شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله - الصفحة 7 - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #61  
قديم 12-11-2021, 09:21 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [030]
الحلقة (61)

شرح سنن أبي داود [030]

الشيطان حريص على أن يضل الإنسان في كل شيء بشتى الوسائل، ومن ذلك أنه يوسوس له في الصلاة بأنه أحدث حتى يبطل عليه صلاته، وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عدم الالتفات إلى هذه الوسوسة وألا يبني الإنسان إلا على يقين.

إذا شك في الحدث


شرح حديث: (... لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب إذا شك في الحدث. حدثنا قتيبة بن سعيد و محمد بن أحمد بن أبي خلف قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد بن المسيب و عباد بن تميم عن عمه رضي الله عنه قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يخيل إليه، فقال: لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب إذا شك في الحدث، أي: فما الحكم إذا تحقق من الطهارة، ثم شك في الحدث الذي طرأ على الطهارة؟! والجواب عن هذا أنه لا يتحول عن الشيء المتحقق الذي هو الطهارة إلى الحدث إلا بيقين؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فيبقى على الأصل حتى يأتي ما ينقل عنه، وهذه قاعدة من قواعد الشريعة: أن الإنسان إذا كان على طهارة فإن الطهارة باقية حتى يتحقق الخروج منها وحصول خلاف ذلك بالحدث. وكذلك العكس: إذا كان محدثاً وشك هل تطهر أو لم يتطهر فإن الأصل أنه غير متطهر وعليه أن يتطهر، فإذا تحقق أنه قد أحدث ولكن شك هل توضأ أو ما توضأ فيعتبر على الحدث؛ لأن هذا هو الأصل، وإذا كان على طهارة وشك هل أحدث أو لم يحدث فالأصل هو الطهارة. وقول أبي داود رحمه الله في الترجمة: [باب إذا شك في الحدث] يعني فما الحكم؟ والحكم: أنه يبني على الأصل وهو أنه لا ينتقل عن الأصل إلى الشيء المشكوك فيه إلا إذا تحقق وتيقن من المشكوك فيه، فعند ذلك ممكن أن ينتقل من يقين إلى يقين، فإذا كان متطهراً ثم تيقن الحدث فإن الطهارة انتهت بحصول الحدث، لكن حيث يكون الشك فإن الأصل بقاء الطهارة، وإذا تحقق الحدث وشك في الطهارة فالأصل بقاء الحدث. وأورد أبو داود رحمه الله تعالى حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله تعالى عنه: (أنه شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يخيل إليه) وهذا فيه إبهام، ومعناه: أنه خرج منه شيء ناقض للوضوء. قال: (لا ينفتل) يعني: لا ينصرف من صلاته ولا يبني على هذا الشك ولا يبني على هذا الذي حصل أنه تخيله أو توهمه، بل يبقى على طهارته ويبقى في صلاته حتى يتحقق الحدث، وذلك بأن يسمع صوتاً أو يجد ريحاً، وهذا المقصود به تحقق الحدث وإلا فإن الإنسان قد يكون لا يسمع وقد يكون أيضاً لا يشم، ولكن المقصود من ذلك تحقق الحدث، فذكر السماع والشم للشيء الخارج من دبره، والمقصود من ذلك أنه يتحقق أن الحدث وجد منه، فالحديث يدل على قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة وهي: أن الإنسان إذا كان متطهراً فإن الأصل الطهارة، ولا ينتقل عن الطهارة إلى الحدث إلا إذا تحقق ما به الانتقال، وكذلك العكس إذا كان محدثاً وشك هل توضأ أو لم يتوضأ فعليه أن يتوضأ؛ لأنه تحقق أنه غير متطهر فيجب عليه أن يتوضأ.

تراجم رجال إسناد حديث: (... لا ينفتل حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)
قوله:
[حدثنا قتيبة بن سعيد ].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلانيوهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و محمد بن أحمد بن أبي خلف ].
محمد بن أحمد بن أبي خلف ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود .
[قالا: حدثنا سفيان ].
سفيان هو ابن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. وإذا جاء سفيان يروي عن الزهري أو يروي عنه قتيبة فالمراد به ابن عيينة .
[عن الزهري ].
الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بنسبته إلى جده شهاب، ومشهور أيضاً بنسبته إلى جده زهرة بن كلاب، فيقال له: الزهري، ويقال له: ابن شهاب ، وهذا هو الذي اشتهر به، ولهذا يأتي كثيراً ذكره بابن شهاب أو الزهري .
[عن سعيد بن المسيب ].
سعيد بن المسيب ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[و عباد بن تميم ].
عباد بن تميم المازني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عمه].
عمه هو عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة في دبره أحدث أو لم يحدث فأشكل عليه فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه أن الإنسان إذا كان في صلاته ووجد حركة وشك أنه خرج منه شيء فإنه لا ينصرف حتى يتحقق ذلك بأن يشم رائحة إذا كان ممن يشم أو يسمع صوتاً إذا كان ممن يسمع، والمقصود من ذلك هو تحقق وجود الحدث الذي يبنى عليه ترك ذلك الأصل المتيقن الذي هو الطهارة، فاليقين لا يزول إلا باليقين.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد حركة...)
قوله:
[حدثنا موسى بن إسماعيل ].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد ].
حماد هو ابن سلمة ، وإذا جاء حماد غير منسوب -مهمل- يروي عنه موسى بن إسماعيل فالمقصود به حماد بن سلمة ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[أخبرنا سهيل بن أبي صالح ].
سهيل بن أبي صالح صدوق تغير حفظه بأخرة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، و البخاري أخرج له تعليقاً وأخرج له مقروناً.
[عن أبيه].
هو أبو صالح ذكوان السمان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق رضي الله عنه وأرضاه.

الوضوء من القبلة


شرح حديث عائشة: (أن النبي قبلها ولم يتوضأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من القبلة. حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى و عبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ). قال أبو داود : كذا رواه الفريابي وغيره. قال أبو داود : وهو مرسل؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً. قال أبو داود : مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين سنة، وكان يكنى أبا أسماء ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [باب الوضوء من القبلة]، يعني: إذا كان الإنسان على طهارة ثم وجد منه التقبيل لأهله هل ينتقض وضوءه بذلك ويحتاج إلى أن يتوضأ أو أنه باقٍ على طهارته وأن التقبيل لا ينقض الوضوء؟ وهذه المسألة هي جزء من مسألة: لمس المرأة هل ينقض الوضوء أو لا ينقض الوضوء؟ يعني: كون الإنسان يلمس المرأة هل ينتقض وضوءه بذلك أو لا ينتقض وضوءه بذلك؟ وفي هذا خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إنه لا ينتقض، وإنه لم يأت شيء يدل على النقض إلا ما ذكر عن بعض الفقهاء أنه فسر قوله تعالى:
أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] بأن المقصود به اللمس، ولكن الذي هو واضح غاية الوضوح أن المراد بالملامسة في الآية الجماع؛ لأنه ذكر الحدث الأكبر والأصغر، وأنه إذا لم يوجد الماء يصار إلى التيمم في الحالتين، ولكن اللمس أو التقبيل ما جاء شيء يدل عليه دلالة واضحة، بل جاء ما يدل على خلافه وهو أنه لا ينقض الوضوء ولا يحصل به النقض. وقد جاء فيما يتعلق بالتقبيل أحاديث أوردها أبو داود رحمه الله وفي بعضها كلام، ولكن بعضها يشهد لبعض، وبعضها يؤيد بعضاً، وفيها أن مجرد التقبيل لا يحصل به نقض إلا إذا حصل انتشار وحصل خروج مذي فإنه عند ذلك يكون النقض بهذا الخارج الذي حصل بسبب هذا اللمس أو التقبيل، وبعض أهل العلم يقيد النقض بما إذا كان النقض بشهوة. فمنهم من قال: إنه لا ينقض مطلقاً، ومنهم من قال:
إنه ينقض مطلقاً، ومنهم من قال: إنه ينقض إذا كان بشهوة، لكن الأحاديث التي وردت في التقبيل تدل على عدم النقض. وأيضاً جاء في اللمس ما يدل على عدم النقض، وقد جاء في أحاديث صحيحة فيما يتعلق بكون المرأة تلمس الرجل وهو يصلي أنه باقٍ على طهارته ولا يؤثر فيه كون المرأة لمسته، من ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها بحثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي، فوقعت يدها على رجليه وهما منصوبتان وهو ساجد، فلمست رجليه ومع ذلك استمر في صلاته وما حصل بلمسها إياه شيء جديد يغير الوضع الذي هو عليه، فدل على بقاء الطهارة. وجاء في الصحيح عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهي معترضة أمامه، والبيوت ليس فيها مصابيح يومئذٍ، وكانت تمد رجليها، فإذا سجد غمز رجليها فكفتها وسجد في مكان رجليها.
فهذا فيه لمس وليس فيه نقض، وليس فيه شيء يدل على النقض، ثم ليس هناك دليل يدل دلالة واضحة على خلاف هذا. إذاً: لمس المرأة لا ينقض الوضوء إلا إذا حصل بسبب ذلك اللمس انتشار وحصل بسببه مذي؛ فإن الخارج من الإنسان من قبله ومن ذكره هو الذي ينقض الوضوء ويوجب غسل ذلك الذي حصل له ويوجب الوضوء. وأورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة :
(أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ) وهي حكت ما حصل لها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسبق أن ذكرت مراراً أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها من أوعية السنة، وأنها حفظت الكثير من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لاسيما الأمور التي تقع بين الرجل وأهل بيته ولا يعرفها إلا أزواجه ولا يطلع عليها إلا أهل بيته؛ فإنها روت الكثير من ذلك ومن غير ذلك، ولكن الشيء الذي لا يطلع عليه إلا النساء روت في ذلك الكثير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من هذا القليل، فكونه صلى الله عليه وسلم قبلها ولم يتوضأ هو مما يجري في بيت النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين أهله، وقد روت عائشة رضي الله عنها هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث وإن كان في إسناده مقال من حيث ما ذكره أبو داود بأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة وأنه يكون فيه إرسال إلا أنه قد جاءت أحاديث أخرى تشهد له وتؤيده.

تراجم رجال إسناد حديث عائشة: (أن النبي قبلها ولم يتوضأ)

قوله:
[حدثنا محمد بن بشار ].
محمد بن بشار هو الملقب بـ بندار البصري ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.
[حدثنا يحيى ].
هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و عبد الرحمن ].
هو عبد الرحمن بن مهدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي روق ].
هو عطية بن الحارث الهمداني صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[عن إبراهيم التيمي ].
إبراهيم التيمي ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[قال أبو داود : كذا رواه الفريابي وغيره] يعني: كما رواه الذي روى في الإسناد المتقدم بهذه الطريق أو بهذا الإسناد. و الفريابي هو محمد بن يوسف الفريابي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود : وهو مرسل؛ إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً]. المقصود بالمرسل هنا المعنى العام للمرسل؛ لأن المرسل له معنيان: الأول هو قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، هذا هو المشهور باسم المرسل. الثاني: رواية الراوي عمن لم يدركه أو عمن أدركه ولكنه لم يلقه، فهذا يقال له: مرسل، والمرسل هنا من قبيل المرسل بالمعنى العام الذي ليس مختصاً بما يقول فيه التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وإنما المقصود به رواية الراوي عمن لم يدركه أو أدركه، ولكنه معاصر له ولم يلقه وروى عنه.
[قال أبو داود : مات إبراهيم التيمي ولم يبلغ أربعين سنة وكان يكنى أبا أسماء ]. يعني: أن عمره قصير ومع ذلك هو محدث من المحدثين الذين نقلوا السنن ورووا الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا شأن كثير من العلماء، فأحدهم يكون عمره قصيراً، ولكن الله يبارك له في ذلك العمر فيروي الكثير ويتحمل الكثير ويكون له آثار حميدة وآثار عظيمة، ومن الذين لم تطل أعمارهم ولكن نفع الله بهم عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه؛ فإنه عمر بن عبد العزيز مات وعمره أربعون سنة، و النووي على كثرة تأليفه المجلدات الكثيرة الواسعة التي منها كتاب المجموع، ويقول بعض أهل العلم: ليس هناك كتاب في الفقه أوسع من المغني لابن قدامة والمجموع للنووي .
وهما كتابان واسعان عظيمان، و النووي لم يتمه، ومع ذلك فكتابه واسع عظيم، وهذان الكتابان عني مؤلفاهما بنقل الأقوال عن العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، فهما موسوعتان، والنووي مات وعمره خمس وأربعون سنة، وخلف هذه الموسوعة بالإضافة إلى الكتب الكثيرة الأخرى في الحديث وفي الفقه، فأعمارهم بارك الله تعالى فيها، وكذلك الشافعي مات كهلاً وعمره أربع وخمسون سنة، و أبو بكر الحازمي المحدث المشهور مات وعمره خمس وثلاثون سنة وله كتاب الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار، وله كتب أخرى، ولما ذكره الذهبي في كتاب (من يعتمد قوله في الجرح والتعديل) قال:
مات شابا طرياً عمره خمس وثلاثون سنة، يعني: مع سعة علمه مات وعمره قصير، ومن الذين نفع الله تعالى بعلمهم من المعاصرين الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله، الذي له مؤلفات كثيرة وعظيمة في النظم والنثر في العقيدة وغيرها، وقد مات وعمره خمس وثلاثون سنة رحمه الله. الحاصل: أن قول أبي داود : [إنه لم يبلغ أربعين سنة] يعني: أن عمره قصير، ومع ذلك كان من أهل العلم، ومن حملة السنن، ومن رواة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه... )
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن حبيب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) قال عروة : فقلت لها: من هي إلا أنت؟ فضحكت. قال أبو داود : هكذا رواه زائدة و عبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة من طريق أخرى وفيه أن عروة روى عنها أنها قالت:
(إن النبي صلى الله عليه وسلم قبل امرأة من نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ). فقال لها: من هي إلا أنت؟ فضحكت. وهذا الحديث يدل على أن القبلة لا تنقض الوضوء، وهو شاهد للحديث المتقدم الذي من رواية إبراهيم التيمي عن عائشة وهو لم يسمع من عائشة ، والطريق الثانية شاهدة متابعة للطريق الأولى، وهذه الطريق من رواية عروة عن عائشة ، و عروة هذا قيل: إنه عروة المزني وهو مجهول أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ، لكن ذكر في عون المعبود أنه عروة بن الزبير ، قال:
وهذا هو المناسب واللائق، فهو الذي يمكن أن يجترئ على مثل هذا السؤال لعائشة ؛ عروة بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر وعائشة خالته، وكونه يقول مثل هذا الكلام ليس ببعيد، أما أن يقول هذا شخص بعيد منها فهذا لا يتوقع أن يحصل من مثله، وإنما يحصل ممن يكون له بها صلة وعلاقة ومحادثة واتصال، وهو ابن أختها، ثم ذكر أنه جاء في المسند وفي سنن ابن ماجة التنصيص عليه بأنه عروة بن الزبير .
و عروة بن الزبير هو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، لكن المزي وغيره ذكروا هذا في ترجمة عروة المزني ولم يذكروه في ترجمة عروة بن الزبير ، لكن الذي ذكره صاحب عون المعبود من كونه ابن الزبير هو الأقرب، وقد جاء ما يؤيده ويدل عليه في مسند أحمد وفي سنن ابن ماجة ، وإن كان هو عروة المزني المجهول فإن هذه الطريق شاهدة لتلك الطريق، وإن كان عروة بن الزبير فلا إشكال.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي قبل امرأة من نسائه ...)
قوله:
[حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[حدثنا وكيع ].
وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش ].
الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حبيب ].
هو حبيب بن أبي ثابت ، ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة عن عائشة ].
ذكرنا في عروة أنه إما أن يكون عروة المزني أو عروة بن الزبير . وحبيب بن أبي ثابت مدلس، لكن ما تقدم من الروايات يشهد بعضها لبعض.
[قال أبو داود : هكذا رواه زائدة و عبد الحميد الحماني عن سليمان الأعمش ].
زائدة هو ابن قدامة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، و عبد الحميد الحماني هو عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني وهو صدوق يخطئ، أخرجه حديثه أصحاب الكتب الستة إلا النسائي ، والأعمش هو سليمان بن مهران الأعمش وقد تقدم ذكره.

طريق أخرى لحديث: (أن النبي قبل امرأة من نسائه ...)

قال المصنف رحمه الله: [حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني حدثنا عبد الرحمن -يعني: ابن مغراء - حدثنا الأعمش أخبرنا أصحاب لنا عن عروة المزني عن عائشة رضي الله عنها بهذا الحديث. قال أبو داود : قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب وحديثه بهذا الإسناد في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة- قال يحيى : احك عني أنهما شبه لا شيء. قال أبو داود : وروي عن الثوري قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني ، يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء. قال أبو داود : وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً]. أورد أبو داود هذا الحديث وأحاله إلى حديث عائشة المتقدم. قوله: [حدثنا إبراهيم بن مخلد الطالقاني ]. إبراهيم بن مخلد الطالقاني صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده. [حدثنا عبد الرحمن يعني: ابن مغراء ].
عبد الرحمن بن مغراء صدوق، تكلم في حديثه عن الأعمش ، وهذا من حديثه عن الأعمش ، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن الأربعة. [أخبرنا الأعمش قال: أخبرنا أصحاب لنا عن]. هنا الأعمش قال: أخبرنا أصحاب لنا، وهناك يروي الأعمش عن حبيب . وقوله: (أصحاب لنا) ذكر منهم في بعض الطرق المتقدمة جماعة أبهمهم ولم يسمهم، ولكن الطريقة المتقدمة فيها حبيب بن أبي ثابت .
[عن عروة المزني ]. هنا نص على المزني . [عن عائشة ]. عائشة تقدم ذكرها. [قال أبو داود : قال يحيى بن سعيد القطان لرجل: احك عني أن هذين -يعني: حديث الأعمش هذا عن حبيب وحديثه في المستحاضة أنها تتوضأ لكل صلاة -قال يحيى : احك عني أنهما شبه لا شيء].
يعني: أنه ضعف هذين الحديثين، ولكن هذه الأحاديث يشهد بعضها لبعض، أما بالنسبة لحديث: (أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة) فهو ثابت؛ لأن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وإنما الكلام في كونها تغتسل لكل صلاة، هذا هو الذي فيه الإشكال، وأما كونها تتوضأ لكل صلاة فإذا دخل الوقت فإن عليها أن تتوضأ، ومثلها من يكون به سلس البول؛ فإنه يتوضأ عند كل صلاة، فعندما يريد أن يصلي يتوضأ ولا يبقى على الحدث؛ لأن الحدث موجود، فيصلي مع استمرار الحدث؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].
[قال أبو داود : وروي عن الثوري أنه قال: ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني ، يعني: لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء].
الثوري يقول: إن حبيب بن أبي ثابت ما حدثهم إلا عن عروة المزني أي: أنه لم يحدثهم عن عروة بن الزبير بشيء، وإنما حديثه عن عروة المزني ، لكن كما ذكرنا أن الطريقين المتقدمتين فيهما ذكر عروة بن الزبير . [قال أبو داود : وقد روى حمزة الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً صحيحاً].
عقب أبو داود بهذا الكلام على كلام سفيان في قوله: إن حبيباً لم يحدث عن عروة بن الزبير بشيء، فقال: إنه قد روى حمزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة بن الزبير حديثاً صحيحاً. وفي تحفة الأشراف (برقم: 17374) عند ترجمة عروة المزني ذكر عدة أحاديث منها هذه الأحاديث التي مرت، وذكر أيضاً من طريق حمزة بن حبيب الزيات عن حبيب عن عروة بن الزبير عن عائشة حديثاً من الأحاديث.

الوضوء من مس الذكر


شرح حديث: (من مس ذكره فليتوضأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء من مس الذكر. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر أنه سمع عروة يقول: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان : ومن مس الذكر. فقال عروة : ما علمت ذلك. فقال مروان : أخبرتني بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من مس ذكره فليتوضأ) ].
أورد أبو داود رحمه الله باباً في الوضوء من مس الذكر، يعني: هل يتوضأ منه أو لا يتوضأ، وأورد في هذه الترجمة الأحاديث التي فيها أنه يتوضأ إذا مسه يعني: بدون حائل، وأما إذا كان من وراء حائل فلا يؤثر مسه، وأورد في ذلك حديث بسرة بنت صفوان رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ)، وهذا يدل على أن مس الذكر ينتقض به الوضوء وأن على من مس ذكره أن يتوضأ، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة؛ لأنه قال:
(من مس ذكره فليتوضأ)، وهو مطلق، فدل ذلك على أن مس الذكر ناقض للوضوء، وسيأتي من حديث طلق بن علي الحنفي رضي الله تعالى عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (وهل هو إلا بضعة منك؟!) يعني: أنه لا ينقض الوضوء، لكن ذكر العلماء في التوفيق بين هذين الحديثين بأن حديث بسرة متأخر وحديث طلق متقدم، وأيضاً الذين صححوا حديث بسرة من أهل العلم أكثر من الذين صححوا حديث طلق ، لكن منهم من قال:
إن حديث بسرة ناسخ لحديث طلق ؛ لأن حديث طلق كان في أول الهجرة؛ حيث قال فيه: قدمت وهم يؤسسون المسجد، يعني: مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم. قوله: [عن عروة قال: دخلت على مروان بن الحكم فذكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان : ومن مس الذكر]. مروان بن الحكم كان أمير المدينة في ذلك الوقت، وقوله: (فذكرنا) أي: تذاكرنا وبحثنا في نواقض الوضوء والأشياء التي ينتقض بها، فقال مروان :
(ومن مس الذكر)، يعني: يحصل الوضوء من مس الذكر، فقال عروة : (ما علمت في هذا شيئاً)، يعني: ما أعلم دليلاً، وليس عندي علم في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: حدثتني بسرة بنت صفوان رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مس ذكره فليتوضأ) يعني: أن مروان بن الحكم ذكر الدليل الذي سمعه من بسرة بنت صفوان والذي فيه الوضوء من مس الذكر.

تراجم رجال إسناد حديث (من مس ذكره فليتوضأ)

قوله:
[حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
[عن عبد الله بن أبي بكر ].
هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أنه سمع عروة يقول].
هو عروة بن الزبير بن العوام .
[دخلت على مروان بن الحكم ].
مروان بن الحكم أحد خلفاء بني أمية، قال عنه بعض المحدثين: لا يتهم في الحديث، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[أخبرتني بسرة بنت صفوان ].
بسرة بنت صفوان رضي الله عنها صحابية، أخرج حديثها أصحاب السنن الأربعة.

الرخصة في ترك الوضوء من مس الذكر


شرح حديث: (... هل هو إلا مضغة منه...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب: الرخصة في ذلك. حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال: (قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي فقال: يا نبي الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال: هل هو إلا مضغة منه، أو قال: بضعة منه) ].
أورد أبو داود رحمه الله باب الرخصة في ذلك، يعني: في عدم الوضوء، فالحديث الأول يدل على الوضوء من مس الذكر وهذا يدل على الترخيص في عدم الوضوء، لكن أهل العلم -كما ذكرت- جمعوا بينهما بأن قدموا حديث بسرة على حديث طلق بن علي ؛ لتقدم حديث طلق بن علي وأنه كان جاء في وقت مبكر في أول الهجرة عند تأسيس مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وحديث بسرة متأخر عنه فيكون مقدماً عليه، كما أن الذين صححوه أكثر، وأيضاً فيه الاحتياط في الدين؛ إذ إن الإنسان إذا مس ذكره وتوضأ خرج من العهدة ولم يبق في نفسه شيء بخلاف ما لو لم يفعل ذلك فإنه خلاف الاحتياط.
قوله: [ (قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل كأنه بدوي -يعني: من البادية- فقال: يا نبي الله! ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ قال: وهل هو إلا بضعة منك؟)، يعني: أنه كسائر جسده، فإذا لمست أي مكان من جسدك لا ينتقض وضوءك، فلو لمست وجهك أو رجلك أو ركبتك أو عضدك فما هل هو إلا بضعة منك، يعني: أنه جزء من أجزائك، فأي جزء من أجزائك تلمسه لا ينتقض وضوءك به، هذا هو معنى الحديث.

تراجم رجال إسناد حديث: (... هل هو إلا مضغة منه...)
[حدثنا مسدد ].
مسدد هو ابن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي ].
هو ملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر الحنفي ، صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[حدثنا عبد الله بن بدر ].
عبد الله بن بدر هو جد ملازم ، وهو ثقة أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[عن قيس بن طلق ].
قيس بن طلق صدوق، أخرج له أصحاب السنن الأربعة.
[عن أبيه].
أبوه هو طلق بن علي رضي الله عنه أخرج له أصحاب السنن الأربعة. ورجال هذا الإسناد حنفيون يماميون إلا مسدداً شيخ أبي داود فإنه بصري، والباقون كلهم من بني حنيفة ومن اليمامة، وهم أربعة: ملازم بن عمرو و عبد الله بن بدر و قيس بن طلق و طلق بن علي . وأربعتهم أيضاً خرج لهم أصحاب السنن الأربعة ولم يخرج لهم البخاري ولا مسلم . ومن الأشياء التي ذكروها في ترجيح حديث بسرة أن حديث طلق إنما خرج لرجاله أصحاب السنن، وأما حديث بسرة فرجاله خرج لهم الشيخان وهم: عبد الله بن مسلمة القعنبي و مالك و عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم و عروة و مروان بن الحكم . وكلهم أخرج لهم الشيخان إلا مروان فليس له في مسلم شيء، وإنما له في البخاري .
[قال أبو داود : رواه هشام بن حسان و سفيان الثوري و شعبة و ابن عيينة و جرير الرازي عن محمد بن جابر عن قيس بن طلق ].
قوله:
[رواه هشام بن حسان ].
هشام بن حسان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و سفيان الثوري ].
سفيان الثوري مر ذكره.
[و شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و ابن عيينة ].
ابن عيينة ثقة مر ذكره.
[و جرير الرازي ].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي نزيل الري؛ لأنه كان في الكوفة وانتقل إلى الري وصار قاضياً فيها فيقال له: الكوفي باعتبار أنها وطنه، ويقال له: الرازي؛ لأنه انتقل إليها وصار قاضياً فيها، وهو جرير الرازي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد بن جابر ].
محمد بن جابر صدوق، ذهبت كتبه فساء حفظه، وصار يشبه بابن لهيعة . أخرج له أبو داود و ابن ماجة .
[عن قيس بن طلق ].
قيس بن طلق قد مر ذكره. قال المصنف رحمه الله تعالى:
[حدثنا مسدد قال: حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه بإسناده ومعناه وقال: في الصلاة].
أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى وقال: بإسناده ومعناه، وقال: في الصلاة. يعني: إذا مسه وهو في الصلاة. قوله:
[حدثنا مسدد ].
مسدد تقدم ذكره.
[حدثنا محمد بن جابر عن قيس بن طلق عن أبيه].

الأسئلة


الحكم على حديث: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)
السؤال: ما حال حديث: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) بعد الفراغ من الوضوء؟

الجواب: ذكرنا سابقاً في باب ما يقال بعد الوضوء أن مما يقال بعد الوضوء: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)، وهذه الرواية هي التي جاءت عند مسلم ، وقلت: إن رواية: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) جاءت عند الترمذي وفيها كلام؛ لأنها من رواية أبي إدريس الخولاني عن عمر وهو لم يسمع منه، لكن ذكر الشيخ الألباني في إرواء الغليل أن حديث عند الترمذي له شواهد عند الطبراني وغيره من المحدثين عن ثوبان وعن غيره، فيكون شاهداً لهذه الطريق التي فيها كلام عند الترمذي ، وقال أيضاً: إن مما ثبت أنه يقال بعد الوضوء أن يقول مع هذا: (سبحانك اللهم وبحمدك، لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك).

حكم تكرار العمرة في السفرة الواحدة
السؤال: رجل يريد أن يذهب إلى مكة ويؤدي عمرة عن نفسه ثم يريد أن يعتمر عن أبويه الميتين فماذا يفعل؟


الجواب: الإنسان عندما يذهب إلى مكة يعتمر لنفسه أولاً، وإذا يسر الله له أنه يقدم مرة أخرى من بلده أو يذهب إلى المدينة ويرجع إلى مكة مرة أخرى فإنه يعتمر لنفسه أو لغيره؛ لأن العمرة المشروعة المستحبة التي كان عليه الصلاة والسلام يفعلها هي أنه يعتمر داخلاً إلى مكة، أما كون الإنسان يتردد بين التنعيم وبين الكعبة فيؤدي عدة عمر في اليوم فهذا ما ورد فيه شيء، وإنما ورد في حق عائشة لظرف خاص لها، وكذلك أهل مكة لهم أن يعتمروا من التنعيم أو من غيره، لكن الآفاقيين إنما يعتمرون وهم داخلون إلى مكة.

حكم مس الحائض للمصحف
السؤال: ما حكم مس الحائض للمصحف بحائل وبدون حائل؟

الجواب: الحائض والمحدث إذا مسوه بحائل لا بأس بذلك.

