لامية الشنفرى .. تحليل وتذوق - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         الاكتفاء بسماع أذكار الصباح والمساء عند قولها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الفرق بين صلاة التراويح وصلاة القيام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          قراءة القرآن بصوت مرتفع في المسجد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          الفرصة الأخيرة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          ترزقوا وتنصروا وتجبروا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          لا سمَرَ إلَّا لِمُصَلٍّ ، أوْ مُسافِرٍ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          على أبواب العشر الأواخر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 8 )           »          رمضان شهر الإقبال على مجالس العلم والعبادة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          التغيير الشامل في رمضان .. هل هو ممكن؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          تاريخ غزوة بدر .. الميلاد الثاني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العلمي والثقافي واللغات > ملتقى الشعر والخواطر

ملتقى الشعر والخواطر كل ما يخص الشعر والشعراء والابداع واحساس الكلمة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15-11-2021, 05:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي لامية الشنفرى .. تحليل وتذوق

لامية الشنفرى .. تحليل وتذوق


عمرو محمد الأمير مختار




مقدمة


تتخذ هذه الدراسة من "لامية العرب" للشنفرى نموذجا للكشف عن الظواهر اللغوية والاجتماعية والنفسية والفنية في شعر الصعاليك، هذه الظواهر التي تنتظم شعر صعاليك العرب الجاهليين أمثال عروة بن الورد والسليك بن السلكة، ولكن الباحث اختار "لامية العرب" لأنها قصيدة طويلة نقلت كاملة، خلاف شعر الصعاليك -ومنهم الشنفرى- الذي نقل مقطوعات متناثرة، بالإضافة لما تحتله من مكانة بارزة جعلتها من "أقوى القصائد الجاهلية، بل إنها تزاحم المعلقات وإن لم تكن منها، وهي من حيث الشهرة وعناية العلماء بها ترتفع إلى منزلة لامية كعب بن زهير (بانت سعاد) التي أنشدها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، دون أن تُعتمد في شهرتها مرتكزا دينيا كقصيدة كعب، بل بلغت ما بلغته بفضل ما فيها من جودة شعرية ووفرة المادة اللغوية التي أغرت العلماء بشرحها"[1]. كما أن لامية العرب جمعت ما يحويه شعر الصعاليك من مظاهر شعرية، لذا فهي غنية بما تحتاجه الدراسة من مواد.




ولا يُعرف سبب تسميتها بـ "لامية العرب"، فهناك قصائد لامية نسبت لشعراء جاهليين عديدين مثل عنترة وزهير وكعب، ولكن ربما أطلق على لامية الشنفرى هذا الاسم لأنها عبّرت أشد تعبير عن حياة العرب الجاهلية بما فيها من ظروف وأخلاق وطباع.




وقد لقيت "لامية العرب" اهتماما بالغا من طرف الشارحين والمحققين، "وتعتبر من أشهر قصائد الشنفرى، بل هي من أشهر ما أبدع الشعراء العرب قديما وحديثا، وشهرتها الأدبية واللغوية بلغت الآفاق، كما لقيت اهتماما بالغا من طرف المستشرقين، فأكبوا عليها يدرسونها ويترجمونها إلى لغات أوروبية مختلفة؛ لأنهم وجدوا فيها صورة متقنة لحياة الأعراب في الجزيرة العربية، فكان اهتمامهم بها لغرض اجتماعي، كما كان اهتمام العرب بها لغرض لغوي، بالإضافة لما تحويه من فنية الصور وجمالية الوصف ودقة التعبير وصدق العواطف وغيرها من جماليات الإبداع الأدبي"[2].




توثيق اللامية ونسبتها للشنفرى

تعرضت اللامية - مثلها مثل أشعار الجاهليين - للتشكيك "فذهب معظم الرواة إلى أنها للشنفرى، وقال ابن دريد إنها لخلف الأحمر"[3]، ومعلوم أن خلف الأحمر ممن اتُّهموا بنحل الشعر، فلعل ابن دريد يقصد أنه نحلها للشنفرى، وشكك بعض المستشرقين مثل "كرنكو" في اللامية بحجة أنها تفتقر لذكر أسماء المواضع والأعلام كما هي عادة الشعراء الجاهليين، بيد أن تحليلنا للقصيدة يثبت أن شعر الصعاليك ذو طبيعة خاصة تختلف عن غيره من الأشعار كما سيأتي آنفا، فلا يتعلق بمثل هذا الرأي في الشك في كون القصيدة جاهلية. "ورجح يوسف خليف كفة الشك في صحة نسبتها للشنفرى، واعتمد في ذلك على ثلاثة أشياء: الأول أن ابن دريد نسبها لخلف الأحمر ومعلوم أن ابن دريد قريب عهد بخلف! والثاني إغفال أبي الفرج الأصفهاني ذكر اللامية إغفالا تاما رغم كثرة روايته لشعر الشنفرى، وأن لسان العرب حاد عن الاستشهاد بها رغم كثرة إيراد شعر الصعاليك. والثالث أن اللامية طويلة طولا غير مألوف في شعر الصعاليك الذي كان مقطعات متناثرة، إلى جانب قلة الاضطراب في رواية ألفاظها وفي ترتيب أبياتها، وهي ظاهرة غير مألوفة في شعر الصعاليك"[4].




ويبدو الضعف شديدا في آراء يوسف خليف، إذ إنه لم يستقص الأمور جيدا في آرائه، فقد ذكر أن "لسان العرب" لم يورد شيئا من اللامية في استشهاداته، رغم وجودها فيه، فقد وردت ثلاثة أبيات من القصيدة هي:



ولا جُبَّأٍ أكْهَى مُرِبٍّ بعِرْسِهِ

يُطَالِعُها في شَأْنِهِ كَيْفَ يَفْعَلُ




أَو الخَشرَمُ المَبعوثُ حَثحَثَ دَبرَهُ

مَحابيضُ أَرداهُنَّ سامٍ مُعَسَّلُ




وأصْبَحَ عَنّي بالغُمَيْصَاءِ جَالساً

فَرِيقَانِ: مَسْئُولٌ وَآخَرُ يَسْألُ







كما أن إغفال الأصفهاني لا يعني أن الأصفهاني أورد كل ما وجد من الأشعار العربية القديمة، فقد فاتته أشعار كثيرة بالتأكيد، وإن كان ابن دريد نسبها لخلف الأحمر فقد نسبه معظم الرواة إلى الشنفرى، فلماذا لم يأخذ برأي الأغلب؟! أما طول القصيدة وقلة الاضطراب في روايتها فنراه ميزة اجتمعت في القصيدة أدى لتميزها ولا يعني بالضرورة نحلها، إذ إن كثيرا من الشعر المنحول مضطرب في روايته!




وقد أورد الدكتور إميل بديع يعقوب في تحقيقه لديوان الشنفرى عدة أسباب تصرخ بنسبة اللامية للشنفرى صراخا يخرس من شكك فيها، منها:

1- كثرة العلماء القدامى والمحدثين الذين نسبوها إليه.

