورة يعقوب عاضا على إصبعه يقول : يا يوسف ، فذاك حين كف وقام . وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك رضي الله عنه ، قال : يزعمون أنه مثل له يعقوب عليه السلام فاستحيا منه . وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الأوزاعي ، قال : كان ابن عباس رضي الله عنهما ، يقول في قوله : لولا أن رأى برهان ربه ، قال : رأى آية من كتاب الله فنهته ، مثلت له في جدار الحائط . وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه ، قال : البرهان الذي رأى يوسف عليه السلام ثلاث آيات من كتاب الله : وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون [ 82 \ 10 ، 11 ] ، وقول الله تعالى : وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه [ 10 \ 61 ] ، وقول الله تعالى : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت [ 13 \ 33 ] . [ ص: 214 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن كعب قال : رأى في البيت في ناحية الحائط مكتوبا : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا [ 17 \ 32 ] ، وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه ، قال : لما خلا يوسف وامرأة العزيز خرجت كف بلا جسد بينهما ، مكتوب عليها بالعبرانية : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت [ 13 \ 33 ] ، ثم انصرفت الكف ، وقاما مقامهما ، ثم رجعت الكف مكتوبا عليها بالعبرانية : وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون [ 82 \ 10 ، 12 ] ، ثم انصرفت الكف ، وقاما مقامهما ، فعادت الكف الثالثة مكتوبا عليها : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا [ 17 \ 32 ] ، وانصرفت الكف ، وقاما مقامهما ، فعادت الكف الرابعة مكتوبا عليها بالعبرانية : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [ 2 \ 281 ] ، فولى يوسف عليه السلام هاربا . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : لولا أن رأى برهان ربه ، قال : آيات ربه ، أري تمثال الملك . وأخرج أبو الشيخ ، وأبو نعيم في " الحلية " ، عن جعفر بن محمد رضي الله عنه ، قال : لما دخل يوسف معها البيت وفي البيت صنم من ذهب قالت : كما أنت ، حتى أغطي الصنم ، فإني أستحي منه ، فقال يوسف : هذه تستحيي من الصنم ، أنا أحق أن أستحيي من الله ؟ فكف عنها وتركها . اهـ من " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " . قال مقيده عفا الله عنه : هذه الأقوال التي رأيت نسبتها إلى هؤلاء العلماء منقسمة إلى قسمين : قسم لم يثبت نقله عمن نقله عنه بسند صحيح ، وهذا لا إشكال في سقوطه . وقسم ثبت عن بعض من ذكر ، ومن ثبت عنه منهم شيء من ذلك ، فالظاهر الغالب على الظن المزاحم لليقين : أنه إنما تلقاه عن الإسرائيليات ; لأنه لا مجال للرأي فيه ، ولم يرفع منه قليل ولا كثير إليه صلى الله عليه وسلم . وبهذا تعلم أنه لا ينبغي التجرؤ على القول في نبي الله يوسف بأنه جلس بين رجلي كافرة أجنبية ، يريد أن يزني بها ، اعتمادا على مثل هذه الروايات ، مع أن في الروايات [ ص: 215 ] المذكورة ما تلوح عليه لوائح الكذب ، كقصة الكف التي خرجت له أربع مرات ، وفي ثلاث منهن لا يبالي بها ; لأن ذلك على فرض صحته فيه أكبر زاجر لعوام الفساق ، فما ظنك بخيار الأنبياء ؟ مع أنا قدمنا دلالة القرآن على براءته من جهات متعددة ، وأوضحنا أن الحقيقة لا تتعدى أحد أمرين : إما أن يكون لم يقع منه هم بها أصلا ، بناء على تعليق همه على عدم رؤية البرهان ، وقد رأى البرهان ، وإما أن يكون همه الميل الطبيعي المزموم بالتقوى ، والعلم عند الله تعالى . واختلف العلماء في المراد بالسوء والفحشاء ، اللذين ذكر الله في هذه الآية أنه صرفهما عن نبيه يوسف . فروى ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر رضي الله عنه ، في قوله : لنصرف عنه السوء والفحشاء [ 12 \ 24 ] ، قال : الزنى ، والثناء القبيح اهـ . وقال بعض العلماء : السوء : مقدمات الفاحشة ، كالقبلة ، والفاحشة : الزنى . وقيل : السوء : جناية اليد ، والفاحشة : الزنى . وأظهر الأقوال في تقدير متعلق الكاف في قوله : كذلك لنصرف ، أي : فعلنا له ذلك من إراءة البرهان ، كذلك الفعل لنصرف واللام لام كي . وقوله : المخلصين [ 12 \ 24 ] قرأه نافع ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، بفتح اللام بصيغة اسم المفعول ، وقرأه ابن عامر ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، بكسر اللام بصيغة اسم الفاعل ، والعلم عند الله تعالى اهـ .