بيان إلى من ينسب ولد الزنا
السؤال: امرأة لم تتزوج وحملت بسبب الزنا، ثم نكحت الزاني وهي حبلى، فهل نكاحهما صحيح؟ وإلى من ينسب ولدها؟

الجواب: إذا كان الولد من الزنا فهو ليس ابناً شرعياً، وإنما هو ابن زنا؛ لأن الحمل كان قبل الزواج، وعلى هذا فهو ابن زنا وليس ابناً شرعياً. والمرأة إذا حملت من زنا ثم تزوجها الزاني فلا يعتبر ولداً له وإنما يعتبر ولد زنا؛ لأنه لم يكن في نكاح شرعي، وإنما كان في سفاح، فهو ولد من سفاح وليس من نكاح شرعي، فلا يعتبر ولداً له ما دام أنه كان موجوداً قبل الزواج. وأما النكاح الذي حصل بعد الزنا فالزاني ينكح زانية.

الفرق بين النجش والنصيحة
السؤال: رجل كان في المكتبة يريد أن يشتري كتاباً، وتعاقد هو والبائع ووافق على شراء الكتاب، ثم جاءه شخص آخر وأخبره أن هناك كتاباً أرخص منه فتحير، فهل وجب عليه الشراء، أم أن هذا من النجش المحرم؟


الجواب: هذا ليس من البيع على بيع أخيه ولا من الشراء على شراء أخيه؛ لأن النجش هو أن يزيد في سلعة لا يريد شراءها، هذا هو النجش، لكن أن يأتي آخر ويخبره بوجود سلعة أرخص وهو لا يزال في خيار المجلس لا بأس بذلك، فكونه أخبره بأنه يوجد في المكان الفلاني أو في المكتبة الفلانية كتاب بسعر أرخص من هذا لا يعتبر نجشاً ولا يعتبر بيعاً على بيع أخيه وإنما هي نصيحة.

حكم الصلاة في مسجد خاص بأناس معينين
السؤال: هل تجوز الصلاة في مسجد مؤسسة، والمسجد داخل الحائط ومحروس، وإذا كان الإنسان عابر سبيل ولحق به وقت الجمعة، ولم تكن له بطاقة مهنية يرجعوه عن صلاة الجمعة فلم يؤدها، فهل الجمعة تجوز في هذا المسجد؟

الجواب: الجمعة تجوز ما دام أنه مكان خاص بأناس معينين، فإذا كانوا لا يريدون أن أحداً يدخل معهم فيصح التجميع، لكن الإنسان الذي يعرف أن المكان هذا لا يدخله كل واحد وإنما يدخله من هو مرخص له فعليه أن يذهب إلى مكان آخر ولا يذهب إلى المكان الذي فيه منع. وهذا مثل السجن، فالسجن فيه مسجد والناس يصلون فيه، والذي في الخارج لا يستطيع أن يدخل السجن ليصلي؛ لأنه لا يسمح لأناس يدخلون في هذه الدائرة وفي هذه المنطقة، وإنما هو مسجد خاص بجهة معينة، فالصلاة فيه تصح، وأنت إذا أردت الصلاة فعليك أن تبحث لك عن مكان آخر. ولا تصح الجمعة في الصحراء إذا لم يكن فيها استيطان ولا مساكن.

نقض الوضوء بمصافحة المرأة الأجنبية
السؤال: هل مصافحة المرأة الأجنبية ينقض الوضوء؟


الجواب: لمس المرأة لا ينقض الوضوء سواء كانت أجنبية أو غير أجنبية، لكن المصافحة ولمس المرأة الأجنبية لا يجوز وهو حرام وفيه إثم، لكنه لا ينقض الوضوء إلا إذا حصل بسبب ذلك مذي، فالنقض بسبب الخارج لا بسبب اللمس سواء كانت أجنبية أو غير أجنبية. ولا أيضاً لمسها من وراء حائل؛ لأن اللمس من وراء حائل يمكن أن يحصل به ما يحصل بدون حائل. والله تعالى أعلم."





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #62  
قديم 12-11-2021, 09:44 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [031]
الحلقة (62)


شرح سنن أبي داود [031]

جاء في بعض الأحاديث الوضوء مما مست النار، ومن أكل لحوم الإبل، وجاء في أحاديث أخرى ترك الوضوء من ذلك، وقد اختلف العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث.

ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل


شرح حديث الوضوء من لحوم الإبل
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من لحوم الإبل. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله الرازي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل، فقال: توضئوا منها. وسئل عن لحوم الغنم فقال: لا توضئوا منها. وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل؛ فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها مأوى الشياطين.
وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها؛ فإنها بركة) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باباً في الوضوء من لحوم الإبل، أي: من أكلها، وأن الإنسان إذا أكلها فإن عليه أن يتوضأ، وذلك للحديث الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الوضوء من لحم الإبل، فقال: توضئوا من لحوم الإبل، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم فقال: لا توضئوا منها، وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل فقال:
لا تصلوا فيها، وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم فقال: صلوا فيها). والحديث دليل على الوضوء من لحم الإبل، وأن من أكل من لحوم الإبل فإن عليه أن يتوضأ، وعليه أن يعيد الوضوء إذا كان قد توضأ وأكل بعد الوضوء؛ لأن أكل لحوم الإبل ناقض من نواقض الوضوء، كما ثبت في ذلك الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو المشهور عن كثير من المحدثين، وذهب أكثر الفقهاء إلى عدم الوضوء من لحم الإبل، واستدلوا على ذلك بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، قالوا: ولحم الإبل مما مسته النار، فكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، لكن الذين قالوا بلزوم الوضوء من لحم الإبل، قالوا: إن ذاك عام، وهذا خاص، فإنه كان في أول الأمر أن الوضوء يكون مما مست النار مطلقاً، وكل شيء مسته النار أو غيرته النار فإنه يتوضأ منه، وبعد ذلك جاء ما ينسخ ذلك، وهو ترك الوضوء مما مست النار؛ لقول جابر :
(كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، وحديث الوضوء من لحم الإبل خاص، فلا يدخل تحت ذلك العموم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم: سئل عن هذا فقال: (توضئوا ، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم فقال: لا توضئوا)، وفي بعض الروايات قال: (إن شئتم). فدل هذا على أن الوضوء من أكل لحم الإبل أمر مطلوب وأمر متعين، وقد قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: وهذا المذهب هو الأقوى دليلاً، وإن كان الجمهور على خلافه. قوله: [ (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل فقال: توضئوا منها، وسئل عن لحوم الغنم؟ فقال: لا توضئوا)].
وقد جاء في بعض الروايات: (إن شئتم) وهذا يدلنا على الفرق بين لحوم الإبل وغيرها، فلحوم الإبل هي التي جاء فيها دليل على الوضوء، وأما الغنم فقد جاء الدليل على أنه لا يتوضأ منها، وغيرها سكت عنه، فلا يصار إلى الوضوء منه إلا بدليل، والدليل إنما دل على الوضوء من لحم الإبل فقط، أما غيرها فإنه لم يأت دليل يدل عليه، والأصل هو ما جاء عن جابر قال: (كان آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار) يعني: من غير لحوم الإبل، وعلى هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن لحوم الإبل قال: (توضئوا منها، ولما سئل عن لحم الغنم قال: لا تتوضئوا منها). وهذا التفريق من رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لحوم الإبل ولحوم الغنم يرشد إلى مسألة أخرى وهي فيما يتعلق بالإحسان إلى الأموات في الصدقة عنهم، والحج عنهم، والدعاء لهم، وكذلك قراءة القرآن وإهدائها لهم، فإن بعض أهل العلم الذين قالوا بالجواز مطلقاً قاسوا الذي لم ينص عليه على المنصوص عليه، وقالوا:
إن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصدقة؟ فقال: (تصدق أو تصدقوا) يعني: أن الإنسان يتصدق عن قريبه الميت، وسئل عن الحج فقال للمرأة التي سألته عن الحج: (حجي) ، وسئل أسئلة فأجاب بالإذن، فالذين يقولون بجواز إهداء ثواب قراءة القرآن إلى الأموات، يقولون: الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن أمور فأذن فيها، فيقاس عليها قراءة القرآن وإهدائها للأموات؛ لأنه لو سئل عنها لأجاب؛ لأن هذه أمور سئل عنها فأجاب، وتلك لم يسأل عنها ولو سئل لأجاب، وهذا الذي جاء من التفريق بين لحوم الإبل ولحوم الغنم يدلنا على عدم صحة هذا القول، وأنه قد يسأل عن الشيء فيجاب عنه بجواب، ويسأل عن غيره فيجاب عنه بجواب آخر، فلو أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسئل عن الوضوء من لحم الغنم وإنما سئل عن الوضوء من لحم الإبل فقط، فقال: (توضئوا) فهل يقال: إنه لو سئل عن الوضوء من لحم الغنم لقال: توضئوا؟! الجواب: لا يقال هذا؛ لأنه لما سئل أجاب بجواب آخر، فدل هذا على أن ما نص عليه الشارع لا يلحق به ما يشابهه إذا كان يختلف عنه، لاسيما في هذه الأمور التي تتعلق بإضافة شيء للأموات أو إهداء شيء لهم، فإن هذه يقتصر فيها على ما ورد عليه الدليل.
والقول بأن هذا مثله ويلحق به ولو سئل لأجاب؛ يدلنا هذا التفريق بين لحوم الغنم ولحوم الإبل على أن الجواب قد يختلف وليس بلازم أن يتحد، والقول بأنه لو سئل عن الإهداء لأجاب غير صحيح؛ لأن سؤاله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الإبل، وإجابته بالوضوء، وسؤاله عن لحم الغنم وإجابته بعدم الوضوء، يدلنا على التفريق بين الأشياء، وأن المعول في الفرق هو ما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنفع الأموات بسعي الأحياء ما ورد فيه دليل يصار إليه، وما ورد من دليل فيه خلاف بين أهل العلم، والأقرب أنه لا يصار إليه، ولا يصار إلا إلى ما ورد عليه الدليل من نفع الأموات بسعي الأحياء كالصدقة والصيام كقوله عليه الصلاة والسلام: (من مات وعليه صيام صام عنه وليّه)، وكذلك الحج، والعمرة:
(حج عن أبيك واعتمر) وهكذا الدعاء. أما الأمور التي لم ترد فلا تلحق بحجة أن هذه أمور سئل عنها، ولم يسأل عن هذه، ولو سئل لأجاب، فقد يسئل ولا يجيب، وقد يجيب بجواب آخر، كما أنه سئل عن الوضوء من لحم الإبل فأجاب بجواب، وسئل عن الوضوء من لحم الغنم فأجاب بجواب آخر غير الجواب الأول. قوله: [ (وسئل عن الصلاة في مبارك الإبل، فقال: لا تصلوا في مبارك الإبل؛ فإنها من الشياطين) ]. المقصود بقوله:
(فإنها من الشياطين) يعني: أن الإبل فيها شدة، وفيها غلظة، وفيها نفار، وإذا حصل منها نفور فإنها تؤذي أو تتلف من يكون حولها، ومن يكون معها في معاطنها ومباركها، والمعاطن هي: المبارك التي تختص بها، والتي إذا شربت الماء بركت فيها، يعني: ما حول المكان الذي تشرب منه يقال له: معاطن الإبل، فلو حصل لها شيء ينفرها فإنها تتلف من حولها، وتؤذي من حولها إذا لم تتلفه.
ولهذا جاء التفريق بين أصحاب الإبل وأصحاب الغنم؛ لأن أصحاب الإبل عندهم الغلظة، وعندهم التكبر، كما جاء في بعض الأحاديث، وأصحاب الغنم عندهم السكينة والهدوء، والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام كانوا يرعون الغنم، وهي ذات سكينة وهدوء، ورعاية الإبل أو الاشتغال بالإبل فيه غلظة وفيه قوة؛ لأن فيها قوة، وفيها قسوة، فصاحبها يكون فيه شبه بها من حيث القسوة، ولهذا فإن أهل الإبل هم أهل الكبر وأهل الخيلاء، بخلاف أهل الغنم فإنهم أهل سكينة وأهل وقار، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذاً: قوله فيها: (فإنها من الشياطين)، أي: أنها فيها من صفات الشياطين، وهي الغلظة والشدة والنفرة، وأنها تؤذي من حولها، ومنهم من يقول:
إنها من الشياطين معناه: أن الذي فيه عتو وفيه قوة وفيه غلظة يقال له: شيطان، فما كان من الإبل ومن الإنس والجن والدواب وما حصل منه عتو وإيذاء وما إلى ذلك فإنه يوصف بهذا الوصف ويقال له: شيطان، فقوله: (إنها من الشياطين) يعني: أن عندها الغلظة والشدة والقسوة، وأن كل من عتا من الإنس والجن والدواب يوصف بهذا الوصف. أو أنها ذات نفار، وذات غلظة وجفوة، وأنها إذا حصل منها نفور فإنها تتلف من يكون حولها، وليس ذلك لنجاسة أرواثها وأبوالها فإن أرواثها وأبوالها طاهرة، وكل مأكول اللحم فإن روثه وبوله طاهر، والدليل على ذلك إذن الرسول صلى الله عليه وسلم للعرانيين بأن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها، فلو كانت أبوالها نجسة ما أذن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالشرب من الأبوال للاستشفاء؛ لأنه لا يتداوى بحرام، كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على بعير، وأدخله المسجد، ولا يؤمن من حصول الروث منه وحصول البول منه، فهذا يدل على طهارة بوله وروثه؛ لأنه لا يعرض المسجد لأن يحصل فيه ما ينجسه بأن يدخل فيه شيئاً أبواله نجسه وأرواثه نسجه، بل الأبوال طاهرة والأرواث طاهرة. وأما ما جاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم طلب من أحد أصحابه أن يأتي بثلاثة أحجار فجاء بحجرين وروثة فردها وقال: (إنها رجس)، فهذا المقصود منه أنها تكون من روث ما لا يؤكل لحمه كالحمار، ويقال:
إن الروث يكون للحمير والبغال والخيل، ولكن الخيل كما هو معلوم أيضاً مأكول لحمها، فكل مأكول اللحم يكون طاهراً، فيحمل ذلك على أنها روثة حمار، وقد سبق أن ذكرنا أن الروث وإن كان من مأكول اللحم فإنه لا يستنجى به؛ لأن الاستنجاء به تقذير له، وقد جاء أنه طعام لدواب الجن، كما أن العظام لا يستنجى بها؛ لأنها تكون طعاماً للجن. وعلى هذا فإن الحكم بعدم الصلاة بمعاطن الإبل ومباركها لا لنجاسة أبوالها وأرواثها فهي طاهرة، وإنم

تراجم رجال إسناد حديث الوضوء من لحوم الإبل

قوله:
[حدثنا عثمان بن أبي شيبة ]
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[حدثنا أبو معاوية ].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الله بن عبد الله الرازي ].
عبد الله بن عبد الله الرازي صدوق، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي في مسند علي و ابن ماجة .
[ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ].
هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن البراء بن عازب ].
البراء بن عازب رضي الله عنه صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. (لحوم الإبل) بعض أهل العلم يقول: إن كل ما يطلق عليه لحم فإنه يجب الوضوء منه، وبعضهم يستثني من ذلك بعض الأشياء كالكرش والأمعاء ويقول: إن هذه لا يقال لها: لحم، ولكن كما هو معلوم فإنه من باب الأخذ بالحيطة إنما هو في الوضوء من جميع أجزاء الإبل. وأما المرق فإنه لا يقال له: لحم.

الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله


شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من مس اللحم النيئ وغسله. حدثنا محمد بن العلاء و أيوب بن محمد الرقي و عمرو بن عثمان الحمصي المعنى قالوا: حدثنا مروان بن معاوية أخبرنا هلال بن ميمون الجهني عن عطاء بن يزيد الليثي قال هلال : لا أعلمه إلا عن أبي سعيد رضي الله عنه وقال أيوب و عمرو : وأراه عن أبي سعيد : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تنحَّ حتى أريك، فأدخل يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ). قال أبو داود : زاد عمرو في حديثه: (يعني لم يمس ماءً)، وقال: عن هلال بن ميمون الرملي ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي (الوضوء من مس اللحم النيء وغسله) يعني: قد يكون فيه دم، فهل يتوضأ من هذا الفعل أو يغسل؟ أورد أبو داود رحمه الله في هذا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام يسلخ شاة، فقال: تنح حتى أريك) يعني: أريك كيفية السلخ، ولعله رآه يفصل الجلد من اللحم بالسكين، فأراه النبي صلى الله عليه وسلم الطريقة السهلة التي ليس فيها عناء ولا مشقة، (فتنحى الغلام، فأدخل النبي صلى الله عليه وسلم يده بين اللحم والجلد فدحس بها) يعني: حركها ودفع يديه حتى غاصت إلى الإبط، أي: بدون سكين فما دام أنه يدخل يده ويحركها بين الجلد واللحم فإنه ينفصل الجلد من اللحم، ولا يلحق بالجلد شيء، بل يكون الجلد مستقلاً بنفسه وليس عليه لحم، ويكون اللحم مستقلاً لم يذهب منه شيء، بخلاف الدحس بالسكين فإنه قد يقطع قطعة من الجلد فتكون مع اللحم، وقد يقطع قطعة من اللحم فتكون مع الجلد، وأما هذه الطريقة التي أرشده إليها الرسول صلى الله عليه وسلم -والتي يعرفها كثير من الناس- فهي أنه يدخل يده ويحركها حتى ينفصل الجلد من اللحم. قوله: [ (فدحس بها حتى توارت إلى الإبط)].
يعني: أن يده دخلت حتى ذهبت إلى مكان بعيد، بسبب هذا الدفع الذي حصل ليده وانفصل بسببها الجلد من اللحم. قوله: [ (ثم مضى فصلى للناس ولم يتوضأ)]. يعني: لكونه لمس هذا اللحم، وهذا اللحم إن كان فيه دم، فإن كان نجساً فهو لا يحتاج إلى وضوء، وإنما يحتاج إلى غسل؛ لأن النجاسة لا تحتاج إلى وضوء، فإذا جاءت على جسد الإنسان وهو متوضئ فيزيله وهو باقٍ على وضوئه، وإن كان غير نجس فليس في ذلك إشكال.
وذكر في بعض الروايات قال: (يعني: لم يمس ماءً) ولعل ذلك لكونه لم يكن عليها شيء من الدم؛ لأن الغالب أن ما بين الجلد واللحم لا يكون فيه دم، وإنما ينفصل الجلد من اللحم، واليد لا يكون فيها شيء من الدم؛ لأن اللحم لم يقطع حتى يخرج منه شيء من الدم. فمس اللحم النيء لا يتوضأ منه، وكذلك لا تغسل اليد منه، ما دام أنه لم يعلق بها شيء، فإن علق بها شيء فيغسل غسلاً بدون وضوء.
وقوله: [ باب: الوضوء من مس اللحم النيء وغسله ] لا أدري، هل يقصد بقوله: (وغسله) أن الإنسان إذا لمسه يتوضأ ويغسل، أو أن المقصود به إذا غسله بماء وحركه بيده فإنه يتوضأ؛ لأنه قد يكون خالطه شيء من الدم، فإذا كان يرجع الضمير إلى اللحم النيء فمعناه: أنه لا يتوضأ منه، لأنه إن كان نجساً فيغسل النجاسة، وإن كان غير نجس فليس هناك أمر يقتضي الوضوء، وكأن الضمير يرجع إلى اللحم، وليس إلى الإنسان.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بغلام وهو يسلخ شاة...)
قوله:
[حدثنا محمد بن العلاء ].
هو محمد بن العلاء بن كريب أبو كريب ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ و أيوب بن محمد الرقي ].
أيوب بن محمد الرقي ثقة، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[وعمرو بن عثمان الحمصي ].
عمرو بن عثمان الحمصي صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ المعنى ].
يعني: أن هؤلاء الثلاثة متفقون في المعنى، حتى وإن كان بينهم اختلاف في اللفظ، وهذه طريقة أبي داود رحمه الله عندما يذكر عدداً من شيوخه ويكون اللفظ ليس متفقاً، فإنه يقول: المعنى، فهذه الكلمة (المعنى) المقصود بها: أنهم متفقون في المعنى وبينهم اختلاف في الألفاظ.
[قالوا: حدثنا مروان بن معاوية ].
هو مروان بن معاوية الفزاري، وهو ثقة، يدلس أسماء الشيوخ، وهذا نوع من التدليس؛ لأن التدليس ينقسم إلى تدليس الشيوخ، وتدليس الإسناد، وتدليس التسوية. وتدليس الإسناد هو: أن يروي عن شيخه مالم يسمعه منه بلفظ موهم للسماع كـ(عن) أو (قال).
وتدليس التسوية هو: أن يأتي إلى الإسناد الذي يروي فيه شيوخه عن رجال ضعفاء بين ثقات، فيحذف الضعفاء ويسوي الإسناد كأنه ثقات. وتدليس الشيوخ هو: أن يذكر الشخص بغير ما اشتهر به، بأن يذكره بكنيته مع اسم أبيه، أو يذكره باسمه ويحذف اسم أبيه وينسبه إلى جد بعيد من أجداده، فإن هذا فيه توعير للطريق أمام معرفة الشخص، والمضرة منه أنه قد يصير المعروف مجهولاً؛ لأنه يظن أنه شخص غير معروف؛ لأنه ذُكر بغير ما اشتهر به، مع أنه لو ذكر بما اشتهر به لعرف، لكن كونه يذكر بغير ما اشتهر به؛ بأن تكون كنيته غير مشهورة فتذكر كنيته، واسمه مشهور فيحذف، وأبوه غير مشهور فيذكر منسوباً إلى أبيه، فيقال: أبو فلان بن فلان، أو يكون اسمه مشهوراً وكنيته غير مشهورة واسم أبيه أيضاً غير مشهور، فيذكر كنيته أو يذكر اسمه وينسبه إلى جد من أجداده لا يعرف به، كل هذا يسمونه تدليس أسماء الشيوخ. والمضرة التي تنتج من ورائه هو توعير الطريق أمام معرفة الشخص، وقد يظن المعروف مجهولاً؛ لأنه ذكر بغير ما اشتهر به، فمروان بن معاوية قالوا فيه: يدلس أسماء الشيوخ، يعني: أنه معروف بتدليس أسماء الشيوخ.
قالوا: وكان الخطيب البغدادي أيضاً يفعل هذا الفعل في كتبه، يعني: يذكر شيخه بألفاظ متعددة، وبصيغ مختلفة.
[أخبرنا هلال بن ميمون الجهني ].
هو هلال بن ميمون الجهني الرملي، وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و ابن ماجة .
[ عن عطاء بن يزيد الليثي ].
عطاء بن يزيد الليثي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[قال هلال : لا أعلمه إلا عن أبي سعيد ].
يعني: أنه يروي عن عطاء لا يعلمه إلا عن أبي سعيد ، يعني: أن الشك هو في أبي سعيد ، هل هو عن أبي سعيد أو لا؟ فهلال يروي عن عطاء بن يزيد الليثي قال: لا أعلمه إلا حدثه عن أبي سعيد الخدري .
[وقال عمرو و أيوب : وأراه عن أبي سعيد ].
يعني: أظنه عن أبي سعيد ، يعني: أن كلهم غير جازمين بأنه أبو سعيد ، لكن جاء في صحيح ابن حبان الجزم بأنه أبو سعيد ، كما ذكره في عون المعبود، ثم إذا كانت الرواية عن صحابي فجهالة الصحابي لا تؤثر؛ لأن الصحابة كلهم عدول. و أبو سعيد هو سعد بن مالك بن سنان ، مشهور بكنيته ونسبته أبي سعيد الخدري ، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ قال أبو داود : زاد عمرو في حديثه: (لم يمس ماءً) وقال: عن هلال بن ميمون الرملي ]. قوله: (لم يمس ماءً) تفسير لقوله: (لم يتوضأ). وقوله: [ وقال: عن هلال بن ميمون الرملي ]. يعني: أن شيخه عمرو بن عثمان الحمصي قال: عن هلال بن ميمون الرملي ، فخالف صاحبيه: أيوب و محمد بن العلاء ؛ فإنهما قالا: أخبرنا هلال بن ميمون الجهني ، فأيوب و محمد بن العلاء لفظهما:
(أخبرنا) وأما عمرو بن عثمان فعبر بـ(عن)، في الرواية عن هلال بن ميمون ولم يعبر بالإخبار. والأمر الثاني: أنه أتى بالرملي وأولئك أتوا بالجهني ، يعني: هذا نسبة إلى بلد، وذاك نسبة إلى قبيلة، فالشيخان الأولان اتفقا في الإتيان وفي لفظ الإخبار، فقد أتيا بلفظ الجهني ، نسبة إلى قبيلته، وأما عمرو بن عثمان فأتى بالرواية عنه بـ(عن)، وأتى بنسبته إلى بلده فقال: الرملي ، هذا هو المقصود من قول أبي داود : (وقال: عن هلال بن ميمون الرملي )، يعني: أنه خالف صاحبيه باثنتين: التعبير بـ(عن) بدل (أخبرنا)، وأتى بالرملي بدل الجهني .
[ قال أبو داود : ورواه عبد الواحد بن زياد و أبو معاوية عن هلال عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، لم يذكر أبا سعيد ]. ذكر أبو داود رحمه الله أن بعض الرواة رووه عن عطاء بن يزيد مرسلاً، ولم يذكروا أبا سعيد ، وهذا على تعريف المرسل المشهور، وهو: أن المرسل قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا..، فقد مر بنا أنه يعبر بالمرسل أحياناً بما هو مشهور عند المحدثين وهو هذا، وبالانقطاع يعني:
كون الراوي يروي عمن لم يلقه ولم يدركه، أو أدرك عصره ولكنه لم يلقه، وهذا هو الذي يسمى المرسل الخفي، وهذا المعنى العام للمرسل؛ لأن المعنى العام للمرسل أنه ليس مقصوراً على قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وهذا الذي في هذا الإسناد هو من قبيل المرسل على المعنى المشهور، وقد سبق رواية إبراهيم التيمي عن عائشة ، وقال أبو داود :
(وهو مرسل؛ لأن إبراهيم التيمي لم يسمع من عائشة شيئاً)، يعني: أنه مرسل على الانقطاع، فرواية الراوي عمن لم يسمع منه أو لم يدركه من المرسل بالمعنى العام، وقول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، من المرسل على المعنى المشهور عند المحدثين.
قوله:
[رواه عبد الواحد بن زياد ].
عبد الواحد بن زياد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ و أبو معاوية ].
أبو معاوية مر ذكره.
[ عن هلال عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
هلال وعطاء مر ذكرهما.

ترك الوضوء من مس الميتة


شرح حديث ترك الوضوء من مس الميتة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب ترك الوضوء من مس الميتة. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا سليمان -يعني: ابن بلال - عن جعفر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه، فمر بجدي أسكّ ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: أيكم يحب أن هذا له؟) وساق الحديث]. أورد أبو داود رحمه الله: باباً في ترك الوضوء من مس الميتة، يعني: أن الميتة إذا لمسها الإنسان وهو على وضوء فهو باقٍ على وضوئه. وقد أورد أبو داود حديث جابر بن عبد الله :
(أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلاً من بعض العالية والناس كنفتيه) يعني: أنهم حوله محيطون به وعلى جانبيه صلى الله عليه وسلم، (فمر بجدي أسك) الأسك قيل: ملتصق الأذنين، وقيل: صغير الأذنين، وهو ميت، فلمسه وأمسك بأذنيه وقال: (أيكم يكون هذا له؟ فقالوا: إنه ليس بمرغوب فيه لو كان حياً فكيف وهو ميت؟)، ثم قال: وساق الحديث؛ لأنه أتى بمحل الشاهد، وترك باقيه؛ لأنه يتعلق بأمور أخرى، فذكره اختصاراً، وفي باقيه قال: (للدّنيا أهون على الله من هذا عليكم)، أي:
إذا كان هذا هين عليكم، وهو رخيص عندكم فالدنيا كلها أهون على الله من هذا عليكم، وهذا من كمال بيانه صلى الله عليه وسلم وفصاحته وبلاغته وكمال نصحه لأمته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أراد أن يبين حقارة الدنيا، وأنه ليس لها شأن عند الله عز وجل، وإنما المهم هو الآخرة، وأما الدنيا فهي أهون عند الله من هذا الجدي الأسك الذي هو ميت عليهم، ومع ذلك فأذنه صغيرة أو ملتصق الأذنين، والواحد يزهد فيه ولا يحب أن يكون له لو كان حياً، وإنما يحب أن يكون له من نفائس الغنم، وأحسنها منظراً وأكملها. والمقصود: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لمس أذنه، ومضى ولم يتوضأ، فدل هذا على أن لمس الميتة لا ينتقض به الوضوء.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #63  
قديم 12-11-2021, 09:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

تراجم رجال إسناد حديث ترك الوضوء من مس الميتة
قوله:
[ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
هو عبد الله بن مسلمة القعنبي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[حدثنا سليمان -يعني: ابن بلال- ].
سليمان بن بلال ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن جعفر عن أبيه].
هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وهو إمام من أئمة أهل السنة، وهو من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و مسلم وأصحاب السنن. وهو يروي عن أبيه، وأبوه هو محمد بن علي بن الحسين ، المشهور بالباقر ، وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن جابر ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنه، صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الإسناد فيه إمامان من أئمة أهل السنة، وهما من الأئمة الاثني عشر عند الرافضة الذين يغلون فيهم، ويصفونهم بصفات لا تليق ولا تنبغي لهم، ولا يجوز أن تطلق عليهم، كما جاء في كتاب الكافي للكليني في جملة أبواب من أبوابه أنه قال:
(باب: أن الأئمة يعلمون ما كان وما سيكون، وأنهم يعلمون متى يموتون، وأنهم لا يموتون إلا باختيارهم!) ثم ساق أحاديث من أحاديثهم التي هي من جنس هذا الباب، وكتاب الكليني الكافي منزلته عند الرافضة كمنزلة صحيح البخاري عند أهل السنة. ومن أبوابه أيضاً أنه يقول:
(باب: أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من عند الأئمة، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل!) وهذا معناه: أن الأحاديث التي جاءت عن أبي بكر و عمر و عثمان و طلحة و الزبير و أبي هريرة وغيرهم من الصحابة أنها باطلة وأنه لا يعول عليها، ولا يحتج بها -حسب زعمهم-؛ لأنها لم تخرج من عند الأئمة! بل إن القرآن الذي في أيدي الناس جمعه أبو بكر الجمعة الأولى، وجمعه عثمان الجمعة الأخيرة، والمصحف العثماني الموجود بين أيدينا هو من جمع عثمان ، وهو لم يخرج من عند الأئمة الاثني عشر. فأهل السنة والجماعة يوقرون أهل البيت، ويحترمونهم، وينزلونهم منازلهم، فلا يجفون ولا يغلون فيهم، وإنما اعتدال وتوسط.

