حكم الترحم على الكافرين ، والمشركين ، والإستغفار لهم - ملتقى الشفاء الإسلامي
القرآن الكريم بأجمل الأصوات mp3 جديد الدروس والخطب والمحاضرات الاسلامية الأناشيد الاسلامية اناشيد جهادية دينية اناشيد طيور الجنة أطفال أفراح أعراس منوعات انشادية شبكة الشفاء الاسلامية
الرقية الشرعية والاذكار المكتبة الصوتية

مقالات طبية وعلمية

شروط التسجيل 
قناة الشفاء للرقية الشرعية عبر يوتيوب

اخر عشرة مواضيع :         أطفالنا والمواقف الدموية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          عشر همسات مع بداية العام الهجري الجديد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          وصية عمر بن الخطاب لجنوده (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          المستقبل للإسلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          انفروا خفافاً وثقالاً (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          أثر الهجرة في التشريع الإسلامي (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          مضار التدخين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          متعة الإجازة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »          التقوى وأركانها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          الأمُّ الرحيمة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 4 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام

الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 13-05-2022, 11:09 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي حكم الترحم على الكافرين ، والمشركين ، والإستغفار لهم

حكم الترحم على الكافرين ، والمشركين ، والإستغفار لهم

لفضيلة المستشار / أحمد السيد على إبراهيم عبده

ماجستير فى الشريعة والقانون الكاتب بمجلة التوحيد




أجمع أهل العلم على حرمة الإستغفار للكافرين ، والمشركين ، والترحم عليهم ، واستدلوا على ذلك بالأدلة الآتية

أولا : من القرآن الكريم

1- قال تعالى : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ } ( التوبة : 113 )

وجه الدلالة : نهى الله نبيه والمؤمنين أن يدعوا للمشركين بالمغفرة ، ولو كانوا أولي قربى من بعد ما ماتوا على شركهم بالله وعبادة الأوثان ، وتبين لهم أنهم من أهل النار ، لأن الله قد قضى أن لا يغفر لمشرك ، فلا ينبغي لهم أن يسألوا ربهم أن يفعل ما قد علموا أنه لا يفعله ، والآية وإن كانت خبرا إلا أنها بمعنى النهى ، قال ابن حجر رحمه الله : فى " فتح البارى " : { قوله " ما كان للنبي " : خبر بمعنى النهي } اهـ

2- قال تعالى : { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } ( التوبة : 114 )

وجه الدلالة : أن إبراهيم لما تبين له أن أباه عدو لله تبرأ منه ، وتوقف عن الإستغفار له ، وعذره الله على إستغفاره السابق على التبين ، وجاءت الآية ردا على من يستدل بإستغفار إبراهيم لأبيه على جواز الإستغفار لأقاربه المشركين

3- قال تعالى : { ولا تصلّ على أحدٍ منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } ( التوبة : 84 )

وجه الدلالة : نهى الله عن الصلاة على الكافرين ، وتكمن الحكمة في ذلك : أنها تشتمل على الدعاء للميت ، والاستغفار له ، ولا يجوز الدعاء للكافر ، والإستغفار له ، قال ابن القيم رحمه الله فى " زاد المعاد " : { ومقصود الصلاة على الجنازة : هو الدعاء للميت ؛ لذلك حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ونقل عنه ما لم ينقل من قراءة الفاتحة والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم .} اهـ.

ثانيا من السنة النبوية

1- عن المسيب بن حزن رضى الله عنه قال : { لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ أَبِي أُمَيَّةَ بنِ المُغِيرَةِ ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ : يا عَمِّ ، قُلْ : لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لكَ بهَا عِنْدَ اللهِ ، فَقالَ أَبُو جَهْلٍ ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي أُمَيَّةَ : يا أَبَا طَالِبٍ ، أَتَرْغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عليه ، وَيُعِيدُ له تِلكَ المَقالَةَ حتَّى قالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ ما كَلَّمَهُمْ : هو علَى مِلَّةِ عبدِ المُطَّلِبِ ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ : لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ : أَما وَاللَّهِ لأَسْتَغْفِرَنّ َ لكَ ما لَمْ أُنْهَ عَنْكَ ، فأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { ما كانَ للنبيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ولو كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لهمْ أنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ } ( التوبة : 113 ) ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى في أَبِي طَالِبٍ ، فَقالَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ : { إنَّكَ لا تَهْدِي مَن أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهو أَعْلَمُ بالمُهْتَدِينَ } ( القصص : 56 ) } ( رواه البخارى ، ومسلم )

وجه الدلالة : أن الله نهى النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن الإستغفار للمشركين ، ولو كانوا أولى قربى ، فغيرهم من باب أولى

2- عن على بن أبى طالب رضى الله عنه أنه قال للنبى صلى الله عليه وسلم : { إنَّ عمَّكَ الشَّيخَ الضَّالَّ ماتَ ! فمَن يُواريهِ ؟ قالَ اذهبْ فوارِ أباكَ ولا تُحدِثَنَّ حدثًا حتَّى تأتيَني فواريتُهُ ثمَّ جئتُ فأمرَني فاغتسَلتُ ودعا لي ، وذكرَ دعاءً لم أحفظْهُ } ( رواه النسائى ، وصححه الألبانى ) ، وفى رواية : { لما تُوُفِّيَ أبو طالِبٍ ، أَتَيْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ فقُلْتُ : إِنَّ عمَّكَ الشيخَ الضالَّ قدْ ماتَ فمَنْ يوارِيهِ ، قال : اذهَبْ فوارِهِ ، ثُمَّ لا تُحْدِثْ شيئًا حتَّى تأتِيَنِي ، فقال : إِنَّه ماتَ مشرِكًا ، فقالَ : اذهبْ فوارِهِ قال : فوارَيْتُهُ ثُمَّ أتَيْتُهُ ، قال : اذهبْ فاغتسِلْ ثُمَّ لَا تُحْدِثْ شيئًا حتى تأتِيَنِي ، قال : فاغتسلْتُ ، ثُمَّ أتيتُهُ ، قال : فدَعا لي بدعَوَاتٍ ما يسرُّنِي أنَّ لي بها حُمْرَ النَّعَمِ وسودَها . قال : وكان علِيٌّ إذا غسَّلَ الميتَ اغتسلَ } ( رواه أبو داود ، وصححه الألبانى )

