من أبجدية السعادة الزوجية - الصفحة 2 - ملتقى الشفاء الإسلامي
 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4421 - عددالزوار : 858408 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 3953 - عددالزوار : 392858 )           »          متابعة للاحداث فى فلسطين المحتلة ..... تابعونا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 12535 - عددالزوار : 215483 )           »          مشكلات أخي المصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          المكملات الغذائية وإبر العضلات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          أنا متعلق بشخص خارج إرادتي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          مشكلة كثرة الخوف من الموت والتفكير به (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          أعاني من الاكتئاب والقلق (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 43 )           »          اضطراباتي النفسية دمرتني (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 47 )           »          زوجي مصاب بالفصام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 45 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم الأسرة المسلمة > ملتقى الأخت المسلمة

ملتقى الأخت المسلمة كل ما يختص بالاخت المسلمة من امور الحياة والدين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 15-03-2022, 11:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

سامح


محمد عزت السعيد



من أبجدية السعادة الزوجية : سامح
التسامح خلق نبيل لا يعرفه إلا أصحاب النفوس العالية والأخلاق الرفيعة، وهو خلق أصيل في ديننا، بل وفي عادات العرب وطباعهم، والبيت الواحد والأسرة السعيدة المتآلفة التي يملأ جوانب بيتها هذا الخلق الجميل هي أسعد الأسر وأهنؤها، وأجمل البيوت وأكثرها استقرارًا واطمئنانًا، فكم من شجارات تحدث وخلافات تنشأ بين أفراد الأسرة الواحدة على اختلاف مستوياتها وتعدد أشكالها، فلا تستقيم الحياة بدون خلافات بين الزوج وزوجته، فأنت تتحاور مع زوجتك في أمر ما، لكن سرعان ما ينقلب الحوار الهادئ والنقاش السهل البسيط إلى خلاف واختلاف، وقد يفضي ذلك إلى خصام وتخاصم، والأمر نفسه في أحوال مختلفة، وفي حالات متعددة، والأمر ذاته يكون بين أبنائك وبناتك يختلفون ... يتشجارون ... يضرب بعضهم بعضًا ... ينال الأخ من أخته ... وسرعان ما يصافحها وتصافحه ...
ولذا فقد جعل ديننا هذا الخلق أساسًا في أخلاق المسلم، قال تعالى: " {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} " [الأعراف:199] ذكر ابن كثير في تفسيرها: "وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله : "خذ العفو " أمره الله بالعفو والصفح عن المشركين عشر سنين، ثم أمره بالغلظة عليهم. واختار هذا القول ابن جرير .وفي سيرته الشريفة ما يدعو للتأمل والوقوف طويلاً أمام أفعاله وأقواله – صلى الله عليه وسلم - فكثيرة هي المواقف التي دلت على عظيم خلقه وجميل سيرته، وإذا ذكر تسامحه ذكر عفوه عن قومه من قريش يوم الفتح، حينما قال – صلى الله عليه وسلم - :" «اذهبوا فأنتم الطلقاء» "، وعن جابر -رضي الله عنه- قال: كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-بذات الرقاع (إحدى غزوات الرسول)، «ونزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تحت شجرة فعلَّق بها سيفه. فجاء رجل من المشركين، وسيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-معلَّق بالشجرة فأخذه، فقال الأعرابي: تخافني؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا، فقال الأعرابي: فمَن يمنعك مني؟ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الله، فسقط السيف من يد الأعرابي، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-السيف فقال للأعرابي: مَن يمنعك مني؟ فقال الأعرابي: كن خير آخذ. فقال -صلى الله عليه وسلم-: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: لا، ولكني أُعاهدك ألا أقاتلك، ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سبيله، فأتى أصحابه فقال: جئتكم من عند خير الناس» " [صححه ابن حبان].
والأسرة السعيدة الهانئة هي التي يعلو فيها هذا الخلق على ما عداه، فالعفو عن الزلات، والصفح عن الأخطاء هي التي تجعل الود والمحبة والألفة بين أفرادها، بل وهي التي تحدث نوعًا من التوافق النفسي بين أفرادها، وأنتَ – أخي الزوج- وأنتِ - أختي الزوجة- لابد وأن تخلقا فيما بينكما مساحات واسعة للاختلافات، مساحات واسعة للأخطاء، ولا معنى للصفح إن لم يسبق بعتاب، ولا فائدة من القيم والأخلاق الكريمة ما لم تكتسب بعد جهد وعناء فتكون أدوم وأبقى، لا سيما وأنتما القدوة لأبنائكم، وكم من مرات احتدم الخلاف والشجار، وكاد البيت أن ينهار فأنقذته كلمات العفو وعبارات التسامح.
ورد من حديث ‏النعمان بن بشير ‏ ‏قال ‏‏ «جاء ‏‏أبو بكر ‏ ‏يستأذن على النبي ‏ -‏صلى الله عليه وسلم- ‏فسمع ‏ ‏عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله ‏ -‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏فأذن له فدخل فقال يا‏ ‏ابنة أم رومان‏ ‏(وتناولها) أترفعين صوتك على رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم؟! ‏قال فحال النبي ‏ ‏-صلى الله عليه وسلم- ‏ ‏بينه وبينها، قال فلما خرج ‏ ‏أبو بكر جعل النبي ‏ ‏-صلى الله عليه وسلم- ‏ ‏يقول لها ‏ ‏يترضاها ‏ ‏ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك ... قال ثم جاء أبو بكر ‏فاستأذن عليه فوجده يضاحكها، قال فأذن له فدخل، فقال له ‏ ‏أبو بكر ‏ ‏يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني‏ في حربكما}» [ مسند أحمد].
من محاسن العفو وجميل خصال التسامح والمغفرة والصفح أن الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد ظفر برجل كان يطلبه فلما دخل عليه أمر بضرب عنقه، فقال الرجل : دعني يا أمير المؤمنين أنشدك أبياتًا فقال :
زَعَموا بأن البازَ علقَ مــــــــــــــــــــــــرة عصفورَ برً ساقَه المقـــــــــــــدور
فتكلمَ العصفورُ تحتَ جناحِه والبازُ منقضٌ عليــــــــــــــه يطير
ما بي لمــــــــــــــا يغني لمثلِكَ شبعة ولئن أكلتُ فإِنني لحقـــــــــــــــير
فتبسم البـــــــــــــــــــــــازُ المُدِلُّ بنفسِه كَرَما وأطلق ذلك العصفور
فأطلقه المأمون وخلع عليه ووصله . وأكرمه
فاحرص على أخي الكريم:
  • تأصيل هذا الخلق في وفي أهل بيتك ذاتًا وسلوكًا.
  • تدريب الذات والأبناء على التحلي بخلق التسامح في الأفعال والأقوال.
  • ربط أفعالهم بالتحفيز والتعزيز، والتشجيع والمتابعة.
  • القراءة في سير الصالحين فإنهم القدوات الصالحة والمثل العليا.
  • الدعاء بأن يرزقنا الله وإياكم حسن الخلق فهو النعمة البالغة.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 15-03-2022, 11:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