ترك الوضوء مما مست النار


شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في ترك الوضوء مما مست النار. حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي في ترك الوضوء مما مست النار، يعني: إذا أكل الإنسان من لحم الغنم أو غيرها -روى الإبل- فإنه لا يحتاج إلى وضوء لكونه أكل من ذلك اللحم، وقد جاء في بعض الأحاديث التي سيذكرها المصنف أنه أمر بالوضوء مما مست النار، وقال: (توضئوا مما مست النار) فيكون المقصود أن هذا كان في أول الأمر، ولكن ذلك نُسخ كما جاء في حديث جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) يعني:
أن في المسألة حديثين: الأول متقدم، والثاني متأخر، والأول فيه الأمر بالوضوء، والآخر هو الترك.
فإذاً: لا يتوضأ مما مست النار إذا لم يكن لحم إبل؛ لأن لحم الإبل جاءت فيه أحاديث تخصه، فهو مستثنى من هذا العموم. و أبو داود رحمه الله بدأ بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء، وبعد ذلك أتى بالأحاديث التي فيها الوضوء مما مست النار، والإمام مسلم رحمه الله لما ذكر الأحاديث في الوضوء مما مست النار وترك الوضوء بدأ بالأحاديث التي فيها الوضوء، ثم عقبها بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء، قال النووي أو غيره:
إن طريقة مسلم أنه عندما يذكر الأحاديث المتعارضة فإنه يبدأ بالأحاديث المنسوخة، ثم يأتي بعدها بالناسخة، والإمام مسلم رحمه الله لا يبوب، ولكنه يجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد، ويجعلها مع بعض، هذه طريقة مسلم رحمه الله، فإنه يذكر الأحاديث والأسانيد في مكان واحد، وأما التكرار فإنه قليل بالنسبة للأحاديث، وقد أحصاها الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي في خدمته لصحيح مسلم ، وفي الطبعة التي طبعت بعمل محمد فؤاد عبد الباقي جعل فيها مجلداً خاصاً وهو المجلد الخامس، وكله يتعلق بالفهارس، وقد ذكر الأحاديث التي جاءت في أكثر من موضع، وأظنها تبلغ مائة واثنين وثلاثين موضعاً، هذه هي الأحاديث التي كررها، وإلا فالغالب عليه أنه يجمع الأحاديث في مكان واحد، وهنا أتى مسلم بالأحاديث المتعلقة بالوضوء مما مست النار أولاً، ثم عقبها مباشرة بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء مما مست النار، فقال النووي أو غيره:
إن مسلماً رحمه الله قدم الأحاديث المنسوخة وعقبها بالأحاديث الناسخة. وأبو داود رحمه الله ذكر أحاديث ترك الوضوء ثم أتى بالأحاديث التي فيها الأمر بالوضوء مما مست النار، لكنه لا يعني أنه يرى الوضوء مما مست النار؛ لأنه هو نفسه روى حديث:
(كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار)، لكن هذا يدل على أنه ليس عنده هذا المنهج الذي عند مسلم ، وهو تقديم المنسوخ والإتيان بالناسخ وراءه. وقد أورد حديث ابن عباس : (أن النبي أكل كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ) يعني: أنه أكل لحماً من كتف شاة، (ثم صلى ولم يتوضأ) يعني: أنه ترك الوضوء مما مست النار، فدل هذا على أن أكل ما مست النار من غير الإبل لا يتوضأ منه.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ)
قوله: [حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
عبد الله بن مسلمة مرّ ذكره.
[حدثنا مالك ].
هو مالك بن أنس، الإمام المشهور بإمام دار الهجرة.
[ عن زيد بن أسلم ].
زيد بن أسلم ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عطاء بن يسار ]. عطاء بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ]. هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث المغيرة: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عثمان بن أبي شيبة و محمد بن سليمان الأنباري المعنى قالا: حدثنا وكيع عن مسعر عن أبي صخرة جامع بن شداد عن المغيرة بن عبد الله عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي، وأخذ الشفرة فجعل يحزّ لي بها منه، قال: فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة، وقال: ما له تربت يداه؟ وقام يصلي) زاد الأنباري :
(وكان شاربي وفى فقصّه لي على سواك) أو قال: (أقصه لك على سواك) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث المغيرة بن شعبة رضي الله تعالى عنه قال: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم) يعني: صرت ضيفاً عنده، (فأمر بجنب فشوي -يعني: جنب شاة أو ذبيحة- وأخذ الشفرة فجعل يحز لي منها) يعني: لما قدمه أخذ الشفرة -وهي السكين العريضة أو الغليظة- فجعل يحز، يعني:
يقطع من الجنب، منها ويعطي للمغيرة ، وهذا دليل على استعمال السكين في قطع اللحم، لاسيما إذا كان حاراً أو كان كثيراً، فكونه يستعمل السكين للحاجة فلا بأس بذلك، فإذا كان المقصود منه أمراً اقتضى هذا فلا بأس باستعمال السكين، وقد جاء في بعض الأحاديث المنع من ذلك، لكنه لم يثبت، ولعل ذلك إن ثبت محمول على من يترفع أو يستكبر، وأنه لا يأكل بيده، ولا يريد أن تمس يده الطعام وإنما يريد أن يقطع بالسكين عند أكله. فاستعمال السكين عند الحاجة لا بأس به، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحديث فيه خدمة الضيف أيضاً، والتقديم له، وكون المضيف يقطع اللحم، ويجعله في جهة ضيفه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحز للمغيرة ، يعني: يقطع له ويضعه في جانبه.
ثم إن مثل هذا العمل يمكن أن يفعله الناس بعضهم ببعض، ولاسيما مع الكبير؛ لأنه جاء عن أنس بن مالك رضي الله أنه أكل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً وكان فيه دباء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الدباء، فكان النبي صلى الله عليه وسلم تمتد يده إلى شيء فوق الجهة التي يأكل منها، فلما رآه يرغب في الدباء، وأنه يعجبه؛ جعل يأخذ ويلقيه في الجهة التي تليه صلى الله عليه وسلم. فقوله: (يحز لي) فيه دليل على إكرام الضيف فكما يقدم له الطعام أيضاً يقطع ويعطيه ويناوله أو يضع في جهته التي يأكل منها. قوله: [ (فجاء بلال فآذنه بالصلاة، قال: فألقى الشفرة وقال: ما له تربت يداه؟) ].
يعني: جاء بلال فأعلمه بأن الناس ينتظرون وسيقيم الصلاة، فقال: (ما له تربت يداه؟ وألقى الشفرة)، وقوله: (تربت يداه) هذه كلمة اعتادوا أن يقولوها، وهي من الكلام الذي يجري على الألسنة، مثل: لا والله، وبلى والله، فمثل هذا الكلام لا يحتاج إلى كفارة، وإنما يجرى على الألسنة فلا يؤاخذ به الناس، وهذه أيضاً مثل قولهم: عقرى حلقى، وقولهم: ثكلتك أمك، وتربت يداك، وغير ذلك من الألفاظ التي كانوا يستعملونها وهم لا يريدون مقتضاها ومعناها، وأنهم يدعون على من فعلها. وقوله: (ما له؟) يعني: أعجلنا (فألقاها وقام إلى الصلاة)، قال بعض أهل العلم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا قدم الطعام وأقيمت الصلاة فإنه يبدأ بالطعام)، والرسول صلى الله عليه وسلم هنا ترك الطعام وألقى الشفرة ومشى، قالوا: فهذا يحمل على من كان إماماً؛ لأن الناس ينتظرونه، فالأمر بأن يجلس على المائدة ويأكل هو فيما إذا كان مأموماً وهو بحاجة إلى الطعام، لاسيما إذا كان صائماً, والنفس متعلقة بالطعام فإنه قد يشوش. وأما الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه قد أكل، وحصل منه ذلك، سواء كان صائماً أو غير صائم، المهم أنه وُجد منه الأكل، فمنهم من قال: إن هذا يحمل على أنه كان إماماً، والإمام ليس له أن يتأخر عن الناس، بل عليه أن يأتي لكي يصلي بهم، والمأموم هو الذي له أن يجلس ويأكل حتى يفرغ من الطعام. قوله: [ زاد الأنباري : (وكان شاربي وفى فقصه لي على سواك) ].
الأنباري هو أحد الشيخين لأبي داود ، زاد أمراً آخر خارجاً عن قضية الأكل أو ترك الوضوء مما مست النار، فالنبي صلى الله عليه وسلم قام وصلى ولم يتوضأ، وهذا هو محل الشاهد. وقوله: (وكان شاربي وفى) يعني: قد طال، وكان ينزل عن شفتيه، قال: (فقصه لي على سواك) يعني: أنه وضع السواك على الشفة وقص ما فوق ذلك، وفي لفظ آخر -وهو شك من الراوي-: (أو قال: أقصه لك) يعني:
في بعض الروايات: أنه قصه، وفي بعضها: قال: (أقصه لك)، يعني: أنه يستفهم منه أو يستأذنه في أن يقصه له. وهذا يدل على سنة وهي قص الشوارب، وهي من سنن الفطرة، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سبق أن مر بنا ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث المغيرة: (ضفت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوي...)
قوله:
[حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة مر ذكره.
[ و محمد بن سليمان الأنباري ].
محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[ المعنى، قالا: حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مسعر ].
هو مسعر بن كدام، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي صخرة جامع بن شداد ]. أبو صخرة جامع بن شداد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن المغيرة بن عبد الله ]. المغيرة بن عبد الله ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و الترمذي في الشمائل و النسائي . [ عن المغيرة بن شعبة ]. المغيرة بن شعبة هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كان تحته ثم قام فصلى)
قال المصنف رحمه الله: [ حدثنا مسدد حدثنا أبو الأحوص حدثنا سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كان تحته ثم قام فصلى) ]. قد سبق ذكر بعض الأحاديث التي اشتملت عليها الترجمة، وهي ترك الوضوء مما مست النار. وقد ذكرنا أن أبا داود رحمه الله ذكر الأحاديث التي فيها الترك، ثم ذكر بعدها الأحاديث التي فيها الوضوء مما مست النار، وأن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، وعلى هذا فيكون الوضوء مما مست النار قد نُسخ، وأنه لا يحتاج إلى وضوء من أكل ما مسته النار، ولا يستثنى من ذلك إلا لحوم الإبل؛ لأنه قد ورد فيها بعض الأحاديث التي تخصها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من أكلها، وأما ما سواها فإنه لا يتوضأ من أكله. وهذا حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ثم مسح يده بمسح وصلى ولم يتوضأ)، وهذا كغيره مما تقدم من الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل شيئاً مسته النار، ثم صلى ولم يتوضأ، وهذا إنما هو في غير الإبل كما ذكرنا، وأما الإبل فإن الأكل منها يوجب الوضوء، وفي الحديث:
(أنه صلى الله عليه وسلم أكل كتفاً ومسح يده بمسح -أي: بكساء- ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ) فدلنا هذا على أن الوضوء مما مست النار ليس لازماً، وأن الوضوء كان أولاً، ثم نسخ إلى الترك كما سيأتي مبيناً في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

تراجم رجال إسناد حديث: (أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم كتفاً ثم مسح يده بمسح كانت تحته ثم قام فصلى)
قوله: [حدثنا مسدد ].
هو ابن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[حدثنا أبو الأحوص ].
هو سلام بن سليم الحنفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سماك ].
هو سماك بن حرب، وهو صدوق، وفي حديثه عن عكرمة اضطراب، أخرج حديثه البخاري تعلقاً و مسلم وأصحاب السنن الأربعة، وهنا يروي عن عكرمة .
[ عن عكرمة ].
وهو مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وروايته عن ابن عباس هنا لا تؤثر؛ لأنها متفقة مع أحاديث كثيرة، كلها جاءت في ترك الوضوء مما مست النار، فكون رواية سماك عن عكرمة فيها اضطراب فلا يؤثر ذلك على روايته هذه؛ لأن هذه الرواية مطابقة لروايات عديدة ولأحاديث عديدة جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ترك الوضوء مما مست النار.
[عن ابن عباس ].
هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين. وهو أيضاً أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة و ابن عمر و ابن عباس و أبو سعيد الخدري و أنس بن مالك و جابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم وعن الصحابة أجمعين.

شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا همام عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث ابن عباس من طريق أخرى، وهي مثل التي قبلها من حيث المعنى. وقوله: (انتهش من كتف) يعني: أكل، وقوله: (ثم صلى ولم يتوضأ) أي: أنه ترك الوضوء مما مست النار، فهو مثل الذي قبله مما تقدم من الأحاديث.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهش من كتف ثم صلى ولم يتوضأ)
قوله:
[حدثنا حفص بن عمر النمري ].
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي .
[حدثنا همام ].
هو همام بن يحيى، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يحيى بن يعمر ].
يحيى بن يعمر ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن عباس ].
ابن عباس قد مر ذكره. وفي بعض النسخ: (انتهس) بالسين المهملة، وهذه النسخة فيها (انتهش)، فقيل: إن أحدها في الأضراس، والثاني في الأسنان.

شرح حديث جابر: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي حدثنا حجاج قال ابن جريج : أخبرني محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً، فأكل ثم دعا بوضوء، فتوضأ به ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه فأكل، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما أنه قال: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم لحماً وخبزاً فأكل، ثم دعا بوضوء -وهو الماء الذي يتوضأ به- فتوضأ وصلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه، وأكل منه ثم صلى ولم يتوضأ) .
وهذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أكل اللحم توضأ، ثم أكل فضل طعامه وصلى ولم يتوضأ، فكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار؛ لأنه أولاً توضأ ثم بعد ذلك ترك الوضوء ولم يتوضأ، ومعلوم أن هذا خاص في غير الإبل كما أسلفت، وحيث إن الإبل قد جاء فيها حديثان عن صحابيين، فيهما أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، وأما الغنم فقال: (إن شئتم) في بعض الروايات، وقال:
(لا تتوضئوا) في بعض الروايات. وهنا ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم: (أكل لحماً وخبزاً ثم توضأ وصلى، ثم دعا بفضل طعامه، ثم أكل ولم يتوضأ للصلاة) وهذا فيه الدليل على أنه كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ترك الوضوء مما مست النار، فيكون ذلك ناسخاً، وقد سبق أن الإمام مسلماً رحمه الله ذكر في كتابه الصحيح الأحاديث التي فيها الوضوء مما مست النار، ثم عقبها بالأحاديث التي فيها ترك الوضوء مما مست النار، وقال النووي في شرحه:
إن هذه طريقة مسلم : حيث يبدأ بالأحاديث المنسوخة ثم يعقبها بالأحاديث الناسخة. ثم إن الحديث فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم عاد إلى طعامه، وهذا فيه دليل على أن العودة إلى الطعام فيما إذا كان الإنسان بحاجة إليه لا بأس بذلك، وأن الإنسان يمكن أن يأكل ثم يعود إلى الأكل بعد ذلك لاسيما إذا كان قد ترك الأكل لكونه قام إلى الصلاة، فإنه بعد ذلك يعود إلى طعامه ويأكل منه، وهذا الحديث يدلنا على جواز العود إلى الأكل، أو إلى فضل ما أبقاه الإنسان وما أكله من قبل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل ثم توضأ وصلى، ثم عاد وأكل من فضل طعامه الذي بقي، ثم صلى ولم يتوضأ.

تراجم رجال إسناد حديث جابر: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً فأكل ثم دعا بوضوء فتوضأ به...)
قوله:
[ حدثنا إبراهيم بن الحسن الخثعمي ].
هو إبراهيم بن الحسن الخثعمي المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي .
[حدثنا حجاج ].
هو ابن محمد المصيصي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال ابن جريج ].
هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وهو ثقة يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني محمد بن المنكدر ].
محمد بن المنكدر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[سمعت جابر بن عبد الله ].
هو جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي حدثنا علي بن عياش حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) قال أبو داود : وهذا اختصار من الحديث الأول ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر من طريق أخرى، وفيه: أنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)، والمراد بهذه الجملة:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم حصل منه الوضوء مما مست النار، وحصل منه ترك الوضوء مما مست النار، ولكن الترك هو الأخير، فيكون ناسخاً للأول، وعلى هذا يكون الأخير هو الذي يُعمل به؛ لأنه هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون الترك ناسخاً للفعل الذي هو الوضوء؛ نسخه كون النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء، فآخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ترك الوضوء مما مسته النار؛ لأنه كان يتوضأ أولاً مما مست النار، ثم بعد ذلك ترك الوضوء مما مست النار، إلا لحوم الإبل كما سبق.

تراجم رجال إسناد حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار)
قوله:
[ حدثنا موسى بن سهل أبو عمران الرملي ].
موسى بن سهل أبو عمران الرملي ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي .
[حدثنا علي بن عياش ].
علي بن عياش ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[حدثنا شعيب بن أبي حمزة ].
شعيب بن أبي حمزة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن المنكدر عن جابر ].
محمد بن المنكدر وجابر قد مر ذكرهما.
وقوله:
[ قال أبو داود : هذا اختصار من الحديث الأول ].
الحديث الأول فيه: أنه أكل ثم دعا بوضوء وتوضأ، ثم بعدما صلى عاد وأكل فضل طعامه، ثم صلى ولم يتوضأ، فكان من رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء أولاً ثم الترك آخراً، والحديث الأخير اختصار له؛ لأن جابر رضي الله عنه يقول: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) يعني: أنه وجد منه الوضوء قبل صلاة الظهر، فإنه أكل ثم توضأ وصلى، وبعد صلاة الظهر أكل بقية طعامه الذي هو لحم وخبز، ثم صلى ولم يتوضأ، فصار الترك هو الآخر. فالحديث الثاني اختصار له؛ لأنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار).

شرح حديث: (... فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة قال ابن السرح : ابن أبي كريمة من خيار المسلمين قال: حدثني عبيد بن ثمامة المرادي قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يحدث في مسجد مصر قال:
(لقد رأيتني سابع سبعة أو سادس ستة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار رجل فمر بلال رضي الله عنه فناداه بالصلاة، فخرجنا، فمررنا برجل وبُرْمته على النار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطابت بُرْمتك؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي. فتناول منها بضعة، فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن الحارث بن جزء رضي الله تعالى عنه أنه قال:
(كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو سادس ستة في دار رجل، فجاء بلال وآذنه بالصلاة، فخرج ومرّ برجل وبُرْمته على النار، -يعني: يطبخ فيها اللحم- فقال: أطابت بُرْمتك؟) يعني: هل استوى ما فيها وصار صالحاً للأكل؟ فقال: نعم بأمي أنت وأمي، وقوله: (بأمي أنت وأمي) هذا ليس قسم، وإنما هو تفدية، يعني: أنت مفدي بأبي وأمي، ، هذا هو المقصود من مثل هذه العبارة عندما يقولها الصحابة أو غير الصحابة، وليس المقصود بها القسم؛ لأن القسم لا يكون إلا بالله، ولا يكون بأحد سواه، ولكن ما جاء من هذا القبيل المراد به التفدية، أي: أنت مفدي بأبي وأمي، قال: (فأخذ بضعة منها فأكل، فجعل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه) يعني:
إلى حين دخوله في الصلاة وهو يعلكها، أو المقصود أنه ينظر إلى العلك، وأنه متحقق من ذلك، وأنه قد شاهده وعاينه. والمقصود هنا: أنه لم يتوضأ لتلك القطعة من اللحم التي أكلها، فكان الذي دل عليه هو الترك، ولكن الحديث فيه ضعف، وفي معناه شيء من النكارة من جهة أنه كان يعلكها حتى أحرم بالصلاة، لكن معناه من حيث ترك الوضوء مما مست النار قد ثبت في أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها حديث جابر وغيره من الأحاديث المتقدمة التي ذكرها أبو داود رحمه الله قبل.

تراجم رجال إسناد حديث: (... فتناول منها بضعة فلم يزل يعلكها حتى أحرم بالصلاة وأنا أنظر إليه)
قوله:
[حدثنا أحمد بن عمرو السرح ].
هو أحمد بن عمرو السرح المصري، وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[حدثنا عبد الملك بن أبي كريمة ].
عبد الملك بن أبي كريمة صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده، وقال فيه أحمد بن أبي السرح : هو من خيار المسلمين، وهذه تزكية وثناء على شيخه ابن أبي كريمة .
[حدثني عبيد بن ثمامة المرادي ].
عبيد بن ثمامة المرادي مقبول، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[قال: قدم علينا مصر عبد الله بن الحارث بن جزء ].
عبد الله بن الحارث بن جزء هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة ."







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #64  
قديم 05-12-2021, 05:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [032]
الحلقة (63)


شرح سنن أبي داود [032]


أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء مما أنضجت النار، وجاء من قوله وفعله نسخ ذلك الأمر مما يدل على عدم الوجوب، ويستثنى من النسخ الوضوء من لحوم الإبل؛ لورود الدليل بذلك.

التشديد في الوضوء مما مست النار


شرح حديث الوضوء مما أنضجت النار
قال رحمه الله تعالى: [ باب التشديد في ذلك. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثني أبو بكر بن حفص عن الأغر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الوضوء مما أنضجت النار) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب التشديد في ذلك، يعني: أنه لا يترك الوضوء مما مست النار،
بل يتوضأ مما مست النار، وفي هذا تشديد في ذلك؛ وأن الأمر يحتاج إلى وضوء، وأنه لا يترك الوضوء مما مست النار، لكن ذكرنا أن في الأحاديث المتقدمة خلاف ذلك، كما في حديث جابر : (كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار) وأنه لا يستثنى من ذلك إلا لحوم الإبل فإنه يتوضأ منها، وغير لحوم الإبل لا يتوضأ منها. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الوضوء مما أنضجت النار) أي: يكون الوضوء مما مست النار.
تراجم رجال إسناد حديث الوضوء مما أنضجت النار
قوله:
[حدثنا مسدد عن يحيى ].
مسدد مر ذكره، ويحيى هو ابن سعيد القطان ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [حدثني أبو بكر بن حفص ]. هو عبد الله بن حفص وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأغر ].
هو أبو مسلم المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. ويحتمل أن يكون سلمان أبا عبد الله المدني وهو ثقة، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن. فيتحقق أيهما هو.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق فرضي الله عنه وأرضاه.
شرح حديث: (... توضئوا مما غيرت النار)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان عن يحيى -يعني: ابن أبي كثير - عن أبي سلمة أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه: أنه دخل على أم حبيبة رضي الله عنها فسقته قدحاً من سويق، فدعا بماء فمضمض، فقالت: يا ابن أختي! ألا توضأ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما غيرت النار أو قال: مما مست النار). قال أبو داود : في حديث الزهري : يا ابن أخي! ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنها أم المؤمنين، أنه دخل عليها أبو سفيان بن سعيد بن المغيرة فسقته سويقاً فتمضمض وقام إلى الصلاة ولم يتوضأ، فقالت له: يا ابن أختي! ألا توضأ؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(توضئوا مما غيرت النار)] ومحل الشاهد: هو الأمر بالوضوء مما مست النار، لكن تقدم أن الأحاديث التي قبله والتي ساقها أبو داود في ترك الوضوء مما مست النار ناسخة لهذا الحكم الذي هو الوضوء مما مست النار. وهنا قالت: يا ابن أختي! وفي طريق الزهري قالت: يا ابن أخي! قيل: إنها خالته، وعلى هذا فهو ابن أختها، وإن كانت الرواية: يا ابن أخي فإن هذا الأسلوب يقال حتى فيمن ليس بقريب، فيقال له: يا ابن أخي! وهذا من آداب الخطاب، مثلما يقول الإنسان للصغير: يا بني! وهو ليس ابنه، ويقول الصغير للكبير: يا عم! وهو ليس عمه من جهة النسب، فكذلك يقولون: يا ابن أخي! وقد سبق أن مر بنا حديث فيه:
(يا ابن أخي!) وهو حديث أبي موسى الأشعري عند أن رأته زوجة ابنه يصغي الإناء للهرة وهي تشرب، فجعلت تنظر إليه كالمتعجبة، فقال: ما تعجبين يا ابنة أخي! وهي ليست بنت أخيه من النسب، ولكنها بعيدة منه، ولكن هذا شيء يطلقونه، فيمكن أن يكون قوله: يا ابن أخي! على طريقتهم في إطلاق مثل هذه العبارة في الخطاب الجميل، وفيما يقوله القائل لمن يخاطبه.
تراجم رجال إسناد حديث: (... توضئوا مما غيرت النار)
قوله:
[حدثنا مسلم بن إبراهيم ].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا أبان ].
أبان بن يزيد العطار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن يحيى يعني: ابن أبي كثير ].
يحيى بن أبي كثير اليمامي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة].
أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف المدني ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أن أبا سفيان بن سعيد بن المغيرة حدثه].
أبو سفيان بن سعيد بن المغيرة مقبول، أخرج حديثه أبو داود و النسائي .
[أنه دخل على أم حبيبة ].
أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها بنت أبي سفيان وحديثها عند أصحاب الكتب الستة.
الوضوء من اللبن


شرح حديث: (أن النبي شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوضوء من اللبن. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض ثم قال: إن له دسماً) ]. الترجمة السابقة التي فيها ذكر الوضوء المراد به: الوضوء الشرعي الذي هو غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس وغسل الرجلين، فهذا هو الوضوء الشرعي، وأما الوضوء اللغوي فهو النظافة والنزاهة، وهنا أورد أبو داود رحمه الله الوضوء من شرب اللبن، وليس المقصود بالوضوء هنا: الوضوء الشرعي، لأنه ما ذكر إلا المضمضة، ولم يذكر الوضوء الذي هو الوضوء الشرعي، فهنا يراد به الوضوء اللغوي؛ لأنه مأخوذ من الوضاءة وهي: النظافة والنزاهة،
فهنا لا يراد به الوضوء الشرعي؛ لأنه قد جاء في نفس الحديث ما يبين أن المقصود من ذلك إنما هو النظافة، وهو تنظيف الفم فقط، والأصل أن الألفاظ إذا جاءت في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فإنها تحمل على المعاني الشرعية، ويمكن الحمل على المعنى اللغوي حيث لا يمكن الحمل على المعنى الشرعي كما هو هنا؛
لأن الوضوء هنا المقصود به النظافة؛ لأنه تمضمض فقط، والدسومة التي في فمه تمضمض من أجل ذهابها عنه حتى لا يبقى في فمه طعم ودسومة اللبن، فيدخل في الصلاة وهو كذلك. وقوله (الوضوء من شرب اللبن)، يعني: المقصود به الوضوء اللغوي، وليس الوضوء الشرعي. وأورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
(أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً ثم دعا بماء فتمضمض ثم قال: إن له دسماً) يعني: أن سبب الوضوء الذي حصل منه هو: أن له دسماً، يعني: أن هذه المضمضة المقصود منها تنظيف الفم بالماء حتى تذهب الدسومة التي في اللبن عندما شربه الإنسان.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي شرب لبناً فدعا بماء فتمضمض..)
قوله:
[حدثنا قتيبة بن سعيد ].
قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. [حدثنا الليث ]. الليث بن سعد المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عقيل ].
عقيل بن خالد بن عقيل المصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الزهري ].
الزهري هو محمد بن مسلم بن عبيد الله شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبيد الله بن عبد الله ].
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني ثقة فقيه أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. ابن عباس قد مر ذكره.