2- تصوير اللامية للبيئة العربية الصحراوية القاحلة.

3- كون اللامية جاهلية العواطف والقالب.

4- ورود اسم "الشنفرى" في القصيدة:



فإنْ تَبْتَئِسْ بالشَّنْفَرَى أمُّ قَسْطَلٍ

لَمَا اغْتَبَطَتْ بالشَّنْفَرَى قَبْلُ أطْوَلُ










5- في بعض أبياتها جواز نعهده في الشعر الجاهلي من إبدال "مفاعلن" الأولى أو الثالثة من البحر الطويل بـ "فاعيلن"، وهو جواز لا نجده في الشعر الإسلامي لتحولهم عن طريقة الجاهليين في الإنشاد.




6- عدم التصريع في البيت الأول منها، ولعل عادة التصريع لم تكن متبعة في زمن الشنفرى، فتكون القصيدة من أقدم الشعر الجاهلي.




7- ما فيها من صدق العاطفة ودقة التصوير وروعته يبعدها عن النحل.




ويقول المستشرق جورج يعقوب:

"إن موطن هذه القصيدة هو تلك المرابع في جنوب مكة بين الجبال التي تقع في شمال اليمن حيث مضارب الأزد قبيلة شاعرنا، إنني لا أفهم كيف يستطيع المرء أن ينكر هذه القصيدة التي تتنفس بعبير الصحراء، وترسم جاهلية العرب بكل نقاء، وتصور حياة رجل حمل أحقادا أورثته إياها مظالم الناس، وعقوق الأخوة، وجور العدالة، ويعزوها إلى رجل من بين أولئك اللغويين الذين يقتلون وقتهم جدلا في إعراب جملة صغيرة"[5].




ومهما يكن من شيء فإن ما يعنينا في دراستنا ما تحويه القصيدة من صور فنية وإبداعية استطاع بها الشاعر أن يعبر عن فكرته ورؤيته للحياة، ومن ثم نكشف الأسباب الكامنة خلف وصول هذه القصيدة لما وصلت إليه من مكانة جعلتها تزاحم أقوى القصائد الجاهلية.




من هم الصعاليك؟

إن شخصية ناظم القصيدة تلعب دورا مهما فيما تتصف به من خصائص؛ لذا نلقي الضوء على طبيعة الصعاليك وبيئتهم في نظرة سريعة؛ لنستبين بها طبيعة المؤثرات البيئية والنفسية التي أفرزت لنا الخصائص الشعرية في هذه القصيدة الرائعة، فضلا عن شاعر مثل الشنفرى.




الصعاليك قوم من العرب طردتهم قبائلهم فلم تفتح لهم ذراعيها، إما بسبب أعمالهم التي لا تتوافق مع أعراف القبائلالتي ينتمون إليها مثل حاجز الأزدي وقيس الحدادية، أو من أبناءالحبشيات السود ممن نبذهم آباؤهم ولم يلحقوهم بأنسابهم مثل السليك بن السلكة وتأبط شراً والشنفرى‏.




وجدير بالذكر في هذه الدراسة أن نلقي الضوء على مفهوم الصعلكة وتعريف واسع للصعاليك ونشأتهم كإضاءة للدراسة التي نحن بصددها.




فالصعلكة -لغةً- مأخوذة من قولهم: "تصعلكت الإبل" إذاخرجت أوبارها وانجردت. ومن هذا الأصل اللغوي أصبح الصعلوك هو الفقير الذي تجرد منالمال، وانسلخ من جلده الآدمي ودخل في جلد الوحوش الضارية!




وقد حدد الدكتور شوقي ضيف معنى "الصعلوك" لغة بأنه"الفقير الذي لا يملك من المال ما يعينه على أعباء الحياة"، مؤكداً أن هذهاللفظة تجاوزت دلالاتها اللغوية وأخذت معاني أخرى كقطّاع الطرق الذينيقومون بعمليات السلب والنهب.




وقسّم الصعاليك إلى ثلاثة أقسام:

1- فئة الخلعاء الشذاذ وهم الذين خلعتهم قبائلهم بسبب أعمالهم التي لا تتوافق مع أعراف القبائل التي ينتمون إليها مثل حاجز الأزدي وقيس الحدادية.




2- فئة أبناءالحبشيات السود ممن نبذهم آباؤهم ولم يلحقوهم بأنسابهم مثل السليك بن السلكة وتأبط شراً والشنفرى.




3- فئة ليست من الخلعاء ولا أبناء الإماء الحبشيات، بل هي مجموعة احترفتالصعلكة احترافا وحولتها إلى ما يفوق الفروسية من خلال الأعمال الإيجابية التيكانوا يقومون بها، وقد يكونون أفرادا مثل عروة بن الورد سيد الصعاليك، وقد يكونون قبائل مثل قبيلتي هذيل وفهم[6].




ونجد في أشعار هؤلاء الصعاليك ترديد صيحات الفقر والجوع والحرمان، كما كانوا ناقمين وثائرين على الأغنياء والأشحاء، وامتازوا بالشجاعة والصبر وقوة البأس والمضاء وسرعة العدو، وقد ضرب بهم المثل في شدة العدو حتى قيل: "أعدى من السليك" و "أعدى من الشنفرى".




وكانت غاراتهمتتركز في المناطق الخصبة، وترصد قوافل التجارة وقوافل الحجاج القاصدة مكة المكرمة، وكثيرا ما تغنّوا بكرمهم وبرّهم بأقاربهم؛ لأن ما يحصلون عليه كان يوزع على الأهل والأقارب المحتاجين، كما اتسمت لغتهم الشعرية بالترفع والسمو والشعور بالكرامة في الحياة[7].




وكانوا يفخرون بأنهم لا يتعرضون في غاراتهم وغزواتهم للأسياد الشرفاء، وإنماللأغنياء الأشحاء، وهذا المبدأ تمثله سيد الصعاليك عروة بن الورد.




كما عرف عن هؤلاء الصعاليك اعتزازهم بأنفسهم، وهذا الاعتزاز نابع من مدى قناعتهم بالفعل الذي يقومون به، يقول الشنفرى:



وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى

وفيها لمن خاف القلى متعزل‏









ومن أشهر الصعاليك عروة بن الورد، والسليك بن السلكة، وتأبط شراً، والشنفرى، والحارث بن ظالم المري، وقيس بن الحدادية، وحاجز بن عوف الأزدي، وأبو منازل السعدي، والخطيم بن نويرة وقد عاش في صدر الإسلام وربما أدرك أوائل العصر الأموي، والقتال الكلابي فضالة بن شريك الأسدي، وصخر الغي من هذيل توفي في صدر الإسلام، والأعلم الهذلي وهو أخو الشاعر الصعلوك صخر الغي وقد عاش حتى عصر صدر الإسلام، وحماد الراوية.