صُنْ


محمد عزت السعيد



من أبجدية السعادة الزوجية : صُنْ
الإسلام دين نظيف لا يعرف القاذورات بشتى أنواعها: خُلقِيَّة أو غيرها، طاهرٌ لا يعْرف الرِّجس ولا النَّجس الحِسِّي كان أو المعنوي، يحمي أعراضَ النَّاس كافَّة، والمؤمنين على وجه الخصوص، فلا يُبيح للمسلم أن ينالَ من عِرض أخيه بلفظٍ أو قولٍ أو إشارة، قال تعالى: ﴿ {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} ﴾ الهمزة:1 يقول الطبري في تفسيره: " ويعني باللمزة: الذي يعيب الناس، ويطعن فيهم". فحرم الكذب والغيبة وشدد في النهي من الزور والبهتان والإفك، وعدَّ ذلك من كبائر الذنوب والآثام.
وهو في ذات الوقت يَعتبر صيانة العْرض إحْدى الكُليَّات الخَمس التي جعلها الإسلام ضروريَّة لحياة الإنسان وهي: الدين، والعقل، والنفس، والمال، والعِرْض، واتخذ من الإجراءات والضمانات لحفظ وصيانة هذه الكُليَّات.
وللمحافظة على الأعْراض وصيانتها فقد حرَّم الإسلام النَّظر إلى الأجنبية والخُلوة بها، وحرَّم الزِّنى ودواعيه وجعل له حدًا، وحرَّم قذفَ المحصَنات وجعلَ له عقوبة وحدًّا، كل ذلك من التشديد هو بهَدف صِيانة الأعراض وحِفظها، ونظافة المجتمع من كل ما يلوثه من ملوثات خلقيةّ تودي في النهاية إلى انهيار المجتمع وتماسكه.
بل إن القارئ لآيات القرآن الكريم يجِد توجيهه للنبي – صلى الله عليه وسلم - وآل بيته، وهم الصَّفوة من خَلقِه، وكيف كانت أوامره لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجوب صِيانة أمهَات المؤمنين وحمايتهم من خِلال فرضِ الحجاب عليهن، وعدم انكشافهن للعامة، قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] ، وقوله تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ }[الأحزاب:32]
وفي العديد من أحاديث السنة النبوية المطَهَّرة يؤكد النبي – صلى الله عليه وسلم – على التزام الأدب والبعد عن الوقوع في أعراض الغير بأي شكل من الأشكال، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " «من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنَه الله رَدْغَة الخَبال حتى يخرج مما قال» ". ورَدْغَة الخَبال: عصارة أهل النار."
وفي ظل الانفتاح الأخلاقي في هذا العَصر، وتَداخِل الأدوار في التربية وترسيخ القِيم، فإنَّ على الأسرة أن تقوم بكامل دَورهَا في صيانة أفرادها وحمايتهم من الانحراف الأخلاقي والسلوكي، والرَّجُل كونُه راعي الأسرة والمسؤول عنها في المقام الأول فهو المنُوط به أن يؤسس للقيم والأخلاق النَّبيلةِ، يبدأُ بنفسه في الالتزام بالنهج الرباني الكريم في عَدم الوقوع في أعْراض الآخرين قولاً وفعلاً، وثمَّة شيء آخر يجب عليه القيام به، وهو تأصيل هذه القيم في نفوس أسرته: زوجته وأبنائه وبناته، فالحشمةُ والحيَاء وغَضُّ البَصرِ وحفظ اللسان أسسٌ هَامة في صيانة الأسرة من الرذائل والدنايا الخُلقيَّة، ولله درُّ القائل إذ يقول:
إذا رُمتَ أنْ تَحيا سَليمــــــــًا مِن الأذى وَ دينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُــــــكَ صَيِنُّ
لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَــورَةَ امـــــــــــــــــــــرئٍ فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّــــــــــــــاسِ ألسُنُ
وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليـــــكَ مَعــــــــــــــــــــايِبًا فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ
وعاشِرْ بِمَعروفٍ وسامِحْ مَن اعتَدى ودَافع ولكــــــــن بالتي هِيَ أحسَنُ
فصن لسانك من الوقوع في أعراض الناس، وصن عِرضَك بعدم الوقوع في أعراضهم، ودرِّب أبناءك وربِّهم على ذلك، وإن من العجيب أن تجد الانفصَام واضحًا فيما يفعله بعضهم في غَيرتِه الشَّديدَة على أهل بيته، ثم لا يَسْلم لِسَانه من الوُقوع في أعْراضِ الآخرين، بل وإنَّه من المُبكي أن تجدَ الرَّجل يتحدث عن مَكارم الأخْلاق: العِفَّة والحِشمة والحَياء، ونفرٌ من أهل بيته بعيدون كل البعد عن ذلك، والأصْلُ أن يقوم الزَّوج والزوجة بتربية أبنائهما على هذه الأخلاق النبيلة، والشِّيم الأصيلة، والتي هي من مكارم الأخلاق التي عرفها العَربي حتى قبل قُدوم الإسْلام، يقول المقَنع الكِندي وهو من شعراء العصر الأموي:
وإنّ الــــــــــــذي بـيـنـي وبـيــن بنــــــي أبـي وبـيــن بـنـــي عَـمـــي لمختــلــفٌ جـــــــــــــــــــدّا

إذا أكـلـوا لحْمـي وَفـرْتُ لـحـــــــــومَهُــم وإنْ هــدَمـوا مَجــــــــــــــدي بـنيْـتُ لهـم مَجْدا
وإنْ ضـيّـعوا غيبـي حفظـتُ غيوبَهـم وإنْ هـم هَــوَوا غيِّـي هويتُ لهـم رُشــدا
وإن من الأمور الجالبة للسَّعادة الزوْجية والاستقرار الأسري، هو المحافظةُ على الآخَر وصيانة حقه وحمايته، وحفظ العرض من هذه الحقوق، فذلك أدعى إلى استقرار المجتمع وهدوئه، وانتشار القيم النبيلة فيه.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 09-05-2022, 01:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