وجه الدلالة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً أن يغسل أباه ، ويدفنه ، ولم يرِد أبداً عن النبي أنه ترحم عليه ، هذا مع أن أبا طالب كان شديد النفع للنبي والمسلمين ، ولم يحاربهم ، بل دافع عنهم بنفسه وأولاده وماله . فلو جاز الترحم على أحد مات كافراً لكان أبو طالب أولى الناس بذلك

3- عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال : { سَمِعْتُ رجلًا يستغفِرُ لأبويهِ وَهُما مُشْرِكانِ ، فقلتُ لَهُ : أتستَغفرُ لأبويكَ وَهُما مُشْرِكانِ ؟ فقالَ : أوليسَ استغفرَ إبراهيمُ لأبيهِ وَهوَ مشرِكٌ ، فذَكَرتُ ذلِكَ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فنزلت : مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ . } ( رواه الترمذى ، وصححه الألبانى )

وجه الدلالة : أن الله حرم على المؤمنين الإستغفار لآبائهم المشركين ، فمن باب أولى يحرم الإستغفار لغيرهم

4- عن أبى هريرة رضى الله عنه قال : { زَارَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَن حَوْلَهُ ، فَقالَ : اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُ هُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي ، فَزُورُوا القُبُورَ فإنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ . } ( رواه مسلم )

وجه الدلالة : أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يؤذن له في الاستغفار لأقرب الناس إليه ، أمه ، فمن باب أولى لا يجوز لمن دونه أن يستغفر لأحد من الكافرين .

5- عن أبى موسى الأشعري رضى الله عنه قال : { كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ ، فَيَقُولُ لهم النبي : يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ } ( رواه الترمذى ، وصححه الألبانى )

وجه الدلالة : قال الدكتور إياد قنيبى فى بحثه " هل يجوز الترحم على من مات كافراً ؟ " والمنشور على صفحته الرسمية على الفيس : { أن اليهود كانوا يتظاهرون بالعطاس عند النبي ليدعو لهم بالرحمة ! لأنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنه رسول الله ويريدون بركة دعائه لهم . لكن النبي ما كان يدعو لهم كما يدعو للمسلمين بـ ( يرحمكم الله ) ، بل يقول : ( يهديكم الله ويصلح بالكم ) . هذا مع أن اليهود كانوا أحياء ، وكان من المحتمل أن يسلم أحدهم فيرحمه الله كما يرحم المسلمين . فكيف بمن مات على الكفر ولا مجال لهدايته بعد ذلك ؟! } اهـ

ثالثا : من الآثار عن السلف الصالح

عن عصمة بن راشد عن أبيه قال سمعت أبا هريرة يقول : { رحم الله رجلاً استغفر لأبي هريرة ولأمه . قلت : ولأبيه . قال : لا إنَّ أبي مات وهو مشرك } ( رواه الطبرى فى تفسيره )

وجه الدلالة : أن الصحابة علموا حرمة الإستغفار للمشركين ، ولو كانوا آباءهم ، فلا يجوز لأحد أن يستغفر للكافرين .

رابعا : الإجماع

قال النووي - رحمه الله - في " المجموع " : { وَأَمَّا الصَّلاةُ عَلَى الْكَافِرِ وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ فَحَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالإِجْمَاعِ . } اهـ.

خامسا : من المعقول

أن موت الكافرين مما عمت به البلوى زمان النبى صلى الله عليه وسلم ، ومن بعده ، فقد كان للصحابة قرابات ماتوا على الكفر ، وقد كان لعلماء المسلمين فى البلاد التى فتحت أقارب لم يدخلوا فى الإسلام وماتوا على الكفر ، ولم ينقل لنا أن النبى صلى الله عليه وسلم ، أو الصحابة ، أو التابعين ، أو تابعيهم ، أو أحدا من علماء المسلمين جوز الترحم ، أو الإستغفار للكافرين ، أو التفرقة بينهما

سادسا : من أقوال المذاهب الأربعة :

وقد إتفقت أقوال المذاهب الأربعة على حرمة الإستغفار للكافرين ، والمشركين ، والترحم عليه ، وإليك أقوالهم :

1- مذهب الأحناف :


قال السرخسي - رحمه الله - فى " المبسوط " : { وإذا وُجد ميتٌ لا يُدرى أمسلم هو أم كافر ؛ فإن كان في قرية من قرى أهل الإسلام فالظاهر أنه مسلم فيغسل ويصلى عليه ، وإن كان في قرية من قرى أهل الشرك فالظاهر أنه منهم فلا يُصلى عليه إلا أن يكون عليه سيما المسلمين } اهـ .
وتحريم الصلاة عليهم يقتضى بالضرورة تحريم الدعاء لهم ، لأن صلاة الجنازة شرعت للدعاء للميت .

2- مذهب المالكية :

قال القرطبي - رحمه الله - فى " الجامع لأحكام القرآن " : { فطلب الغفران للمشرك مما لا يجوز } اهـ .

3- مذهب الشافعية :


وقال الخطيب الشربينى - رحمه الله - فى " مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج " : { ومن المعروف غسله -أي الكافر- إذا مات ، ويخالف الصلاة ، فإن القصد بها الترحم عليه ، والترحم عليه لا يجوز ، والقصد بالغسل التنظيف ، وذلك يحصل بغسله . } أهـ .

4- مذهب الحنابلة :


قال ابن قدامة - رحمه الله - فى " المغنى " : { وأما أهل الحرب فلا يُصلى عليهم ؛ لأنهم كفار ، ولا يَقبل فيهم شفاعة ، ولا يُستجاب فيهم دعاء ، وقد نهينا عن الاستغفار لهم ، وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : " ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره " ، وقال : " إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم " } اهـ .