الرخصة في عدم الوضوء من اللبن


شرح حديث: (إن رسول الله شرب لبناً فلم يمضمض..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الرخصة في ذلك. حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن زيد بن الحباب عن مطيع بن راشد عن توبة العنبري أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبناً فلم يمضمض ولم يتوضأ وصلى). قال زيد : دلني شعبة على هذا الشيخ ]. أورد أبو داود رحمه الله باب الرخصة في ذلك، يعني: في كون الإنسان لا يتمضمض، والذي جاء في الحديث السابق من كون الإنسان يتمضمض بعد شرب اللبن ليس بلازم؛
فللإنسان أن يصلي دون أن يتمضمض ودون أن يتوضأ. ومن المعلوم أن الوضوء لابد فيه من المضمضة، وقد توجد المضمضة وحدها بدون الوضوء، وهذا هو الوضوء اللغوي، وكونه يتمضمض ليس بلازم، فيمكن للإنسان أن يشرب لبناً ويصلي دون أن يتمضمض ودون أن يتوضأ. أورد المصنف حديث أنس رضي الله عنه، وهذا فيه دليل على أن المضمضة ليست بلازمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تمضمض وقال: (إن له دسماً)، وإذا وجدت المضمضة فلا شك أنها أحسن؛
لأنها تذهب الدسومة التي قد ينشغل الإنسان بها في صلاته، أو بطعمها في فمه، ولكنه إذا لم يفعل ذلك فإن ذلك سائغ؛ وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا وهذا.
تراجم رجال إسناد حديث (إن رسول الله شرب لبناً فلم يمضمض...)

قوله:
[ حدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن زيد بن الحباب ].
زيد بن الحباب صدوق يخطئ في حديث الثوري وحديثه أخرجه البخاري في جزء القراءة و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن مطيع بن راشد ].
مطيع بن راشد مقبول، أخرج له أبو داود .
[عن توبة العنبري ].
توبة العنبري ثقة، أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود و النسائي .
[ عن أنس ].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. قوله:
[ قال زيد : دلني شعبة على هذا الشيخ ].
يعني: أن زيد بن الحباب أرشده شعبة إلى أن يروي عن مطيع ، و شعبة معروف في نقده للرجال وكلامه في الرجال، وتمكنه من علم الجرح والتعديل، فكونه يدله على أن يروي عن هذا الشيخ يدل على منزلته عند شعبة، وأنه أهل أن يروى عنه.

الأسئلة


حكم أكل اللحم نيئاً
السؤال: هل يجوز أكل اللحم نيئاً دون أن يطبخ؟
الجواب: يجوز إذا كان لا يحصل فيه مضرة، فمثلاً: الكبد تؤكل نيئة، وهي لذيذة عند من يأكلها وخاصة كبد الغنم، فإذا كان لا يترتب على أكل اللحم نيئاً مضرة فيجوز.
سماع قتادة من يحيى بن يعمر وسماع يحيى بن يعمر من الصحابة

السؤال: قال الإمام أحمد بن حنبل : قال شعبة : لم يسمع قتادة من يحيى بن يعمر شيئاً. ذكر ذلك الفسوي في المعرفة والتاريخ، فهل ثبت سماع قتادة من يحيى بن يعمر ؟ وهل سمع يحيى بن يعمر من الصحابة كابن عباس و عمار بن ياسر ، وجزاكم الله خيراً؟

الجواب: قضية قتادة وسماعه من يحيى بن يعمر ليس عندي فيها علم، وكون يحيى بن يعمر سمع من ابن عباس و عمار بن ياسر لا أدري، لكنه سمع من بعض الصحابة، وهو الذي في أول حديث في مسلم الذي فيه أنه لما تكلم أناس في القدر في البصرة، قال: ذهبنا حاجين أو معتمرين -يعني: يحيى بن يعمر- مع حميد بن عبد الرحمن الحميري، فوجدنا عبد الله بن عمر فاكتنفته، فظننت أن صاحبي يكل الحديث إلي، فقلت له: إنه حصل قبلنا أناس كذا وكذا، فحدثهم بحديث جبريل عن أبيه، وهذا فيه سماع يحيى بن يعمر من ابن عمر . و يحيى بن يعمر ثقة يرسل.
حال حديث: (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً...)

السؤال: هل صحيح أن ابن المنكدر لم يسمع هذا الحديث من جابر : (قربت للنبي صلى الله عليه وسلم خبزاً ولحماً…) كما ذكر ذلك الحافظ في التلخيص؟

الجواب: المشهور عند العلماء الاحتجاج بحديث جابر هذا الذي من طريق محمد المنكدر على نسخ الوضوء مما مست النار، وأن تركه هو آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وقد احتج بهذا العلماء، والحديث أخرجه البخاري و الترمذي و النسائي ، لكن العجيب أن في السند هنا عن محمد بن المنكدر قال: سمعت جابر ، لكن ذكر الحافظ ابن حجر عن الشافعي في التخليص و الشافعي ذكر ذلك في سنن حرملة أن ابن المنكدر لم يسمع هذا الحديث من جابر . وعلى كل: حديث: (كان آخر الأمرين من رسول الله ترك الوضوء مما مست النار)، مروي من طريق محمد بن المنكدر عن جابر ، وهو الذي يحتجون به على نفي الترك للفعل الذي هو الوضوء.
حكم من لم يرم الجمرات في اليوم الثالث
السؤال: ثلاثة رجال دخلوا في اليوم الثالث من أيام التشريق فلما وجدوا الزحام خافوا وتركوا رمي الجمرات في اليوم الثالث فقط، وسافروا ولم يرموا فما هو الحكم؟ وماذا يفعلون الآن؟

الجواب: إذا لم يرموا فكل واحد عليه فدية، لتركه الرمي، وهي شاة تذبح في مكة وتوزع على فقراء الحرم.
حكم قول الإنسان لآخر من أهل الفضل: بأبي أنت وأمي
السؤال: هل يجوز قول: بأبي أنت وأمي لأهل الفضل كالعلماء؟
الجواب: لا يصلح أن يقال هذا، وإنما هذا يقال في حق الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان يستعمله الصحابة ومن بعدهم، يقولون: فداه أبي وأمي، ويخاطبونه ويقولون: فداك أبي وأمي، وأما غير الرسول صلى الله عليه وسلم فلا أعلم شيئاً يدل عليه، وما سمعت مثل هذه العبارة تستعمل مع غير الرسول صلى الله عليه وسلم. والرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه مقدم على الأب والأم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)، وأما استعمال ذلك في غيره فلا أعلم ما يدل عليه.
معنى قوله: (أفلح وأبيه إن صدق)
السؤال: ما معنى: (أفلح وأبيه إن صدق)؟
الجواب: قوله: (أفلح وأبيه) هذا قسم، ولكن هذا مما كان في أول الأمر، وقد أجاب عنه العلماء بجوابين: أحدهما: أنه كان هذا في أول الأمر، وبعد ذلك نسخ، والثاني: أنه مما جرت عليه به ألسنتهم، ولكن الصحيح هو الأول، وهو أنهم كانوا يستعملونه ثم بعد ذلك نسخ.
نقض الوضوء بمس الذكر
السؤال: هل مس الذكر من غير قصد يفسد الوضوء؟
الجواب: مس الذكر مطلقاً من غير حائل ينقض الوضوء.
حدود المدينة النبوية
السؤال: ما هي حدود المدينة المنورة؟ وهل الجامعة داخل الحرم؟
الجواب: حدود المدينة هي من عير إلى ثور، ووادي العقيق من الحرم، وما وراءه الله تعالى أعلم هل هو من الحرم أم من غير الحرم؟! وما وراءه هو ما يكون قريباً منه، وليس بعيداً عنه؛ لأن بعض الأماكن مثل الجامعة الإسلامية أقرب ما يكون أنها من المشكوك فيه، يعني: ليست من الحرم البين ولا من الحل البين، ومثل هذا يكون كما قال عليه الصلاة والسلام: (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
حكم الوضوء من غير اللبن
السؤال: هل يستحب الوضوء لغير اللبن من المشروبات والمأكولات؟
الجواب: ليس في ذلك وضوء، ولكن إذا كان هناك طعم في الفم فيتمضمض حتى يذهب ذلك الطعم، وأما الوضوء الشرعي فلا، وإنما المضمضة فقط؛ لأنه إذا كان الفم فيه طعم فقد يشغل الإنسان في صلاته، فالأولى أن يتمضمض، وإن لم يتمضمض فلا بأس، مثلما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في اللبن مرة تمضمض ومرة لم يتمضمض، يعني: تمضمض في بعض الأحيان، ولم يتمضمض في بعض الأحيان.
علة تضعيف حديث عبد الله بن الحارث بن جزء في ترك الوضوء مما مست النار
السؤال: ما علة تضعيف حديث عبد الله بن الحارث بن جزء ؟ الجواب: لعل العلة هي كون الذي رواه مقبولاً ولم يتابع عليه، وأيضاً فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلوك حتى دخل في الصلاة، وفيه كونه كان يأكل وهو يمشي، وطبعاً أكل الإنسان وهو يمشي إذا كان للحاجة فلا بأس به، لكن الإشكال فيه هو كونه أكل حتى أحرم، ودخل في الصلاة وهو يلوك.
معنى قول أبي داود: باب الرخصة في ذلك
السؤال: قال أبو داود : باب الرخصة في ذلك، مع أنه لم يرو في الباب الأول حديثاً فيه ذكر الصلاة، فما مراده؟
الجواب: أولاً: ذكر المضمضة بعد شرب اللبن، والمقصود من ذلك الوضوء اللغوي؛ لأنه ليس في الحديث الأول وضوء شرعي، وإنما هو المضمضة فقط، وهو وضوء لغوي، فقوله: الرخصة في ذلك، يعني: في ترك الوضوء اللغوي الذي جاء في الحديث السابق أو في الترجمة السابقة.
حكم تكرار النظر إلى المخطوبة
السؤال: هل يجوز للخاطب أن ينظر إلى خطيبته بعد النظرة الأولى التي خطب فيها، بمعنى: هل يكرر ذلك النظر كلما أراد؟

الجواب: الذي يبدو أن النظرة الواحدة كافية، فينظر إليها مرة واحدة؛ لأن تكرار النظر ليس فيه شيء جديد على ما حصل من قبل.
حكم قراءة البنات للقرآن على الأستاذ
السؤال: هل يجوز لبعض البنات من ذوي الصوت الندي في قراءة القرآن القراءة على الأستاذ من خلال الدائرة التلفزيونية؟

الجواب: إذا كان الأمر يتعلق بالدراسة فلها أن تقرأ.
حكم اتصال البنت بأحد أقاربها غير المحارم
السؤال: هل يجوز للبنت أن تتصل على أحد أقاربها كابن عمها مثلاً هاتفياً وتسلم عليه، وتقول له: كيف حالك؟

الجواب: لا ينبغي هذا؛ لأن ابن العم هو أجنبي عنها، فكونها تتصل به وتسلم عليه وهي صغيرة ما ينبغي أن يفعل ذلك، وخاصة بين الشابات والشباب.
نقض الوضوء من مس عورة الطفل

السؤال: هل لمس الأم لطفلها أو طفلتها لتنظيفه وتغسيله ومس عورته سواء القبل أو الدبر ناقض للوضوء؟

الجواب: نعم، مس القبل سواء كان من الصغير أو الكبير الذكر أو الأنثى كله ناقض للوضوء.
حكم القصر في ذي الحليفة لأهل المدينة
السؤال: ما حكم قصر الصلاة في ميقات ذي الحليفة وقد اتصل العمران بالمدينة؟
الجواب: إذا اتصل ذو الحليفة بعمران المدينة فلا يجوز أن تقصر الصلاة فيه، وإنما تقصر عند مفارقة العمران والبنيان، لكن هل اتصل الآن، أو أن هناك أماكن متقطعة قبل الوصول إليه؟ هذا يحتاج إلى معرفة الاتصال. أما إذا وجد الاتصال فيعتبر من البلد، ولا يقصر ولا يترخص برخص السفر قبل مغادرة عمران البلد. والرسول صلى الله عليه وسلم قصر فيها لما سافر؛ فإنه لما خرج صلى الظهر أربعاً في مسجده، وصلى العصر هناك ركعتين؛ لأنها كانت بعيدة عن البنيان، فإذا وصل البينان إليها واتصل بها فتكون من المدينة، ولا يقصر الإنسان إلا إذا فارق عمران البلد.
حكم من وجد منياً في ثوبه ولم يذكر احتلاماً
السؤال: رجل استيقظ من النوم، فوجد منياً في ثوبه، وهو متأكد أنه لم يحتلم فماذا يفعل؟

الجواب: إذا وجد الماء ووجد المني فعليه أن يغتسل؛ وإذا لم يتذكر أنه احتلم في منامه ولم يجد ماءً فليس عليه أن يغتسل؛ لأن العبرة هي بالماء، والرسول صلى الله عليه وسلم قال للمرأة: (نعم إذا وجدت الماء) يعني: بعد نومها، فإذا وجد الماء وكان متحققاً أنه مني، ولو لم يتذكر احتلاماً فإنه يغتسل، والعكس لو تذكر احتلاماً ولكنه لم يجد ماءً فليس عليه اغتسال.
حكم من كان لا يزكي جهلاً ثم علم وتاب
السؤال: شخص كان لا يزكي للجهل، فلما علم بفرض الزكاة تاب وأصبح يزكي، ويسأل الآن عما سلف؟

الجواب: يقدر الذي مضى ويزكيه على عدد السنين، ولكن كما هو معلوم المال يزيد وينقص، والزكاة إذا خرجت منه لا تحسب بعد ذلك إذا كان المال باقياً ولا يزيد، كأن يكون لديه مبلغ مودع، ثم أخرجت منه الزكاة في سنة، فإنه ينقص مقدار الزكاة، فالسنة التي بعدها يزكى على الذي بقي بعد الزكاة، وهكذا الذي بعدها ينقص عن السنة التي قبله، ويزكى على ما بقي وهكذا.
وقت الانتضاح
السؤال: هل يمكن أن يكون الانتضاح قبل الوضوء؟

الجواب: الانتضاح يكون بعد الوضوء، لا يكون قبله؛ لأن الذي ورد أنه يكون بعد الوضوء.
حكم الانتضاح
السؤال: هل الانتضاح مستحب؟
الجواب: إذا كان الإنسان عنده شيء من الشك فعليه أن يأتي بالانتضاح حتى يسلم من مغبة الوسواس.
حكم الساحات التي حول الحرم
السؤال: هل الساحات الموجودة حول الحرم تعتبر من الحرم، فيحرم البيع والشراء فيها إلى غير ذلك؟
الجواب: إذا كانت الأسوار قد أقيمت، والأبواب قد ركبت، فإن حكمها حكم الحرم، وتعامل معاملة الحرم، والذي لا يجوز في المسجد لا يجوز فيها؛ لأن حكمها حكم المسجد، ولو كانت مكشوفة غير مغطاة، فما دام أن الجدران والأسوار والأبواب تحيط بتلك الساحات فإنها تعتبر من المسجد، وتعامل معاملة المسجد، لا يجوز فيها بيع ولا شراء ولا إنشاد ضالة، ولا الجلوس للحائض، ولا الجنب، وهكذا كل الأشياء التي تمنع من المسجد تمنع منها؛ لأنها مسجد.
حكم إزالة شعر الحاجب إذا طال
السؤال: هل يجوز حلق الحاجب أو قصه إذا طال ونزل على العين؟
الجواب: إذا كان قد نزل على العين، وصار منظره ليس بطيب، ويؤثر على العين، وصار طويلاً طولاً فاحشاً فيجوز إزالته، والحاجب ينزل على العين إذا كبر الإنسان، لكن الكلام على كون الشعر يطول طولاً فاحشاً، وأنه ينزل على العين ويسترسل، فإذا وجد شيء من ذلك فلا مانع من أخذه."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #65  
قديم 05-12-2021, 05:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله


شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [033]
الحلقة (64)

شرح سنن أبي داود [033]

أمر النبي صلى الله عليه وسلم من نام أن يتوضأ؛ لأنه إذا نام العبد استرخت مفاصله واستطلق الوكاء فربما انتقض وضوءه، والنوم ليس ناقضاً للوضوء بنفسه، ولكنه مظنة لحصول الحدث.

الوضوء من الدم


شرح حديث جابر (خرجنا مع رسول الله في غزوة ذات الرقاع...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب الوضوء من الدم. حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا ابن المبارك عن محمد بن إسحاق حدثني صدقة بن يسار عن عقيل بن جابر عن جابر رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، فأصاب رجل امرأة رجل من المشركين؛ فحلف ألا أنتهي حتى أهريق دماً في أصحاب محمد، فخرج يتبع أثر النبي صلى الله عليه وسلم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلاً فقال: من رجل يكلؤنا؟ فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار فقال: كونا بفم الشعب، قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب اضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي،
وأتى الرجل فلما رأى شخصه عرف أنه ربيئة للقوم، فرماه بسهم فوضعه فيه، فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبه، فلما عرف أنهم قد نذروا به هرب، ولما رأى المهاجري ما بالأنصاري من الدم قال: سبحان الله! ألا أنبهتني أول ما رمى؟! قال: كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها) ]. أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب الوضوء من الدم، أي: هل خروجه يوجب الوضوء أم لا؟ ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يؤثر خروجه، وبعضهم قال:
إذا خرج شيء كثير فإن على الإنسان أن يتوضأ، وهذا مبني على القول بنجاسة الدم وعدم نجاسته، فمن قال: إنه نجس يقول: إنه يتوضأ منه، ومن قال: إنه ليس بنجس يقول: إنه لا يتوضأ منه، ولا يحتاج إلى وضوء، لكن على القول بأنه نجس إذا حصل خروج الدم من جرح أو بأمر يكون الإنسان معذوراً في الصلاة فإنه يكون شبيهاً بمن به سلس البول، وشبيهاً بالمستحاضة، وهؤلاء لهم أن يصلوا على حسب حالهم . أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما في قصة خروجهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ذات الرقاع، وسميت غزوة ذات الرقاع لما كانوا عليه من القلة، ولأنهم كانوا يلفون على أرجلهم الخرق، حتى يسلموا من حر الأرض والحصى والشوك، فسميت ذات الرقاع. وفي تلك الغزوة أصاب رجل من المسلمين امرأة رجل من الكفار، يعني:
أنه قتلها، ولعل ذلك القتل ليس مقصوداً؛ لأن المرأة لا تقتل في الجهاد إلا إذا كانت مقاتلة، أو حصل منها مضرة على المسلمين في معاونتها لأهلها وقومها الكفار، فإذا حصل منها ذلك فإنها تقتل لكونها مقاتلة، فلعل هذه المرأة قتلت خطأً أو أنها كانت معينة لقومها فقتلت، فزوجها حلف ألا ينتهي حتى يهريق دماً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
فخرج يتبع أثر الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فلما نزلوا في مكان قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يكلؤنا؟) يعني: من يرقبنا ويحرسنا؛ لأن الكلأ هو الحفظ، فانتدب لذلك رجلان: أنصاري ومهاجري يعني: استعدا لهذه المهمة، وقاما بها. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهما: (كونا بفم الشعب) يعني: أن المكان الذي يكونان فيه هو فم الشعب، والشعب: هو الطريق بين جبلين، يعني: الفج بين الجبلين، وهو الذي يمكن أن يوصل منه الإنسان إلى ما يريد لسهولة الطريق،
فكانا على هذه المهمة، فاضطجع أحدهما، وقام الآخر يصلي، ولعلهما كانا يتناوبان، بحيث يكون أحدهما مستيقظاً والآخر نائماً، فاضطجع المهاجري وقام الأنصاري يصلي، فجاء ذلك الرجل ولما رأى ذلك الشخص الواقف علم أنه ربيئة للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يعني: أنه جعل للحراسة ولتنبيههم إذا حصل أمر يخشى منه،
فهذا هو المقصود بالربيئة؛ فإن الربيئة هو الذي يشرف من مكان عالٍ أو يرصد باباً أو طريقاً بين جبلين كما حصل لهم في هذه المناسبة وفي هذا الموقف، حيث كانا في فم الشعب الذي يأتي الآتي منه، فلما علم أنه ربيئة رماه بسهم فأصابه، يعني: أصاب ذلك الذي يصلي، فنزع ذلك الأنصاري السهم، واستمر في صلاته، حتى رماه بثانٍ وثالث،
وبعد ذلك انتبه المهاجري، وقال له: ألا نبهتني من أول مرة، فقال: كنت أقرأ في سورة فكرهت أن أقطعها، يعني: لم يحب أن يقطعها، بل أحب أن يواصل قراءتها حتى يكملها، وحصل ما حصل.
فلما علم الكافر الذي لحق بهم، والذي رمى هذا الأنصاري الذي يصلي أنهم علموا به هرب حتى لا يدركوه. ومحل الشاهد من إيراد القصة: أن هذا الأنصاري كان يصلي في دمائه؛ لأنه نزع السهم، واستمر في الصلاة، ثم نزع الثاني واستمر في الصلاة، ثم نزع السهم الثالث حتى فرغ من صلاته. ولامه ذلك المهاجري الذي كان معه، وقال: ألا نبهتني لما رمى بأول سهم؟ فأخبره بأنه كان مشتغلاً بقراءة سورة، فلم يحب أن يقطع صلاته حتى يكمل السورة التي كان مشتغلاً بقراءتها رضي الله تعالى عنه. والمقصود: أن هذا الرجل صلى في الدم الذي كان يخرج منه، قالوا:
فهذا دليل على أن خروج الدم لا ينقض الوضوء ولا يلزم منه طهارة، والذي يقول: إنه ينقض الوضوء يقول: إن الضرورات لها أحوالها، ويمكن للإنسان أن يصلي إذا كان مضطراً ولو كان عليه نجاسة، وهذا على القول بأن الدم نجس.
تراجم رجال إسناد حديث جابر (خرجنا مع رسول الله في غزوة ذات الرقاع)

قوله:
[ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع ].
أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا ابن المبارك ].
عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن إسحاق ].
محمد بن إسحاق المدني صدوق مدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، و مسلم وأصحاب السنن.
[ حدثني صدقة بن يسار ].
صدقة بن يسار ثقة، أخرج له مسلم و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[ عن عقيل بن جابر ].
عقيل بن جابر مقبول، أخرج له أبو داود .
[ عن جابر ].
جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما، وهو صحابي ابن صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أرجح الأقوال في نجاسة الدم وحكم الصلاة به
أما حكم صلاة من به دم ينزف فعند الضرورة فلا إشكال أنه يسوغ للإنسان أن يصلي بدمائه، ولكن حيث لا يكون هناك ضرورة فالاحتياط أن الإنسان يتوضأ، وأما نجاسة الدم فالذي يظهر أنه نجس.
الوضوء من النوم


شرح حديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة فأخرها)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الوضوء من النوم. حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق حدثنا ابن جريج أخبرني نافع حدثني عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شغل عنها ليلة فأخرها حتى رقدنا في المسجد، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم خرج علينا فقال: ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم) ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الوضوء من النوم، يعني: هل يتوضأ منه أو لا يتوضأ منه؟ والجواب: أن فيه تفصيلاً:
فالنوم الكثير المستغرق ينقض الوضوء، وليس هو الناقض بذاته ولكنه مظنة للنقض، وأما النوم الذي يكون عن جلوس، أو أن يكون الإنسان قائماً ثم يحصل له النعاس ويخفق رأسه ثم ينتبه، فهذا ليس مظنة لنقض الوضوء. وإنما المظنة هو الذي يكون معه استغراق، ويكون معه تمكن كالمضطجع أو المستند إلى شيء، والذي يغط من الاستغراق في النوم، أو يرى رؤيا في نومته، فهذا هو الذي يكون معه نقض الوضوء، وليس لأن النوم ناقض، ولكن لأنه مظنة النقض، يعني:
أنه قد تخرج الريح من الإنسان فينتقض وضوءه بذلك. وأما إذا كان جالساً يخفق رأسه، وإذا خفق رأسه يصحو وينتبه فهذا لا يحصل معه انتقاض الوضوء، والدليل على ذلك ما كان يحصل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كونهم كانوا يجلسون ينتظرون الصلاة فتخفق رءوسهم، ثم يقومون ولا يتوضئون. وقد أورد أبو داود رحمه الله عدة أحاديث: أولها: حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم شغل عن صلاة العشاء فأخرها،
وكان الناس في انتظاره، قال عبد الله بن عمر فرقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، ثم رقدنا، ثم استيقظنا، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بنا)، وهنا لم يذكر أنهم لم يتوضئوا، والذي يفهم منه هو إما أن يكون مقصوده أنهم كانوا جالسين، والمقصود بالرقاد هو النعاس وخفقان الرءوس، فهذا أمره واضح لا إشكال فيه، وأما إذا كان مع اضطجاع فإنه لابد من الوضوء، وكونه لم يذكر أنهم لم يتوضئوا لا يدل على عدمه، ولم يأت فيه أنهم لم يتوضئوا والحالة هذه: كونهم رقدوا ثم قاموا ثم رقدوا ثم قاموا ثم رقدوا ثم قاموا، يعني: إن لم ينقل أنهم توضئوا فإن ذلك لا يدل على أنهم يصلون بدون وضوء مع الاستغراق في النوم، أما إذا كان المقصود به الإشارة إلى حصول النعاس عن طريق الجلوس فهذا يحصل منهم، فكانت تخفق رءوسهم ويقومون ويصلون ولا يتوضئون؛ لأنهم كانوا جالسين متمكنين، وخفق الرأس غالباً إذا حصل من الجالس سببه أنه نعس، يعني: أنه بمجرد خفق الرأس يصحو وينتبه فإنه حصل له نعاس. أما إذا كان مضطجعاً أو مستنداً أو رأى رؤيا فهذا نوم يحصل معه نقض الوضوء؛
لأنه مظنة لحصول خروج الريح غالباً. والحاصل: أن النوم الذي يكون عن جلوس وعن غير تمكن، ويكون معه خفق الرأس لا ينتقض معه الوضوء، وإذا كان عن طريق اضطجاع أو استناد، أو تمكن في النوم، فإن هذا لابد فيه من الوضوء. قوله: [ (ليس أحد ينتظر الصلاة غيركم) ]. يعني: أن الناس غيركم قد صلوا، وأنتم الذين تنتظرون الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم انتظروا الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما غيرهم فإنهم صلوا عند أول الوقت، وما حصل لهم ذلك الشغل الذي شغلهم، ومن المعلوم أن الإنسان في صلاة ما انتظر الصلاة، وتأخير صلاة العشاء جاء ما يدل عليه، ولكن إذا كان التأخير يترتب عليه مشقة على الناس، أو حصول النوم عن الصلاة، فإنه تقدم الصلاة في أول وقتها،
وإذا كانوا جماعة وهم مع بعضهم، وكان الأمر لا يترتب عليه محظور وأخروا الصلاة بحيث لا يصل إلى نصف الليل فهو أفضل، وتأخيرها إلى نصف الليل لا يجوز؛ لأن هذا هو نهاية الوقت الاختياري، فلا يجوز تأخيرها عن نصف الليل، ولا الوصول إلى نصف الليل؛ لأنه بذلك يكون الإنسان قد أخرجها عن وقتها، وذلك لا يجوز. وإذا كان يترتب على التأخير مضرة على الناس، أو أن الناس ينامون عن الصلاة، فالأفضل هو صلاتها في أول الوقت.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله شغل عنها ليلة فأخرها...)
قوله:
[ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ].
أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا عبد الرزاق ].
عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا ابن جريج ].
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ثقة فقيه يرسل ويدلس، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني نافع ].
نافع مولى ابن عمر ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني ابن عمر ]
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، صحابي ابن صحابي، وهو أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة) وتراجم رجال إسناده
قال المصنفر رحمه الله تعالى: [ حدثنا شاذ بن فياض حدثنا هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أنه قال: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم، ثم يصلون ولا يتوضئون) ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أنهم كانوا يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة، فينتظرون الصلاة، فتخفق رءوسهم يعني: من النوم وهم جالسون، فيقومون للصلاة ولا يتوضئون، وهذا يدل على أن مثل ذلك لا يحصل معه انتقاض الوضوء؛ لأن الإنسان منتبه ومتمكن في الجلوس، وإذا حصل منه النعاس خفق رأسه فتنبه،
وذهب عنه النوم، فمثل ذلك لا يحصل معه انتقاض وضوء؛ لأنه لا يمكن أن يكون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يفعلون ذلك بين يديه، وبحضرته صلى الله عليه وسلم، ويصلون بغير وضوء، فدل على أن مثل هذا النوم هو النعاس، وهو لا ينقض الوضوء، وإنما الذي ينقضه هو الذي يكون مظنة الحدث، وهو الذي أشرت إليه آنفاً. قوله:
[ حدثنا شاذ بن فياض ].
شاذ بن فياض قيل
: إن هذا لقبه واسمه هلال ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود و النسائي .
[ حدثنا هشام الدستوائي ].
هشام بن عبد الله الدستوائي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء الآخرة...) من طريق ثانية

[ قال أبو داود زاد فيه شعبة عن قتادة قال: (كنا نخفق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة بلفظ آخر ]. أورد أبو داود الإشارة إلى طريق أخرى لحديث أنس وفيها:
(كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رءوسهم ثم يصلون ولا ينتظرون) يعني: على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعنى ذلك أنه لو كان ذلك الفعل الذي فعلوه لا تصح معه صلاة لأنهم يعتبرون غير متوضئين لنزل الوحي، ولعرفوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
(كنا نعزل والقرآن ينزل، ولو كان شيء ينهى عنه لنهانا عنه القرآن) فأضاف ذلك إلى العمل إلى عهد النبوة. فكذلك هنا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كانوا تخفق رءوسهم ثم يصلون، فدل هذا على أن مثل هذا العمل ومثل هذا النوم اليسير الذي يكون عن جلوس في انتظار الصلاة أنه لا يؤثر؛ لأنه ليس مظنة الحدث، وإنما الذي يتوضأ منه هو ما كان مظنة الحدث وهو النوم المستغرق.