ضع صدقة


محمد عزت السعيد




من أبجدية السعادة الزوجية: ضع صدقة
خلق الله الإنسان وكرَّمه وفضَّله على سائر خلقه بما أودعه فيه من حكمة، وما منحه من تكليفات ربانية، وسخر له ما يهيئ له حياةً كريمةً تكون محطَّة وصولٍ للآخرة، قال -تعالى-: " {ولَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} " [الإسراء: 70] قال القرطبي في تفسيرها: " والصحيح الذي يعول عليه أن التفضيل إنما كان بالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يُعرفُ الله ويفهم كلامُه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله، إلا أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد بُعثَت الرسل وأُنزِلت الكتب. فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين، فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس وأدركت تفاصيل الأشياء. وما تقدم من الأقوال بعضه أقوى من بعض. وقد جعل الله في بعض الحيوان خصالاً يفضل بها ابن آدم أيضًا، كجري الفرس وسمعه وإبصاره، وقوة الفيل وشجاعة الأسد وكرم الديك. وإنما التكريم والتفضيل بالعقل كما بيناه. والله أعلم .
ومع هذا التكريم وتلك الإشارة الربانية اللطيفة في تفضيل الإنسان على خلق الله فقد جعل فيه الاستعداد الفطري لاكتساب الخير أو الشر، فيكون مؤمنًا إذا شاء وإذا شاء كفر، يكون بَرًا إن أراد ذلك، وإن أراد فَجَر، ليكون غضوبًا إن لم يملك نفسه، وإلا فهو الحليم بخُلُقِه، ومن أبرز الاستعدادات الفطرية لدى الإنسان كونه مستعدًا للبخل أو الجود، للبذل أو الشح، قال الله تعالى: " { وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ} " النساء:128 وهذه وإن كانت نَزلَت في حقِّ النِّساء في حرصهن على حقهن في أزواجهن من النفقة والمعيشة وغيرها، إلا أن الإنسان قد جُبل على الحرص والاستئثار بالمال ونحوه، قال الله تعالى: " {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} " ذكر الطبري في تفسيره: "يقول تعالى ذكره: وإن الإنسان لحب المال لشديد. واختلف أهل العربية في وجه وصفه بالشدة لحب المال، فقال بعض البصريين: معنى ذلك: وإنه من أجل حب الخير لشديد: أي لبخيل، قال: يقال للبخيل: شديد ومتشدد. واستشهدوا لقوله ذلك ببيت طرفة بن العبد البكري:
أرَى المَـوْتَ يَعْتـامُ النُّفُوسَ ويَصْطَفِي عَقِيلَــةَ مــالِ البــاخِلِ المُتَشَـددِ
وقال آخرون: معناه: وإنه لحب الخير لقوي." انتهى كلامه في تفسيره.
والله – سبحانه وتعالى- وهو خالق النفوس والمطلع عليها- جعل لها ما يصلحها، ففرض الزكاة لتطهر بها النفس، وندب إلى الصدقات بأنواعها لتطيب بها النفوس، وتتوطد بها الأواصر، وتقوى بها العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد، ولأن الأسرة أساس نسيج هذا المجتمع فتطهير النفس من الشح والبخل أحد أهم عوامل السعادة عامة والزوجية خاصة.
والتصدق ولو بالقليل يترك أكبر الأثر في انسجام العلاقات داخل الأسرة الواحدة، صدقة يومية أو أسبوعية تضعها في صندوق خاص بها، تُسَمِّيه إ-ن شئت- صندوق السعادة، يتعارف عليه أبناؤك وزوجتك وتغرس فيهم هذه القيمة، يرسخ-لا شك- لقيمة البذل والعطاء في نفوسهم وتطيب به نفسك وتطهر، ولقد رأيت بعض البيوت كلما نزلت بهم نازلة تصدقوا ولو بالقليل فحلَّ محلَّ النازلة الخيرُ الكثيرُ، ولقد عرفت بيوتًا كلما جنح أحد الأبناء أو ارتفع صوته على أبويه على غير العادة، أو ساء خلقه، أو مرض أحد الأبناء أو ألمَّ به ما قد يحل بالناس في حياتهم اليومية تصدقوا ولو بالقليل فبرأ مريضهم- بإذن الله- واستقام خلق بنيهم، وانصلح حال بناتهم، وبوركت الحياة وسعدوا بها، بل وفتح الله عليهم من أبواب الرزق، وصنوف الخير ما لا يعلمه إلا الله تعالى.
ولا عجب في ذلك فقد ورد في السنة النبوية عن أبي هُريرة: أَنَّ رسولَ اللَّه ﷺ قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ» " [رواه مسلم] . وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " «الطُّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك. كل الناس يغدو؛ فبائع نفسه، فمعتقها، أو موبقها» ". (رواه مسلم).
والجميل في هذا الأمر وهو مجرب، أنه فيه من الفوائد والمنافع ما لا يمكن حصره، ولعلي أذكر منها:
  • رضا الله سبحانه وتعالى لأن في ذلك استجابة لأوامره – جل شأنه – قال تعالى:" {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ } " [الحديد:07]
  • تعزيز قيمة العطاء والجود في نفوس الأبناء، فيكبرون على حب العطاء وذم البخل، قال – تعالى:" {وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} ۚ" [ الحديد: 38] .
  • اقتداءٌ واهتداءٌ بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – في جوده وكرمه وعطائه، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: «كَانَ رَسُولُ الله أجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ الله أجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ» . [متفق عليه] .
  • البركة في الرزق والفسحة في العمل والهداية والصلاح في الأهل والذرية فقد حث الله -تعالى- المسلم على التصدق وربط بين الصدقة والزيادة في الرزق في كثير من الآيات القرآنية الكريمة، حيث يقول -سبحانه وتعالى-: ( {مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ) [سورة البقرة: 245]
  • السعادة النفسية والمتعة المعنوية وأنت تجعل من مالك نصيبًا تخرجه لله -تعالى – بمحض اختيارك وبخالص إرادتك ترجو به رضوان الله -تعالى- تجد هذه السعادة في نفسك وأهلك، وترى أثرها باديًا في كل حياتك.
  • تتقي بها مصارع السوء ومصائب الدهر ونوائبه، ولقد جاء في فتوي للشيخ ابن باز في الرد على مثل هذا المعنى بقوله: " يؤخذ من معاني الأحاديث كون الصدقة يدفع الله بها الشر، وقد جاء في حديث الحارث الأشعري أن يحيى بن زكريا عليه الصلاة والسلام أمره الله أن يبلغ بني إسرائيل، ومن ذلك أنه قال: آمركم بالصدقة، فإن مثلها كمثل رجل أسره العدو فقدموه ليضربوا عنقه، فجعل يفتدي منهم نفسه بالقليل والكثير، فهذا دل على أن الصدقة تقي مصارع السوء تقي الشر". انتهى كلامه رحمه الله.
فاحرص على أن تضع صدقة يومية كانت أو ما يتناسب معك في صندوق السعادة، وستجد السعادة بين أهلك والبركة في رزقك وولدك، والرضا والرضوان من المولى -جل وعلا- طابت نفوسكم وزكت، واطمأنت قلوبكم وسعدت، وصل اللهم على محمد وآله وصحبه.













__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 09-05-2022, 01:27 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

لا تفش سراً


محمد عزت السعيد




مِن أبجَديَّات السَّعادَة الزَّوجِيَّة: لا تُفشِ سِرًا
الأمانة -على اختلاف أنواعها وشتى صورها- مصونة محفوظة، يتوجب على من أُوكِلت إليه أن يحفظها حفظًا، وأن يشملها عناية ورعاية، إلى أن يردَّها إلى أهلها، قال الله تعالى { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)}
ولقد لُقِّب نبينا – صلى الله عليه وسلم – بمكة المكرمة قبل أن تتنزل عليه آيات النبوة وأنوار القرآن الكريم بالصَّادق الأمين لما عُرِف عنه – صلى الله عليه وسلم – من حفظٍ للأمانة والوفاء بها.
ولقد روت كتب السيرة أنه – صلى الله عليه وسلم – قد ترك عليًا – رضي الله عنه – في فراشه ليرد الأمانات إلى أهلها، تلك التي كانت لأهل مكة لديه، حرصًا على الوفاء بها.
ولقد نهى الشرع الحنيف عن إفشاء السر ما دام سرًا؛ كبيرًا كان أو صغيرًا، وحادثة حاطب بن أبي بلتعة حينما كتب كتابًا يخبر فيه أهل مكة بما يرتب له النبي – صلى الله عليه وسلم – من فتح لمكة المكرمة؛ تلك التي خرج منها منذ سنوات قليلة، حينها أرسل النبي- صلى الله عليه وسلم- عليًّا -رضي الله عنه- ونفرًا من أصحابه فأدركوا المرأة التي حملت كتاب حاطب، وقد جعلت كتابه بين طفيرتين لها، والحديث مشهور معلوم روته كتب السير والمغازي.
بل إن صحابيًا جليلاً من صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو أبو لبابة نزلت فيه آيات وآيات .... تروي كتب السيرة في غزوة بني قريظة .... «أن يهود بعثوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-":‏ أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبد المنذر، أخا بني عمرو بن عوف، وكانوا حلفاء الأوس، لنستشيره في أمرنا، فأرسله رسول الله -صلى الله عليه وسلم إليهم- فلما رأوه قام إليه الرجال، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم، وقالوا له‏:‏ يا أبا لبابة‏!‏ أترى أن ننزل على حكم محمد‏؟‏ قال‏:‏ نعم، وأشار بيده إلى حلقه، إنه الذبح‏.، قال أبو لبابة‏:‏ فوالله ما زالت قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم‏» .‏
ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم يأت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده، وقال‏:‏ لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت، وعهد الله‏:‏ ألا أطأ بني قريظة أبدًا، ولا أُرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدًا‏.‏
هكذا لام الصحابي الجليل نفسه لومًا شديدًا، بل وعد ذلك خيانة كبيرة، وأخبر رسول الله بما فعل، وربط نفسه في سارية بالمسجد، وعزم ألا يفكه إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وفيه نزل قول الله تعالى:"‏{ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون}
ولقد نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – من إفشاء أسرار الزوجية على اختلافها، وحذَّر من ذلك تحذيرًا شديدًا، وبالغ في ذلك أشد المبالغة، فقد روي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وتُفْضِي إِلَيْهِ، ثم يَنْشُرُ سِرَّهَا» . [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ]
وإن من أسباب انهيار البيوت وخرابها، وما يؤدي إلى دمارها وفشلها، ألا يحفظ الرجل سر زوجته أو المرأة سر زوجها، فيمسي كل منهما وللآخر سر أسره إليه وأفضى به، فتبوح به إلى قريناتها وأقاربها، ويبوح به إلى أقرانه وأقاربه.
بل إن من مسببات اطمئنان البيوت وسعادتها ودواعيها أن يشعر الجميع فيها أن أمانته مأمونة مصونة محفوظة، وإن مما لا يأخذه الآباء أو تأخذه الأمهات على محمل الجد أن يسر أحد الأبناء إلى والديه سرًا، وقد أخذ عليهما العهود والمواثيق ألا يخبروا به أحدًا ... فتراهم يتناقلونه فيما بينهم، يخبرون به إخوانه، ويستشيرون فيه بعضهم البعض...فيصبح السر عندهم علانية، والحديث مشاعًا، وتلك – لعمري – من سوء الأفعال وسيء الأخلاق.