(( تحذير هام جدا ))

ليحذر كل مسلم من الإستغفار للكافرين ، والمشركين ، وليعلم أن هذا :-

أولا : من التعدى فى الدعاء المنهى عنه

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في " مجموع الفتاوى " : وقد قال تعالى : { ادعوا ربكم تضرعًا وخفية إنه لا يحب المعتدين } ـ في الدعاء ، ومن الاعتداء في الدعاء : أن يسأل العبد ما لم يكن الرب ليفعله ، مثل : أن يسأله منازل الأنبياء وليس منهم ، أو المغفرة للمشركين ، ونحو ذلك . } اهـ .
ثانيا : أنه قد يؤدى إلى الكفر لو اعتقد جوازه

فقد ذهب بعض العلماء إلى أن طلب المغفرة للكافر كفر ، قال القرافي - رحمه الله - فى " الفرق " : { اعلم أن الدعاء الذي هو الطلب من الله تعالى له حكم باعتبار ذاته ، من حيث هو طلب من الله تعالى ، وهو الندب ، لاشتمال ذاته على خضوع العبد لربه وإظهار ذلته وافتقاره إلى مولاه ، فهذا ونحوه مأمور به ، وقد يعرض له من متعلقاته ما يوجبه أو يحرمه ، والتحريم قد ينتهي للكفر وقد لا ينتهي ، فالذي ينتهي للكفر أربعة أقسام :-

القسم الأول : أن يطلب الداعي نفي ما دل السمع القاطع من الكتاب والسنة على ثبوته وله أمثلة :
الأول : أن يقول : اللهم لا تعذب من كفر بك أو اغفر له ، وقد دلت القواطع السمعية على تعذيب كل واحد ممن مات كافرا بالله تعالى ، لقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } ( النساء : 48 ) ، وغير ذلك من النصوص ، فيكون ذلك كفرا ، لأنه طلب لتكذيب الله تعالى فيما أخبر به ، وطلب ذلك كفر ، فهذا الدعاء كفر . } اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية : { اتفق الفقهاء على أن الاستغفار للكافر محظور ، بل بالغ بعضهم ، فقال : إن الاستغفار للكافر يقتضي كفر من فعله ؛ لأن فيه تكذيبًا للنصوص الواردة التي تدل على أن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به ، وأن من مات على كفره ، فهو من أهل النار. } اهـ .

ثانيا :- شبهات المجيزين للترحم ، والإستغفار للكافرين ، والمشركين ، والرد عليها

ذهب بعض المعاصرين إلى جواز الإستغفار والترحم على الكافرين ، والمشركين مخالفين لإجماع الأمة الذى حرم ذلك بشبهات أوهى من بيت العنكبوت ، سنستعرضها ، ونفندها ، ونرد عليها لبيان عوارها ، حتى لا يفتن من لا علم عنده بها

وذلك على التفصيل الآتى :

الفرق بين الإستغفار ، والترحم على الكافر :

قال الشيخ الدكتور أحمد الغامدي فى مقال " الغامدي يرد على أحلام عن عدم جواز الترحم على نجمة هندية "

والمنشور على موقع العربية نت بالشبكة العنكبوتية : { أن هناك فرقاً بين الاستغفار والترحم عليه ، فالاستغفار يستلزم طلب غفران عام ، وفيه ما لم يأذن الله بغفرانه ، كالشرك ، ومقتضاه طلب الجنة للمستغفر له ، وليس الترحم كذلك ، فيمكن أن يرحم الله العبد وإن لم يدخله الجنة ، كأن يخفف عنه العذاب مثلا ، فالرحمة أعم من الغفران ، وهذا يعني أن الترحم لا يستلزم طلب دخول جنة ولا غفران ما لم يأذن الله بغفرانه . } اهـ

الإعتراض عليه

قال الدكتور إياد قنيبى فى بحثه " هل يجوز الترحم على من مات كافراً ؟ " والمنشور على صفحته الرسمية على الفيس : { إن القرآن والسنة لم يفرقا بين الترحم والإستغفار ، وذلك على النحو التالى :
أما من القرآن : فالآيات واضحة في جعل الرحمة قسيمة العذاب ، يعني أحد مصيرين : إما العذاب وإما الرحمة .
قال الله تعالى : { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) } ( سورة آل عمران ).
لاحظ : الفريق الثاني فقط في رحمة الله .
وقال تعالى : { إِنَّ یَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ مِیقَـٰتُهُمۡ أَجۡمَعِینَ (٤٠) یَوۡمَ لَا یُغۡنِی مَوۡلًى عَن مَّوۡلى شَیۡـٔا وَلَا هُمۡ یُنصَرُونَ (٤١) إِلَّا مَن رَّحِمَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ } ( سورة الدخان ). فاستثنى من رحم .
وقال تعالى : { یُعَذِّبُ مَن یَشَاۤءُ وَیَرۡحَمُ مَن یَشَاۤءُۖ وَإِلَیۡهِ تُقۡلَبُونَ (21) } ( سورة العنكبوت ). فجعل الرحمة مقابل العذاب
والآيات التي فيها : { وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ...يفسرها المفسرون عادةً : أي لا ينظر إليهم نَظَرَ رحمة .
ومن أدل الآيات قول الله تعالى : { وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ } ( التوبة : 84 ) .
فالصلاة على أحد هي للدعاء له لا بالمغفرة فقط بل وبالرحمة ، وكذلك القيام على قبره .
قال ابن كثير : { أَمَرَ الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يبرأ من المنافقين ، وألا يصلي على أحد منهم إذا مات ، وألا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له } . لاحظ : " أو يدعو له " بشكل عام .
فالآيات واضحة في حصر الرحمة الآخروية بالمؤمنين وفي عدم الترحم على الكافرين . } اهـ

واستدلوا أيضا على قولهم بالأدلة الآتية :