وإذا كان الأصل اللغوي لهذه الكلمة يقع في دائرة الفقر، فإن الصعلكة في الاستعمال الأدبي لا تعني الضَّعف بالضرورة، إذ إن الصعاليك تمردوا على سلطة القبيلة وثاروا على الظلم والقمع والقهر والاستلاب الذي تمارسه القبيلة على طائفة من أفرادها، ومما لا شك فيه أن هناك عوامل أدت إلى بروز ظاهرة الصعلكة في الصحراء العربية إبَّان العصر الجاهلي.



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15-11-2021, 05:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لامية الشنفرى .. تحليل وتذوق



"فالعامل البيئي الذي أدى إلى بروز هذه الظاهرة يتمثل في قسوة الصحراء وشُحِّهابالغذاء إلى درجة الجوع الذي يهدد الإنسان بالموت، وإذا جاع الإنسان إلى هذهالدرجة فليس من المستغرب أن يتصعلك ويثور ويقتل.




والعامل السياسي يتمثل فيوحدة القبيلة القائمة على العصبية ورابطة الدم، فللفرد على القبيلة أن تحميه وتهرع لنجدته حين يتعرض لاعتداء، ولها عليه في المقابل أن يصون شرفها ويلتزم بقوانينها وقيمها وأن لا يجر عليها جرائم منكرة. وفشل الفرد في الوفاء بهذه الالتزامات قد يؤدي إلى خلعه والتبرؤ منه، ومن هنا نجد طائفة من الصعاليك تُسمى "الخلعاء والشذاذ".




ومن الناحية الاجتماعية، نجد أن التركيبة القبلية تتشكل من ثلاث طبقات هي طبقة الأحرار الصرحاء من أبناء العمومة، وطبقة المستجيرين الذين دخلوا في القبيلة من قبائل أخرى، ثم طبقة العبيد من أبناء الإماء الحبشيات. والحقيقة أن مجموعة كبيرة من الصعاليك هم من أبناء هذه الطبقة المستلبة التي ثار الأقوياء من أفرادها لكرامتهم الشخصية مثل الشنفرى وتأبط شرًا وعمرو بن برَّاقة والسليك بن السلكة وعامر بن الأخنس وغيرهم. وكان يُطلق عليهم أغربة العرب أو الغِرْبان تشبيهًا لهم بالغراب لسواد بشرتهم.




أما العامل الاقتصادي، فيعزى إلى أن حياة القبيلة في العصرالجاهلي كانت تقوم على النظام الإقطاعي الذي يستأثر فيه السادة بالثروة، في حين كان يعيش معظم أفراد الطبقات الأخرى مستخدَمين أو شبه مستخدمين. فظهر من بين الأحرار أنفسهم نفر رفضوا أن يستغل الإنسان أخاه الإنسان، وخرجوا على قبائلهم باختيارهم لينتصروا للضعفاء والمقهورين من الأقوياء المستغلين، ومن أشهر هؤلاء عُروة بن الورد الملقب بأبي الصعاليك أو عروة الصعاليك".






شعر الصعاليك

"شعر الصعاليك مصطلحٌ يصف ظاهرة فكرية نفسية اجتماعية أدبية لطائفة من شعراء العصر الجاهلي، عكس سلوكهم وشعرهم نمطا فكريا واجتماعيا مغايرا لما كان سائدًا في ذلك العصر، ويمثل الصعاليك من الناحية الفنية خروجا جذريا عن نمطية البنية الثلاثية للقصيدة العربية، فشعرهم معظمه مقطوعات قصيرة وليس قصائد كاملة. كما أنهم، في قصائدهم القليلة، قد استغنوا في الغالب عن الغزل الحسي وعن وصف الناقة. ويحل الحوار مع الزوجة حول حياة المغامرة محل النسيب التقليدي في بعض قصائدهم. وتمثل نظرتهم المتسامية إلى المرأة موقفا يتخطى حسية العصر الجاهلي الذي يقف عند جمال الجسد ولا يتعداه إلى رؤية جمال المرأة في حنانها ونفسيتها وخُلقها.




وعلى الرغم من أن مقاصد شعر الصعاليك كلها في تصوير حياتهم وما يعتورها من الإغارة والثورة على الأغنياء وإباحة السرقة والنهب ومناصرة الفقراء، فإنه اهتم بقضايا فئة معينة من ذلك العصر، يرصد واقعها ويعبِّر عن همومها ويتبنى مشكلاتها وينقل ثورتها النفسية العارمة بسب ما انتابها من ظلم اجتماعي".




الشنفرى ولاميته



هو ثابت بن أوس بن الحجر الأزدي، توفي عام 70 قبل الهجرة (525م)، وهو صعلوك جاهلي مشهور من قبيلة الأزد اليمنية، ويعني اسمه (غليظ الشفاه)، ويدل على أن دماء حبشية كانت تجري فيه. نشأ في قبيلة "فهم" بعد أن تحولت إليها أمه بعد أن قتلت الأزد والده، ويرجح أنه خص بغزواته بني سلامان الأزديين ثأراً لوالده وانتقاما منهم، وكان الشنفرى سريع العدو لا تدركه الخيل حتى قيل: "أعدى من الشنفرى"، وكان يغير على أعدائه من بني سلامان برفقة صعلوك فتّاك هو تأبط شراً وهو الذي علمه الصعلكة، وقد عاش الشنفرى في البراري والجبال وحيداً حتى ظفر به أعداؤه فقتلوه قبل 70 عاما من الهجرة النبوية[8].




ولا ريب أن العوامل البيئية والاجتماعية قد أثرت على الشنفرى وبدا ذلك واضحا في شعره فضلا عن لاميته، تلك القصيدة التي تبدو فيها ملامح الصعلكة من ثورة على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي كانت في بيئته آنذاك، والغربة التي يشعر بها كل صعلوك عاش في بيئته، كما نجد فيها مفاخرته بنفسه وبأخلاقه وشجاعته.




"ومن خلال الروايات عن شخصية الشنفرى وظروفه نرى فيه شخصية فذة في عدة نواح، في قوة الإرادة إلى درجة غير مألوفة، ومن أمثلة ذلك تصميمه على قتل مائة رجل من بني سلامان وإنفاذ عزمه، وفي قوة تركبيه الجسمي ومن أمثلة ذلك أنه كان يسبق الخيل في عدوه، وفي قوة عقليته وعمق تفكيره ومن أمثلة ذلك أنه كما كانوا يصفونه كان يضرب به المثل في الحذق والدهاء، وقد شاءت الظروف لهذه المواهب أن تعيش في أسوأ ظروف اجتماعية، أبرزها أنه مجرد أسير ذليل لا يملك حتى حريته، بل ازدادت الظروف قسوة عليه حين تعرض لحوادث اضطهاد وإذلال من بني سلامان حين تطلعت نفسه إلى الارتباط بإحدى فتياتهم، فاتجه إلى الصعلكة حتى كان من أبرز الصعاليك وأشهرهم على الإطلاق، صابا سخطه ونقمته على كل الناس ممثلين في بني سلامان. وخلال وحدته وتشرده في الصعلكة قال هذه اللامية، وهي ثمانية وستون بيتا، فجاءت القصيدة مطابقة كل المطابقة لشخصيته بما فيها من مقومات، وعقليته بما فيها من عمق ونضوج، وظروفه بما فيها من قسوة وجفاف، حتى كانت القصيدة مرآة صقيلة نرى فيها الشنفرى وحياته بوضوح"[9].