بل وجب على الجميع أن يحفظ السر في كل حال، وألا يفشي ما طلب كتمانه، ساعتها تطمئن البيوت وتحفظ الأسرار وتصان الأعراض.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 09-05-2022, 01:29 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

مَكِّن لهُم


محمد عزت السعيد




مِن أبجِدية السَّعادة الزَّوجيَّة: مَكِّن لهُم
أسَّس الإسْلام الأسرة على الاحترام المتبادل بين الزوجين، فلا حياةَ ناجحة سعيدة إلا إذا قدَّم كلُّ طرفٍ ما يُدلِّل على احترامه للآخر، والحياة الزوجية لم تكن -يومًا ما – قائمة على النِّديَّة أو الصِّراع أو التَّنافسِ والخصُومة، بل على المودَّة والمحبَّة، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ﴿٢١﴾ الروم: ٢١
والتعبير القرآني يؤكِّد على قُوة التَّرابط بين الزوجَين باستعمال "من" التي تفيد البعضية، فقال: {مِنْ أَنْفُسِكُمْ} " وحَدَّد العِلَّة والغَاية من ذلك، فقال { أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} "
وإنَّ من متطلباتِ هذا الاحترامِ والتَّقديرِ أن يُعطَي للزوجة حقها في إدارة شؤون بيتها؛ فهي شريكةٌ مع زوجها في ذلك، وليسَ للزوج – وإن كانت له القَوامة – أن يتفرَّد بإدارة شؤونِ البيتِ بمفْردِه، بل إنَّ من مقومَات البيتِ السَّعيدِ النَّاجح أن يزاول فيه الزوجَان المهَام والمسؤولياتِ في جوٍّ من الانسِجام والتَّفاهُم، ومن دواعي هذا الاحْترام والتقْدير أن تمكن لها فيما يتعلق بحرية التصرُّفِ فيمَا يخصها كالجوانب المالية أو نحْوها، ومن دواعي ذلك أيضًا أن تخَوِّلها في العديد من الأمورِ التي لابد أن تشَاركك فيها، فالقيامُ على رعَاية الأبناء وتربيتهِم، وتحَمُّل المسؤوليات والأعبَاء، وإبْداء الرَّأي واتخاذِ القرارات المهَمَّة، ومعالجة المشْكلات .... هذه وغيرها الكَثيرُ والكَثيرُ لابد أن تمكن فيهَا المرأة من التَّصرف والتعَامل معَها، وليس بالضَّرورة الانفراد بها، بل لا بأسَ أن يتم تقديم الدَّعم اللازمِ من مشورةٍ ومعونةٍ ونحوه.
ولا يقتصِر التمكينُ والتفويضُ في المسؤوليات ولا يكونُ حِجرًا على الزوجة وحدها، بل يتعَدَّاه إلى الأبنَاء والبنَات، وكلما كان تدريبُ الأولاد وتعويدُهم على تحَمُّل المسؤولية، وتفويضِهم في بعضِ المهَام والأعمَال، وتزيدهم بالخِبراتِ ومتابعةِ أدائهم، وتقديم الدَّعم الكاَمل لهم، وتقييم ذلك وتقويمه فإن ذلك– لا شك – يخْلقُ منهم أفرادًا يستطيعون أن يجَابهوا الحياةَ وصُعوباتها، ويجعلَهم أكثرَ ثقةً بالنفس، وجُرأةً وقدرةً على تحمُّل المسؤولية، والتعَامل معَ الأزماتِ بشكلٍ جَيد.
والذي يتصَفَّح آيات القرآنِ الكريمِ يجد هذا التفويضَ، بل والتمكينَ واضحًا جليًا في قصة نبي اللهِ موسى - عليه السلام- مع أخيه هارون – عليه السلام- {وَقَالَ موسى لأَخِيهِ هَارُونَ اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} [الأعراف: ١٤٢]
فقد أعطاه – عليه السلام – المهمة كاملة(اخلفني فِي قَوْمِي) ورسَم له الأهدافَ المطلوب تحقِيقها(وَأَصْلِحْ) وبين المخاطر والعقبات التي قد تطرأ( {وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} ).
وثمَّة أمرٍ آخَر لابدَّ أن نَلفِتَ إليه الانتباه، وهو أنَّ تمكِينَ الزَّوجةِ والأبناءِ وإعْطَاءهم الفرصة للإدارة والتعبيرِ عن الرأي والمشُورة يخلق- لا شكَّ- منهُم أدواتٍ تنفعُ وقت الحاجَة، يقدِّمون الدَّعم الكامل عند افتقاده، ولعَلَّنا نذكر هنا ما حَدث مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في صلح الحديبية، ومَا أشارت عَليه به زوجه أُم سلَمة – رضي الله عنها- حيثُ كانت صاحبة رأي صَائب، وقد أخذ الرسول الله -صلى الله عليه وسلم بمشورتها- فقَد كَان من شروط الكفَّار ألا يدْخل المسلمون في هذه المرة لزيارة البيت الحرام على أن يعودوا العَام القَادم، وبعدما فرغوا من كتابة وثيقة الصُّلح طلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من المسلمين أن ينحَروا ويحْلقُوا، لكنَّ أحدًا منهم لم يقُم، وأعاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- طلبه ثلاثَ مراتٍ لكنهم لم يفعلوا، فدخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أم سلمة – رضي الله عنها- فذَكَر لها ما حدَث من المسلمين، فقالت -رضي الله عنها-:" يا نبي الله، أتحبُّ ذلك؟ اخرج ولا تكلم أحدًا... حتى تنْحر بُدنَك، وتَدعو حَالِقَك فيحْلقك، فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفعل بمشُورتها، فما كان من المسْلمين إلا أن نحَروا، وحلق بعضُهم لبعض، وبذلك حُلَّت المشْكلة.
وقد اختارَ النَّبي – صلى الله عليه وسَلَّم - أسَامة بن زيد الشَّاب الممتلئ بالطموحِ والقدرة- رغم صغر سنِّه- لقيادة الجيش، وكأن النَّبي – صلى الله عليه وسَلَّم -يلفت نظر الأمَّة أجمعين إلى دور الشباب وضرورة تمكينهم، وهو مفهوم بالغ الأهمية، خصوصًا أن بعث أسَامة كمَا يروق للمؤرخين والكُتَّاب أن ينعتوه لم يُصَب منه أحَد بسوءٍ، وعادَ الجيشُ سالمًا غانمًا، حتى قال المسلمون عنه: "ما رأينا جيشا أسلم من جيش أسامة"

مَكِّن لزَوجتِك في ممَارسَة دَورِها؛ فهْي حَبيبَتك، ونصفُ رُوحِك، وشريكُ حيَاتك، تقَاسمُك الهمُوم كما تقَاسمُك الأفراحَ، تشَاطِرك النجَاحات كما تشَاركك الإخفاقات، وكذلك أبناؤك وبناتُك عوِّدهم المسْؤولية، ومكِّن لهم، ساعتها تجدُ السعادة في ظل بيت يحرصُ كلُّ واحدٍ فيه عَلى التَّعاون والبنَاء، وتَنعَم وينْعم آلُ بيتِك الكِرامُ.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 10-05-2022, 02:18 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