__________________
|
#135
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (133) سُورَةُ يُوسُفَ (4) صـ 216 إلى صـ 220 قوله تعالى : وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين فلما رأى قميصه قد من دبر قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم . يفهم من هذه الآية لزوم الحكم بالقرينة الواضحة الدالة على صدق أحد الخصمين وكذب الآخر ; لأن ذكر الله لهذه القصة في معرض تسليم الاستدلال بتلك القرينة على براءة يوسف يدل على أن الحكم بمثل ذلك حق وصواب ; لأن كون القميص مشقوقا من جهة دبره دليل واضح على أنه هارب عنها ، وهي تنوشه من خلفه ، ولكنه تعالى بين في موضع آخر أن محل العمل بالقرينة ما لم تعارضها [ ص: 216 ] قرينة أقوى منها ، فإن عارضتها قرينة أقوى منها أبطلتها ، وذلك في قوله تعالى : وجاءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل [ 12 \ 18 ] ; لأن أولاد يعقوب لما جعلوا يوسف في غيابة الجب ، جعلوا على قميصه دم سخلة ; ليكون وجود الدم على قميصه قرينة على صدقهم في دعواهم أنه أكله الذئب . ولا شك أن الدم قرينة على افتراس الذئب له ، ولكن يعقوب أبطل قرينتهم هذه بقرينة أقوى منها ، وهي عدم شق القميص ، فقال : سبحان الله ! متى كان الذئب حليما كيسا يقتل يوسف ولا يشق قميصه ; ولذا صرح بتكذيبه لهم في قوله : بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون [ 12 \ 18 ] . وهذه الآيات المذكورة أصل في الحكم بالقرائن . ومن أمثلة الحكم بالقرينة : الرجل يتزوج المرأة من غير أن يراها سابقا ، فتزفها إليه ولائد لا يثبت بشهادتهن أن هذه هي فلانة التي وقع عليها العقد ، فيجوز له جماعها من غير احتياج إلى بينة تشهد على عينها أنها هي التي وقع العقد عليها ، اعتمادا على قرينة النكاح . وكالرجل ينزل ضيفا عند قوم ، فتأتيه الوليدة أو الغلام بالطعام ، فيجوز له الأكل من غير احتياج إلى ما يثبت إذن مالك الطعام له في الأكل ، اعتمادا على القرينة . وكقول مالك ومن وافقه : إن من شم في فيه ريح الخمر يحد حد الشارب ، اعتمادا على القرينة ; لأن وجود ريحها في فيه قرينة على أنه شربها ، وكمسائل اللوث وغير ذلك . وقد قدمنا في سورة المائدة صحة الاحتجاج بمثل هذه القرائن ، وأوضحنا بالأدلة القرآنية ، أن التحقيق أن شرع من قبلنا الثابت بشرعنا شرع لنا ، إلا بدليل على النسخ غاية الإيضاح ، والعلم عند الله تعالى . وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى : وجاءوا على قميصه بدم كذب . [ 12 \ 18 ] استدل الفقهاء بهذه الآية في إعمال الأمارات في مسائل من الفقه ، كالقسامة وغيرها ، وأجمعوا على أن يعقوب عليه السلام استدل على كذبهم بصحة القميص . وهكذا يجب على الناظر أن يلحظ الأمارات والعلامات إذا تعارضت ، فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح ، وهي قوة التهمة ، ولا خلاف في الحكم بها ، قاله ابن العربي . اهـ كلام القرطبي . [ ص: 217 ] واختلف العلماء في الشاهد في قوله : وشهد شاهد من أهلها [ 12 \ 26 ] . فقال بعض العلماء : هو صبي في المهد ، وممن قال ذلك ابن عباس ، والضحاك ، وسعيد بن جبير . وعن ابن عباس أيضا أنه رجل ذو لحية ، ونحوه عن الحسن . وعن زيد بن أسلم أنه ابن عم لها كان حكيما ، ونحوه عن قتادة ، وعكرمة . وعن