المنهج الشعري لدى الصعاليك من خلال دراسة اللامية



"حين ننظر في شعر الصعاليك نجد في نفوسنا إحساسا بأن موضوع القطعة الشعرية فيه ليس غرضا مقصودا لذاته، وحين نحاول البحث عن الغرض المقصود نجد أنه دائما ينتهي إلى شيء واحد هو شخصية الصعلوك نفسها وحياته، فقد يتحدث الصعلوك مثلا عن الفقر، وقد يتحدث عن السلاح، وقد يتحدث عن الوحوش، وقد يتحدث عن الناس، ولكننا نحس أنه لا يتحدث عن شيء من ذلك لذاته، فلا يتحدث عن الفقر من حيث آثاره وملابساته لذاتها، وإنما يتحدث عنه من زاويته هو، وعن موقفه منه وتأثره به، فيتحدث عن البيئة مثلا فيصف ليلة شديدة البرد أو يوما شديد الحر أو وحوشا ترود من حوله أو أعداء يرصدونه متربصين به، ولكنه لا يتحدث عن شيء ذلك حديث الوصف فحسب، وإنما يتحدث عن مثل هذه الأشياء من زاويته هو، ومن حيث ارتباطه بها في مزاولة الصعلكة وتأثره بها"[10].




ففي حديثه عن الوحوش يقول الشنفرى:



وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُون : سِيدٌ عَمَلَّسٌ

وَأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأَلُ




هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ

لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ







فهو ينسب الذئب والنمر والضبع لنفسه، إذ اتخذهم أصدقاء بدلا من أهله الذين نبذوه، يأتمنهم على سره، ويراهم مساندين له إذ لا يؤخذ الجاني منهم بشيء حسب شريعة الغاب!




فهو لا يتبع أسلوب شعراء الجاهلية المعتاد في الوصف كغرض شعري مقصود لذاته، وإنما من زاوية ارتباط الشيء المتناول بشخصه هو في مزاولته الصعلكة.




"وكذلك نراه يرسم لوحة فنية لإحدى ليالي الشتاء في الصحراء، نرى السماء في هذه اللوحة يتساقط منها المطر، ونرى الأرض قد ابتلت رمالها فأصبحت مرحلة، ونرى فيما بين السماء والأرض بردا قارسا بالغ القسوة، ونرى في هذه اللوحة صعلوكا حائرا بين مطر السماء ووحل الأرض وبرد ما بينهما، وحاصرته هذه العوامل، فاستبد به الجوع حتى بلغ أقصاه، واستبد به الخوف حتى بلغ أقصاه، حتى ظل جسمه كله يرتعد وحتى دفعه هذا البرد إلى تحطيم قوسه التي يزود بها عن حياته الوحوش والمخاطر فيوقدها هي ونصالها ليستدفئ بهن ويدفع عن جسمه هذا البرد الشنيع"[11].






وَلَيْلَةِ نَحْسٍ يَصْطَلي القَوْسَ رَبُّها

وَأقْطُعَهُ اللَّاتي بِهَا يَتَنَبَّلُ




دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وَصُحْبَتي

سُعَارٌ وإرْزِيزٌ وَوَجْرٌ وَأفَكَلُ




فأيَّمْتُ نِسْوَانَاً وأيْتَمْتُ إلْدَةً

وَعُدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَلُ





"هذه لوحة بديعة يمكن أن تستوعب قصيدة كاملة في غرض مقصود لذاته، ولكننا نجد الشنفرى لا يسوق هذا الوصف كموضوع أو غرض مقصود، وإنما يسوقه عرضا في خلال حديثه عن المتاعب والمخاطر الجسيمة التي يتغلب عليها بقوة عزمه وإرادته فيجتازها حتى يبلغ هدفه من غاراته على أعدائه، فليس هذا الوصف هو المقصود، وإنما المقصود أنه لا يرده عن عزمه شيء"[12].




ونجد الشنفرى يلجأ لذكر محاسنه يتغنى بها في القصيدة، وذلك لما يشعر به الصعلوك من نبذ وازدراء من الناس، فيلجأ لحيل الدفاع النفسي، فيسرد محاسنه بشكل متواصل في القصيدة محاولا دفع أي شبهة تثار حول أخلاقه إن كان يُظَنّ أنها السبب في نبذه:





وَإنْ مُدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُنْ

بَأَعْجَلِهِمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ




وَمَا ذَاكَ إلّا بَسْطَةٌ عَنْ تَفَضُّلٍ

عَلَيْهِمْ وَكَانَ الأَفْضَلَ المُتَفَضِّلُ




وَأغْدو خَمِيصَ البَطْن لا يَسْتَفِزُّني

إلى الزَادِ حِرْصٌ أو فُؤادٌ مُوَكَّلُ








كما نلحظ تضخم الأنا لدى الشاعر، إذ نجده يستخدم ضمير المتكلم بصورة لافتة، وما ذلك إلا توكيد لما يسرده من محاسن له.




ويتحدث الشنفرى عن عفته في تناول الطعام مع القوم وعدم حرصه على الزاد، وهنا مفارقة مضحكة، إذ إن الذي تقوم حياته على السلب والنهب يستبعد عنه العفة كما يقول هو:





طَرِيدُ جِنَايَاتٍ تَيَاسَرْنَ لَحْمَهُ

عَقِيرَتُهُ لأِيِّها حُمَّ أَوَّلُ




تَنَامُ إذا مَا نَامَ يَقْظَى عُيُونُها

حِثَاثَاً إلى مَكْرُوهِهِ تَتَغَلْغَلُ




فأيَّمْتُ نِسْوَانَاً وأيْتَمْتُ إلْدَةً

وَعُدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَلُ







إذ يؤكد أنه مطارد من أقوام كثيرين كلهم يطلب قتله ويتقامرون على لحمه إن ظفروا به، ويتّم أولادا ورمل نساء، ومثل هذا يستبعد عنه العفة والجشع عن الزاد! وهو ما يدل على ما تعانيه نفسه من مشاعر متناقضة وجدل ما بين نظرته لنفسه ونظرة الناس إليه.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 15-11-2021, 05:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لامية الشنفرى .. تحليل وتذوق

لامية الشنفرى .. تحليل وتذوق


عمرو محمد الأمير مختار




ونجد أن رؤيته للناس قاتمة يشوبها الاستعلاء، إذ إنه استغنى عنهم بحيوانات الصحاري كالنمر والضبع واتخذهم أهلا له:





وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُون : سِيدٌ عَمَلَّسٌ

وَأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأَلُ




هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ

لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ







بل اتخذ أدوات الصيد والقتال كالسيف والقوس التي يحملها أصحابا يرى فيهم الفائدة عن غيرهم من البشر الذين يسيئون إليه:





وَإنّي كَفَانِي فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِيَاً

بِحُسْنَى ولا في قُرْبِهِ مُتَعَلَّلُ




ثَلاَثَةُ أصْحَابٍ: فُؤَادٌ مُشَيَّعٌ

وأبْيَضُ إصْلِيتٌ وَصَفْرَاءُ عَيْطَلُ




هَتُوفٌ مِنَ المُلْسَ المُتُونِ تَزِينُها

رَصَائِعُ قد نِيطَتْ إليها وَمِحْمَلُ




إذا زَلَّ عنها السَّهْمُ حَنَّتْ كأنَّها

مُرَزَّأةٌ عَجْلَى تُرنُّ وَتُعْوِلُ







وإذا جئنا للوصف فإن "فمن يقرأ وصف الذئب والقطا في لامية الشنفرى يجد أنه إبداع حقيقي، بل إبداع من نوع خاص سلك فيه الشاعر مسلكا متميزا عن سابقيه ينم عن خبرة بحيوانات الصحراء وطيورها وعن تفاعل الشاعر معها"[13].




"فقد جاءت صورة الذئب والقطا في معرض تفاعل الشنفرى وحيوانات البيئة الصحراوية وطيورها وتمثيله للصراع القائم في الصحراء عن طريق جعلهما شريكين له في صراعه وكذلك إبراز شجاعته وقدرته الفائقة على التحدي والتغلب على الصعاب بإظهار نفسه أسرع من الذئب مرة وأسرع من القطا مرة ثانية"[14].




فنلمس في علاقته بالذئب مسألة التكامل بين الطرفين المتحابين، فهما في الهمّ سواء، كما يستخدم في وصفه عدة أسماء له فهو سيد عملس وأزل، كاهتمام العرب بإطلاق أكثر من مسمى على الحيوانات التي لها مكانة مميزة عندهم:





وأَغْدُو على القُوتِ الزَهِيدِ كما غَدَا

أَزَلُّ تَهَادَاهُ التنَائِفَ أطْحَلُ




غَدَا طَاوِياً يُعَارِضُ الرِّيحَ هَافِياً

يَخُوتُ بأَذْنَابِ الشِّعَابِ ويُعْسِلُ




فَلَما لَوَاهُ القُوتُ مِنْ حَيْثُ أَمَّهُ

دَعَا فَأجَابَتْهُ نَظَائِرُ نُحَّلُ




مُهَلَّلَةٌ شِيبُ الوُجُوهِ كأنَّها

قِدَاحٌ بأيدي ياسِرٍ تَتَقَلْقَلُ




أوِ الخَشْرَمُ المَبْعُوثُ حَثْحَثَ دَبْرَهُ

مَحَابِيضُ أرْدَاهُنَّ سَامٍ مُعَسِّلُ




مُهَرَّتَةٌ فُوهٌ كَأَنَّ شُدُوقَها

شُقُوقُ العِصِيِّ كَالِحَاتٌ وَبُسَّلُ
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15-11-2021, 05:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لامية الشنفرى .. تحليل وتذوق

فَضَجَّ وَضَجَّتْ بالبَرَاحِ كأنَّها

وإيّاهُ نُوحٌ فَوْقَ عَلْيَاءَ ثُكَّلُ




وأغْضَى وأغْضَتْ وَاتَّسَى واتَّسَتْ به

مَرَامِيلُ عَزَّاها وعَزَّتْهُ مُرْمِلُ




شَكَا وَشَكَتْ ثُمَّ ارْعَوَى بَعْدُ وَارْعَوَتْ

وَلَلْصَبْرُ إنْ لَمْ يَنْفَعِ الشَّكْوُ أجْمَلُ




وَفَاءَ وَفَاءَتْ بَادِراتٍ وَكُلُّها

على نَكَظٍ مِمَّا يُكَاتِمُ مُجْمِلُ






فهو يخرج لطلب القوت مثل الذئب الذي دعا أصحابه ليشاركوه البحث عنه، "وواضح أن الشاعر أسقط على الذئب كل ما يجيش في نفسه، إذ كان بلوغ القوت هو أمنيته التي تهيئ له الحياة الكريمة والاستقرار في ظل عشيرة وأهل ينعم في الحياة معهم، وهو غير قادر على تحقيق ذلك بدون الذئب السريع الذي يوصله إلى الزاد عبر المفاوز المقفرة والمسافات الطويلة، لذا صور الذئب بهذه الصورة ليحقق لنفسه الغاية المنشودة"[15].




"فاستطاع الشاعر أن يصنع علاقة معاناة وتشرد وخوف وضياع بينه وبين الذئب، إذ إنه بوجود الأهل والقوت يتحقق الرخاء والاستقرار والأمن، وغيابهما يدخله في دائرة البؤس والشقاء ورفض الواقع المعيش، والبحث عن واقع بديل من وجهة نظر الشاعر هو أفضل مما هو كائن، وهذا ما أشقى الشاعر وأضناه، إذ إنه حاول الخروج من دائرة الأهل والعشيرة واللجوء إلى عالم آخر يتكامل معه" وهو عالم الحيوان:





وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُون : سِيدٌ عَمَلَّسٌ

وَأَرْقَطُ زُهْلُولٌ وَعَرْفَاءُ جَيْأَلُ




هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ

لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ







وهذا يذكرنا بقول الشاعر:





عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى

وصوت إنسان فكدت أطير







ونجد صورة القطا تدلنا على مثل هذا التكامل، إذ نجد الشاعر يسقط مشاعره وأحاسيسه وحالته النفسية على هذا الطائر:





وَتَشْرَبُ أسْآرِي القَطَا الكُدْرُ بَعْدَما

سَرَتْ قَرَبَاً أحْنَاؤها تَتَصَلْصَلُ




هَمَمْتُ وَهَمَّتْ وَابْتَدَرْنَا وأسْدَلَتْ

وشَمَّرَ مِنِّي فَارِطٌ مُتَمَهِّلُ




فَوَلَّيْتُ عَنْها وَهْيَ تَكْبُو لِعُقْرِهِ

يُبَاشِرُهُ منها ذُقُونٌ وَحَوْصَلُ




كأنَّ وَغَاها حَجْرَتَيْهِ وَحَوْلَهُ

أضَامِيمُ مِنْ سَفْرِ القَبَائِلِ نُزَّلُ




تَوَافَيْنَ مِنْ شَتَّى إِلَيْهِ فَضَمَّهَا

كما ضَمَّ أذْوَادَ الأصَارِيمِ مَنْهَلُ



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15-11-2021, 05:55 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لامية الشنفرى .. تحليل وتذوق

فَغَبَّ غِشَاشَاً ثُمَّ مَرَّتْ كأنّها

مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ




فهو عندما يطلب الماء يتتبع القطا حيث تذهب إليه فيسبقها لسرعة عدوه المشهورة عند الصعاليك، فترد القطا بعده وتشرب سؤره، فجموع القطا تشعر بما يشعر به من العطش، فيتسابقان إلى الماء.