نَقِّ قَلْبَك


محمد عزت السعيد




من أبجدية السعادة الزوجية: نَقِّ قَلْبَك
مَا من نعْمة أنعمَ الله بها على أحدٍ من عباده مثل صفاء القلب وطهارته، فالقلبُ مستودَع الأسرار ومَكمَن المشاعر والنوايا والخواطر والخطرات، وهو صُندوق مغْلق لا يفتحه إلا صَاحبه، ولا يملك ُمفتاحه إلا خَالقه، و ولا يطَّلع على أسْراره إلا واهِبه، وفي أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يؤكد على هذا المعنى، فقد ورد فيما روي عنه عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ -وأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ: إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ» . [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] .
وصلاح الإنسَان إنما هو في صَلاح قبله، والضِّدُ بالضِّد، ولا قيمةَ ولا عبرة بشْكل المرء ولا مسْتواه من فقرٍ أو غني، ولا لونه أحمر كان أو أصفر، ولا لجنسه من عرب ولا عَجم، ولا شيئًا من غير ذلك كلِّه، لا قيمة له عند الله ما لم يُقْبل عليه بقلبٍ صافٍ نقي طَاهر، وفي الحديث عَنْ أبي هُريْرة عَبْدِ الرَّحْمن بْنِ صخْرٍ -رضي الله عنه - قَالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ » [رواه مسلم] .
وقد كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فيما رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه - كثيرًا ما يدعو بهذه الكلمات:" يُكثرُ أن يقولَ يا مقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قلبِي على دينِك فقلت يا نبيَّ اللهِ آمنَّا بك وبما جئتَ به فهل تخافُ علينا؟ قال نعم إن القلوبَ بينَ إصبعينِ من أصابعِ اللهِ يُقلِّبُها كيفَ يشاءُ" أخرجه الترمذي، ومن دعاء المؤمنين فيما جاء على لسانهم: { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [ آل عمران: ٨] ، قال ابن كثير في تفسيرها: "ثم قال تعالى عنهم مخبرًا أنهم دعوا ربهم قائلين : " {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا} ؛ أي : لا تملها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ، الذين يتبعون ما تشابه من القرآن ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم، ودينك القويم، وهب لنا من لدن، أي : من عندك، رحمة تثبت بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتزيدنا بها إيمانا وإيقانا، إنك أنت الوهاب" .
وقد حَرص الإسلامُ على أن ينقِّي قلوب أتباعه ويطهِّرها من كل دنسٍ ورجْس؛ من الغِلِّ والحقْد والحسَد وكل الأوداء والعلل الباطنة؛ التي لا يعلمه إلا الله تعالى، بل إنه – سبحانه – قد امتن على المؤمنين في جناتِ النعيم بأن طهَّر قلوبهم وزكَّاها {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ ۖ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ۖ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ ۖ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} .
قال بن كثير في تفسيرها:" وقوله ": {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} " روى القاسم، عن أبي أمامة قال : يدخل أهل الجنة الجنة على ما في صدورهم في الدنيا من الشَّحناء والضَّغائن، حتى إذا توافَوا وتقَابلوا نزع الله ما في صدورهم في الدنيا من غِلٍ ، ثم قرأ : ونزعنا ما في صدورهم من غل، هكذا في هذه الرواية، وقد روى سنيد في تفسيره: حدثنا ابن فُضَالة، عن لقمان، عن أبي أُمَامة قال: لا يدخِل مؤمنٌ الجنةَ حتى ينزع الله ما في صُدرهم من غِل، حتى ينزعَ منه مثل السَّبع الضَّاري.
بل وحثَّ المسلمين على المحبةِ الصَّادقة والإيثار والتسامح، وقد اشترط الله على عباده – فيما جاء على قلبِ إبراهيم الخليل – عليه السلام- ليلقوه يوم القيامة غير خزايا، اشترط أن يأتوه بقلب بسليم، قال جل شأنه
ﯾَوْمَ ﻻَ ﯾَﻧْﻔَﻊُ ﻣَﺎلٌ وَﻻَ ﺑَﻧُونَ * إِﻻﱠ ﻣَنْ أَﺗَﻰ َ ﺑِﻘَﻠْبٍ ﺳَﻠِﯾمٍ
والقلب الذي يملكُ أفراده قلوبًا نقية طَاهرة زكيَّة هم أسعد الناس في الدنيا، وأقربهم إلى الله، وأحبهم بين خلقه، فالقلوب التي لا تعرف لغيرها إلا الحب، ولا تحمل داخلها إلى معاني التسامح والعفو هي – لاشك قلوب سّوية تحيا على الفطرة؛ لم تتلوث بمكائد الشيطان، ولم تسقط في حبائله، لا تعرف غلاً لأحد، ولا يمتلئ قبلها حقدًا على أحد، بل إنها تفيض صفاءً وتمتلئ حبًا، وإن أردت بيتًا سعيدًا تملأ السَّعادة أركانه، وتْسكن البهجةُ جوانبه فليكن قلبك نظيفًا نقيًّا، وليكن أهل بيتك كذلك، ازرع في نفسِك وزوجتك وأبنائك حبَّ الآخرين، ورغبهم في تمني الخير لهم، نَقِّ قبلك من كل خُلُق ذمِيم أو صفةٍ مشينة أو دَاء من أدواء القلوب، واحرص على أن تزرع في نفوسهم الوفَاء والإخلاص حرصِك على أن تربيهم على حُسن التوكل على الله والرجاء فيه والخوف منه، فإنهم إن شَبُّوا على هذه المعني الراقية وامتلأت قلوبهم بها نقَت وتطَهرت، ففَاضت على غيرها.
احرص وأهل بيتك على أن لا تتحدثوا عن أحد في غيبته بسوء، ولا تذكروا نعمةً لأحدٍ إلا دعوتم لصَاحبها، ولا تنالوا من عِرضِ أحَد، ولا تتمنوا لأحدٍ سوءًا ولا شرًا، فما أجمل قلبًا يبيت وليس فيه شيءٌ لأحد، فعَن أنسٍ بن مالك رضي الله عنه قال: كنَّا جلوسًا مع الرَّسول صلى الله عليه وسلم فقال: «يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنَّة، فطَلع رجلٌ من الأنصَار، تَنْطِفُ لحيته من وضوئه، قد تَعَلَّق نَعْلَيه في يده الشِّمال، فلمَّا كان الغد، قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك، فطلع ذلك الرَّجل مثل المرَّة الأولى، فلمَّا كان اليوم الثَّالث، قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرَّجل على مثل حاله الأولى، فلمَّا قام النَّبي -صلى الله عليه وسلم- تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال: إنِّي لَاحَيْت أبي فأقسمت ألَّا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تُـؤْوِيَني إليك حتَّى تمضي، فَعلتَ. فقال: نعم. قال أنس: وكان عبد الله يحدِّث أنَّه بات معه تلك الليالي الثَّلاث، فلم يره يقوم من اللَّيل شيئًا، غير أنَّه إذا تعارَّ وتقلَّب على فراشه، ذَكَر الله عزَّ وجلَّ وكبَّر حتَّى يقوم لصلاة الفجر، قال عبد الله: غير أنِّي لم أسمعه يقول إلَّا خيرًا. فلمَّا مضت الثَّلاث ليال، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، إنِّي لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هَجْرٌ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مِرَار: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنَّة، فطلعت أنت الثَّلاث مِرَار، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك، فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثير عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أنِّي لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غِشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق» .