مجاهد أنه ليس بإنسي ، ولا جان ، هو خلق من خلق الله . قال مقيده عفا الله عنه : قول مجاهد هذا يرده قوله تعالى : من أهلها [ 12 \ 26 ] ; لأنه صريح في أنه إنسي من أهل المرأة . وأظهر الأقوال : أنه صبي ، لما رواه أحمد ، وابن جرير ، والبيهقي في الدلائل ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تكلم أربعة وهم صغار : ابن ماشطة فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم " اهـ . قوله تعالى : إن كيدكن عظيم . هذه الآية الكريمة إذا ضمت لها آية أخرى حصل بذلك بيان أن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان ، والآية المذكورة هي قوله : إن كيد الشيطان كان ضعيفا [ 4 \ 76 ] ; لأن قوله في النساء : إن كيدكن عظيم [ 12 \ 28 ] ، وقوله في الشيطان : إن كيد الشيطان كان ضعيفا [ 4 \ 76 ] ، يدل على أن كيدهن أعظم من كيده . قال القرطبي : قال مقاتل ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان " ; لأن الله تعالى يقول : إن كيد الشيطان كان ضعيفا ، وقال : إن كيدكن عظيم ا هـ . وقال الأديب الحسن بن آية الحسني الشنقيطي : ما استعظم الإله كيدهنه إلا لأنهن هن هنه قوله تعالى : وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم . بين الله تعالى في هذه الآية الكريمة ثناء هؤلاء النسوة على يوسف بهذه الصفات الحميدة فيما بينهن ، ثم بين اعترافهن بذلك عند سؤال الملك لهن أمام الناس في قوله : قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه الآية [ 12 \ 51 ] . [ ص: 218 ] قوله تعالى : وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون . لم يبين هنا هذا الذي أجمعوا أمرهم عليه ، ولم يبين هنا أيضا المراد بمكرهم ، ولكنه بين في أول هذه السورة الكريمة أن الذي أجمعوا أمرهم عليه هو جعله في غيابة الجب ، وأن مكرهم هو ما فعلوه بأبيهم يعقوب وأخيهم يوسف ، وذلك في قوله : فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب إلى قوله : والله المستعان على ما تصفون [ 12 \ 18 ] . وقد أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم ; لأنه أنزل عليه هذا القرآن ، وفصل له هذه القصة ، مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن حاضرا لدى أولاد يعقوب حين أجمعوا أمرهم على المكر به ، وجعله في غيابة الجب ، فلولا أن الله أوحى إليه ذلك ما عرفه من تلقاء نفسه . والآيات المشيرة لإثبات رسالته ، بدليل إخباره بالقصص الماضية التي لا يمكنه علم حقائقها إلا عن طريق الوحي كثيرة ، كقوله : وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم الآية [ 3 \ 44 ] . وقوله : وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر الآية [ 28 \ 44 ] . وقوله : وما كنت ثاويا في أهل مدين [ 28 \ 45 ] . وقوله : وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك الآية [ 28 \ 46 ] . وقوله : ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين [ 38 \ 69 ، 70 ] . وقوله : تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا الآية [ 11 \ 49 ] ، إلى غير ذلك من الآيات . فهذه الآيات من أوضح الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم رسول كريم ، وإن كانت المعجزات الباهرة الدالة على ذلك أكثر من الحصر . قوله تعالى : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون . قال ابن عباس ، والحسن ، ومجاهد ، وعامر الشعبي ، وأكثر المفسرين : إن معنى هذه الآية أن أكثر الناس ، وهم الكفار ما كانوا يؤمنون بالله بتوحيدهم له في ربوبيته إلا وهم مشركون به غيره في عبادته . فالمراد بإيمانهم اعترافهم بأنه ربهم الذي هو خالقهم ، ومدبر شئونهم ، والمراد بشركهم عبادتهم غيره معه ، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة جدا ، كقوله : قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون [ ص: 219 ] [ 10 \ 31 ] ، وكقوله : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون [ 43 \ 87 ] ، وقوله : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم [ 43 \ 9 ] ، وقوله : ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون [ 29 \ 61 ] ، وقوله : ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون [ 29 \ 63 ] ، وقوله : قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون [ 23 \ 84 - 88 ] إلى غير ذلك من الآيات . ومع هذا فإنهم قالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب [ 38 \ 5 ] . وهذه الآيات القرآنية تدل على أن توحيد الربوبية لا ينقذ من الكفر إلا إذا كان معه توحيد العبادة ، أي عبادة الله وحده لا شريك له ، ويدل لذلك قوله تعالى : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [ 12 \ 106 ] . وفي هذه الآية الكريمة إشكال : وهو أن المقرر في علم البلاغة أن الحال قيد لعاملها وصف لصاحبها ، وعليه فإن عامل هذه الجملة الحالية الذي هو " يؤمن " مقيد بها ، فيصير المعنى تقييد إيمانهم بكونهم مشركين ، وهو مشكل لما بين الإيمان والشرك من المنافاة . قال مقيده عفا الله عنه : لم أر من شفى الغليل في هذا الإشكال ، والذي يظهر لي والله تعالى أعلم أن هذا الإيمان المقيد بحال الشرك إنما هو إيمان لغوي لا شرعي ; لأن من يعبد مع الله غيره لا يصدق عليه اسم الإيمان البتة شرعا . أما الإيمان اللغوي فهو يشمل كل تصديق ، فتصديق الكافر بأن الله هو الخالق الرازق يصدق عليه اسم الإيمان لغة مع كفره بالله ، ولا يصدق عليه اسم الإيمان شرعا . وإذا حققت ذلك علمت أن الإيمان اللغوي يجامع الشرك فلا إشكال في تقييده به ، وكذلك الإسلام الموجود دون الإيمان في قوله تعالى : قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم [ 49 \ 14 ] ، فهو الإسلام اللغوي ; لأن الإسلام الشرعي لا يوجد ممن لم يدخل الإيمان في قلبه ، والعلم عند الله تعالى . [ ص: 220 ] وقال بعض العلماء : " نزلت آية وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [ 12 \ 106 ] ، في قول الكفار في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ، وهو راجع إلى ما ذكرنا . قوله تعالى : لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب . ذكر الله جل وعلا في هذه الآية أن في أخبار المرسلين مع أممهم ، وكيف نجى الله المؤمنين وأهلك الكافرين - عبرة لأولي الألباب ، أي عظة لأهل العقول . وبين هذا المعنى في آيات كثيرة ، كقوله في قوم لوط : وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون [ 37 \ 137 ] ، كما تقدمت الإشارة إليه مرارا ، والعلم عند الله تعالى .