تراجم رجال إسناد حديث (كان أصحاب رسول الله ينتظرون العشاء...) من طريق ثانية

قوله:
[ زاد فيه شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. قوله:
[ ورواه ابن أبي عروبة عن قتادة ].
هو سعيد بن أبي عروبة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (..فقام يناجيه حتى نعس القوم...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل و داود بن شبيب قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني : أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (أقيمت صلاة العشاء فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن لي حاجة، فقام يناجيه حتى نعس القوم أو بعض القوم، ثم صلى بهم ولم يذكر وضوءاً)].
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وفيه: (أقيمت الصلاة فقام رجل وقال: يا رسول الله! إن لي حاجة، فوقف معه يسمع منه ويقضي حاجته، حتى نعس الناس) يعني: أنه حصل منهم النعاس وهم جالسون، ثم قاموا، ثم دخل الرسول في الصلاة وصلى بهم، وهذا يدلنا على أن مثل ذلك النعاس الذي يحصل في حال الجلوس لا يؤثر، وأنه لا ينتقض به الوضوء، وكان ذلك بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الحديث دليل على أنه يمكن الفصل بين الإقامة والصلاة، وذلك أن الصلاة أقيمت، فجعل الرجل يناجيه حتى حصل النعاس لبعض الصحابة، يعني: أنه مكث مدة وهو يناجيه، فدل ذلك على أن حصول مثل ذلك لا يؤثر، فإذا أقيمت الصلاة وحصل شيء يشغل، أو كان الناس ينتظرون إمامهم، بأن يكون مثلاً عرضت له حاجة أو حصل له شيء،
وأراد أن ينتظروه قليلاً فانتظروه، فإن هذا الفصل الذي بين الإقامة والصلاة لا يؤثر. ثم أيضاً فيه رد على من يقول من الحنفية: إذا قال المؤذن في الإقامة: قد قامت الصلاة، يدخل الإمام في الصلاة، فيقول: الله أكبر؛
فهذا الحديث يرد هذا، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أقيمت الصلاة ومكثوا مدة ينتظرون دخوله في الصلاة، فلا يكون الدخول في الصلاة عند قول المؤذن: قد قامت الصلاة، بل السنة أنه يجاب المؤذن عند ذكر الإقامة كما يجاب بالنسبة للأذان، ويصلى ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعى بدعاء الوسيلة؛ لأن ذلك داخل تحت عموم قوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن) ثم بعد ذلك يأتي بالصلاة والدعاء بالوسيلة للرسول صلى الله عليه وسلم.
فالقول بأنه عندما يقول: قد قامت الصلاة، يقول الإمام: الله أكبر، ويدخل الإمام في الصلاة والمؤذن ما أكمل الإقامة، هذا الذي جاء في هذا الحديث يدل على خلافه من جهة أنهم بعد الإقامة انتظروا حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من مناجاة ومحادثة ذلك الشخص الذي كان يحدثه.
تراجم رجال إسناد حديث: (...فقام يناجيه حتى نعس القوم...)

قوله:
[ حدثنا موسى بن إسماعيل ].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ و داود بن شبيب ].
داود بن شبيب صدوق، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و ابن ماجة .
[ قالا: حدثنا حماد بن سلمة ].
حماد بن سلمة ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[ عن ثابت البناني ].
ثابت بن أسلم البناني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس ].
أنس بن مالك رضي الله عنه وقد مر ذكره. وهذا الإسناد رباعي، وهذا من أعلى الأسانيد عند أبي داود ؛ لأنه من الرباعيات و موسى بن إسماعيل و داود بن شبيب في طبقة واحدة؛ لأنهما يعتبران شيخين لأبي داود ، ووجود الاثنين وهما من مشايخ أبي داود في طبقة واحدة لا يمنع أن يقال له: رباعي؛ لأنه عن موسى بن إسماعيل عن حماد عن ثابت عن أنس ، وعن داود بن شبيب أيضاً عن حماد عن ثابت عن أنس ، فهو رباعي. فذكر الاثنين فيه لكونهم من الشيوخ لا يقال: إنه خماسي؛ لأن الاثنين في طبقة واحدة، وكل واحد منهم قد أسند الحديث، فهو حديث رباعي يرويه أبو داود عن شيخين من مشايخه. وهو من أعلى ما يكون عند أبي داود ، وأصحاب الكتب الستة الذين هم: البخاري و مسلم و أبو داود و الترمذي و النسائي و ابن ماجة .
و البخاري هو أكثر أصحاب الكتب الستة ثلاثيات؛ لأن الأحاديث الثلاثية بلغت عنده اثنين وعشرين حديثاً، كلها ثلاثية، ليس بين البخاري وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها سوى ثلاثة أشخاص. و الترمذي عنده حديث واحد ثلاثي. و ابن ماجة : عنده خمسة أحاديث ثلاثية، ولكن الخمسة الأحاديث كلها بإسناد واحد وهو إسناد ضعيف. وأما مسلم فليس عنده ثلاثيات، و أبو داود ليس عنده ثلاثيات، و النسائي ليس عنده ثلاثيات، فمسلم و أبو داود و النسائي أعلى ما عندهم الرباعيات،
والذي معنا هو من أعلى ما يكون عند أبي داود ، فإن أعلى ما يكون عند أبي داود هو أربعة أشخاص بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهكذا الإسناد الذي قبله الذي هو شاذ بن فياض عن هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس بن مالك ، هو أيضاً رباعي، ومن أعلى الأسانيد عند أبي داود .
شرح حديث: (..إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن معين و هناد بن السري و عثمان بن أبي شيبة عن عبد السلام بن حرب ، وهذا لفظ حديث يحيى عن أبي خالد الدالاني عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، قال فقلت له:
صليت ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) زاد عثمان و هناد (فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله). قال أبو داود : قوله: (الوضوء على من نام مضطجعاً) هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة وروى أوله جماعة عن ابن عباس ولم يذكروا شيئاً من هذا، وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظاً. وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنام عيناي ولا ينام قلبي). وقال شعبة :
إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى، وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث (القضاة ثلاثة)، وحديث ابن عباس : (حدثني رجال مرضيون منهم عمر وأرضاهم عندي عمر ). قال أبو داود : وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ؟ ولم يعبأ بالحديث ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ) يعني: ينفخ في نومه. وقوله: [ (ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ) ]. أي: أنه كان يقوم ويصلي ولا يتوضأ، ولما قال له ابن عباس في ذلك، قال: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) يعني: وذكر بعد ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم محفوظ يعني: أنه تنام عينه ولا ينام قلبه،
ولا يحصل له ما يحصل لغيره. ثم ذكر أن الإشكال فيما يتعلق بقوله: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)، وقصره عليه، وأن هذا يكون للأمة، وأنه لا ينقض الوضوء إلا إذا كان مضطجعاً، ولكن هذا الحديث منكر، كما قال أبو داود رحمه الله؛ لأن النوم المستغرق سواء كان مضطجعاً أو غير مضطجع ناقض للوضوء، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاء عنه شيء من هذا ولم يحصل منه أنه توضأ، فإنه لم ينتقض وضوءه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه محفوظ من أن يحصل منه ذلك،
ولأنه قد قال: (تنام عيناي ولا ينام قلبي)، وهذا من خصائصه التي يتميز بها صلوات الله وسلامه وبركاته عليه عن الأمة. فما جاء متعلقاً بالرسول صلى الله عليه وسلم يكون من خصائصه، يعني: من كونه يحصل منه النوم، ثم يقوم ويصلي؛ لأن عينه تنام ولا ينام قلبه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وأما قوله: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)،
فهذا منكر، ولا يصح وقد جاء من طريق قتادة عن أبي العالية ، وقال شعبة : لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا أربعة أحاديث، يعني: وهذا الحديث ليس منها، فقتادة مدلس، ولم يسمع من أبي العالية إلا أربعة أحاديث، وليس هذا منها، إذاً: فيكون ضعيفاً. قوله: [ عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسجد وينام وينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ، قال فقلت له: صليت ولم تتوضأ وقد نمت؟ فقال: إنما الوضوء على من نام مضطجعاً) زاد عثمان و هناد :
(فإنه إذا اضطجع استرخت مفاصله) ]. يعني: وكان ذلك أدعى لحصول الحدث منه. [ قال أبو داود : قوله: (والوضوء على من نام مضطجعاً) هو حديث منكر لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة ]. قوله: [ وروى أوله جماعة عن ابن عباس رضي الله عنهما ولم يذكروا شيئاً من هذا ]. أي: لم يذكروا أن الوضوء على من نام مضطجعاً. يعني: أنه أراد أن يميز بين ما جاء في أوله، وما جاء في آخره، يعني: ما جاء في أوله يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم وله طرق أخرى، وما جاء في آخره إنما جاء من طريق أبي خالد الدالاني عن قتادة ، و قتادة يرويه عن طريق أبي العالية ، والأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث وليس هذا منها، إذاً: فهو ضعيف لا يحتج به. قوله: [ وكان النبي صلى الله عليه وسلم محفوظاً.
وقالت عائشة رضي الله عنها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تنام عيناي ولا ينام قلبي) ]. يعني: أن هذا كله يتعلق بأول الحديث، وهو الذي جاء له شواهد وطرق، وأما ما جاء في آخره فهو المنكر، وهو الذي فيه تشريع للأمة، وهو يخالف ما جاء من الأحاديث الأخرى المتعلقة بالنوم، وأنه يكون فيه نقض الوضوء، لأنه مظنة الحدث. قوله:
[ وقال شعبة : إنما سمع قتادة من أبي العالية أربعة أحاديث: حديث يونس بن متى وحديث ابن عمر في الصلاة، وحديث: (القضاة ثلاثة) وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (حدثني رجال مرضيون منهم عمر وأرضاهم عندي عمر ) ]. يعني: أن شعبة أشار إلى الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية ، وليس هذا منها، إذاً: فهو حديث معلول وضعيف؛ لأن قتادة مدلس ولم يسمع من أبي العالية إلا أربعة أحاديث وليس هذا الحديث من تلك الأحاديث الأربعة التي ذكرها شعبة . [ قال أبو داود : وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً له وقال ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ؟ ولم يعبأ بالحديث ]. ثم قال أبو داود : إنه ذكر ذلك للإمام أحمد بن حنبل فانتهرني استعظاماً لما جاء فيه من كون الوضوء على من نام مضطجعاً، يعني: انتهره في أن يشتغل بمثل ذلك، وأن يلتفت إلى مثل ذلك، وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة ؟ ولم يعبأ به،
يعني: أنه يأتي بشيء انفرد به عن أصحاب قتادة ، وأيضاً هذا الحديث لم يكن من الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية ، يعني: ففيه عدة علل: مخالفة أبي خالد لأصحاب قتادة ، وكون قتادة سمع أربعة أحاديث من أبي العالية ، وهذا الحديث مما يرويه قتادة عن أبي العالية ، وهو ليس بواحد من تلك الأحاديث التي تعتبر أنها من مسموعاته، والتي لا تدليس فيها.
تراجم رجال إسناد حديث: (إنما الوضوء على من نام مضطجعاً)
قوله:
[ حدثنا يحيى بن معين ].
يحيى بن معين المحدث الناقد الإمام في الجرح والتعديل، حديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ و هناد بن السري ].
هناد بن السري أبو السري ثقة، أخرج له البخاري في خلق أفعال العباد، و مسلم وأصحاب السنن.
[ و عثمان بن أبي شيبة ].
عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ عن عبد السلام بن حرب ].
عبد السلام بن حرب ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وهذا لفظ حديث يحيى ]. يعني: أنه لما ذكر ثلاثة من شيوخه أخبر بأن اللفظ الموجود إنما هو ليحيى بن معين الذي هو الشيخ الأول. [ عن أبي خالد الدالاني ]. يزيد بن عبد الرحمن الأسدي أبو خالد الدالاني صدوق يخطئ كثيراً، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة. [ عن قتادة ]. قتادة قد مر ذكره. [ عن أبي العالية ]. هو رفيع بن مهران وهو ثقة،
أخرج له أصحاب الكتب الستة. [ عن ابن عباس ]. عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية
والأحاديث التي سمعها قتادة من أبي العالية هي: حديث يونس بن متى الحديث الذي يقول فيه الرسول: (لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس بن متى).
وحديث ابن عمر في الصلاة قال في عون المعبود: لعله الحديث الذي فيه: (لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس). وحديث: (القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار)، وسيأتي. وحديث ابن عباس : (حدثني رجال مرضيون وأرضاهم عندي عمر ...) وهو يتعلق بالصلاة بعد العصر.
شرح حديث: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حيوة بن شريح الحمصي في آخرين قالوا: حدثنا بقية عن الوضين بن عطاء عن محفوظ بن علقمة عن عبد الرحمن بن عائذ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ) ]. أورد أبو داود حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ)، وهذا يدل على أن النوم مظنة الحدث،
وليس هو الحدث؛ لأنه لو كان النوم هو الحدث لكان يسيره وقليله سواء، كغيره من النواقض إذا خرج من أحد السبيلين، فإن أي شيء يسير ينتقض به الوضوء، والإنسان إذا أكل لحم جزور قليلاً أو كثيراً ينتقض به الوضوء، ولا يفرق بين القليل والكثير، لكن النوم ليس هو الحدث، وإنما هو مظنة الحدث؛ لأنه لو كان هو الحدث لكان لا فرق بين القليل ولا الكثير، ولكان أي نوم ينتقض به الوضوء. وقوله: (العينان وكاء السه) يعني: كالوكاء، والسه: هو الدبر؛ والإنسان ما دام مستيقظاً وأراد شيء أن يخرج منه فإنه يمنعه ويحبسه؛ لأنه مستيقظ متنبه، فإذا نامت العينان استطلق الوكاء، يعني: لا يكون عنده علم،
وليس عنده شعور وإدراك بحيث إنه يمنع، فإذاً: يحصل الناقض. فقوله: (العينان وكاء السه) يعني: هما كالوكاء الذي يوكى به الوعاء، فهما وكاء للدبر، والإنسان ما دام مستيقظاً فهو متنبه، وعندما يأتي شيء يريد أن يخرج فإنه يحبسه ويمنعه من أن يخرج، فلا يحصل منه الحدث؛ لأنه عنده العلم والشعور لكونه مستيقظاً، أما إذا نام وكان هناك شيء سيخرج فإنه يخرج. وقوله: (العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ) لأنه مظنة نقض الوضوء غالباً.
تراجم رجال إسناد حديث: (وكاء السه العينان، فمن نام فليتوضأ)
قوله: [ حدثنا حيوة بن شريح ].
حيوة بن شريح الحمصي ثقة، أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .
[ في آخرين ].
يعني: ليس هو الذي حدثه وحده، بل معه ناس آخرون لكنه لم يذكرهم أبو داود .
[ قالوا: حدثنا بقية ].
هو ابن الوليد الحمصي وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ عن الوضين بن عطاء ]. الوضين بن عطاء صدوق سيئ الحفظ، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن محفوظ بن علقمة ]. محفوظ بن علقمة صدوق، أخرج له أبو داود و النسائي في مسند علي و ابن ماجة . [ عن عبد الرحمن بن عائذ ].
عبد الرحمن بن عائذ ثقة، أخرج له أصحاب السنن الأربعة. [ عن علي ]. علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهاديين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، أبو السبطين رضي الله تعالى وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث صححه بعض أهل العلم."


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #66  
قديم 05-12-2021, 11:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [034]
الحلقة (65)

شرح سنن أبي داود [034]


اجتناب النجاسات شرط من شروط الصلاة، ومن ذلك اجتناب الأذى، وما كان من الأذى خارجاً من الجسم كالمذي فله أحكام تتعلق به، وقد بينت ذلك الأحاديث النبوية.

ما جاء في الرجل يطأ الأذى برجله


شرح حديث: (كنا لا نتوضأ من موطئ ولا نكف شعراً ولا ثوباً)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الرجل يطأ الأذى برجله. حدثنا هناد بن السري و إبراهيم بن أبي معاوية عن أبي معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثني شريك و جرير و ابن إدريس عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله رضي الله عنه: (كنا لا نتوضأ من موطئ ولا نكف شعراً ولا ثوباً). قال أبو داود : قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه: عن الأعمش عن شقيق عن مسروق أو حدثه عنه قال: قال عبد الله . وقال هناد : عن شقيق أو حدثه عنه، قال:
قال عبد الله ]. أورد أبو داود رحمه الله باباً في الرجل يطأ الأذى برجله، يعني: ماذا يصنع؟ هل يعيد الوضوء أم ماذا يفعل؟ أما إعادة الوضوء فلا إعادة، لكن الكلام هو على هذا الذي وطئه، هل هو نجاسة أو غير نجاسة، فإن كان ليس بنجاسة فلا يؤثر؛ لأن الإنسان إذا صلى وعلى قدمه شيء من الأذى الذي هو طاهر وليس بنجس، فلا يؤثر ذلك، وأما إن كان يعلم أنه نجاسة فعليه أن يزيل النجاسة، وهو باقٍ على طهارته، وباقٍ على وضوئه، أي: إذا وطئت رجله شيئاً فيه نجاسة فلا ينتقض وضوءه بوطء النجاسة، وإنما عليه أن يزيل تلك النجاسة وبأن يغسلها، هذا إذا عرف أنه شيء نجس، وأنه رطب، وأنه يعلق بالقدم. أما لو وطئ على أرض متنجسة ورجله يابسة، فأيضاً لا يحتاج إلى غسل ما دام أن رجله ليس فيها رطوبة أو الأرض التي فيها النجاسة ليست رطبة تعلق بالرجل، فإنه لا يلزم الغسل؛ لأنه لم يعلق برجله شيء. أما إذا كانت الرجل رطبة ووطئت على أرض متنجسة، أو كانت الرجل يابسة ووطئت على نجاسة رطبة فعلقت بالرجل فعليه أن يزيل تلك النجاسة وأن يغسلها، والوضوء يبقى على حاله؛
لأن إزالة النجاسة شيء، والوضوء شيء آخر، وكون الإنسان يطأ النجاسة فلا ينتقض بهذا وضوءه، وإنما عليه أن يزيل النجاسة التي حصلت له بغسلها، والوضوء على حاله، وباقٍ على أصله. فالذي يطأه الناس أو يطأه الإنسان فيه تفصيل: إن كان ليس بنجس لا يؤثر، ولكن كونه يغسل حتى يزول أثر هذا الشيء عن رجله فهذا شيء طيب وهذا شيء مما ينبغي، لكنه ليس بلازم، وإن كانت الرجل رطبة أو الأرض رطبة وفيها نجاسة وحصل علوقها بالرجل بسبب الرطوبة فإنه يلزم غسل النجاسة. وإن كان يجهل أنه نجس أو غير نجس، فالأصل هو الطهارة، مثل المياه التي تكون في الأسواق وفي الشوارع، فالإنسان إذا لم يتحقق نجاستها فالأصل فيها الطهارة، ولا يحتاج إلى أن يغسل رجليه بسبب ذلك الذي وطئه في الشوارع وفي الطرقات إذا لم يكن متحققاً بأنه نجس. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: (كنا لا نتوضأ من موطئ) يعني:
بسبب وطء الشيء، ولعل المقصود هنا بالوضوء: الوضوء اللغوي، الذي هو غسل الرجل، وليس الوضوء الشرعي، الذي هو غسل الوجه واليدين, وعلى هذا يكون قوله هنا: (لا نتوضأ من موطئ) يعني: لا نغسل الرجلين بسبب وطئهما للأذى. لكن كما قلت: إذا كانت النجاسة معروفة ومحققة، والإنسان وطئها وهي رطبة وعلقت برجله، أو كانت النجاسة يابسة ورجله رطبة ووقعت على النجاسة، فالنجاسة تغسل، ما دام أنه تحقق أن النجاسة وصلت إلى رجله؛ لأنه يلزم عند الصلاة طهارة البدن والثوب والبقعة، وذلك بأن يكون بدنه ليس فيه نجاسة، وثيابه ليس فيها نجاسة، والبقعة التي يصلي فيها ليس فيها نجاسة، إلا إذا كانت متنجسة وفرش عليها فراش، والإنسان يصلي على الفراش فهذا لا يؤثر. وقوله: (ولا نكف شعراً ولا ثوباً) يعني: في الصلاة، فلا نرفعها،
وإنما نرسلها حتى يصيبها ما يصيب غيرها من مواضع السجود، فالإنسان لا يكف شعراً، فإذا كان شعره متدلياً فلا يكفه من أجل أن يسجد، بل يجعله يسجد معه، وكذلك الثوب لا يرفعه عن الأرض حتى يسجد، بل عليه أن يترك ثيابه ويصلي على هيئته ولا يكف شعراً ولا ثوباً.

تراجم رجال إسناد حديث: (كنا لا نتوضأ من موطئ ولا نكف شعراً ولا ثوباً)
قوله:
[ حدثنا هناد بن السري ].
هو هناد بن السري أبو السري، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد و مسلم وأصحاب السنن الأربعة.
[ و إبراهيم بن أبي معاوية ].
أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ، و إبراهيم بن أبي معاوية صدوق أخرج حديثه أبو داود وحده.
[ عن أبي معاوية ].
هو أبو معاوية محمد بن خازم الضرير الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
(ح) هي للتحول من إسناد إلى إسناد، و عثمان بن أبي شيبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثني شريك ].
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيراً، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن. [ و جرير ]. هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي، ثم الرازي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ و ابن إدريس ].
هو عبد الله بن إدريس الأودي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش ].
هنا يلتقي الإسنادان -الإسناد الأول والإسناد الثاني- عند الأعمش ، و الأعمش هو سليمان بن مهران الكاهلي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن شقيق ].
هو شقيق بن سلمة الكوفي أبو وائل، مشهور بكنيته، ويأتي ذكره بالكنية كثيراً، ويأتي ذكره بالاسم كما هنا شقيق بن سلمة ، وهو ثقة مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام ولم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ قال عبد الله ].
هو عبد الله بن مسعود الهذلي رضي الله تعالى عنه،
صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد فقهاء الصحابة، وكانت وفاته سنة (32هـ) في خلافة عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه. وقد ذكر بعض أهل العلم أنه أحد العبادلة الأربعة؛ لكن الصحيح أنه ليس منهم؛ لأن المشهور أن العبادلة هم من صغار الصحابة، وهم متقاربون في السن، وقد عاشوا إلى ما بعد سنة 60هـ، وأدركهم من لم يدرك ابن مسعود ؛
وهم عبد الله بن عمر و عبد الله بن عمرو و عبد الله بن الزبير و عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين. وعبد الله بن مسعود حديثه عند أصحاب الكتب الستة. [ قال أبو داود : قال إبراهيم بن أبي معاوية فيه: عن الأعمش عن شقيق عن مسروق أو حدثه عنه قال: عبد الله ]. يعني أن أبا دواد له فيه ثلاثة شيوخ: هناد بن السري و إبراهيم بن أبي معاوية و عثمان بن أبي شيبة ،
واللفظ الذي ساقه هو بلفظ عثمان بن أبي شيبة ، ليس فيه شك، ولما ذكر الإسناد والمتن أشار بعد ذلك إلى ما عند شيخه الأول وشيخه الثاني إبراهيم بن أبي معاوية و هناد بن السري ، فإن آخر الإسناد عندهما يختلف عما عند عثمان بن أبي شيبة ؛ لأن اللفظ الذي سيق هو لفظ عثمان بن أبي شيبة . [عن الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله ]. يعني أن الرواية من طريق عثمان بن أبي شيبة فيها الأعمش عن شقيق قال: قال عبد الله ، هذه هي الصيغة التي جاءت من طريق عثمان بن أبي شيبة .
[عن شقيق عن مسروق أو حدثه عنه].
يعني: أن شقيقاً يروي عن مسروق بالعنعنة أو بالتحديث، ففيه شك هل قال شقيق :
عن مسروق أو أن شقيقاً حدثه عن عبد الله بن مسعود . [وقال هناد عن شقيق أو حدثه عنه أنه قال: قال عبد الله ]. إسناد هناد بن السري هو نفس الإسناد الأول، ولا توجد زيادة، ولكن فيه الشك هل قال الأعمش عن شقيق أو قال: حدثه عنه، يعني: هل أتى بـ(عن) أو أتى بصيغة التحديث.

حكم من يحدث في الصلاة


شرح حديث: (إذا فسا أحدكم في الصلاة ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيمن يحدث في الصلاة. حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول عن عيسى بن حطان عن مسلم بن سلام عن علي بن طلق رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف فليتوضأ وليعد الصلاة)]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب من يحدث في الصلاة، يعني: ماذا يصنع؟ والجواب: أنه يقطع صلاته وينصرف ويتوضأ ويعيد الصلاة.
وقد أورد فيه حديث علي بن طلق رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا فسا أحدكم في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليعد الصلاة). (فلينصرف): يعني يقطع صلاته؛ لأنه حصل منه الحدث، وخروج الريح من الإنسان هو حدث ينتقض به الوضوء، ومن كان في الصلاة وحصل منه الحدث فإن عليه أن يقطع صلاته،
وهذا فيما إذا تحقق خروج الريح؛ لأنه سبق أن مر بنا في الحديث: (إذا شك أحدكم أنه خرج منه شيء في الصلاة فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فالشيء الخارج من دبره إما صوت يسمع للريح الخارجة، أو يشم رائحة لتلك الريح التي خرجت منه، فعند ذلك يكون متحققاً بأن وضوءه انتقض، وإذا كان الأمر كذلك فعليه أن يقطع الصلاة وينصرف ويتوضأ ثم يعيد الصلاة، يعني: يستأنف الصلاة من جديد، ولا يبني على ما تقدم مما كان قبل الإحداث، وإنما عليه أن يعيد كما جاء في هذا الحديث،
وقد جاء حديث فيه ضعف، وفيه: أنه يذهب ويتوضأ وهو في ذلك لا يتكلم ثم يبني على ما كان قد صلى، لكن الذي جاء في هذا الحديث هو الأظهر وهو الأولى؛ لأن الصلاة حصل بطلانها بخروج الريح التي خرجت من الإنسان، فعليه أن يتوضأ لتلك الريح التي خرجت ويعيد الصلاة من أولها.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا فسا أحدكم في الصلاة ..)
قوله:
[حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عاصم الأحول ].
عاصم بن سليمان الأحول ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عيسى بن حطان ].
عيسى بن حطان مقبول، أخرج له أبو داود و الترمذي و النسائي .
[عن مسلم بن سلام ].
وهو صدوق، يعني: مقبول، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و النسائي .
[عن علي بن طلق ].
هو صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي . وهؤلاء ثلاثة رواة على نسق وعلى ولاء، كلهم أخرج لهم أبو داود و الترمذي و النسائي !

الوضوء من المذي


شرح حديث: (كنت رجلاً مذاءً فجعلت أغتسل ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المذي. حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا عبيدة بن حميد الحذاء عن الركين بن الربيع عن حصين بن قبيصة عن علي رضي الله عنه أنه قال: (كنت رجلاً مذّاءً فجعلت أغتسل حتى تشقق ظهري، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم أو ذُكر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تفعل،
إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة، فإذا فضخت الماء فاغتسل) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: باب في المذي. والمذي: بسكون الذال والياء مخففة، ويكون بكسر الذال وتشديد الياء، وهو سائل خفيف يخرج عند المداعبة والملاعبة، وهو نجس، فإذا خرج يغسل الإنسان ذكره، ويغسل ذلك الذي خرج بالماء،
ولم يأت فيه ذكر الاستجمار بالحجارة، وإنما يغسل بالماء، وخروجه ينتقض به الوضوء، ويلزم الإنسان أن يغسل ذكره وأنثييه، ويتوضأ ويصلي، وكل ما يخرج من السبيل يعتبر نجس، إلا المني فإنه طاهر.
عن علي رضي الله تعالى عنه قال: (كنت رجلاً مذاء) أي: كثير المذي، يعني: يخرج منه المذي كثيراً، وكان يظن أنه يوجب الغسل؛ لأنه حاصل بسبب الشهوة، فظن أن له حكم الإنزال وحكم المني إذا خرج من الإنسان، فكان يغتسل كلما حصل منه ذلك حتى تشقق ظهره من البرد، فإما أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أو ذُكر ذلك له، وفي بعض الأحاديث ما يدل على أنه لم يسأل بنفسه،
وأرسل المقداد بن الأسود ليسأل، وقد استحيا لكونه زوج فاطمة ، فهو يستحي من أن يتكلم بشيء حول الجماع والاستمتاع أمام الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أبوها، فأرسل المقداد بن الأسود، فكان الجواب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لا تفعل) يعني: لا تفعل الاغتسال الذي كنت تفعل، وإنما يكفيك أن تغسل ذكرك وتتوضأ. قوله: [ (إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة) ] معناه: أنه ناقض للوضوء، وعليه أن يتوضأ. وقوله: (فإذا فضخت الماء فاغتسل).
معناه: إذا وجد المني -الذي هو خروج بدفق ولذة- فهذا هو الذي يوجب الغسل، أما إذا لم يحصل شيء من هذا، وإنما حصل بدون لذة وبدون دفق فإنه لا يوجب الغسل، وإنما يوجب غسل الذكر والنجاسة التي خرجت، ويوجب الوضوء، وأما الغسل فلا يوجبه إلا خروج المني.

تراجم رجال إسناد حديث: (كنت رجلاً مذاءً فجعلت أغتسل ...)
قوله:
[حدثنا قتيبة بن سعيد ].
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا عبيدة بن حميد الحذّاء ].
عبيدة بن حميد الحذاء جاء ذكره تحت من اسمه عبيدة، بفتح أوله، وهو صدوق ربما أخطأ، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.
[عن الركين بن الربيع ].
وهو ثقة، أخرج له البخاري حديث مفرد، و مسلم وأصحاب السنن.
[عن حصين بن قبيصة ].
وهو ثقة، أخرج له أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[عن علي ].
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمّة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. الحديث السابق (إذا فسا أحدكم ...) فيه ضعف، ولكن يشهد له حديث: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، متفق عليه، فحديث:
(فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) يشهد له من حيث الانصراف، لكن من حيث كونه يعيد الصلاة فلا يدل له، لكن هذا هو الذي يظهر من جهة أن الصلاة بطلت بحصول الناقض؛ فيتوضأ ويعيد الصلاة من أصلها، ولا يبني على ما تقدم.

شرح حديث: (... إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أبي النضر عن سليمان بن يسار عن المقداد بن الأسود (أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته أستحي أن أسأله، قال المقداد : وسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إذا وجد أحدكم ذلك فلينضخ فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة) ]. هذا فيه بيان أن علياً رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وبين له العلة، وقال: إنه يستحي أن يسأله لكون ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها هي زوجته، فاستحيا أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن يواجهه بهذا السؤال حياءً منه صلى الله عليه وسلم، فسأله المقداد بن الأسود فقال:
(إذا وجد أحدكم ذلك فلينضخ فرجه) يعني: ليغسله وليتوضأ وضوءه للصلاة، ولا يوجب هذا غسلاً، وإنما يوجب الوضوء فقط؛ لأنه حصل نقض الوضوء فيتعين الوضوء. وهذا فيه أن السائل ينبغي أن يبهم الفاعل، فيقول: ما حكم الرجل يرى كذا وكذا؟ ولكن لو جاء علي رضي الله عنه وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ماذا تقول في الرجل يحصل منه كذا،
فإنه سيفهم أنه هو صاحب القصة، وأنه هو الذي يحصل منه ذلك؛ ولهذا أمر المقداد بن الأسود رضي الله عنه أن يسأله، فسأله وأجابه بأنه إذا وجد أحدكم ذلك فلينضخ فرجه وليتوضأ وضوءه للصلاة. وفي هذا دليل على أن الإنسان عندما يكون مع أصهاره وأقاربه فلا يتحدث معهم بالشيء الذي يتعلق بالجماع وبالاتصال بالنساء؛ لأن هذا من الأشياء التي يستحيا منها مع الأقارب ومع الأصهار، كما حصل ذلك من علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

تراجم رجال إسناد حديث: (... إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ ...)
قوله:
[حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[عن مالك ].
مالك بن أنس هو إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي النضر ].
وهو سالم بن أبي أمية ، وهو ثقة يرسل، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن سليمان بن يسار ].
سليمان بن يسار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
[عن المقداد بن الأسود ].
وهو المقداد بن عمرو رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهذا الحديث من مسند المقداد وليس من مسند علي رضي الله عنهما.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #67  
قديم 05-12-2021, 11:50 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح حديث: (... ليغسل ذكره وأنثييه ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن هشام بن عروة عن عروة أن علي بن أبي طالب قال للمقداد : .. وذكر نحو هذا، قال: فسأله المقداد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليغسل ذكره وأنثييه). قال أبو داود : ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وفيه: أنه يغسل ذكره وأنثييه، يعني يغسلهما عند خروج المذي، وعرفنا أنه لا يكفي فيه الاستجمار، بل لابد فيه من الغسل.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ليغسل ذكره وأنثييه ...)
قوله:
[حدثنا أحمد بن يونس ].
هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا زهير ].
هو ابن معاوية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن هشام بن عروة ].
وهو ثقة ربما دلّس، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عروة ].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. [أن علي بن أبي طالب قال للمقداد ]. هو المقداد بن الأسود رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
[قال أبو داود : ورواه الثوري وجماعة عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ].
ورواه ابن إسحاق عن هشام عن أبيه، عن المقداد عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. الثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، وهو ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. قوله: [عن هشام عن أبيه عن المقداد عن علي ] يعني: أنه من مسند علي لا أنه مسند المقداد .

شرح حديث علي: (قلت للمقداد ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: قلت للمقداد فذكر بمعناه.
قال أبو داود : ورواه المفضل بن فضالة وجماعة و الثوري و ابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورواه ابن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر (أنثييه) ]. قوله: [فذكر بمعناه]: أي: معنى الحديث المتقدم، يعني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بأن يغسل ذكره وأنثييه، ويتوضأ وضوءه للصلاة.

تراجم رجال إسناد حديث علي: (قلت للمقداد)
قوله:
[حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن أبيه ].
عبد الله بن مسلمة مر ذكره، وأبوه هو مسلمة بن قعنب ، وهو ثقة، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[حدثنا أبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي ].
عن هشام بن عروة عن أبيه عن حديث حدثه عن علي ، أبوه عروة حدثه عن علي .
[قال أبو داود : ورواه المفضل بن فضالة وجماعة و الثوري و ابن عيينة عن هشام عن أبيه عن علي بن أبي طالب ].
وهذا فيه أن الحديث من مسند علي ، يعني: أن عروة يرويه عن علي رضي الله تعالى عنه. والثوري مر ذكره، و ابن عيينة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
قوله: [ورواه ابن إسحاق ]
هو محمد بن إسحاق صاحب السيرة، صدوق يدلس، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[عن هشام بن عروة عن أبيه عن المقداد ].
وقد مرّ ذكرهم. [عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر (أنثييه_. ووجه غسل الأنثيين وإن لم يصبهما المذي؛ لأن الأنثيين لهما دخل في إفراز المني والمذي، فغسلهما مع الذكر فيه تعويض لهما عما حصل من الكسل بسبب ذلك الانتشار والانقباض الذي بعده، وأيضاً: لما قد يكون علق بهما من النجاسة التي هي من المذي.

شرح حديث (... إنما يجزيك من ذلك الوضوء ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل -يعني: ابن إبراهيم - أخبرنا محمد بن إسحاق قال: حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن أبيه عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أنه قال: (كنت ألقى من المذي شدة، وكنت أكثر منه الاغتسال، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء، قلت: يا رسول الله! فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه) ].
أورد أبو داود حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه، وقصته مثل قصة علي ، فقد كان يلقى من المذي شدة، وكان يكثر من الاغتسال مثل ما كان يفعل علي ، ولعلهما كانا يظنان أن هذا يوجب الغسل؛ لأنه متعلق بالشهوة، ومتعلق بخروج شيء، قال: (فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: إنما يجزيك من ذلك الوضوء) يعني:
يكفيك أن تتوضأ، ولا يحتاج الأمر إلى أن تغتسل، قال: (قلت: يا رسول الله! فكيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: يكفيك بأن تأخذ كفاً من ماء فتنضح بها من ثوبك حيث ترى أنه أصابه) يعني: تأخذ ماء في كفك، وترش به على المكان الذي ترى أن المذي قد أصابه، ويكفيك ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (... إنما يجزيك من ذلك الوضوء ...)
قوله: [حدثنا مسدد ].
هو مسدد بن مسرهد، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[حدثنا إسماعيل يعني ابن إبراهيم ].
هو ابن علية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا محمد بن إسحاق حدثني سعيد بن عبيد بن السباق ].
محمد بن إسحاق مر ذكره، و سعيد بن عبيد بن السباق ثقة أخرج له أبو داود و الترمذي و ابن ماجة . [عن أبيه ]. وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن سهل بن حنيف ].
سهل بن حنيف هو صحابي رضي الله عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة، وهو ممن بايع تحت الشجرة، وهو ممن تأثر وتألم كثيراً بسبب إبرام الصلح مع قريش، وكان مع علي في صفين، ولما طلب أهل الشام التحكيم كان بعض أصحاب علي يرون المواصلة والاستمرار في القتال، وكان سهل رضي الله عنه يرى أن توقف الحرب، وأن يكف الناس عن القتال، وكان يقول للذين يرون المواصلة: يا أيها الناس! اتهموا الرأي. يعني: اتهموا هذا الرأي الذي ترونه من مواصلة الحرب، ثم ذكر قصة صلح الحديبية وما حصل من كونهم رأوا رأياً وظنوا أنه الحق، ثم تبين لهم أن الحق على خلافه.

شرح حديث: (... ذاك المذي وكل فحل يمذي ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا عبد الله بن وهب حدثنا معاوية -يعني: ابن صالح - عن العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، فقال: ذاك المذي، وكل فحل يمذي، فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك، وتوضأ وضوءك للصلاة) ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث عبد الله بن سعد الأنصاري رضي الله عنه،
أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل، وعن الماء يكون بعد الماء، والمقصود بقوله: (الماء يكون بعد الماء) أي: المذي؛ لأن المذي يأتي شيئاً فشيئاً، ويأخذ له وقت، وقد يغسله الإنسان في أول الأمر ويخرج منه شيء بعد ذلك، بخلاف المني فإنه يخرج بشهوة وبدفق وينقطع بعد وقت وجيز، وأما المذي فإنه يستمر في الخروج ويتكرر،
وقد يبادر الإنسان إلى غسله ثم يخرج منه بعد غسله، فالمذي هو الماء بعد الماء، يعني المذي بعد المذي، لكونه يمذي ثم يغسله ثم يأتي المذي مرة أخرى، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الحكم فيه أنه يغسل ذكره وأنثييه، ويتوضأ وضوءه للصلاة. والحديث فيه اختصار؛ لأنه لم يذكر ما يوجب الغسل، ولكنه ذكر الذي لا يوجب الغسل وهو المذي.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ذاك المذي وكل فحل يمذي ...)
قوله:
[حدثنا إبراهيم بن موسى ].
هو إبراهيم بن موسى الرازي، ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا عبد الله بن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا معاوية يعني: ابن صالح ].
معاوية بن صالح صدوق له أوهام، أخرج حديثه البخاري في جزء القراءة، و مسلم وأصحاب السنن. [عن العلاء بن الحارث ]. وهو صدوق، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[عن حرام بن حكيم ].
حرام بن حكيم ثقة، أخرج له البخاري في جزء القراءة، وأصحاب السنن.
[عن عمه عبد الله بن سعد الأنصاري ].
وهو صحابي رضي الله عنه، أخرج حديثه أبو داود و الترمذي و ابن ماجة .

شرح حديث: (... لك ما فوق الإزار ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هارون بن محمد بن بكار حدثنا مروان -يعني: ابن محمد - حدثنا الهيثم بن حميد حدثنا العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه رضي الله عنه: (أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: لك ما فوق الإزار)، وذكر مؤاكلة الحائض أيضاً، وساق الحديث ]. حديث عبد الله بن سعد فيه: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل له من امرأته فقال: (لك ما فوق الإزار) يعني: أنك تستمتع بها بما فوق الإزار، وذكره في باب المذي؛ لأن الاستمتاع والمباشرة بدون جماع سبب لحصول المذي، هذا هو السبب في إيراد الحديث.
والحديث مشتمل على عدة أمور، منها ما تقدم، ومنها ما يتعلق باستمتاع الرجل بأهله في حال الحيض، والحائض يستمتع بها زوجها في غير الفرج، فالفرج لا يجوز إتيانه في حال الحيض، وما عدا ذلك فيمكن الاستمتاع به. قوله: [وذكر مؤاكلة الحائض أيضاً]. يعني: أنها تؤاكل، ولا يبتعد عنها زوجها أو يطلب منها أن تبتعد عن الناس في حال حيضها،
بل تؤاكل وتضاجع ولكن لا يجامعها زوجها في حال الحيض في فرجها، ويجوز الاستمتاع بها في غير الفرج، وكذا مؤاكلتها ومضاجعتها وكل شيء إلا الجماع. وهذا فيه وسطية دين الإسلام بين ما عند اليهود وما عند النصارى، فإن اليهود عندهم التشدد في عدم مؤاكلتها ومضاجعتها، والنصارى عندهم العكس، وهو وطؤها في حال الحيض، فهؤلاء متشددون، وهؤلاء مفرّطون، والإسلام وسط بين هذا وهذا، ليس فيه الابتعاد كما يحصل من تشدد اليهود، وليس فيه التفريط كما يحصل من فعل النصارى، فهي تؤاكل وتضاجع، ولكن لا تجامَع، والحق وسط بين الطرفين المتناقضين.

تراجم رجال إسناد حديث: (... لك ما فوق الإزار ...)
قوله:
[حدثنا هارون بن محمد بن بكار ].
وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي . [حدثنا مروان يعني: ابن محمد ]. وهو ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[حدثنا الهيثم بن حميد].
وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.
[حدثنا العلاء بن الحارث عن حرام بن حكيم عن عمه ].
وقد مرّ ذكر الثلاثة.

شرح حديث: (... ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني حدثنا بقية بن الوليد عن سعد الأغطش -وهو ابن عبد الله - عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي -قال هشام : وهو ابن قرط أمير حمص- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض؟ فقال: ما فوق الإزار،
والتعفف عن ذلك أفضل). قال أبو داود : وليس هو -يعني: الحديث- بالقوي ]. هذا الحديث مثل الحديث المتقدم عن عبد الله بن سعد عندما سأل عما يحل له، فقال: (ما فوق الإزار)، وهنا الجواب مثله إلا أنه قال: (والتعفف أفضل). وهذه الجملة الأخيرة فيها شيء من جهة أن الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم ثبوت ما فوق الإزار، وأنه كان عليه الصلاة والسلام يستمتع بأهله في حال الحيض، وذلك فيما فوق الإزار، وذكر التعفف يخالف ما جاء من فعله وإرشاده صلى الله عليه وسلم،
فهذه اللفظة غير مستقيمة، ولهذا فإن أبا داود رحمه الله قال عن هذا الحديث: ليس بالقوي. وقيل: إن السبب في ذلك أن عبد الرحمن بن عائذ لم يسمع من معاذ ، وقيل أيضاً: إن بقية بن الوليد الذي في الإسناد كثير التدليس على الضعفاء، وقد روى الحديث بالعنعنة. ومناسبة الحديث في باب المذي من جهة أن المباشرة يحصل بها خروج المذي.

تراجم رجال إسناد حديث: (... ما فوق الإزار والتعفف عن ذلك أفضل)
قوله:
[حدثنا هشام بن عبد الملك اليزني ].
هشام بن عبد الملك اليزني صدوق ربما وهم، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[حدثنا بقية بن الوليد ].
بقية بن الوليد صدوق كثير التدليس على الضعفاء، وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[عن سعد الأغطش ].
هو سعد بن عبد الله الأغطش، وهو لين الحديث، وحديثه أخرجه أبو داود وحده.
[عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي ].
عبد الرحمن بن عائذ الأزدي ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن. قال هشام وهو ابن قرط أمير حمص].
وهذا زيادة تعريف له.
[عن معاذ بن جبل ].
معاذ بن جبل رضي الله عنه هو صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه علل: فيه الأغطش وهو لين الحديث، وفيه بقية ، وفيه عبد الرحمن بن عائذ، فهو لم يسمع من معاذ ، لكن قوله: (ما فوق الإزار) هذا ثابت من طرق متعددة، ومن أحاديث مختلفة، ومنها الحديث المتقدم، وهو حديث عبد الله بن سعد ، وأيضاً ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر إحدى زوجاته وهي حائض فتأتزر ثم يباشرها. وكل شيء يحل للرجل من زوجته الحائض إلا الفرج، فإذا وضع شيء يمنع الوصول إلى الفرج فكل شيء منها يمكن الاستمتاع به ولو كان تحت الإزار، لكن الإنسان الذي يخشى على نفسه أن يقع في المحظور يبتعد.

الأسئلة


سفر المرأة لطلب العلم
السؤال: هل يجوز للمرأة أن تسافر من أجل طلب العلم حيث لا تجد حلقة علم في منطقتها؟

الجواب: تحصيل العلم في هذا الزمان صار متيسراً بحيث أن المرأة وغير المرأة يستطيعان طلبه في أماكنهما، عن طريق الأشرطة، وعن طريق إذاعة القرآن الكريم، وعن طريق الكتب النافعة، فمن يريد أن يحصل العلم فهو يحصله بدون سفر.

سكن المرأة بعيداً عن أسرتها بدون محرم
السؤال: هل يجوز للطالبة أن تسكن بعيداً عن أسرتها بدون محرم؟
الجواب: إذا كان لا يخشى عليها ضرر من سكناها في مكان بعيد فلا بأس بذلك، لكن إذا كان أسرتها موجودين وإياها في بلد واحد فينبغي لها أن تكون معهم، وإذا كان عندها أولاد وسكنها معهم فيه مشقة عليهم، وعندها مكان هي وأولادها، فلا بأس من بقائها وحدها.

سفر المرأة بدون محرم مع امرأة أخرى معها محرم
السؤال: هل للمرأة أن تسافر بدون محرم بصحبة امرأة أخرى ذات محرم؟

الجواب: المحرم الذي معهما هو لتلك المرأة، وأما هي فليس لها محرم، والمرأة ليست محرماً للمرأة، بل محرمها هو زوجها أو من تحرم عليه على التأبيد بنسب أو سبب مباح، هذا هو محرم المرأة، قال عليه الصلاة والسلام: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم)، والمرأة ليس لها أن تسافر مع امرأة ذات محرم؛ لأن محرم المرأة ليس محرماً للمرأة الأخرى، وإنما يجوز لها أن تسافر مع وجود محرم لها هي.

تأجيل بعض المهر إلى أجل غير معلوم
السؤال: ما حكم تأجيل بعض المهر الشرعي إلى أجل غير معلوم كالطلاق مثلاً؟
الجواب: إذا كان محدداً عند الطلاق فوجوده مثل عدمه، وماذا تستفيد منه؟! والناس قد يتخذون مثل هذا من أجل الربط، وهذا غير مستقيم. لكن كونه يكون مؤجلاً وليس محدداً، بل على حسب التيسر فلا بأس، وليس بلازم أن يقول: إنه يحل في الوقت الفلاني، وإنما يكون مؤجلاً متى ما تيسر له.

حكم الصلاة في الثوب المتنجس إذا جفت النجاسة
السؤال: إذا كانت النجاسة جافة في فراش، فهل يصلح للمصلي أن يصلي على هذا الفراش؟
الجواب: الفراش إذا كان متنجساً فلا يصلي عليه أحد إلا إذا غسل، حتى ولو كان جافاً؛ لأن من شروط صحة الصلاة: الطهارة في البدن والثوب والبقعة. فإذا كانت الأرض نجسة -ولو كانت جافة- لا يصلي عليها، وإنما تغسل الأرض حتى تطهر، ثم يصلى عليها بعد ذلك. أما أن يعلم أن هذا المكان متنجس ثم يأتي ويصلي فوقه إذا كان جافاً، فليس له أن يصلي عليه. والذي سبق أن مر معنا هو أن يمشي ويطأ على مكان متنجس ورجله جافة، والأرض يابسة، وما علق بالرجل شيء؛ فلا يلزم غسلها، وأما كونه يصلي فوق المكان المتنجس إذا كان جافاً فلا يجوز هذا.

حكم تعليق الآيات القرآنية من باب الحرز
السؤال: ما حكم تعليق الآيات القرآنية لدفع الشر وجلب الخير؟
الجواب: لا يجوز ذلك؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له).

مكان العقل من جسد الإنسان
السؤال: أين العقل من جسد الإنسان؟ وهل يعقل الإنسان بقلبه أو بمخه؟

الجواب: العقل في القلب قال الله: لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا [الحج:46]، فأضاف العقل إلى القلوب، لكن لا شك أن له اتصالاً بالدماغ، بحيث إنه عندما يحصل خلل في الدماغ يتأثر العقل، والله تعالى أعلم."

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #68  
قديم 21-12-2021, 05:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [035]
الحلقة (66)

شرح سنن أبي داود [035]

كان الحكم في أول الإسلام أنه لا يجب الاغتسال من الجماع إلا إذا أنزل المني، وكان ذلك رخصة، ثم نسخ ذلك الحكم بوجوب الغسل من الإيلاج ولو من غير إنزال. ويجوز للرجل معاودة الوطء بدون وضوء ولا اغتسال، فإن توضأ فهو أفضل، وإن اغتسل فهو أفضل وأكمل.

ما جاء في الإكسال


شرح حديث: (إنما جعل ذلك رخصة في أول الإسلام لقلة الثياب ثم أمر بالغسل...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الإكسال. حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو -يعني: ابن الحارث - عن ابن شهاب قال: حدثني بعض من أرضى أن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهما أخبره أن أبي بن كعب رضي الله عنه أخبره (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما جعل ذلك رخصة للناس في أول الإسلام لقلة الثياب، ثم أمر بالغسل ونهى عن ذلك). قال أبو داود : يعني (الماء من الماء) ].
هذا أول باب من أبواب الغسل، والإمام أبو داود رحمه الله جعل كل ما يتعلق بالطهارة من وضوء وغسل وحيض وتيمم داخل تحت كتاب الطهارة، ثم يأتي بعده كتاب الصلاة. والبخاري رحمه الله قسم هذا الكتاب إلى كتب، فإنه جعل الكتب في الطهارة أربعة: الوضوء والغسل والحيض والتيمم، ثم بعد ذلك يأتي كتاب الصلاة. والإمام أبو داود رحمه الله جعلها كلها كتاباً واحداً باسم كتاب الطهارة؛ لأن الوضوء طهارة صغرى، فهو رفع الحدث الأصغر، والغسل من الجنابة طهارة؛ لأن فيه رفع الحدث الأكبر، والغسل من الحيض وأحكام الحيض وما إلى ذلك طهارة، والتيمم الذي يحل محل هذه الأمور حيث لا يوجد الماء أو لا يقدر على استعماله مع وجوده طهارة؛ لأنه يرفع كل الأحداث المتقدمة، ففيه الطهارة لمن أراد أن يرفع الحدث الأصغر، وفيه الطهارة من الجنابة، وفيه الطهارة من الحيض، لأن التيمم بدل من الاغتسال، فهو ينوب منابه ويقوم مقامه كما يقوم مقام الوضوء. وقد بدأ الإمام أبو داود رحمه الله تعالى بالأبواب المتعلقة بالجنابة وما يتعلق بأحكامها والاغتسال منها، ثم بعد ذلك يأتي بما يتعلق بالحيض، ثم بعد ذلك يأتي بما يتعلق بالتيمم، ثم بعد ذلك يأتي كتاب الصلاة.
قوله: [باب الإكسال] الإكسال هو: كون الإنسان يجامع ولا ينزل، يعني: يحصل عنده كسل وفتور بعد النشاط فلا يحصل إنزال، هذا هو الإكسال. وقد جاءت السنة في أول الأمر على أنهم لا يغتسلون منه، وإنما الاغتسال من الإنزال فقط، وكان ذلك رخصة في أول الأمر، ثم بعد ذلك جاء الأمر بالاغتسال وإن لم يحصل إنزال، فإذا حصل إيلاج وحصل التقاء الختانين فإنه يتعين الغسل وإن لم ينزل، فكان الحكم آخراً هو أن الإكسال لا بد معه من الاغتسال، وأن الترخيص بعدم الاغتسال إنما كان في أول الأمر ثم بعد ذلك نهوا عن العمل بالشيء الذي كان مرخصاً لهم من قبل. وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، وفيه أنه كان ذلك -والمشار إليه حديث: (إنما الماء من الماء)- في أول الأمر، يعني: كانوا لا يغتسلون من الإكسال، وإنما يغتسلون من نزول الماء، الذي هو المني، ثم نسخ ذلك، وأمروا بالاغتسال، ونهوا عن الشيء الذي كانوا عليه من قبل وهو ترك الاغتسال لعدم الإنزال، فصار الحكم المستقر أنه يجب الاغتسال سواء أنزل أو لم ينزل ما دام أنه حصل الجماع وحصل التقاء الختانين. هذا إذا حصل الإيلاج وحصل التقاء الختانين، وقد جاء في حديث أبي هذا أنه كان رخصة في بدء الإسلام لقلة الثياب، وفي نسخة: (لقلة الثبات) وقوله:
لقلة الثياب. عليه عامة النسخ، والأمر فيه خفاء؛ لأن ترك الاغتسال لقلة الثياب تعليل غير واضح، لكن بعض أهل العلم قال: يمكن أن يقال: إنهم كانوا في حاجة، وكانوا في أول الأمر ليس عندهم شيء، وكان الواحد منهم يكون له ثوب واحد إذا اتسخ غسله وأعاده على نفسه، وقل فيهم من يكون له الثوبان حتى يعاقب بينهما، فلو ألزموا بالاغتسال في كل مرة ففي ذلك مشقة عليهم؛ لأن الواحد ليس عنده إلا ثوب واحد، وليس عنده ثياب متعددة لقلة ذات اليد. قيل: لعل هذا هو الوجه، لكن تعليل ترك الاغتسال مع عدم الإنزال بهذا التعليل غير واضح.
وأما على النسخة التي فيها: (لعدم الثبات) فالأمر واضح من جهة أنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام، وكان الإيمان ما استقر في قلوبهم وما تمكن في أنفسهم، فمن باب التخفيف عليهم والتسهيل لم يلزمهم بالغسل إذا لم يحصل إنزال، ولكنه بعد ذلك ألزم به، وصار من الأحكام المستقرة الثابتة التي لابد منها. ومن المعلوم أنه في أول الأمر كان التشريع يأتي على التدرج في بعض الأمور التي كانوا قد اعتادوها كالخمر، فإنها حرمت عليهم بالتدريج، وكالصيام فإنه وجب عليهم بالتخيير حتى استقر الأمر على وجوب صيام شهر رمضان. إذاً: في أول الإسلام رخص لهم هذه الرخصة، وبعد ذلك انتهت هذه الرخصة وحلت محلها العزيمة التي هي وجوب الاغتسال إذا حصل إيلاج سواء حصل إنزال أم لا، والغسل من الإنزال متعين ولو لم يحصل إيلاج، فمجرد خروج المني دفقاً بلذة يوجب الغسل، ولكن الكلام فيما يتعلق بالجماع والتقاء الختانين ثم لا يحصل إنزال.
وقد ذهب إلى البقاء على الحكم الأول بعض الصحابة؛ وذلك لأنه لم يبلغهم النسخ، ولكنه نقل عنهم الرجوع عن ذلك بعد أن بلغهم، وكذلك جاء عن بعض التابعين، والجمهور على أن الاغتسال واجب ولازم مع الإكسال، وأنه لابد منه أنزل أو لم ينزل.
تراجم رجال إسناد حديث: (إنما جعل ذلك رخصة في أول الإسلام لقلة الثياب ثم أمر بالغسل ...)
قوله:
[حدثنا أحمد بن صالح ].
أحمد بن صالح المصري وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي في الشمائل.
[حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[أخبرني عمرو يعني ابن الحارث ].
وهو ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[عن ابن شهاب ].
وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[قال: حدثني بعض من أرضى].
هنا أبهم الشخص مع التعديل والتوثيق؛ لأنه ما قال: حدثني رجل، وإنما قال: حدثني بعض من أرضى، وهذا إبهام مع التوثيق والتعديل، وهذا عند المحدثين من قبيل المبهم، وإذا علم زال الإشكال، وأما إذا لم يعلم فإنه لا يعول عليه؛ لأنه قد يكون ثقة عنده مجروحاً عند غيره، لكن ذكر بعض أهل العلم أن الرجل المبهم هو أبو حازم سلمة بن دينار وهو ثقة أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[أن سهل بن سعد الساعدي أخبره].
سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عنه صحابي مشهور، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة، وكنيته أبو العباس ، وقد قال بعض أهل العلم: إنه ليس في الصحابة من يكنى بأبي العباس إلا سهل بن سعد الساعدي و عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما.
[أن أبي بن كعب أخبره]
وهو الصحابي المشهور الذي جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة (لم يكن) قال: وسماني! قال: نعم، فبكى أبي رضي الله تعالى عنه)، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن مهران البزار الرازي حدثنا مبشر الحلبي عن محمد أبي غسان عن أبي حازم عن سهل بن سعد حدثني أبي بن كعب رضي الله عنه أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء، كانت رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدء الإسلام ثم أمر بالاغتسال بعد ].
أورد أبو داود رحمه الله الحديث من طريق أخرى، وهو مثل الذي قبله: (كانت الفتيا التي كانوا يفتون بها أن الماء من الماء في أول الإسلام، ثم أمروا بالاغتسال فيما بعد). يعني أن الأمر الأول كان رخصة، وأنهم كانوا يفتون بذلك بناء على تلك الرخصة، وبعد ذلك انتهت الرخصة وجاءت العزيمة وصار الاغتسال متحتماً من الإنزال وعدم الإنزال.
تراجم رجال إسناد حديث (أن الفتيا التي كانوا يفتون أن الماء من الماء كانت رخصة)
قوله:
[حدثنا محمد بن مهران البزار الرازي ].
وهو ثقة أخرج له البخاري و مسلم و أبو داود .
[حدثنا مبشر الحلبي ].
مبشر بن إسماعيل الحلبي وهو صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن محمد أبي غسان ].
وهو محمد بن مطرف كنيته أبو غسان ، واسم أبيه مطرف ، وفي التعليق: أن في بعض النسخ محمد بن أبي غسان والصواب ما ذكر في الكتاب بدون ذكر ابن؛ لأن كنيته أبو غسان ، وأبوه مطرف ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي حازم ].
وهو سلمة بن دينار الذي أبهمه الزهري في الإسناد السابق، ولو لم يعرف المبهم فإن وجود هذه الطريق الأخرى التي فيها تسمية جميع الرواة كاف في صحة الرواية السابقة، وإنما الإشكال لو لم يأت الحديث إلا من طريق ذلك المجهول الذي قيل فيه: (حدثني بعض من أرضى)، أما إذا جاء طريق آخر متصل فيكون شاهداً أو متابعاً لذلك الطريق الذي فيه ذلك الرجل المبهم، فالرجل المبهم هو أبو حازم كما قال ذلك بعض أهل العلم، وأيضاً جاء طريق آخر فيه تسمية أبي حازم في الرواية عن سهل بن سعد في هذا الحديث.
[عن سهل بن سعد حدثني أبي بن كعب ].
سهل وأبي قد مر ذكرهما .
شرح حديث: (إذا قعد بين شعبها الأربع ..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي حدثنا هشام و شعبة عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قعد بين شعبها الأربع، وألزق الختان بالختان؛ فقد وجب الغسل) ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (إذا قعد) أي: الرجل (بين شعبها الأربع، وألزق الختان الختان؛ فقد وجب الغسل) وفي رواية لمسلم : (وإن لم ينزل). وهنا قال: (فقد وجب الغسل) يعني: بمجرد حصول ذلك، ولم يذكر أن هناك إنزالاً، وقد جاء التنصيص في صحيح مسلم على أنه وإن لم ينزل فقد وجب الغسل، وهذا هو الناسخ لحديث: (إنما الماء من الماء) والذي كان رخصة في أول الأمر، ثم جاءت بعده العزيمة، وهي وجوب الاغتسال من الجماع إذا حصل التقاء الختان بالختان، وإن لم يحصل إنزال. قوله: (إذا جلس بين شعبها)] قيل:
المراد: بين اليدين والرجلين ثم شرع في قضاء حاجته وما يريده من الجماع فإنه يجب عليه أن يغتسل والحالة هذه وإن لم يحصل إنزال. قوله: [(وألزق الختان بالختان)] فيه دليل على مشروعية الختان للرجل والمرأة، فالختان يكون للرجل ويكون للمرأة؛ لأنه قال: (ألزق الختان بالختان)، وفي بعض الروايات:
(إذا التقى الختانان) يعني: ختان الرجل وختان المرأة، وهذا دليل على أن الختان يكون للرجل ويكون للمرأة إلا أنه واجب في حق الرجل ومستحب في حق المرأة, وليس بواجب. فإذا جلس بين شعبها ثم جهدها فقد وجب الغسل.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا قعد بين شعبها الأربع ...)
قوله:
[حدثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ].
مسلم بن إبراهيم الفراهيدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا هشام ].
هشام بن أبي عبد الله ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن قتادة ].
قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحسن ].
الحسن بن أبي الحسن البصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رافع].
عن أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. وهو غير المدني الذي يروي عن أبي هريرة ، فهو ليس مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أبو رافع الصائغ المدني وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
أبو هريرة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أكثر الصحابة حديثاً على الإطلاق.
شرح حديث: (الماء من الماء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الماء من الماء)، وكان أبو سلمة يفعل ذلك ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري : (الماء من الماء)، والمقصود من ذلك ما كان ثابتاً في أول الأمر من أن الاغتسال إنما يكون بسبب الإنزال؛ لأن قوله: (الماء) الأول المقصود به ماء الاغتسال، فهو يجب (من الماء) الذي هو المني، فمعنى:
(الماء من الماء) أن الاغتسال إنما يكون عند نزول الماء الذي هو المني. وقد جاء عن ابن عباس أن المقصود من قوله: (الماء من الماء) ما يحصل في النوم من الجماع لا يترتب عليه حكم إلا إذا وجد إنزال، أي: الاغتسال بسبب الاحتلام لا يكون إلا مع الإنزال، فلو رأى أنه جامع وتحقق في منامه أن المجامعة وجدت لكنه قام ولم يجد ماءً فلا غسل عليه، وهذا صحيح، فالعبرة بوجود المني. فابن عباس قال: إن هذا المراد بقوله: (الماء من الماء) وهذا معنى صحيح من جهة أن الحكم مستقر على أنه لابد من الاغتسال بعد الجماع سواء حصل إنزال أو لم يحصل إنزال إلا في حال النوم فإنه إذا رأى أنه جامع في المنام فلا يتعين عليه اغتسال إلا إذا وجد الماء، كما جاء في حديث المرأة التي سألت الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: نعم. إذا هي رأت الماء).
قوله: [وكان أبو سلمة يفعل ذلك] يعني: كان يرى ما يقتضيه هذا الحديث الذي هو: (الماء من الماء) وهو من التابعين الذين كانوا يرون أن الاغتسال إنما يكون مع وجود الماء، ولعل عذر من جاء عنه ذلك أنه لم يبلغه الحديث الناسخ الذي دل على خلاف ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث: (الماء من الماء)
قوله:
[حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ]. مر ذكر الأولين، و أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري ].
عن أبي سعيد الخدري وهو سعد بن مالك بن سنان الخدري مشهور بكنيته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الجنب يعود إلى الجماع


شرح حديث : (أن رسول الله طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يعود. حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا إسماعيل حدثنا حميد الطويل عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد). قال أبو داود : وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس، و معمر عن قتادة عن أنس، و صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله باب الجنب يعود. يعني:
إذا جامع ثم أراد العود إلى الجماع، هذا هو المقصود بالترجمة. يعني: أن له أن يعود وإن لم يحصل هناك اغتسال من الجماع الأول، فيمكن أن يجامع عدة مرات في غسل واحد، ولا يلزمه أن يغتسل لكل مرة، وسواء كان له امرأة أو أكثر من امرأة.
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في غسل واحد، ومن المعلوم أن كونه يطوف على نسائه في غسل واحد معناه تكرر الجماع بدون اغتسال بين كل جماعين، وهذا معناه أنه حصل العود، وهذا العود كان مع أكثر من واحدة، والعود جائز سواء كان مع الزوجة الواحدة أو مع غيرها، كله يقال له: عود إلى الجماع، ومن المعلوم أن العود مع الواحدة نفسها أو مع غيرها كل ذلك سائغ، وإن لم يحصل اغتسال. ولكن إذا وجد الاغتسال فلا شك أنه أكمل، وإذا لم يوجد الاغتسال ووجد الوضوء بين ذلك فلا شك أنه أكمل، وكل ذلك سائغ.
وفي هذا الحديث ما كان عليه الصلاة والسلام من القوة التي أعطاه الله، حيث كان يدور على نسائه بغسل واحد، وكن إحدى عشرة زوجة رضي الله تعالى عنهن وأرضاهن. قال بعض أهل العلم: فيه دليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجب عليه القسم بين زوجاته؛ لأنه دار عليهن، ومن المعلوم أن النوبة كانت لواحدة منهن، فكونه يدور عليهن مع أن النوبة لواحدة منهن دليل على عدم وجوب القسم عليه، وقد قال بهذا بعض أهل العلم.
وقال بعضهم: إن القسم واجب عليه، وكان يقسم عليه الصلاة والسلام، ويمكن أن يكون دورانه عليهن وطوافه بهن ومجامعته لهن بإذن صاحبة النوبة كما استأذن النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته أن يمرض في بيت عائشة بدلاً من أن يأتي إلى كل واحدة في ليلتها، فبقي في بيت عائشة وكانت تأتي إليه بقية الزوجات ويجلسن معه ويزرنه صلى الله عليه وسلم، فيكون هذا من هذا القبيل، يعني: أنه كان برضاهن أو أنه كان بعد انتهاء النوبات عليهن، فحصل أنه دار عليهن ثم بدأ بصاحبة النوبة بعد أن أكمل الدوران عليهن في كل يوم وليلة.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله طاف ذات يوم على نسائه في غسل واحد)
قوله:
[حدثنا مسدد بن مسرهد ].
مسدد بن مسرهد ثقة أخرج له البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[حدثنا إسماعيل ].
وهو إسماعيل بن إبراهيم ابن علية ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حميد الطويل ].
حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أنس ].
أنس رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الاسناد من رباعيات أبي داود ، وهي أعلى الأسانيد عند أبي داود ، فبينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أشخاص.
[قال أبو داود : وهكذا رواه هشام بن زيد عن أنس ].
هشام بن زيد بن أنس بن مالك ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[و معمر عن قتادة عن أنس ].
معمر بن راشد الأزدي البصري ثم اليماني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة. عن قتادة مر ذكره. عن أنس مر ذكره.
[و صالح بن أبي الأخضر عن الزهري ].
صالح بن أبي الأخضر ضعيف يعتبر به، يعني: ضعفه يسير يعتبر به، ولا يحتج به إذا انفرد، ولكنه يستأنس به ويعتبر به، وحديثه أخرجه أصحاب السنن الأربعة. والزهري قد مر ذكره.
[كلهم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ]. يعني: بهذا اللفظ الذي سبق أن مر وأنه طاف على نسائه في غسل واحد.
الوضوء لمن أراد أن يعود إلى الجماع


شرح حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الوضوء لمن أراد أن يعود. حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عن أبي رافع رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه، فقلت له: يا رسول الله! ألا تجعله غسلاً واحداً؟! قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر).
قال أبو داود : وحديث أنس أصح من هذا]. ثم أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي الوضوء لمن أراد أن يعود. يعني: إذا أراد أن يعود إلى الجماع مع الزوجة الواحدة أو مع أكثر من زوجة فإن عليه أن يتوضأ أو يغتسل، والغسل لاشك أنه أكمل. وقد أورد أبو داود رحمه الله الحديث وفيه الاغتسال وليس فيه ذكر الوضوء، بلفظ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه) يعني: كل واحدة يغتسل عندها ثم يذهب إلى غيرها ويجامعها، فيغتسل عند كل واحدة. فقال له أبو رافع: (ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: هذا أزكى وأطهر وأطيب) يعني: كونه يغتسل بعد كل جماع أزكى وأطيب وأطهر.
وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا في بعض المرات، وفي بعض الأحيان طاف عليهن في غسل واحد، فلا تنافي بين الحديثين، وهذا يدل على جواز الأمرين، ويدل على أن الأفضل الاغتسال بعد كل جماع؛ لأن أبا رافع لما سأله قال: (هذا أزكى وأطيب وأطهر) يعني: أنه أكمل وأولى، ولكن ذاك الذي فعله في حديث أنس يدل على جوازه، وأن للأمة أن تفعل مثل ذلك، وأنه لا بأس به، ولكنه إذا حصل الاغتسال مع كل جماع فهو أولى وأكمل، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (هذا أزكى وأطيب وأطهر) فدل على جواز هذا وهذا، وأن الاغتسال أفضل. والمصنف ذكر في الترجمة الوضوء، وما ذكر في الحديث الوضوء؛ لأن الاغتسال مشتمل على وضوء؛ لأن رفع الحدث الأكبر يرفع الأصغر، وعندما يريد الجنب أن يغتسل يتوضأ أو ينوي أن يرفع الحدثين، فمعناه أن الاغتسال معه وضوء، فيكون الحديث مطابقاً للترجمة؛ وإن ذكر في الترجمة الوضوء وفي الحديث الاغتسال؛ وذلك لأن الاغتسال يكون معه وضوء.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه)
قوله:
[حدثنا موسى بن إسماعيل ].
موسى بن إسماعيل التبوذكي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حماد ].
حماد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقا ًو مسلم وأصحاب السنن.
[عن عبد الرحمن بن أبي رافع ].
وهو مقبول أخرج له أصحاب السنن.
[عن عمته سلمى ].
وهي مقبولة أخرج حديثها أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[عن أبي رافع ].
عن أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود : وحديث أنس أصح من هذا ].
ليس المقصود بهذا تضعيف الحديث، وإنما بيان أن ذاك أصح من هذا، ولاشك أنه أصح؛ لأن رجاله يتميزون على رجال الثاني، ولكن هذا ليس تضعيفاً للحديث الثاني، فإن ما جاء في هذا سائغ، وما جاء في ذلك الحديث سائغ، وحديث: (دار على النساء في غسل واحد) أصح، ورواته أتقن، والحديث الثاني حسن أو صحيح، ولكن الاغتسال بين كل جماعين لاشك أنه أكمل وأفضل.
شرح حديث: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا عمرو بن عون حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً) ]. ثم أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي سعيد الخدري، وفيه مطابقة للترجمة.
ومعنى قوله: (ثم بدا له أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً) يعني: بين الجماعين، وسواء أراد العود مع زوجته الواحدة أو غيرها من زوجاته، فكونه يتوضأ لا شك أنه أكمل، والاغتسال أكمل من الوضوء، وإن عاود من غير وضوء ولا اغتسال فإن ذلك سائغ.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أتى أحدكم أهله ثم بدا له أن يعاود ...)
قوله:
[حدثنا عمرو بن عون ].
عمرو بن عون ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا حفص بن غياث ].
حفص بن غياث وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عاصم الأحول ].
عاصم بن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي المتوكل ].
أبو المتوكل الناجي وهو علي بن داود ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي سعيد الخدري ].
عن أبو سعيد الخدري وقد مر ذكره.
الأسئلة


معنى حديث: (إذا التقى الختانان ...)
السؤال: قوله: (إذا التقى الختانان ...) هل هو على ظاهره؟

الجواب: لا، ليس على ظاهره، فلو حصل أنه مسه بدون إيلاج لا يترتب على ذلك وجوب الغسل، وما دام لم ينزل فلا يجب الغسل، فالحكم للإنزال.

معنى قوله: (وألزق الختان الختان)
السؤال: ما معنى قوله: (وألزق الختان الختان)؟
الجواب: هو بمعنى التقاء الختانين؛ لأنه لا يحصل التقاء الختانين إلا إذا غابت الحشفة."





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #69  
قديم 21-12-2021, 05:54 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح سنن أبي داود
(عبد المحسن العباد)

المواضع التي نهي عن البول فيها
شرح سنن أبي داود [036]
الحلقة (67)

شرح سنن أبي داود [036]

للجنب أحكام خاصة به. منها ما يتعلق بمعاودته للجماع، ومنها ما يتعلق بنومه وأكله وشربه، ومنها ما يتعلق بقراءته للقرآن ودخوله المسجد، وقد جاءت أحاديث كثيرة تبين هذه الأحكام.

ما يشرع لمن أراد النوم وهو جنب


شرح حديث: (... توضأ واغسل ذكرك ثم نم)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب ينام. حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة من الليل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (توضأ واغسل ذكرك ثم نم) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب في الجنب ينام يعني: دون أن يغتسل، وأورد حديث عبد الله بن عمر أن عمر ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه تصيبه الجنابة، وقيل: إن المقصود بذلك عبد الله بن عمر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (توضأ واغسل ذكرك) المقصود: أنه يجمع بينهما، وليس المقصود من ذلك الترتيب؛ لأن الواو لا تفيد الترتيب، وإنما المقصود أنه يغسل ذكره ثم يتوضأ، ولا يتوضأ ثم يغسل ذكره، وإنما يكون الوضوء بعد غسل الذكر، فالواو لا تفيد الترتيب، وإنما هي لمطلق المقارنة؛ فإن غسل الذكر مقدم على الوضوء؛ لأن غسل الذكر لإزالة ما علق به من آثار الجماع، والوضوء:
هو فعل أركان الوضوء ابتداءً بغسل الوجه وانتهاءً بغسل الرجلين. فالنبي صلى الله عليه وسلم أرشد من أراد أن ينام أن يغسل ذكره ويتوضأ وإن لم يغتسل، وهذا الوضوء عند جمهور أهل العلم مستحب وليس بواجب، والأكمل للجنب إذا أراد أن ينام الاغتسال، وإذا لم يحصل اغتسال فيليه الوضوء، وإذا لم يحصل الاغتسال ولا الوضوء فيليه أن يغسل ذكره فقط، ويزيل الآثار التي علقت به، وله أن ينام دون أن تحصل منه هذه الأمور كلها.
تراجم رجال إسناد حديث: (... توضأ واغسل ذكرك ثم نم)
قوله:
[حدثنا عبد الله بن مسلمة ].
عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[عن مالك ].
مالك بن أنس إمام دار الهجرة، المحدث المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة.
[عن عبد الله بن دينار ].
عبد الله بن دينار وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن عمر ].
عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قيل: إن الاستفتاء من عمر لأجل ابنه أي: عبد الله هو الذي كانت تصيبه الجنابة، مثل قضية الطلاق عندما طلق زوجته فأخبره عمر فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها). وهذا الحديث من مسند ابن عمر أو من مسند عمر و ابن عمر يروي عن أبيه على اعتبار أنه هو الذي باشر السؤال.
ما يشرع لمن أراد الأكل وهو جنب


شرح طريقي حديث عائشة فيما كان يفعله النبي إذا أراد أن يأكل أو ينام وهو جنب


قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب الجنب يأكل. حدثنا مسدد و قتيبة بن سعيد قالا: حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة). حدثنا محمد بن الصباح البزاز حدثنا ابن المبارك عن يونس عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: (وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه) ]. قال أبو داود رحمه الله: باب الجنب يأكل. يعني: أن له أن يأكل، وكونه يتوضأ أو يغسل يديه هذا هو الذي ينبغي له أن يفعله، وهذا أكمل وأتم، وإذا أكل أو شرب دون أن يتوضأ ودون أن يغسل يديه فلا بأس بذلك.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة)
قوله:
[حدثنا مسدد و قتيبة بن سعيد ].
تقدم ذكر مسدد و قتيبة بن سعيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا سفيان ].
هو سفيان بن عيينة ؛ لأنه إذا جاء لفظ (سفيان) غير منسوب، ويروي عنه قتيبة و مسدد ، ويروي هو عن الزهري ، فالمراد به ابن عيينة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة ].
الزهري و أبو سلمةوقد مر ذكرهما، وأما عائشة فهي أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق ، وهي من أوعية السنة وحفظتها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه)
[حدثنا محمد بن الصباح البزاز ].
محمد بن الصباح البزاز ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا ابن المبارك ].
عبد الله بن المبارك ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يونس ].
يونس بن يزيد الأيلي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الزهري بإسناده ومعناه، زاد: (وإذا أراد أن يأكل وهو جنب غسل يديه) ].
يعني: مثلما تقدم من حيث الإسناد والمعنى، أي: أن الجنب يغسل يديه عندما يريد أن يأكل. وغسل اليد قبل الطعام مستحب إذا كانت وسخة، وأما إذا كانت غير وسخة أو يريد الإنسان أن يشرب من الإناء فلا بأس بذلك، لكن إذا كانت اليد فيها قذر فينظفها الإنسان، ولا يستعملها وهي قذرة.
زيادة الأكل في حديث الوضوء عند النوم للجنب
[قال أبو داود ورواه ابن وهب عن يونس فجعل قصة الأكل قول عائشة رضي الله عنها مقصوراً، ورواه صالح بن أبي الأخضر عن الزهري كما قال ابن المبارك ، إلا أنه قال: عن عروة أو أبي سلمة ، ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المبارك ].
قوله: [فجعل قصة الأكل عن عائشة مقصوراً] يعني: اقتصر على ذكر قصة الأكل، وما ذكر قصة النوم؛ لأن الحديث الذي تقدم عن الزهري فيه أكل ونوم، وهذه الرواية الأخيرة التي فيها عبد الله بن وهب عن الزهري فيها ذكر الأكل مقتصراً عليه، وليس فيها ذكر النوم، والترجمة تتعلق بالأكل، وأما النوم فسبق أن عقد له ترجمة تخصه.
ورواه صالح بن أبي الأخضر -وقد مر ذكره- عن الزهري كما قال ابن المبارك يعني: فيما يتعلق بذكر الجمع بين الأكل والنوم إلا أنه قال: عن عروة أو أبي سلمة يعني: شك بين هذا وهذا، وكل منهما ثقة، وكل منهما من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، إلا أن أحدهما متفق على عده في الفقهاء السبعة وهو عروة ، والثاني مختلف فيه وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . ورواه الأوزاعي عن يونس عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن المبارك ، يعني: مرسلاً، بالجملتين والأوزاعي هو: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ثقة فقيه، فقيه الشام ومحدثها، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
من قال يتوضأ الجنب


شرح حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن يأكل أو ينام ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب من قال: يتوضأ الجنب. حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا شعبة عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ. تعني: وهو جنب) ].
أورد الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب من قال: يتوضأ الجنب. يعني: إذا أراد أن يأكل أو ينام فإنه يتوضأ، وقد سبق أن مر أن الجنب ينام، وأنه يشرع له أن ينام وهو متوضئ، والمقصود من ذلك أن له أن يؤخر الغسل، ويكتفي بالوضوء إلى وقت الغسل، وذلك لتخفيف الجنابة لا لزوال الجنابة، ولحصول النظافة والطهارة في الجملة فيما يتعلق بالفرج، وإزالة ما علق به من أثر الجماع، وكذلك غسل الأعضاء. أورد أبو داود حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم
(كان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ تعني: وهو جنب) عائشة رضي الله عنها وأرضاها بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يكون جنباً ويريد أن يأكل أو ينام فإنه يتوضأ، ومن المعلوم أن الوضوء هو الوضوء الشرعي الذي هو غسل الوجه واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس وغسل الرجلين، إلا أنه فيما يتعلق بالنسبة للأكل فقد جاء في بعض الروايات التي سبق أن مرت ما يدل على أنه كان يغسل يديه فقط عند إرادة الأكل، فيكون المقصود به هنا الوضوء اللغوي، وإذا توضأ الوضوء الشرعي فهو أكمل وأفضل بلا شك، وأما بالنسبة للنوم فإنه يتوضأ الوضوء الشرعي، وذلك لتخفيف الجنابة لا لإزالتها؛ لأنها لا تنتهي إلا بالاغتسال حيث يوجد الماء، وإلا يقوم التيمم مقام الاغتسال إذا عدم الماء أو لم يقدر على استعماله.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي كان إذا أراد أن يأكل أو ينام ...)
قوله:
[حدثنا مسدد ].
مسدد بن مسرهد ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و الترمذي و النسائي .
[حدثنا يحيى ].
يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا شعبة ].
شعبة بن الحجاج الواسطي ثم البصري، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن الحكم ].
الحكم بن عتيبة الكندي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن إبراهيم ].
إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة فقيه، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود ].
وهو ابن يزيد بن قيس النخعي الكوفي وهو ثقة مخضرم، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق من أوعية السنة وحفظتها لا سيما فيما يتعلق بالأمور التي تجري بين الرجل وأهل بيته، والأمور التي لا يطلع عليها إلا النساء، فإنها وعت وحفظت الكثير رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
شرح حديث: (أن النبي رخص للجنب إذا أكل أو شرب ..)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا موسى -يعني: ابن إسماعيل - حدثنا حماد -يعني: ابن سلمة - قال: أخبرنا عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار بن ياسر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ). قال أبو داود : بين يحيى بن يعمر و عمار بن ياسر في هذا الحديث رجل. وقال علي بن أبي طالب و ابن عمر و عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ].
أورد أبو داود حديث عمار بن ياسر رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضأ)، يعني: أنه إذا أراد ذلك فإنه عليه أن يتوضأ، ورخص له أن يتوضأ، وهذا فيه دليل على أن الاغتسال والمبادرة إليه حيث أمكن هو الأولى والأفضل، ولكنه إذا أراد أن ينام أو يأكل أو يشرب فإنه يتوضأ، وبالنسبة للأكل والشرب إذا اكتفى بغسل اليدين فإن ذلك يكون كافياً، وقد مر الحديث الذي فيه أنه كان إذا أراد أن يأكل غسل يديه، فيكون المراد به الوضوء اللغوي فيما يتعلق بغسل اليدين، وإن توضأ الوضوء الشرعي فإنه يكون أشمل وأفضل.
تراجم رجال إسناد حديث: (أن النبي رخص للجنب إذا أكل أو شرب ..)
قوله:
[حدثنا موسى يعني: ابن إسماعيل ].
موسى بن إسماعيل التبوذكي، ثقة أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. والذي قال: يعني. هو من دون أبي داود ؛ لأن أبا داود لا يمكن أن يقول هذا الكلام، بل قاله من دونه؛ لأن الراوي ينسب شيخه كما يريد، لكن من دون الراوي هو الذي يحتاج إلى أن يضيف شيئاً، ويأتي بكلمة أو بعبارة تدل على أن ما بعد هذه العبارة أو بعد هذه الكلمة ليست من التلميذ، وإنما هي ممن دون التلميذ، وقد مرت أمثلة عديدة على أن من دون أبي داود يضيف كلمة: يعني لبيان بعض الأسماء المهملة التي تأتي عند أبي داود باختصار، ولا ينسبها، وإنما يأتي باسم الراوي فقط دون أن ينسبه، ويسمى هذا المهمل، فيأتي من دونه فيقول: يعني. أي: يعني أبو داود في قوله: موسى موسى بن إسماعيل التبوذكي .
[حدثنا حماد يعني: ابن سلمة ].
كلمة: يعني: ابن سلمة هذه تحتمل أن تكون من أبي داود أو ممن دون أبي داود بخلاف التي قبلها فإنها لا تحتمل أن تكون من أبي داود وإنما هي ممن دون أبي داود . و حماد بن سلمة ثقة، أخرج حديثه البخاري تعليقاً و مسلم وأصحاب السنن.
[أخبرنا عطاء الخراساني ].
عطاء بن أبي مسلم الخراساني وهو صدوق يهم كثيراً، أخرج حديثه الإمام مسلم وأصحاب السنن. [عن يحيى بن يعمر ]. يحيى بن يعمر وهو ثقة، يرسل أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن عمار بن ياسر ].
عمار بن ياسر رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
[قال أبو داود : بين يحيى بن يعمر و عمار بن ياسر في هذا الحديث رجل ].
وهذه العبارة تعني أن يحيى بن يعمر لم يسمع هذا الحديث من عمار ، وأنه بينهما واسطة، وهذا يتفق مع ما ذكر عنه أنه ثقة يرسل، فروايته عن عمار بن ياسر في هذا الحديث مرسلة؛ لأن بينه وبينه واسطة.
شرح آثار عن الصحابة في وضوء الجنب إذا أراد الأكل
[وقال علي بن أبي طالب و ابن عمر و عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ]. ذكر المصنف هذا الأثر عن هؤلاء الثلاثة: علي بن أبي طالب و ابن عمر و عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عن الجميع، وهو: الجنب إذا أراد أن يأكل توضأ. ويحتمل أن يكون مرادهم الوضوء الشرعي، ويحتمل أن يكون الوضوء اللغوي. والحديث المتقدم فيه ضعف، لكن معناه صحيح يشهد له ما تقدم. إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أكل أو شرب أو نام أن يتوضأ وإن لم يغتسل، وإن لم يفعل ذلك يصح؛ لأن الوضوء ليس بلازم، وإنما هو مستحب، وسيأتي الحديث الذي فيه أنه كان ينام دون أن يمس ماءً.
تأخير الجنب للغسل


شرح حديث: (... ربما اغتسل في أول الليل وربما اغتسل في آخره ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يؤخر الغسل. حدثنا مسدد حدثنا معتمر ح وحدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قالا: حدثنا برد بن سنان عن عبادة بن نسي عن غضيف بن الحارث قال: (قلت لعائشة رضي الله عنها: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أو في آخره؟ قالت: ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة. قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوتر أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أول الليل وربما أوتر في آخره، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
قلت: أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقرآن أم يخفت به؟ قالت: ربما جهر به وربما خفت، قلت: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) ]. أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: باب الجنب يؤخر الغسل. يعني: أن الغسل لا يلزم على الفور بعد الجنابة مباشرة، فله أن يبقى بدون اغتسال، وليس الغسل واجباً عليه على الفور؛ لأنه جاء ما يدل على ذلك في الأحاديث المتعددة المتنوعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنها هذا الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن غضيف بن الحارث سألها: (أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من الجنابة في أول الليل أو آخره؟ قالت:
ربما اغتسل في أوله، وربما اغتسل في آخره) يعني: إذا حصل منه الجماع في أول الليل فكان أحياناً يغتسل في أول الليل، وأحياناً يؤخر الغسل إلى آخر الليل.
وهذا يدلنا على أن الغسل ليس على الفور، وأنه يمكن أن يؤخر، لكن يستحب مع تأخيره أن يكون الإنسان متوضئاً، فإذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام فإنه يتوضأ على سبيل الاستحباب، فعائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها بينت أن النبي صلى الله عليه وسلم (ربما اغتسل في أول الليل، وربما اغتسل في آخره)، ومحل الشاهد: (ربما اغتسل في آخره)؛ لأن هذا هو تأخير الغسل، يعني: جامع في أول الليل واغتسل في آخر الليل، وهذا يدلنا على جواز تأخير الغسل لكن مع الوضوء حتى يخفف الجنابة، وحتى يزيل الآثار التي حصلت نتيجة الجماع بحيث يكون نظيفاً، وذلك بأن يغسل فرجه ويتوضأ. ثم قال: (أرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر في أول الليل أم في آخره؟ قالت: ربما أوتر في أوله، وربما أوتر في آخره) يعني: فعل هذا وهذا. وكذلك أيضاً سألها فقال: (أرأيت الرسول كان يجهر بالقراءة أم يخفت؟) يعني: في صلاة قيام الليل هل كان يجهر بالقراءة أو كان يسر؟ (قالت: ربما فعل هذا وربما فعل هذا)، يعني: كان أحياناً يجهر وأحياناً يخافت.
إذاً: المبادرة بالنسبة للغسل أفضل، والتأخير ما لم يحن وقت الصلاة، وما لم يكن هناك أمر يقتضي الاغتسال سائغ. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أول الليل ووسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر) ومعنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي من أول الليل في بعض الأحيان، وأحياناً من وسط الليل، وأحياناً من آخر الليل، ولكن وتره ينتهي بالسحر، بحيث لا يؤخره عن السحر، ولا يؤخره إلى طلوع الفجر، بل كان يوتر قبل أن يطلع الفجر صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
والذي ينبغي في مثل هذا أن من عرف من عادته أن يستيقظ آخر الليل فإن الصلاة في آخر الليل ووتره آخر الليل أفضل، ومن خشي ألا يستيقظ وأنه يطلع عليه الفجر قبل أن يوتر فالأفضل في حقه أن يوتر قبل أن ينام، وهذا هو الذي جاءت الوصية به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل من أبي هريرة و أبي الدرداء ، فحديث أبي هريرة في الصحيحين، وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم ، قال أبو هريرة رضي الله عنه: (أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أنام).
وحديث أبي الدرداء في صحيح مسلم : (أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث: ركعتي الضحى، وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأن أوتر قبل أن أرقد). وأما بالنسبة للقراءة في قيام الليل فهذا الحديث يدل على أنه كان أحياناً يجهر وأحياناً يخافت، وهذا يدلنا على أن الأمر في ذلك واسع، وأن له أن يجهر، وله أن يخافت في القراءة. وفي كل هذه الأحوال الثلاثة عندما كان يسأل غضيف عائشة وتخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعل هذا وفعل هذا كان يقول: الله أكبر! الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة الله.
فكان يكبر عندما سمع أن كل ذلك سائغ، وأن كل ذلك جاء عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهذا فيه دليل على أن الإنسان عند الأمور السارة التي تعجبه يكبر؛ لأنه بذلك يظهر ما عنده من الفرح والسرور، وفي نفس الوقت يذكر الله عز وجل، فيكون إظهاره ما عنده من الفرح والسرور في أمر مشروع قربة إلى الله، وهو ذكر لله عز وجل، وهذا هو الذي جاء عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. هذا التابعي غضيف اختلف في صحبته، منهم من قال: هو صحابي، ومنهم من قال: تابعي، والصحابة قد جاء عنهم التكبير عند حصول ما يسر، مثل الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ أترضون أن تكونوا نصف أهل الجنة؟) ففي كل مرة يقول لهم ذلك يقولون: الله أكبر! الله أكبر! وكذلك عمر رضي الله عنه وأرضاه (لما سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق نساءه، وكان قد اعتزلهن وآلى منهن شهراً، جاءه عمر فسأله وقال: أطلقت نساءك يا رسول الله؟ فقال: لا، ففرح عمر وقال: الله أكبر).
فهذا الحديث في تكبير غضيف بن الحارث ، والحديث الذي فيه تكبير عمر رضي الله عنه، والحديث الذي فيه تكبير الصحابة رضي الله عنهم يدلنا على أن المشروع عند الفرح والسرور التكبير وليس التصفيق الذي يستعمل الآن في كثير من الأوقات عند كثير من الناس. قوله: (الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة) فيه السرور وحمد الله عز وجل على أن يسر في شرعه، ولم يكلف الناس أن يغتسلوا بعد الجماع فوراً، فلهم أن يؤخروا الاغتسال، وكذلك أيضاً فيما يتعلق بالوتر في أول الليل وآخره، وكذلك فيما يتعلق بالقراءة جهراً وسراً في صلاة الليل، ففيه حمد الله عز وجل والثناء عليه، والفرح بما حصل من التيسير في هذه الشريعة التي جاء بها المصطفى صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
تراجم رجال إسناد حديث: (... ربما اغتسل في أول الليل وربما اغتسل في آخره ...)
قوله:
[حدثنا مسدد ].
مسدد مر ذكره.
[حدثنا معتمر ].
معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة. الملقي: [ ح وحدثنا أحمد بن حنبل ]. ثم قال: ح، وهي للتحول من إسناد إلى إسناد آخر، و أحمد بن حنبل هو: أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وأخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ].
إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الكوفي الأسدي وهو المشهور بابن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا برد بن سنان ].
برد بن سنان وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأصحاب السنن. [عن عبادة بن نسي ]. عبادة بن نسي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب السنن الأربعة.
[عن غضيف بن الحارث ].
غضيف بن الحارث وهو مختلف في صحبته، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد و أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[قلت لعائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها وقد مر ذكرها.

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #70  
قديم 21-12-2021, 05:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن أبي داود للعباد (عبد المحسن العباد) متجدد إن شاء الله

شرح حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ...)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن علي بن مدرك عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن عبد الله بن نجي عن أبيه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة، ولا كلب، ولا جنب) ]. أورد أبو داود رحمه الله حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب، ولا صورة، ولا جنب) والمقصود أن وجود هذه الثلاثة الأشياء في البيوت من أسباب امتناع دخول الملائكة، والمقصود بالملائكة الذين لا يدخلون ملائكة الرحمة، وأما الملائكة الموكلون بالكتابة فهم مع الإنسان دائماً، ولا يمتنعون من ملازمته لهذه الأسباب التي جاءت في هذا الحديث.
وهذا فيه تنفير من الوقوع في هذه الأمور، والمقصود من ذكر الجنب هنا: الذي يتهاون في أمر الجنابة، ويستخف بها، ولا يهتم بها، بخلاف الذي يؤخرها لأمر طارئ أو يخففها بكونه يتوضأ كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكون محمولاً على من يتهاون في أمر الجنابة، أما من يؤخرها حيث ساغ له التأخير فإن ذلك قد جاء ما يدل عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء أنه يتوضأ بحيث يكون مخففاً للجنابة، وليس المقصود به أن الملائكة لا تدخل البيت ما دام أن فيه جنباً مطلقاً، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء عنه ما يدل على أنه كان يؤخر الغسل إلى آخر الليل كما سبق أن مر في الحديث السابق، وكونه كان يتوضأ فإن الجنابة لا تزال باقية، ولا تزول إلا بالاغتسال، ولكن الوضوء فيه تخفيف لها. والكلب يستثنى منه الكلاب المأذون فيها، وهي ما كانت للصيد أو للزرع أو للماشية، فهذه مأذون فيها، فلا تمنع من دخول الملائكة. والصورة المقصود بها:
الصور التي هي من ذوات الأرواح، وسواء كانت مجسمة أو غير مجسمة، وإذا كان هناك شيء تدعو إليه ضرورة فيما يتعلق بالصور الفوتوغرافية فإن الإنسان يكون معذوراً، أما لغير الضرورة فإن الإنسان يبتعد عن الصور واستعمالها، والاحتفاظ بها مطلقاً، إلا لأمر يقتضي ذلك، ولحاجة أو لضرورة دعت إلى ذلك.
تراجم رجال إسناد حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة ...)
قوله:
[حدثنا حفص بن عمر ].
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج حديثه البخاري و أبو داود و النسائي .
[حدثنا شعبة ].
شعبة بن الحجاج مر ذكره. [عن علي بن مدرك ].
علي بن مدرك وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ].
أبي زرعة بن عمرو بن جرير البجلي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن نجي ].
عبد الله بن نجي الحضرمي وهو صدوق، أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[عن أبيه].
الشيخ: عن أبيه نجي وهو مقبول أخرج حديثه أبو داود و النسائي و ابن ماجة .
[عن علي بن أبي طالب ].
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة. والحديث فيه ضعف من جهة نجي والد عبد الله الذي قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول. لكن على فرض صحته يكون معناه كما قال بعض أهل العلم الذي يتهاون في أمر الجنابة بخلاف الذي يبقى على جنابته وهو معذور، فله ذلك أو يخففها بالوضوء كما جاء ذلك عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
شرح حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماءً). قال أبو داود : حدثنا الحسن بن علي الواسطي قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: هذا الحديث وهم. يعني: حديث أبي إسحاق ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب دون أن يمس ماءً)، يعني: أنه ينام دون أن يغتسل، وقيل: أي: لا يمس ماءً لا للوضوء ولا للاغتسال، لكن إطلاقه يدل على شموله للأمرين. وقال بعض أهل العلم: التوفيق بينه وبين ما جاء من الأحاديث الأخرى الدالة على أنه كان يتوضأ أنه فعل ذلك في بعض الأحيان لبيان الجواز, وليبين أن الوضوء لمن أراد أن ينام وهو جنب للاستحباب، وأنه لو لم يتوضأ ونام فإن ذلك سائغ، وليس الاغتسال واجباً، لكنه أكمل، وإذا لم يحصل اغتسال وحصل الوضوء فهو أكمل، وإن حصل غسل الفرج فقط فلا شك أن هذا حسن، وإذا لم يفعل ذلك كله فإنه سائغ، وللإنسان أن ينام دون أن يتوضأ ودون أن يمس ماءً كما جاء في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث تكلم فيه من جهة أبي إسحاق ، وأنه حصل له الوهم فيه، وبعض العلماء صحح الحديث، واستدل به على أن النوم بدون اغتسال وبدون وضوء جائز.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان رسول الله ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء)
قوله:
[حدثنا محمد بن كثير ].
محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[أخبرنا سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة. و سفيان الثوري متقدم الوفاة؛ لأنه توفي سنة مائة وواحد وستين، وتوفي محمد بن كثير سنة مائتين وسبعة وعشرين وعمره تسعون سنة، ولكونه معمراً أدرك من كان متقدماً.
[عن أبي إسحاق ].
وهو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي وهو ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[عن الأسود عن عائشة ].
الأسود وعائشة قد مر ذكرهما.
[قال أبو داود : حدثنا الحسن بن علي الواسطي ].
الحسن بن علي الواسطي صدوق، أخرج حديثه أبو داود وحده.
[قال: سمعت يزيد بن هارون ].
يزيد بن هارون الواسطي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[يقول: هذا الحديث وهم. يعني: حديث أبي إسحاق ].
قراءة الجنب للقرآن


شرح حديث: ( ... ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يقرأ القرآن. حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة قال: (دخلت على علي رضي الله عنه أنا ورجلان: رجل منا ورجل من بني أسد أحسب، فبعثهما علي رضي الله عنه وجهاً، وقال: إنكما علجان، فعالجا عن دينكما، ثم قام فدخل المخرج، ثم خرج فدعا بماء فأخذ منه حفنة فتمسح بها، ثم جعل يقرأ القرآن، فأنكروا ذلك فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن، ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجبه -أو قال: يحجزه- عن القرآن شيء ليس الجنابة) ].
أورد أبو داود رحمه الله باب الجنب يقرأ القرآن، والمقصود: هل للجنب أن يقرأ القرآن قبل أن يحصل منه الاغتسال أو ليس له ذلك حتى يغتسل؟ كثير من أهل العلم قالوا: لا يقرأ القرآن وهو جنب لحديث علي هذا، ولبعض الأحاديث الأخرى التي فيها ضعف، لكن بمجموعها يحتج بها على أن الجنب لا يقرأ القرآن، قالوا: والجنابة هي في يد الإنسان، يتخلص منها إن كان الماء موجوداً متى شاء، وإن كان الماء غير موجود فيتيمم، وبذلك تحصل له الطهارة، وقد جاء حديث آخر فيه ضعف أنه لا يقرأ القرآن جنب أو حائض، يعني: أن الحائض والجنب لا يقرأان القرآن، وفرق بعض أهل العلم بين الجنب والحائض؛ لأن الحائض تطول مدتها، وقد يخشى نسيانها للقرآن، فلها أن تقرأ، وأما الجنب فإن جنابته بيده، ومدتها لا تطول؛ لأن الأمر يرجع إليه إذا أراد أن يتخلص من الجنابة يبادر بالاغتسال إن كان الماء موجوداً وإلا تيمم إن كان الماء غير موجود أو موجوداً ولكنه لا يقدر على استعماله، فإنه يحصل منه التيمم، وبذلك تحصل له الطهارة، فالتخلص من جنابته بيده، وأما الحيض فالتخلص منه ليس بيد المرأة، فهي محبوسة به، ومتعين عليها أن تبقى حائضاً حتى تطهر منه وتغتسل، فأجاز بعض أهل العلم للحائض أن تقرأ القرآن، ومنع أكثر العلماء الجنب من أن يقرأ القرآن لحديث علي هذا وغيره، ولكون الجنب بيده التخلص من جنابته، وليس كالحائض التي لا تتمكن ولا تستطيع أن تتخلص من حيضها؛ لأنها محبوسة به حتى تطهر منه. قال عبد الله بن سلمة : دخلت أنا ورجلان:
رجل منا ورجل من بني أسد أحسب. يعني: أظنه من بني أسد، فقوله: إنه من بني أسد هذا ظن منه، وليس يقيناً قال: وكانا علجين يعني: كانا قويين نشيطين وصحتهما جيدة فقال: إنكما علجان، فعالجا عن دينكما. يعني: جاهدا واعملا ودافعا عن دينكما بهذه القوة التي أعطاكما الله عز وجل، فاستعملاها في العمل للدين، وفي بيان الدين، وفي الدفاع عن الدين، وفي الجهاد في سبيل الله عز وجل، فهذه القوة ينبغي أن تصرف فيما يعود على دين المسلم بالخير، وفيما يعود على المسلمين بالخير، ولا تستعمل القوة فيما يعود بالمضرة، وفيما لا يجدي ولا ينفع. وقوله: (إنكما علجان، فعالجا عن دينكما) فيه جناس؛ لأن الفعل متفق مع الاسم علجان عالجا.
قوله: [ثم قام فدخل المخرج] يعني: دخل المكان الذي تقضى فيه الحاجة، ثم خرج وطلب ماءً فتمسح به يعني: غسل يديه. قوله: [ثم جعل يقرأ القرآن فأنكروا عليه] أنكروا عليه، فبين لهم أنه لا مانع من ذلك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يمنعه من قراءة القرآن شيء إلا الجنابة، ومعنى هذا أن الحدث الأصغر لا يمنع من قراءة القرآن، فللإنسان أن يقرأ القرآن من حفظه وعليه الحدث الأصغر، ولكنه لا يقرأ من المصحف إذا كان عليه الحدث الأصغر؛ لأنه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يمس القرآن إلا طاهر)، أما من الحفظ فللمحدث حدثاً أصغر أن يقرأ القرآن، ولكنه يمنع من القراءة من المصحف؛ لأنه ممنوع من مس المصحف إلا في حال طهارته.
فبين لهم أن هذا الفعل الذي فعله وأنكروه عليه سائغ؛ وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرئهم القرآن وهو محدث حدثاً أصغر، وأنه كان يقضي حاجته ويأتي من الخلاء ويقرئهم القرآن، ويأكل معهم، ولا يمنعه شيء من القرآن إلا الجنابة، وهذا محل الشاهد للترجمة أن الجنب لا يقرأ القرآن، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقرأ القرآن، ولا شك أن القول بعدم قراءته هو الأولى والأحوط للإنسان في دينه، لاسيما والإنسان يستطيع أن يتخلص من الجنابة بسهولة ويسر، إن كان الماء موجوداً اغتسل، وإن كان غير موجود تيمم.
تراجم رجال إسناد حديث: (... ولم يكن يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة)
قوله: [ حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة ].
حفص بن عمر وشعبة مر ذكرهما، وعمرو بن مرة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن عبد الله بن سلمة ].
عبد الله بن سلمة وهو صدوق تغير حفظه، أخرج حديثه أصحاب السنن. [قال: دخلت على علي ]. علي رضي الله عنه وقد مر ذكره. والحديث تكلم فيه من جهة عبد الله بن سلمة هذا، ولكن صححه بعض أهل العلم، وحسنه بعضهم، وهناك أحاديث أخرى بمعناه فيها ضعف، ولكن بمجموعها يقوي بعضها بعضاً، وتدل على أن الجنب لا يقرأ القرآن، وإذا أراد أن يقرأ القرآن فإنه يغتسل ويتخلص من الجنابة.
مصافحة الجنب


شرح حديث: (... إن المسلم لا ينجس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في الجنب يصافح. حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن مسعر عن واصل عن أبي وائل عن حذيفة رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فقال: إني جنب، فقال: إن المسلم لا ينجس) ]. أورد أبو داود باب الجنب يصافح.
يعني: يصافح غيره ويخالط غيره، ولا مانع من ذلك، والمقصود أن مصافحته وملامسته لا بأس بها ولا مانع منها، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث حذيفة أنه كان جنباً، ولقي النبي صلى الله عليه وسلم فأهوى إليه يعني: مد يده ليصافح فقال: إني جنب، يعني: أراد أن يبين أنه جنب، وكأنه رأى أن الجنب لا يليق به أن يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن المسلم لا ينجس) يعني: كون الإنسان جنباً لا يمنع من مصافحته ومن ملامسته لغيره، ولا يكون نجساً بحيث يمتنع من ملامسته، بل هو طاهر الجسد، ولكن عليه الحدث الذي يحتاج إلى رفع، وقبل أن يرفع لا مانع من ملامسته ومجالسته ومخالطته، كل ذلك سائغ ولا بأس به، فدل الحديث على أن مصافحة الجنب لا بأس بها.
وأيضاً: دل الحديث على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من التوقير والاحترام للرسول صلى الله عليه وسلم، وحرصهم على الابتعاد عن أي شيء يظنون أنه لا يليق باحترامهم وتوقيرهم للرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم بين أن ذلك سائغ، وجائز، وأن الجنب لا ينجس، والحدث موجود معه وجسمه طاهر، والكافر هو الذي جاء أنه نجس، ولكن نجاسته حكمية، وليست عينية، بحيث إن الإنسان لو لمسه عليه أن يزيل عنه النجاسة، وإنما هي نجاسة حكمية، قال الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، فالمقصود بالنجاسة النجاسة الحكمية.
تراجم رجال إسناد حديث: (... إن المسلم لا ينجس)
قوله:
[حدثنا مسدد حدثنا يحيى ].
مسدد تقدم ذكره، ويحيى هو القطان مر ذكره أيضاً.
[عن مسعر ].
مسعر بن كدام وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن واصل ]. واصل بن حيان الأحدب وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي وائل ].
شقيق بن سلمة الكوفي ثقة مخضرم، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو مشهور بكنيته، وأحياناً يأتي باسمه شقيق بن سلمة أو يقال: شقيق فقط، وكثيراً ما يأتي بكنيته أبي وائل .
[عن حذيفة ].
حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، صحابي ابن صحابي، وحديثه عند أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (... سبحان الله إن المسلم لا ينجس)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا مسدد حدثنا يحيى و بشر عن حميد عن بكر عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة وأنا جنب، فاختنست، فذهبت فاغتسلت ثم جئت، فقال: أين كنت يا أبا هريرة ؟! قال: قلت: إني كنت جنباً فكرهت أن أجالسك على غير طهارة، فقال: سبحان الله! إن المسلم لا ينجس).
قال: وفي حديث بشر : حدثنا حميد حدثني بكر ]. أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه لقي الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة، وكان جنباً، فانخنس منه يعني: انسل منه بخفية دون أن يستأذنه، ودون أن يشعر الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ذهب، وقد كان معه، فلما لقيه قال له: (أين كنت؟!) يعني: إنك كنت معي وبعد ذلك ذهبت دون أن أكون على علم، فأين كنت؟! فقال: إني كنت جنباً، فكرهت أن أجالسك وأن على غير طهارة فقال عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس). فدل هذا على أن مصافحة الجنب ومخالطته والجلوس معه والمشي معه كل ذلك سائغ، وأنه لا بأس به.
وفيه أيضاً دليل على أن للجنب أن يخرج من بيته؛ لأن أبا هريرة لقيه في بعض طرق المدينة وهو على جنابة، وكذلك في حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فهو يشعر بأنه قد خرج، لكن حديث أبي هريرة صريح في أنه قد خرج، وأنه لقيه في بعض طرق المدينة، فهذا يدلنا على أن الجنب له أن يخرج وهو على جنابة من بيته، ولكن كونه يخرج على طهارة لا شك أنه هو الأكمل والأفضل. وفي هذا دليل على احترام أهل الفضل وتوقيرهم؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه استحيا أن يبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على جنابة، حتى بين له الرسول صلى الله عليه وسلم أن ذلك سائغ، وأن مجالسته وكونه معه لا بأس بها.
وفيه أيضاً: أن الإنسان التابع عندما يريد أن يذهب من متبوعه فعليه أن يستأذنه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لأبي هريرة (أين كنت؟!) يعني: إنك كنت معي، ثم انخنست، وهذا فيه إشعار بأنه كان الأولى والذي ينبغي أن يستأذن عند إرادة الانصراف أو عند إرادة المفارقة، فدل على أن هذا من الآداب التي ينبغي أن تكون بين التابع والمتبوع. وفيه ذكر التسبيح عند التعجب؛ لأنه قال: (سبحان الله).
تراجم رجال إسناد حديث: (... سبحان الله إن المسلم لا ينجس)
قوله:
[حدثنا مسدد حدثنا يحيى و بشر ].
مسدد و يحيى مر ذكرهما بشر هو ابن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن حميد ].
حميد بن أبي حميد الطويل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن بكر ].
بكر بن عبد الله المزني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي رافع ].
وهو نفيع الصائغ ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن أبي هريرة ].
عبد الرحمن بن صخر الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكثر أصحابه حديثاً على الإطلاق، رضي الله تعالى عن أبي هريرة وعن الصحابة أجمعين.
[قال وفي حديث بشر : حدثنا حميد حدثني بكر ].
يعني: أن في حديث بشر التحديث عن حميد وعن بكر .
الأسئلة


قطع المرأة للصلاة
السؤال: أشكل علي حديث وهو في الصحيحين من حديث عائشة (أنها ذكر عندها أنه يقطع الصلاة: الكلب والحمار والمرأة فقالت: لقد شهتمونا بالحمير، لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وإني لبينه وبين القبلة، وأنا مضطجعة على السرير، فتكون لي الحاجة فأكره أن أستقبله فأنسل انسلالاً)، فهل المرأة البالغة لا تقطع الصلاة؟

الجواب: هذا الحديث اختلف فيه العلماء على قولين: جمهور العلماء على أن قطع الصلاة إنما هو إنقاص لها، وليس قطعاً لها. وبعض أهل العلم يقول: يقطعها بمعنى أنه يستأنف الصلاة من جديد. وقولها: شبهتمونا بالحمير لكون الحديث فيه الجمع بين المرأة والحمر، لكن هذا الكلام الذي قالوه أسندوه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي بينت ما كان يجري منها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يقوم يصلي وهي في قبلته، وأنها كانت تنسل.
حكم الجمعيات التعاونية بين الموظفين
السؤال: هل يجوز أن يجتمع أشخاص على دفع مبلغ معين كل شهر وفي آخره يستلم أحد الأشخاص هذا المبلغ؟

الجواب: هذا فيه شبهة، فإن العلماء في هذا العصر مختلفون فيه، والأولى للإنسان أن يبتعد عنه، (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك).
حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة
السؤال: ما حكم الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة؟

الجواب: يجوز الاعتكاف في غير المساجد الثلاثة، وليس الأمر مقصوراً عليها، وما جاء من الحديث في ذلك فإنه يكون محمولاً على الاعتكاف الكامل أو الاعتكاف الأفضل، ولا شك أن المساجد الثلاثة أفضل من غيرها، والاعتكاف فيها أكمل؛ لأنها مساجد الأنبياء، وهي التي يمكن أن يشد الرحل إليها ليعتكف فيها، وأما غيرها فلا يشد الرحل إليها، وللإنسان أن يعتكف في أي مسجد من غير شد رحل، وأما تلك فإنها تشد الرحال إليها، ويمكن للإنسان أن يرحل إليها، فيكون الحصر في ذلك الحديث نسبي وإضافي، وليس حقيقياً بمعنى أنه لا يجوز أن يعتكف في غيرها، بل المعنى: لا اعتكاف أفضل وأكمل إلا في المساجد الثلاثة، مثل ما جاء في الحديث: (إنما الربا في النسيئة)، مع أن الربا يكون في الفضل أيضاً، ولكن المقصود: أن الربا الأشد أو الأعظم في النسيئة، فهو حصر إضافي وليس حقيقياً.
وضوء الجنب للمرأة
السؤال: هل وضوء الجنب خاص بالرجل أم يشمل الرجل والمرأة؟

الجواب: الحكم واحد، والأصل استواء الحكم للرجال والنساء إلا إذا جاء شيء يدل على أن هذا خاص بالرجال أو أن هذا خاص بالنساء، فيصار إلى الدليل المخصص، وحيث لا دليل على التفريق بين الرجال والنساء فالأصل هو التساوي في الأحكام. وهناك كثير من النصوص التي جاءت تفرق بين الرجال والنساء، لكن الأصل هو عدم التفريق، وعندما يوجد دليل التفريق يصار إليه، ويخرج عن الأصل بناءً على هذا الدليل.
تعيين ليلة القدر
السؤال: هل ثبتت ليلة القدر في ليلة من الليالي؟
الجواب: ما ثبتت في ليلة معينة بحيث تكون فيها ولا تتعداها إلى غيرها، لكن ثبت أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها محصورة في العشر، والله تعالى أعلم في أي ليلة من العشر، والإنسان إذا اجتهد في العشر كلها يدركها إن شاء الله.
حكم الاحتفال بليلة القدر
السؤال: ما حكم الاحتفال بليلة القدر؟

الجواب: هي غير معلومة حتى يقال: إنها تخص بشيء، لكن كون الإنسان يأتي بالأعمال الصالحة ويجتهد في العبادة في الليالي العشر التي هي واحدة منها لا شك أن هذا مطلوب، وقد جاء في السنة ما يدل عليه من فعله صلى الله عليه وسلم، ومن قوله، حيث أرشد إلى تحري الليالي العشر بالعبادة، وكان الصحابة يجتهدون في العبادة في العشر الأواخر من أجل الثواب من الله عز وجل، ورجاء تحصيلها وإدراكها. وأما قضية الاحتفالات سواء كانت رسمية أو غير رسمية فهي من الأمور المحدثة.
تعظيم شهر رجب
السؤال: ما نصيحتك للذين يعظمون شهر رجب، بل بعضهم يجعله أفضل من رمضان؟

الجواب: الإنسان يعظم ويفضل بناءً على الدليل، ولم يأت دليل يدل على تخصيص شهر رجب بشيء إلا أنه من الأشهر الحرم، وما سوى ذلك لم يثبت فيه شيء يخصه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإنسان لا يخصه بشيء. وأما كون الإنسان يفضله على رمضان فالإنسان لا يفضل إلا بدليل؛ لأن التفضيل من الأمور الغيبية التي لا يمكن الوصول إلى معرفتها إلا عن طريق الدليل؛ لأن كون هذا أفضل من هذا، وهذا أفضل من هذا العلم عند الله عز وجل، والله تعالى أعلم بأن هذا أفضل أو أن هذا أفضل بالنسبة للمكان وبالنسبة للزمان وبالنسبة للأشخاص، فإذا وجد الدليل يصار إلى الدليل سواء في الأشخاص أو في الأمكنة أو في الأزمنة."






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 368.66 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 362.61 كيلو بايت... تم توفير 6.06 كيلو بايت...بمعدل (1.64%)]