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 10-05-2022, 02:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

زُر أقاربك وصِلْ رحمَك


محمد عزت السعيد




مِن أبجِدية السَّعادة الزَّوجية: زُر أقاربك وصِلْ رحمَك
إن من المعانيَ الجميلة والأخْلاق السَّامية النبيلة التي أكَّد عليها الإسلامُ الوُدَّ الجميلَ وصِلةَ الأرحَام، بل إنَّ الله – جلَّ في عُلاه – جعل له اسمًا يجَسِّد هَذه الصِّفة وهو اسْم الله الودود، قال الله تعَالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} [البروج: 14] قال القرطبي في تفسيرها:" الودود أي المحبُّ لأوليائه". وروى الضَّحاك عن ابن عباس قال: "كما يود أحدكم أخَاه بالبشرى والمحبة. " وقال على لسَان نبيه شُعيب: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود:99]
وقد جَعل الله المودَّة والصِّلة منحةً ربانية ومكافأةً أُخْروية للمؤمنين في جنَّاته قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَٰنُ وُدًّا} [مريم: ٩٦] قال ابن كثير في تفسيره: " يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي ترضي الله - عز وجل - لمتابعتها الشريعة المحمدية - يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة، وهذا أمْر لا بدَّ منه ولا مَحيد عنه. وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه."
بل جعل الله – سبُحانه وتعالى- قَطيعة الأرحام وجفَاءهم وقطْع الصِّلة بهم سببٌ في وجوبِ لعْنة الله وغَضَبه وعقَابه، قال - سُبحانه وتعالى -: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22،23]
وقال على لسان نبيه – صَلى الله عليه وسلم – مُوضحًا صَفاء مَودته وإخْلاصه في حبه لأهْله، وهو يبلِّغهُم دعوةَ الله – عز وجل -: {لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ} [الشورى: ٢٣]
وقد امتلأتْ كتبُ السُّنة النَّبوية بالعَديد من الأحاديث التي تدل على فضْل زيَارة أولي القُربي وصِلتهم، وترسِيخ الموَدة والمحَبة بينهم، فعَن أبي هريرة – رضِي الله عنه – أن رسُول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليكرم ضَيفه، ومن كاَن يؤمن بالله واليوم الآخر، فليصِل رحمه، ومن كانَ يؤمن
بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصْمت".

والوُدُّ والأنسُ والقُرب والصِّلة جميعها مترادفاتٌ تحمل معاني متقاربة، يعشَقها النَّاس ويطْربون لسَماعها، ويألفونها ويعتادون عَليها، ويُقَدِّرون من يتصفُ بها، بل إنَّ أشْعار العَرب وتراثهم قد امتلأ بها، قال أبو الفتح البستي:
إذا ظفرت بود امرئ ** قليل الخلاف على صاحبه
فلا تغبطن به نعمة ** وعلق يمينك يا صاح به
وعن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: «قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (إنَّ الله - تعالى - خَلَق الخَلْق؛ حتى إذا فرَغ منهم قامَت الرَّحِم فقالت: هذا مَقام العَائذ بك من القَطِيعة، قال: نعم، أمَا تَرْضَين أنْ أصِل مَن وصَلك، وأقطَع مَن قطَعك، قالت: بلى، قال: فَذاك لك)، ثم قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: (اقرَؤُوا إنْ شئتم ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ﴾ محمد:22،23»
وفي الحَديث عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - « أنَّ رجلًا قال: يا رسول الله، إنَّ لي قَرابة أصِلُهم ويقطعوني، وأُحسِن إليهم ويُسِيئون إليَّ، وأحلمُ عليهم ويجهلُون عليَّ، فقال: (إنْ كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهُم الملَّ، ولا يَزال معك من الله ظَهير عَليهم ما دُمْت على ذلك)» .
فإن أردت سَعادة في دَارك، وطُمأنينة في بيتك، وبرَكة في عمرك وعمَلك وصلاحًا في ولدك، وقُرة عينٍ لك فعليك بزيارة أقاربك: أعمَامك وأخوالك و .... وصِلة أرحَامك، ولتكن عَينك دَومًا على مَن نُسيَ منهم من أقَاربك، فهم أولى الناس بصلتك.
اغرس هذا الخُلُق النَّبِيل في نفسِك وعَوِّد عليه أبناءك، ورَبِّهم عَليه، واصْطَحبهم في زياراتٍ لهم، ورغِّبهُم في فِعْله وشَجِّعهم عليه، فقد كان النَّبي – صَلَّى الله عَليه وسَلَّم – يجْعل له نصيبًا من يومه لصِلةِ رحمِه وزيَارة أقَاربه.
وهَذه جُمْلة من النَّصائِح تجْلِبُ السَّعادة إلى بيتك وتعيش بها هانئًا ترى الخَير في أبنائِك، والسَّعة في رزقِك، والبركة في عمرك:
  • خَصِّص جزءًا من برنامجكَ الأسْبوعي لزيَارة أحَد أقاربِك بصُحبة أحَد أبنائك.
  • خَصِّص جزءًا من وقتك كلَّ يوم للتواصل هاتفيًا مع أحَد أقَاربك.
  • وجِّه أبناءَك وأهْل بيتك بالتواصُل مع أعمَامِهم وأخْوالهم وزيارتهم.
  • ابدأ بالأقرْبين منك وذوي الرَّحِم لك: الأقرب فالأقرب.
  • اجْعل لك جملةً من النَّصائح والتوجيهات في جلساتك مع أبنَائِك.
  • إن كنت في سَعة من الرَّزق فتعهَّد أقاربك بشَيءٍ من فضْل مَالِك.
  • إنَّ أولى الناس بوِدِّك وزيارتك وصِلتك لهُم هم والديك.
فإن فعلتَ ذلك جَلبت السَّعادة لك ولأهل بيتك، وسَكنَت الطمَانينةُ في بيتك والبركةُ فيه، ومَلات أركانه.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 10-05-2022, 02:28 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

ظُنَّ خيرًا


محمد عزت السعيد



من أبجَديَّة السَّعادَة الزَّوجِيَّة: ظُنَّ خيرًا
حَافظ الإسْلام على البيوتِ وضَمِن لها سُبل استقرارها، وكفَل لها من التشريعات التي تحُوطها بسِياج من السّتر والحفظ والأمَان، والقرآنُ الكريم يؤكِّد في عددٍ من آياته الكريمة على ضَرورة حفظ اللسان، وعدم الوقُوع في الرذائل من الأخلاقِ كالغِيبة والنَّميمة والبُهتان والكذبِ والزُّور، وغَيرها من الآفَات والأمْراض التي تفْتك بالعَلاقَات الإنسَانية داخِل المجتمع المسْلم.
وإنَّ ممَّا شَرعه الإسْلام حُسن الظَّن، بل وأوجَبه وأكَّد عَليه، ابتداءً من حُسن الظَّن بالخَالق جلَّ وعَلا؛ حيثُ جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: يَقُولُ اللهُ: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي » ....."
وقَد نبَّه القرآنُ الكَريم المؤمنين إلى خُطُورة سُوء الظَّن بإخْوانهم؛ فهو يَنخُر– لا شَكَّ – في المجتمعاتِ فيُفسِدُها كمَا يَنخُر في العَظْم السُّوس، قال الله تعالى:" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} ..." الحجرات:12، قال ابن كثير في تفسيرها:" يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله، لا تقربوا كثيرًا من الظنّ بالمؤمنين، وذلك أن تظنوا بهم سوءًا، فإن الظانّ غير محقّ، وقال جلّ ثناؤه : "اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ " ولم يقل: الظنّ كله، إذ كان قد أذن للمؤمنين أن يظن بعضهم ببعض الخير، فقال : "لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ" فأذن الله -جلّ ثناؤه- للمؤمنين أن يظنّ بعضُهم ببعض الخير وأن يقولوه، وإن لم يكونوا من قيله فيهم على يقين. ...".
وقد حَرص الرسول – صَلى الله عليه وسلم – أن يُغلِق كل الأبوابَ التي يمكن أن تَفتَح علي المسلم سُوء الظَّن بإخوانه، فعن صَفية بنت حُيي -رضْي الله عنها- قالت: «كان رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- مُعتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدَّثته، ثم قمتُ لأنقَلبَ، فقامَ معي ليقْلبني، وكان مَسكنها في بيت أسَامة بن زيد، فمرَّ رجُلان من الأنصَار، فلما رأَيَا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسرَعا في المشْي، فقال: "على رِسلكما إنما هي صَفية بنت حُيي"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: "إن الشَّيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خفتُ أن يقذف في قلوبكما شرًّا، أو قال: شيئًا» ".
والحقيقةُ أنَّ سُوء الظَّن بالآخرين مَدعاةٌ للهَم والغَمِّ، ومجْلبة للحُزن والنَّكدِ، والذي يقَدِّم سوء الظَّن بالناس لا يقيم معهم عَلاقات إنسَانية سَوية، بل إنه يبني بينه وبينهم أسوارًا وحَواجز في تعامله معهم، بل ويحْرق نفْسه بنفسِه في كلِّ يوم، ويظل أبدَ دهْره فريسةً لخيالاته وظُنونه، وحبيسًا لأوهامه وشكوكه.
وانتقالاً من خارجِ البيت إلى داخِله فإن أحد أهم أسْباب استقرار البيوت وطمأنينتها هو أن يقدِّم كِلا الزوجين حُسن الظَّن بالآخر؛ فلا يؤول أحَدهما لصَاحبه كلمةً في غير موطِنها، أو سلوكًا غير مقصوده، أو تفكيرًا في غير محله، بل ينبغي عليهما أن يُقيما جُسورًا من الثقة وحبائل من الأمَان والظن الحَسن، ولا يبني تعامَله مع زوجته، أو تبْني هي تعاملها مع زَوجِها على سُلوك طَارئ، ووجهة نظر غير صَحيحة، أو ظنٍّ في غير محله، ولا يترك لنفسه أو تترك لنفسها الانجراف في تأويلاتٍ غير صحيحة أو تفسيرات عاريةٍ عنها ...
فلا يقدم سُوء الظن، بل ظُنَّ خيرًا في جميع أحوالك، في بيتك ومع أهلك، مع جيرانك وبين أصدقائك، أما أولادك فعودهم وربِّهم عليه، ودرِّبهم في مواقف شتَّى لأن في ذلك تصالح اجتماعي رائع ينتج عنه تكاتف الفرد مع أبناء مجتمعه وألفته بهم ودوام تواصله معهم وبناء علاقات متوازنة معهم.
وتخيل بيتًا سوء الظن فيه هو أساس التَّعامل؛ فلا لا الزوج يثق بزوجته، وهي الأخرى لا تثق به؛ تعامله بالمثل، ويعاملها به، فأي حياة يحياها الطرفان، غيوم من الاتهامَات المتبادلة واللَّوم المستمر، والنَّكد والهَّم الذي لا ينقَطِع. وما أجمل ما صدر عن أبي أيوب الأنصاري لزوجته، وهو يدفع عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – ما رميت به من كَذبٍ وإفك في الحادثة المشهورة، حيث قال – رضي الله عنه -مخَاطبًا زوجته يا أم أيوب أرأيت لو كنت مكان عائشة أيمكن أن تفعلي ما رميت به؟ قالت لا والله، قال فوالله لعائشة خير منك وخير من نساء العالمين. فبادلته مقالة بمقالة، قالت: يا أبا أيوب أرأيت لو كنت مكان صفوان أيمكن أن تفعل ما رمي به؟ قال لا والله، قالت فصفوان والله خير منك.
ما أجمله من إحسَان الظن بالمؤمنين! فهذا هو الخلق الذي لا يتصف به إلا المؤمنون، بل إن عائشة -رضي الله عنها- صاحبة الألم كله في هذه الحادثة، والذي بقيت وقتًا من الزَّمن لا يرقأ لها دمْع، دمُوعها وقلبها يتفطَّر، تسمع رجلا يسُبُّ حسان بن ثابت – رضي الله عنه- وقد وقع فيمن وقع، وتكلم في حديث الإفك، فتقول دعوه، أليس هو القائل:
فإن أبي وولده وعرضي *** لعرض محمد منكم فداءُ
وأخيرًا فإنَّ الحياة الهَانئة السَّعيدة التي يتبادل فيها الزَّوجَان الثقة والتقدير وحُسْن الظنِّ ببعضها، يقدر كل منها للآخر شعورَه النيل وتعامله الراقي ولا ينجرف في تأويل الحركات والسكنات والأفعال والأقوال في غير محلها، يقَدِّم حسن الظن في كل حالٍ .... ساعتها تهنأ وتسعد ويمتلئ بيتك سعادة وحبورًا.











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 12-05-2022, 03:16 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

وَسِّط أمُورَك كُلَّها


محمد عزت السعيد




مِن أبجَديةِ السَّعادَة الزَّوجِيَّة: وَسِّط أمُورَك كُلَّها
إذا أردنا أن نصفَ دينًا بوصفٍ يبرز أجمل ما فيه فلن نجد أفضَل من وصفه بأنه دين الوَسطيَّة، حيثُ لا وصفَ أجمل لهذه الأمة من وصفها به، ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥﱦ ﱠ البقرة: ١٤٣
ذكر ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى: إنما حوَّلناكم إلى قِبلة إبراهيم- عليه السَّلام- واخترنَاها لكم لنجعلَكم خِيارَ الأمَم، لتكُونوا يوم القيامة شُهداء على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل. والوسط هاهنا: الخِيار والأجْود، كما يقال: قريش أوسَط العرب نسبًا ودارًا، أي: خيرها. وكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وسطًا في قومه، أي: أشرفهم نسبًا، ومنه الصَّلاة الوسطى، التي هي أفضل الصَّلوات، وهي العَصْر، كما ثبت في الصِّحاح وغْيرها، ولما جَعل الله هذه الأمَّة وسطًا خَصَّها بأكمل الشَّرائع وأقوم المناهج وأوضَح المذاهِب، {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ} [الحج: ٧٨]
والدِّين الإسْلامي في مجمله قَائم على الاعتدال في الأمور كلِّها: أوامره ونواهيه، أخلاقِه وعباداتِه، بل في شؤونه كلِّها ابتداءً من أصول الاعتقادِ وانتهاء بمكارم الأخلاقِ والآدابِ، فهو وسَط بين الغُلو في عِبادةِ المخلوق والحَجر والشَّجَر والتَّفرُّد في عبودية الله الواحِد الأحَد، حيثُ وجَّه العقولَ والقلوبَ إلى عبادة الخالقِ – جلَّ وعَلا – وهو وسَط في العبادات والتكليفاتِ من أوامرَ ونواهيَ بين الغلو والتشَدد والإفراطِ والتهَاون، بل هُو وسطٌ حتى في الأخلاق والفضائلِ والنوافلِ من الأعمال.
وقد أرسى القرآنُ الكريم هذا المعنى في نفوسِ المؤمنين من أتباعِه وتعددت الآيات التي ترسِّخ لذلك، وفَاضَت كتبُ السنة النبوية بالكثيرِ من الأحاديث التي أكَّدت على هذا المعنى، وإنَّك لتلمح هَذا جليًا واضحًا في العديد من الآيات،
{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [ القصص: ٧٧]
والنَّبي -صلَّى الله عليه وسَلم- يؤكد على هذا المعنى في الكثير من أفعَاله وأقواله ..... «عن أَبِي هريرة -رضي الله عنه -عن النَّبيّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولنْ يشادَّ الدِّينُ إلاَّ غَلَبه فسدِّدُوا وقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، واسْتعِينُوا بِالْغدْوةِ والرَّوْحةِ وشَيْءٍ مِن الدُّلْجةِ " رواه البخاري. وعن أَنسٍ – رضي الله عنه- قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ الْمسْجِدَ فَإِذَا حبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فقالَ: مَا هَذَا الْحبْلُ؟ قالُوا، هَذا حبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَترَتْ تَعَلَقَتْ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: حُلّوهُ، لِيُصَلِّ أَحدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذا فَترَ فَلْيرْقُدْ» " [متفقٌ عَلَيهِ] .
وفي حديث عَائشة – رضي الله عنها - « ما خُيِّرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أمْرَيْنِ قَطُّ إلَّا أخَذَ أيْسَرَهُمَا، ما لَمْ يَكُنْ إثْمًا، فإنْ كانَ إثْمًا كانَ أبْعَدَ النَّاسِ منه، وما انْتَقَمَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لِنَفْسِهِ في شيءٍ قَطُّ، إلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ بهَا لِلَّه»
« وعن أنسٍ – رضي الله عنه- قال: جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إليهِم، فَقالَ: أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا، أما واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي. »
وإذا كان الأمر ُكذلك فإنَّ البيتَ السَّعيد والأسرة المتوازنةَ ينبغي أن يكونَ الاعتدالُ منهجَ حياتها، والوسطية صورة معبرةً عنها، اعتدالٌ في الأوامر والنواهي، واعتدالٌ في المشاعر والعواطف بين الأبناء، بل إن اعتدالَك في بيتكَ ومع أبنائك وتبَنِّيك نهجَ الوسطية والاعتدال في الأمور كلِّها أدعى إلى الاستقرار النفسي والفكْري لديهم، بل ويحفظهم من كل تطرف أو غُلو.
وإنَّ مما لفتَ انتباهي يومًا مَا أنْ وجدتُّ واحدًا من أصدقائي يأمر أبناءَه على غير ما يفعَل، ويفعلُ عكْس ما يأمُرهم به أو ينهاهم عَنه، الأمر الذي خَلَق في أبنائه انفصَامًا وانفصالاً في شخصيتهم نفسيًا وفكريًا، بل وانفصالاً عاطفيًّا ووجدانيًّا بينهم وبين أبيهم، وإنْ حدَّثتك عَن ضَعف انتمائهم وولائِهم فحَدِّث ولا حَرج، وهَكذا حَال عَددٍ من أبناءِ امتنا في هَذه الأيام.
زوجتُك إن رَأَتْ منك نظرة متَّزنة لشؤون بيتك كلِّها، فلم تجدك يومًا متعصبًا لفكرة ولا متشددً لأمرٍ، ولا أنت متهاونًا فيه، قَلَّت بينكما الخلافاتُ الأسرية، وانعدمت المشاكلُ الزوجية، وعِشتُما سعيدي البالِ مُرتاحي النفس، ونشأ الأبناءُ يقلِّدون منهجَكم، ويقتفون أثركم؛ فَزِن الأمورَ كلَّها بميزان الاعتدال، وكُن وسَطًا في أمورك كلِّها، تميلُ إلى التسيير دون تفريط وإلى الالتزام والانْضباط دونما تشَدُّد، حينها يفيض بيتكم أُنسًا وسعادة، وتمتلئ أركانه نورًا وضياءً.











__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 12-05-2022, 03:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: من أبجدية السعادة الزوجية

كِل بمكْيالٍ واحِد


محمد عزت السعيد




إن من أعظم مفسدات القلوب، ومن أشد ما يقتل معاني الإنسانية في النفوس هو شعورها بالظّلم والاضطهاد، فمجرد الشعور؛ والشعور فقط – وإن كان غير صحيح في مجمله- بالغَبن أو الاعْتداء على الحقوقِ أو عدم تقدير الذَّات أو تفضيل الغير فيما يراه صاحبه حقًا، كل هذا يؤدي – لا شك – إلى اتخاذ مواقف عدوانية ردًا للاعتبار وسعيًا وراء الحقوق المهضومة كما يزعم صاحبها.

ولا أدلَّ على ما أعرضه من هذا القَصص القرآني البديع في سورة يوسف، وهو ما تجلَّت فيه قصَّة أبناء يعقوب-عليه السَّلام- وتعاملهم مع أخيهم يوسُف الصِّديق؛ رمز الجمال ومستودع الصَّفاء، فلم يذنبْ يوسُف – عليه السَّلام – ذنبًا، ولم يقتطع من حقوقهم حقًا، لا، ولم يعتدِ على أحدٍ منهم، فضْلاً عن كونه صغيرهم، وهو الَّذي فقد أمَّه صغيرًا، فله الحق في رِعاية أبيهم، ومزيدٌ من حنَان تلك الأبوة.
والجمْلة الأخِيرة هَذه هي كلِمة السِّر، فحَاجة يوسفُ لرعَاية والدِهم، وما انعَكَس من أفعالٍ تترجم لهَذه الرعَاية قد أوغر في نفوسِ إخوته، وتسلَّط الشَّيطان على تبقى منها من مشَاعر الأخُوة، فزَين لهم أنَّ يوسف هو الحَائل والمَانع بينهم وبين حبِّ أبيهم له، وبالغِ رعايته لهُم، وكأنهم يروْن أن أبَاهم ملكًا لهم، ولا ينبغي أن يشَاركهم فيه أحَدٍ، وإن كان أخَاهم من أبيهم.
وما نودُّ الوقوف عنده هو كيفَ أنَّ يوسُف -مع يقيننا التام من عدالة أبيه يعقوب النبي- عليه السَّلام- في تربيته لَه ولإخوانه- لم ينجُ من كيدِهم ومَكرِهم، ولذا فإنَّه ومن وحْي هذه القِصَّة وجَبَ عليكَ إن رغبت أن تعيشَ ويعيشَ أبناؤك في هناءَة وسَعَادة وأن تؤسِّس لميزانِ العَدلِ بين أبنائك، فلا تمايزَ بين أحدٍ منهم في عطِيَّةٍ، ولا تخصّ أحدهم بهدية دونَ غيره، وأن تسَاوي بين الجميع إنِاثًا كانوا أو ذكرانًا، في عطَائك: مَاديًا كان أو معْنويًا، فذلك أدْعى أن يجدوا فيك رمزَ العَدل.
وإيَّاك أن تكيل بمكيالين، فتعطي أحدَهم وتمنع أخَاه، أو تهبَ ابنتك وتترك أبناءك، أو تؤثر كبيرَهم وتحرِم صغيرهم، فتفضِّله على بقيَّة إخْوانِه، فتغْدِق عليهم من مَالك وإنْ كانَ مالَك.
وقد أبى رسُول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يشْهد على عطاء قيس بن ثابت لأحَد أبنائه، واعتبر ذلك شهَادة على زورٍ، حيث إنَّه لم يجعل لبنيه مثلَ ما جعل له.
واعلم أنَّ ذلك ليس حتمًا ألا يحْدث خلافاتٍ بين الأخوة، فلطالما رأينا صورًا يُقيم فيها الوالدان ميزانَ العَدالة بين أبنائهم، ولا يميِّزون بين كبيرٍ وصغيرٍ، بل هم صورةٌ مُشْرقة لا تقِلُّ في إشراقها وروعتها بعضًا مما رأيناه في عدَالة يعقوبَ -عليه السَّلام- مع أبنَائه، أو اهتداءً واقتداءً بسنة نبينا محمد -صلَّى الله عليه وسَلم- ومع ذلك نزَع الشَّيطَان بين الأخوة حتى صَاروا أعداء، وهذا من جملة ما قد يبتلى به العَبدُ.
ومما يجْدر أنْ نلفتَ الانتباه إليه أنَّ العَدل إنما يكون فيما تُشَاهده وتَحسُّه من أمورٍ مَادية أو سلوكات تصْدر من منكما- أعني كلا الزوجين - كأن يُقبِّل أحَد الوالدين أبناءه، أو يفَرِّق بينهم في المعَاملة من حُسن الكلام ولِين الجانب، والهَدية والرِّعاية والاهْتمام ونحوه، أمَّا ما يخَالِطُ القَلبَ ولا يطَّلعُ عليه أحَدٌ إلا الله فإنمَا هو عَطِيَّة من الخَالق – سبحانه – قَسَمَه الله ووزَّعَه بينهم، وفي الحديث .... اللهم إن هذا قَسَمي فيمَا أمْلِك، فلا تُؤاخِذني فيما تمْلك ولا أمْلِك.

وإنْ أردت حياةً سعِيدة وبيتًا هانئًا سَعيدًا فاعدل بين أبنائك في حياتك، وإيَّاك أن تميلَ إلى أحدهم أو تقسِم لأحدٍ قِسْمة دونَ الآخَر، بل كِلْ بمِكيالٍ واحِدٍ، في القَول وفي الفِعل، في الهبَة والعَطِيَّة، في المنْح وفي المنْع، قال الله تعالى: "وإذا قلتم فاعْدلوا..." رَبِّ أبناءَك على المحبَّة والإِيثَار، فإنَّ ذلك سَبيلٌ إلى رَاحة القَلْب وسَلامة الصَّدر.









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 152.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 146.27 كيلو بايت... تم توفير 5.83 كيلو بايت...بمعدل (3.84%)]