__________________
|
#136
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#137
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#138
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ المجلد الثانى الحلقة (136) سُورَةُ الرَّعْدِ(3) صـ 231 إلى صـ 235 وقال ابن قدامة في " المغني " : حديث واثلة يرويه محمد بن أحمد الشامي وهو ضعيف ، عن حماد بن المنهال ، وهو مجهول ، وحديث أنس يرويه الجلد بن أيوب ، وهو ضعيف ، قال ابن عيينة : هو حديث لا أصل له ، وقال أحمد في حديث أنس : ليس هو شيئا هذا من قبل الجلد بن أيوب ، قيل : إن محمد بن إسحاق رواه ، قال ما أراه سمعه إلا من الحسن بن دينار ، وضعفه جدا ، وقال يزيد بن زريع ذاك : أبو حنيفة لم يحتج إلا بالجلد بن أيوب ، وحديث الجلد قد روي عن علي رضي الله عنه ما يعارضه ، فإنه قال : ما زاد على خمسة عشر استحاضة ، وأقل الحيض يوم وليلة ، وقال البيهقي في " السنن الكبرى " : فهذا حديث يعرف بالجلد بن أيوب ، وقد أنكر عليه ذلك ، وقال البيهقي أيضا : قال ابن علية : الجلد أعرابي لا يعرف الحديث ، وقال أيضا : قال الشافعي : نحن وأنت لا نثبت مثل حديث [ ص: 231 ] الجلد ، ونستدل على غلط من هو أحفظ منه بأقل من هذا . وقال أيضا : قال سليمان بن حرب : كان حماد - يعني ابن زيد - يضعف الجلد ، ويقول لم يكن يعقل الحديث . وروى البيهقي أيضا بإسناده عن حماد بن زيد ، قال : ذهبت أنا وجرير بن حازم إلى الجلد بن أيوب ، فحدثنا بحديث معاوية بن قرة ، عن أنس في الحائض ، فذهبنا نوقفه ، فإذا هو لا يفصل بين الحائض ، والمستحاضة . وروى أيضا بإسناده عن أحمد بن سعيد الدارمي ، قال : سألت أبا عاصم ، عن الجلد بن أيوب فضعفه جدا ، وقال : كان شيخا من مشايخ العرب تساهل أصحابنا في الرواية عنه . وروى البيهقي أيضا عن عبد الله بن المبارك أن أهل البصرة كانوا ينكرون حديث الجلد بن أيوب ، ويقولون : شيخ من شيوخ العرب ليس بصاحب حديث ، قال ابن المبارك : وأهل مصره أعلم به من غيرهم . قال يعقوب : وسمعت سليمان بن حرب ، وصدقة بن الفضل ، وإسحاق بن إبراهيم ، وبلغني عن أحمد بن حنبل أنهم كانوا يضعفون الجلد بن أيوب ، ولا يرونه في موضع الحجة ، وروى بإسناده أيضا عن ابن عيينة أنه كان يقول : ما جلد ؟ ومن جلد ؟ ومن كان جلد ؟ وروى بإسناده أيضا عن عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : سمعت أبي ذكر الجلد بن أيوب ، فقال : ليس يسوى حديثه شيئا ، ضعيف الحديث . اهـ . وإنما أطلنا الكلام في تضعيف هذا الأثر ; لأنه أقوى ما جاء في الباب على ضعفه كما ترى . وقد قال البيهقي في " السنن الكبرى " : روي في أقل الحيض وأكثره أحاديث ضعاف قد بينت ضعفها في " الخلافيات " . وأما حجة من قال : إن أقل الحيض يوم وليلة وأكثره خمسة عشر ، كالشافعي ، وأحمد ، ومن وافقهما ، فهي أنه لم يثبت في ذلك تحديد من الشرع فوجب الرجوع إلى المشاهد في الوجود ، والمشاهد أن الحيض لا يقل عن يوم وليلة ولا يزيد على نصف شهر ، قالوا : وثبت مستفيضا عن السلف من التابعين فمن بعدهم وجود ذلك عيانا ، ورواه البيهقي ، وغيره ، عن عطاء ، والحسن ، وعبيد الله بن عمر ، ويحيى بن سعيد ، وربيعة ، وشريك ، والحسن بن صالح ، وعبد الرحمن بن مهدي رحمهم الله تعالى . قال النووي : " فإن قيل : روى إسحاق بن راهويه ، عن بعضهم أن امرأة من نساء الماجشون حاضت عشرين يوما ، وعن ميمون بن