أولا : القرآن الكريم :

1- قال تعالى : { لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } ( الممتحنة : 9 )
وجه الدلالة : قال الغامدى : { أ - أن البر بالأحياء من غير المسلمين المسالمين أمر جائز بنص القرآن ، والبر بأمواتهم هو كذلك . ب - أن القول بالتفريق بين الأحياء والأموات تحكم بلا حجة ، فيحتاج القول به إلى دليل ، ولا شك أن مفهوم البر يشمل الدعاء لهم والإحسان إليهم ، خاصة إذا كانوا أقرباء أو زوجات أو أصدقاء . } اهـ

ويرد علي إستدلاله بالآية من وجوه

الأول : أن الآية ذكرت البر والقسط للأحياء من غير المسلمين ، وليس للأموات منهم ، ويقصد بالبر والقسط كل ما لا يخالف الشرع ، من المعاملة بالعدل . قال ابن الجوزي - رحمه الله - في " زاد المسير " : { قال المفسرون : وهذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين وجواز برهم وإن كانت الموالاة منقطعة عنهم } اهـ .
ثم فسر البر كيف يكون فقال : { أي تعاملوهم بالعدل فيما بينكم وبينهم } اهـ . ، وهذه المعاملة تتضمن الأمور المادية والتعاملات المالية ونحوها ولا يدخل فيها غيرها مما يكون من الدين كالترحم والإستغفار

الثانى : أن الآية مطلقة ، وآية النهى عن الإستغفار مقيدة ، والقاعدة حمل المطلق على المقيد

الثالث : لم يأت دليل على أن النبى صلى الله عليه وسلم أو أحدا من أصحابه ، أو من أصحاب المذاهب الأربعة ، أو أهل العلم المعتبرين استغفر للكافرين والمشركين ، واستدل بهذه الآية

الرابع : أن الشرع فرق بين الأحياء والأموات ، فقد تواترت الأدلة على بر النبى صلى الله عليه وسلم وقسطه وأصحابه لأقاربهم الكافرين ، والمشركين وهم أحياء ، ولم يأت دليل واحد على الترحم عليهم والإستغفار لهم وهم أموات ، بل جاء الدليل بالنهى عن ذلك

2- قال تعالى : { النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } ( غافر : 46 )
3- قال تعالى : { قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ فِي النَّارِ ۖ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا ۖ حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ } ( الأعراف : 38 )
4- قال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا } ( الأحزاب : 64 – 68 )

وجه الدلالة : قال الغامدى : { تخفيف العذاب على الكفار الذين عرفوا بخير وأعمال حسنة ، وتشديد العذاب على من عرف بشر وأعمال سيئة ، سائغ عقلا وثابت شرعا ، فإذا جاز تخفيف العذاب عليهم بهذه الأعمال جاز الترحم عليهم بأن يرحمهم الله عز وجل بالتخفيف . }

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 13-05-2022, 11:10 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,858
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حكم الترحم على الكافرين ، والمشركين ، والإستغفار لهم

الرد عليه :

قال تعالى : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } ( فاطر : 36 }
فدلت الآية على نفى تخفيف العذاب عن الكفار فى النار ، ومرجع ذلك أن الله قدر على كل واحد من أهل النار عذابا مقدرا له ، على قدر أعماله فى الدنيا ، يتراوح بين العذاب الخفيف ، والشديد ، والأشد ، فلا يخفف عنهم ما قدر لهم ، وإن كان منهم من هو خفيف العذاب

قال الطبرى - رحمه الله - فى " تفسيره " : { فإن قال قائل : وكيف قيل ( وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ) وقد قيل في موضع آخر { كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا } ؟ قيل : معنى ذلك : ولا يخفف عنهم من هذا النوع من العذاب. } اهـ

وقال الطاهر عاشور - رحمه الله - فى " تفسيره " : { وفي قوله تعالى في الكفار ولا يخفف عنهم من عذابها إيماء إلى أن نار عقاب المؤمنين خفية عن نار المشركين . } اهـ

5- قال تعالى : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ( المائدة : 118 )
6- قال تعالى : { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ( إبراهيم : 36 )
وجه الدلالة : قال الغامدى : { دعوة الأنبياء للكفار بالمغفرة دليل على جواز الدعاء لهم بالرحمة . } اهـ

الإعتراض عليه :

أن الإستغفار للكافر الحى المجهول العاقبة بمعنى طلب الهداية له فلا يموت على الكفر ، وليس بمعنى أن يغفر له كفره أو شركه بعد وفاته ، لقوله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا } ( النساء : 48 ) ، ولأن هذا من التعدى فى الدعاء لقوله تعالى : { ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ } ( الأعراف : 55 ) .

قال العلامة الألوسي - رحمه الله - في " روح المعاني " : { والتحقيق في هذه المسألة : أن الاستغفار للكافر الحي المجهول العاقبة بمعنى طلب هدايته للإيمان مما لا محذور فيه عقلا ونقلا ، وطلب ذلك للكافر المعلوم أنه قد طبع على قلبه ، وأخبر الله تعالى أنه لا يؤمن وعلم أن لا تعليق في أمره أصلًا مما لا مساغ له عقلا ونقلًا . } اهـ.