فالشاعر عند حديثه عن "الذئب وعشيرته وكذلك حديثه عن أسراب القطا يحكي لنا مشاعره وأحاسيسه، فعندما يشبه نفسه بالذئب فهذا يعني أنه يتحدث عن نفسه، إذ جعل حديثه عن الذئاب مجالا للإفصاح عن تجربته الشعورية، وبانتقاله إلى الحديث عن القطا يظهر لنا قدرته الفائقة على العدو، وهو بذلك يريد أن يبرر سمة الصراع من أجل الماء وهي هاجس البدوي في الصحراء، وهي أيضا نزعة وجدانية لدى الشاعر تأتت غليه حين هجر قومه فوجد لدى الحيوانات البديل والمستراح.




التعبيرات الفنية

إذا تتبعنا التعبيرات الفنية التي استخدمها الشنفرى ليبث ما يدور بداخله من آلام وشعور بالغربة، فسنجد ارتفاعا في النضج الفني لديه، وإن ابتعد عن الاستقصاء في وصف مال يدور بداخله، إذ يكتفي بالإشارات السريعة التي تجعلنا نعمل الذهن في استخلاص فنيتها، فقد بدأ قصيدة بالنداء صارخا في قومه الذين شعر منهم بالنبذ ولم يجد منهم ما تصبوا إليه نفسه:





أَقِيمُوا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكُمْ

فَإنِّي إلى قَوْمٍ سِوَاكُمْ لَأَمْيَلُ




فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْلُ مُقْمِرٌ

وَشُدَّتْ لِطِيّاتٍ مَطَايَا وَأرْحُلُ







واختار هذه الصلة "صلة الأمومة"؛ لأنها أقرب الصلات إلى العاطفة والمودة التي يفتقدها الصعلوك طريد الصحاري، "وذلك ليرميهم بالفضيح ويسجل عليهم بالقبيح؛ لأن الأم شأنها الحنوّ والشفقة، وأولادها من شأنهم المحبة والتراحم، وقد خرجوا معه من حيز التصافي إلى حيز التنافي"[16].




ويتناص هذا البيت مع بيت عروة بن الورد يستنفر قومه للإغارة على القوافل:



أقيموا بني لبنى صدور ركابكم

فكل منايا النفس خير من الهزل[17]










بيد أن الغرض يختلف، فعروة يستنفر قومه ليتبعوه ويلتزموه في طريق الإغارة، وهو ما يقصده بإقامة الصدور، أما الشنفرى فغرضه من إقامة الصدور تنبيه قومه ليقوموا من أخلاقهم معه إذ اضطرته معاملتهم إلى هجرهم، أو يقصد استعدادهم لرحيله عنهم أو أنه لا مقام لهم بعد رحيله.




ونلحظ في اللامية البعد عن المقدمة الطللية أو الغزلية التي يتميز بها الشعر الجاهلي، ويرى الدكتور يوسف خليف أن السبب في ذلك جنوح الصعاليك إلى الوحدة الموضوعية في شعرهم ومقطعاتهم، إذ المقدمات الطللية تخل بهذه الوحدة الموضوعية[18]، ولكني أرى السبب هو الشعور النابع عنه الاستهلال، ذلك أن الشعور الذي ينتاب الشعراء الجاهليين - غير الصعاليك - هو الحنين للماضي أو للمحبوبة أو للديار.. أما الأزمة النفسية التي يعيشها الصعلوك فهي الشعور بالنبذ الاجتماعي والفقر، لذا فهو يبدأ قصائده بالحديث عن هذا كما يبدو من مقدمة "اللامية" محل الدراسة.




ونظرا لنزوع الصعلوك للبعد عن المجتمع وعزوفه عنه إلى حياة الإغارة والنهب جعلته يتحلل من الولاء للقبيلة فلا نجد اعتزازه بهم مثلما هو الحال في الشعر الجاهلي "لأن ما بينه وبين عشيرته انقطع، فلم تعد له قبيلة، وإنما أصبح شعره صورة صادقة من حياته هو"[19].



لَعَمْرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيقٌ على امْرِئٍ

سَرَى رَاغِبَاً أَوْ رَاهِبَاً وَهْوَ يَعْقِلُ








والأرض واسعة سواء لصاحب الحاجات والآمال أم للخائف، بشرط أن يكون عاقلا متزنا بصيرا بالأمور، فطلب الآمال والتهرب مما يخاف منه يتطلب الحكمة والتعقل، خاصا لمن كان طريدا!





هُمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّرِّ ذَائِعٌ

لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْذَلُ








أشار إلى الحيوانات بالضمير "هم" ووصفهم بالأهل تأكيدا على أفضليتهم عن أهله الذين خذلوه، وعلل الوصف بأنهم لا يذيعون سره أو جرائمه بل ويناصرونه وإن كان مخطئا، عكس ما يفعله الناس!! وكأن الجريمة أصبحت في نظر الشنفرى هي الصواب الذي ينبغي لأهل الجاني الوقوف معه فيها وحمايته. إن هذا البيت يظهر مدى بغض الشنفرى لأهله لعدم تأييده في باطله، ويبين إصراره على المواصلة في طريق الجريمة.




ومن التعبيرات الفنية الظاهرة في لامية الشنفرى "المفارقات"، وهي وسائل فنية يحاول بها إظهار محاسنه وتميزه عن غيره..





وَكُلٌّ أَبِيٌّ بَاسِلٌ غَيْرَ أنَّنِي

إذا عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِدِ أبْسَلُ




وَإنْ مُدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُنْ

بَأَعْجَلِهِمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ








فهو سريع في ملاحقة الفريسة.. بطيء في مد الأيدي إليها!

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15-11-2021, 05:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لامية الشنفرى .. تحليل وتذوق

والشعور بالغربة يدفعه لسرد محاسنه ليثبت استغناءه عن الناس:





ولا جُبَّأٍ أكْهَى مُرِبٍّ بعِرْسِهِ

يُطَالِعُها في شَأْنِهِ كَيْفَ يَفْعَلُ




وَلاَ خَرِقٍ هَيْقٍ كَأَنَّ فؤادَهُ

يَظَلُّ به المُكَّاءُ يَعْلُو وَيَسْفُلُ







وهو في الصحاري ليس بأحمق تخادعه الصحراء فلا يهتدي لطريقه..



وَلَسْتُ بِمِحْيَارِ الظَّلاَمِ إذا انْتَحَتْ

هُدَى الهَوْجَلِ العِسّيفِ يَهْمَاءُ هؤجَلُ







ونلاحظ في أبيات القصيدة ما يمكن تسميته بـ "بعثرة الأبيات"، إذ نجد عدم تنظيم وتناسق في سرد ما يتحدث عنه الشاعر، فهو يصف عفته وترفعه عن إظهار الشره في الأكل:



وَإنْ مُدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُنْ

بَأَعْجَلِهِمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ







وبعده بخمسة أبيات يقول:



وَأغْدو خَمِيصَ البَطْن لا يَسْتَفِزُّنيِ

إلى الزَادِ حِرْصٌ أو فُؤادٌ مُوَكَّلُ







وكان الأجدى أن تتلوا الأبيات بعضها لتصبح متناسقة، غير أن الطبيعة الفطرية لشعر الصعاليك وبعدهم عن الكتابة التي هي مما يساعد على إعادة النظر والتنظيم أدى إلى هذه الظاهرة!



والشاعر يلجأ للوصف السريع لما يستغني له عن أهله:





ثَلاَثَةُ أصْحَابٍ : فُؤَادٌ مُشَيَّعٌ

وأبْيَضُ إصْلِيتٌ وَصَفْرَاءُ عَيْطَلُ




هَتُوفٌ مِنَ المُلْسِ المُتُونِ تَزِينُها

رَصَائِعُ قد نِيطَتْ إليها وَمِحْمَلُ




إذا زَلَّ عنها السَّهْمُ حَنَّتْ كأنَّها

مُرَزَّأةٌ عَجْلَى تُرنُّ وَتُعْوِلُ





فهو يسترسل في وصف قوسه وإظهار محاسنها الضئيلة التي لا تستحق الذكر، فهي ذات صوت حين يطلق بها السهم، وملساء لا خشونة فيها تؤذي اليدين، ومرصعة بما يزين به، وقد ذكر القوس والسيف بأوصافهما دون تصريح بالأسماء، إذ يحرص على إظهار المحاسن! إذ يبدو في وصفه حيل الدفاع النفسي تجاه بني قومه الذين استعاض عنهم بهذه الأشياء، فعمل على تقديم الوصف، وأنها تفيده أكثر منهم إذ حين تمر عليه ليلة برد شديد يصطلي بها:



إذا الأمْعَزُ الصَّوّانُ لاقَى مَنَاسِمِي

تَطَايَرَ منه قَادِحٌ وَمُفَلَّلُ








وتبدو حياة الصعلكة حين يتغلب على الجوع ويتناساه ويماطله حتى ييأس منه!



وَأَسْتَفُّ تُرْبَ الأرْضِ كَيْلا يُرَى لَهُ

عَلَيَّ مِنَ الطَّوْلِ امْرُؤٌ مُتَطَوِّلُ








ورغم سوق الشنفرى لمحاسنه فإنه يقع في التناقض، ولا عجب فالكذب لا يفلح وحتما ينكشف صاحبه، فهو إذ يؤكد أنه لولا تجنُّبه الذم وسوء السيرة لحصل على ما يريده من مأكل ومشرب بطرق غير كريمة:



وَلَيْلَةِ نَحْسٍ يَصْطَلي القَوْسَ رَبُّها

وَأقْطُعَهُ اللَّاتي بِهَا يَتَنَبَّلُ




دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وَصُحْبَتي

سُعَارٌ وإرْزِيزٌ وَوَجْرٌ وَأفَكَلُ



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15-11-2021, 05:58 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لامية الشنفرى .. تحليل وتذوق




فهو يسترسل في وصف قوسه وإظهار محاسنها الضئيلة التي لا تستحق الذكر، فهي ذات صوت حين يطلق بها السهم، وملساء لا خشونة فيها تؤذي اليدين، ومرصعة بما يزين به، وقد ذكر القوس والسيف بأوصافهما دون تصريح بالأسماء، إذ يحرص على إظهار المحاسن! إذ يبدو في وصفه حيل الدفاع النفسي تجاه بني قومه الذين استعاض عنهم بهذه الأشياء، فعمل على تقديم الوصف، وأنها تفيده أكثر منهم إذ حين تمر عليه ليلة برد شديد يصطلي بها:



إذا الأمْعَزُ الصَّوّانُ لاقَى مَنَاسِمِي

تَطَايَرَ منه قَادِحٌ وَمُفَلَّلُ








وتبدو حياة الصعلكة حين يتغلب على الجوع ويتناساه ويماطله حتى ييأس منه!



وَأَسْتَفُّ تُرْبَ الأرْضِ كَيْلا يُرَى لَهُ

عَلَيَّ مِنَ الطَّوْلِ امْرُؤٌ مُتَطَوِّلُ








ورغم سوق الشنفرى لمحاسنه فإنه يقع في التناقض، ولا عجب فالكذب لا يفلح وحتما ينكشف صاحبه، فهو إذ يؤكد أنه لولا تجنُّبه الذم وسوء السيرة لحصل على ما يريده من مأكل ومشرب بطرق غير كريمة:



وَلَيْلَةِ نَحْسٍ يَصْطَلي القَوْسَ رَبُّها

وَأقْطُعَهُ اللَّاتي بِهَا يَتَنَبَّلُ




دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وَصُحْبَتي

سُعَارٌ وإرْزِيزٌ وَوَجْرٌ وَأفَكَلُ


يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15-11-2021, 05:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لامية الشنفرى .. تحليل وتذوق

فأيَّمْتُ نِسْوَانَاً وأيْتَمْتُ إلْدَةً

وَعُدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَلُ




ويسرد محاسنه فهو حليم لا يستخفه الجهلاء، متعفِّف عن سؤال الناس، بعيد عن النميمة وإثارة الفتن بين الناس، صبور، شجاع، حازم، لا الفقر يجعلني أبتئس مظهراً ضعفي، ولا الغنى يجعلني أفرح وأختال.




ونجد في وصف البرد والجوع تلاعبا في الألفاظ من جناس وتقارب في الحروف بتنسيق يعطي سيمفونية تطرب لها الآذان:





وأصْبَحَ عَنّي بالغُمَيْصَاءِ جَالساً

فَرِيقَانِ: مَسْئُولٌ وَآخَرُ يَسْألُ




فَقَالُوا: لَقَدْ هَرَّتْ بِلَيْلٍ كِلَابُنَا

فَقُلْنَا: أذِئْبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُلُ




فَلَمْ يَكُ إلاَّ نَبْأةٌ ثُمَّ هَوَّمَتْ

فَقُلْنَا: قَطَاةٌ رِيعَ أمْ رِيعَ أجْدَلُ




فَإِنْ يَكُ مِنْ جِنٍّ لأبْرَحُ طارِقاً

وإنْ يَكُ إنْسَاً ما كَها الإنسُ تَفْعَلُ





فيسترسل في ذكر حديث القوم في الصباح وتعجبهم من نباح كلابهم ليلا لمدة قصيرة ثم هدأت! وهذا لسرعة عدو الشنفرى لدرجة أن الكلاب لم تلحظه مدة طويلة حتى توقع القوم أن تكون نبحت لرؤية شيء سريع لن يكون إلا صقر أو قطاة، فقد تعوَّدوا أن يقوم بالغارة جماعة من الرجال لا فرد واحد، وأن يشعروا بها فيدافعوا عن أنفسهم وحريمهم، أمَّا أن تكون بهذه الصورة الخاطفة فهذا الأمر غير مألوف، ولعل الذين قاموا بها من الجنّ لا من الإنس!




وبعد ذكره لتحمله الشديد ليوم شديد البرودة، يذكر مدى تحمله للحر الشديد، فربّ يوم شديد الحرارة تضطرب فيه الأفاعي رغم اعتيادها شدة الحرّ، واجهت لفح حره دون أي ستر على وجهي، وعليّ ثوب ممزّق لا يردّ من الحر شيئاً قليلاً:





وآلَفُ وَجْهَ الأرْضِ عِنْدَ افْتَراشِها

بأَهْدَأَ تُنْبِيهِ سَنَاسِنُ قُحَّلُ




وَأعْدِلُ مَنْحُوضاً كأنَّ فُصُوصَهُ

كعَابٌ دَحَاهَا لاعِبٌ فَهْيَ مُثَّلُ







ويطوي أمعاءه على الجوع فتصبح لخلوّها من الطعام يابسة ينطوي بعضها على بعض كأنها حبال أُتقن فتلها..





وَتَشْرَبُ أسْآرِي القَطَا الكُدْرُ بَعْدَما

سَرَتْ قَرَبَاً أحْنَاؤها تَتَصَلْصَل









والتعسف في وصف بعده عن النظافة لا أجد له تفسيرا سوى ندب الحال، فإن الإنسان مهما حاول إظهار التعالي والصبر والتجلد لا يلبث أن يبدو في كلامه ما يدل على إحساسه بالدونية والقهر:





وَخَرْقٍ كظَهْرِ التُّرْسِ قَفْرٍ قَطَعْتُهُ

بِعَامِلَتَيْنِ ظَهْرُهُ لَيْسَ يُعْمَلُ




فألْحَقْتُ أُوْلاَهُ بأُخْرَاهُ مُوفِيَاً

عَلَى قُنَّةٍ أُقْعِي مِرَارَاً وَأمْثُلُ







فمن شدة سرعته على أرض خالية مقفرة ألحق أولها بآخرها!





وفي الأَرْضِ مَنْأَى لِلْكَرِيمِ عَنِ الأَذَى

وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَى مُتَعَزَّلُ




لَعَمْرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيقٌ على امْرِئ

سَرَى رَاغِبَاً أَوْ رَاهِبَاً وَهْوَ يَعْقِلُ

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15-11-2021, 06:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,505
الدولة : Egypt
افتراضي رد: لامية الشنفرى .. تحليل وتذوق

وأي حيوان يلاقيه يشاركه البيئة:





وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ

عَلَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ لِيَبتَلي




فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَمَطّى بِصُلبِهِ

وَأَردَفَ أَعجازاً وَناءَ بِكَلكَلِ




أَلا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي

بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ مِنكَ بِأَمثَلِ




فَيا لَكَ مِن لَيلٍ كَأَنَّ نُجومَهُ

بِكُلِّ مُغارِ الفَتلِ شُدَّت بِيَذبُلِ




كَأَنَّ الثُرَيّا عُلِّقَت في مَصامِها

بِأَمراسِ كِتّانٍ إِلى صُمِّ جَندَلِ







والتشبيهات بعيدة كتشبيه اضطراب الذئاب بسهام الميسر!



كأنَّ وَغَاها حَجْرَتَيْهِ وَحَوْلَهُ

أضَامِيمُ مِنْ سَفْرِ القَبَائِلِ نُزَّلُ




تَوَافَيْنَ مِنْ شَتَّى إِلَيْهِ فَضَمَّهَا

كما ضَمَّ أذْوَادَ الأصَارِيمِ مَنْهَلُ




فَغَبَّ غِشَاشَاً ثُمَّ مَرَّتْ كأنّها

مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ





واللغة قاسية تنم عن بيئة عربية قحة صحراوية جافة لا تجد فيها بغيتك من ألفاظ تعينك على الاستمتاع بالقصيدة، فلا بد من مجاورة المعجم لقارئها، إذ يلجأ إلى ذكر صفات الشيء بدلا من مسماه فالذئب أرقط، والضبع عرفاء، والسيف أبْيَضُ إصْلِيتٌ، والقوس َصَفْـرَاءُ عَيْطَـلُ، الخَشْرَمُ المَبْعُـوثُ، مَحَابِيضُ.. وهو ما يدل على طبيعة البيئة الوحشية التي يعيشها الصعاليك.




المراجع

1- ديوان الشنفرى، جمع وتحقيق: الدكتور إميل بديع يعقوب، ص 19.

2- اللغة الشعرية عند الشنفرى دراسة وصفية تحليلية، البشير مناعي.

3- سلسلة تاريخ الأدب العربي، العصر الجاهلي، شوقي ضيف، ص 375.

4- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.

5- شعر الصعاليك منهجه وخصائصه، عبد الحليم حنفي.

6- الذئب والقطـا في لامية العرب للشنفرى دراسة تحليلية، د.عبد الجليل حسن صرصور.

7- نهاية الأرب في شرح لامية العرب، عطاء الله بن أحمد الأزهري.

8- محاضرات في الثقافة العربية قبل الإسلام، د.ثناء أنس الوجود.

9- الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي، يوسف خليف، طـ دار المعارف.






[1] ديوان الشنفرى، جمع وتحقيق: الدكتور إميل بديع يعقوب، ص 19.




[2] اللغة الشعرية عند الشنفرى دراسة وصفية تحليلية، البشير مناعي.




[3] ديوان الشنفرى، جمع وتحقيق: الدكتور إميل بديع يعقوب، ص 15، 16.




[4] ديوان الشنفرى، جمع وتحقيق: الدكتور إميل بديع يعقوب، ص 16، 17.




[5] ديوان الشنفرى، جمع وتحقيق: الدكتور إميل بديع يعقوب، ص 18.




[6] سلسلة تاريخ الأدب العربي، العصر الجاهلي، شوقي ضيف، ص 375.




[7] السابق نفسه.




[8] ديوان الشنفرى جمع وتحقيق: إميل بديع يعقوب، دار الكتاب العربي.




[9] شعر الصعاليك منهجه وخصائصه، عبد الحليم حنفي.




[10] السابق نفسه.




[11] السابق نفسه بتصرف بسيط.




[12] السابق نفسه.




[13] الذئب والقطا في لامية العرب للشنفرى دراسة تحليلية، د.عبد الجليل حسن صرصور.




[14] السابق نفسه.




[15] السابق نفسه.




[16] نهاية الإرب في شرح لامية العرب، عطاء الله بن أحمد الأزهري.




[17] ديوان عروة بن الورد أمير الصعاليك، دراسة وشرح وتحقيق أسماء أبو بكر محمد، ص89، طـ دار الكتب العلمية.





[18] الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي. يوسف خليف ص268، طـ دار المعارف.




[19] الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي. يوسف خليف ص276، 277، طـ دار المعارف.




[20] الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي. يوسف خليف ص31، طـ دار المعارف.




[21] محاضرات في الثقافة العربية قبل الإسلام، د.ثناء أنس الوجود.




[22] السابق نفسه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 171.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 165.97 كيلو بايت... تم توفير 5.57 كيلو بايت...بمعدل (3.24%)]