مهران أن بنت سعيد بن جبير كانت تحته وكانت تحيض من السنة شهرين ، فجوابه بما أجاب به المصنف في كتابه النكت أن هذين النقلين ضعيفان . [ ص: 232 ] فالأول : عن بعضهم وهو مجهول ، وقد أنكره بعضهم ، وقد أنكره الإمام مالك بن أنس ، وغيره من علماء المدينة . والثاني : رواه الوليد بن مسلم ، عن رجل ، عن ميمون ، والرجل مجهول . والله أعلم " اهـ . وأما حجة مالك في أكثر الحيض للمبتدئة ، فكحجة الشافعي ، وأحمد ، وحجته في أكثره للمعتادة ما رواه الإمام مالك ، وأحمد ، والشافعي ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، عن أم سلمة - رضي الله عنها - أنها استفتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في امرأة تهراق الدم فقال : " لتنظر قدر الليالي والأيام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشهر فتدع الصلاة ، ثم لتغتسل ، ولتستثفر ، ثم تصلي " اهـ . وهذا الحديث نص في الرجوع إلى عادة الحائض . قال ابن حجر في " التلخيص " في هذا الحديث : قال النووي إسناده على شرطهما ، وقال البيهقي : هو حديث مشهور ، إلا أن سليمان بن يسار لم يسمعه من أم سلمة ، وفي رواية لأبي داود ، عن سليمان أن رجلا أخبره عن أم سلمة ، وقال المنذري : لم يسمعه سليمان منها ، وقد رواه موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن سليمان ، عن مرجانة ، عنها ، وساقه الدارقطني من طريق صخر بن جويرة ، عن نافع ، عن سليمان أنه حدثه رجل عنها . اهـ . وللحديث شواهد متعددة تقوي رجوع النساء إلى عادتهن في الحيض ، كحديث حمنة بنت جحش ، وحديث عائشة في قصة فاطمة بنت أبي حبيش ، وأما زيادة ثلاثة أيام ، فهي لأجل الاستظهار والتحري في انقضاء الحيضة ، ولا أعلم لها مستندا من نصوص الوحي الثابتة ، وأما حجة مالك في أقل الحيض بالنسبة إلى العبادات فهي التمسك بظاهر إطلاق النصوص ، ولم يرد نص صحيح في التحديد . وأما أقله بالنسبة إلى العدة والاستبراء فحجته فيه أنه من قبيل تحقيق المناط ; لأن الحيض دليل عادي على براءة الرحم فلا بد فيما طلبت فيه بالحيض الدلالة على براءة الرحم من حيض يدل على ذلك بحسب العادة المطردة ، ولذا جعل الرجوع في ذلك إلى النساء العارفات بذلك ; لأن تحقيق المناط يرجع فيه لمن هو أعرف به وإن كان لا حظ له من علوم الوحي ، وحجة يحيى بن أكثم في قوله : " إن أقل الطهر تسعة عشر " ، هي أنه يرى أن أكثر الحيض عشرة أيام ، وأن الشهر يشتمل على طهر وحيض ، فعشرة منه للحيض والباقي [ ص: 233 ] طهر ، وقد يكون الشهر تسعا وعشرين فالباقي بعد عشرة الحيض تسعة عشر . وهذا هو حاصل أدلتهم وليس على شيء منها دليل من كتاب ولا سنة يجب الرجوع إليه . وأقرب المذاهب في ذلك هو أكثرها موافقة للمشاهد ككون الحيض لا يقل عن يوم وليلة ولا يكثر عن نصف شهر ، وكون أقل الطهر نصف شهر ، والله تعالى أعلم . مسألة اختلف العلماء في الدم الذي تراه الحامل هل هو حيض ، أو دم فساد ؟ فذهب مالك ، والشافعي في أصح قوليه إلى أنه حيض ، وبه قال قتادة والليث ، وروي عن الزهري ، وإسحاق وهو الصحيح عن عائشة . وذهب الإمام أبو حنيفة ، والإمام أحمد إلى أنه دم فساد ، وعلة ، وأن الحامل لا تحيض ، وبه قال جمهور التابعين منهم سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والحسن ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، ومحمد بن المنكدر ، والشعبي ، ومكحول ، وحماد ، والثوري ، والأوزاعي ، وابن المنذر ، وأبو عبيد ، وأبو ثور . واحتج من قال : إن الدم الذي تراه الحامل حيض بأنه دم بصفات الحيض في زمن إمكانه ، وبأنه متردد بين كونه فسادا لعلة أو حيضا ، والأصل السلامة من العلة ، فيجب استصحاب الأصل . واحتج من قال بأنه دم فساد بأدلة ، منها : ما جاء في بعض روايات حديث ابن عمر في طلاقه امرأته في الحيض أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر : " مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا ، أو حاملا " ، وهذه الرواية أخرجها أحمد ، ومسلم ، وأصحاب السنن الأربعة ، قالوا : قد جعل صلى الله عليه وسلم الحمل علامة على عدم الحيض ، كما جعل الطهر علامة لذلك . ومنها : حديث : " لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " ، رواه أحمد ، وأبو داود ، والحاكم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه ، وصححه الحاكم وله شواهد ، قالوا : فجعل صلى الله عليه وسلم الحيض علامة على براءة الرحم فدل ذلك على أنه لا يجتمع مع الحمل . ومنها : أنه دم في زمن لا يعتاد فيه الحيض غالبا فكان غير حيض قياسا على ما تراه اليائسة بجامع غلبة عدم الحيض في كل منهما . وقد قال الإمام أحمد رحمه الله : " إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم " . ومنها : أنه لو كان دم حيض ما انتفت عنه لوازم الحيض ، فلما انتفت عنه دل ذلك على أنه غير حيض ; لأن انتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم ، فمن لازم الحيض حرمة [ ص: 234 ] الطلاق ، ودم الحامل لا يمنع طلاقها ، للحديث المذكور آنفا الدال على إباحة طلاق الحامل والطاهر ، ومن لازم الحيض أيضا انقضاء العدة به ، ودم الحامل لا أثر له في انقضاء عدتها لأنها تعتد بوضع حملها لقوله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن [ 65 \ 4 ] وفي هذه الأدلة مناقشات ذكر بعضها النووي في شرح المهذب . واعلم أن مذهب مالك التفصيل في أكثر حيض الحامل ، فإن رأته في شهرها الثالث إلى انتهاء الخامس تركت الصلاة نصف شهر ونحوه - وفسروا نحوه بزيادة خمسة أيام - فتجلس عشرين يوما ، فإن حاضت في شهرها السادس فما بعده تركت الصلاة عشرين يوما ونحوها - وفسروا نحوها بزيادة خمسة أيام - فتجلس خمسا وعشرين ، وفسره بعضهم بزيادة عشرة ، فتجلس شهرا ، فإن حاضت الحامل قبل الدخول في الشهر الثالث ، فقيل : حكمه حكم الحيض في الثالث وقد تقدم . وقيل : حكمه حكم حيض غير الحامل ، فتجلس قدر عادتها وثلاثة أيام استظهارا . وإلى هذه المسألة أشار خليل بن إسحاق المالكي في مختصره بقوله : ولحامل بعد ثلاثة أشهر النصف ، ونحوه ، وفي ستة فأكثر عشرون يوما ونحوها ، وهل ما قبل الثلاثة كما بعدها أو كالمعتاد ؟ قولان . هذا هو حاصل كلام العلماء في أقل الحيض وأكثره ، وأقل الطهر وأكثره ، وأدلتهم في ذلك ، ومسائل الحيض كثيرة ، وقد بسط العلماء الكلام عليها في كتب الفروع . مسألة اختلف العلماء في أقل النفاس وأكثره أيضا ، فذهب مالك ، والشافعي إلى أن أكثره ستون يوما ، وبه قال عطاء ، والأوزاعي ، والشعبي ، وعبيد الله بن الحسن العنبري ، والحجاج بن أرطاة ، وأبو ثور ، وداود ، وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال : أدركت الناس يقولون : أكثر النفاس ستون يوما ، وذهب الإمام أبو حنيفة وأحمد إلى أن أكثره أربعون يوما وعليه أكثر العلماء ، قال أبو