وقال العلامة ابن عطية - رحمه الله - في " تفسيره " : { والاستغفار للمشرك الحي جائز ؛ إذ يرجى إسلامه ، ومن هذا قول أبي هريرة رضي الله عنه : رحم الله رجلا استغفر لأبي هريرة ولأمه ، قيل له : ولأبيه . قال : لا ؛ إن أبي مات كافرًا } اهـ.
7- قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } ( الأعراف : 156 )
8- قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } ( الأنبياء : 107 )
وجه الدلالة : أن رحمة الله وسعت كل شىء ، ومنها تخفيف العذاب على الكافر المحسن فى الدنيا

ويرد عليه من وجوه :

الأول : الرحمة مقيدة بالمؤمنين بالله ، وليست للكافرين ، ولا المشركين ، قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }

الثانى : الرحمة التي وسعت كل شيء إنما هي في الدنيا ، وأما في الأخرة : فالرحمة للمؤمنين فحسب ، قال تعالى : { وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِين َ رَحِيمًا } ( الأحزاب : 43 )

الثالث : قال ابن القيم رحمه الله فى " جلاء الأفهام فى فضل الصلاة على محمد خير الأنام " : { وأصح القولين في قوله تعالى : { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } ( الأنبياء : 107 ) أنه على عمومه وفيه على هذا التقدير وجهان :

الوجه الأول :- أن عموم العالمين حصل لهم النفع برسالته ، أما أتباعه : فنالوا به كرامة الدنيا والآخرة ، وأما أعداؤه فالمحاربون له عجل قتلهم وموتهم خير لهم من حياتهم ، لأن حياتهم زيادة لهم في تغليظ العذاب عليهم في الدار الآخرة ، وهم قد كتب عليهم الشقاء ، فتعجيل موتهم خير لهم من طول أعمارهم في الكفر ، وأما المعاهدون له : فعاشوا في الدنيا تحت ظله وعهده وذمته ، وهم أقل شرا بذلك العهد من المحاربين له ، وأما المنافقون : فحصل لهم بإظهار الإيمان به حقن دمائهم وأموالهم وأهلهم واحترامها وجريان أحكام المسلمين عليهم في التوارث وغيره ، وأما الأمم النائية عنه : فإن الله سبحانه رفع برسالته العذاب العام عن أهل الأرض فأصاب كل العالمين النفع برسالته

الوجه الثاني : أنه رحمة لكل أحد ، لكن المؤمنون قبلوا هذه الرحمة فانتفعوا بها دنيا وأخرى ، والكفار ردوها فلم يخرج بذلك عن أن يكون رحمة لهم ، لكن لم يقبلوها ، كما يقال هذا دواء لهذا المرض ، فإذا لم يستعمله المريض لم يخرج عن أن يكون دواء لذلك المرض . } اهـ.

9- قال تعالى : { َأهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَة ربك } ( الزخرف : 32 )
وجه الدلالة : إستفهام على سبيل الإستنكار ، فلا يجوز لأحد أن يحجب رحمة الله عن خلقه

ويرد عليه من وجوه :

الأول : أن الرحمة الواردة فى الآية بمعنى النبوة ، قال ابن كثير رحمه الله فى " تفسيره " : { روي أن الوليد بن المغيرة - وكان يسمى ريحانة قريش كان يقول : لو كان ما يقوله محمد حقا لنزل علي أو على أبي مسعود ، فقال الله تعالى : أهم يقسمون رحمة ربك يعني النبوة فيضعونها حيث شاءوا . نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا أي : أفقرنا قوما وأغنينا قوما ، فإذا لم يكن أمر الدنيا إليهم فكيف يفوض أمر النبوة إليهم .} اهـ

الثانى : لو سلمنا أن الرحمة بمعناها العام ، فهى محمولة على الرحمة فى الدنيا بدليل نهاية الآية ، لقوله تعالى : { نحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } ( الزخرف : 32 )

الثالث : أن الرحمة مقيدة بالمؤمنين ، كما سبق وأن بينا ذلك

10- قال تعالى : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا } ( الإسراء : 15 )

وجه الدلالة : قال الغامدي : { وفي قول الله : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) وقوله : ( ما كان للنبي والذين آمنوا معه أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ) ، وما صح في الحديث من أن المرء قد يعمل بعمل أهل الكفر أو بعمل أهل الإيمان فيما يبدو للناس ثم يسبق عليه الكتاب فيعمل بخلاف ذلك قبل موته فتكون خاتمته بعكس ما ظهر من حاله ، وما صح في الحديث أن رجلا لما حضرته الوفاة قال لأبنائه إذا مت فأحرقوني وذروني في اليم قائلا : لأن قدر الله ليعذبني عذابا لم يعذبه أحدا من العالمين ، وفي هذا شك في قدرة الله على إعادته وهو كفر ، فأحياه الله فقال له ما حملك على ذلك قال مخافتك يا ربي ، قال فغفر الله له وأدخله الجنة ، دلالات واضحة على أنه لا يصح لمسلم أن يتجاسر على أمر الحكم على معين وهو غير متيقن من حاله ، وفي ما مضى من النصوص دلالة على أن الحكم على معين بالنار غير صواب ، وعدم جواز الاستغفار لابد أن يكون بعد تبين أنه قد بلغته الحجة صحيحة فكفر بها ومات على ذلك الكفر يقينا ، وهذا لا يصح إلا بوحي ثابت فيه بعينه أو بعلامة ظاهرة عند موته تدل على موته كافرا بالحجة الصحيحة ، وأنها بلغته حتى لا يعد دخولا في أمر مظنون وتجاسرا على ما محله علم الله من حال ذلك الميت ، أما الحكم على عموم الكافرين بأنهم في النار فلا إشكال فيه إنما الإشكال في الحكم على معين منهم مجهول علمه بالحجة الصحيحة أو حاله قبل موته فهذا محل الإشكال ، وأعدل ما يقال في المعين المجهول حاله السكوت عن الاستغفار له مع جواز الترحم عليه ، لما وضحته من فرق بين الأمرين ، فالترحم على من مات منهم ممن جهل حاله لا يتنافى مع أحكام الإسلام ، أما الاستغفار لمن جهل حاله فأعدل ما يقال فيه السكوت عنه بعينه ، لأنه لا تعرف حقيقة بلوغه الحجة صحيحة أم لا ؟ وهل كان حين موته كافرا بها أم لا ؟ وأمره إلى الله سبحانه وتعالى فقد يكون من الأشخاص الذين يبتلون في الآخرة ويختبرون ، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين قال " الله أعلم بما كانوا عاملين " ... أن الحكم المطلق على أعيان الناس الذين تغيب حقيقتهم عنا تكلف لم يأمر الشرع به ولا يجوز التألي على الله في مثل ذلك ، ولا تحميل النصوص الشرعية ما لا تحتمل ، وليس أحد أحب إليه العذر من الله سبحانه .} اهـ

الرد عليه :

أنه وإن كان لا يجوز الجزم للكافر المعين بالنار لأننا لا ندرى ما ختم الله له به ، إلا أننا مأمورون بإجراء أحكام الكفر الظاهرة عليه ، فلا يغسل ، ولا يكفن ، عبادة كالمسلمين ، ولا يصلى عليه ، ولا يدفن فى مقابر المسلمين ، ولا يستغفر له ، ولا يترحم عليه ، ولا يرثه قريبه المسلم ، ولو صح كلام الغامدى بجواز الترحم عليه لعدم التيقن مما ختم به للزمه عدم إجراء أحكام الكفر عليه فيصلى عليه ، ويدفنه فى مقابر المسلمين ، ويورثه من قريبه المسلم ، فإذا حرم هذه الأحكام فلم استثنى الإستغفار والترحم منها ؟!

11 - قال تعالى : { الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَات ُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَات ُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ( المائدة : 5 )

وجه الدلالة : أباح الله للمسلم أن يتزوج من غير المسلمه الكتابيه ، وهو مأمور أن يعاملها بالموده والرحمه ، ومن الرحمة أن يدعو لها بالرحمة بعد موتها .

الرد عليه :

إن إباحة الزواج بالكتابية ، والإحسان إليها ، وعشرتها بالمعروف ، لا تعنى معاملتها بما يتعارض مع عقيدة زوجها المسلم ، فقد أجمع أهل العلم على أنه يحرم على زوجها أن يصلى معها صلاتها النصرانية إن كانت نصرانية ، أو اليهودية إن كانت يهودية ، ويحرم عليه كذلك أن يتركها تعلم أبناءها دينها ، ويحرم عليه أن يشاركها أكل الخنزير ، أو شرب الخمر ، ولم يقل أحد منهم بجواز مشاركتها ذلك لأنه من البر ، والمودة ، والرحمة ، فإذا حرمتم ذلك ، لمضادته لعقيدة زوجها المسلم ، فلم أبحتم الترحم عليها ، والإستغفار لها بالرغم من مخالفته لعقيدة المسلم ؟!

ثانيا : من السنة النبوية :

1- عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه ، أَنَّهُ قَالَ : { يَا رَسُولَ اللهِ ، هَلْ نَفَعْتَ أَبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ . هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ . وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } ( رواه البخارى ، ومسلم ) ، وفي حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه : { فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ } ( رواه البخارى ، ومسلم ) ، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً أَبُو طَالِبٍ . وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ } ( رواه مسلم ) ، وعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم : { إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَاباً مَنْ لَهُ نَعْلاَنِ وَشِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ . كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ مَا يَرَى أَنَّ أَحَداً أَشَدُّ مِنْهُ عَذَاباً . وَإِنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَاباً } ( رواه البخارى ، ومسلم )

وجه الدلالة : قال الغامدى : { أن النبي دعا لعمه أبي طالب أن يخفف الله عليه العذاب بسبب ذبّه عن النبي ودفاعه عنه ، فصار أخف أهل النار عذابا ، وبهذا المعنى يجوز للمسلم الدعاء للآباء والأمهات والقرابة من أهل الإحسان ورموز العدالة ومحاربي العنصرية ودعاة الإنصاف ومناهضي الظلم بالترحم لتخفيف العذاب عنهم إذا ماتوا على الكفر } اهـ

ويرد عليه من وجوه :

الأول : أن شفاعة الشافعين لا تنفعهم ، قال تعالى : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } ( المدثر : 48 ) أي لا تنفع الكفار أي شفاعة .

الثانى : قال تعالى : { وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا } ( فاطر : 36 ) دلت الآية على نفى تخفيف العذاب عن الكفار فى النار .
الثالث : أن الشفاعة في الأحاديث لأبي طالب مستثناة من قوله تعالى : { فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ } ، فالأصل عدم نفع الشفاعة لأي كافر خُصَّ من ذلك شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب ، ولذا هي شفاعة خاصة ، لا يجوز القياس عليها

الإعتراض على الرد :

قال الغامدى : { دعوى التخصيص بأبي طالب تحتاج إلى دليل ، وإلا تكون تحكّما بلا برهان ، والفرق الوحيد بين أبي طالب وبين غيره من المعذبين في النار أنه أخفهم عذابا ، وليس معناه أن غيره لا يخفف عنه العذاب ، وقد قال تعالى : { ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } ، فدلت الآية على أن هناك أشد العذاب ، ودل حديث أبي طالب على أن هناك أخف العذاب ، والناس الآخرون بين هاتين الحالين ، درجاتهم متفاوتة فيها حسب أعمالهم ، ويؤيده ما ورد بصحيح مسلم أن النبي قال في شأن أهل النار : { إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه ، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه ، ومنهم من تأخذه إلى حجزته ، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته إلى عنقه } اهـ

ويرد على الإعتراض من وجهين :

الأول : أن تخفيف العذاب خاص بأبى طالب ، ومما يدل على ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم إستأذن أن يستغفر لأمه فلم يؤذن له ، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : { زَارَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَن حَوْلَهُ ، فَقالَ : اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي ، وَاسْتَأْذَنْتُ هُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي ، فَزُورُوا القُبُورَ فإنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ . } ( رواه مسلم ) أى لم تقبل شفاعته فيها ، وقبلت فى أبى طالب ، فدل ذلك على أن شفاعته لأبى طالب خاصة به ، وليست لأحد غيره ، ومن يدعى العموم يلزمه الإتيان بدليل آخر يدل على شفاعة النبى صلى الله عليه وسلم لغيره .
الثانى : أن الله خلق النار ، وقسمها إلى دركات ، ففي سورة الأنعام ذكر الله أهل الجنة والنار ، ثم قال : { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ } ( الأنعام : 132 ) ، وقال : { أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ، هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } ( آل عمران : 162 – 163 ) ، ولكل واحد من أهلها درجة يشغلها بعمله فى الدنيا ، فمن كان عملة شديدا كان عذابه أشد ، ومن كان عمله خفيفا كان عذابه أخف ، فتشديد العذاب ، أو تخفيفه يرجع إلى عمل الإنسان فى الدنيا ، وليس إلى الدعاء له بتخفيفه .
2- عن عبد الله بن مسعود رصى الله عنه قال : { كَأَنِّي أنْظُرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فأدْمَوْهُ ، وهو يَمْسَحُ الدَّمَ عن وجْهِهِ ويقولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي ؛ فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ . } ( رواه البخارى )
وجه الدلالة : قال الغامدى : { ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استغفر للمشركين في غزوة أحد ، فقال : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي ؛ فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ". } اهـ

الرد عليه :

هذا الحديث يفيد جواز الدعاء للمشرك حال حياته ، ويؤيده ما ورد عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال : { جَاءَ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍو إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ : إنَّ دَوْسًا قدْ هَلَكَتْ عَصَتْ وأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عليهم ، فَقالَ : اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وأْتِ بهِمْ. } ( رواه البخارى ) ، وكانوا وقتها على الإشراك ، وموضوع بحثنا : الكافر الذي يموت على كفره ، هذا لم يقل عالم ألبتة بجواز الاستغفار له ، أو الترحم عليه

ثالثا : نفيه للإجماع :

قال الغامدى : { الإدعاء بأن الإجماع محكي على تحريم الترحم غير مسلم ، فقد نقل ابن رجب الخلاف في هذه المسألة في كتابه " التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار " فقال رحمه الله : { وأما الكفار ، إذا كان لهم حسنات في الدنيا ، من العدل والإحسان إلى الخلق ، فهل يخفف عنهم بذلك من العذاب في النار أو لا ؟ هذا فيه قولان للسلف وغيرهم . أحدهما : أنه يخفف عنهم بذلك أيضاً ، وروى ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار ، عن سعيد بن جبير ، معنى هذا القول ، واختاره ابن جرير الطبري وغيره } اهـ

وذكر البيهقي في كتابه " البعث والنشور " ما يدل على عدم وجود هذا الإجماع ، حيث قال : { وقد يجوز أن يكون الحديث ما ورد من الآيات والأخبار في بطلان خيرات الكافر إذا مات على كفره ، ورد في أنه لا يكون لها موقع التخليص من النار وإدخال الجنة ، لكن يخفف عنه من عذابه الذي يستوجبه على جنايات ارتكبها سوى الكفر بما فعل من الخيرات والله أعلم } اهـ

فهذا كلام البيهقي وغيره ، فأين الإجماع المدعى هنا في هذه المسألة بالخصوص ، فضلا عن الكلام في الخلاف في حجية الإجماع والخلاف في ثبوته عموما .} اهـ

الرد عليه من وجوه :

الأول : أن الدليل ليس فى محل الدعوى ، وذلك لأن كلام ابن رجب ، والبيهقى يفيد تخفيف العذاب بسبب أعمال الخير التى يعملها الكافر فى دنياه ، وليس تخفيف العذاب بسبب الدعاء له بتخفيفه ، كما يدعى الغامدى

الثانى : أن الراجح كما سبق وأن ذكرنا أنه لا يخفف عنهم العذاب المقدر لهم ، قال الشنقيطى رحمه الله فى تفسيره " أضواء البيان " : { وأما تخفيف العذاب عنهم فنص تعالى على عدمه بقوله : { وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } ( فاطر : 36 ) ، وقوله : { فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلا عَذَابًا } ( النبأ : 30 ) ، وقوله : { لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } ( الزخرف : 75 ) ، وقوله : { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا } ( الفرقان : 65 ) ، وقوله : { فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا } ( الفرقان : 77 ) ، وقوله تعالى : { لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ } ( البقرة : 162 ) . وقوله : { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } ( التوبة : 68 ) ، ولا يخفى أن قوله : ولا يخفف عنهم من عذابها وقوله : لا يفتر عنهم كلاهما فعل في سياق النفي ، فحرف النفي بنفي المصدر الكامن في الفعل فهو في معنى لا تخفيف للعذاب عنهم ، ولا تفتير له ، والقول بفنائها يلزمه تخفيف العذاب وتفتيره المنفيان في هذه الآيات بل يلزمه ذهابهما رأسا ، كما أنه يلزمه نفي ملازمة العذاب المنصوص عليها بقوله : فسوف يكون لزاما وقوله : إن عذابها كان غراما وإقامته المنصوص عليها بقوله : ولهم عذاب مقيم .
فظاهر هذه الآيات عدم فناء النار المصرح به في قوله : كلما خبت زدناهم سعيرا وما احتج به بعض العلماء من أنه لو فرض أن الله أخبر بعدم فنائها أن ذلك لا يمنع فناءها لأنه وعيد ، وإخلاف الوعيد من الحسن لا من القبيح ، وأن الله تعالى ذكر أنه لا يخلف وعده ولم يذكر أنه لا يخلف وعيده ، وأن الشاعر قال : وإني وإن أوعدته أو وعدته لمخلف إيعادي ومنجز موعدي . فالظاهر عدم صحته لأمرين :

الأول : أنه يلزمه جواز ألا يدخل النار كافر ، لأن الخبر بذلك وعيد ، وإخلافه على هذا القول لا بأس به

الثاني : أنه تعالى صرح بحق وعيده على من كذب رسله حيث قال : { كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ. } ( ق : 14 )
وقد تقرر في مسلك النص من مسالك العلة أن الفاء من حروف التعليل كقولهم : سها فسجد ، أي سجد لعلة سهوه ، وسرق فقطعت يده أي لعلة سرقته ، فقوله : كل كذب الرسل فحق وعيد أي وجب وقوع الوعيد عليهم لعلة تكذيب الرسل ، ونظيرها قوله تعالى : { إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } ( ص : 14 )
ومن الأدلة الصريحة في ذلك تصريحه تعالى بأن قوله لا يبدل فيما أوعد به أهل النار حيث قال : { قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ } ( ق : 28 – 29 ) .
ويستأنس لذلك بظاهر قوله تعالى : { وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ } إلى قوله { إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ } ( لقمان : 33 ) ، وقوله : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ } ( الطور : 7 ) ، فالظاهر أن الوعيد الذي يجوز إخلافه وعيد عصاة المؤمنين لأن الله بين ذلك بقوله : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ } ( النساء : 48 ) .
فإذا تبين بهذه النصوص بطلان جميع هذه الأقسام تعين القسم الخامس الذي هو خلودهم فيها أبدا بلا انقطاع ولا تخفيف بالتقسيم والسبر الصحيح .
ولا غرابة في ذلك لأنه خبثهم الطبيعي دائم لا يزول ، فكان جزاؤهم دائما لا يزول ، والدليل على أن خبثهم لا يزول قوله تعالى : { وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ } ( الأنفال : 23 ) .
فقوله : خيرا نكرة في سياق الشرط فهي تعم ، فلو كان فيهم خير ما في وقت ما لعلمه الله ، وقوله تعالى : { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } ( الأنعام : 28 ) ، وعودهم بعد معاينة العذاب ، لا يستغرب بعده عودهم بعد مباشرة العذاب لأن رؤية العذاب عيانا كالوقوع فيه لا سيما وقد قال تعالى : { فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ } ( ق : 22 ) ، وقال : { أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ۖ } ( مريم : 38 ) .
وعذاب الكفار للإهانة والإنتقام لا للتطهير والتمحيص ، كما أشار له تعالى بقوله : { وَلا يُزَكِّيهِمْ } ( البقرة : 174 ) ، وبقوله : { ولَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ } ( آل عمران : 178 ) ، والعلم عند الله تعالى . } اهـ

رابعا : من المعقول :

1- مع تغير نظم الاجتماع وشكل المؤسسات القديمه وطبيعة التحديات التي تواجهها الأمم والمجتمعات وأهمها تمتين العلاقات بين العناصر المكونه لها من المسلمين وغيرهم من المسيحيين فإن عادات الناس في هذه المسأله تُؤخذ في الاعتبار والمعروف عرفا كالمشروط شرطا ومن ثم فتعزيتهم والمشي في جنائزهم والترحم علي موتاهم ممن لا يُعرف منه كيد للإسلام وعداء له يدخل في ذلك المعني

الرد عليه من وجوه :

الأول : أن القول بوجوب تغير الأحكام بتغير نظم الإجتماع ، لا ينسحب على أمور العقيدة ، واصول الإسلام التى لا تتغير بتغير الزمان ، أو المكان ، وإنما يدخل فى باب المداهنة الذى نهى الله نهى عنه بقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } ( القلم : 9 )

قال القرطبى - رحمه الله - فى " تفسيره " : { ودوا لو تدهن فيدهنون قال ابن عباس وعطية والضحاك والسدي : ودوا لو تكفر فيتمادون على كفرهم . وعن ابن عباس أيضا : ودوا لو ترخص لهم فيرخصون لك . وقال الفراء والكلبي : لو تلين فيلينون لك . والادهان : التليين لمن لا ينبغي له التليين : قاله الفراء . وقال مجاهد : المعنى ودوا لو ركنت إليهم وتركت الحق فيمالئونك . وقال الربيع بن أنس : ودوا لو تكذب فيكذبون . وقال قتادة : ودوا لو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك . الحسن : ودوا لو تصانعهم في دينك فيصانعونك في دينهم . } اهـ

الثانى : أن الإسلام جاء ليقر الأعراف والعادات الصحيحة التى لا تتصادم معه ، فلا تحرم حلالا ، أو تحل حراما ، قال تعالى : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } ( الأعراف : 199 )

قال البغوى - رحمه الله - فى " تفسيره " : { ( وأمر بالعرف ) أي : بالمعروف ، وهو كل ما يعرفه الشرع . وقال عطاء : وأمر بالعرف يعني بلا إله إلا الله .} اهـ

الثالث : أن غير المسلمين لا يتنازلون عن تطبيق شريعتهم فى علاقاتهم بالمسلمين ، ولا يتنازلون عن أعرافهم وعاداتهم ، من باب تمتين العلاقات ، ولم ينكر عليهم أحد ، فلم ينكر على المسلمين تمسكهم بثوابتهم وعملهم بشريعتهم ؟!

(( ثالثا :- لأسباب المؤدية إلى مخالفة الإجماع ، والإفتاء بالجواز ))

نخلص مما سبق أن شبهات المجيزين للترحم على الكفار ، والمشركين ، والإستغفار لهم ، متاهفته ، لا تقوى على الصمود أمام ما أجمع عليه علماء الأمة ، قديما وحديثا ، وأنهم يستدلون بعموميات فى مواجهة الأدلة الخاصة بالمسألة ، وأن مرجع من يجوز ذلك واحد من ثلاثة :
الأول : الجهل بأحكام الشرع :
وهذا حال أكثر الناس الآن يجهلون الثوابت ، والمعلوم من الدين بالضرورة ، فضلا عن الفرعيات .
الثاني : الخوف :
وهذا حال من يعلم الحكم ، ويخاف من إظهاره خشية الهجوم عليه من الملاحدة ، والزنادقة ، ورميه بالتشدد ، والتطرف ، فيفقد مكانته التي يحرص عليها أشد الحرص .

الثالث : الهوى :
وهذا حال المعاندين للشرع ، المتكبرين عن قبول أحكامه ، فيرمون غيرهم بالتطرف والتشدد ، بالرغم من تطرفهم وتشددهم في نشر زندقتهم ، وإلحادهم .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

 

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 104.86 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 102.50 كيلو بايت... تم توفير 2.35 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]