عيسى الترمذي : أجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك ، فتغتسل وتصلي اهـ . قال الخطابي ، وقال أبو عبيد : وعلى هذا جماعة الناس ، وحكاه ابن المنذر ، عن عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وأنس ، وعثمان بن أبي العاص ، وعائذ بن عمرو ، وأم سلمة ، وابن [ ص: 235 ] المبارك ، وإسحاق ، وأبي عبيد . اهـ . وحكى الترمذي ، وابن المنذر ، وابن جرير ، وغيرهم ، عن الحسن البصري أنه خمسون ، وروي عن الليث أنه قال : قال بعض الناس : إنه سبعون يوما ، وذكر ابن المنذر ، عن الأوزاعي ، عن أهل دمشق : أن أكثر النفاس من الغلام ثلاثون يوما ، ومن الجارية أربعون ، وعن الضحاك : أكثره أربعة عشر يوما ، قاله النووي . وأما أقل النفاس فهو عند مالك ، والشافعي ، وأحمد ، وأبي حنيفة في أصح الروايات عنه لا حد له ، وهو قول جمهور العلماء ، وعن أبي حنيفة : أقله أحد عشر يوما ، وعنه أيضا : خمسة وعشرون ، وحكى الماوردي ، عن الثوري : أقله ثلاثة أيام ، وقال المزني : أقله أربعة أيام ، وأما أدلة العلماء في أكثر النفاس وأقله ، فإن حجة كل من حدد أكثره بغير الأربعين هي الاعتماد على المشاهد في الخارج ، وأكثر ما شاهدوه في الخارج ستون يوما ، وكذلك حججهم في أقله فهي أيضا الاعتماد على المشاهد في الخارج ، وقد يشاهد الولد يخرج ولا دم معه ، ولذا كان جمهور العلماء على أن أقله لا حد له ، وأما حجة من حدده بأربعين ، فهي ما رواه الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن ماجه ، والدارقطني ، والحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها ، قالت : " كانت النفساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تجلس أربعين يوما " الحديث ، روي هذا الحديث من طريق علي بن عبد الأعلى ، عن أبي سهل ، واسمه كثير بن زياد ، عن مسة الأزدية ، عن أم سلمة ، وعلي بن عبد الأعلى ثقة ، وأبو سهل وثقه البخاري وضعفه ابن حبان ، وقال ابن حجر : لم يصب في تضعيفه ، وقال في التقريب في أبي سهل المذكور : ثقة ، وقال في " التقريب " في مسة المذكورة : مقبولة ، وقال النووي في " شرح المهذب " في حديث أم سلمة هذا : حديث حسن رواه أبو داود ، والترمذي ، وغيرهما . قال الخطابي : أثنى البخاري على هذا الحديث ، ويعتضد هذا الحديث بأحاديث بمعناه من رواية أبي الدرداء ، وأنس ، ومعاذ ، وعثمان بن أبي العاص ، وأبي هريرة رضي الله عنهم ، وقال النووي أيضا بعد هذا الكلام : " واعتمد أكثر أصحابنا جوابا آخر وهو تضعيف الحديث ، وهذا الجواب مردود ، بل الحديث جيد كما سبق " . وأجاب القائلون بأن أكثر النفاس ستون عن هذا الحديث الدال على أنه أربعون بأجوبة ، أوجهها عندي أن الحديث إنما يدل على أنها تجلس أربعين ، ولا دلالة فيه على أن الدم إن تمادى بها لم تجلس أكثر من الأربعين ، فمن الممكن أن تكون النساء المذكورة في الحديث لم يتماد الحيض بها إلا أربعين فنص الحديث على أنها تجلس الأربعين ، ولا [ ص: 236 ] ينافي أن الدم لو تمادى عليها أكثر من الأربعين لجلست أكثر من الأربعين ، ويؤيده أن الأوزاعي رحمه الله قال : " عندنا امرأة ترى النفاس شهرين " ، وذلك مشاهد كثيرا في النساء . والعلم عند الله تعالى .
__________________
|
#139
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
#140
|
||||
|
||||
رد: تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |